نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الاثنين، 6 فبراير 2023

العبر في خبر من غبر للذهبي الجزء الأول والثاني

العبر في خبر من غبر

للذهبي الجزء الأول والثاني

العبر في خبر من غبر

الجزء الأول: من السنة الأولى للهجرة إلى سنة 318

الجزء الثاني: من سنة 319 إلى سنة 546

الجزء الثالث: من سنة 547 إلى سنة 700

ذيول العبر: من سنة 701 إلى سنة 764 .

==

المحتويات

المقدمة

السنة الأولى من التاريخ الإسلامي

سنة اثنتين

سنة ثلاث

سنة أربع

سنة خمس

سنة ست

سنة سبع من الهجرة

سنة ثمان

سنة تسع من الهجرة

سنة عشر من الهجرة

سنة إحدى عشرة من الهجرة

سنة اثنتي عشرة

سنة ثلاث عشرة من الهجرة

سنة أربع عشرة

سنة خمس عشرة

سنة ست عشرة

سنة سبع عشرة

سنة ثمان عشرة

سنة تسع عشرة

سنة عشرين

سنة إحدى وعشرين

سنة اثنتين وعشرين

سنة ثلاث وعشرين

سنة أربع وعشرين

سنة خمس وعشرين

سنة ست وعشرين

سنة سبع وعشرين

سنة ثمان وعشرين

سنة تسع وعشرين

سنة ثلاثين

سنة إحدى وثلاثين

سنة اثنتين وثلاثين

سنة ثلاث وثلاثين

سنة أربع وثلاثين

سنة خمس وثلاثين

سنة ست وثلاثين

سنة سبع وثلاثين

سنة ثمان وثلاثين

سنة تسع وثلاثين

سنة أربعين

سنة إحدى وأربعين

سنة اثنتين وأربعين

سنة ثلاث وأربعين

سنة أربع وأربعين

سنة خمس وأربعين

سنة ست وأربعين

سنة سبع وأربعين

سنة ثمان وأربعين

سنة تسع وأربعين

سنة خمسين

سنة إحدى وخمسين

سنة اثنتين وخمسين

سنة ثلاث وخمسين

سنة أربع وخمسين

سنة خمس وخمسين

سنة ست وخمسين

سنة سبع وخمسين

سنة ثمان وخمسين

سنة تسع وخمسين

سنة ستين

سنة إحدى وستين

سنة اثنتين وستين

سنة ثلاث وستين

سنة أربع وستين

سنة خمس وستين

سنة ست وستين

سنة سبع وستين

سنة ثمان وستين

سنة تسع وستين

سنة سبعين

سنة إحدى وسبعين

سنة اثنتين وسبعين

سنة ثلاث وسبعين

سنة أربع وسبعين

سنة خمس وسبعين

سنة ست وسبعين

سنة سبع وسبعين

سنة ثمان وسبعين

سنة تسع وسبعين

سنة ثمانين

سنة إحدى وثمانون

سنة اثنتين وثمانون

سنة ثلاث وثمانين

سنة أربع وثمانين

سنة خمس وثمانين

سنة ست وثمانين

سنة سبع وثمانين

سنة ثمان وثمانين

سنة تسع وثمانين

سنة تسعين

سنة إحدى وتسعين

سنة اثنتين وتسعين

سنة ثلاث وتسعين

سنة أربع وتسعين

سنة خمس وتسعين

سنة ست وتسعين

سنة سبع وتسعين

سنة ثمان وتسعين

سنة تسع وتسعين

سنة مائة

سنة إحدى ومائة

سنة اثنتين ومائة

سنة ثلاث ومائة

سنة أربع ومائة

سنة خمس ومائة

سنة ست ومائة

سنة سبع ومائة

سنة ثمان ومائة

سنة تسع ومائة

سنة عشر ومائة

سنة إحدى عشرة ومائة

سنة اثنتي عشر ومائة

سنة ثلاث عشرة ومائة

سنة أربع عشرة ومائة

سنة خمس عشرة ومائة

سنة ست عشرة ومائة

سنة سبع عشرة ومائة

سنة ثمان عشرة ومائة

سنة تسع عشرة ومائة

سنة عشرين ومائة

سنة إحدى وعشرين ومائة

سنة اثنتين وعشرين ومائة

سنة ثلاث وعشرين ومائة

سنة أربع وعشرين ومائة

سنة خمس وعشرين ومائة

سنة ست وعشرين ومائة

سنة سبع وعشرين ومائة

سنة ثمان وعشرين ومائة

سنة تسع وعشرين ومائة

سنة ثلاثين ومائة

سنة إحدى وثلاثين ومائة

سنة اثنتين وثلاثين ومائة

سنة ثلاث وثلاثين ومائة

سنة أربع وثلاثين ومائة

سنة خمس وثلاثين ومائة

سنة ست وثلاثين ومائة

سنة سبع وثلاثين ومائة

سنة ثمان وثلاثين ومائة

سنة تسع وثلاثين ومائة

سنة أربعين ومائة

سنة إحدى وأربعين ومائة

سنة اثنتين وأربعين ومائة

سنة ثلاث وأربعين ومائة

سنة أربع وأربعين ومائة

سنة خمس وأربعين ومائة

سنة ست وأربعين ومائة

سنة سبع واربعين ومائة

سنة ثمان وأربعين ومائة

سنة تسع وأربعين ومائة

سنة خمسين ومائة

سنة إحدى وخمسين ومائة

سنة اثنتين وخمسين ومائة

سنة ثلاث وخمسين ومائة

سنة أربع وخمسين ومائة

سنة خمس وخمسين ومائة

سنة ست وخمسين ومائة

سنة سبع وخمسين ومائة

سنة ثمان وخمسين ومائة

سنة تسع وخمسين ومائة

سنة ستين ومائة

سنة إحدى وستين ومائة

سنة اثنتين وستين ومائة

سنة ثلاث وستين ومائة

سنة أربع وستين ومائة

سنة خمس وستين ومائة

سنة ست وستين ومائة

سنة سبع وستين ومائة

سنة ثمان وستين ومائة

سنة تسع وستين ومائة

سنة سبعين ومائة

سنة إحدى وسبعين ومائة

سنة اثنين وسبعين ومائة

سنة ثلاث وسبعين ومائة

سنة أربع وسبعين ومائة

سنة خمس وسبعين ومائة

سنة ست وسبعين ومائة

سنة سبع وسبعين ومائة

سنة ثمان وسبعين ومائة

سنة تسع وسبعين ومائة

سنة ثمانين ومائة

سنة إحدى وثمانين ومائة

سنة اثنتين وثمانين ومائة

سنة ثلاث وثمانين ومائة

سنة أربع وثمانين ومائة

سنة خمس وثمانين ومائة

سنة ست وثمانين ومائة

سنة سبع وثمانين ومائة

سنة ثمان وثمانين ومائة

سنة تسع وثمانين ومائة

سنة تسعين ومائة

سنة إحدى وتسعين ومائة

سنة اثنتين وتسعين ومائة

سنة ثلاث وتسعين ومائة

سنة أربع وتسعين ومائة

سنة خمس وتسعين ومائة

سنة ست وتسعين ومائة.

سنة سبع وتسعين ومائة

سنة ثمان وتسعين ومائة

سنة تسع وتسعين ومائة

سنة مائتين من الهجرة

سنة إحدى ومائتين

سنة اثنتين ومائتين

سنة ثلاث ومائتين

سنة أربع ومائتين

سنة خمس ومائتين

سنة ست ومائتين

سنة سبع ومائتين

سنة ثمان ومائتين

سنة تسع ومائتين

سنة عشر ومائتين

سنة إحدى عشرة ومائتين

سنة اثنتي عشرة ومائتين

سنة ثلاث عشرة ومائتين

سنة أربع عشرة ومائتين

سنة خمس عشرة ومائتين

سنة ست عشرة ومائتين

سنة سبع عشرة ومائتين

سنة ثمان عشرة ومائتين

سنة تسع عشرة ومائتين

سنة عشرين ومائتين

سنة إحدى وعشرين ومائتين

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

سنة ثلاث وعشرين ومائتين

سنة أربع وعشرين ومائتين

سنة خمس وعشرين ومائتين

سنة ست وعشرين ومائتين

سنة سبع وعشرين ومائتين

سنة ثمان وعشرين ومائتين

سنة تسع وعشرين ومائتين

سنة ثلاثين ومائتين

سنة إحدى وثلاثين ومائتين

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

سنة أربع وثلاثين ومائتين

سنة خمس وثلاثين ومائتين

سنة ست وثلاثين ومائتين

سنة سبع وثلاثين ومائتين

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

سنة تسع وثلاثين ومائتين

سنة أربعين ومائتين

سنة إحدى وأربعين ومائتين

سنة اثنتين وأربعين ومائتين

سنة ثلاث وأبعين ومائتين

سنة أربع وأربعين ومائتين

سنة خمس وأربعين ومائتين

سنة ست وأربعين ومائتين

سنة سبع وأربعين ومائتين

سنة ثمان وأربعين ومائتين

سنة تسع وأربعين ومائتين

سنة خمسين ومائتين

سنة إحدى وخمسين ومائتين

سنة اثنتين وخمسين ومائتين

سنة ثلاث وخمسين ومائتين

سنة أربع وخمسين ومائتين

سنة خمس وخمسين ومائتين

سنة ست وخمسين ومائتين

سنة سبع وخمسين ومائتين

سنة ثمان وخمسين ومائتين

سنة تسع وخمسين ومائتين

سنة ستين ومائتين

سنة إحدى وستين ومائتين

سنة اثنتين وستين ومائتين

سنة ثلاث وستين ومائتين

سنة أربع وستين ومائتين

سنة خمس وستين ومائتين

سنة ست وستين ومائتين

سنة سبع وستين ومائتين

سنة ثمان وستين ومائتين

سنة تسع وستين ومائتين

سنة سبعين ومائتين

سنة إحدى وسبعين ومائتين

سنة اثنتين وسبعين ومائتين

سنة ثلاث وسبعين ومائتين

سنة أربع وسبعين ومائتين

سنة خمس وسبعين ومائتين

سنة ست وسبعين ومائتين

سنة سبع وسبعين ومائتين

سنة ثمان وسبعين ومائتين

سنة تسع وسبعين ومائتين

سنة ثمانين ومائتين

سنة إحدى وثمانين ومائتين

سنة اثنتين وثمانين ومائتين

سنة ثلاث وثمانين ومائتين

سنة أربع وثمانين ومائتين

سنة خمس وثمانين ومائتين

سنة ست وثمانين ومائتين

سنة سبع وثمانين ومائتين

سنة ثمان وثمانين ومائتين

سنة تسع وثمانين ومائتين

سنة تسعين ومائتين

سنة إحدى وتسعين ومائتين

سنة اثنتين وتسعين ومائتين

سنة ثلاث وتسعين ومائتين

سنة أربع وتسعين ومائتين

سنة خمس وتسعين ومائتين

سنة ست وتسعين ومائتين

سنة سبع وتسعون ومائتين

سنة ثمان وتسعين ومائتين

سنة تسع وتسعين ومائتين

سنة ثلاثمائة

سنة إحدى وثلاثمائة

سنة اثنتين وثلاثمائة

سنة ثلاث وثلاثمائة

سنة أربع وثلاثمائة

سنة خمس وثلاثمائة

سنة ست وثلاثمائة

سنة سبع وثلاثمائة

سنة ثمان وثلاثمائة

سنة تسع وثلاثمائة

سنة عشر وثلاثمائة

سنة إحدى عشرة وثلاثمائة

سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة

سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة

سنة أربع عشرة وثلاثمائة

سنة خمس عشرة وثلاثمائة

سنة ست عشرة وثلاثمائة

سنة سبع عشرة وثلاثمائة

سنة ثماني عشرة وثلاثمائة

العبر في خبر من غبر/الجزء الأول

< العبر في خبر من غبر

العبر في خبر من غبر

للذهبي

((( الواجهة الجزء الأول: من السنة الأولى للهجرة إلى سنة 318 الجزء الثاني))) 

قال الحافظ العلامة العمدة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن الذهبي رضوان الله عليه:

الحمد لله مميت الأحياء ومحيي الأموات ومبيد الأشياء ومعيد البريات ومنزل القرآن ومجزل العطيات ومجري الفلك ومالك الملك ومقدر الآجال والأفعال والأقوات ومحصي عدد الرمل والقطر والنبات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مدخرة لوقت الممات. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبوات وأفضل المخلوقات.

وبعد فهذا تاريخ مختصر على السنوات أذكر فيه ما قدر لي من أشهر الحوادث والوفيات مما يتعين على الذكي حفظه ويتحتم على العالم إحضاره. والله الموفق والأعمال بالنية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

السنة الأولى من التاريخ الإسلامي

فيها هاجر النبي ﷺ إلى المدينة. فقدمها يوم الاثنين ضحى، لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول، فنزل بها وبنى مسجدها وأقام بها ثلاثا.

وفيها توفي: البراء بن معرور أحد النقباء وأول من بايع النبي ﷺ ليلة العقبة.

وأبو أمامة أسعد بن زرارة بالذبحة. وكان من سادة الأنصار ومن رؤسائهم الأبرار، ومن بني مالك بن النجار.

سنة اثنتين

كانت غزوة بدر يوم الجمعة سابع عشر من رمضان. فاستشهد من المسلمين أربعة عشر، وقتل من الكفار سبعون.

فممن قتل: أبو جهل المخزومي، وعتبة بن ربيعة العبشمي، وهما مقدما الجيش، وكبيرا قريش. وشيبة أخو عتبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف الجمحي، وعقبة بن أبي معيط.

وهلك فيها أبو لهب. والمطعم بن عدي.

وفيها فرض رمضان.

وفي شوالها دخل النبي ﷺ بعائشة.

وفيها توفي عثمان بن مظعون.

وفيها تحولت القبلة في وسط السنة.

وفيها بنى علي بفاطمة رضي الله عنهما.

وفيها ولد المسور بن مخرمة وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم والنعمان بن البشير.

سنة ثلاث

في رمضان ولد الحسن بن علي.

ودخل النبي ﷺ بحفصة في رمضان أيضا، وزينب بنت جحش، وزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين. فعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر وتوفيت.

وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت النبي ﷺ.

وفي يوم السبت حادي عشر شوال كانت وقعة أحد. فاستشهد يومئذ حمزة عم النبي ﷺ ومصعب بن عمير العبدري، وتتمة سبعين رجلا، رضي الله عنهم.

وفيها بئر معونة بعد أحد. قال أنس: بعث رسول الله ﷺ سبعين رجلا فقتلوا ببئر معونة.

سنة أربع

في صفر كانت غزوة بئر معونة. قال أنس: كانوا سبعين فقتلوا يومئذ.

قلت: منهم المنذر بن عمرو الساعدي أميرهم، ونافع بن بديل بن ورقاء، وعامر بن فهيرة والحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء السلمي. وقال غير أنس: كانوا أربعين، وكان يقال لهم القراء، فاستشهدوا ونزل فيهم قرآن ثم نسخ.

وفيها غزوة بني النضير، ونزلوا صلحا وجلوا إلى خيبر.

وبعدها غزوة ذات الرقاع. ولقي النبي ﷺ جمعا من غطفان فلم يكن قتال.

سنة خمس

في شوال غزوة الخندق. وهي غزوة الأحزاب. ولم يكن فيها إلا رمي بالنبل ومصابرة أكثر من عشرين يوما. وخرج للمبارزة عمرو بن عبد ود. فبارزه علي رضي الله عنه وقتله.

وبعدها في عقبها غزوة بني قريظة. ثم نزلوا بعد حصار خمسة وعشرين يوما على حكم سعد. فقتلت مقاتلتهم، وكانوا ست مائة أو أزيد. وسبيت ذراريهم. وبعدها توفي سيد الأوس سعد بن معاذ من سهم أصابه يوم الأحزاب.

وفي شعبان تزوج النبي ﷺ بجويرية بنت الحارث.

وفيها على الصحيح، غزوة بني المصطلق. وتسمى غزوة المريسيع. فهزمهم النبي ﷺ. وأصاب يومئذ جويرية.

وفيها مرجعهم من هذه الغزاة كان حديث الإفك. وقيل في سنة ست.

سنة ست

في ذي القعدة خرج النبي ﷺ في ألف وأربع مائة معتمرين حتى نزل الحديبية. وبايع أصحابه تحت الشجرة. وصالح قريشا.

سنة سبع من الهجرة

في صفر فتحت خيبر.

واصطفى النبي ﷺ من السبي صفية بنت حيي بن أخطب، وجعل عتقها صداقها.

واستشهد من المسلمين بخيبر بضعة عشر رجلا.

وفي ذي القعدة كانت غزوة القضاء. قضاها المسلمون عن عمرة الحديبية.

وفي رجوعهم بنى النبي ﷺ بميمونة بنت الحارث بسرف في ذي الحجة.

ثم بعد أيام قدمت أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة. ودخل بها النبي ﷺ.

سنة ثمان

في جمادى الأولى وقعة مؤتة بقرب الكرك. فاستشهد أمراء الجيش ثلاثتهم: زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله ﷺ، ثم جعفر بن أبي طالب. ثم عبد الله بن رواحة الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة. وقتل أيضا غير من سمي ثمانية أنفس. ثم أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمرة، فجال بها واستظهر على المشركين، وتحيز بالمسلمين. وهي أول مشاهدة في الإسلام.

وفي رمضان، في أواخره أو وسطه، فتح مكة.

وفي شوال وقعة حنين. وكان النبي ﷺ في عشرة آلاف مقاتل أو أزيد. فولى يومئذ المسلمين الأدبار، وثبت النبي ﷺ في طائفة، وتراجع المسلمون، واستشهد يومئذ طائفة يسيرة. ثم سار النبي ﷺ فحاصر حصن الطائف بضعا وعشرين ليلة، ونصب عليها المنجنيق، ثم ترحل عنها. وأسلموا في العام المقبل. واستشهد على الطائف جماعة.

وفيها توفيت أم أمامة زينب ابنة النبي ﷺ وأكبر بناته.

سنة تسع من الهجرة

في رجب غزوة تبوك، فسار النبي ﷺ بعد أن صلى قبل خروجه على النجاشي رضي الله عنه صلاة الغائب.

وفي شعبان توفيت أم كلثوم بنت النبي ﷺ زوجة عثمان.

وفيها قتل عروة بن مسعود الثقفي. قتله قومه إذ دعاهم إلى الإسلام.

وبعد رجوع النبي ﷺ من تبوك توفي سهيل بن بيضاء الفهري. أحد السابقين الأولين. وصلى عليه النبي ﷺ في المسجد.

وعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين. وصلى عليه النبي ﷺ وألبسه قميصه إكراما له. وفيه نزلت: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}.

ومات قتلا ملك الفرس شهر براز بن شيرويه. قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى.

سنة عشر من الهجرة

وتسمى سنة الوفود، لكثرة من وفد فيها من العرب مسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجا.

وفي ربيع الأول توفي إبراهيم ابن النبي ﷺ، وهو ابن سنة ونصف.

وحج النبي ﷺ حجة الإسلام. وحج معه من الصحابة مائة ألف أو يزيدون، حتى حج من لم يره قبلها ولا بعدها، ونالوا بذلك نصيبا من الصحبة.

وفي ذي الحجة ظهر الأسود العنسي الدجال الذي ادعى النبوة، وكان له شيطان يخبره بالمغيبات فضل به خلق واستولى على اليمن؛ إلى أن قتل في صفر من العام الآتي.

سنة إحدى عشرة من الهجرة

توفي سيد البشر أبو القاسم ﷺ في وسط نهار يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول. غسل وكفن يوم الثلاثاء. ودخل الناس أفواجا يصلون عليه ويخرجون. ودفن ليلة الأربعاء.

وبويع أبو بكر الصديق بكرة يوم الثلاثاء.

وفيها ارتدت العرب، وظهر مسيلمة الكذاب واستفحل أمره. وسار المسلمون لحربه وعليهم خالد بن الوليد. فكانوا ألفين وسبع مائة، فالتقوا: طليحة الأسدي، وعيينة بن حصن الفزاري، وقرة بن هبيرة القشيري ببزاخة فاقتتلوا أشد قتال. ثم هرب طليحة نحو الشام. ثم حسن إسلامه، وأسر خالد عيينة وقرة وبعث بهما إلى الصديق فحقن دمائهما. وأتى خالد بمالك بن نويرة في رهط من بني حنظلة فضرب أعناقهم. وكان خالد قد وجه ثابت بن أقرم الأنصاري وعكاشة بن محصن الأسدي فأخذوا ثقل طليحة وقتلوا رجلا معه. فساق خلفهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتا.

وبعد النبي ﷺ بستة أشهر أو أقل توفيت ابنته أم الحسن فاطمة رضي الله عنها، ولها أربع وعشرون سنة.

وفي تلك الأيام توفيت أم أيمن حاضنة النبي ﷺ ومولاته.

سنة اثنتي عشرة

في ربيع الأول كانت وقعة اليمامة. فقتل كبير القوم مسيلمة الكذاب. وفتحت اليمامة صلحا على يد خالد، بعد أن استشهد من الصحابة أربع مائة وخمسون رجلا. وبعضهم يقول: استشهد من الصحابة ست مائة نفس. وقال غير واحد: قتل من الصحابة وغيرهم ألف ومائة رجل.

قلت: فمنهم زيد بن الخطاب العدوي. وكان أسن من عمر. وأسلم قبله. وكان مفرط الطول، وأسمر. وكانت معه راية المسلمين يومئذ، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو حتى قتل. ووجد عليه عمر. وكان يقول: أسلم قبلي واستشهد قبلي، وكان يقول: ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد.

ومنهم أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. وسالم مولاه. وكانا بدريين. وكان سالم مولى أبي حذيفة من قراء الصحابة الأعيان.

ومنهم ثابت بن قيس بن شماس. وأبو دجانة سماك بن خرشة الساعدي. والطفيل بن عمرو الدوسي. وشجاع بن وهب الأسدي والحكم بن سعيد بن العاص الأموي. وبشير بن سعد الأنصاري أبو النعمان. وعباد بن بشر.

وقد سمى خليفة بن خياط طائفة ممن استشهد يوم اليمامة. ثم قال: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلا.

وفي ذي الحجة توفي صهر النبي ﷺ على زينب أبو العاص بن الربيع العبشمي وهو ابن أخت خديجة، هالة بنت خويلد بن أسد.

سنة ثلاث عشرة من الهجرة

في أولها جهز أبو بكر الصديق البعوث إلى الشام، وأمر على الجيش جماعة: عمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وأبا عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة. وبعث إلى العراق خالد بن الوليد، فافتتح الأبلة، وأغار على السواد، وحاصر عين التمر، وأوطأ الفرس ذلاوهوانا. ثم خرق البرية إلى الشام.

واجتمع المسلمون فكانت وقعة أجنادين بين الرملة وبيت جبرين في جمادى الأولى.

واستشهد يومئذ طائفة من الصحابة. ثم كان النصر ولله الحمد، وكانت ملحمة عظيمة.

وتوفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه لثمان بقين من ذي القعدة عن ثلاث وستين سنة. وعاش بعده أبوه أبو قحافة أشهرا.

وتوفي أمير مكة عتاب بن أسيد الأموي شابا.

وولي الخلافة عمر بنص من أبي بكر. فلم يختلف عليه اثنان. فوالله لو نص لهم النبي ﷺ على علي بن أبي طالب كما تفتري الرافضة لما اختلف عليه اثنان أيضا.

سنة أربع عشرة

في رجب فتحت دمشق صلحا وعنوة. ثم أمضيت صلحا بعد أن حوصرت حصارا طويلا.

وفيها كانت وقعة جسر أبي عبيد. واستشهد يومئذ طائفة منهم: أبو عبيد بن مسعود الثقفي، وهو الذي نسب إليه الجسر، وهو والد المختار الكذاب وكان من سادة الصحابة وهذه الوقعة عند نجران على مرحلتين من الكوفة. وعن الشعبي قال: قتل أبو عبيد في ثمان مائة من المسلمين.

وفيها مصر البصرة عتبة بن غزوان، وأمر ببناء مسجدها الأعظم.

وفيها وقعة مرج الصفر في أول السنة. وكانت وقعة هائلة استشهد فيها جماعة.

وفيها وقيل في العام الماضي وقعة فحل بالشام.

وفيها فتحت بعلبك وحمص صلحا. وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى القسطنطينية.

سنة خمس عشرة

وقعة اليرموك في رجب. وكان المسلمون ثلاثين ألفا، والروم أزيد من مائة ألف قد سلسلوا أنفسهم، الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا. فلما هزمهم الله كان الواحد يقع في وادي اليرموك فيقع من معه في السلسلة، حتى ردموا الوادي واستوت حافتاه فيما قيل، وداستهم الخيل. واستشهد يومئذ طائفة. منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وعكرمة ابن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام أخو الزبير، وعامر بن أبي وقاص أخو سعد.

وفي شوال وقعة القادسية بالعراق. وقيل كانت في أول سنة ست عشرة. وأمير الناس بن أبي وقاص. ورأس المجوس رستم ومعه الجالينوس وذو الحاجب. وكان المسلمون أرجح من سبعة آلاف، والمجوس ستين ألفا أو أربعين ألفا. وكان معهم سبعون فيلا. فقتل رستم والجالينوس وذو الحاجب. ثم حصرهم المسلمون في المدائن. واستشهد عمرو بن أم مكتوم الأعمى المؤذن.

وفيها افتتحت الأردن كلها عنوة، إلا طبرية فافتتحت صلحا.

وفيها توفي سعد بن عبادة سيد الخزرج في حوران. بال في بخش فمات لوقته، فيقال إن الجن أصابته.

سنة ست عشرة

فيها افتتحت حلب وأنطاكية صلحا.

وفيها مصر سعد الكوفة وأنشأها.

وفيها افتتحت الرها وسروج.

وفيها نزل عمر رضي الله عنه على بيت المقدس وأخذها بالأمان.

واستشهد بالقادسية أبو زيد الأنصاري القاري واسمه سعد بن عبيد، وهو والد أمير حمص عمير بن سعد.

سنة سبع عشرة

هي عام الرمادة. قحط الناس بالحجاز. واستسقى عمر بالعباس.

ثم خرج فيها إلى سرغ، ورد منها للطاعون الذي بالشام. وزاد في مسجد النبي ﷺ زيادة.

وفيها سار أمير البصرة أبو موسى الأشعري وافتتح الأهواز.

وفيها كانت وقعة جلولاء. فجال المسلمون جولة وانهزموا، ثم ثبتوا فكان الفتح، وقتل من المشركين عدد كبير وكانت ملحمة عظيمة. وكان بعضهم يسميها فتح الفتوح وسميت جلولاء لما تجللها من الشر. وبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف، وقيل ثلاثين ألف ألف.

وفيها تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء.

وفيها توفي عتبة بن غزوان المازني، أحد السابقين الأولين. يقال أسلم سابع سبعة. وهو الذي اختط البصرة.

سنة ثمان عشرة

طاعون عمواس وقع بناحية الأردن. فاستشهد أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري أمين الأمة، وأمير أمراء الشام. ومن مناقبه أن أبا بكر أشار به وبعمر للخلافة يوم السقيفة.

واستشهد بالطاعون معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي، وله ست وثلاثون سنة. وكان من نجباء الصحابة.

ويزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي. أسلم يوم الفتح، ثم كان من أفاضل الصحابة. وهو أحد الأمراء الأربعة الذين استعملهم الصديق على غزو الشام. ثم ولي دمشق لعمر. وولي دمشق بعده أخوه معاوية.

واستشهد في الطاعون أبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري الذي رده أبوه في قيوده يوم الحديبية.

وأبو عبد الرحمن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل، أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه. وقيل استشهد باليرموك.

وفيها افتتحت حران ونصيبين وشميساط والموصل، أكثرها على يد عياض بن غنم الفهري.

وفيها افتتحت السوس وجنديسابور وتستر.

سنة تسع عشرة

فيها كانت وقعة بأرمينية أصيب فيها: صفوان بن المعطل الذكواني.

وقيل فيها توفي يزيد بن أبي سفيان.

وفيها فتحت تكريت.

وفيها توفي بخلف أبو المنذر أبي بن كعب الأنصاري سيد القرآء.

سنة عشرين

فيها سار عمرو بن العاص من الشام فافتتح بعض ديار مصر.

ونازل أبو موسى الأشعري تستر.

وفيها توفي أبو سعد عياض بن غنم الفهري أحد السابقين الأولين. وكان نائب أبي عبيدة على الشام، فأقره عمر.

وفيها توفي بلال الحبشي مؤذن النبي ﷺ بداريا.

وأبو الهيثم بن التيهان الأنصاري أحد النقباء.

وأسيد بن حضير الأسلمي، عقبي بدري.

وسعيد بن عامر بن حذيم الجمحي.

وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، وصلى عليه عمر.

وأم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية.

وفيها مات هرقل في الباطن مسلما.

سنة إحدى وعشرين

فيها توفي سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي. أسلم في صفر سنة ثمان. وشهد غزوة مؤتة، وكان أميرا شريفا بطلا شجاعا مجاهدا عظيم القدر، كثير الفتوحات ميمون النقيبة. مات ابن ستين سنة على فراشه.

وفيها وقعة نهاوند. وكانت ملحمة عظمى. بقي المصاف ثلاث أيام ثم نزل النصر.

واستشهد أمير المسلمين النعمان بن مقرن المزني. وكان من سادة الصحابة. فنعاه عمر للناس على المنبر وبكى. ولما قتل أخذ الراية حذيفة بن اليمان ففتح الله على يده.

وفيها شكا أهل الكوفة سعدا، فعزله عمر. وولى عمار بن ياسر الصلاة، وعبد الله بن مسعود بيت المال.

وفيها توفي العلاء بن الحضرمي، حليف بني أمية.

وفيها استشهد يوم نهاوند طليحة بن خويلد الأسدي. وكان صحابيا فارتد، ثم حسن إسلامه. وكان يعد بألف فارس.

سنة اثنتين وعشرين

فيها فتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة. قاله ابن إسحاق.

وفيها افتتحت مدينة نهاوند صلحا.

وافتتح حذيفة الدينور عنوة، ثم غزا همذان فافتتحها عنوة.

وفيها افتتح عمرو بن العاص طرابلس الغرب.

وفيها افتتح جرجان.

وفيها توفي أبي بن كعب. وقد مر، سنة تسع عشرة.

سنة ثلاث وعشرين

فيها توفي قتادة بن النعمان الظفري الذي وقعت عينه يوم أحد فردها النبي ﷺ. وكان بدريا، نزل عمر في قبره.

واستشهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لثلاث بقين أو أربع من ذي الحجة. وهو كان يحج بالناس مدة خلافته.

وقتل الهرمزان صاحب تستر. قتله عبيد الله بن عمر وتوهم فيه أنه أعان على قتل أبيه.

سنة أربع وعشرين

في أول المحرم دفن عمر رضي الله عنه. ثم بويع عثمان ه بالخلافة.

وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي. أسلم بعد غزوة حنين وحسن إسلامه.

سنة خمس وعشرين

فيها انتقض أهل الري. فغزاهم أبو موسى الأشعري.

وفيها استعمل عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط. فجهز سلمان بن ربيعة الباهلي في اثني عشر ألفا إلى برذعة، فقتل وسبى وفتحها.

وفيها انتقض أهل الأسكندرية. فغزاهم عمرو بن العاص، فقتل وسبى.

سنة ست وعشرين

فيها زاد عثمان في المسجد الحرام.

وفيها فتحت سابور على يد عثمان بن أبي العاص. وصالحهم على ثلاثة آلاف ألف درهم وثلاث مائة ألف درهم.

سنة سبع وعشرين

فيها ركب معاوية بالجيش في البحر وغزا قبرس.

وفيها صالح أبو موسى الأشعري أهل أرجان على ألفي ألف درهم، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفا.

وفيها عزل عمرو بن العاص عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح. فغزا ابن سرح إقليم إفريقية وافتتحها. فأصاب كل إنسان ألف دينار. وقتل الملك جرجير في مائتي ألف. وبلغ سهم الفارس وفرسه ثلاثة آلاف دينار.

وفيها توفيت أم حرام بنت ملحان بقبرس. وكانت مع زوجها عبادة بن الصامت.

سنة ثمان وعشرين

فيها انتقض أهل أذربيجان، فغزاهم الوليد بن عقبة. ثم صالحوه.

وقيل فيها غزوة قبرس، وقد مرت.

سنة تسع وعشرين

فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة إصطخر عنوة بعد قتال عظيم.

واستشهد عبيد بن معمر بن عثمان التيمي الأمير. وكان أحد الأجواد. مختلف في صحبته.

وفيها عزل عثمان أبا موسى عن البصرة، وعثمان بن أبي العاص عن فارس. وجمع ذلك لعبد الله بن عامر بن كريز. وكان شهما شجاعا، وافتتح فتحا كبيرا. افتتح بلاد فارس ثم بلاد خراسان جميعها في سنة ثلاثين.

سنة ثلاثين

فيها افتتح ابن عامر خراسان وفارس. وهرب من يديه يزدجرد بن كسرى. وجهز وراءه جيشا. وبعث بزياد بن الربيع الحارثي فافتتح سجستان.

ولما تمت لابن عامر هذه الفتوحات العظيمة خرج من نيسابور محرما بعمرة، وخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فاجتمع أهل خراسان جمعا لم يسمع بمثله. فالتقاهم الأحنف فهزمهم.

ثم قضى ابن عامر عمرته مسرعا وأتى عثمان. ثم رد إلى البصرة.

ولما كثرت الفتوحات في هذا العام وأتى الخراج من كل ناحية، اتخذ عثمان له الخزائن ثم قسمها. وكان يأمر للرجل بمائة ألف.

سنة إحدى وثلاثين

فيها كانت غزوة الأساود فغزا ابن أبي سرح في البحر الرومي.

وفيها توفي أبو سفيان بن حرب الأموي. وكان قد فقئت عينه على الطائف، وذهبت الأخرى فيما قيل يوم اليرموك. وكان يومئذ يحرض على الجهاد. وقيل توفي في السنة الآتية.

