نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الثلاثاء، 7 فبراير 2023

رسالة ابن تيمية للملك الناصر و ورسالته في فضل الخلفاء الراشدين


 رسالة ابن تيمية للملك الناصر و ورسالته في فضل الخلفاء الراشدين

رسالة من شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الملك الناصر

رسالة أرسلها شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية، رحمه الله، الى السلطان الملك الناصر، يذكر فيها ما أنعم الله على السلطان وعلى أهل الإسلام بسبب فتوح جبل كسر وان

بسم الله الرحمن الرحيم

من الداعي أحمد بن تيمية الى سلطان المسلمين، ومن أيد الله في دولته الدين، أعز بها عباده المؤمنين، وقمع فيها الكفار والمنافقين، والخوراج والمارقين، نصره الله ونصر به الإسلام، وأصلح له وبه أمور الخاص والعام، وأحيا به معالم الإيمان، وأقام عليه شرايع القرآن، وأذل به أهل الكفر والفسوق والعصيان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإنا نحمد إليكم الله الذي لا أحد إلاهو، هو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين وإمام المتقين محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما. أما بعد، فقد صدق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأنعم الله على السلطان وعلى المؤمنين في دولته نعما لم تعهد في القرون الخالية، وجدد الإسلام في أيامه تجديدا بانت فضيلته على الدول الماضية، وتحقق في ولايته خبر الصادق المصدوق أفضل الأولين والآخرين، الذي أخبر فيه عن تجديد الدين في رؤوس المئين، والله تعالى يوزعه والمسلمين شكر هذه النعم العظيمة في الدنيا والدين. ويتمها بتمام النصر على ساير الأعداء المارقين. وذلك أن السلطان أتم الله نعمته حصل للأمة بمن ولايته، وحسن نيته، وصحة إسلامه وعقيدته، وبركة إيمانه ومعرفته، وفضل همته وشجاعته، وثمرة تعظيمه للدين وشرعته، ونتيجة اتباعه لكتاب الله وحكمته، ما هو شبيه بما كان يجري في أيام الخلفاء الراشدين، وما كان يقصده أكابر الأئمة العادلين، من جهاد أعداء الله المارقين من الدين، وهم صنفان: أهل الفجور والطغيان، وذوو الغيّ والعدوان، الخارجون عن شرائع الإيمان، طلبا للعلو في الاحن والفساد، وتركا لسبيل الهدى والرشاد، وهؤلاء هم التتار ونحوهم من كل خارج عن شرايع الإسلام. وان تمسك بالشهادتين أو ببعض سياسة الأنام. والصنف الثاني: أهل البدع المارقون، وذوو الضلال المنافقون الخارجون عن السنة والجماعة، المفارقون للشرعة والطاعة، مثل هؤلاء الذين غزوا بأمر السلطان من أهل الجبيل والجرد والكسروان. فإن ما منّ الله به من الفتح والنصر على هؤلاء الطغام، هو من عظايم الأمور التي أنعم الله بها على السلطان وأهل الإسلام. وذلك لأن هؤلاء وجنسهم من أكابر المفسدين، في أمر الدنيا والدين، فإن اعتقادهم أن أبا بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، وجمهور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان. وأئمة الإسلام وعلماءهم أهل المذاهب الأربعة وغيرهم. ومشايخ الإسلام وعبادهم، وملوك الإسلام وأجنادهم، وعوام المسلمين وأفرادهم، كل هؤلاء عندهم كفار مرتدون، أكفر من اليهود والنصارى، لأنهم مرتدون عندهم، والمرتد شرّ من الكافر الأصلي، ولهذا السبب يقدوم الفرنج والتتار على أهل القرآن والإيمان، ولهذا لما قدم التتار الى البلاد، فعلوا بعسكر المسلمين ما لا يحصى من الفساد، وأرسلوا الى أهل قبرص فملكوا بعض الساحل، وحملوا راية الصليب، وحملوا الى قبرص من خيل المسلمين وسلاحهم وأسراهم ما لا يحصي عدده إلا الله. وأقام سوقهم بالساحل عشرين يوما يبيعون فيه المسلمين والخيل والسلاح على أهل قبرص، وفرحوا بمجيء التتار هم وساير أهل هذا المذهب الملعون، مثل جزين وما حواليها، وجبل عامل ونواحيه. ولما خرجت العساكر الإسلامية من الديار المصرية ظهر فيهم من الخزي والنكال ما عرفه الناس منهم، ولما نصر الله الإسلام النصرة العظمى عند قدوم السلطان كان بينهم شبيه بالعزاء، كل هذا وأعظم منه، عند هذه الطايفة التي كانت من أعظم الأسباب في خروج جنكسخان الى بلاد الاسلام، في استيلاء، هولاكو على بغداد، وفي قدومه حلب، وفي نهب الصالحية، وغير ذلك من أنواع العداوة للإسلام وأهله. لأن عندهم أن كل من لم يوافقهم على ضلالهم فهو مرتد. ومن استحل الفقاع فهو عندهم كافر. ومن مسح الخفين فهو عندهم كافر. ومن حرم المتعة فهو عندهم كافر. ومن أحب أبا بكر أوعمر أوعثمان أو ترضى عنهم أو عن جماهير الصحابة فهو كافر. ومن لم يؤمن بمنتظرهم فهو كافر. وهذا المنتظر صبي عمره سنتان أو ثلاث أو خمس. يعمون أنه