وفيها توفي الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي، والد مروان وابن عم أبي سفيان، وعم عثمان بن عفان. أسلم يوم الفتح. كان يفشي سر النبي ﷺ. وقيل كان يحاكيه في مشيته، فطرده إلى الطائف وسبه. فلم يزل طريدا إلى أن استخلف عثمان، فأدخله المدينة وأعطاه مائة ألف. وقال الحاكم: أجمع مشايخنا أن نيسابور فتحت صلحا. وفتحها في سنة إحدى وثلاثين.

ثم روى بإسناد له أن صاحب نيسابور كتب إلى ابن عامر يدعوه إلى خراسان ويخبره أن يزدجرد بن كسرى قد قتله أهل مرو. فبادر ابن عامر إلى ناحية قومس، ونزل على نيسابور وحاصرها سبعة أشهر ثم افتتحها.

سنة اثنتين وثلاثين

فيها سار معاوية وتوغل في الروم. فالتقى العدو بالقرب من القسطنطينية.

وفيها توفي العباس عم رسول الله ﷺ عن ست وثمانين سنة.

وأبو الدرداء عويمر بن زيد، وقيل ابن عبد الله، الأنصاري الخزرجي. أسلم بعد بدر. وكان حكم هذه الأمة. ولي قضاء دمشق وبها توفي.

ومات عبد الرحمن بن عوف الزهري، أحد العشرة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام. وكان غنيا شاكرا بعد أن كان فقيرا صابرا. وقد باع من أرضه بأربعين ألف دينار فتصدق بها.

وفيها توفي عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أدى الأذان، وكان بدريا.

وفيها توفي عبد الله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة، وما أكثر مناقبه.

وفيها توفي أبو ذر الغفاري، واسمه جندب ابن جنادة على الصحيح. أسلم خامس خمسة، ثم رجع إلى أرضه، ثم هاجر بعد بدر. وكان لا يأخذه في الله لومة لائم.

سنة ثلاث وثلاثين

فيها غزا المسلمون قبرس ثانيا.

وفيها جهز الملك قارن بخراسان أربعين ألفا. فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف فالتقى قارن، فقتل في المصاف قارن. وكانت الهزيمة.

وفيها غزا معاوية افرنطية وملطية وحصن المرأة من أرض الروم.

وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح بلاد الحبشة.

وفيها توفي المقداد بن الأسود الكندي، ولم يثبت أن بدرا شهدها فارس سواه. واختلف في الزبير.

سنة أربع وثلاثين

فيها غزا ذات الصواري في البحر من ناحية إسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.

وفيها وثب أهل الكوفة بسعيد بن العاص فأخرجوه ورضوا بأبي موسى. وكتبوا فيه إلى عثمان فأمره عليهم. ثم إنه رد عليهم سعيدا فخرجوا ومنعوه.

وفيها توفي أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل أحد النقباء ليلة العقبة، الذي قال فيه النبي ﷺ: ((صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة)).

وفيها توفي عبادة بن الصامت، أبو الوليد الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة. ولي قضاء القدس. ومات بالرملة وقيل ببيت المقدس.

وفيها مات كعب الأحبار بحمص. وكان عالم أهل الكتاب قبل أن يسلم. فأسلم زمن أبي بكر، وروى عن عمر.

وفيها مات مسطح بن أثاثة، وكان بدريا.

سنة خمس وثلاثين

وفيها غزوة ذي خشب وعلى الناس معاوية.

وفيها توفي عامر بن ربيعة حليف بني عدي. أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين.

وفيها توفي عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أخو عياش. وكان شريفا نبيلا من أحسن الناس وجها. ولاه النبي ﷺ الجند ومخاليفها فبقي عليها إلى أن مات.

وفي أواخرها حصر المصريون عثمان رضي الله عنه لينزع نفسه من الخلافة، ولم يزل الأمر بهم إلى أن تجرؤوا عليه واقتحموا عليه داره فذبحوه والمصحف بين يديه، في يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة، وله بضع وثمانون سنة رضي الله عنه. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم بويع علي رضي الله عنه.

سنة ست وثلاثين

لما قتل عثمان صبرا توجع له كل أحد وأسقط في أيدي جماعة، وسار طلحة والزبير وعائشة نحو البصرة طالبين بدم عثمان من غير أمر علي بن أبي طالب. فساق وراءهم. وكانت وقعة الجمل؛ أثارها سفهاء الفريقين، وقتل بينهما نحو العشرة آلاف. ورمى مروان طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي أحد العشرة بسهم فقتله، ومناقبه كثيرة. وقتل الزبير بن العوام الأسدي، حواري رسول الله ﷺ وابن عمته وأول من سل سيفه في سبيل الله. قتله ابن جرموز بوادي السباع.

وممن قتل يوم الجمل مجاشع بن مسعود السلمي وأخوه مجالد، ولهما صحبة. وزيد بن صوحان، وكان من سادة التابعين، صواما قواما.

وفي أولها توفي حذيفة بن اليمان أحد السابقين وصاحب سر رسول الله ﷺ. ثبت عنه أنه قال: ما معني وأبي أن نشهد بدرا إلا أنا أخذنا كفار قريش، فأخذوا علينا عهد الله وميقاقه أن لا نقاتل مع النبي ﷺ. قال فأخبرناه الخبر. فقال: نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم.

سنة سبع وثلاثين

وقعة صفين في صفر، وبقيت أياما وليالي. وقتل بين الفريقين ستون ألفا. فقتل مع علي عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي الذي قال له النبي ﷺ: تقتلك الفئة الباغية. وكان أحد السابقين، وممن عذب في الله، ومناقبه جمة.

وقتل مع علي من الصحابة: أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن وذو الشهادتين خزيمة بن ياسين بن الفاكه الأنصاري يقال إنه بدري. وسعد بن الحارث بن الصمة أخو أبي جهم.

ومن غير الصحابة: عبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. كان على خيل أهل الشام يومئذ. يقال: قتله عمار. ولما طعن والده سل سيفه ووثب على الهرمزان صاحب تستر فقتله، وقتل أيضا مفينة وبنتا لأبي لؤلؤة. فلما ولي عثمان هم بقتله ثم تركه.

وقتل مع علي: هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمرقال، حامل راية علي يومئذ، ويقال له صحبة.

وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان على رجالة علي.

وأبو حسان قيس بن المكشوح المرادي أحد الأبطال، وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي.

وقتل أيضا مع معاوية: حابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وكان على رجالة معاوية.

وقتل مع علي: جندب بن زهير الغامدي الكوفي، ويقال له صحبة.

وقتل من أمراء معاوية: ذو الكلاع الحميري، نزيل حمص، وأحد من شهد اليرموك، وكان على ميمنة معاوية، وكان من أعظم أصحابه خطرا لشرفه ودينه. وطلب منه أن يخطب الناس ويحرضهم على القتال. وقال يزيد بن هارون: سمعت الجراح بن المنهال يقول: كان عند ذي الكلاع اثنا عشر ألف بيت من المسلمين. فبعث إليه عمر رضي الله عنه فقال: نشتري هؤلاء نستعين بهم على عدوهم. فقال: لا، هم أحرار. فأعتقهم في ساعة واحدة. الجراح متروك الحديث.

وصح عن أبي وائل عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت قبابا في رياض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وأصحابه. ورأيت قبابا في رياض فقيل: هذه لعمار بن ياسر وأصحابه. فقلت: كيف وقد قتل بعضهم بعضا؟ قال: إنهم وجدوا الله واسع المغفرة.

وممن قتل يومئذ: كريب بن الصباح بن إبراهيم الحميري أحد الأبطال المذكورين. قتل جماعة مبارزة، ثم بارزه علي رضي الله عنه فقتله علي.

وكان معاوية في سبعين ألفا، وكان علي في تسعين ألفا وقيل في مائة ألف، وقيل في خمسين ألفا.

قال خليفة: تسمية من شهد صفين من البدريين مع علي بن أبي طالب: سهل بن حنيف وخوات بن جبير وأبو أسيد الساعدي وأبو اليسر ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه. ومن غير البدريين: خزيمة بن ثابت وقيس بن سعد عبادة وأبو مسعود عقبة بن عمرو البدري وأبو عياش الزرقي وقرظة بن كعب وسهل بن سعد وجابر بن عبد الله وأبو قتادة، الأنصاريون. وعدي بن حاتم والأشعث بن قيس وسليمان بن صرد وجندب بن عبد الله وجارية بن قدامة، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر والحسن والحسين.

ثم قال: تسمية من شهدها مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص وابنه عبد الله وفضالة بن عبيد والنعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد وبسر بن أبي أرطاة ومعاوية بن حديج الكندي وحبيب بن مسلمة الفهري وأبو الأعور السلمي وأبو غادية الجهني قاتل عمار.

فبلغنا أن الأشعث بن قيس برز في ألفين، وبرز أبو الأعور السلمي في خمسة آلاف؛ فاقتتلوا. ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.

ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر ويوم الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت. ثم لما خاف أهل الشام الكسرة، رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن العاص ودعوا إلى الحكم بما في كتاب الله. فأجاب علي رضي الله عنه إلى تحكيم الحاكمين. فاختلف عليه جيشه وخرجت الخوارج وقالوا: لا حكم إلا لله. وكفروا عليا، فحاربهم. وقال ابن سيرين: افترقوا عن سبعين ألف قتيل يوم صفين يعدون بالقضب. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها توفي خباب بن الأرت التميمي أحد السابقين البدريين وصلى عليه علي بالكوفة.

وفي رمضان اجتمع أبو موسى الأشعري ومن معه من الوجوه وعمرو بن العاص ومن معه من الوجوه بدومة الجندل للتحكيم. فلم يتفقا لأن عمرا خلا بأبي موسى وخدعه وقال: تكلم قبلي فأنت أفضل مني وأكثر سابقة. فقال: أرى أن نخلع عليا ومعاوية، ويختار المسلمون لهم رجلا يجتمعون عليه. فقال: هذا الرأي. فلما خرجا وتكلم أبو موسى وحكم بخلعهما قام عمرو وقال: أما بعد، فإن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم، وقد وافقته على خلع علي ووليت معاوية. فسار الشاميون وقد بنوا في الظاهر على هذه الصورة. ورد أصحاب علي إلى الكوفة أن الذي فعله عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها.

سنة ثمان وثلاثين

في شعبان قتلت الخوارج عبد الله بن خباب وعليهم مسعر بن فدكي وشبث بن ربعي.

وفيها كانت وقعة النهروان بين علي والخوارج. فقتل رأس الخوارج عبد الله بن وهب السبائي. وقتل أكثر أصحابه. وقتل من جند علي اثنا عشر رجلا. ويقال كانت هذه الوقعة في سنة تسع.

وفيها توفي صهيب بن سنان المعروف بالرومي توفي في شوال بالمدينة. وكان من السابقين الأولين.

وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي، والد أبي أمامة. وكان بدريا. توفي بالكوفة وصلى عليه علي.

وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق. وكان قد سار إلى مصر واليا عليها لعلي. وبعث معاوية عسكرا عليهم معاوية بن حديج الكندي. فالتقى هو ومحمد، فانهزم عسكر محمد واختفى هو في بيت لامرأة. فدلت عليه. فقال: احفظوني في بيت أبي بكر. فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان وأتركك؟ وأنت صاحبه فقتله وصيره في بطن حمار وأحرقه. وقال شعبة عن عمرو بن دينار: إن عمرا قتل محمد بن أبي بكر.

وفيها مات الأشتر النخعي. واسمه مالك بن الحارث. بعثه علي على مصر. فهلك في الطريق. فيقال إنه سم، وإن عبدا لعثمان لقيه فسقاه عسلا مسموما. وكان الأشتر من الأبطال الكبار. وكان سيد قومه وخطيبهم وفارسهم.

سنة تسع وثلاثين

فيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بسرف، وثم بنى بها النبي ﷺ.

وفيها تنازع أصحاب علي وأصحاب معاوية في إمامة الحج. فمشى في الصلح أبو سعيد الخدري على أن يكون إمام الموسم شيبة بن عثمان الحجبي.

سنة أربعين

فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري، أحد الشجعان المذكورين.

وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري نزل ماء ببدر فقيل له البدري. ولكنه شهد العقبة.

وأبو أسيد الساعدي مالك ربيعة بدري مشهور، وقيل بقي إلى سنة ستين.

وفيها ليلة الجمعة سابع عشر رمضان استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وثب عليه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي فضربه في يافوخه بخنجر، فبقي يوما وتوفي. وعاش نيفا وستين ستة أو دونها رضي الله عنه.

ثم قتل ابن ملجم وأحرق ولله الحمد.

وفيها مات الأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة. وكان شريفا مطاعا جوادا شجاعا. له صحبة. ثم ارتد، وحسن إسلامه. وكان أجل أمراء علي.

وفيها مات معيقيب الدوسي. هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا بخلف. وكان على خاتم النبي ﷺ. له حديثان.

سنة إحدى وأربعين

في ربيع الآخر سار أمير المؤمنين الحسن بن علي في جيوشه يقصد معاوية. وسار معاوية في جيوشه. فدخل العراق وتنازل الجمعان بمسكن من ناحية الأنبار. فرأى الحسن من عسكره الاختلاف عليه وقلة الخير. وكان سيدا وادعا لا يرى سفك الدماء. واتفق أنه وقع في معسكره هوشة وخبطة، ووقع النهب حتى إنهم نهبوا فسطاطه، وضربه رجل من الخوارج بخنجر مسموم في إليته فخدشه. فتألم ومقت أهل العراق. ورأى الصلح أولى، تحقيقا لقول جده المصطفى ﷺ: ((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)).

فراسل معاوية وشرط عليه شروطا بادر إليها معاوية بالإجابة، ثم سلم إليه الخلافة، على أن يكون الأمر من بعده للحسن، وعلى أن يمكنه أخذ ما شاء من بيت المال ليقضي منه دينه وعداته وغير ذلك.

فروى مجالد، عن الشعبي. ويونس بن أبي إسحاق عن أبيه، أن أهل العراق بايعوا الحسن، وسار بهم نحو الشام. وجعل على مقدمته قيس بعد سعد. وأقبل معاوية حتى نزل منبج. فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: قتل قيس بن سعد. فشد الناس على خيمة الحسن فنهبوها. وطعنه رجل بخنجر، فتحول إلى القصر الأبيض، وسبهم وقال: لا خير فيكم. قتلتم أبي بالأمس واليوم تفعلون بي هذا. ثم كتب إلى معاوية على أن يسلم إليه بيت المال، وأن لا يسب عليا بحضرته، وأن يحمل إليه خراج فسا ودارابجرد كل سنة. فأجابه.

فكتب إليه أن أقبل. فسار معاوية من منبج إلى مسكن في خمسة أيام. فسلم إليه الحسن الأمر، ثم سارا حتى دخلا جميعا الكوفة. وتسلم الحسن بيت المال، وكان فيه سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها وتجهز إلى المدينة. وأجرى معاوية على الحسن في السنة ألف ألف درهم. وقال عمرو بن دينار: لما توفي علي بعث معاوية عهدا: إن حدث به حدث ليجعلن هذا الأمر إلى الحسن.

وصح في البخاري عن الحس البصري قال: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى يقتل أقرانها. فقال له معاوية، وكان والله خير الرجلين: أي عمرو. إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور المسلمين؟ من لي بنسائهم وضعفتهم؟ فبعث إليه برجلين عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز في الصلح. فقال لهما الحسن: إنا بني عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائنا. قال: وإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به. فصالحه.

قلت: وسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية.

وفيها توفي صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. أسلم بعد حنين، ثم شهد اليرموك أميرا. وكان شريفا جليلا. وملك قنطارا من الذهب. وله رواية في صحيح مسلم.

وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر العدوية. عن بضع وخمسين سنة. وصلى عليها مروان أمير المؤمنين. وقيل توفيت سنة خمس وأربعين.

وفيها، فيما قيل، توفي لبيد بن ربيعة العامري الشاعر المشهور القائل: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

وفد على النبي ﷺ فأحسن إسلامه. وقيل مات في إمرة عثمان بالكوفة عن مائة وخمسين سنة. قيل: إنه ما قال شعرا منذ أسلم.

سنة اثنتين وأربعين

فيها غزا عبد الرحمن بن سمرة سجستان. فافتتح زرنج وغيرها. وسار راشد بن عمرو فشن الغارات ووغل في بلاد السند.

سنة ثلاث وأربعين

فيها فتحت الرخج من أرض سجستان.

وافتتح عقبة بن نافع كورا من بلاد السودان.

وشتا بسر بن أبي أرطاة بأرض الروم.

وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي أمير مصر. أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر، وولي إمرة جيش ذات السلاسل. وكان من دهاة قريش وأجدادها وذوي الحزم والرأي.

وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار. وقد شهد له النبي ﷺ بالجنة.

وفيها توفي محمد بن مسلمة الأنصاري بالمدينة في صفر. وكان بدريا. اعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب.

سنة أربع وأربعين

في ذي الحجة توفي أبو موسى الأشعري المقرئ الأمير. استعمله النبي ﷺ على عدن. واستعمله عمر على الكوفة والبصرة. وفتحت على يده عدة أمصار.

وفيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة مدينة كابل.

وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة في أرض الهند ووصل إلى قندابيل، فالتقى العدو فهزمهم.

وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة بنت سفيان الأموية.

سنة خمس وأربعين

فيها غزا معاوية بن حديج إفريقية.

وفيها توفي أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي الكاتب، وله ست وخمسون سنة. وأول مشاهدة الخندق. وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا حج. وقيل بقي إلى سنة أربع وخمسين.

وفيها توفي عاصم بن عدي سيد بني العجلان. وكان رده النبي ﷺ من بدر في شغل، وضرب له بسهمه، وقتل أخوه معن يوم اليمامة.

سنة ست وأربعين

فيها ولي الربيع بن زياد الحارثي سجستان. فزحف كابل شاه في جمع من الترك وغيرهم، فالتقوا على بست، فهزمهم الربيع وساق خلفهم إلى الرخج.

وفيها، وقيل في سنة تسع وأربعين، توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة. وكان شريفا جوادا ممدحا مطاعا. وكان إليه لواء معاوية يوم صفين. وغزا الروم غير مرة.

سنة سبع وأربعين

فيها جمعت الترك فالتقاهم عبد الله بن سوار العبدي ببلاد القيقان. فاستشهد عبد الله وعامة من معه. وغلبت الترك على القيقان.

وغزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمير أطرابلس الغرب إفريقية، فدخلها ثم انصرف.

سنة ثمان وأربعين

فيها توجه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي واليا على أرض الهند عوض عبد الله بن سوار.

وقتل بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وكان مولده بالحبشة.

سنة تسع وأربعين

في ربيع الأول توفي سيد شباب أهل الجنة أبو محمد الحسن بن علي الهاشمي. وأرخه فيها الواقدي وسعيد بن عفير. والأكثر على أنه سنة خمسين.

سنة خمسين

فيها بخلف الحسن بن علي رضي الله عنه، وله سبع وأربعون سنة، بالمدينة.

وفيها توفي عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن ربيعة بن عبد شمس العبشمي الأمير، أسلم يوم الفتح وافتتح سجستان وغيرها.

وفيها توفي كعب بن مالك السلمي الشاعر، أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم. وكان ممن شهد العقبة.

وفيها توفي المغيرة بن شعبة الثقفي. أسلم عام الخندق، وولي العراق لعمر ولغيره. وكان من رجال الدهر حزما وعزما ورأيا ودهاء. يقال إنه أحصن ثلاث مائة امرأة، وقيل ألف امرأة.

وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب.

وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية، وقيل في سنة إحدى.

سنة إحدى وخمسين

فيها توفي على باب القسطنطينية أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد. وكان عقبيا بدريا كثير المناقب.

وفيها على الأصح توفي جرير بن عبد الله البجلي بقرقيسيا.

وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية.

وفيها قتل بعذرا حجر بن عدي الكندي وأصحابه بأمر معاوية. ولحجر صحبة ووفادة وجهاد وعبادة.

سنة اثنتين وخمسين

توفي أبو نجيد عمران بن حصين الخزاعي. أسلم عام خيبر. وبعثه عمر يفقه أهل البصرة. وولي قضاءها. وكان الحسن يحلف ما قدم البصرة خير لهم من عمران.

وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاري. من أهل بيعة الرضوان. ومعاوية بن حديج الكندي التجيبي الأمير. له صحبة ورواية.

وفيها أو قبيلها أبو بكرة الثقفي نفيع بن الحارث، وقيل ابن مسروح. تدلى من الطائف ببكرة. فأتى النبي ﷺ مسلما.

سنة ثلاث وخمسين

فيها في قول المدائني توفي فضالة بن عبيد الأنصاري. قاضي دمشق لمعاوية وخليفته عليها إذا غاب. وكان أصغر من شهد الحديبية، وقيل بقي إلى سنة تسع.

وفيها، وقيل بعدها، عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. أسلم يوم بدر. وقتل يوم اليمامة سبعة. وكان من الرماة والشجعان. وتوفي بمكة.

وفيها توفي الأمير زياد بن أبيه الذي استلحقه معاوية وزعم أنه ولد أبي سفيان. وكان لبيبا فاضلا سيدا يضرب المثل بدهائه. وقد جمع له معاوية إمرة العراقين.

وفيها، وقيل قبلها، توفي عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي. شهد الخندق، وولي العلم على نجران وله سبع عشرة سنة.

وفيها توفي فيروز الديلمي قاتل الأسود العنسي. له صحبة ورواية.

سنة أربع وخمسين

فيها على الأصح أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، حب رسول الله ﷺ وابن حبه. وأمه أم أيمن.

وفيها على الصحيح ثوبان مولى رسول الله ﷺ بحمص.

وفيها جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف. وكان من سادة قريش وحلمائها، أسلم بعد بدر.

وفيها حسان بن ثابت الأنصاري الشاعر، عن مائة وعشرين سنة كأبيه وجده.

وفيها سعيد بن يربوع المخزومي، من مسلمة الفتح، عن مائة وعشرين سنة أيضا.

وفيها عبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار. وكان أحد من شهد العقبة.

وفيها حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد. أسلم يوم الفتح وكان أحد الأشراف الأجواد. باع دارا بستين ألفا لمعاوية. فتصدق بثمنها. وأعتق مائة نسمة في الجاهلية، ومائة في الإسلام. وقد قال لابن الزبير: كم ترك أبوك من الدين؟ قال: ألف ألف درهم. قال: علي نصفها.

وفيها أبو قتادة الأنصاري السلمي الحارث بن ربعي، فارس رسول الله ﷺ. شهد أحدا والمشاهد.

وفيها مخرمة بن نوفل الزهري والد المسور بن مخرمة. وكان من المؤلفة قلوبهم.

وفيها غزا عبيد الله زياد، فقطع نهر جيحون إلى بخارا، وافتتح بعض البلاد. وكان أول عربي عدى النهر.

سنة خمس وخمسين

فيها توفي أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الزهري أحد العشرة، ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق، وأول من رمى بسهم في سبيل الله. ومناقبه جمة.

وفيها أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري السلمي الذي أسر العباس يوم بدر.

وفيها، وقيل في سنة ثلاث وخمسين، الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي أحد السابقين.

سنة ست وخمسين

وفيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان فغزا سمرقند، والتقى هو الصغد فكسرهم، ثم صالحوه. وكان معه من الأمراء المهلب. واستشهد معه يومئذ قثم بن العباس بن عبد المطلب. وكان يشبه بالنبي ﷺ. وهو آخر من طلع من لحد النبي ﷺ.

وفيها توفيت أم المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية، وصلى عليها مروان.

سنة سبع وخمسين

فيها عزل سعيد عن خراسان، وأضيفت إلى عبيد الله بن زياد.

وفيها توفي عبد الله بن السعدي العامري، له صحبة.

وفيها توفيت أم المؤمنين عائشة. قاله هشام بن عروة.

وفيها توفي أبو هريرة بعد عائشة. قاله هشام بن عروة أيضا وابن المديني.

سنة ثمان وخمسين

فيها توفي جبير بن مطعم. قاله المدائني. وقال الهيثم وخليفه: مات سنة تسع.

وفيها توفي شداد بن أوس الأنصاري نزيل بيت المقدس.

وعبد الله بن حوالة الأزدي نزيل الأردن.

وعقبة بن عامر الجهني الأمير بمصر. ولي مصر لمعاوية، ثم عزله وولاه غزو البحر. وكان مقرئا فصيحا مفوها من فقهاء الصحابة.

وفيها توفي عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بالمدينة. وله صحبة ورواية. وكان أحد الأجواد. ولي اليمن لعلي فسار إليه بسر بن أبي أرطاة، فذبح ولديه.

وفيها في قول أبي معشر ويحيى بن بكير وجماعة توفي أبو هريرة الدوسي الحافظ. وكان كثير العبادة والذكر حسن الأخلاق. ولي إمرة المدينة مرة، بل وليها مرات. وقال الواقدي وغيره: فيها توفيت أم المؤمنين أم عبد الله عائشة بنت الصديق حبيبة رسول الله ﷺ وفقيهة نساء الأمة عن خمس وستين سنة في رمضان.

سنة تسع وخمسين

فيها توفي أبو هريرة في قول ابن إسحاق والواقدي وأبي عبيد وجماعة.

وفيها أبو محذورة الجمحي المؤذن. له صحبة ورواية. وكان من أندى الناس صوتا وأحسنهم نغمة.

وفيها، وقيل قبلها، شيبة بن عثمان الحجي العبدري حاجب الكعبة.

وفيها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية والد عمرو الأشدق، والذي أقيمت عربية القرآن على لسانه، لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله ﷺ. وولي الكوفة لعثمان. وافتتح طبرستان. وكان جوادا ممدحا حليما عاقلا. اعتزل الجمل وصفين. ومولده قبل بدر.

وفيها على الصحيح أبو عبد الرحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبشمي الأمير. له رؤية.

سنة ستين

في رجب توفي أمير المؤمنين أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان عن ثمان وسبعين سنة بدمشق.

وفي أولها توفي سمرة بن جندب الفزاري، نزيل البصرة من أهل بيعة الرضوان.

وفيها أو قبلها أبو حميد الساعدي.

سنة إحدى وستين

فيها يوم عاشوراء استشهد ريحانة رسول الله ﷺ وسبطه أبو عبد الله الحسين بن علي بكربلاء عن ست وخمسين سنة. وكان قد أنف من إمرة يزيد ولم يبايعه. وجاءته كتب أهل الكوفة يحضونه على القدوم عليهم. فاغتر وسار في أهل بيته. والقصة فيها طول.

وفيها توفي حمزة بن عمرو الأسلمي، له صحبة ورواية.

وفيها توفيت أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية. وقيل توفيت سنة تسع وخمسين. وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة.

وقتل مع الحسين ولداه علي الأكبر وعبد الله. وإخوته جعفر ومحمد وعتيق والعباس الكبير. وابن أخيه قاسم بن الحسن. وأولاد عمه محمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ومسلم بن عقيل بن أبي طالب وابناه عبد الله وعبد الرحمن. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

سنة اثنتين وستين

فيها غزا سلم بن أحور خوارزم وصالحوه. ثم عبر إلى سمرقند فصالحوه.

وفيها توفي على الأصح بريدة بن الحصيب الأسلمي وقبره بمرو. وقد أسلم قبل بدر.

وفيها توفي عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، نزيل دمشق. له صحبه ورواية.

وفيها توفي أمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري، له صحبة ورواية.

وفيها على الأصح علقمة بن قيس النخعي الكوفي الفقيه صاحب ابن مسعود. وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته. وكان غير واحد من الصحابة يسألونه ويستفتونه.

وفيها توفي أبو مسلم الخولاني الزاهد سيد التابعين بالشام. وفد على أبي بكر مسلما. وله مناقب غزيرة وكرامات. ويقال إن الأسود العنسي أمر بنار عظيمة وألقى أبا مسلم فيها. فلم تضره فنفاه لئلا يضطرب عليه أتباعه. وهذا ما رواه أحد إلا شرحبيل بن مسلم، ولا رواه عنه إلا إسماعيل بن عياش. وهو خبر مرسل.

سنة ثلاث وستين

فيها كانت وقعة الحرة، وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه. فجهز لحربهم جيشا عليهم مسلم بن عقبة. فالتقوا بظاهر المدينة لثلاث بقين من ذي الحجة. فقتل من أولاد المهاجرين والأنصار ثلاث مائة وست أنفس.

وقتل من الصحابة: معقل بن سنان الأشجعي وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي ﷺ.

وممن قتل يومئذ: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن أبي جهم بن حذيفة ومحمد بن أبي بن كعب. ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلي التراويح بالناس، وواسع بن حبان الأنصاري ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التيمي وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحب التي أرسلها عثمان، وأبو أفلح مولى أبي أيوب.

وفيها توفي مسروق بن الأجدع الهمداني الفقيه العابد صاحب ابن مسعود. وكان يصلي حتى تورم قدماه. وحج فما نام إلا ساجدا. وعن الشعبي قال: ما رأيت أطلب للعلم منه. كان أعلم بالفتوى من شريح.

سنة أربع وستين

في أولها هلك مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة وعمل القبائح وما أمهله الله. والمليح أنه شهد الوقعة وهو مريض في محفة. نسأل الله العفو.

وكذلك لم يمهل يزيد بن معاوية ومات بعد بضع وسبعين يوما من الحرة، وذلك في نصف ربيع الأول، وله ثمان وثلاثون سنة. وكان شديد الأدمة كثير الشعر ضخما عظيم الهامة في وجهه أثر الجدري. كنيته أبو خالد. واستخلف بعهد من أبيه معاوية. فكانت مدته ثلاث سنين وثمانية أشهر.

وعهد بالأمر بعده إلى ابنه معاوية بن يزيد. فبقي في الخلافة شهرين أو أقل ومات. وكان شابا مليحا أبيض، فيه خير وصلاح. وعاش إحدى وعشرين سنة. ولما احتضر قالوا له: ألا تستخلف. فامتنع وقال: لم أصب من حلاوتها ما أتحمل به مرارتها.

وأما عبد الله بن الزبير فإنه كان قد أوى إلي مكة ولم يبايع يزيد. فحاصره أصحاب يزيد ونصبوا المنجنيق على الكعبة ورموها بالنار، واحترق فيها مما احترق قرنا كبش إسماعيل. وقتل في الحصار بحجر المنجنيق المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، وله صحبة ورواية وشرف. فبلغ ابن الزبير وفاة يزيد، فترحل عنه عسكر يزيد، وبايعه أهل الحرمين بالخلافة، ثم أهل العراق واليمن وغير ذلك، حتى كاد تجتمع الأمة عليه.

وغلب على دمشق الضحاك بن قيس الفهري. وفي صحبته خلاف. فدعا إلى ابن الزبير، ثم تركه ودعا إلى نفسه. وانحاز عنه مروان بن الحكم في بني أمية إلى أرض حوران. فوافاهم عبيد الله بن زياد بن أبيه من الكوفة على البرية منهزما من أهلها. فقوي عزم مروان على طلب الخلافة. وجرت أمور طويلة إلى أن التقى هو والضحاك بمرج راهط شرقي الغوطة. فقتل الضحاك، وقتل معه نحو ثلاثة آلاف. وانتصر مروان. وذلك في آخر السنة. وبايعه أهل الشام. وسار أمير حمص يومئذ النعمان بن بشير الأنصاري لنصر الضحاك فقتله أصحاب مروان.

وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب. وكان جوادا حكيما. عين للخلافة بعد يزيد، وولي إمرة المدينة غير مرة.

وفيها توفي ربيعة الجرشي شهيدا يوم مرج راهط مع الضحاك. وهو جد هشام بن الغاز. ويقال: له صحبة. قال أبو المتوكل التاجي: سألت ربيعة الجرشي وكان فقيه الناس في زمن معاوية.

وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأدخل الحجر في البيت، وكان قد تشقق أيضا من المنجنيق واحترق سقفه.

سنة خمس وستين

فيها توجه مروان إلى مصر فتملكها. واستعمل عليها ابنه عبد العزيز ومهد قواعدها ثم عاد إلى دمشق. ومات في رمضان فعهد بالأمر بعده إلى ابنه عبد الملك بن مروان. وكان مروان من الفقهاء وكان كاتب السر لابن عمه عثمان رضي الله عنه. وكان قصيرا، كبير الرأس واللحية، دقيق الرقبة، أوقص، أحمر الوجه، يلقب خيط باطل لدقة عنقه. عاش ثلاثا وستين سنة.

وفيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير. وحارب الأزارقة وأباد منهم ألوفا.

وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة الفزاري صاحب علي في أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين. وكان مروان قد جهز ستين ألفا مع عبيد الله بن زياد ليأخذ العراق، فالتقى مقدمة عبيد الله وعليهم شرحبيل بن ذي الكلاع هم وأولئك بالجزيرة وانكسروا. وقتل سليمان بن صرد والمسيب وطائفة. وكان لسليمان صحبة ورواية.

وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي. وكان أصغر من أبيه بإحدى عشرة سنة. وكان دينا صالحا كثير العلم كثير القدر. يلوم أباه على القيام في الفتنة ويطيعه للأبوة.

وفيها توفي الحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور الفقيه، صاحب علي وابن مسعود. وحديثه في السنن الأربعة.

سنة ست وستين

فيها كان الوباء العظيم بمصر.

وتوثب على الكوفة عام أول المختار بن أبي عبيد وتتبع قتله الحسين. فقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وأضرابه. وجهز جيشا ضخما مع إبراهيم بن الأشتر النخعي، فكانوا ثمانية آلاف لحرب عبيد الله بن زياد. فكانت وقعة الخازر بأرض الموصل. وقيل كانت في سنة سبع وهو أصح. وكانت ملحمة عظيمة.

وفيها، وقيل في سنة ثمان، توفي زيد بن أرقم الأنصاري، وقد غزا مع النبي ﷺ سبع عشرة غزوة، ونزل الكوفة.

وفيها، وقيل في سنة أربع وسبعين، توفي جابر بن سمرة بالكوفة. وأبوه صحابي أيضا.

وفيها قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحروري على اليمامة والبحرين.