يدخل السرداب بسامراء من أكثر من أربع ماية سنة، وهو يعلم كل شيء، وهو حجة الله على اهل الأرض. فمن لم يؤمن به فهو كافر. وهو شيء لا حقيقة له. ولم يكن هذا في الوجود قط. بل عندهم من قال : " الله يرى في الآخرة" فهو كافر. ومن قال: " إن الله تكلم بالقرآن حقيقة" فهو كافر. ومن قال: " إن الله فوق السموات" فهو كافر. ومن آمن بالقضاء والقدر وقال: " إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وإن الله يقلب قلوب عباده. وإن الله خالق كل شيء" فهو عندهم كافر. وعندهم أن من آمن بحقيقة أسماء الله وصفاته التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، فهو عندهم كافر. وهذا هو المذهب الذي تلقنه لهم أئمتهم مثل بني العود فإنهم شيوخ اهل هذا الجبل، وهم الذين كانوا يأمرونهم بقتال المسلمين ويفتونهم بهذه الأمور. وقد حصل بأيدي المسلمين عدة من كتبهم تصنيف ابن العود وغيره. وفيها هذا وأعظم منه. وهم اعترفوا لنا بأنهم الذين علموهم وأمروهم. لكنهم مع هذا يظهرون التقية والنفاق، ويتقربون ببذل الأموال الى من يقبلهم منهم، وهكذا كان عادة هؤلاء الجبلية، فإنما أقاموا بجبلهم لما كانوا يظهرونه من النفاق، ويبذلونه من البرطيل لمن يقصدهم. والمكان الذي لهم في غاية الصعوبة. ذكر ذبك أهل الخبرة، أنهم لم يروا مثله، ولهذا كثر فسادهم، فقتلوا من النفوس، وأخذوا من الأموال ما لا يعلمه إلا الله. ولقد كان جيرانهم من أهل البقاع وغيرها معهم في أمر لا يضبط سره. كل ليلة ينزل عليهم منهم طايفة، ويفعلون من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. وكانوا في قطع الطرقات، وإخافة سكان البيوتات على أقبح سيرة عرفت من أهل الخيانات، ترد إليهم النصارى من أهل قبرص فيضيفونهم، ويعطونهم سلاح المسلمين. ويقعون بالرجل الصالح من المؤمنين، فاما أن يقتلوه أو يسلبوه. وقليل من تفلت منهم بالحيلة، فأعان الله ويسر بحسن نية السلطان، وهمته في إقامة شرايع الإسلام، وعنايته وجهاده المارقين ان غزوا غزوة شرعية كما أمر الله ورسوله بعد أن كشفت أموالهم وأزيحت عليهم، وأزيلت شبهتهم، وبذل لهم من العدل والانصاف ما لم يكونوا يطمعون به. وبين لهم أن غزوهم اقتداء بسيرة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب في قتاله للحرورية المارقين، الذين تواتر عن النبي ﷺ الأمر بقتالهم، ونعت حالهم من وجوه متعددة، أخرج منها أصحاب الصحيح عشرة أوجه من حديث علي ابن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وسهل بن حنيف، وأبي ذر الغفاري، ورافع بن عمرو، وغيرهم من أصحاب النبي ﷺ قال فيهم: " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم. يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"، لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد انكلوا عن العمل، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يقرأون القرآن يحسبونه أنهم لهم وهو عليهم شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه. وأول ما خرج هؤلاء زمن أمير المؤمنين علي، وكان لهم من الصلاة والصيام والقراءة والعبادة والزهادة ما لم يكن لعموم الصحابة، لكن كانوا خارجين عن سنة رسول الله ﷺ، وعن جماعة المسلمين وقتلوا من المسلمين رجلا اسمه عبدالله بن حباب، وأغاروا على دواب المسلمين. وهؤلاء القوم كانوا أقل صلاة وصياما، ولم نجد في جبلهم مصحفا، ولا فيهم قارئ للقرآن، وإنما عندهم عقايدهم التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، واستحلوا بها دماء المسلمين، وهم مع هذا فقد سفكوا من الدماء وأخذوا من الأموال ما لا يحصي عدده إلا الله. فإذا كان علي ابن أبي طالب قد أباح لعسكره أن ينهبوا ما في عسكر الخوارج مع أنه قتلهم جميهم، كان هؤلاء أحق بأخذ أموالهم، وليس هؤلاء بمنزلة المتأولين الذين نادى فيهم علي بن أبي طالب يوم الجمل أنه لا يقتل مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبي لهم ذريّة لأن مثل أولئك لهم تأويل سايغ، وهؤلاء ليس لهم تأويل سايغ، ومثل أولئك إنما يكون خارجا عن طاعة الإمام، وهؤلاء خرجوا عن شريعة الله وسنته، وهم شر من التتار من وجوه متعددة، لكن التتر أكثر وأقوى، فلذلك يظهر كثرة شرهم، وكثير من فساد التتر فهو لمخالطة هؤلاء لهم. كما كان في زمن غازان و هولاكو وغيرهما. وأيضا، فإنهم أخذوا من أموال المسلمين اضعاف ما أخذ من اموالهم وأرضهم فيء بيت المال. وقد قال كثير من السلف: إن الرافضة لا حق لهم من الفيء، لأن الله إنما جعل الفيء للمهاجرين والأنصار والذين من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم

فمن لم يكن قلبه سليما لهم، ولسانه منغفرا لهم، لم يكن من هؤلاء وقطعت أشجارهم، لأن النبي ﷺ لما حاصر بني النضير قطع أصحابه نخلهم وحرّقوه، فقال اليهود: هذا فساد، وانت ي امحمد تنهى عن الفساد. فأنزل الله تعالى في القرآن: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين" وقد اتفق العلماء على جواز قطع الشجر وتخريب العامر عند الحاجة إليه، فليس ذلك بأولى من قتل النفوس. وما أمكن غير ذلك، فإن القوم لم يحصر كلهم من الأماكن التي اختفوا فيها وأيسوا من المقام في الجيل إلا حين قطعت الأشجار، وإلا كانوا يختفون حيث لا يمكن العلم بهم وما أمكن أن يسكن الجبل غيرهم لأن التركمان إنما قصدهم الري، وقد صار لهم مرعى، وساير الفلاحين لا يتركون عمارة أرضهم ويجيئون إليه. فالحمد لله الذي يسر بهذا الفتح في دولة السلطان، وبهمته وعزمه وأمره، وإخلاء منهم، وهم يشبهون بما ذكره الله في قوله: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر، ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله. فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا. وقذف في قلوبهم الرعب. يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. فاعتبروا يا أولي الأبصار. ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب النار. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله، ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب. ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله، وليخزي الفاسقين" وأيضا فإنه بهذا قد انكسر من أهل البدع والنفاق بالشام ومصر والحجاز واليمن والعراق، ما يرفع الله به درجات السلطان، ويعز به أهل الإيمان.