سنة سبع وستين

في المحرم كانت وقعة الخازر، اصطدم فيها أهل الشام وكانوا أربعين ألفا، ظفر بهم إبراهيم بن الأشتر. وقتلت أمراؤهم: عبيد الله بن زياد ابن أبيه، وحصين بن نمير السكوني الذي حاصر ابن الزبير، وشرحبيل بن ذي الكلاع. وبعثت رؤوسهم فنصبت بمكة والمدينة.

وفيها، وقيل في سنة ثمان، توفي عدي بن حاتم الطائي رئيس طي عن مائة وعشرين سنة بقرقيسيا. ولما أسلم سنة سبع أكرمه النبي ﷺ، وألقى له وسادة وقال: ((إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه)).

ولما تحقق ابن الزبير دبر المختار وكذبه بعث أخاه مصعب بن الزبير على العراق، فدخل البصرة وتأهب منها، وسار وعلى ميمنته وميسرته المهلب ابن أبي صفرة وعمرو بن عبيد الله التيمي. فجهز المختار لحربهم جيشا عليهم أحمر بن شميط وكيسان أبو عمرة، فهزمهم مصعب، وقتل أحمر وكيسان. وقتل من عسكر مصعب محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ابن أخت الصديق.، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب. وقتل من جند المختار عمر الأكبر ابن علي بن أبي طالب. ثم ساق عسكر مصعب فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياما، إلى أن قتله الله في رمضان. وكان كذابا يزعم أن جبريل ينزل عليه. وصفت العراق لمصعب.

سنة ثمان وستين

فيها توفي أبو شريح الخزاعي الكعبي. وكان قد أسلم قبل فتح مكة.

وفيها توفي أبو واقد الليثي بمكة. وكان ممن شهد الفتح. وعاش بضعا وسبعين سنة.

وفيها على قول عبد الله بن عمرو وزيد بن أرقم وزيد بن خالد الجهني. وقد مر بعضهم.

وفيها توفي رباني الأمة عبد الله بن عباس الهاشمي الفقيه المفسر الحبر البحر بالطائف، عن إحدى وسبعين سنة.

وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعبا وولى ابنه حمزة.

سنة تسع وستين

فيها كان طاعون الجارف بالبصرة. قال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام، فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفا. وروى خليفة عن أبي اليقظان قال: مات لأنس بن مالك في الجارف سبعون ابنا. وقيل: مات في طاعون الجارف عشرون ألف عروس. وأصبح الناس في الرابع ولم يبق إلا اليسير من الناس. وصعد ابن عامر يوم الجمعة المنبر وما في الجامع إلا سبعة رجال وامرأة. فقال: ما فعلت الوجوه؟ فقيل: تحت التراب أيها الأمير.

وفيها قتل نجدة بن عامر الحروري. قتله أصحابه واختلفوا وقيل بل ظفر به أصحاب ابن الزبير.

وفيها مات قاضي البصرة أبو الأسود الدؤلي صاحب النحو. سمع من عمر وعلي.

وفيها مات بالكوفة قبيصة بن جابر الأسدي. وكان فصيحا مفوها. روى عبد الملك بن عمير عنه قال لي عمر: إني أراك شابا فصيح اللسان فسيح الصدر.

وفيها أعاد ابن الزبير مصعبا على العراق وعزل ابنه حمزة بن عبد الله. فقصد هو وعبد الملك كل منهما الآخر. ثم فصل بينهما الشتاء. فتوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق وأراد الخلافة. فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار. ثم نزل إليه بالأمان.

وفيها كان بين الأزارقة وبين المهلب حرب شديد ودام القتال أشهرا.

سنة سبعين

فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق وذبحه صبرا، بعد أن أمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده.

وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي. ولد في حياة النبي ﷺ.

وفيها، وقيل في التي قبلها، مالك بن يخامر السكسكي صاحب معاذ. وكان قد أدرك الجاهلية.

وفيها كان الوباء بمصر.

وفيها قال ابن جرير: ثارت الروم ووثبوا على المسلمين. فصالح عبد الملك بن مروان ملك الروم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على المسلمين.

قلت: هذا أول وهن دخل على الإسلام. وما ذاك إلا لاختلاف الكلمة ولكون الوقت فيه خليفتان يتنازعان الأمر. فما شاء الله كان.

سنة إحدى وسبعين

فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي. أحد من بايع تحت الشجرة. له أحاديث ولكن في غير الكتب الستة.

سنة اثنتين وسبعين

فيها توفي البراء بن عازب أبو عمارة الأنصاري الحارثي نزيل الكوفة. وكان من أقران ابن عمر. استصغر يوم بدر.

ومعبد بن خالد الجهني. وكان صاحب لواء جهينة يوم الفتح. له حديث عن أبي بكر.

وفيها على الصحيح عبيدة بن عمر بن السلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي. أسلم في حياة النبي ﷺ وتفقه بعلي وابن مسعود. قال الشعبي: كان يوازي شريحا في القضاء.

وفيها، على الصحيح، الأحنف بن قيس، أبو بحر التميمي السعدي الأمير. أحد الأشراف ومن يضرب بحلمه المثل. فعن الحسن قال: ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف. قلت: سمع من عمر وجماعة.

وفيها كانت وقعة هائلة بالعراق بدير الجاثليق. تجهز عبد الملك وطلب العراق. وسار مصعب أيضا يقصد الشام. فالتقى الجمعان. فخان مصعبا بعض جيشه، وأفلت زياد بن عمرو ومالك بن مسمع وطائفة لديهم ولحقوا بعبد الملك. وكان عبد الملك قد كتب إليهم يعدهم ويمنيهم حتى أفسدهم. وجعل مصعب كلما قال لمقدم من أمرائه: تقدم، لا يطيعه. واستظهر عبد الملك فأرسل إلى مصعب يبذل له الأمان. فقال: إن مثلي لا ينصرف عن هذا الموطن إلا غالبا أو مغلوبا. ثم إنهم أثخنوه بالرمي. ثم شد عليه زائدة فطعنه وقال: يا لثارات المختار. وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة، وإبراهيم بن الأشتر سيد النخع وفارسها. ومسلم بن عمرو الباهلي.

واستولى عبد الملك على العراق وما يليها. فأمر أخاه بشرا على العراق وبعث الأمراء على الأعمال. وجهز الحجاج إلى مكة لحرب ابن الزبير.

سنة ثلاث وسبعين

فيها توفي عوف بن مالك الأشجعي الحبيب الأمين. وكان ممن شهد فتح مكة.

وفيها توفي أبو سعيد بن المعلى الأنصاري. وله صحبة ورواية.

وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عم محمد بن المنكدر، وله رواية عن عمر.

وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره. ونصب المنجنيق على أبي قبيس. ودام القتال أشهرا. إلى أن قتل عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أمير المؤمنين وفارس قريش وابن حواري الرسول ﷺ. كان صواما قواما بطلا شجاعا فصيحا مفوها. قتل في جمادى الأولى وطيف برأسه في مصر وغيرها.

وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي رئيس مكة وابن رئيسها. ولد في حياة النبي ﷺ ولما حج معاوية قدم له ابن صفوان ألفي شاة.

وقتل معه بحجر المنجنيق عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي الذي ولي الكوفة لابن الزبير قبل غلبة المختار.

وقتل معه عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، وقد أسلم يوم الحديبية.

وتوفيت أم ابن الزبير بعد مصابه بيسير. وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهي في عشر المائة. وهي من المهاجرات الأول، وتلقب بذات النطاقين.

وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزبير.

وولي الحجاج إمرة الحجاز. فنقض الكعبة وأعادها إلى بنائها من زمن النبي ﷺ. وكانت قد شعثت من المنجنيق وأصيب الحجر الأسود، فأصلحوه ورمموه.

سنة أربع وسبعين

في أولها مات رافع بن خديج الأنصاري. وقد أصابه يوم أحد سهم فنزعه وبقي النصل في جسمه إلى أن مات.

وفي أولها توفي أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي. السيد الفقيه القدوة. استصغر يوم أحد. وقد عين للخلافة يوم الحكمين مع وجود علي والكبار رضي الله عنهم. وقال سعيد بن المسيب يوم مات ابن عمر: ما بقي في الأرض أحد أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منه. وهذا كنحو ما قال علي في عمر يوم مات. وأما أبو داود فقال: مات ابن عمر بمكة في أيام الموسم. يعني سنة ثلاث وسبعين.

وتوفي بعده أبو سعيد سعد بن مالك الأنصاري الخدري. وكان من فقهاء الصحابة وأعيانهم. شهد الخندق وغيرها وشهد بيعة الرضوان.

وفيها توفي بالمدينة سلمة بن الأكوع الأسلمي. وكان ممن بايع رسول الله ﷺ على الموت يوم الحديبية. وكان بطلا شجاعا راميا يسبق الفرس سيرا وله مواقف مشهورة.

وفيها توفي بالكوفة أبو جحيفة السوائي ويقال له وهب الخير. له صحبة ورواية. وكان صاحب شرطة علي رضي الله عنه. فكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة. وقيل تأخر إلى بعد الثمانين.

وفيها توفي محمد بن خاطب بن الحارث الجمحي. وله صحبة ورواية. وهو أول من سمي في الإسلام محمدا.

وفيها توفي أوس بن ضمغج الكوفي العابد. وخرشة بن الحر. وقد ربي يتيما في حجر عمر. ونزل الكوفة.

وعاصم بن ضمرة السلولي. صاحب علي.

ومالك بن أبي عامر مع الأصبحي جد الإمام مالك. له عن عمر وعثمان رواية.

وفيها عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي بالمدينة. له رؤية ورواية. وكان كثير الحديث والفتيا.

سنة خمس وسبعين

فيها حج عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر النبي ﷺ.

وعزل الحجاج عن الحجاز وأمره على العراق.

وفيها توفي العرباض بن سارية السلمي، أحد أصحاب الصفة بالشام.

وأبو ثعلبة الخشني بالشام، وقد شهد فتح خيبر.

وعمرو بن ميمون الأزدي. قدم مع معاذ من اليمن فنزل بالكوفة. وكان صالحا قانتا لله. قال ابن إسحاق: حج مائة حجة وعمرة. وكان إذا رؤي ذكر الله.

والأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد. ورد أنه كان يصلي في اليوم والليلة سبع مائة ركعة.

وبشر بن مروان الأموي أمير العراقين بعد مصعب.

وسليم بن عتر التجيبي قاضي مصر وقاصها وناسكها. وقد حضر خطبة عمر بالجابية.

سنة ست وسبعين

فيها وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي، ابن عم المختار، لحرب شبيب والخوارج. فالتقوا، فاستظهر شبيب وقتل زائدة. واستفحل أمر شبيب وهزم العساكر مرات.

سنة سبع وسبعين

فيها بعث الحجاج لحرب شبيب عندما قتل عثمان الحارثي عتاب بن ورقاء الخزاعي الرباحي. فالتقى شبيبا بسواد الكوفة فقتل أيضا عتاب وهزم جيشه. فجهز الحجاج لقتاله الحارث بن معاوية الثقفي. فالتقوا، فقتل الحارث. فوجه الحجاج أبا الورد النضري فقتل. فوجه طهمان مولى عثمان فقتل. ففرق الحجاج وسار بنفسه. فالتقوا واشتد القتال. وقتلت غزالة امرأة شبيب. وكانت يضرب بشجاعتها المثل. وحجز بينهم الليل.

وسار شبيب إلى ناحية الأهواز وبها محمد بن موسى بن طلحة التيمي. فخرج لقتال شبيب، ثم بارزه فقتله شبيب. وسار إلى كرمان فتقوى ورجع إلى الأهواز.

فبعث الحجاج لحربه سفيان الأبرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي. فالتقوا على جسر دجيل. واشتد القتال حتى حجز بينهم الظلام.

ثم ذهب شبيب وعبر على الجسر فقطع به، فغرق. وكان إليه المنتهى في الشجاعة والبأس، وأكثر ما يكون في مائتي نفس من الخوارج فيهزمون الألوف.

وفيها غزا عبد الملك بنفسه. فدخل الروم وافتتح مدينة هرقلة.

وفيها توفي أبو تميم الجيشاني. واسمه عبد الله بن مالك. قرأ القرآن على معاذ. وكان من عباد أهل مصر وعلمائهم.

سنة ثمان وسبعين

فيها وثب الروم على ملكهم فنزعوه من الملك، وقطعوا أنفه، ونفوه إلى بعض الجزائر.

وفيها جرت حروب وملاحم بإفريقية.

وولي فيها موسى بن نصير إمرة الغرب كله.

وولي خراسان المهلب بن أبي صفرة.

وفيها توفي جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام السلمي الأنصاري. وهو آخر من مات من أهل العقبة. وعاش أربعا وتسعين سنة. وكان كثير العلم، من أهل بيعة الرضوان.

وفيها، على الأصح، زيد بن خالد الجهني بالكوفة، وله خمس وثمانون سنة. وهو من مشاهير الصحابة.

وفيها عبد الرحمن بن غنم الأشعري بالشام. وكان قد بعثه عمر يفقه الناس. قال أبو مسهر: هو رأس التابعين رحمه الله.

وفيها أبو أمية شريح بن الحارث الكندي القاضي. وولي قضاء الكوفة لعمر ولمن بعده. وعاش أزيد من مائة سنة. واستعفى من القضاء قبل موته بعام، فأعفاه الحجاج. وكان فقيها قانتا شاعرا صاحب مزاح.

وفيها قتل بسجستان أبو المقدام شريح بن هانئ المذحجي صاحب علي، عن مائة وعشرين سنة.

سنة تسع وسبعين

فيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون من شدته. قاله ابن جرير.

وفيها كان مقتل رأس الخوارج قطري بن الفجاءة التميمي بطبرستان. عثر به فرسه فهلك. وأتي الحجاج برأسه.

ومات بسجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي. وكان قد بعثه الحجاج أميرا عليها في العام الماضي. وكان جوادا ممدحا يعتق في كل عيد مائة عبد.

وفيها مات عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، وهو قليل الحديث.

سنة ثمانين

فيها بعث الحجاج على سجستان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي. فلما استقر بها خلع الحجاج وخرج. ثم كانت بينهما حروب يطول شرحها.

وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي. وهو آخر من رأى النبي ﷺ من بني هاشم. ولد بالحبشة. ويقال لم يكن في الإسلام مثله في جوده وسخائه.

وفيها مات أبو إدريس الخولاني عائذ بن عبد الله، فقيه أهل الشام وقاصهم وقاضيهم. سمع من أبي الدرداء وطبقته. قال ابن عبد البر: سماع أبي إدريس عندنا من معاذ صحيح.

وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه. اشتراه عمر في حياة أبي بكر. وهو من سبي عين التمر. وكان فقيها نبيلا.

وفيها، وقيل قبلها، جنادة بن أبي أمية الأزدي بالشام له ولأبيه صحبة. وحديثه في الصحيحين عن الصحابة. ولي غزو البحر لمعاوية.

وفيها، على الأصح، أبو عبد الرحمن جبير بن نفير الحضرمي نزيل حمص. كان من جلة التابعين. روى عن أبي بكر وعمر.

وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد القاري. أتي به أبوه النبي ﷺ، وهو صغير. روى عن جماعة. وهو مدني.

وفيها صلب عبد الملك معبد الجهني في القدر. قاله سعيد بن غفير. وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله. له رواية، وقد وثقوه.

وفيها توفي ملك عرب الشام حسان بن النعمان بن المنذر الغساني غازيا بالروم.

وفيها مات اليون عظيم الروم.

وفيها حصر المهلب بن أبي صفرة كش ونسف.

سنة إحدى وثمانون

فيها قام مع ابن الأشعث عامة أهل البصرة مع العلماء والعباد. فاجتمع له جيش عظيم. والتقوا عسكر الحجاج يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجاج وانهزم هو، وتمت بينهما بعد ذلك عدة وقعات، حتى قيل كان بينهما أربع وثمانون وقعة على الحجاج، والآخرة كانت له.

وفيها، وقيل سنة اثنتين، توفي أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن الحنفية، عن سبعين إلا سنة. وكانت الشيعة قد لقبته المهدي. وتزعم شيعته أنه لم يمت، وأنه بجبل رضوى مختفيا عنده عسل وماء.

وفيها توفي سويد بن غفلة الجعفي بالكوفة. وقدم المدينة وقد دفنوا النبي ﷺ. ومولده عام الفيل فيما قيل. وكان فقيها إماما عابدا كبير القدر.

وفيها توفي عبد الله بن زرير الغافقي المصري. روى عن عمر وعلي.

وفيها حجت أم الدرداء الأوصابية الحميرية. وكان لها نصيب وافر من العلم والعمل. ولها حرمة زائدة بالشام. وقد خطبها معاوية بعد وفاة أبي الدرداء فامتنعت.

وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي. روى عن طائفة. ولم يدرك السماع من والده.

وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي ابن خالة خالد ابن الوليد. وكان فقيها كثير الحديث، لقي كبار الصحابة وأدرك معاذ بن جبل.

سنة اثنتين وثمانون

وفيها كانت الحروب تستعر بالعراق بين الحجاج وابن الأشعث. وكاد ابن الأشعث أن يغلب على العراق. وبلغ جيشه ثلاثة وثلاثين ألف فارس ومائة وعشرين ألف راجل. ولم يتخلف عنه كثير. قاموا معه على الحجاج لله.

وفيها توفي أبو عمر زاذان مولى كندة. وقد شهد خطبة عمر بالجابية. وكان من علماء الكوفة.

وفيها توفي أبو مريم زر بن حبيش الأسدي القاري بالكوفة، عن مائة وعشرين سنة. وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية فيما قيل.

وفيها قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي. وكان شريفا مطاعا شيعيا متعبدا.

وفيها في ذي الحجة توفي بمرو الروذ المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان وصاحب الحروب والفتوحات. قال أبو إسحاق السبيعي: لم أر أميرا أيمن نقيبة، ولا أشجع لقاء، ولا أبعد مما يكره، ولا أقرب مما يحب من المهلب. قلت: ومولده عام الفتح، ولأبيه صحبة.

وفيها قتل مع ابن الأشعث سليم بن أسود المحاربي الكوفي.

وفيها قتل الحجاج محمد بن سعد أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث.

سنة ثلاث وثمانين

فيها في قول الفلاس وغيره: وقعة دير الجماجم. وكان شعار الناس: يا ثارات الصلاة. لأن الحجاج، قاتله الله، كان يميت الصلاة ويؤخرها حتى يخرج وقتها.

فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم، واسمه سعيد بن فيروز، وكان من كبار فقهاء الكوفة. روى عن ابن عباس وطبقته.

وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه المقرئ. قال ابن سيرين: رأيت أصحابه يعظمونه كأنه أمير. قلت: أخذ عن عثمان وعلي، ورأى عمر يمسح على الخفين.

وفيها توفي أبو الجوزاء الربعي البصري. واسمه أوس بن عبد الله. روى عن عائشة وجماعة.

وفيها توفي قاضي مصر عبد الرحمن بن جحيرة الخولاني. روى عن أبي ذر وغيره. وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها.

سنة أربع وثمانين

فيها افتتح موسى بن نصير أوربة من المغرب وبلغ عدد السبي خمسين ألفا.

وفيها فتحت المصيصة على يد عبد الله بن عبد الملك بن مروان.

وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية أحد الفصحاء والبلغاء. وكان قد خرج مع ابن الأشعث.

وفيها ظفروا بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي وقتلوه بسجستان، وطيف برأسه في البلدان.

وفيها توفي عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي بعمان. هاربا من الحجاج. وهو ابن أخت معاوية. ولما ولد أتي به النبي ﷺ فحنكه.

وفيها توفي عتبة بن الندر السلمي بالشام. له صحبة وحديثان.

وفيها توفي عمران بن حطان السدوسي البصري آخر رؤوس الخوارج وشاعرهم البليغ.

وفيها توفي أبو زرعة روح بن زنباع الجذامي سيد جذام وأمير فلسطين. وكان معظما عند عبد الملك لا يكاد يفارقه. وهو عنده بمنزلة وزير. وكان ذا علم وعقل ودين.

سنة خمس وثمانين

وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أرمينية. فأقام سنة. وأمر ببناء مدينة أردبيل وبرذعة.

وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة أصيب فيها المسلمون واستشهد نحو الألف.

وفيها توفي أبو عمر عبد العزيز بن مروان بن الحكم أمير مصر والمغرب في جمادى الأولى. وأرخه جماعة وقال بعضهم: مات في العام الماضي وبقي على مصر عشرين سنة. وروى عن أبي هريرة وغيره. وكان ولي العهد بعد عبد الملك. عقد لهما أبوهما ذلك. فلما مات عقد العهد من بعده عبد الملك لولديه، وبعث إلى عاملة على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس بذلك. فامتنع عليه سعيد بن المسيب وصمم. فضربه هشام ستين سوطا وطوف به.

وفيها أو في سنة ست توفي واثلة بن الأسقع الليثي. أحد فقراء الصفة. شهد غزوة تبوك. وعاش ثمانيا وتسعين سنة. وكان فارسا شجاعا فاضلا.

وفيها توفي عمرو بن حريث المخزومي. وله صحبة ورواية. مولده قبيل الهجرة.

وفيها، في قول، عمرو بن سلمة الجرمي البصري الذي صلى بقومه في عهد النبي ﷺ. ويقال له صحبة.

وفيها توفي أسير بن جابر بالعراق، وله أربع وثمانون سنة. روى عن عبد الله وغيره.

عمرو بن سلمة الهمداني. سمع عليا وابن مسعود. ولم يخرجوا له في الكتب الستة شيئا. وهو مقل.

وفيها توفي عبد الله بن عامر بن ربيعة العتري حليف آل عمر بن الخطاب. ولد سنة ست من الهجرة. وروى عن النبي ﷺ حديثا ليس بمتصل، خرجه أبو داود. وله عن الصحابة.

سنة ست وثمانين

فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وافتتح بلاد صاغان من الترك صلحا.

وفيها توفي أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان نزيل حمص. وقد قال: كنت يوم حجة الوداع ابن ثلاثين سنة. فيكون عمره مائة وست سنين.

وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الروم.

وفيها، وقيل سنة ثمان، عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي. وهو آخر الصحابة موتا بالكوفة. وآخر من شهد بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص القرآن. ولا يدخل أحد منهم النار بنص السنة.

وفيها، على الصحيح، وقيل سنة ثمان أيضا، عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. آخر الصحابة موتا بمصر.

وفيها قبيصة بن ذؤيب الخزاعي المدني الفقيه بدمشق. روى عن أبي بكر وعمر. قال مكحول: ما رأيت أعلم منه. وقال الزهري: كان من علماء الأمة.

وفي شوال مات الخليفة أبو الوليد عبد الملك بن مروان، وله ستون سنة. وكانت خلافته المجتمع عليها من بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهرا. وكان أبيض طويلا كبير العينين مشرف الأنف رقيق الوجه ليس بالبادن. عدة أبو الزناد في الفقيه في طبقة ابن المسيب. وقال نافع: لقد رأيت أهل المدينة وما فيها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك.

سنة سبع وثمانين

فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز، إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم.

وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارا بين قتيبة والكفار. ونصر الله الإسلام.

وفيها فتحت سردانية من المغرب.

وفيها ابتدأ بنيان جامع دمشق. ودام العمل والجد والاجتهاد في بنائه وزخرفته أكثر من عشر سنين. وكان فيه اثنا عشر ألف صانع.

وفيها توفي بحمص صاحب النبي ﷺ عتبة بن عبد السلمي، وله أربع وتسعون سنة.

وفيها توفي المقدام بن معدي كرب الكندي صاحب النبي ﷺ وهو ابن إحدى وتسعين سنة. مات بحمص أيضا.

سنة ثمان وثمانين

فيها زحفت الترك وأهل فرغانة والصغد وعليهم ابن أخت ملك الصين في جمع لم يسمع بمثله. فيقال: كانوا مائتي ألف. فالتقاهم قتيبة بن مسلم فهزمهم.

وفيها اقتتلت الروم في جمع عظيم. فالتقاهم مسلمة فكسرهم أيضا. فلله الشكر والمنة. وافتتح مسلمة حرثومة وطوانة.

وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص. فكان آخر من مات بالشام من الصحابة.

سنة تسع وثمانين

فيها جهز موسى بن نصير ولده عبد الله. فافتتح جزيرتي ميورقة ومنورقة. وجهز ولده الآخر مروان فغزا السوس الأقصى. وبلغ السبي أربعين ألفا. وغزا مسلمة عمورية. فالتقى الروم وهزمهم.

وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير العذري المدني. مسح النبي ﷺ رأسه ودعا له. فوعى ذلك. وسمع من عمر.

سنة تسعين

فيها غزا قتيبة وردان خداه الغزوة الثانية. فاستصرخ عليه بالترك، فالتقاهم قتيبة وكسرهم.

وفيها غزا مسلمة سورية وافتتح الحصون الخمسة.

وفيها غدر ملك الطالقان واستعان بترك طرخان على قتيبة. ثم ظفر قتيبة بأهل الطالقان فقتل منهم صبرا مقتلة لم يسمع بمثلها. وصلب منهم سماطين طول كل سماط أربعة فراسخ في نظام واحد.

وفيها ولي مصر قرة بن شريك. وكان جبارا ظالما.

وفيها توفي أبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي الكوفي والد قابوس.

وفيها، على الأصح، خالد بن يزيد بن معاوية الأموي الدمشقي. وكان موصوفا بالعلم والدين والعقل.

وفيها عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المدني الفقيه.

وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري مفتي أهل مصر في وقته، وعلى عقبة بن عامر تفقه.

سنة إحدى وتسعين

فيها عزل الوليد عمه محمدا عن الجزيرة وأذربيجان وأرمينية وولى عليها أخاه مسلمة. فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد وافتتح حصونا ومدائن.

وافتتح فيها قتيبة عدة مدائن بما وراء النهر. وأوطأ الكفار ذلا وخوفا. وحمل إليه طرخون القطيعة.

وفيها توفي، وقيل في سنة ثمان وثمانين، السائب بن يزيد الكندي ابن أخت نمر بالمدينة. وقال: حج بي أبي مع النبي ﷺ حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين. ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه.

وفيها توفي أبو العباس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وقد قارب المائة. وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة.

سنة اثنتين وتسعين

فيها افتتح إقليم الأندلس على يد طارق مولى موسى، فتحه في سنة ثلاث.

وفيها توفي مالك بن أوس بن الحدثان النصري المدني. أدرك الجاهلية، ورأى أبا بكر.

وفيها توفي إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي، ولم يبلغ الأربعين. روى عن عمرو بن ميمون الأزدي وجماعة.

سنة ثلاث وتسعين

فيها افتتح قتيبة عدة فتوح وهزم الترك. ونازل سمرقند في جيش عظيم، ونصب المنجنيق فجاءت نجدة الترك، فأكمن لهم كمينا فالتقوا في نصف الليل. فاقتتلوا قتالا عظيما، ولم يفلت من الترك إلا اليسير. وافتتح سمرقند صلحا وبنى بها الجامع والمنبر. وأما الباهليون فيقولون: صالحهم على مائة ألف فارس، وعلى بيوت النار، وعلى حلية الأصنام فسلبت. ثم وضعت قدامه فكانت كالقصر العظيم، يعني الأصنام، فأمر بتحريقها. ثم جمعوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال واستعمل على البلد ابنه عبد الله. ورد إلى مرو.

وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب والأندلس وبأرض الروم وبأرض الهند. ولم يفتتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقا وغربا. فلله الحمد والمنة.

وفيها توفي خادم رسول الله ﷺ أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري. قاله حميد الطويل وابن علية وجماعة. وقال شعيب بن الحبحاب: توفي سنة تسعين. وقال قتادة والهيثم بن عدي: سنة إحدى وتسعين. وقال الواقدي وغيره: سنة اثنتين. وقدم النبي ﷺ وله عشر سنين.

وفيها توفي بلال بن أبي الدرداء. يروي عن أبيه. وقد ولي إمرة دمشق.

وفيها أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الفقيه بالبصرة. قال ابن عباس: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول أبي الشعثاء لأوسعهم علما عما في كتاب الله.

وفيها على الصحيح، وقيل سنة تسعين، أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، مولاهم، البصري المقرئ المفسر. وقد دخل على أبي بكر، وقرأ القرآن على أبي. قال أبو العالية: كان ابن عباس يرفعني على السرير وقريش أسفل. وقال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، وبعده سعيد بن جبير.

وفيها زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب، قاضي البصرة. قرأ في الصبح: {فإذا نقر في الناقور} فخر ميتا.

وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني. ولد في عهد النبي ﷺ وروى عن الصحابة. وولي قضاء المدينة. وعن الأعرج، قال: ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه.

سنة أربع وتسعين

فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة فافتتحها بعد قتال عظيم، وبعث جيشا فافتتحوا الشاش.

وفيها افتتح مسلمة من أرض الروم سندرة.

وفيها توفي أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المدني الفقيه. أحد الأعلام. قاله جماعة. وقال ابن المديني وغيره: توفي سنة ثلاث. وولد في أثناء خلافة عمر. قال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم: ما رأيت أعلم من ابن المسيب. وقال علي بن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه. وهو عندي أجل التابعين. وقال أحمد العجلي: كان لا يأخذ العطاء، وله أربع مائة دينار يتجر بها في الزيت. وقال مسعر عن سعد بن إبراهيم: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر مني.

وفيها توفي أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني الفقيه الحافظ. ولد في سنة تسع وعشرين، وحفظ عن والده، وكان يصوم الدهر، ومات وهو صائم. وكان يقرأ كل يوم ربع الختمة في المصحف ويقوم الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله. وكانت وقع فيها الأكلة فنشرها. قال الزهري: رأيت عروة بحرا لا ينزف.

وفيها توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول قاله يحيى بن عبد الله بن حسن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي. وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة أو سنة سبع. قال الزهري: ما رأيت أحدا أفقه منه لكنه قليل الحديث. وقال أبو حاتم الأعرج: ما رأيت هاشميا أفضل منه. وعن سعيد بن المسيب قال: ما رأيت أورع منه. وقال مالك: إن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات. قال: وكان يسمى زين العابدين لعبادته. وقال غيره: كان عبد الملك يحبه ويحترمه. وكان يوم مقتل والده مريضا، فقال عمر بن سعد: لا تتعرضوا لهذا المريض. قلت: مناقبه كثيرة من صلواته وخشوعه وحجه وفضله رضي الله عنه.

وفيها توفي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني الفقيه. استصغر يوم الجمل، فرد هو وعروة. وكان يقال له راهب قريش، لعبادته وفضله. وكان مكفوفا. وهو أحد الفقهاء السبعة.

وفيها، وقيل سنة أربع ومائة، توفي أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني. أحد الأئمة الكبار. قال الزهري: أربعة وجدتهم بحورا: عروة، وابن المسيب، وأبو سلمة، وعبيد الله.

وفيها تميم بن طرفة الطائي الكوفي. ثقة له عدة أحاديث.

سنة خمس وتسعين

فيها قلع الله الحجاج بن يوسف الثقفي الطائفي في ليلة مباركة على الأمة ليلة سبع وعشرين من رمضان، وله خمس وخمسون سنة أو دونها. وكان شجاعا مقداما مهيبا داهية فصيحا مفوها بليغا سفاكا للدماء. تولى الحجاز سنتين، ثم العراق عشرين سنة.

وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. روى عن أبيه وسعد وجماعة.

وفي شعبان قتل الحجاج -قاتله الله- سعيد بن جبير الوالبي مولاهم الكوفي المقرئ الفقيه المفسر أحد الأعلام. وله نحو من خمسين سنة.

وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري الفقيه العابد المجاب الدعوة. روى عن علي وعمار.

وفيها توفي حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. سمع من خاله عثمان وهو صغير. وكان عالما فاضلا مشهورا.

وفيها توفي إبراهيم بن يزيد النخعي الإمام أبو عمران فقيه العراق، كهلا. أخذ عن علقمة والأسود ومسروق. رأى عائشة وهو صبي.

سنة ست وتسعين

يقال فيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص. ورخه عبد الصمد بن سعيد. وقد مر.

وفيها قلع الله قرة بن شريك القيسي أمير مصر. وكان عسوفا ظالما. قيل كان إذا انصرف من بناء جامع مصر دخله ودعا بالخمر والملاهي، ويقول: لنا الليل ولهم النهار. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرة بمصر، وعثمان بن حبان بالحجاز، امتلأت والله الأرض جورا.

وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك. وكان دميما، سائل الأنف، يتبخر في مشيته، وأدبه ناقص، حتى قيل إنه قرأ في الخطبة فقال: {يا ليتها كانت القاضية}. ودخل عليه أعرابي فقال: من ختنك؟ فقال: المزين. فقيل: إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك؟ قال: نعم فلان.

لكنه كان مع ظلمه كثير التلاوة للقرآن. قيل إنه كان يختم في ثلاث، ويقرأ في رمضان سبع عشرة ختمة. ورزق سعادة عظيمة في أيامه، فأنشأ جامع دمشق، وافتتحت في أيامه الهند والترك والأندلس. وكان كثير الصدقات. جاء عنه أنه قال: لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحدا يفعله.

وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان. وقد وليها عشر سنين. قال خليفة: خلعه سليمان بن عبد الملك فقتلوه. قلت: كان بطلا شجاعا. هزم الكفار وغير مرة، وافتتح عدة مدائن.

سنة سبع وتسعين

فيها توفي سعيد بن جابر المدني صاحب أبي هريرة.

والفقيه طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة. وهو أحد الطلحات الموصفين بالجود. روى عن عثمان وغيره.

وفيها، أو في سنة ثمان، توفي قيس بن أبي حازم الأحمسي البجلي الكوفي، وقد جاوز المائة. سمع أبا بكر وطائفة من البدريين، وكان من علماء الكوفة.

وفيها، أو في سنة ست، محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي. قال البخاري: له صحبة. وذكره مسلم وغيره في التابعين. وله عدة أحاديث حكمها الإرسال.

وحج بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك. فتوفي معه بوادي القرى أبو عبد الرحمن موسى بن نصير الأعرج، الأمير الذي افتتح الأندلس وأكثر المغرب. وكان من رجال العالم حزما ورأيا وهمة ونبلا وشجاعة وإقداما.

سنة ثمان وتسعين

فيها غزا المسلون قسطنطينية، وعلى الناس مسلمة.

وفيها افتتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان.

وفيها توفي أبو عمرو الشيباني الكوفي، واسمه سعيد بن إياس، عن مائة وعشرين سنة. وكان يقرئ الناس بمسجد الكوفة. روى عن علي وابن مسعود.

وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية الهاشمي المدني. وهو الذي أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وصرف الشيعة إليه ورفع إليه كتبا وأسر إليه أشياء.

وفيها، أو في التي بعدها، عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد. أدرك عمر، وسمع من عائشة.

وفيها، على الصحيح، توفي عبيد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني. أحد الفقهاء السبعة ومؤدب عمر بن عبد العزيز.

وفيها كريب مولى ابن عباس. وكان كثير العلم كبير السن والقدر. قال موسى بن عقبة: وضع عندنا كريب عدل بعير من كتاب ابن عباس.

وفيها عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية الفقيهة، وكانت في حجر عائشة فأكثرت عنها.

سنة تسع وتسعين

فيها توفي محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني. وقد عقل مجة مجها رسول الله ﷺ من بئر في دارهم، وله أربع سنين.

ونافع بن جبير بن مطعم النوفلي المدني. وكان هو وأخوه محمد من العلماء. ولنافع رواية عن الزبير والعباس، وكان محمد من علماء قريش وأشرفهم. توفي قريبا من أخيه.

وفيها، إن شاء الله، توفي عبد الله بن محيريز الجمحي المكي نزيل بيت المقدس وكان عابد الشام في زمانه. قال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز. وإن كنت لأعد بقاءه أمانا لأهل الأرض.

وفي عاشر صفر توفي الخليفة أبو أيوب سليمان بن عبد الملك الأموي، وله خمس وأربعون سنة. وكانت خلافته أقل من ثلاث سنين. وكان فصيحا فهما محبا للعدل والغزو، عالي الهمة. جهز الجيوش لحصار القسطنطينية وسار فنزل على قنسرين رداءا لهم. وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيره ومشيره، ثم عهد إليه بالخلافة. وكان أبيض، مليح الوجه مقرون الحاجبين، يضرب شعره منكبيه.

سنة مائة

وفيها توفي أبو أمامة أسعد بن سهل بن جنيف الأنصاري المدني، واسمه أسعد، ولد في حياة النبي ﷺ. روى عن عمر وجماعة. وكان من علماء المدينة.

وفيها، وقيل في سنة عشر ومائة، أبو الطفيل عامر بن وائلة بن الأسقع الكناني الليثي. وهو آخر من من رأى النبي ﷺ في الدنيا. وكان من شيعة علي. ترك الكوفة وتوفي بمكة.

وفيها بسر بن سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة. روى عن عثمان وزيد بن ثابت. وولاؤه لبني الحضرمي.

وفيها وقيل بعدها بعام أو قبلها، سالم بن أبي الجعد الكوفي. من مشاهير المحدثين.

وفيها خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني المفتي. أحد الفقهاء السبعة. وتفقه على والده.

وفيها أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل بالبصرة. وكان قد أسلم وأدى الزكاة إلى عمال النبي ﷺ. وحج في الجاهلية. وعاش مائة وثلاثين سنة. وصحب سلمان الفارسي اثنتي عشرة سنة.

وفيها شهر بن حوشب الأشعري الشامي. قرأ القرآن على ابن عباس. وكان عالما كثير الرواية الحديث.

وفيها حنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق كان مع علي بالكوفة. ثم ولي عشور إفريقية. وروى عن جماعة.

وفيها مسلم بن يسار المكي ثم البصري. روى عن ابن عمر وغيره. وكان من عباد البصرة وفقهائها. قال ابن عون: كان لايفضل عليه أحد في ذلك الزمان. وقال محمد بن سعد: كان ثقة فاضلا عابدا ورعا.

وفيها عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي. أحد أشراف قريش وحكمائها وعقلائها. روى عن أبيه وجماعة.

سنة إحدى ومائة

في رجب توفي الامام العادل أمير المومنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة وله أربعون سنة. وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. كمثل خلافة الصديق. وكان أبيض جميلا، نحيف الجسم، حسن الحية، بجبهته أثر حافر فرس، شجه وهو صغير. فكان يقال له أشج بني أمية. وحفظ القرآن في صغره. فبعثه أبوه من مصر، فتفقه بالمدينة حتى بلغ رتبة الاجتهاد. ومناقبه كثيرة رضي الله عنه. وجده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب.

وفيها توفي أبو صالح السمان ذكوان، صاحب أبي هريرة. قال أحمد بن حنبل: كان ثقة من أجل الناس.

وفيها أو في سنة مائة، ربعي بن حراش أحد علماء الكوفة وعبادها. وقد شهد خطبة عمر بالجابية. قيل إنه لم يكذب قط. رحمه الله عليه. وكان قد آلى أن لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار.

وفيها مقسم مولى ابن عباس. ولم يكن مولاه بل مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأضيف إلى ابن عباس لملازمته له.

وفيها محمد بن مروان بن الحكم الأمير، والد الخليفة مروان. وكان بطلا شجاعا شديد البأس. له عدة مصافات مع الروم. وكان متولي الجزيرة وغيرها.

وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين، الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي. ورد أنه صنف كتابا في الإرجاء ثم ندم عليه. وكان من عقلاء بني هاشم وعلمائهم.

وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على إمرة العراقين، وأمره بمحاربة يزيد بن المهلب، وكان قد خرج عليه، فحاربه حتى قتل في السنة الآتية.

وممن توفي بعد المائة: إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني، له عن أبي هريرة.

وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني، له عن ابن عباس وميمونة.

وعبد الله بن شقيق العقيلي البصري. سمع من عمر والكبار.

والقطامي الشاعر المشهور.

ومعاذة العدوية الفقيهة العابدة بالبصرة.

وعراك بن مالك المدني.

ومورق العجلي.

وبشير بن يسار المدني الفقيه.

وأبو السوار العدوي البصري الفقيه، صاحب عمران بن حنين.

وعبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري.

وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله.

وحفصة بنت سيرين الفقيهة العابدة.

وعائشة بنت طلحة التيمية التي أصدقها مصعب بن الزبير مائة ألف دينار.

وعبد الرحمن بن أبي بكرة، أول من ولد بالبصرة.

ومعبد بن كعب بن مالك.

وذو الرمة الشاعر المشهور.

وأبو الأشعث الصنعاني الشامي.

وزياد الأعجم الشاعر.

وسعد بن أبي هند.

وأبو سلام ممطور الحبشي الأسود.

وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري القاضي.

سنة اثنتين ومائة

كان يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أمير الصلاة لسليمان. فولي عمر، فعزله وسجنه. فلما توفي عمر أخرجه خواصه من السجن. وتوثب على البصرة، وفر منه عاملها. عدي بن أرطاة الفزاري. ونصب يزيد رايات سودا وتسمى بالقحطاني، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن الخطاب. فجاء مسلمة وحاربه. ثم قتل في صفر. وكان جوادا ممدحا كثير العزو والفتوح.

وفيها توفي بخراسان الضحاك بن مزاحم الهلالي صاحب التفسير. وثقه الامام أحمد وغيره. وورد أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبي. وكان يركب حمارا ويدور عليهم إذا عيي.

وفيها توفي أبو المتوكل الناجي بالبصرة. واسمه علي بن داود. روى عن عائشة وجماعة.

وفيها توفي أمير إفريقية أبو العلاء.

ولما قتل يزيد بن المهلب في المعركة عهد لابنه معاوية. فأخرج من الجيش عدي بن أرطاة في جماعة فذبحهم صبرا.

سنة ثلاث ومائة

فيها توفي عطاء بن يسار المدني الفقيه. مولى ميمونة أم المؤمنين. ثقة إمام كان يقص بالمدينة. روى عن كبار الصحابة.

وفيها مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، عن نيف وثمانين سنة. قال خصيف: كان أعلمهم بالتفسير. وعن مجاهد قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وقال لي ابن عمر: وددت أن نافعا يحفظ كحفظك. قال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله إلا عطاء وطاوسا ومجاهدا.

وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني. وكان فاضلا كثير الحديث. روى عن علي والكبار.

وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي بالكوفة. روى عن والده وعثمان. وقال أبو حاتم: هو أفضل إخوته بعد محمد. وكان يسمى في زمانه المهدي.

وفيها مقرئ الكوفة يحيى بن وثاب الأسدي، مولاهم. أخذ عن ابن عباس وطائفة. قال الأعمش: كنت إذا رأيته قد جاء قلت: هذا قد وقف للحساب. كان يعدد ذنوبه رحمه الله.

وفيها يزيد بن الأصم العامري ابن خالة ابن عباس. نزل الرقة. وروى عن خالته ميمونة وطائفة.

سنة أربع ومائة

فيها وقعة بهرازان دون الباب بفرسخين. التقى المسلمون وعليهم الجراح الحكمي هم والخاقان. فهزموه بعد قتال عظيم. وقتل خلق من الكفار.

وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعي الحمصي الفقيه العابد. سمعه صفوان يقول: لقيت سبعين من الصحابة. وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت ألزم للعلم منه. وقال الثوري: ما أقدم عليه أحدا. وروي عنه أنه كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة.

وفيها، وقيل قبل المائة، عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أحد الإخوة التسعة. وكان ثقة كثير العلم.

وفيها، وقيل سنة ثلاث، الحبر العلامة أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي الكوفي، عن بضع وثمانين سنة. وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء. وقال ابن المديني: ابن عباس في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، والشعبي في زمانه.

وفيها، وقيل في سنة سبع، أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد البصري الإمام. وقد طلب للقضاء فهرب. وقدم الشام فنزل بداريا. وكان رأسا في العلم والعمل. سمع من سمرة وجماعة.

وفيها أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، قاضي الكوفة وأحد الأئمة. لقي عليا والكبار.

سنة خمس ومائة

في رمضان التقى الجراح الحكمي وخاقان ملك الترك. ودام الحرب أياما، ثم نصر الله دينه وهزم الترك شر هزيمة. وكان المصاف بناحية أرمينية.

وفيها غزا الروم عثمان بن حيان المري الذي ولي المدينة للوليد بن عبد الملك. وكان ظالما، يقول الشعر على المنبر في خطبته. وقد روى له مسلم.

وفي شعبان توفي الخليفة أبو خالد يزيد بن عبد الملك بن مروان. وجده لأمه يزيد بن معاوية. عاش أربعا وثلاثين سنة. وولي أربع سنين وشهرا. وكان أبيض جسيما مدور الوجه. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما استخلف قال: سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز، فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب.

وفيها، على الأصح، أبو رجاء العطاردي، بالبصرة، عن مائة وعشرين سنة أو أقل. واسمه عمران بن ملحان. أسلم في حياة النبي ﷺ وأخذ عن عمر وطائفة.

وفيها المسيب بن رافع الكوفي. سمع البراء وجماعة.

وفيها عمارة بن خزيمة بن ثابت. روى عن أبيه ذي الشهادتين وجماعة يسيرة. وهو مدني.

وفيها توفي الأخوان عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب. وكان عبد الله وصي أبيه. وروايتهما قليلة.

وفيها سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي. روى عن أبيه وعائشة وغيرهما.

وفيها أبان بن عثمان بن عفان الأموي المدني الفقيه. روى عن أبيه. قال ابن سعد: كان به صمم ووضح كثير. وأصابه فالج قبل موته بسنة.

سنة ست ومائة

فيها استعمل هشام بن عبد الملك على العراق خالد بن عبد الله القسري. فدخلها وقبض على متوليها عمر بن هبيرة الفزاري وسجنه. فعمد غلمانه فنقبوا سربا إلى السجن أخرجوه منه. وهرب إلى الشام. وأجاره مسلمة بن عبد الملك. مات قريبا من ذلك.

وفيها غزا المسلمون فرغانة والتقوا الترك، فقتل في الوقعة ابن خاقان. وانهزموا ولله الحمد.

وفيها غزا الجراح الحكمي ووغل في بلاد الخزر. فصالحوه وأعطوه الجزية. وحج بالناس خليفتهم هشام.

وفيها توفي سالم بن عبد الله بن عمر العدوي المدني الفقيه القدوة. وكان شديد الأدمة، خشن العيش، يلبس الصوف ويخدم نفسه. قال مالك: ثم يكن في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الفضل والزهد منه. قال أحمد وإسحاق: أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه.

وفيها توفي طاوس بن كيسان اليماني الجندي، أحد الأعلام علما وعملا. أخذ عن عائشة وطائفة. توفي بمكة.

وفيها، قاله خليفة: أبو مجلز لاحق بن حميد البصري. أحد علماء البصرة. لقي كبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس. قال هشام بن حبان: كان قليل الكلام، فإذا تكلم كان من الرجال.

سنة سبع ومائة

فيها عزل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي عن أذربيجان وأرمينية، واستعمل أخاه مسلمة. فغزا وافتتح في رمضان قيسارية عنوة.

وفيها توفي سليمان بن يسار المدني أخو عطاء وهم عدة إخوة. وكان أحد الفقهاء السبعة. أخد عن عائشة وطائفة. قال الحسن بن محمد بن الحنفية: سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب.

وفيها عكرمة بن عبد الله أبو عبد الله البربري ثم المدني مولى ابن عباس أحد الأعلام. وقيل توفي في العام الماضي. وكان كثير التنقل في الأقاليم. دخل اليمن وخراسان والمغرب. وكانت الأمراء تكرمه وتصله. وقال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة.

وفيها وقيل سنة خمس عطاء بن يزيد الليثي المدني، صاحب نميم الداري.

وفيها، وقيل في سنة ثمان، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الإمام. نشأ في حجر عمته عائشة فأكثر عنها. قال يحيى بن سعيد: ما أدركنا أحدا نفضله بالمدينة على القاسم. وعن أبي الزناد قال: ما رأيت فقيها أعلم منه. وقال ابن عيينة: كان القاسم أفضل أهل زمانه. وعن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان أمر الخلافة إلي لما عدلت عن القاسم. قلت: لأن سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة وليزيد من بعده.

وفيها مات كثير عزة، أبو صخر الخزاعي المدني الشاعر المشهور. كان شيعيا غاليا يؤمن بالرجعة.

سنة ثمان ومائة

فيها غزا أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان فالتقاه الغوز في جمع عظيم فهزمهم.

وفيها زحف ابن خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة ديان كذا ونصب عليها المجانيق. فساد إليه المسلمون فهزموه، وقتلوا من جيشه خلقا، ولكن استشهد أميرهم الحارث بن عمرو.

وفيها توفي أبو عبد الله بكر بن عبد الله المزني البصري الفقيه. روى عن المغيرة بن شعبة وجماعة. وقيل توفي سنة ست.

وفيها، وقيل سنة تسع، أبو نضرة العبدي. واسمه المنذر بن مالك. أحد شيوخ البصرة. أدرك عليا وطلحة والكبار.

وفيها يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري، أخو مطرف. كان جليل القدر ثقة مشهورا. لقي عمران بن حصين وجماعة. وعاش نحوا من تسعين سنة. وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة.

وفيها. وقيل في سنة سبع عشرة، محمد بن كعب القرظي الكوفي المولد والمنشإ، ثم المدني. روى عن كبار الصحابة. وبعضهم يقول: ولد في حياة النبي ﷺ وكان كبير القدر، موصوفا بالعلم والورع والصلاح.

سنة تسع ومائة

فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام فافتتح حصن القطاسين.

وفيها توفي أبو نجيح يسار المكي، مولى ثقيف ووالد عبد الله بن أبي نجيح. روى عن أبي سعيد وجماعة. قال أحمد بن حنبل: كان من خيار عباد الله.

وفيها أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري. روى عن عبد الله ابن عمر وجماعة.

سنة عشر ومائة

فيها افتتح معاوية ولد هشام قلعتين من أرض الروم.

وفيها كانت وقعة الطين التقى مسلمة وطاغية الخزر بقرب باب الأبواب. فاقتتلوا أياما كثيرة. ثم كان النصر ولله الحمد في جمادى الآخرة.

وفيها كانت وقعة بالمغرب أسر فيها بطريق المشركين.

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وكان يسمى أسد قريش. روى عن عائشة وجماعة. وولي خراج الكوفة لابن الزبير.

وفيها في شوال محمد بن سيرين أبو بكر، شيخ البصرة مع الحسن. سمع عمران بن حصين، وأبا هريرة وطائفة. قال أيوب: أريد للقضاء ففر إلى الشام وإلى اليمامة. وقال مؤرق العجلي: ما رأيت أفقه في ورعه من محمد بن سيرين. وقال هشام بن حبان: حدثني أصدق من رأيت من البشر محمد بن سيرين. قال ابن عون: لم أر مثل محمد بن سيرين. وكان الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم، يعني ابن سيرين.

وتوفي قبله بمائة يوم الحسن بن أبي الحسن البصري أبو سعيد، إمام أهل البصرة وحبر زمانه. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وسمع خطبة عثمان، وشهد يوم الدار وشهرته تغني عن التعريف به. قال ابن سعد في الطبقات: كان جامعا عالما رفيعا. فقيها حجة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما رحمه الله.

وفيها توفي بمكة أبو الطفيل عامر بن واثلة. قاله جرير بن حازم. وقد مر سنة مائة.

وفيها توفي نعيم بن أبي هند الأشجعي الكوفي، وهو أقدم شيخ لشعبة. ولأبيه صحبة.

وفيها توفي الفرزدق وجرير شاعرا العصر.

سنة إحدى عشرة ومائة

فيها عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجراح الحكمي. فافتتح مدينة البيضاء التي للخزر. فجمع ابن خاقان جمعا عظيما وساق فنازل أردبيل.

وفيها توفي عطية بن سعد العوفي الكوفي. روى عن أبي هريرة وطائفة. وقد ضربه الحجاج أربع مائة سوط على أن يشتم عليا رضي الله عنه فلم يفعل. وهو ضعيف الحديث.

وفيها توفي القاسم بن مخيمرة الهمداني الكوفي نزيل الشام. روى عن أبي سعيد وعلقمة. وكان عالما نبيلا زاهدا رفيعا.

سنة اثنتي عشر ومائة

وفيها سار مسلمة في شدة البرد والثلج في بلاد الترك حتى جاوز الباب. وافتتح مدائن وحصونا.

وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية.

وفيها زحف الجراح الحكمي من برذعة إلى ابن خاقان وهو محاصر أردبيل. فالتقى الجمعان واشتد القتال، فكسر المسلمون وقتل الجراح الحكمي اليماني رضي الله عنه. وغلبت الخزر لعنهم الله على أذربيجان. وبلغت خيولهم إلى الموصل. وكان بأسا شديدا على الإسلام. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وروى أبو مسهر عن رجل أن الجراح قال: تركت الذنوب حياء أربعين سنة. ثم أدركني الورع وكان من قراء أهل الشام. وقال غيره: ولي الجراح خراسان لعمر بن عبد العزيز. وكان إذا مر بجامع دمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.

وفيها غزا الأشرس السلمي فرغانة، فأحاطت به الترك.

وفيها أخذت الخزز أردبيل بالسيف. فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو الجرشي. فالتقى الخزر وهزمهم واستنقذ شيئا كثيرا وغنائم ولطف الله.

وفيها توفي أبو المقدام رجاء بن حيوة الكندي الشامي الفقيه. روى عن معاوية وطبقته. وكان شريفا نبيلا. كامل السؤدد. قال مطر الوراق: ما رأيت شاميا أفقه منه. وقال مكحول: هو سيد أهل الشام في أنفسهم. وقال مسلمة: الأمير في كندة رجاء بن حيوة. وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي. إن الله لينزل بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء.

وفيها القاسم أبو عبد الرحمن الدمشقي الفقيه. مولى آل معاوية. قال أبو إسحاق الجوزجاني: كان خيارا فاضلا. أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار.

وفيها طلحة بن مصرف اليامي الهمداني الكوفي. وكان يسمى سيد القراء. قال أبو معشر: ما ترك بعده مثله. قلت: وكان يقدم عثمان. وكان أقرأ أهل الكوفة. فبلغه إجماعهم على ذلك، فذهب يقرأ على الأعمش رفيقه لتنزل رتبته في أعينهم. سمع عبد الله بن أبي أوفى وصغار الصحابة، ومات كهلا.

سنة ثلاث عشرة ومائة

فيها التقى المسلمون والترك بظاهر سمرقند. فاستشهد أميرهم وعامة أصحابه. وهو الأمير سورة بن أبجر الدارمي عامل سمرقند. ثم التقاهم الجنيد المري فهزمهم.

وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وأرمينية. فالتقى خاقان. واقتتلوا قتالا عظيما وتحاجزوا، ثم التقوا بعدها فانهزم خاقان.

وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف وعليهم مالك بن شبيب الباهلي فوغل بهم في أرض الروم فحشدوا لهم، والتقوا. فانكسر المسلمون وقتل أميرهم مالك.

وقتل معه عبد الوهاب بن بخت مولى بني مروان. وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام. روى عن ابن عمر وأنس. ووثقه أبو زرعة.

وكان معه الأمير أبو محمد البطال، ويقال أبو يحيى، واسمه عبد الأنطاكي. أحد الشجعان الذين يضرب بهم المثل. وله مواقف مشهودة. وكان طليعة جيش مسلمة. وله أخبار في الجملة. لكن كذبوا عليه، وحملوه من الخرافات والكذب ما لا يحد ولا يوصف.

وفيها توفي فقيه الشام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل. أرسل عن طائفة من الصحابة، وسمع من واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي، وخلق. قال ابن إسحاق: سمعته يقول: طفت الأرض في طلب العلم. وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول. وقال سعيد بن عبد العزيز: أعطوا مكحولا مرة عشرة آلاف دينار، فكان يعطي الرجل خمسين دينارا. وقال الزهري: العلماء ثلاثة، فذكر منهم مكحولا.

وفيها توفي أبو إياس معاوية بن قرة المدني البصري عن ثمانين سنة. وكان يقول: لقيت ثلاثين صحابيا.

وفيها توفي يوسف بن ماهك المكي. روى عن عائشة وجماعة. وقد لقيه ابن جريج وغيره.

سنة أربع عشرة ومائة

فيها عزل مسلمة عن أذربيجان والجزيرة، ووليها مروان الحمار. فسار مروان حتى جاوز نهر الروم. فأغار وقتل وسبى خلقا من الصقالبة.

وفي رمضان على الأصح، وقيل في سنة خمس عشرة، توفي فقيه الحجاز الإمام أبو محمد عطاء بن أبي رباح، أسلم، المكي مولى قريش، عن سن عالية. وكان من مولدي الجند، أسود مفلفل الشعر. سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس. قال أبو حنيفة: ما رأيت أفضل منه. وقال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة. وكان من أحسن الناس صلاة. وقال الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس. وقال إسماعيل بن أمية: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد كذا. وقال غيره: كان لا يفتر عن الذكر.

وفيها، وقيل في سنة سبع عشرة، علي بن رباح اللخمي المصري، وهو في عشر المائة. حمل عن عدة من الصحابة، وولي غزو إفريقية لعبد العزيز بن مروان. وكان من علماء زمانه.

وفيها توفي السيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الباقر. ولد سنة ست وخمسين من الهجرة. وروى عن أبي سعيد الخدري وجابر وعدة. وكان من فقهاء المدينة. وقيل له الباقر لأنه بقر العلم، أي شقه وعرف أصله وخفيه.

وفيها أبو عبد الله وهب بن منبه الصنعاني الحبر العلامة عن ثمانين سنه. روى عن ابن عباس وجماعة. وكان شديد العناية بكتب الأولين وأخبار الأمم وقصصهم، بحيث أنه كان يشبه بكعب الأحبار في زمانه.

سنة خمس عشرة ومائة

فيها، وقيل في الماضية، الفقيه أبو محمد الحكم بن عتيبة الكوفي مولى كندة. أخذ عن أبي حجيفة السوائي وغيره. وتفقه على إبراهيم النخعي. قال مغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النبي ﷺ يصلي إليها. وقال الأوزاعي: قال لي عبدة بن أبي لبابة: هل لقيت الحكم؟ قلت: لا. قال: فالقه فما بين لابتيها أفقه منه.

وفيها قاضي مرو أبو سهيل عبد الله بن بريدة الأسلمي عن مائة سنة. روى عن أبي موسى وعائشة وطائفة.

وفيها توفي أبو يحيى عمير بن سعيد النخعي، وقد قارب المائة، أو جاوزها. وحديثه عن علي في الصحيحين. وهو أكبر شيخ لمسعر.

وفيها توفي الجنيد بن عبد الرحمن المري الدمشقي الأمير على خراسان والسند. وكان أحد الأجواد.

سنة ست عشرة ومائة

فيها توفي عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، إمام مسجد الشيعة وقاصهم. روى عن البراء وطائفة.

وعمرو بن مرة المرادي الكوفي الضرير. سمع ابن أبي أوفي وجماعة. وكان حجة حافظا. قال مسعر: ما أدركت أحدا أفضل منه.

وفيها محارب بن دثار السدوسي قاضي الكوفة. سمع ابن عمر وجابرا وطائفة.

سنة سبع عشرة ومائة

فيها جاشت الترك بخراسان وانضم إليهم الحارث بن أبي شريح الخارجي. فاقتتوا وجاوزوا نهر جيحون. وأغاروا على مرو الروذ. فسار إليهم أسد بن عبد الله القسري، فالتقوا ونصر الله، وقتلهم المسلمون قتلا ذريعا.

وفيها افتتح مروان الحمار ثلاثة حصون، وأسر الملك تومان شاه، وبعث به إلى هشام. فمن عليه وأعاده إلى ملكه.

وفيها توفي أبو الحباب سعيد بن يسار المدني مولى ميمونة. روى عن عبد العزيز وجماعة.

وفيها توفي بالإسكندرية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، صاحب أبي هريرة.

وفيها توفي عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المدني، عن سن عالية. وقد ولى القضاء لابن الزبير. وكان مؤذن الحرم.

وفيها فقيه أهل دمشق عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. وكان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير. قال أبو مسهر: سيد أهل المسجد. قيل: بما سادهم؟ قال: بحسن الخلق. قلت: أرسل عن أبي الدرداء وعبادة. وهو ثقة قليل الحديث.

وفيها، وقيل في سنة ثمان عشرة، الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي. عالم أهل البصرة. روى معمر عنه. قال: أقمت عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام. فقال لي في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى فقد أترفتني. وقال قتادة: ما قلت لمحدث قط أعده علي، وما سمعت شيئا إلا وعاه قلبي. وقال فيه شيخه ابن سيرين: قتادة أحفظ الناس. وقال معمر: سمعت قتادة يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا. وقال أحمد: قل أن نجد من يتقدم قتادة. كان عالما بالتفسير وباختلاف العلماء.

ويقال فيها محمد بن كعب القرظي. ورخه الواقدي والفلاس. وقد مر.

وفيها موسى بن مروان بن وردان المصري القاضي. روى عن أبي هريرة وسعيد وطائفة. وعاش نيفا وثمانين سنة. قال أبو حاتم: ليس به بأس. قلت: آخر أصحابه ضمام بن إسماعيل.

وفيها توفي ميمون بن مهران الرقي أبو أيوب الفقيه، قاضي الجزيرة. وكان من العلماء العاملين. روى عن عائشة وأبي هريرة وطائفة.

وفيها توفي فقيه المدينة أبو عبد الله نافع مولى ابن عمر. قال عبيد الله بن عمر: بعث عمر بن عبد العزيز نافعا إلى مصر يعلمهم السنن. قلت: وقد روى نافع أيضا عن عائشة وأبي هريرة.

وفيها توفيت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص بالمدينة. وقد رأت ستا من أمهات المؤمنين، وعاشت أربعا وثمانين سنة.

وفيها توفيت سكينة بنت الشهيد الحسين بن علي بالمدينة. وكانت من أجمل النساء. تزوجها مصعب بن الزبير.

سنة ثمان عشرة ومائة

يقال فيها توفي أبو جعفر الباقر ومكحول. وقد ذكرا.

وفيها توفي علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب العباسي جد الخلفاء، بأرض البلقاء. وولد ليلة قتل علي رضي الله عنه. وكان من أجمل قريش وأجلها وأهيبها. قال الأوزاعي وغيره: كان يسجد كل يوم ألف سجدة. وقيل: كان يقال له السجاد لكثرة صلاته.

وفيها توفي عمرو بن شعيب. محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي، أبو إبرهيم. روى عن زينب ربيبة النبي صلى الله عليه. فهو تابعي. وثقه يحيى بن معين وابن راهويه. وهو حسن الحديث.

وفيها توفي عبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية. وكان شريفا جليل القدر، موصوفا بالصلاح. روى عن شداد بن أوس وجماعة.

وفيها في المحرم قارئ الشام أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي. وله سبع وتسعون سنة. قرأ القرآن العظيم على المغيرة بن أبي شهاب، عن قراءته على عثمان. وقيل إنه قرأ على عثمان نفسه نصف القرآن. وورد أيضا أنه قرأ على أبي الدرداء. وحدث عن فضالة بن عبيد، والنعمان ابن بشير وولي قضاء دمشق رحمه الله.

وفيها عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي. وهو مكثر عن أبيه وغيره. ولا أعلمه روى عن الصحابة. وقد رأى جماعة من الصحابة.

وفيها عبد الرحمن بن سابط الجمحي المكي الفقيه. روى عن عائشة وجماعة.

وفيها معبد بن خالد الجدلي الكوفي القاص. روى عن جابر بن سمرة وجماعة.

وفيها أبو عشانة المعافري حي بن يومن بمصر. روى عن عقبة بن عامر وجماعة.

سنة تسع عشرة ومائة

فيها غزا مروان غزوة السانحة، فدخل من باب اللان، فلم يزل يسير حتى طلع من بلاد الخزر. ومر ببلنجر وسمندر، وانتهى إلى مدينة خاقان الترك فانهزم خاقان.

وفيها توفي إياس بن سلمة بن الأكوع المدني. روى عن أبيه.

وفيها وقيل سنة اثنتين وعشرين، توفي حبيب بن أبي ثابت الكوفي، فقيه الكوفة ومفتيها. مع حماد بن أبي سليمان، بل هو أكبر من حماد وأجل مكانة. روى عن ابن عباسن، وابن عمر، وخلق من التابعين.

وفيها فقيه دمشق سليمان بن موسى الأموي الأشدق. مولى بني أمية. روى عن أبي أمامة، وواثلة وطائفة. قال سعيد بن عبد العزيز: كان أعلم أهل الشام بعد مكحول. وقال ابن لهيعة: ما لقيت مثله.

وفيها قيس بن سعد المكي صاحب عطاء. وكان مفتي أهل مكة في وقته.

وفيها الأمير أبو شاكر معاوية ولد الخليفة هشام بن عبد الملك. وكان أنبل أولاد أبيه، جوادا ممدحا. ولي الغزو مرات، وهو جد أمراء الأندلس.

سنة عشرين ومائة

فيها وقيل سنة ثمان عشرة. توفي أنس بن سيرين، أخوه محمد ابن سيرين، وله خمس وثمانون سنة. روى عن ابن عباسن وجماعة.

وفيها فقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الأشعري، مولاهم. صاحب إبراهيم النخعي. روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة. وكان سريا محتشما، يفطر كل ليلة في رمضان خمس مائة إنسان. وقال شعبة: كان صدوق اللسان.

وفيها توفي عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، شيخ محمد بن إسحاق. وكان إخباريا علامة بالمغازي. يروي عن جابر وغيره.

وفيها توفي قارئ أهل مكة أبو معبد عبد الله بن كثير الطائي مولاهم، الفارسي الأصل، الداري العطار. قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد، وحدث عن ابن الزبير وغيره.

وفيها توفي سيد أهل الجزيرة عدي بن عدي بن عميرة الكندي الأمير. وكان فقيها ناسكا كبير الشأن. ولأبيه صحبة.

وفيها توفي علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي. وكان ثبتا في الحديث. روى عن طارق بن شهاب، ولطارق صحبة ما.

وفيها توفي قيس بن مسلم الجدلي الكوفي. صاحب طارق، ويقال إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ زمنان تعظيما لله.

وفيها توفي محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني الفقيه. روى عن أسامة بن زيد، وأبي سعيد وطائفة وجده من المهاجرين.

وفيها توفي واصل الأحدب الكوفي. يروي عن أبي وائل وطبقته.

وفيها توفي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزام الأنصاري قاضي المدينة. عن نيف وثمانين سنة. ويقال: كان أعلم أهل المدينة بالقضاء. وله خبرة بالسير.

سنة إحدى وعشرين ومائة

فيها غزا مروان. فأتى قلعة بيت السرير، فقتل وسبى، ثم دخل حصن غومشك، وفيه سرير ملكهم، فهرب منه الملك. ثم إن مروان صالحهم في العام على ألف رأس ومائة ألف مدي. ثم إنه سار حتى دخل أرض أرز ونطران كذا، فصالحوه، وصالحه تومان شاه على بلاده. ثم سار حتى نازل حمرين كذا وحاصرها شهرين، ثم صالحهم، وافتتح مسدارة صلحا، وتهيأ لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم، ووقع في قلوب الترك والخزر منه رعب شديد.

وفيها توفي قاضي دمشق نمير بن أوس الأشعري، أحد شعيوخ الاوزاعي.

وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المدني. وقد لقي ابن عمر. ورافع بن خديج. وطائفة. وكانت له حلقة للفتوى.

وفيها أو في التي بعدها. سلمة بن كهيل الكوفي. روى عن جندب البجلي وطائفة. وكان من أثبات الشيعة وعلمائهم. حمل عنه شعبة والثوري.