فصل

تمام هذا الفتح وبركته تقدم مراسم السلطان لحسم مادة أهل الفساد وإقامة الشريعة في البلاد، فإن هؤلاء القوم لهم من المشايخ والإخوان في قرى كثيرة من يقتدون به وينتصرون وفي قلوبهم غل عظيم، وإبطان معاداة شديدة لا يؤمنون معها على ما يمكنهم، ولو أن مباطنة العدو، فإذا أمسك رؤوسهم الذين يضلونهم مثل بني العود زال بذلك من الشر ما لا يعلمه إلا الله، ويتقدم إلى قراهم، وهي قرى متعددة بأعمال دمشق وصفد وطرابلس وحمص وحماة وحلب، بأن يقام فيهم شرايع الاسلام: الجمعة والجماعة، وقراءة القرآن، ويكون لهم خطباء ومؤذنون كساير قرى المسلمين، وتقرأ فيهم الأحاديث النبوية، وتنشر فيهم المعالم الإسلامية.

=======

 

ورسالته في فضل الخلفاء الراشدين{لابن تيمية}

سئل الشيخ الإمام العالم العلامة البحر الفهامة وحيد عصره وفريد دهره أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى:

عن رجل شريف متمسك بالسنة، لكن يحصل له أحيانا ريبة في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فيغلب على ظنه أن عليا أفضل منهم، ويستدل بقوله ﷺ: «أنت مني وأنا منك»، وبقوله ﷺ: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، وهارون كان من موسى بمنزلة رفيعة ولم يكن عنده أعز منه، وبقوله ﷺ يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه» فأعطاها لعلي، وبقوله ﷺ: «من كنت مولاه فعلي مولاه» "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحق معه كيف ما دار"، وبقوله يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي»، وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وبقوله سبحانه وتعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي . أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين. يجب أن تعلم أولا أن التفضيل يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه. وأما ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن، فتلك مناقب وفضائل ومآثر، لكن لا توجب تفضيله على غيره. وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.

وإذا كان كذلك، ففضائل الصديق رضي الله عنه التي ميز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي فمشتركة بينه وبين غيره. وذلك أن قوله: «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر» وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره:

[الأولى]: قوله ﷺ: «إن أمنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر .

الثانية: قوله: «لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر»، وهذا تخصيص له دون سائر الصحابة. وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي مثل ذلك، لكن الصحيح والثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع.

الثالثة: قوله: «لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا» فإنه نص في أنه لا أحد من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبا بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو كانت واقعة.

وكذلك أمره لأبي بكر أن يصلي بالناس مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد. ولم يأمر النبي ﷺ أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر.

وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه.

وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي» ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»

وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه.

وأما قوله ﷺ: «أنت مني وأنا منك»، فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها عليه السلام لجُلَبيب الذي قتل عدة من الكفار: «هذا مني وأنا منه». وفي الصحيحين: «إن الأشعريين إذا كانوا في السفر أو نقصت نفقة عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم». فقد جعل الأشعريين أبا موسى وأبا عامر وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: «أنت مني وأنا منك».

وقال تعالى: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم} وقال تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم}.

وقال ﷺ: «من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا» ونحو ذلك. وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: "هذا من هذا" إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملي الإيمان فهو من النبي ﷺ والنبي منه.

وقوله ﷺ في قصة بنت حمزة: «أنت مني وأنا منك» وكقوله لزيد بن حارثة: «أنت أخونا ومولانا» ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد، بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}. فكذلك قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقا للنبي ﷺ في كمال الإيمان كان من النبي ﷺ والنبي منه.