وفيها مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي الأمير، ويلقب بالجرادة الصفراء. وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام والرأي والدهاء. ولي أرمينية وأذربيجان غير مرة وإمرة العراقين. وسار في مائة وعشرين ألفا وغزا القسطنطينية، في خلافة سليمان أخيه. وروى عن عمر بن عبد العزيز.

وفيها قتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بالكوفة. وكان قد بايعه خلق كثير. وحارب متولي العراق يوسف بن عمر، فظفر به يوسف، وبقي مصلوبا أربع سنين. ولما خرج أتاه طائفة كبيرة وقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك. فأبى. فقالوا: إذا نرفضك. فمن ذلك الوقت سموا الرافضة. وسميت شيعته الزيدية. روى عن ابيه وجماعة. وروى عنه شعبة.

وفيها قتل أحد الشجعان الأبطال أبو محمد البطال وله حروب ومواقف، ولكن كذبوا عليه فأفرطوا، ووضعوا له سيرة كبيرة، كل وقت يزيد فيها من لا يستحي من الكذب.

سنة اثنتين وعشرين ومائة

فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم وخرجت طائفة كبيرة وبايعوا عبد الواحد الهواري. والتف عليه أمم من البربر. ثم نصير عليهم المسلمون وقتلوا منهم خلقا.

وفيها توفي قاضي البصرة أبو وائلة إياس بن معاوية المزني أحد من يضرب به المثل في الذكاء والعقل. روى عن أنس وجماعة ووثقه ابن معين. ولا رواية له في الكتب الستة.

وفيها بكير بن عبد الله بن الأشج المدني الفقيه. نزيل مصر وأحد شيوخ الليث بن سعد. وهو من صغار التابعين.

وفيها زيد بن الحارث اليامي. روى عن إبراهيم النخعي وخلق من كبار التابعين.

وفيها سيار أبو الحكم صاحب الشعبي. وهو واسطي حجة مشهور.

وفيها يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني، عن سن عالية. لقي أبا هريرة.

وفيها أبو هاشم الرماني الواسطي. واسمه يحيى. كان سكن قصر الرمان بواسط. روى عن أبي العالية وجماعة.

وفيها قتل زيد بن علي. قاله خليفة. وقد مر في التي قبلها.

سنة ثلاث وعشرين ومائة

فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيري في عدة من أمرائه واستبيح عسكره ومزقوا. هزمهم أبو يوسف الأزري رأس الصفرية. وكان كلثوم قد ولي دمشق لهشام، ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب. وأتبعت الصفرية من انكسر من المسلمين. فثبت لهم بلج القشيري ابن عم كلثوم. وكان النصر ولله الحمد.

وقثل في المعركة أبو يوسف الأزري.

وفيها حج بالناس يزيد ابن الخليفة هشام، ومعه الزهري، فأخذ عنه إذ ذاك مالك وابن عيينة وأهل الحجاز.

وفيها توفي ثابت البناني بالبصرة، عن أكثر من ثمانين سنة. وكان من سادة التابعين علما وفضلا وعبادة ونبلا.

وربيعة بن يزيد الدمشقي القصير، شيخ دمشق بعد مكحول. استشهد بإفريقية. وقد لقي جبير بن نفير وطائفة. قال نوح بن فضالة: كان يفضل على مكحول. وقال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتا في العبادة منه ومن مكحول.

وفيها سماك بن حرب الدهلي الكوفي، أحد الكبار. قال: أدركت ثمانين من الصحابة، وذهب بصري فدعوت الله، فرده الله علي. وقال العجلي: كان عالما بالشعر وأيام الناس فصيحا.

وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة، وقد شاخ. واسمه سليمان بن جبير. نزل مصر وأدركه الليث.

وفيها عابد البصرة محمد بن واسمع الأزدي. أخذ عن أنس، ومطرف بن الشخير وطائفة. وهو مقل. وروى خمسة عشر حديثا. ومناقبه مشهورة.

وفيها قارئ أهل مكة بعد ابن كثير محمد بن عبد الرحمن بن محيصن. ومنهم من يسميه عمر، فأظنهما أخوين. وله رواية شاذة في كتاب المنهج وغيره. وقد روى عن صفية بنت شيبة وغيرها.

سنة أربع وعشرين ومائة

فيها تمت وقعة كبيرة بالمغرب مع الصفرية. ورأسهم ميسرة الحقير. وذاق المسلمون منهم مشاق وبلاء شديدا.

وفيها مات محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري أحد الثقات. وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزير، وأدركه ابن عيينة.

وفيها توفي القاسم بن أبي بزة المكي. روى عن أبي الطفيل وجماعة يسيرة.

وفيها في رمضان توفي الزهري وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني، أحد الأعلام. أربع وسبعين سنة. سمع من سهل بن سعد، وأنس بن مالك وخلق. قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال عمر بن عبد العزيز: لم يبق أعلم بسنة ماضية من الزهري. وكذا قال مكحول. وقال الليث: قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي علما فنسيته. قال الليث: وكان يكثر شرب العسل، ولا يأكل شيئا من النعاج. وقال أيوب: ما رأيت أعلم من الزهري. قلت: وكان معظما وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك. أعطاه مرة سبعة آلاف دينار. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منه عند الزهري، كأنها بمنزلة البعر.

سنة خمس وعشرين ومائة

فيها توفي أبو سعيد سعيد بن أبي سعيد المقبري عن سن عالية. روى عن سعد بن أبي وقاص، وأكثر عن أبي هريرة. قال ابن سعد: ثقة. لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين. قلت: ما سمع منه ثقة في اختلاطه.

وفيها مات في ربيع الآخر الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي. وكانت خلافته عشرين سنة إلا أشهرا. وكانت داره عن الخواصين بدمشق، فعمل منها مدرسة السلطان نور الدين. وكان ذا رأي وحزم وحلم. وجمع المال. عاش أربعا وخمسين سنة. وكان أبيض جميلا سمينا أحول، يخضب بالسواد.

وفيها أشعت بن أبي الشعثاء الحارثي الكوفي.

وآدم بن علي الشيباني الكوفي المدني. روى عن ابن عمر.

وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية إياس، صاحب سعيد بن جبير. وقد روى عن عباد بن شرحبيل الصحابي.

وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، والد المنصور والسفاح، وله ستون سنة. وكان جميلا وسيما مهيبا نبيلا. وكانت دعاة بني العباس يكاتبونه ويلقبونه بالإمام.

وفيها، وقيل في سنة أربع، زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي الحافظ، أحد علماء الجزيرة، وله أربعون سنة. روى عن جماعة من التابعين.

وفيها أو بعدها زياد بن علاقة الثعلبي الكوفي. روى عن طائفة. وكان معمرا أدرك ابن مسعود، وسمع من جرير بن عبد الله.

وفيها صالح مولى التوأمة المفتي، وقد هرم وخرف. لقي أبا هريرة وجماعة.

سنة ست وعشرين ومائة

فيها في جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البخراء بقرب تدمر. وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر. وكان من أجمل الناس وأقواهم وأجودهم نظما. ولكنه كان فاسقا متهتكا. زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه. فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد ابن الوليد الملقب بالناقص. لكونه نقص الجند أعطياتهم. وبويع يزيد الناقص فمات في العشرين من ذي الحجة من السنة عن ست وثلاثين سنة.

وبويع بعده أخوهم إبراهيم بن الوليد. وكان في يزيد زهد وعدل وخير. لكنه قدري. قال الشافعي: ولي يزيد بن الوليد فدعا الناس إلى القدر وحملهم عليه.

وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي. روى عن ابن عمر ومعاوية.

وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله بن يزيد القسري الدمشقي الأمير تحت العذاب، وله ستون سنة. وكان جوادا، ممدحا خطيبا مفوها. وقال ابن معين: كان رجل سوء يقع في علي رضي الله عنه. ولي العراق لهشام.

وفيها توفي دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص، مولى عبد الله بن عمرو بن العاص.

وسعيد بن مسروق، والد سفيان الثوري. وقيل مات في سنة ثمان، والله أعلم.

وفيها عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي المدني الفقيه. وكان إماما ورعا كثير العلم.

وفيها، على الصحيح، سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق. روى عن معاوية وجماعة. قال أبو داود: ولي قضاء دمشق أربعين سنة.

وفيها الكميت الأسدي الشاعر المشهور.

وعبد الله بن هبيرة السبائي المصري، وله ست وثمانون سنة.

وعبيد الله بن أبي يزيد المكي صاحب ابن عباس.

ويحيى بن جابر الطائي قاضي حمص.

وفي أولها عالم أهل مكة في زمانه أبو محمد عمرو بن دينار الجمحي مولاهم، المكي. قال عبد الله بن أبي نجيج: ما رأيت أحدا قط أفقه منه. وقال شعبة: ما رأيت أثبت في الحديث منه. قلت: سمع ابن عباس وجابرا وطائفة.

سنة سبع وعشرين ومائة

لما بلغ مروان بن محمد بن مروان وفاة يزيد الناقص سار من أرمينية في جيوشه يطلب الأمر لنفسه. فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشرا ومسرورا في جيش فكسرهما مروان وحبسهما. ثم نزل بمرج دمشق، فحاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك. ثم انهزم وعسكر الخليفة إبراهيم بن الوليد. فخلع نفسه وبايع مروان.

وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفي الذي كان أميرا بالعراق، في السجن بدمشق.

وقتل عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك. والحكم وعثمان ابنا الوليد بن عبد الملك.

وفيها توفي عبد الله بن دينار مولى ابن عمر بالمدينة.

ومالك بن دينار البصري الزاهد المشهور.

وعمير بن هانئ العنسي الداراني. روى عن معاوية في الصحيحين، وعن أبي هريرة في السنن. قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أراك لا تفتر عن الذكر، فكم تسبح؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع.

وعبد الكريم بن مالك الجزري الحراني الحافظ كهلا.

ووهب بن كيسان المدني المؤدب عن سن عالية.

وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قاضي المدينة. قال شعبة: كان يصوم الدهر ويختم كل يوم. وقيل مات في سنة ست.

وفيها: توفي سنة تسع. إسماعيل السدي الكوفي المفسر المشهور.

وفيها وقيل سنة ثمان. أبو إسحاق السبيعي الكوفي عمرو بن عبد الله، شيخ الكوفة وعالمها. وله نحو المائة. رأى عليا، وغزا الروم زمن معاوية.

سنة ثمان وعشرين ومائة

فيها ظهر الضحاك بن قيس الخارجي، وقتل متولي الموصل. واستولى عليها. وكثرت جموعه وأغار على البلاد، وخافه مروان. فسار بنفس، فالتقى الجيشان بنصيبين. وكان قد أشار على الضحاك أمراؤه أن يتقهقر فقال: ما لي في دنياكم من حاجة. وقد جعلت لله علي إن رأيت هذا الطاغية أن أحمل عليه حتى يحكم الله بيننا. وعلي دين سبعة دراهم. معي منها ثلاثة دراهم. ودام الحرب إلى آخر النهار، فقتل الضحاك في المعركة في نحو ستة آلاف من الفريقين أكثرهم من الخوارج. وانهزم مروان، لكن ثبت أمير الميمنة. وجاء الخبيري فملك مخيم مروان وقعد على سريره. فعطف نحو ثلاثة آلاف فأحاطت بالخبيري فقتل، وقام بأمر الخوارج شيبان فتحيز بهم. وخندقوا على نفوسهم. وجاء مروان فنازلهم وقاتلهم عشرة أشهر، كل يوم راية مروان مهزومة. وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع الحجاج. ثم رحل شيبان على حمية نحو شهرزور، ثم توجه إلى كرمان ناحية البحرين فقتل هناك.

وفيها خرج بسطام بن الليث بأذربيجان، ثم قدم بلد نصيبين في نيف وأربعين رجلا. فنهض لحربه عسكر الموصل، فبيتهم وأصاب منهم، ثم عاث بنصيبين، ثم قتل.

وفيها ولي العراقين يزيد بن عمرو بن هبيرة. وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.

وفيها توفي بكر بن سوادة الجذامي المصري مفتي مصر. وقد روى عن عبد الله بن عمرو وسهل بن سعد.

وفيها جابر بن يزيد الجعفي من كبار المحدثين بالكوفة. روى عن أبي الطفيل. ومجاهد. وثقه وكيع وغيره وضعفه آخرون.

وفيها أبو قبيل المعافري المصري حيي بن هانئ الفقيه سمع عقبة وعبد الله بن عمرو.

وفيها عاصم بن أبي النجود الأسدي، مولاهم، القارئ بالكوفة في زمانه وأحد السبعة. وكان صالحا خيرا حجة في القرآن صدوقا في الحديث. قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش.

وفيها أبو عمران الجوني البصري عبد الملك بن حبيب عن سن عالية. سمع جندب بن عبد الله وجماعة.

وفيها على الأصح، أبو حصين الاسدي عثمان بن عاصم، سيد بني أسد بالكوفة. وكان ثبتا فاضلا عثمانيا. لقي جابر بن سمرة وطائفة.

وفيها أبو الزبير المكي. محمد بن مسلم بن تدرس، أحد العقلاء والعلماء لقي عائشة والكبار.

وفيها أبو حمزة الضبعي البصري نصر بن عمران صاحب ابن عباس.

وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي. مولاهم. لقي عبد الله بن الحارث بن جزء وطائفة. قال الليث: هو عالمنا وسيدنا.

وفيها أبو التياح البصري صاحب أنس. واسمه يزيد بن حميد. قال أبو إياس: ما بالبصرة أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله من أبي التياح.

سنة تسع وعشرين ومائة

في رمضان كان ظهور أبو مسلم صاحب الدعوة بمرو.

وفيها توفي المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التجيبي قاضي إفريقية. روى عن عروة وطبقته.

وفيها سالم أبو النضر المدني. وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى إجازة في الصحيحين.

وفيها، وقيل في سنة إحدى وثلاثين علي بن زيد بن جدعان التيمي البصري الضرير. أحد علماء الشيعة. كان كثير الرواية ليس بالقوي.

وفيها، على الصحيح، يحيى بن أبي كثير أبو نصر اليمامي. أحد الأعلام في الحديث. له حديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة، وآخر في سنن النسائي عن أنس. فيقال: لم يلقهما. والله أعلم.

وفيها قارئ المدينة أبو جعفر يزيد بن أبي القعقاع الزاهد العابد، عن بضع وثمانين سنة. أخذ عن أبي هريرة وابن عباس. قرأ عليه نافع وإلياس وله ذكر في سنن.

سنة ثلاثين ومائة

فيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب، صاحب أنس.

وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري المدني.

وعبد العزيز بن رفيع المكي ثم الكوفي عن نيف وتسعين سنة. روى عم ابن عباس وجماعة. وشيبة بن نصاح القارئ قرأ على أبي هريرة وابن عباس. وقال قالون: كان نافع أكثر اتباعا لشيبة من أبي جعفر.

وعبد العزيز بن صهيب البصري الأعمى.

وكعب بن علقمة التنوخي المصري. روى عن أبي تميم الجيشاني وطائفة.

وفيها، وقيل سنة إحدى وثلاثين، محمد بن المنكدر التيمي الحافط الزاهد المدني القانت. وقد سمع من عائشة وأبي هريرة. كان يجتمع إليه الصالحون.

وفيها كانت موقعة قديد، وقتل فيها خلق منهم مخرمة بن سليمان الوالبي. روى عن عبد الله بن جعفر وجماعة.

وفيها توفي أبو وجزة السعدي المدني يزيد بن عبيد، الذي روى عن عمير بن أبي سلمة.

وفيها توفي يزيد الرشك بالبصرة. روى عن مطرف بن الشخير، وجماعة.

وفيها توفي يزيد بن رومان المرني. روى عن عروة وجماعة. وقيل إنه قرأ على ابن عباس. وهو من شيوخ نافع في القراءة.

وفيها توفي قاضي دمشق يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني الفقيه. أخذ عن واثلة بن الأسقع وطائفة.

سنة إحدى وثلاثين ومائة

فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان. وهزم الجيوش. وأقبلت سعادة بني العباس، وولت الدنيا عن بني أمية.

وفيها توفي علي بن زيد بن جدعان. وقد مر.

وفيها قتل أبو مسلم الخراساني إبراهيم بن ميمون الصائغ ظلما. روى عن عطاء ونافع.

وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي. روى عن ابن عمر وجماعة.

وفيها إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الدمشقي، مؤدب أولاد عبد الملك بن مروان. وكان زاهدا عابدا. روى عن أنس وطائفة.

وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السختياني أحد الأعلام. وكان من صغار التابعين. قال شعبة: كان سيد الفقهاء. وقال ابن عيينة: لم ألق مثله. وقال حماد بن زيد: كان أفضل من جالسته وأشدهم اتباعا للسنة. وقال ابن المديني: له نحو ثمان مائة حديث.

وفيها الزبير بن عدي قاضي الري يروى عن أنس وجماعة.

وفيها سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني. لقي كبار التابعين.

وفيها أبو الزناد الفقيه. أحد علماء المدينة. وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن ذكوان. لقي عبد الله بن جعفر. وأنسا. قال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاث مائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصنوف، ثم لم يلبث أن بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة. قال أبو حنيفة: كان أبو الزناد أفقه من ربيعة.

وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر. صاحب مجاهد.

وفيها فرقد السبخي. أحد الزهاد بالبصرة. حدث عن أنس وجماعة. وفيه ضعف.

وفيها محمد بن جحادة الكوفي. يروي عن أنس وطائفة. توفي في رمضان.

وفيها منصور بن زاذان زاهد البصرة وشيخها. روى عن أنس وجماعة. وكان يصلي من بكرة إلى العصر، ثم يسبح إلى المغرب.

وفيها همام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة. وكان من أبناء المائة. قال أحمد: كان يغزو فجالس أبا هريرة. وكان يشتري الكتب لأخيه وهب.

سنة اثنتين وثلاثين ومائة

فيها ابتدا أمر دولة العباسية بني العباس. وبويع السفاح بالكوفة. وجهز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان. فزحف مروان إليه في مائة ألف إلى أن نزل بالزاب دون الموصل. فالتقوا في جمادى الآخرة. فانكسر مروان واستولى عبد الله على الجزيرة، وطلب الشام. فهرب مروان إلى مصر وخذل. وانقضت أيامه. فنزل عبد الله على دمشق وحاصرها. وبها ابن عم مروان الوليد بن معاوية ابن مروان. فأخذت بالسيف. وقتل بها من الأمويين عدة ألوف، منهم أميرها الوليد وسليمان بن هشام بن عبد الملك. وزرعة بن إبراهيم.

وفيها توفي بمكة إبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس. قال ابن عيينة: أنا إبراهيم بن ميسرة: من لم تر عيناك والله مثله.

وفيها توفي بالمدينة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه وكان مالك لا يقدم عليه أحدا لنبله عنده.

وفيها قتل خالد بن سلمة بن العاص المخزومي الكوفي. وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة، فقتله بنو العباس.

وفيها توفي سالم الأفطس الحراني الفقيه، مولى بني أمية. قتله عبد الله بن علي. روى عن سعيد بن جبير وجماعة.

وممن قتل عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.

وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدني الفقيه القدوة. روى عن ابن عمر وجابر وعدة. قال أحمد بن حنبل: ثقة من خيار عباد الله، يستنزل بذكره القطر.

وفيها عبد الله بن طاوس اليماني ابن كيسان اليماني النحوي. روى عن أبيه. قال معمر: كان من أعلم الناس بالعربية وأحسنهم خلقا. ما رأيت ابن فقيه مثله.

وفيها عبد الله بن عثمان بن خيثم المكي. روى عن أبي الطفيل وعدة.

وفيها منصور بن المعتمر أبو عتاب السلمي الكوفي الحافظ. أحد الأعلام. أخذ عن أبي وائل، وكبار التابعين. وقال: ما كتبت حديثا قط. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لم يكن بالكوفة أحفظ منه. وقال زايدة: صام منصور أربعين سنة وقام ليلها. وكان يبكي الليل كله. وقيل: كان قد عمي من البكاء. وقد أكره على قضاء الكوفة فقضى شهرين. ومناقبه كثيرة، يقال فيه يسير تشيع.

وقتل بجامع دمشق يونس بن ميسرة بن حلبس المقرأ الأعمى وله مائة وعشرين سنة. روى عن معاوية والكبار. وكان موصوفا بالفضل والزهد كبير القدر.

وقتل بنهر أبي فطرس من الأردن الأمير محمد بن عبد الملك بن مروان الأموي. وله رواية عن أبيه.

وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو خالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان، وله خمس وأربعون سنة. وكان طويلا شهما شجاعا خطيبا مفوها جوادا، مفرط الأكل واقع بني العباس فهزموه. فتحصن بواسط. فحاصره أبو جعفر المنصور أخو السفاح مدة ثم آمنه وغدر به وقتله.

وفيها كانت وقعة المسناة فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس. وتأمر على الجيش في الحال ولده.

وفيها قتل مروان الخليفة الملقب بالجعدي وبالحمار، عبر النيل طالبا بلاد الحبشة. فلحقه صالح بن علي عم السفاح وبيتوه ببوصير. وقاتل حتى قتل وكان بطلا شجاعا ظالما، أبيض، ضخم الهامة، ربع، أشهل العين، كث اللحية، أسرع إليه الشيب. وعاش بضعا وخمسين سنة. ذكره المنصور مرة فقال: لله دره ما كان أحزمه وأسوسه وأعفه عن الفيء. وقتل معه زبان أخو عمر بن عبد العزيز. وكان أحد الفرسان ولكن تقنطر به فرسه فقتلوه.

وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعي المروزي الأمير، أحد نقباء بني العباس. قتله أبو مسلم الخراساني.

وفي ذي الحجة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثي، مولاهم، المصري الفقيه. أحد العلماء والزهاد. ولد سنة ست. قال محمد بن سعد: كان ثقة بقية في زمانه.

سنة ثلاث وثلاثين ومائة

فيها نازل طاغية الروم اليون بن قسطنطين ملطية، وألح عليهم بالقتال حتى سلموها بالأمان. فهدم المدينة والجامع. ووجه مع المسلمين عسكرا حتى يبلغوهم مأمنهم.

وفيها بعث أبو مسلم الخرساني مرارا الضبي فقتل الوزير أبا سلمة الخلال حفص بن سليمان السبيعي، مولاهم الكوفي وزير آل محمد. وفيه قيل هذا البيت:

إن الوزير وزير آل محمد... أودى فمن يشناك كان وزيرا

وفيها توفي أيوب بن موسى بن الأشدق عمرو بن سعيد الأموي المكي الفقيه. روى عن عطاء ومكحول.

ومات بمكة داود بن علي بن عبد الله بن عباس. وكان فصيحا مفوها. ولي إمرة المدينة. وروى عن جماعة أحاديث.

وفيها وقيل سنة خمس، سعيد بن أبي هلال الليثي، مولاهم، المصري، كهلا. يروي عن التابعين.

وفيها عمار الدهني دهن بن معاوية من بحيلة أبو معاوية الكوفي. روى عن أبي الطفيل وعدة.

وفيها عياش بن عباس القتباني المصري. روى عن التابعين.

وفيها مغيرة بن مقسم الضبي، مولاهم، الكوفي الفقيه الأعمى أحد الأئمة. روى عن أبي وائل وطبقته. قال شعبة: كان أحفظ من حماد بن أبي سليمان. وقال مغيرة: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. ذكره أحمد بن حنبل فقال: ذكي حافظ صاحب سنة.

وفيها أو في الماضية، يحيى بن يحيى بن قيس الغساني سيد أهل دمشق في وقته. وقد ولي قضاء الموصل لعمر بن عبد العزيز. وأخذ عن أبي إدريس الخولاني وغيره. وكان ثقة إماما. ولا رواية له في الكتب الستة.

سنة أربع وثلاثين ومائة

فيها تحول الخليفة السفاح عن الكوفة فنزل الأنبار.

وفيها توفي بالبصرة أبو هارون العبدي صاحب أبي سعيد الخدري. أحد الضعفاء.

والفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي. روى عن مكحول وطائفة. قال أبو داود: أجازه الوليد بن يزيد مرة بخمسين ألف دينار. وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء. وعن ابن عيينة قال: لا أعلم مكحولا خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد إلا ما ذكره ابن جريح من سلمان بن موسى.

وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب منصور بن جمهور الكلبي الدمشقي، حتى أتى السند فالتقى منصورا في اثني عشر ألفا. فهزم منصور ومات في البرية عطشا. وكان قدريا.

سنة خمس وثلاثين ومائة

فيها توفي أبو العلاء برد بن سنان الدمشقي، نزيل البصرة. روى عن واثلة فمن بعده.

وداود بن الحصين المدني مولى بني أمية. روى عن عكرمة وجماعة.

وفيها، على الأصح أبو عقيل زهرة بن معبد التميي بالإسكندرية عن سن عالية. قال الدارمي: زعموا أنه كان من الأبدال.

قلت: روى عن ابن عمرو بن الزبير.

وفيها، على الأصح. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، شيخ مالك والسفيانين. روى عن أنس وجماعة. وكان كثير العلم.

وفيها عطاء الخراساني نزيل بيت المقدس. وهو كثير الإرسال عن الصحابة. وإنما سمع من ابن بريدة والتابعين وولد سنة خمس. وكان يقول: أوثق عمل في نفسي نشر العلم. وقال ابن جابر: كنا نغزو معه، وكان يحي الليل صلاة إلا نومة السحر. وكان يعظنا ويحثنا على التهجد.

سنة ست وثلاثين ومائة

فيها توفي الأشعت بن سوار الكندي الأفرق النجار بالكوفة. لقي الشعبي ونحوه.

وجعفر بن ربيعة الكندي المصري. له عن أبي سامة والأعرج وطائفة.

وحصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ، على ثلاث وتسعين سنة. لقي جابر بن سمرة، والكبار.

وربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ، الفقيه أبو عثمان المدني. عالم المدينة. ويقال له ربيعة الرأي. سمع أنسا وابن المسيب، وكانت له حلقة للفتوى أخذ عنه مالك.

وفيها زيد بن أسلم العدوي، مولاهم، الفقيه العابد. لقي ابن عمر وجماعة وكان له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة. قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في حلقة زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا. ونقل البخاري أن زين العابدبن علي بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم.

وفيها العلاء بن الحارث الحضرمي الفقيه الشامي، صاحب مكحول. روى عن عبد الله بن بسر وطائفة. وكان ثقة مفتيا جليلا.

وفيها عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي، عن مائة وبضع سنين. رأى عليا رضي الله عنه. وروى عن عدي بن حاتم والكبار، وولي قضاء الكوفة.

وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي الصالح. روى عن عبد الله بن أبي أوفى وطائفة. قال أحمد بن حنبل: وهو ثقة رجل صالح، كان يختم كل ليلة. من سمع منه قديما كان صحيحا.

وفيها يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي. سمع أنسا وجماعة. قال ابن سعد: له أحاديث، وكان صاحب قرآن وعربية.

وفي ذي الحجة مات أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي بالأنبار عن اثنتين وثلاثين سنة. وهو أول خلفاء بني العباس. وكان طويلا أبيض جميلا حسن اللحية. مات بالجدري. وكانت دولته دون الخمس سنين.

وفي أيامه تفرقت الكلمة وخرج عن طاعته الناحية الغربية من بلاد السودان، وإقليم الأندلس. وتغلبت على هذه الممالك خوارج وجماعة. وولي بعده أخوه أبو جعفر المنصور.

سنة سبع وثلاثين ومائة

وفي أولها بلغ عبد الله بن علي موت ابن أخيه السفاح فدعى بالشام إلى نفسه. وعسكر بدابق وزعم أن السفاح عهد إليه بالأمر. وأقام شورا بذلك. فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني. فالتقى الجمعان بنصيبين في جمادى الآخرة. فاشتد القتال. ثم انهزم جيش عبد الله، وهرب هو إلى البصرة، وبها أخوه، وحاز أبو مسلم خزائنه، وكانت شيئا عظيما، لأنه استولى على جميع نعمة بني أمية فبعث المنصور إلى أبي مسلم: أن احتفظ بها في يدك، فصعب ذلك على أبي مسلم، وعزم على خلع المنصور. وسار نحو خراسان، فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنيه وما زال به حتى وقع في براثنه، فأقدم على قتله.

وفي شعبان قتل أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم صاحب دعوة بني العباس، ومنشئ دولتهم. وكان قد دخل خراسان على بهيمة، وهو شاب طري له ذؤابة فما زال يتحيل بإعانة وجوه شيعة بني العباس ونقبائهم، حتى توثب على مرو وملكها. وحاصل الأمر أنه خرج من خراسان بعد أن حكم عليها وضبطها. فقاد جيشا هائلا ومهد لبني العباس، بعد أن قتل خلقا لا يحصون محاربة وصبرا. وكان حجاج زمانه.

وفيها، وقيل في غيرها، توفي خصيف بن عبد الرحمن الجزري الحراني. روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير.

وفيها، أو في التي تليها، منصور بن عبد الرحمن العبدري الحجبي المكي. ولد صفية بنت شيبة. قال ابن عيينة: كان يبكي عند كل صلاة. فكانوا يرون أنه يذكر الموت.

وفيها يزيد بن أبي زياد الكوفي عن نحو تسعين سنة. روى عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وطائفة. وهو لين الحديث. روى له مسلم مقرونا بآخر.

وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق وهو عثمان بن سراقة الأزدي. وكان قد توثب عند موت السفاح، وسب بني العباس على منبر دمشق. وأقام في الخلافة هاشم بن يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية الأموي. فبغتهم مجيء صالح عم السفاح، فلم يقو لحربه. واختفى هاشم وضربت عنق ابن سراقة.

سنة ثمان وثلاثين ومائة

فيها أقبل طاغية الروم قسطنطين بن اليون بن قسطنطين في مائة ألف حتى نزل بدابق. فالتقاه صالح بن علي عم المنصور فهزمه. ولله الحمد.

وفيها توفي زيد بن واقد الدمشقي. روى عن جبير بن نفير، وكثير ابن مرة، وخلق.

وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني مولى الحرقة. روى عن أبيه وأنس وطائفة. قال أبو حاتم: ما أنكر من حديثه شيئا.

وفيها ليث بن أبي سليم الكوفي. ورخه فطين وسيعاد.

سنة تسع وثلاثين ومائة

فيها سار عسكر المنصور فنزلوا ملطية. وهي خراب، فزرعوا أرضها وطبخوا كلسا لبنائها ورجعوا فبعث طاغية الروم من حرق الزرع.

وفيها توفي خالد بن يزيد المصري الفقيه كهلا. يروى عن عطاء والزهري وطبقتهما.

ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني الفقيه الأعرج يروي عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين.

ويونس بن عبيد شيخ البصرة، رأى أنسا وأخذ عن الحسن وطبقته. قال سعيد بن عامر الضبعي: ما رأيت رجلا قط أفضل منه. وأهل البصرة على ذاك. وقال أبو حاتم: هو أكبر من سليمان التيمي. ولا يبلغ سليمان منزلته. وقال يونس: ما كتبت شيئا قط، يعني لذكائه وحفظه.

سنة أربعين ومائة

فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطا بالمصيصة. فأقام بها سنة حتى بناها حصنها.

وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصاب كهلا. أخد عن قتادة وجماعة.

وفيها داود بن أبي هند البصري الفقيه. وكان حافظا مفتيا نبيلا. روى عن سعيد بن المسيب وأبي العالية.

وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدني الأعرج. عالم أهل المدينة وزاهدهم وواعظهم. سمع سهل بن سعد وطائفة. وكان أشقر فارسيا. وأمه رومية. وولاؤه لبني مخزوم. قال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله. له حكم ومواعظ.

وفيها أبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمان المدني. روى عن أبيه وطبقته. وكان كثير الحديث ثقة مشهورا. أخد عنه مالك والكبار.

وفيها عمارة بن غزية المازني المدني. يروي عن الشعبي وطبقته. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.

وفيها عمرو بن قيس الكندي السكوني الحمصي. وله مائة سنة تامة. روى عن عبد الله بن عمرو والكبار. وذكر إسماعيل بن عياش أنه أدرك سبعين صحابيا. وقال غيره: كان عمرو بن قيس أميرا من دولة عبد الملك بن مروان. وكان سيد أهل حمص وشريفهم. ولي غزو الروم لعمر بن عبد العزيز.

سنة إحدى وأربعين ومائة

قال المدائني: فيها ظهرت الريوندية. وهم قوم خراسانيون على رأي أبي مسلم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح، وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل. فأتوا قصر المنصور وطافوا به، فقبض على مائتين من كبارهم. فغضب الباقون وحفوا بنعش وحملوا هيئة جنازة. ثم مروا بالسجن فشدوا على الناس، وفتحوا السجن وأخرجوا أصحابهم. وقصدوا المنصور في ست مائة مقاتل. فأغلق البلد، وحاربهم العسكر مع معن بن زائدة. ثم وضعوا فيهم السيف. وأصيب عثمان بن نهيك الأمير. فاستعمل المنصور مكانه على الحرس أخاه عيسى. وكان ذلك بالهاشمية. فحدثني أبو بكر الهذلي قال: اطلع المنصور فقال رجل إلى جانبي: هذا رب العزة الذي يطعمنا ويرزقنا.

وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة.

وأقام الحج صالح بن علي أمير الشام.

وفيها توفي موسى بن عقبة المدني صاحب المغازي. روى عن أم خالد بنت خالد الأموية ولها صحبة. قال الواقدي: وكان موسى فقيها يفتي.

وفيها، أو في التي تليها. أبو إسحاق الشيباني الكوفي سليمان بن فيروز، ويقال بن خاقان من مواليهم. سمع عبد الله بن أبي أوفى وطائفة.

وفيها موسى بن كعب التميمي المروزي. أحد نقباء بني العباس الاثني عشر. وولي إمرة مصر سبعة أشهر.

ومات فيها أبان بن تغلب الكوفي القارئ المشهور. وكان من ثقات الشيعة. يروى عن الحكم وطائفة.

سنة اثنتين وأربعين ومائة

فيها عزل عن مصر محمد بن الأشعث، ووليها حميد بن قحطبة.

وولي الجزيرة والثغور عباس أخو المنصور.

وفيها توفي خالد الحذاء البصري الحافظ. يروي عن كبار التابعين وقد رأى أنسا. وكان يجلس في الحذائين فلقب الحذاء.

وفيها الأمير سليمان بن علي عم المنصور. وكان جوادا ممدحا، بلغت عطاياه في المواسم خمسة آلاف ألف درهم. وولي إمرة البصرة وعاش ستين سنة.

وفيها عاصم بن سليمان الأحول، أحد حفاظ البصرة. روى عن عبد الله بن سرجس، وأنس وطائفة.

وفيها أو في سنة ثلاث، عمرو بن عبيد البصري الزاهد العابد المعتزلي القدري. صحب الحسن ثم خالفه. واعتزل حلقته فلذا قيل المعتزلي.

وفيها محمد بن أبي إسماعيل الكوفي. روى عن أنس وجماعة. قال شريك: رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد وعاشوا.

وفيها أبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني المصري. روى عن علي بن رباح وعدة. وأدركه ابن وهب.

سنة ثلاث وأربعين ومائة

فيها ثارت الديلم وبدعوا وقتلوا خلائق من المسلمين. فانتدب الناس لغزوهم.

وفيها سار الأمير محمد بن الأشعث إلى المغرب، فالتقى الأباضية وهزمهم، وقتل زعيمهم أبو الخطاب في المصاف.

فيها توفي حجاح بن أبي عثمان الصواف، أحد حفاظ البصرة. روى عن الحسن وغيره.

وفيها، على الصحيح، حميد الطويل، واسم أبيه أبي حميد تيرويه. أحد الثقات التابعين البصريين. قان قائما يصلي فسقط ميتا. سمع أنسا وطائفة، وكنيته أبو عبيدة.

وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي. أحد علماء البصرة وعبادها. سمع أنسا وطائفة. قال شعبة: كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه تغير لونه. وما رأيت أصدق منه. وقال المعتمر: مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما، ويصلي الفجر بوضوء العشاء. وعاش سبعا وتسعين سنة.

وفيها، على الأصح، ليث بن أبي سليم الكوفي. يروي عن مجاهد طبقته. وكان أحد الفقهاء. قال الفضيل بن عياض: كان أعلم أهل بلده بالمناسك. وقال الدراقطني: كان صاحب سنة، إنما أنكروا عليه جمعه بين عطاء وطاوس ومجاهد.

وفيها مطرف بن طريف الكوفي الحارثي الزاهد. روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة.

وفيها يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد. أحد الأعلام. ولي قضاء المنصور، ومات بالهاشمية قبل أن يبني بغداد. روى عن أنس وخلق. قال أيوب السختياني: ما تركت بالمدينة أفقه منه. وكان يحيى القطان يقدمه على الزهري. وقال الثوري: كان من الحفاظ. وقال ابن المديني: له نحو ثلاث مائة حديث.

سنة أربع وأربعين ومائة

فيها سار جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح.

وحج بالناس المنصور. وأهمه شأن محمد بن عبد الله بن حسن وأخيه إبراهيم لتخلفهما عن الحضور عنده. فوضع عليهما العيون وبذل الأموال، وبالغ في تطلبهما لأنه عرف مرامهما، وجرت أمور يطول شرحها. وقبض على أبيهما فسجنه.

وفيها توفي سعيد بن إياس الجريري البصري، محدث البصرة. روى عن أبي الطفيل وعدة. وساء حفظه قبيل موته. ويكنى أبا مسعود.

وفي آخرها، أو في أول سنة خمس، توفي عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمس بالمدينة في حبس المنصور، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبيه، وعبد الله بن جعفر. قال الواقدي: كان من العباد، وله شرف وهيبة ولسان سديد.

وفيها توفي فقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي. روى عن أنس والتابعين. قال أحمد العجلي: كان عفيفا صارما عاقلا يشبه النساك، شاعرا جوادا.

وفيها عقيل بن خالد الأيلي، مولى بني أمية، وصاحب الزهري. لقي عكرمة وطائفة. وكان حافطا ثبتا حجة.

وفي ذي الحجة مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي، صاحب الشعبي. كتبوا حديثه. وقد خرح له مسلم في صحيحه مقرونا بآخر.

سنة خمس وأربعين ومائة

فيها ظهر محمد بن عبد الله بن حسن. فخرح في مائتين وخمسين نفسا بالمدينة، وهو على حمار. وذلك في أول رجب. فوثب على متولي المدينة رباح وسجنه. وتتبع أصحاب رباح. ثم خطب الناس، وبايعه بالخلافة أهل المدينة قاطبة طوعا وكرها. وأظهر أنه قد خرج غضبا لله، وما تخلف عنه من الوجوه إلا نفر يسير. واستعمل على مكة عاملا وعلى اليمن وعلى الشام، فلم يتمكن عماله. وكان شديد الأدمة ضخما فيه تمتمة. وندب المنصور لحربة ابن عمه عيسى بن موسى وقال: لا أبالي أيهما قتل صاحبه لأن عيسى كان ولي العهد بعد المنصور عقد له ذلك السفاح. وكان المنصور يود هلاكه ليولي مكانه ولده المهدي. وسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب إلى الأشراف يستميلهم ويمنيهم، فتفرق عن محمد بن عبد الله ناس كثير. وأشير عليه باللحاق بمصر ليتقوى منها. فأبى وتحصن بالمدينة. وعمق خندقها. فلما أظله عيسى قال: قد أحللتكم من بيعتي. فإن هذا قد جاء في عدد وعدد. فتسللوا عن محمد وبقي في طائفة. فراسله عيسى يدعوه إلى الإنابة ويبذل له الأمان، فلم يسمع. ثم أنذر عيسى أهل المدينة ورغبهم ورهبهم أياما. ثم زحف على المدينة فظهر عليها وبادر محمدا وناشده الله، ومحمد لا يرعوي. قال عثمان بن محمد بن خالد: إني لأحسب محمدا قتل بيده يومئذ سبعون رجلا. وكان معه ثلاث مائة مقاتل. ثم قتل في المعركة وبعث عيسى برأسه إلى المنصور.

وفيها خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله بن حسن بالبصرة. وكان قد سار من الحجاز إلى البصرة فدخلها سرا في عشرة أنفس. وقد جرت له أمور غريبة في اختفائه. وكان ربما يقع به بعض الأعوان فيصطنعه. فإنه دعا إلى نفسه سرا بالبصرة حتى بايعه نحو أربعة آلاف. وجاءه خبر ظهور أخيه بالمدينة فوجم واغتم. ولما بلغ المنصور خروجه تحول فنزل الكوفة حتى يأمن غائلة أهلها. وألزم الناس بلبس السواد، وجعل يقتل كل من اتهمه أو يحبسه. وكان بالكوفة ابن ماعز يبايع لإبراهيم سرا. وتهاون متولي البصرة في أمر إبراهيم حتى اتسع الخرق. وخرج إبراهيم أول ليلة من رمضان، وتحسس منه سفيان متولي البصرة. وأقبل الخلق إلى إبراهيم من بين ناصر وناظر. ونزل سفيان بالأمان ووجد إبراهيم في الحواصل ست مائة ألف. ففرضها لأصحابه خمسين خمسين. وبعث عاملا على الأهواز ليفتحها. وبعث آخر إلى فارس، وآخر إلى واسط. فجهز المنصور لحربه خمسة آلاف عليهم عامر المسكي. فكان بين الفريقين عدة وقعات. وقتل خلق من أهل البصرة وواسط. وبقي إبراهيم سائر رمضان يفرق العمال على البلدان ليخرج على المنصور من كل جهة فتق. فأتاه مصرع أخيه بالمدينة قبل الفطر بثلاث. فعيد بالناس وهم يرون فيه الانكسار. وكان المنصور في جمع يسير وعامة جيوشه في النواحي. فالتزم بعدها أن لا يفارقه ثلاثون ألفا. فلم يبرح أن رد من المدينة عيسى بن موسى. فوجهه لحرب إبراهيم. ومكث المنصور لا يقر له قرار. وجهز العساكر، ولم يأو إلى فراش خمسين ليلة. وكل يوم يأتيه فتق من ناحية. هذا ومائة ألف سيف كامنة بالكوفة، ولولا السعادة لثل عرشه بدون ذلك. وكان ذلك صقرا أحوذيا مشمرا ذا عزم ودهاء. وعن داود بن جعفر قال: أحصي ديوان إبراهيم بالبصرة فبلغوا مائة ألف. وقال غيره: بل قام معه عشرة آلاف، فلو هجم بالكوفة لظفر بالمنصور، ولكنه كان فيه دين. قال: أخاف إن هجمتها أن يستباح الصغير والكبير. وكان أصحابه مع قلة رأيه يختلفون عليه. وكل يشير برأي، إلى أن التقى الجمعان بباخمرا على يومين من الكوفة. فاشتد الحرب. واستظهر أصحاب إبراهيم. وكان على مقدمة جيوش المنصور حميد بن قحطبة. فانهزم، وجعل عيسى بن موسى يثبت الناس، قد بقي في مائة من حاشيته. فأشاروا عليه بالفرار. فقال: لا أزل حتى أظفر أو أقتل. وكان يضرب به المثل بشجاعته. ثم دار أبناء سليمان بن علي في طائفة وجاءوا من وراء إبراهيم. وحملوا على عسكره. قال عيسى: لولا أبناء سليمان لافتضحنا. ومن صنع الله أن أصحابنا انهزموا فاعترض لهم نهر ولم يجدوا مخاضة، فرجعوا. فوقعت الهزيمة على أصحاب إبراهيم، حتى بقي في سبعين، وأقبل حميد بن قحطبة فحمل بأصحابه. واشتد القتال حتى تفانى خلق تحت السيف طول النهار. وجاء سهم غرب لا يدرى من رمي به في حلق إبراهيم، فأنزلوه وهو يقول: {وكان أمر الله قدرا مقدورا} أردنا أمرا وأراد الله غيره. واجتمع أصحابه يحمونه. وأنكر حميدا اجتماعهم وحمل عليهم. فتفرقوا عن إبراهيم فنزل جماعة واحتزوا رأسه. وبعث به إلى المنصور. وذلك في الخامس والعشرين من ذي القعدة، وعمره ثمان وأربعون سنة. وكان قد آذاه يومئذ الحر وحرارة الزردية. فحسرها عن صدره، فأصيب في لبته. ووصل إلى المنصور خلق منهزمين، وهيأ النجائب ليهرب إلى الري وكان يتمثل:

ونصبت نفسي للرماح درية... إن الرئيس لمثل ذاك فعول

فلما أسرعوا إليه بالبشارة وبالرأس تمثل بقول معقر البارقي:

فألقت عصاها واستقر بها النوى... كما قر عينا بالإياب المسافر

قال خليفة: خرج مع إبراهيم: هشيم وأبو خالد الأحمر وعيسى بن يونس وعباد بن العوام ويزيد بن هارون، وكان أبو حنيفة يجاهر في أمره ويأمر بالخروج. قال أبو نعيم: فلما قتل هرب أهل البصرة برا وبحرا واستخفى الناس.

وفيها خرجت الترك والخزرج بباب الأبواب وقتلوا واستباحوا بعض أرمينية.

وفيها أمر المنصور فأسست بغداد وابتدئ بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها أولا بالرماد. وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي وتحول إليها المنصور في سنة ست وأربعين قبل تمامها. وبغداد في وقتنا أكثرها من الجانب الشرقي.

وفيها توفي الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة. روى عن الشعبي وطبقته.

وفيها وقيل في سنة ست، إسماعيل بن أبي خالد البجلي، مولاهم، الكوفي الحافظ. أحد أعلام الحديث. سمع أبا جحيفة، وابن أبي أوفى، وخلقا وكان صالحا ثبتا حجة.

وفيها حبيب ابن الشهيد البصري. روى عن الحسن وأقرانه، وأرسل عن أنس وجماعة. وكان ثبتا كثير الحديث.

وفيها عمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه. أخذ عن أبيه

ومكحول. وكان يقول: لو علمت أنه بقي علي حرف من السنة باليمن لأتيتها.

وفيها عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ. أحد المحدثين الكبار. وكان شعبة جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك. روى عن أنس فمن بعده.

وفيها عمر بن عبد الله مولى غفرة عن سن عالية. روى عن أنس والكبار. قال أحمد: أكثر حديثه مراسيل، وليس به بأس. وقال ابن معين: ضعيف.

وفيها محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني. روى عن أبي سلمة وطائفة. وكان حسن الحديث، كثير العلم، مشهورا. أخرج له البخاري مقرونا بآخر.

وفيها يحيى بن الحارث الذماري مقرئ دمشق وإمام جامعها. قرأ على ابن عامر. وروى عن واثلة بن الأسقع وخلق. وورد أنه قرأ القرآن أيضا على واثلة، وعليه دارت قراءة الشاميين.

وفيها يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب الكوفي. وكان ثقة إماما صاحب سنة. روى عن الشعبي ونحوه.

سنة ست وأربعين ومائة

في صفر تحول المنصور فنزل بغداد قبل استتمام بنائها. وكان لا يدخلها أحد أبدا راكبا حتى إن عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي فلم يأذن له.

وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمراني، مولى حمران مولى عثمان. روى عن ابن سيرين وغيره، وكان ثقة ثبتا حافظا. أما أشعث بن سوار فكوفي فيه ضعف. وكذا أشعث الحداني الراوي عن أنس ليس بالقوي.

وفيها عوف الأعرابي البصري. وكان صدوقا شيعيا كثير الحديث. روى عن أبي العالية وطائفة.

وفيها محمد بن السائب أبو نضر الكلبي الكوفي صاحب التفسير والأخبار والأنساب. أجمعوا على تركه وقد أتهم بالكذب والرفض. قال ابن عدي: ليس لأحد أطول من تفسيره.

وفيها هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، الفقيه، أبو المنذر الأسدي المدني، أحد أئمة الحديث. أدرك عمه عبد الله بن الزبير وقال: مسح ابن عمر رأسي ودعا لي. قال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة. وكان مثل الحسن وابن سيرين.

وفيها أو في التي تليها، يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة.

سنة سبع واربعين ومائة

فيها بدعت الكفرة الترك بناحية أرمينية وقتلوا أمما. ودخلوا تفليس. فالتقاهم المسلمون فلم ينصروا. وهرب أميرهم جبريل بن يحيى، وقتل مقدمه الآخر حرب الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد.

وفيها ألح المنصور وأسرف وتحيل بكل ممكن على ابن عمه ولي العهد عيسى بن موسى بالرغبة والرهبة حتى خلع نفسه كرها. وقيل بل عوضه عشرة آلاف ألف درهم. وعلى أن يكون أيضا ولي عهد بعد المهدي بن المنصور.

وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي حدث عن مجاهد وجماعة. وكان عالما فقيها نبيلا.

وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي عم المنصور الذي هزم مروان وافتتح دمشق. وكان من رجال الدهر حزما ورأيا ودهاء وشجاعة. سجنه المنصور مدة. وقيل إنه قتله سرا وهدم الحبس قصدا.

وفيه الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني. وكان أوفق إخوته وأفضلهم وأكثرهم علما وصلاحا وعبادة. روى عن القاسم وسالم ونافع.

وفيها هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ محدث البصرة وصاحب الحسن وابن سيرين. قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث الحسن. وقيل: كان عنده ألف حديث.

سنة ثمان وأربعين ومائة

فيها توجه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر أرمينية.

وفي آخرها توفي الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق ولد أبي جعفر محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي. وأمه فروة ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر. فهو علوي الأب بكري الأم. روى عن أبيه وجده القاسم وطبقتهما. وكان سيد بني هاشم في زمانه. عاش ثمانيا وستين سنة وأشهرا.

وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم، الأعمش. روى عن ابن أبي أوفى وأبي وائل، والكبار. وكان محدث الكوفة وعالمها. قال ابن المديني: للأعمش نحو ألف وثلاث مائة حديث. وقال ابن عيينة: كان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث. وقال يحيى القطان: هو علامة الإسلام. وقال وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى. قال الخريبي: ما خلف أعبد منه.

وفيها شبل بن عباد قارئ أهل مكة. وتلميذ ابن كثير. حدث عن أبي الطفيل وطائفة.

وفيها عمرو بن الحارث المصري الفقيه. حدث عن ابن أبي مليكه وطبقته. قال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه. وقال أبو حاتم الرازي: كان أحفظ الناس في زمانه، لم يكن له نظير في الحفظ.

وفيها محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي، عالم أهل حمص. أخذ عن مكحول وعمرو بن شعيب وخلق. وقال: أقمت مع الزهري عشر سنين بالرصافة. وقال الزهري عنه: قد احتوى هذا على ما بين جنبي من العلم. وقال محمد بن سعد: كان أعلم التابعين بالفتوى والحديث.

وفيها العوام بن حوشب شيخ واسط. وروى عن إبراهيم النخعي وجماعة. قال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

وفيها في رمضان قاضي الكوفة ومفتيها أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الفقيه لم يدرك أباه. وسمع الشعبي وطبقته. قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدنيا. قلت: وكان صاحب قرآن وسنة. قرأ عليه حمزة وكان صدوقا جائز الحديث.

وفيها محمد بن عجلان المدني. روى عن أبيه وأنس وطائفة وكان ناسكا صادقا. له حلقة بمسجد النبي ﷺ للفتوى. روى له مسلم مقرونا بآخر.

سنة تسع وأربعين ومائة

فيها غزا الناس بلاد الروم وعليهم العباس بن محمد. فمات في الغزاة أكبر أمرائه محمد بن الأشعث الذي كان ولي إمرة مصر.

وفيها توفي بالكوفة زكريا بن أبي زائدة الهمداني القاضي ولد يحيى. روى عن الشعبي وغيره.

وفيها كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل وجماعة.

وفيها المثنى بن الصباح اليماني بمكة. روى مجاهد وعمرو بن شعيب وطائفة. وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف.

سنة خمسين ومائة

فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير أستاذ سيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاث مائة ألف مقاتل من بين فارس وراجل، سائرهم من أهل وسجستان. واستولى على أكثر خرسان. وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المروروذي. فقتل الأخثم واستبيح عسكره. فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق كثير، حتى قيل إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفا. وانهزم استاذ سيس في طائفة إلى جبل. وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطرادا. ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم. وكانوا أربعة عشر ألفا. ثم حاصر استاذ سيس مدة. ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، وأطلق أصحابه، وكانوا ثلاثين ألفا.

وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي مولى بني أمية، عن أكثر من تسعين سنة. أخذ عن عطاء وطبقته. وهو أول من صنف الكتب بالحجاز، كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنف بالعراق. قال أحمد: كان ابن جريج من أوعية العلم. قلت: ولم يطلب العلم إلا في الكهولة، ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة. فإنه قال: كنت أتبع الأشعار والعربية والأنساب حتى قيل لي: لو لزمت عطاء، فلزمته ثمانية عشر عاما. قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج. وقال عبد الرزاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج. وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه فوجدته قد مات رحمه الله.

وفي رجب توفي فقيه العراق الإمام أبو حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة. ومولده سنة ثمانين. رأى أنسا، وروى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته. وتفقه على حماد بن أبي سليمان. وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء. وكان لا يقبل جوائز الدولة بل ينفق ويؤثر من كسبه. له دار كبيرة لعمل الخز، وعنده صناع وأجراء. قال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعا. وقد روي أن المنصور سقاه السم فمات شهيدا رحمه الله سمه لقيامه مع إبراهيم.

وفيها توفي عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى عن سالم بن عبد الله وطائفة. ولم يعقب. وكان من السادة العباد. قال الثوري: لم يكن في آل ابن عمر أفضل منه. وقال أبو عاصم نبيل: كان من أفضل أهل زمانه.

وفيها توفي عثمان بن الأسود المكي. روى عن سعيد بن جبير ومجاهد وطاوس.

سنة إحدى وخمسين ومائة

فيها قدم المهدي من الري إلى بغداد ليراها. فأمر أبوه ببناء الرصافة المهدي في الجانب الشرقي مقابلة بغداد. وجعل له حاشية وحشم وآلة في زي الخلافة. وجدد البيعة بالخلافة للمهدي من بعده، ومن بعد المهدي لعيسى بن موسى.

وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم. روى عن أبي وائل والكبار. قال هشام بن حبان: لم تر عيناي مثل ابن عون. وقال قرة: كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه ابن عون. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون.

وفيها، على الصحيح، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم، المدني صاحب السيرة. رأى أنسا. وسمع الكثير من المقبري والأعرج وهذه الطبقة. وكان بحرا من بحور العلم. ذكيا حافظا طالبا للعلم أخباريا نسابة علامة. قال شعبة: هو أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن معين: هو ثقة وليس بحجة. وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث.

وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي. روى عن مجاهد وطبقته.

فيها الوليد بن كثير المدني بالكوفة. روى عن بشير بن يسار وطائفة. وكان عارفا بالمغازي والسير. ولكنه إباضي.

وفيها سيف بن سليمان المكي. روى عن مجاهد وغيره.

وفيها أو في التي تليها، صالح بن علي الأمير عم المنصور، وأمير الشام، وهو الذي أمر ببناء أذنة التي في يد صاحب سيس. وقد هزم الروم نوبة دابق، وكانوا في مائة ألف.

وفيها قتلت الخوارج غيلة معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان. وكان قد وليها عام أول. وكان أحد الأبطال والأجواد.

سنة اثنتين وخمسين ومائة

فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة أحد الأشراف والعلماء بدمشق. عن سن عالية. روى عن أبي أمامة وواثلة الأسقع وخلق كثير.

وفيها عباد بن منصور الناجي. روى عن عكرمة وجماعة. وولي قضاء البصرة تلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني وليس بالقوي في الحديث.

وفيها أبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري. روى عن الحسن وطبقته. قال شعبة: هو أصدق الناس. وقال أبو داود الطيالسي: كان يختم في كل ليلتين.

وفيها، وقيل بعدها، يونس بن يزيد الأيلي صاحب الزهري وأوثق أصحابه. وقد روى عن القاسم وسالم وجماعة. وتوفي بالصعيد.

سنة ثلاث وخمسين ومائة

فيها غلبت الخوارج الإباضية على إفريقية، وهزموا عسكرها، وقتلوا متوليها عمر بن حفص الأزدي. وكان على رأسهم ثلاثة: أبو حاتم الإباضي، وأبو محمد. وأبو قرة الصفري. وكان أبو قرة في أربعين ألفا من الصفرية قد بايعوه بالخلافة. وكان أبو حاتم وصاحبه في مائتي ألف فارس وأمم لا يحصون من الرجالة.

وفيها ألزم المنصور الناس بلبس القلانس المفرطة الطول. وتسمى الدنية لشبهها بالدن. وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب ويعمل عليها السواد. وفيها شبه من الشربوش.

وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني. روى عن سعيد بن المسيب فمن بعده.

وفيها أبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص. روى عن خالد بن معدان وطبقته. قال يحيى القطان: ما رأيت شاميا أوثق منه. وقال أحمد: كان يرى القدر. ولذلك نفاه أهل حمص.

وفيها الفقيه أبو محمد الحسن بن عمارة الكوفي قاضي بغداد. روى عن ابن أبي ملكية والحكم وطبقتهما. وهو واه باتفاقهم.

وفيها الضحاك بن عثمان الحزامي المدني. روى عن نافع وجماعة.

وفيها عبد الحميد بن جعفر الأنصاري المدني. روى عن المقبري وجماعة.

وفيها، وقيل سنة خمس، فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الحناط. روى عن أبي الطفيل وأبي وائل وخلق. وهو مكثر حسن الحديث. روى له البخاري مقرونا بآخر.

وفيها محل بن محرز الضبي الكوفي. قال أبو حاتم: كان آخر من بقي من أصحاب إبراهيم، ما بحديثه بأس، ولا يحتج به. قلت: لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئا. وقد روى أيضا عن أبي وائل والشعبي. ووثقه أحمد.

وفي رمضان معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، البصري الحافظ أبو غزوة صاحب الزهري، كهلا. روى عن أبي جبارة والحسن. وأقدم شيوخه موتا قتادة. قال أحمد: ليس يضم معمر إلى أحد إلا وجدته فوقه. وقال غيره: كان معمر صالحا خيرا وهو أول من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث، فلقي بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة.

وفيها موسى بن عبيدة الربذي بالمدينة روى عن نافع وطبقته. وكان صالحا ضعيفا باتفاق.

وفيها على الأصح، وقيل سنة أربع، هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري الدستوائي ويقال صاحب الدستوائي لأنه كان يتجر في الثياب المجلوبة من دستوا. وهي من الأهواز. روى عن قتادة وطبقته. قال شعبة: ما من الناس أحد أقول إنه طلب الحديث لله إلا هشام الدستوائي. وهو أعلم بحديث قتادة مني. وقال أبو داود الطيالسي: كان أمير المؤمنين في الحديث. قال شاذ بن فياض: بكى هشام حتى فسدت عيناه.

وفيها هشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بيت المال للمنصور. روى عن مكحول وطبقته. وكان من ثقات الشاميين وعلمائهم.

وفيها وهيب بن الورد المكي العابد، صاحب المواعظ والرقائق روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة.

سنة أربع وخمسين ومائة

فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب، فسار إلى الشام، وزار القدس. وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس، وعقد له على المغرب. فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم. ومر بدمشق فاستعمل على قضائها يحيى بن حمزة، فبقي قاضيا ثلاثين سنة.

وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزري صاحب ميمون بن مهران.

وفيها توفي أشعب الطامع. ويعرف بابن أم حميد المدني. روى عن عكرعة وسالم. وله نوادر وملح في الطمع والتطفل سائدة.

وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي. محدث دمشق. روى عن أبي الأشعث الصنعاني وخلق من التابعين.

وفيها قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن وابن سيرين. قال يحيى القطان: كان من أثبت شيوخنا.

وفيها معمر في قول. وقد مر.

وفيها الحكم بن أبان العدني. روى عن طاوس وجماعة. وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد معمر. قال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنة. كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه، فيذكر الله حتى يصبج.

وفيها مقرئ البصرة الإمام أبوعمرو بن العلاء المازني، أحد السبعة، وله أربع وثمانون سنة. قرأ على أبي العالية الرياحي وجماعة. وروى عن أنس وإياس. قال أبو عمرو: كنت رأسا والحسن حي. ونظرت في العلم قبل أن أختن. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب. قال: وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها.

سنة خمس وخمسين ومائة

فيها افتتح يزيد بن حاتم إفريقية واستعادها من الخوارج وهزمهم وقتل كبارهم: أبا حاتم وأبا عاد وطائفة. ومهد قواعدها.

وفيها أو سنة ثمان، توفي محدث حمص صفوان بن عمرو السكسكي. أدرك أبا أمامة. وروى عن عبد الله بن بسر وعن جبير بن نفير والكبار.

وفيها مسعر بن كدام الحافظ، أبو سلمة الهلالي الكوفي. أخذ عن الحكم وقتادة وخلق. وكان عنده نحو ألف حديث. وقال يحيى القطان: ما رأيت أثبت منه. وقال شعبة: كنا نسمي مسعرا المصنف. وقال أبو نعيم: مسعر أثبت من سفيان وشعبة.

وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاضي. روى عن عمير بن هانئ العنسي وجماعة.

سنة ست وخمسين ومائة

فيها توفي سعيد بن أبي عروبة الإمام أبو النضر العدوي. شيخ البصرة وعالمها. وأول من دون العلم بها. وكان قد تغير حفظه قبل موته بعشر سنين. روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار. وقيل توفي سنة سبع وخمسين.

وفي آخر السنة عبد الله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس. روى عن الحسن وطبقته. وكان كثير العلم جليل القدر. قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة. قلت: عاش سبعين سنة.

وفيها شيخ إفريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي الزاهد الواعظ. روى عن أبي عبد الرحمن الحبلي وطبقته. وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام خشن فاحتمله. وليس بقوي في الحديث.

وفيها عمر بن ذر الهمداني الكوفي الواعظ البليغ. روى عن أبيه وأبي وائل والكبار.

وفيها علي بن أبي حملة الدمشقي المعمر. أدرك معاوية وروى عن أبي إدريس الخولاني والكبار. وقد وثقه أحمد وغيره.

وفيها، وقيل سنة ثمان، فارس الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب التيمي. مولى تيم الله بن ربيعة، الكوفي الزيات الزاهد. أحد السبعة. قرأ على التابعين. وتصدر للإقراء. فقرأ عليه جل أهل الكوفة. وحدث عن الحكم ابن عيينة وطبقته. وكان رأسا في القرآن والفرائض، قدوة في الورع.

سنة سبع وخمسين ومائة

فيها توفي الحسين بن واقد المروزي قاضي مرو. روى عن عبد الله ابن بريدة وطبقته.

وفي صفر إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه. روى عن القاسم مخيمرة، وعطاء، وخلق كثيرمن التابعين. وكان رأسا في العلم والعمل، جم المناقب. ومع علمه كان بارعا في الكتابة والترسل. قال الهقل بن زياد: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة. وقال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. وقال عبد الله الخريبي: كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي. وقال أبو مسهر: كان يحيي الليل صلاة وقرآنا وبكاء. ومات في الحمام، أغلقت عليه امرأته باب الحمام ونسيته فمات. رحمه الله.

وفيها محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري المدني. روى عن عمه وأبيه.

وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بالمدينة. روى عن أبيه وعطاء وطائفة. ضعفه ابن معين.

وفيها يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي. روى عن جده وعن الشعبي. قال ابن عيبنة: لم يكن في ولد أبي إسحاق أحفظ منه.

سنة ثمان وخمسين ومائة

فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف ألف درهم، ثم رضي عليه وأمره على الموصل.

وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاري المدني. روى عن القاسم أبي بكر بن حزم.

وفيها توجه المنصور للحج. فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجة عند بئر ميمون بظاهر مكة محرما. فأقام الموسم إبراهيم بن يحيى بن محمد، صبي أمرد. وهو ابن أخي المنصور. واستخلف المهدي.

وفيها توفي الفقيه أبوعمرو معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي نزيل الأندلس. وقاضي الجماعة بها. حج فأدركه الأجل بمكة. صلى عليه الثوري روى عن مكحول وطبقته. وأكثر عنه في هذا العام المصريون والحجاج. وقيل مات سنة تسع.

وفيها، على الصحيح، حيوة بن شريح التجيبي المصري الفقيه أحد الزهاد والعلماء السادة. صحب يزيد بن أبي حبيب. وروى عن أبي يونس مولى أبي هريرة وطبقته. وكان مجاب الدعوة.

وفيها زفر بن الهذيل العنبري الفقيه صاحب أبي حنيفة، وله ثمان وأربعون سنة. وكان ثقة في الحديث، موصوفا بالعبادة. نزل البصرة وتفقهواعليه.

وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي صاحب الزهري. وثقة الدارقطني لصحة كتابه. وما روى عنه إلا حفيده حجاج بن أبي منيع.

وفيها توفي أخباريان كبيران: عبد الله بن عياش الهمداني الكوفي صاحب الشعبي ويعرف بالمنتوف. وعوانة بن الحكم البصري.

وفيها في ذي الحجة بمكة المنصور أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي وله ثلاث وستون سنة وكانت خلافته اثنتين وعشرين سنة. وكانت أمة بربرية. وكان طويلا مهيبا أسمر خفيف اللحية. رحب الجبهة. كأن عينيه لسانان ناطقان، تقبله النفوس. وكان يخالط أبهة الملك بزي أولي النسك. ذا حزم وعزم ودهاء ورأي وشجاعة وعقل. وفيه جبروت وظلم.

وفيها مات طاغية الروم قسطنطين بن اليون عليه اللعنة.

سنة تسع وخمسين ومائة

فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن، بالرغبة والرهبة، في خلع نفسه، ليولي العهد لولده موسى الهادي فأجاب خوفا على نفسه. فأعطاه المهدى عشرة آلاف ألف درهم وإقطاعات.

وفيها توفي الإمام أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه. ومولده سنة ثمانين. روى عن عكرمة ونافع وخلق. قال أحمد بن حنبل: كان يشبه بسعيد بن المسيب. وما خلف مثله. كان أفضل من مالك إلا أن مالكا أشد تنقية للرجال. وقال الواقدي: كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع، ويجتهد في العبادة، فلو قيل إن القيامة تقوم غدا ما كان فيه مزيد من الاجتهاد. وأخبرني أخوه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما. ثم سرده. وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت. وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحق. وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب. وقال أحمد: دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يؤهله أن قال: الظلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر.

وفيها عبد العزيز بن أبي رواد بمكة. روى عن عكرمة وسالم وطائفة. قال ابن المبارك: كان من أعبد الناس. وقال غيره: كان مرجئا.

وفيها عكرمة بن عمار اليمامي. روى عن طاوس وجماعة وسمع من الهرماس بن زياد الصحابي. قال عاصم بن علي: كان مستجاب الدعوة. قلت: آخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجه.

وفيها عمار بن زريق الضبي الكوفي. روى عن منصور والأعمش. وكان كبير القدر عالما خيرا. قال أبو أحمد الزبيري لبعضهم: لو كنت اختلفت إلى عمار بن زريق لكفاك بأهل الدنيا.

وفيها، أو في سنة سبع عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني. ولقبه رباح. روى عن أبيه، وعن سعيد بن المسيب. وهو أكبر شيخ للقعنبي.

وفيها في أولها مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته. وكان كثير الحديث ثقة حجة. قال ابن عيينة: قال له رجل اتق الله فوضع خده بالأرض.

وفيها يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن سن عالية. روى عن أنس وكبار التابعين. وكان صدوقا كثيرالحديث قال عبد الرحمن بن مهدي، وغيره: لم يكن به بأس.

وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي. وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر.

سنة ستين ومائة

في أولها كان خلع عيسى بن موسى. وقد ذكرنا ابتداء ذلك في السنة الماضية.

وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعي مدينة كبيرة بالهند.

وفيها فرق المهدي في الحرمين أموالا عظيمة إلى الغاية قيل إنها بلغت ثلاثين ألف ألف درهم. وفرق من الثياب مائة ألف وخمسين ألف ثوب. وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج حتى وافى به مكة للمهدي، وهذا شيء لم يتهيأ لأحد.