وكذلك قوله: «لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله» هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي ، أخرجاه في الصحيحين. وقد زاد فيه بعض الكذابين أن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا. وفي الصحيح أنه لما قال ﷺ: «لأعطين الراية رجلا» قال عمر: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذ" واستشرف لها عمر وغيره. ولو جاء منهزما لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي ، تبًّا لهم فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة، وإمامهم أبو بكر.

وفي الصحيح أنه قال ﷺ للأنصار: «والله إني لأحبكم».

وفي الصحيح أن عمرو بن العاص سأله: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». قال: فمن الرجال؟ قال: «أبوها». وهذا فيه أن أبا بكر أحب الرجال إليه؛ وهذا من خصائصه .

وكان أسامة بن زيد يسمى الحِب بن الحب، لحب النبي ﷺ له ولأبيه. وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق، فإن هذا الوصف ثابت لخلائق كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين.

وأما قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك لما استخلفه على المدينة، فطعن بعض الناس فيه وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه، وكان النبي ﷺ إذا خرج من المدينة استخلف رجلا من أمته، وكان يكون بها رجال من المؤمنين القادرين يستخلفه عليهم. فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين في التخلف، فلم يتخلف أحد بلا عذر إلا عاص لله ورسوله. فكان ذلك استخلافا ضعيفا، فطعن فيه المنافقون بهذا السبب. فبين له النبي ﷺ أني لم أستخلفك لنقص قدرك عندي، فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى؟ ومعلوم أنه استخلف غيره قبله، وكان أولئك منه بهذه المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف ذلك على علي ولم يخرج إليه وهو يبكي ويقول: "أتخلفني في النساء والصبيان؟"

ومما بين ذلك أنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع. فإن هذا الاستخلاف كان في غزوة تبوك - في أوائلها - فلما رجع من الغزو أمر أبا بكر على الحج ثم أردفه بعلي، فلما لحقه قال: "أمير أو مأمور؟" قال: "بل مأمور"، فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره ويأمر على علي، وعلي وغيره من الصحابة يطيعون أبا بكر. وعلي على نبذ العهود التي كانت بين النبي ﷺ وبين المشركين. لأن العادة كانت جارية أنه لا يعقد العهود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، ولهذا قال ﷺ: "لا يبلغ عني العهد إلا رجل من أهل بيتي"، للعادة الجارية. ولم يكن هذا من خصائص علي ، بل أي رجل من عترته نبذ العهد حصل به المقصود، لكن علي أفضل بني هاشم بعد رسول الله ﷺ، فكان أحق الناس بالتقدم من سائر الأقارب. فلما أمر أبا بكر بعد قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» علمنا أنه لا دلالة فيه على أنه بمنزلة هارون من كل وجه، إذ لو كان كذلك لم يقدم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة، كما أن هارون لم يكن موسى يقدم عليه غيره. وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.

وقد شبه النبي ﷺ في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبه عمر بنوح وموسى لما أشارا عليه في أسرى بدر هذا بالفدى وهذا بالقتل، وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل هذا في شدته في الله وهذا في لينه في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.

وأما قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار" فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات؛ إلا في الترمذي وليس فيه إلا: «من كنت مولاه فعلي مولاه». وأما الزيادة فليست في الحديث. وقد سئل عنها الإمام أحمد فقال: الزيادة كوفية. ولا ريب أنها كذب لوجوه. أحدها أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي ﷺ، لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، لأنه لو كان كذلك لكان بمنزلة النبي ﷺ يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها نصوص عن النبي ﷺ توافق قول من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل. فإن عليا أفتى بأنها تعتد أبعد الأجلين، وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل، وبهذا جاءت سنة النبي ﷺ. وكان أبو السنابل يفتي بمثل قول علي فقال رسول الله ﷺ: «كذب أبو السنابل، قد حللت فانحكي» قاله لسبيعة الأسلمية لما سألته عن ذلك.