وتوفي في غزوة الهند في الرجعة بالبحر الربيع بن صبيح البصري صاحب الحسن. وقد قال فيه شعبة: هو عندي من سادات المسلمين. وقال أحمد: لا بأس به.

وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة شعبة بن الحجاح بن الورد، الإمام أبو بسطام العتكي الازدي. مولاهم، الواسطي، شيخ البصرة. وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين. قال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. وقال ابن المدني: له نحو ألفي حديث. وقال سفيان لما بلغه موت شعبة: مات الحديث. وقال أبو زيد الهروي: رأيت شعبة يصلي حتى تورم قدماه. وقد أثنى جماعة من كبار الأئمة على شعبة ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير. وكان رأسا في العربية والشعر سوى الحديث.

وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي. روى عن الحكم بن عيينة وعمرو بن مرة وخلق. قال أبو حاتم: كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود. وتغير قبل موته بسنة أو سنتين.

سنة إحدى وستين ومائة

فيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو. واستغوى خلائق لا يحصون، ورأى الناس قمرا ثانيا في السماء كان يرى إلى مسيرة شهرين.

وفي شعبان توفي الإمام العالم أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي الفقيه، سيد أهل زمانه علما وعملا، وله ست وستون سنة. روى عن عمرو بن مرة وسماك بن حرب، وخلق كثير. قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة، ما فيهم أفضل من سفيان الثوري. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرهما: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال أحمد بن حنبل: لا يتقدم سفيان في قلبي أحد. وقال يحيى القطان: ما رأيت أحدا أحفظ من الثوري، وهو فوق مالك في كل شيء. وقال سفيان: ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني. وقال ورقاء: لم ير الثوري مثل نفسه. وكان كثير الحط على المنصور لظلمه. فهم به وأراد قتله، فما أمهله الله. ومناقب سفيان كثيرة لا يحتملها هذا التاريخ.

وفي أولها أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ. روى عن زياد بن علاقة وطبقته. قال أبو حاتم: ثقة صاحب سنة. وقال الطيالسي: كان لا يحدث عن صاحب بدعة.

وفيها حرب بن شداد اليشكري البصري. روى عن شهر بن حوشب، والحسن، ويحيى بن أبي كثير.

وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري، وقد نيف على الستين. روى عن أبي زهرة بن معبد وجماعة.

وفيها أو في حدودها ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن. روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما. قال أبو داود الطياليسي: قال لي شعبة: عليك بورقاء، فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع. وقال أحمد: كان ثقة صاحب سنة.

وفيها أو في حدودها هشام بن سعد المدني يتيم زيد بن أسلم. روى عن نافع وطائفة.

وفيها أو في حدودها داود بن قيس المدني الفراء الدباغ. روى عن المقبري وطبقته.

وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان. روى عن عطاء بن أبي رباح، الربيع بن أنس الخراساني. وكان زميل المهدي إلى مكة.

سنة اثنتين وستين ومائة

فيها احتفل لغزو الروم وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوعة فأغار وحرق وسبى ولم يلق بأسا.

وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار إبراهيم بن أدهم واستولوا على جرجان. وقتلوا خلائق. فقصده عمر بن العلاء من طبرستان، فقتل عبد القاهر وخلق من أصحابه.

وفيها إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام. روى عن منصور. ومالك بن دينار وطائفة. ووثقه النسائي. وغيره. وكان أحد السادات.

وفيها. وقيل سنة ستين، داود بن نصير الطائي الكوفي الزاهد. وكان أحد من برع في الفقيه، ثم اعتزل. روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة. وكان عديم النظير زهدا وصلاحا.

وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري المدني. أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة. وهو متروك الحديث. قد ولي بعده القاضي أبو يوسف.

وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التيمي المروزي الخراساني. نزل الشام، ثم الحجاز. وحدث عن عمرو بن شعيب وطائفة.

وفيها أو قبلها يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري. روى عن الحسن وعطاء والكبار. وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره.

وفيها أو في حدودها شبيب بن شيبة المنقري البصري. وكان فصيحا بليغا أخباريا. روى عن الحسن وابن سيرين.

وأبو سفيان حرب بن شريح المنقري البصري البزار. روى عن ابن أبي مليكة وجماعة. قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص، عن سن عالية. رأى أبا سعيد الخدري. وروى عن السائب بن يزيد وجماعة. قال ابن سعد: كان من أهل الفضل والنسك، يعظ ويذكر. قلت: آخر من روى عنه كامل بن طلحة.

سنة ثلاث وستين ومائة

فيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة. وصرف همته إلى تتبعهم، وأتى بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب.

وفيها بالغ سعيد الجرشي في حصار عطاء المقنع. فلما أحس الملعون بالغلبة استعمل سما وسقى نساءه. فأهلكهم الله. ودخل المسلمون الحصن فقطعوا رأسه ووجهوا به إلى المهدي. فوافاه بحلب. وكان يقول بالتناسخ، وأن الله تحول إلى صورة آدم، ولذلك سجدت له الملائكة، ثم تحول إلى صورة نوح، ثم إلى غيره من الأنبياء والحكماء، ثم إلى صورة أبي مسلم الخراساني، ثم إلى صورته، تعالى الله عن قوله علوا كبيرا. فعبده خلق وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من قبح صورته وعوره ولكنته وقصره. وكان قد اتخذ وجها من ذهب ولذلك قيل له المقنع، واستغواهم بالسحر، وأطمع لهم قمرا يرى من مسيرة شهرين. كما قيل:

إليك فما بدر المقنع طالعا... بأسحر من ألحاظ بدري المعمم

وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الخراساني بنيسابور روى عن عمر بن دينار وطبقته. قال إسحاق بن راهويه: كان صحيح الحديث، ما كان بخراسان أكثر حديثا منه.

وفيها أرطاة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار. وكان ثقة حافظا زاهدا معمرا. قال أبو اليمان: كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطاة بن المنذر.

وفيها بكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور، بدمشق. روى عن أبي الزبير المكي وجماعة. قال النسائي: ليس به بأس.

وفيها حريز بن عثمان الحمصي. روى عن عبد الله بن بسر الصحابي، وعن كبار التابعين. واتهم بنصب ما. قال أبو اليمان: كان ساول من رجل ثم ترك. وقال أبو حاتم: لا يصح ما يقال في رأيه. ولا أعلم بالشام منه. وقال أحمد: ثقة ثقة.

وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين: ليس به بأس.

وفيها أو في التي قبلها شعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي، مولى بني أمية. وصاحب الزهري. قال أحمد بن حنبل: رأيت كتبه قد ضبطها وقيدها. قال: وهو عندنا فوق يونس وعقيل. وقال علي بن عياش: كان عندنا من كبار الناس. وكان من صنف آخر في العبادة.

وفيها موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري. روى عن أبيه وطائفة. وولي إمرة ديار مصر للمنصور ستة أعوام.

وهمام بن يحيى العوذي، مولاهم، البصري. روى عن وعطاء وطائفة. وكان أحد أركان الحديث ببلده. قال أحمد: هو ثبت في كل مشايخه.

وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري. روى عن بكير بن الأشج وجماعة. وكان كثير العلم فقيه النفس.

وفيها أو حدودها أبو غسان محمد بن مطرف المدني. روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته.

سنة أربع وستين ومائة

فيها أقبل ميخائيل البطريق وطازاد الأرمني لعنهما الله في تسعين ألفا. ففشل عبد الكبير ومنع المسلمين من الملتقى ورد، فهم المهدي بضرب عنقه وسجنه.

وفيها توفي إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني شيخ آل طلحة عن سن عالية. روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعن عمته موسى وعيسى. وآخر روى عنه بشر بن الوليد الكندي. وهو متروك الحديث.

وفيها أبو معاوية شيبان النحوي الكوفي. نزل بغداد. وروى عن الحسن وطائفة بعده. وكان كثير الحديث عارفا بالنحو صاحب حروف وقراءات، ثقة حجة.

وفيها عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه. روى عن الزهري وطبقته. وكان إماما مفتيا صاحب حلقة.

وفيها مبارك بن فضالة البصري، مولى قريش. روى عن الحسن، وبكر المزني وطائفة. وكان من كبار المحدثين والنساك. وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه. وقال أبو داود: مدلس، فإذا قال حديثا فهو ثبت. وقال مبارك: جالست الحسن ثلاث عشرة سنة. وقال أحمد: ما رواه عن الحسن يحتج به.

وفيها، أو في التي تليها، عبد الله بن العلاء بن زبر الربعي الدمشقي. يروي بن القاسم ومكحول وكان بن أشراف البلد. عمر تسعين سنة.

سنة خمس وستين ومائة

فيها غزا المسلمون غزوة مشهورة، وعليهم هارون الرشيد وهو صبي أمرد. وفي خدمته الربيع الحاجب. فافتتحوا ماجدة من الروم، والتقوا الروم وهزموهم، ثم ساروا حتى وصلوا إلى خليج القسطنطينية، وقتلوا وسبوا. وصالحتهم ملكة الروم على مال جليل. فقيل إنه قتل من الروم في هذه الغزوة المباركة خمسون ألفا. وغنم المسلمون ما لا يحصى، حتى بيع الفرس بدرهم، والبغل الجيد بعشرة دراهم.

وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصري، عالم أهل البصرة في وقته. روى عن ابن سيرين وثابت. قال شعبة: هو سيد أهل البصرة. وقال الخريبي: ما رأيت بصريا أفضل منه. وقال أحمد: ثبت ثبت.

وفيها عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي الزاهد عن تسعين سنة. روى عن خالد بن معدان وطبقته. قال أحمد بن حنبل: كان عابد أهل الشام. وذكر من فضله. وقال أبو داود: كان مجاب الدعوة. وكانت فيه سلامة. وما به بأس. وقال أبو حاتم: ثقة.

وفيها توفي معروف بن مشكان، قارئ أهل مكة وأحد أصحاب ابن كثير. وقد سمع من عطاء وغيره.

وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصري الحافظ. روى عن منصور وطائفة كبيرة. قال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال. وقال أبو حاتم: يقال لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه.

وفيها خالد بن برمك وزير السفاح، وجد جعفر البرمكي، عن خمس وسبعين سنة. وكان يتهم بالمجوسية.

وفيها في آخر يوم منها أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حبان بالبصرة روى عن أبي رجاء العطاردي والحسن والكبار، وعاش خمسا وتسعين سنة.

سنة ست وستين ومائة

فيها قبض المهدي على وزيره يعقوب بن داود لكونه أعطاه هاشميا من ولد فاطمة رضي الله عنه ليقتله، فاصطنعه وهربه. فظفر به الأعوان. وكان يعقوب شيعيا يميل إلى الزيدية ويقربهم.

وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السمين، من كبار محدثي دمشق. روى عن القاسم أبي عبد الرحمن وطائفة.

وفيها معقل بن عبد الله الجزري، من كبار علماء الجزيرة. روى عن عطاء بن أبي رباح، وميمون بن مهران، والكبار.

وفيها أبو بكر النهشلي الكوفي، وفي اسمه أقوال. روى عن أبي بكر ابن أبي موسى الأشعري وجماعة. وآخر أصحابه موتا جبارة بن المغلس.

سنة سبع وستين ومائة

فيها جد المهدي في طلب الزنادقة في الآفاق وأكثر الفحص عنهم، وقتل طائفة.

وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام وغرم عليها أموالا عظيمة، ودخلت فيه دور كبيرة.

وفيها توفي عالم أهل البصرة حماد بن سلمة بن دينار، أبو سلمة البصري الحافظ. في أواخر السنة. سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي وطبقتهما. وكان سيد أهل وقته. قال وهيب بن خالد: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا. وقال ابن المديني: كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشر آلاف حديث. وقال عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل الحماد بن سلمة إنك تموت غدا ما قدر أن يزد في العمل شيئا. وقال شهاب البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال. وقال غيره: كان فصيحا مفوها، إماما في العربية، صاحب سنة. وله تصانيف في الحديث. وكان بطائنيا. فروى سوار بن عبد الله عن أبيه قال: كنت آتي حماد بن سلمة في سوقه. فإذا ربح ثوب حبة أو حبتين شد جونته وقام. وقال موسى بن اسماعيل: لو قلت إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت. كان يحدث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي قد قسم النهار على ذاك.

وفيها الحسن بن صالح بن حي الهمداني، فقيه الكوفة وعابدها. روى عن سماك بن حرب وطبقته. قال أبو نعيم: ما رأيت أفضل منه. وقال أبو حاتم: ثقة حافظ متقن. وقال ابن معين: يكتب رأي الحسن بن صالح يكتب رأي الأوزاعي، وهؤلاء ثقات. وقال وكيع: الحسن بن صالح يشبه سعيد بن جبير، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزءا الليل ثلاثة أجزاء، فماتت فقسما الليل بينهما، فمات علي فقام حسن الليل كله. قلت: مات سنة أربع وخمسين. وهما توأم. أخرج لهما مسلم.

وفيها الربيع بن مسلم الجمحي مولاهم، البصري. وكان من بقايا أصحاب الحسن.

وفيها مفضل بن مهلهل السعدي الكوفي صاحب منصور. قال أحمد العجلي: كان ثقة صاحب سنة وفضل وفقه. لما مات الثوري جاء أصحابه إلى مفضل فقالوا: تجلس لنا مكانه فقال: ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه.

وفيها فقيه الشام بعد الأوزاعي أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي. عن نحو ثمانين سنة. أخذ بن مكحول، وربيعة بن يزيد القصير، ونافع مولى ابن عمر، وخلق. وكان صالحا قانتا خاشعا. قال: ما قمت إلى صلاة حتى مثلت لي جهنم. وقال الحاكم: هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة.

وفيها أبو روح سلام بن مسكين البصري. روى عن الحسن والكبار. قال أبو سلمة التبوذكي: كان من أعبد أهل زمانه.

وفيها أبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري بالإسكندرية. روى عن أبي قبيل وطبقته. وكان ذا عبادة وفضل وجلالة.

وفيها أبو عقيل يحيى بن المتوكل المدني بغداد روى عن بقية وابن المنكدر. وليس بالقوي عندهم.

وفيها عبد العزيز بن مسلم بالبصرة. روى عن مطر الوراق وطائفة. وكان عابدا قدرة. روى عنه يحيى السليحيني وقال: كان من الأبدال.

وفيها القاسم بن الفضل الحداني بالبصرة. روى عن ابن سيرين والكبار. وكان كثير الحديث. قال ابن مهدي: هو من مشايخنا الثقات.

وفيها أبو هلال محمد بن سليم الراسبي بالبصرة. روى عن الحسن والكبار. وهو حسن الحديث. وثقه أبو داود وغيره.

وفيها محمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي. أحد المكثرين الثقات. يروي عن أبيه وطبقته.

وفيها أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي السكري. ارتحل وأخذ عن زياد بن علاقة ونحوه. وكان شيخ بلده في الحديث والفضل والعبادة.

وفيها أبو بكر الهذلي البصري الأخباري. أحد الضعفاء. واسمه سلمى. روى عن الشعبي ومعاذة العدوية والقدماء.

وفيها قتل في الزندقة بشار بن برد البصري الأعمى شاعر العصر.

سنة ثمان وستين ومائة

فيها غزا المسلمون الروم لنقضهم الهدنة.

وفيها سار سعيد الجرشي في أربعين ألفا إلى طبرستان.

وفيها مات السيد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شيخ بني هاشم في زمانه، وأمير المدينة للمنصور، ووالد الست نفيسة. خافه المنصور فحبسه. ثم أخرجه المهدي وقربه. ولم يزل معه حتى مات بطريق مكة معه عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبيه.

وفيها أبو الحجاح خارجة بن مصعب السرخسي، من كبار المحدثين بخراسان. رحل أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته. وهو صدوق كثير الغلط، لا يحتج به.

وفيها سعيد بن بشير البصري ثم الدمشقي المحدث المشهور. أكثر عن قتادة وطبقته. قال أبو مسهر: لم يكن في بلدنا أحفظ منه. وقال أبو حاتم: محلة الصدق. وضعفه وغيره.

وفيها على الصحيح قيس بن الربيع، أبو محمد الأسدي الكوفي الحافظ. أحد علماء الحديث مع ضعفه. على أن ابن عدي قال فيه عامة رواياته مستقيمة. والقول فيه ما قال شعبة: فإنه لا بأس به. وقال عفان: ثقة. وقال أبو الوليد: حضر شريك القاضي جنازة قيس بن ربيع، فقال: ما ترك بعده مثله. قلت: روى عن محارب بن دثار وطبقته.

وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي. ولي عهد السفاح، بعد أخيه المنصور. وقد ذكرنا أن المهدي خلعه. وقد توفي أبوه شابا سنة ثمان ومائة.

وفيها فليح بن سليمان المدني مولى آل الخطاب. روى عن نافع وطبقته. وكان ثقة مشهودا كثير العلم. لينه ابن معين.

وفيها مندل بن علي العنزي الكوفي. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. وكان صدوقا مكثرا، في حديثه لين.

وفيها نافع بن يزيد المصري، بن جعفر بن ربيعة وطبقته. وكان أحد الثقات.

وفيها يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي. روى عن إياس بن سلمة بن الأكوع وغيره. وليس بالمكثر.

سنة تسع وستين ومائة

فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد ويؤخر موسى الهادي. فطلبه وهو بجرجان ففهمها ولم يقدم. فهم بالمصير إلى جرجان لذلك.

وفيها لثمان بقين من المحرم ساق المهدي واسمه أبو محمد بن عبد الله أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي خلف صيد، فدخل الوحش خربة، فدخل الكلاب خلفه، وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخربة لشدة سوقه، فتلف لساعته. وقيل بل أكل طعاما سمته جارية لضرتها، فلما وضع يده فيه ما جسرت أن تقول هيأته لضرتي فيقال كان أنجاص، فأكل واحدة وصاح من جوفه ومات من الغد عن ثلاث وأربعين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وشهرا. وكان جوادا ممدحا محببا إلى الناس. وصولا لأقاربه، حسن الأخلاق، حليما. قصابا للزنادقة. وكان طويلا أبيض مليحا.

يقال إن المنصور خلف في الخزائن مائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم، ففرقها المهدي. ولم يل الخلافة أحد أكرم منه ولا أبخل من أبيه، ويقال إنه أعطى شاعرا مرة خمسين ألف دينار. ولما مات أرسلوا بالخاتم والقضيب إلى الهادي. فأسرع على البريد، وقدم بغداد، وبالغ في طلب الزنادقة وقتل منهم عدة.

وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي الحسيني بالمدينة، وتابعه عدد كثير. وحارب العساكر التي بالمدينة، وقتل مقدمهم خالد البربري. ثم تأهب وخرج في جمع إلى مكة، فالتف عليه خلق كثير. فأقبل عليه ركب العراق معهم جماعة من أمراء بني العباس بعدة وخيل. فالتقوا بفج، فقتل الحسين في مائة من أصحابه.

وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمن المنصور.

وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة. وهو جد الشرفاء الإدريسيين. ثم تحيل الرشيد وبعث من سم إديس. فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وتملك مدة.

وفيها توفي أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي. وله عن أبيه نسخة وكان عريف قومه بني سدوس.

وفيها أبو سعيد المؤدب ببغداد، واسمه محمد بن مسلم. وهو جزري روى عن عبد الكريم الجزري وحماد بن أبي سليمان، وجماعة. وهو مؤدب موسى الهادي.

وفيها نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن، وقيل أبو رويم الليثي مولاهم، قارئ أهل المدينة وأحد السبعة. قال موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين. وقال الليث: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وإمام الناس في القراءة نافع بن أبي نعيم. وقال مالك: نافع إمام الناس في القراءة. قلت: وثقه غير واحد، وليس له رواية في الكتب الستة.

وفيها نافع بن عمر الجمحي المكي. سمع ابن أبي مليكة وسعيد بن أبي هند وطائفة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان من أثبت الناس.

وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصري. له عن هلال بن حباب وجماعة. وكان من ثقات الشيوخ.

سنة سبعين ومائة

في ربيع الأول توفي الخليفة الهادي أبو محمد بن المهدي. وكان طويلا أبيض. جسيما مات من قرحة أصابته. وقيل قتلته أمه الخيزران لما هم بقتل أخيه الرشيد. فعمدت لما وعك إلى أن غمته. وعاش بضعا وعشرين سنة. فالله يسامحه، وقد كان جبارا ظالم النفس.

وفيها توفي أبو النضر جرير بن حازم الأزدي البصري، أحد فصحاء البصرة ومحدثيها. عمر دهرا. اختلط بآخره فحجبه ابنه وهب. فلم يرو شيئا في اختلاطه. روى عن الحسن والكبار. وحضر جنازة ابن الطفيل بمكة.

وفيها الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور والمهدي.

وفيها عبد الله بن جعفر المخزومي المدني. روى عن عمة أبيه أم بكر بنت المسور بن مخرمة وجماعة من التابعين. قال الواقدي: كان عالما بالمغازي والفتوى. وكان قصيرا دميما.

وفيها محمد بن مهاجر الحمصي. روى عن نافع وطبقته. وآخر من حدث عنه أبو توبة الحلبي.

وفيها أبو معشر السندي، واسمه نجيح بن عبد الرحمن المدني صاحب المغازي والأخبار. قال ابن معين: كان أميا يُتقى من حديثه المسند. قلت: روى عن محمد بن كعب القرظي والكبار. واستصحبه المهدي معه لما حج إلى بغداد. وقال: يكون بحضرتنا ويفقه من حولنا، وصله بألف دينار. وكان أبيض أزرق سمينا. وقيل له السندي بن قبيل اللقب بالضد.

وفيها الوزير أبو عبيد الله واسمه معاوية بن عبيد الله بن يسار الأشعري. مولاهم، كاتب المهدي ووزيره. وكان من خيار الوزراء، صاحب علم. وعبارة وصدقات. روى عن منصور بن المعتمر.

وفيها أو في حدودها، محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني مولى الأنصار. أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته. وكان ثقة كثير العلم.

وأسباط بن نصر الهمداني الكوفي المفسر، صاحب إسماعيل السدي.

سنة إحدى وسبعين ومائة

فيها، على الأصح، توفي حبان بن علي العنزي أخو مندل. وكان من فقهاء الكوفة. وهو ضعيف. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته.

وفيها أبو المنذر سلام بن سلم المزني، مولاهم، البصري ثم الكوفي النحوي المقرئ. أخذ عن عاصم ابن أبي النجود، وأبي عمرو. وحدث عن ثابت البناني وغيره. وهو شيخ يعقوب الحضرمي المقرئ.

وفيها أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم العمري المدني أخو عبيد الله بن عمرو روى عن نافع وجماعة وكان محدثا صالحا. قال أحمد: لا بأس به.

وفيها أبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع الكوفي. روى عن عاصم الأحول وطبقته وتوفي كهلا. وقيل توفي سنة اثنتين وسبعين.

وفيها أو نحوها مات الأمير يزيد بن حاتم بن قصيبة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري. أحد الشجعان المذكورين. ولي إمرة المغرب مدة طويلة. وولي إمرة مصر قبل ذلك سبع سنين.

وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله حنظلة بن الغسيل المدني. رأى سهل بن سعد وروى عن عكرمة والكبار. وكان كثير الحديث ثقة جيلا.

وفي هذه الحدود مات أبو دلامة الشاعر المشهور. وكان عبدا حبشيا فصيحا صاحب نوادر ومزاح.

سنة اثنين وسبعين ومائة

فيها توفي الإمام بن محمد سليمان بن بلال المدني مولى آل أبي بكر الصديق روى عن عبد الله بن دينار وطبقته. قال ابن سعد: كان بربريا جميلا، حسن الهيئة عاقلا. كان يفتي بالمدينة. وولي خراج المدينة.

وفيها أمير دمشق الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي ابن عم المنصور. وهو الذي أنشأ القبة التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال.

وفي جمادى الأولى مات صاحب الأندلس الأمير أبو المطرف عبد الرحمن بن معاوية الأموي الدمشقي المعروف بالداخل. فر إلى المغرب عند زوال دولتهم. فقامت معه اليمانية. وحارب يوسف الفهري متولي الأندلس وهزمه. ومالك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة، وامتدت أيامه. وكان عالما حسن السيرة. عاش اثنتين وستين سنة. وولي بعده ابنه هشام. وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربع مائة.

وفيها، أو في سنة ست وسبعين، صالح المري الزاهد. واعظ البصرة. روى عن الحسن وجماعة. وحديثه ضعيف. قال عفان: كان شديد الخوف من الله، إذأ قص كأنه ثكلى.

وفيها مهدي بن ميمون المعولي، مولاهم، البصري. روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سرين والكبار.

وفيها الوليد بن أبي ثور الهمداني الكوفي. روى عن زياد بن علاقة وجماعة. وهو ضعيف.

وفي حدودها معاوية بن سلام بن الأسود أبو سلام ممطور الحبشي ثم الشامي. روى عن أبيه. والزهري وجماعة. قال يحيى بن معين: أعده محدث أهل الشام.

سنة ثلاث وسبعين ومائة

فيها، وقيل سنة أربع، إسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي ببغداد روى عن العلاء بن عبد الرحمن وطبقته. وعاش خمسا وستين سنة.

وفيها أمير البصرة وفارس محمد بن سليمان بن علي، ابن عم المنصور، وله إحدى وخمسون سنة. وكان الرشيد يبالغ في تعظيمه وإكرامه. ولما مات احتوى على خزائنه فكانت خمسين ألف ألف درهم.

وفيها في رجب، الإمام أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة. روى عن سماك بن حرب وطبقته. وكان أحد الحفاظ الأعلام، حتى بالغ فيه شعيب بن حرب وقال: كان أحفظ من عشرين مثل شعبة.

وفيها أبو سعيد سلام بن أبي مطيع البصري. روى عن أبي عمران الجوني وطائفة. قال أحمد بن حنبل: ثقة صاحب سنة. وقال ابن عدي: كان يعد من خطباء أهل البصرة وعقلائهم.

وفيها نوح الجامع. وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم الفقيه قاضي مرو ولقب بالجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحدديث عن حجاح بن أرطاة. والمعازي عن ابن إسحاق، والتفسير عن مقاتل ابن سليمان وهو متروك الحديث.

وفيها عبد الرحمن بن أبي الموالي المدني، مولى آل علي. روى عن أبي جعفر الباقر وطائفة. وضربه المنصور أربع مائة سوط على أن يدله على محمد بن عبد الله بن حسن فلم يدله. وكان من شيعته.

وفيها جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري. روى عن نافع والزهري، وكان ثقة كثير الحديث.

سنة أربع وسبعين ومائة

فيها توفي في جمادى الآخرة الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الحضرمي الحافظ. روى عن الأعرج، وعطاء بن أبي رباح، وخلق كثير. قال أحمد بن صالح المصري: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلابة للعلم. وقال زيد بن الحباب: سمعت سفيان الثوري يقول: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بمصر مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. وقال ابن معين: ليس بذاك القوي. قلت: وقد ولي قضاء مصر في خلافة ابن المنصور.

وفيها بكر بن مضر المصري من نيف وسبعين سنة. روى عن أبي قبيل المصري المعافري وطائفة. أكثر عنه قتيبة.

وفيها عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ببغداد. وكان فقيها مفتيا. قال ابن معين: هو أثبت الناس في هشام بن عروة. قلت: وروى الكثير عن أبيه وطبقته. وفيه ضعف يسير.

وفيها، وقيل قبلها، يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي. رحل وحمل عن زيد بن أسلم، وأكثر عن جعفر بن أبي المغيرة القمي. قال الدارقطني: ليس بالقوي.

وفيها الأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب المهلبي، أخو يزيد أحد القواد الكبار. ولي إمرة الكوفة وغيرها.

سنة خمس وسبعين ومائة

فيها هاجت العصبية والأهواء بالشام بين القيسية واليمانية. ورأس القيسية يومئذ أبو الهيذام المري. وقتل بيهنم بشر كثير.

وفيها توفي شيخ الديار المصرية وعالمها أبو الحارث الليث بن سعد الفمهي، مولاهم، الفقيه. وأصله فارسي أصبهاني. روى عن عطاء بن أبي رياح، وابن أبي مليكة، ونافع، وخلق كثير. توفي يوم الجمعة يوم نصف شعبان عن إحدى وثمانين سنة. وكان إماما ثقة حجة رفيعا واسع العلم سخيا جوادا محتشما. قال الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. وكان أتبع للأثر مالك. وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه بن مالك لكن الحظوة لمالك. وقال محمد بن رمح: كان دخل الليث في السنة ثمانين ألف دينار، فما أوجب الله عليه زكاة درهم. وقال غيره: كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر الليث. وإذا رابه من أحدهم شيء كاتب فيه فيعزل. وقد أراده المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع.

وفيها أبو الله حزم بن أبي حزم القطعي أخو سهيل روى عن الحسن وجماعة. قال أبو حاتم: هو من ثقات من بقي بن أصحاب الحسن.

وفيها داود بن عبد الرحمن العطار المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة. قال الشافعي: ما رأيت أورع منه.

وفيها قاضي الكوفة أبو عبد الله القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. قال أحمد: كان ثقة صاحب نحو وشعر. وكان لا يأخذ على القضاء رزقا. وقال أبو حاتم: كان أروى الناس للحديث والشعر وأعلمهم بالعربية والفقه.

وفيها، على أحد الأقول، وقيل قبلها، وبعدها، الخليل بن أحمد الأزردي البصري أبو عبد الرحمن. صاحب العربية والعروض. روى عن أيوب السيختياني وطائفة. وكان إماما كبير القدر في لسان العرب، خيرا متواضعا، فيه زهد وتعفف. صنف كتاب العين في اللغة. ويقال إنه حج فدعا أن يرزق علما لم يسبق إليه. فرجع وقد فتح عليه بعلم العروض فوضعه ورتبه.

سنة ست وسبعين ومائة

فيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الروم بعد حرب طويلة.

وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية واليمانية بالشام. واستمرت بينهم إحن وأحقاد ودماء يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم.

وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد الله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي المدني. روى عن عبد الرحمن بن القاسم وطبقته. وكان من أولي العلم والصلاح.

وفيها، وقيل في التي تليها، عبد الواحد بن زياد العبدي، مولاهم، البصري. روى عن كليب بن وائل وطائفة كبيرة.

وفيها، في ربيع الأول، أبو عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي البزاز الحافظ، أحد الأعلام. رأى الحسن، وروى عن قتادة، وخلق. قال يحيى القطان: ما أشيه حديثه بحديث سفيان وشعبة. وقال عفان: هو عندنا أصح حديثا بن شعبة. وقال غيره: هو من سبي جرجان.

سنة سبع وسبعين ومائة

فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد الذي قيل إنه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة. ومن مواعظه قوله: ألا تستحيون من طول ما لا تستحيون. روى عن الحسن وجماعة. وهو متروك الحديث.

وفبها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله. أحد الأعلام، عن نيف وثمانين سنة. روى عن سلمة بن كهيل والكبار. سمع منه إسحاق الأزرق تسعة آلاف حديث. قال ابن المبارك: هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثوري. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال غيره: فقيه إمام لكنه يغلظ.

وفيها محمد بن مسلم الطائفي المكي. روى عن عمرو بن دينار وجماعة. وقال ابن مهدي: كتبه صحاح.

وفيها موسى بن أعين الحراني. رحل إلى العراق وأخذ عن عبد الله ابن محمد بن عقيل وطبقته فأكثر.

وفيها أبو خالد يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي. روى عن علقمة بن مرثد وطبقته. وليس بالقوي. وقد مر مولاه أبو عوانة.

وفيها، أو في حدودها، عبد العزيز بن المختار البصري الدباغ. روى عن ثابت البناني وجماعة.

سنة ثمان وسبعين ومائة

فيها توفي جعفر بن سليمان الضبعي بالبصرة. روى عن أبي عمران الجوني وطائفة. وكان أحد علماء البصرة. وفيه تشيع. أخذ ذلك عنه عبد الرزاق باليمن.

وفيها عبثر بن القاسم أبو زبيد الكوفي. روى عن حصين بن عبد الرحمن وجماعة. ذكره أبو داود فقال: ثقة ثقة.

وفيها عبد الله بن علي بن جعفر بن نجيع السعدي، مولاهم، المديني، نزيل البصرة، ووالد على المديني. روى عن عبد الله بن دينار وطبقته. وهو ضعيف الحديث.

سنة تسع وسبعين ومائة

فيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشاري الخارجي.

وفي بكرة رابع عشر ربيع الأول توفي في إمام دار الهجرة وفقيه الأمة أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي المدني. وذو أصبح بطن من حمير. ولد سنة أربع وتسعين، وسمع من نافع والزهري وطبقتهما. قال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم. قال معن القزاز، وجماعة: حملت بمالك أمه ثلاث سنين. وقال غير واحد: كان مالك طوالا، جسيما، عظيم الهامة، أبيض الرأس، واللحية، أشقر، عظيم اللحم. وقيل: كان أزرق العينين تبلغ لحيته صدره ويلبس الثياب الرفيعة البياض. وقال أشهب: كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه. وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلسانا وثيابا مروية جيادا. وقال ابن عيينة وبلغه موت مالك: ما ترك على ظهر الأرض مثله. وقال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك. ومناقب مالك كثيرة قد سقت بعضها في تاريخ الإسلام.

وفيها خالد بن عبد الله الواسطي الطحان الحافظ، وله سبعون سنة. روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته. قال إسحاق الأزرق: ما أدركت أفضل منه. وقال أحمد: كان ثقة صالحا بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات.

وفيها أبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي. روى عن زياد بن علاقة وطبقته. وكان أحد الحفاظ الأثبات. قال أحمد العجلي كان ثقة صاحب سنة وأتباع. قلت: آخر من روى عنه هناد.