وقوله: " اللهم انصر من نصره واخذل من خذله" خلاف الواقع، فإن الواقع ليس كذلك. بل قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خُذلوا، كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق، لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى.

وكذلك قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" مخالف لأصول الإسلام ؛ فإن القرآن قد بيّن أن المؤمنين إخوة مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض، هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}. فكيف يجوز أن يقول النبي ﷺ للواحد من أمته: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياؤه وأن بعضهم أولياء بعض وأنهم إخوة وإن اقتتلوا أو بغى بعضهم على بعض.

وأما قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فمن علماء الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره، ومنهم من حسنه كأحمد بن حنبل والترمذي وغيرهما، فإن كان النبي ﷺ قال ذلك [فما] أراد به ولاية يختص بها، [بل] لم يرد به إلا الولاية المشتركة، وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين. وتبين بهذا أن عليا من المؤمنين المتقين الذين يجب موالاتهم، ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة. والموالاة ضد المعاداة. ولا ريب أنه يجب موالاة جميع المؤمنين، وعلي من سادات المؤمنين، كما يجب موالاة أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ونقص إيمانه بقدر ما ترك من موالاتهم الواجبة، وقد قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} وهذه موجبة لموالاة جميع المؤمنين.

وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة. وذلك مبين بوجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع.

وأما قوله: يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي» وهذا حديث رواه مسلم، وليس هذا من خصائص علي، بل هو مساو لجميع أهل البيت، آل علي وجعفر وعقيل وآل العباس. وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة، فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي ﷺ ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس، فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت. وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة.

وأما آية المباهلة فليست أيضا من خصائصه ، بل قد دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين كما رواه مسلم، ودعوتهم لم تكن لأنهم أفضل الأمة، بل لأنهم أخص أهل بيته، كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ أدى زكاة علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». فدعا لهم دعوة خصهم بها. ولما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس دعا هؤلاء.

ولفظ "الأنفس" يعبر بها عن النوع الواحد، كما قال تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}، وقال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} أي: يقتل بعضكم بعضا، وقوله: «أنت مني وأنا منك» ليس المراد أنه من ذاته، ولا ريب أن أعظم الناس قدرا من الأقارب هو علي ، فله من مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد لبقية القرابة والصحابة، فدخل بذلك في المباهلة. وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يباهل بأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ونحوهم.

وأما قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم}، ففي الصحيح عن أبي ذر أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، برزوا لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة. وهذه فضيلة مشتركة بين علي وحمزة وعبيدة، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة. ولو قدر أنها نزلت في الستة المبارزين فلا يدل على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبي ﷺ والحسن والحسين وأبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم ممن هو أفضل من عبيدة بن الحارث باتفاق أهل السنة منقبة لهم وفضيلة، وليست من الخصائص التي توجب كون صاحبها أفضل من غيره.

وأما سورة: {هل أتى} وقول من يقول إنها نزلت لما تصدقوا على مسكين ويتيم وأسير، ويذكرون أن ذلك كان لما تصدقت فاطمة رضي الله عنها بقوت الحسن والحسين، وهذا كذب لأن سورة {هل أتى} مكية بالإجماع، والحسنين إنما ولدا في المدينة بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم. وبتقدير صحتها فليس في هذا ما يدل على أن من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا كان أفضل الأمة وأفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة بين كل من فعل هذا الفعل، وتدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل، [مع أن] غيره من الأعمال كالإيمان بالله والصلوات في مواقيتها والجهاد في سبيل الله تعالى أفضل من هذا العمل بالإجماع.

وهذا جواب هذه المسائل والله أعلم.

واعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر إما أن يكون كذبا على رسول الله ﷺ وإما أن يكون لفظا محتملا لا دلالة فيه. وأما النصوص المفضلة لأبي بكر فصحيحة صريحة، مع دلائل أخرى من القرآن والإجماع والاعتبار والاستدلال. والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7وج8.كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم{والاخير}

ج7وج8 .كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم   ...