وفي رمضان إمام أهل البصرة أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم. سمع أبا عمران الجوني وأنس بن سيرين وطبقتهما. قال عبد الرحمن بن مهدي: أئمة الناس أربعة: الثوري بالكوقة ومالك بالحجاز وحماد بن زيد بالبصرة والأوزاعي بالشام. وقال يحيى بن يحيى التميمي: ما رأيت شيخا أحفظ من حماد بن زيد. وقال أحمد العجلي: حماد بن زيد ثقة. كان حديثه أربعة آلاف حديث يحفظهما، ولم يكن له كتاب. وقال ابن معين: ليس أحد أثبت من حماد بن زيد.

وفيها الهقل بن زياد الدمشقي الفقيه كاتب الأوزاعي. قال ابن معين: ما كان بالشام أوثق منه. وقال مروان الطاطري: كان أعلم الناس بالأوزاعي وبمجلسه وفتياه.

سنة ثمانين ومائة

فيها هاج الهوى والعصبية بالشام بين اليمانية والنزارية، وتفاقم الأمر واشتد الخطب.

وفيها كانت الزلزلة العظمى التي سقط منها رأس منارة الإسكندرية.

وفيها نزل الرشيد الرقة واتخذها وطنا.

وفيها توفي إسماعيل بن جعفر الأنصاري مولاهم، المدني. قارئ المدينة بعد نافع، ومحدثها بعد مالك. روى عن عبد الله بن دينار، والعلاء بن عبد الرحمن وطائفة.

وفيها بشر بن منصور السليمي الأزدي البصري الزاهد. روى عن أيوب وطبقته. قال ابن المديني: مارأيت أحدا أخوف لله منه. وكان يصلي كل يوم خمس مائة ركعة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأيت أحدا أقدمه عليه في الرقة والورع.

وفيها حفص بن سليمان الغاضري الكوفي قارئ الكوفة وتلميذ عاصم. وقد حدث عن علقة بن مرثد وجماعة. وعاش تسعين سنة. وهو متروك الحديث، حجة في القراءة.

وفيها صدقة بن خالد الدمشقي. قرأ على يحيى الذماري. وروى عن التابعين. وكان من ثقات الشاميين.

وفيها عبد الوارث بن سعيد التنوري الحافظ، محدث البصرة بعد حماد ابن زيد. ولد سنة اثنتين ومائة. وأخذ عن أيوب السختياني وطبقته.

وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمرو الرقى الفقيهالجزيرة، محدث ومفتيها. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. قال محمد بن سعد: كان ثقة، لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره، يعني ببلده.

وفيها فضيل بن سليمان النميري بالبصرة. روى عن أبي حازم الأعرج وصغارالتابعين.

وفيها مبارك بن سعيد، أخو سفيان الثوري. أبو عبد الرحمن الكوفي الضرير ببغداد. روى عن عاصم بن أبي النجود وطائفة. وهوثقة.

وفيها فقيه مكة أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي، وله ثمانون سنة. روى عن ابن أبي مليكة والزهري وطائفة. قال أحمد بن محمد الأزرقي: كان فقيها عابدا يصوم الدهر. وضعفه أبو داود وغيره. ولقب بالزنجي في صغره. وكان أشقر. وعليه تفقه الشافعي.

وفيها أبو المحياه يحيى بن يعلى التيمي الكوفي روى عن سلمة بن كهيل وطائفة. وعمر وأسن.

وفيها الزاهدة الخاشعة رابعة العدوية بالبصرة، ولها ثمانون سنة.

وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن عبد الرحمن الداخل ابن معاوية الأموي المرواني، وله سبع وثلاثون سنة. وولي الأمر ثمانية أعوام. وكان متواضعا حسن السيرة، كثير الصدقات. وقام بعده ابنه الحكم.

وفيها، على الصحيح، إمام أهل البصري في العربية سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر البصري، مصنف الكتاب في النحو. وتلميذ الخليل. عن بضع وثلاثين سنة.

سنة إحدى وثمانين ومائة

فيها غزا الرشيد وافتتح حصن الصفصاف من أرض الروم بالسيف.

وسار عبد الملك بن صالح بن علي العباس حتى بلغ أنقرة وافتتح حصنا.

وفيها توفي الامام محدث الشام ومفتي أهل حمص أبو عتبة إسماعيل بن عياش العنسي، عن بضع وسبعين سنة. روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد الألهاني. وخلق من التابعين بالشام والحرمين. قال ابن معين: هو ثقة في الشاميين. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت شاميا ولاعراقيا أحفظ من إسماعيل بن عياش. ما أدري ما الثوري. وقال ابن عدي: يحتج به في حديث الشاميين خاصة. وقال أبو اليمان: كان إسماعيل جارنا، فكان يحيي الليل. وقال داود بن عمرو: ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظه. وكان يحفظ نحوا من عشرين ألف حديث. وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين. ومناقبه كثيرة.

وفيها أبو المليح الرقي. وله نيف وتسعون سنة واسمه الحسن بن عمر روى عن ميمون بن مهران. وابن الزهري. والكبار وثقه الإمام أحمد وغيره.

وفيها حفص بن ميسرة الصنعاني بعسقلان. روى عن زيد بن أسلم وطبقته. وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها المعمر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفي ببغداد. وقد جاوز المائة بعام. رأى عمرو بن حريث الصابي. وروى عن محارب بن دثار وجماعة. قال أبو حاتم: صدوق ثقة. قلت: هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة.

وفيها الأمير حسن بن قحطبة بن شبيب الطائي، وله أربع وثمانون سنة. وكان من كبار قواد المنصور.

وفيها وقيل سنة ثمانين أبو معاوية عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب المهلبي البصري. أحد المحثين والأشراف. روى عن أبي جمرة الضبعي صاحب ابن عباس وغيره.

وفيها، في رمضان، الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي، مولاهم، المروزي الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب رحمه الله، وله ثلاث وستون سنة. سمع هشام بن عروة وحميد الطويل، وهذه الطبقة. وصنف التصانيف الكثيرة. وحديثه نحو من عشرين ألف حديث. قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه. وقال شعبة: ما قدم علينا مثله. وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين. وعن شعيب بن حرب قال: ما لقي ابن المبارك مثل نفسه. وقال غيره: كانت له تجارة واسعة، وكان ينفق على الفقراء في السنة مائة ألف درهم. وكان يحج سنة ويغزو سنة. كان أستاذه تاجرا فتعلم منه. وكان أبوه تركيا وأمه خوارزمية. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري. قلت: كان رأسا في العلم، رأسا في العمل رأسا في الذكاء، رأسا في الشجاعة والجهاد، رأسا في الكرم، وقبره بهيت ظاهر يزار رحمه الله.

وفيها أبو الحسن علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاز. يروي عن الأعمش وأقرانه. وكان شيعيا جلدا.

وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضل بن فضالة القتباني الفقيه. روى عن يزيد بن أبي حبيب وطائفة كثيرة. وكان زاهدا ورعا قانتا مجاب الدعوة، عاش أربعا وسبعين سنة.

وفيها بالإسكندرية يعقوب بن عبد الرحمن القاري المدني. روى عن زيد بن أسلم وطبقته فأكثر.

سنة اثنتين وثمانين ومائة

فيها سملت الروم عيني طاغيتهم قسطنطين وملّكوا عليهم أمه.

وفيها توفي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني روى عن أبيه وجماعة. وهو ضعيف كثير الحديث.

وفيها عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ. سمع من هشام بن عروة وجماعة. وقال: سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث. وقال ابن معين: ما بالكوفة أعلم بالثوري من عبيد الله الأشجعي.

وفيها عمار بن محمد الثوري الكوفي، ابن أخت سفيان. روى عن منصور والأعش وعدة. قال ابن عرفة: كان لا يضحك وكنا لا نشك أنه من الأبدال.

وفيها أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري نزيل بغداد وكان محدثا مشهورا ذا صلاح وعبادة. رحل إلى معمر فلقب بالمعمري.

وفيها الوليد بن محمد الموقري البلقاوي، والموقر حصين بالبلقاء. وهو من ضعفاء أصحاب الزهري.

وفيها على الأصح، عالم أهل الكوفة أبو زكريا يحيى بن أبي زائدة الكوفي الحافظ روى عن أبيه، وعاصم الأحول. وطبقتهما. وعاش ثلاثا وستين سنة. قال علي بن المديني: انتهى العلم في زمانه إليه. ما كان بالكوفة بعد الثوري أثبت منه. وقال غيره: ولي قضاء المدينة وبها توفي رحمه الله.

وفيها الحافظ الثبت أبو معاوية يزيد بن زريع العيشي. بالبصرة. روى عن أيوب السختياني وطبقته. قال الإمام أحمد بن حنبل: كان ريحانة البصرة ما أتقنه وما أحفطه! وقال يحيى القطان: ما كان هنا أحد أثبت منه. وقال نصر بن علي الجهضمي: رأيت يزيد بن زريع في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: دخلت الجنة. قلت: بماذا؟ قال: بكثرة الصلاة.

وفيها في شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف، واسمه يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة. وهو أول من دعي بذلك. تفقه على الإمام أبي حنيفة، وسمع من عطاء بن السائب وطبقته. قال يحيى بن معين: كان القاضي أبو يوسف يحب أصحاب الحديث ويميل إليهم. وقال محمد بن سماعة: كان أبو يوسف يصلي بعد ما ولي القضاء في كل يوم مائتي ركعة. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة. قلت: كان أبو يوسف مع سعة علمه أحد الأجواد الأسخياء. قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال الإمام أحمد بن حنبل: صدوق.

وفيها توفي أمير عرب الشام القيسية وفارسهم البطل أبو الهيذام عامر بن عمارة المري.

سنة ثلاث وثمانين ومائة

فيها خرج الخزر لعنهم الله. ومن قصتهم أن ستيت ابنة ملك الترك خاقان خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحملت إليه في عام أول. فماتت في الطريق ببرذعة فرد من كان معها في خدمتها من العساكر وأخبروا خاقان أنها قتلت غيلة. فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد، وأوقع بأهل الإسلام وبالذمة، وقتل وسبى، وبدع وبلغ السبي مائة ألف، وعظمت المصيبة على المسلمين. فإنا لله وإنا إليه راجعون. فانزعج هارون الرشيد واهتم لذلك، وجهز البعوث. فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن أرمينية ثم سدوا الباب الذي خرجوا منه.

وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي، محدث بغداد. روى عن الزهري وطبقته. قال يعقوب الدورقي: كان عند هشيم عشرون ألف حديث. وقال عبد الرحمن بن مهدي: هشيم أحفظ للحديث من الثوري. وقال يحيى القطان: هو أحفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثني من سمع عمرو بن عون يقول: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته. وقال أحمد: كان كثير التسبيج.

وفيها الواعظ ابن السماك أبو العباس محمد بن صبيح الكوفي الزاهد. مولى بني عجل. روى عن الأعمش وجماعة. وكان كبير القدر. دخل على الرشيد فوعظه وخوفه.

وفيها أبو محمد زياد بن عبد الله البكائي العامري الكوفي صاحب المغازي. وهو أوثق الناس في ابن إسحاق. وسمع بن عبد الملك بن عمير ومنصور والكبار.

وفيها السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق ووالد علي بن موسى الرضا. ولد ثمان وعشرين ومائة وروى عن أبيه. قال أبو حاتم: ثقة إمام من أئمة المسلمين. وقال غيره: أقدمه الرشيد معه من المدينة فحبسه ببغداد ومات في الحبس رحمه الله. وكان صالحا عابدا جوادا حليما كبير القدر.

وفيها شيخ أصبهان وعالمها أبو المنذر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله من ثعلبة. وكان فقيها إماما زاهدا عابدا صاحب تصانيف. أخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة.

وفيها الفقيه أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة الحضرمي البتهلي قاضي دمشق ومحدثها وله ثمانون سنة. قال دحيم: هو ثقة عالم. قلت: روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين. وولي القضاء دهرا، أظن ثلاثين سنة.

سنة أربع وثمانين ومائة

فيها توفي الفقيه أبو إسحاق أبو إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني، قاضي المدينة ومحدثها، وله خمس وسبعون سنة. وقيل توفي في العام الماضي. سمع أباه والزهري وجماعة.

وفيها الفقيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم. روى عن الزهري وابن المنكدر وطبقتهما. يروي عنه الشافعي فيقول: أخبرني من لا أتهم. وقال: كان قدريا. وقال الإمام أحمد بن حنبل: كان قدريا معتزليا جهميا كل بلاء فيه، لا يكتب حديثه. وقال البخاري: جهمي تركه الناس. وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا إلا عن شيوخ يحتملون، وله كتاب الموطأ أضعاف موطأ مالك.

وفيها الزاهد العمري بالمدينة، واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى عن أبيه. وكان إماما فاضلا رأسا في الزهد والورع.

وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمام عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار. أخذ عن أبيه وزيد بن أسلم وطائفة. قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه. وقال ابن سعد: ولد سنة سبع ومائة، ومات ساجدا رحمة الله عليه.

وفيها علي بن غراب الكوفي القاضي. روى عن هشام بن عروة وطبقته.

وفيها مروان بن شجاع الجزري ببغداد. روى عن خصيف، وعبد الكريم بن مالك.

وفيها، أو في التي مضت، نوح بن قيس الحداني الطاحي البصري. روى عن محمد بن واسع وطبقته.

سنة خمس وثمانين ومائة

فيها، وقيل في التي تليها، توفي الإمام القارئ القدوة أبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث الكوفي نزيل ثغر المصيصة. روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته. ومن جلالته روى عنه الأوزاعي حديثا، فقيل له: من حدثك بهذا؟ قال: حدثني الصادق المصدق أبو إسحاق الفزاري. وقال الفضل بن عياض: ربما اشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط بل لأرى أبا إسحاق الفزاري. وقال غيره: كان إماما قانتا مجاهدا مرابطا أمارا بالمعروف، إذا رأى بالثغر مبتدعا أخرجه.

وفيها الأمير عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس، شيخ آل العباس وبقية عمومة المنصور. روى عن أبيه، عن جده ابن عباس وكان ذا قعدد في النسب. ولي إمرة البصرة مرة إمرة دمشق.

وفيها ضمام بن إسماعيل المصري بالإسكندرية. روى عن أبي قبيل المعافري وطبقته. قال أبو حاتم: كان صدوقا متعبدا. قلت: لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئا. وهو من مشاهير المحدثين.

وفيها عمر بن عبيد الطنافسي الكوفي. وكان أكبر إخونه. روى عن سماك بن حرب وطبقته.

وفيها المطلب بن أبي زياد الكوفي. روى عن زياد بن علاقة والكبار. وثقه أحمد وابن معين.

وفيها، على الأصح، المعافى بن عمران، الإمام أبو مسعود الأزدي. عالم أهل الموصل وزاهدهم. رحل وطوف وسمع من ابن جريح وطبقته. ذكره سفيان الثوري فقال: هو ياقوتة العلماء. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ: لم ألق أفضل منه. وقال ابن سعد: كان ثقة فاضلا صاحب سنة. وكان ابن المبارك، وهو أسن منه. يقول: حدثني ذاك الرجل الصالح.

وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المدني، ابن عم عبد العزيز الماجشون. روى عن الزهري. وابن المنكدر. وكان كثير العلم.

وفيها أمير دمشق للرشيد محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي.

سنة ست وثمانين ومائة

فيها سار علي بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو فالتقى هو وأبو الخصيب بنسا. فظفر بأبي الخصيب، واستقامت خراسان للرشيد.

وفيها توفي حاتم بن اسماعيل المدني. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وكان ثقة كثير الحديث. وقيل مات في التي تليها.

وفيها حسان بن إبراهيم الكرماني قاضي كرمان يروي عن عاصم الأحول وجماعة.

وفيها خالد بن الحارث أبو عثمان البصري الحافظ. روى عن أيوب وخلق. قال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.

وفيها سفيان بن حبيب البصري البزاز روى عن عاصم الأحول وطائفة. قال أبو حاتم: ثقة. أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروبة.

وفيها أو في التي تليها. عباد بن العوام الواسطي ببغداد. روى عن أبي مالك الأشجعي وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان.

وفيها عيسى بن موسى غنجار أبو أحمد البخاري. محدث ما وراء النهر رحل وحمل عن سفيان الثوري وطبقته. قال الحاكم: هو إمام عصره، طلب العلم على كبر السن وطوف. يروي عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين. وحديثه الثقات مستقيم.

وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وله اثنتان وستون سنة. روى عن هشام بن عروة وطبقته. قال الزبير بن بكار: عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع. فأعفاه ووصله بألفي دينار. وكان فقيه المدينة بعد مالك.

سنة سبع وثمانين ومائة

فيها خلعت الروم من الملك الست ريني وهلكت بعد أشهر. وأقاموا عليهم نقفور. والروم تزعم أن تقفور من ولد جفنة الغساني الذي تنصر.

وكان نقفور قبل الملك يلي نظر الديوان. فكتب نقفور هذا الكتاب: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق. فحملت إليك من أموالها، وذلك لضعف النساء وحمقهن. فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك، وإلا فالسيف بيننا.

فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه، وتفرق جلساؤه خوفا من بادرة تقع منه. ثم كتب بيده على ظهر الكتاب: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم: قرأت كتابك يا ابن الكافرة. والجواب ما تراه دون ما تسمعه.

ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل على مدينة هرقلة، وأوطأ الروم ذلا وبلاء. فقتل وسبى. وذل نقفور وطلب الموادعة على خراج يحمله، فأجابه. فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نقفور. فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد، حتى عملت الشعراء أبياتا يلوحون بذلك. فقال أوقد فعلها؟ فكر راجعا في مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال منه مراده. وفي ذلك يقول أبو العتاهية:

ألا نادت هرقلة بالخراب... من الملك الموفق للصواب

غدا هارون يرعد بالمنايا... ويبرق بالمذكرة الصعاب

ورايات يحل النصر فيها... تمر كأنها قطع السحاب

وفيها توفي أو في التي قبلها، بشر بن المفضل أحد حفاظ البصرة. روى عن سهل بن أبي صلح، وخالد الحذاء. وطائفة. قال علي المديني: كان يصلي كل يوم أربع مائة ركعة، ويصوم يوما ويفطر يوما رحمه الله.

وفيها محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري. سمع أيوب السختياني وجماعة.

وفيها رباح بن زيد الصنعاني صاحب معمر. قال أحمد: كان خيارا. ما أرى في زمانه من كان خيرا منه. انقطع في بيته.

وفيها عبد الرحيم سليمان الرازي نزيل الكوفة. كان ثقة صاحب حديث. له تصانيف. روى عن عاصم الأحول وخلق.

وفيها عبد السلام بن حرب الملاني الكوفي الحافظ. وله ست وتسعون سنة. روى عن أيوب السختياني وطبقته.

وفيها عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري الحافظ. روى عن أبي عمران الجوني والكبار. يكنى أبا الصمد.

وفيها أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني. روى عن صفوان بن سليم وخلق. وكان فقيها صاحب حديث. قال يحيى بن معين: هو أثبت من فليح.

وفيها علي بن نصر بن علي الجهضمي. والد نصر بن علي. روى عن هشام الدستوائي وأقرانه.

وفيها أبو الخطاب محمد بن سواء السدوسي البصري المكفوف الحافظ. سمع من حسين المعلم. وأكثر عن أبي عروبة.

وفيها الإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ. أحد شيوخ البصرة. وله إحدى وثمانون سنة. روى عن عن أبيه ومنصور وخلق لا يحصون. قال قرة بن خالد: ما معتمر عندنا بدون أبيه. وقال غيره: كان عابدا صالحا حجة.

وفيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكي الوزير أحد الأجواد والفصحاء.

وفيها توفي معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عن نحو مائة سنة وهو الذي سارت فيه هذه الكلمة:

إن معاذ بن مسلم رجل... ليس لميقات عمره أمد

الأبيات.

وفيها في الأبيات في المحرم شيخ الحجاز الإمام أبو علي الفضيل بن عياض التميمي المروزي الزاهد. أحد الأعلام. الذي قال فيه ابن المبارك: ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض. وكان قد قدم الكوفة شابا فحمل عن منصور وطبقته. قال شريك: القاضي فضيل حجة لأهل زمانه.

سنة ثمان وثمانين ومائة

فيها غزا المسلمون الروم من درب الصفصاف، والتقوا، فجرح الملك نقفور ثلاث جراحات. وانهزم، وقتل من جيشه عدة ألوف.

وفيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي. وله ثمان وسبعون سنة. روى عن منصور وطبقته من الكوفيين، ورحل إليه الناس لثقته وسعة علمه.

وفيها رشدين بن سعد المهري. محدث مصر لكنه ضعيف وفيه دين وصلاح. روى عن زبان بن فائد، وحميد بن هانئ، وخلق كثير.

وفيها عبدة بن سليمان الكلابي الكوفي. روى عن عاصم الأحول وطبقته. قال أحمد: ثقة وزيادة، مع صلاح وشدة فقر.

وفيها، وقيل في سنة تسعين. عتاب بن بشير الحراني صاحب خصيف. وكان صاحب حديث.

وفيها عقبة بن خالد السكوني الكوفي. روى عن هشام بن عروة وطبقته.

وفيها، أو في سنة تسعين، محمد بن يزيد الواسطي عن إسماعيل بن أبي خالد وجماعة.

وفيها عمر بن أيوب الموصلي المحدث الزاهد. رحل وسمع من جعفر بن برقان وطبقته. قال ابن معين: ثقة مأمون. وقال ابن عمار: ما رأيته يذكر الدنيا.

وفيها مقرئ الكوفة سليم بن عيسى الحنفي، مولاهم. صاحب حمزة. تصدر لإقراء الناس مدة عليه دارت قراءة حمزة.

وفيها، على الصحيح، الإمام أبو عمرو عيسى بن بن أبي إسحاق السبيعي. رأى جده، وسمع من إسماعيل بن أبي خالد وخلق من طبقته. وروى عنه من الكبار حماد بن أبي سلمة وهو أكبر منه. ذكر لابن المديني فقال: بخ بخ ثقة مأمون. وقال أحمد بن داود الحداني: سمعت عيسى بن يونس يقول: لم يكن في أسناني أبصر بالنحو مني، فدخلتني منه نخوة فتركته. وقال الإمام أحمد بن حنبل: الذي كنا نخبر أن عيسى سنة في الغزو وسنة في الحج. فقدم بغداد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبله.

وفيها، أو في السنة الماضية، مرحوم بن عبد العزيز العطار بالبصرة. كان محدثا صالحا عابدا. روى عن أبي عمران الجوني والكبار. قال الخريبي: ما رأيت بصريا أفضل منه ومن سليمان بن المغيرة.

وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي روى عن العلاء بن المسيب وعدة. وكان بن عباد المحدثين. قال أحمد العجلي: قالوا له: دواء عينيك ترك البكاء. قال: فما خيرهما إذا؟

سنة تسع وثمانين ومائة

فيها كان الفداء الذي لم يسمع بمثله، حتى لم يبق بأيدي الروم مسلم إلا فودي به.

وفيها توهم الرشيد في علي بن عيسى بن علي بن ماهان أمير خراسان الخروح فسار حتى نزل بالري. فبادر إليه علي بأموال وجواهر وتحف تتجاوز الوصف. فأعجب الرشيد ورده على عمله.

وفيها توفي في صحبة الرشيد شيخ القراءات والنحو الإمام أبو الحسن علي بن حمزة الأسدي الكوفي الكسائي. أحد السبعة. قرأ على حمزة، وأدب الرشيد وولده الأمين. وهو من تلامذة الخليل. قال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.

وفيها توفي في صحبة الرشيد أيضا بالري قاضي القضاة وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولاهم. الكوفي المنشأ. ولد بواسط، وعاش سبعا وخمسين سنة. وسمع أبا حنيفة ومالك بن مغول وطائفة. وكان من أذكياء العالم. قال أبو عبيد: ما رأيت أعلم بكتاب الله منه. قال الشافعي: لو أشاء أن أقول تنزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقد حملت عنه وقر بختي. وقال محمد بن الحسن: خلف أبي ثلاثين ألف درهم فأنفقت نصفها على النحو بالري. وأنفقت الباقي على الفقه ولما توفي هو والكسائي قال الرشيد: دفنا الفقه والنحو بالري. قال الخطيب: وولي القضاء بعد محمد بن الحسن علي بن حرملة التيمي صاحب أبي حنيفة.

وفيها أبو محمد عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي البصري. أحد علماء الحديث. سمع من حميد الطويل وطبقته.

وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي أحد الكبار. روى عن أبي مالك الأشجعي وخلق من طبقته.

فيها قاضي الموصل علي بن مسهر. أبو الحسن الكوفي الفقيه. روى عن أبي مالك الأشجعي وأقرانه. قال أحمد: هو أثبت من ابن أبي معاوية في الحديث. وقال أحمد العجلي: ثقة جامع للفقه والحديث.

وفيها حكام بن سلم الرازي. يروي بن حميد الطويل وطبقته.

وفيها، وقيل قبلها بعام، يحيى بن اليمان العجلي الكوفي الحافظ. روى عن هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد وطائفة. ذكره أبو بكر بن عياش فقال: ذاك راهب. وعن وكيع قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ منه. كان يحفظ في المجلس خمس مائة حديث ثم، نسي. وقال ابن المديني: صدوق ثقة تغير من الفالج.

وفيها أو في حدودها. محمد بن مروان السدوسي، الصغير الكوفي المفسر صاحب الكلبي وهو متروك الحديث.

سنة تسعين ومائة

فيها فتح هرقلة في شوال. استعد للرشيد وأمعن في بلاد الروم. فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا، سوى المجاهدين تطوعا. وبث جيوشه تغير وتغنم وتخرب. ولما افتتح هرقلة أخربها وسبى أهلها. وكان مقامه عليها شهرا. وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة. وفرقة افتنحت حصن الصفصاف ومقدونية.

وركب حميد بن معيوف في البحر، فغزا قبرس فخرب وسبى وأحرق، وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا. وكان فيهم أسقف قبرس ابن علية، فنودي عليه فبلغ ألفي دينار. وبعث نقفور الجزية عن رأسه وامرأته وخواصه. فكان ذلك خمسين ألف دينار. وبعث إلى الرشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سماها. فاشترط عليه الرشيد أن لا يعمر هرقلة، وأن يحمل في العام ثلاث مائة ألف دينار. وكتب نقفور إليه: أما بعد، فلي إليك حاجة أن تهب لي لابني جارية من سبي هرقلة كنت خطبتها له فأسعفني بها. فأحضر الرشيد الجارية فزينت. وأرسل معها سرادقا وتحفا. فأعطى نقفور للرسول خمسين ألفا وثلاثين مائة ثوب وبراذين وبزاة.

وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد.

وفيها قارئ مكة في زمانه إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي، مولاهم. المعروف بالقسط. وله تسعون سنة. وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة. قرأ عليه الشافعي وجماعة.

وفيها أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد. واسمه عبد الواحد بن واصل. روى عن عوف الأعرابي وعدة.

وفيها عبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ، وله بضع وثمانون سنة. روى عن الأسود بن قيس ومنصور والكبار. وكان صاحب قرآن وحديث ونحو أدب الأمين بعد الكسائي.

وفيها عمر بن علي المقدمي، أبو حفص البصري. كان حافظا مدلسا. كان يقول: ثنا. يقول: سمعت. ثم يسكت. ثم يقول: هشام بن عروة وينوي القطع.

وفيها عطاء بن مسلم الخفاف. كوفي صاحب حديث، ليس بالقوي. نزل حلب. وروى عن محمد بن سوقة وطبقته.

وفيها حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته. قال أبو بكر بن أبي شيبة: قل من رأيت مثله.

وفيها يحيى بن خالد البرمكي. توفي في سجن الرشيد. وله سبعون سنة.

سنة إحدى وتسعين ومائة

فيها توفي سلمة بن الفضل الأبرش، قاضي الري وراوي المغازي عن ابن إسحاق. وهو مختلف في الاحتجاج به. ولكنه في ابن إسحاق ثقة.

وفيها الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي مولاهم. المصري الفقيه، صاحب مالك. وله ستون سنة. وقد أنفق أموالا كبيرة في طلب العلم. ولزم مالكا مدة. وسأله عن دقائق الفقه.

وفيها الفضل بن موسى السيناني شيخ مرو ومحدثها وسينان من قرى مرو. ارتحل وكتب الكثير. وحدث بن هشام بن عروة وطبقته. قال أبو نعيم الكوفي: هو أثبت من ابن المبارك. وقال وكيع: أعرفه ثقة صاحب سنة.

وفيها محمد بن سلمة الحراني الفقيه. محدث حران ومفتيها. روى عن هشام بن حبان وطبقته. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلا، له رواية وفتوى.

وفيها مخلد بن الحسين الأزردي المهلبي البصري. نزيل المصيصة. وكان من عقلاء زمانه وصلحائهم.

وفيها معمر بن سليمان الرقي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته. وكان من أجلاء المحدثين. ذكره الإمام أحمد فذكره من فضيلته وهيبته. وقال أبو عبيد: كان من خير من رأيت.

سنة اثنتين وتسعين ومائة

فيها أول ظهور الخرمية المارقة بجبال أذربيجان. فغزاهم حازم ابن خزيمة فقتل وسبى.

وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله إدريس الأزدي الكوفي الحافظ العابد. روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته. وقد روى عن مالك مع تقدمه وجلالته. قال الإمام أحمد بن حنبل: كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده. وقال ابن عرفة: ما رأيت بالكوفة أفضل منه. وقال أبو حاتم: هو إمام من أئمة المسلمين حجة. وقال غيره: لم يكن بالكوفة أعبد لله منه. عاش اثنتين وسبعين سنة.

وفيها علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي، أبو الحسن ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، ثم ولي قضاء القضاة، وروى عن أبي حنيفة وإسماعيل بن أبي خالد. وكان محمود الأحكام دينا متواضعا، ضعيف الحديث.

وفيها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي، أخو جعفر البرمكي، مات في السجن، وقد ولي أعمالا جليلة. وكان أندى كفا من جعفر مع كبر، وتيه. له أخبار في السخاء المفرط، حتى إنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار.

وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة صعصعة بن سلام الدمشقي. أخذ عن الأوزاعي، ومالك، والكبار. أخذ عنه عبد الملك بن حبيب وجماعة.

سنة ثلاث وتسعين ومائة

فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها. وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة، واستصفى أمواله وخزائنه، فبعث بها الرشيد، وهو بجرجان. على ألف وخمسين مائة جمل. ثم سار إلى طوس في صفر. وهو عليل. وكان رافع بن الليث قد استولى على ما وراء النهر وعصى فالتقى جيشه وعليهم أخوه هم وهرثمة فهزمهم. وقتل أخو رافع. وملك هرثمة بخارى.

وفيها توفي في ذي القعدة. توفي الإمام العلم أبو بشر إسماعيل بن علية الأسدي. مولاهم البصري. واسم أبيه إبراهيم بن مقسم. وعلية أمه. سمع أيوب وطبقته. قال فهد بن هارون: دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث علي بن علية. وقال الإمام أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. وقال ابن معين: كان ثقة ورعا تقيا. وقال شعبة: ابن علية سيد المحدثين.

وتوفي بعده بأيام محمد بن جعفر غندر الحافظ، أبو عبد الله البصري، صاحب شعبة. وقد روى عن حسين المعلم وطائفة وقال: لزمت شعبة عشرين سنة. قال ابن معين: كان من أصح الناس كتابا. وقال آخر: مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما.

وفيها مخلد بن يزيد الحراني محدث رحال. روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وطبقته.

وفيها في ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري الكوفي الحافظ نزيل دمشق. وابن عم أبي إسحاق الفزاري. روى عن حميد الطويل وطبقته. قال الإمام أحمد: ثبت حافظ. وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين.

وفيها الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي، مولاهم، الكوفي الخياط. شيخ الكوفة في القراءة والحديث. وله بضع وتسعون سنة. كان من شيخ من أجل أصحاب عاصم. قطع الإقراء بن قبل موته بتسع عشرة سنة. وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش. وقال غيره: كان لا يفر من التلاوة، قرأ اثني عشر ألف ختمة. وقيل أربعة وعشرين ألف ختمة.

وفيها العباس بن الأحنف، أحد الشعراء المجيدين، ولا سيما في الغزل.

وفي ثالث جمادى الآخر توفي هارون الرشيد أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله العباسي بطوس. وكانت أيامه ثلاثا وعشرين سنة. ومولده بالري سنة ثمان وأربعين ومائة. روى عن أبيه وجده. مبارك بن فضالة. وحج مرات في خلافته. وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه:

فمن يطلب لقائك أو يرده... فبالحرمين أو أقصى الثغور

وكان شهما شجاعا حازما جوادا ممدحا فيه دين وسنة، مع انهماكه على اللذات والقيان. وكان أبيض طويلا سمينا مليحا، قد خطه الشيب. ورد أنه كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم. وكان يخضع للكبار، ويتأدب معهم. وعظه الفضيل. وابن السماك، وغيرهما. وله مشاركة قوية في الفقه والعلم والأدب.

وفيها وقيل بعدها. فقيه الأندلس زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون صاحب مالك. وعليه تفقه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل إلى مالك. وكان زياد ناسكا ورعا، أريد على القضاء فهرب.

وفيها نقفور ملك الروم في حرب برجان. وكانت مملكته تسعة أعوام. فملك بعده ابنه شهرين وهلك. فملك زوج أخته ميخائل بن جرجس لعنهم الله.

سنة أربع وتسعين ومائة

فيها وثب الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب. وقام بعده ليون القائد.

وفيها مبدأ الفتنة بين الأمين والمأمون. وكان الرشيد أبوهما قد عقد بالعهد للأمين، ثم من بعده للمأمون. وكان المأمون على إمرة خراسان. فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدم ولده ابن خمس سنين وأخذ يهدي الأموال للقواد ليقوموا معه في ذلك. ونصحه أولو الرأي فلم يرعو، حتى آل الأمر إلى أن قتل.

وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة، وقاضي بغداد. روى عن الأعمش وطبقته. وعاش خمسا وسبعين سنة. قال يحيى القطان: حفص أوثق أصحاب الأعمش. وقال سجادة: كان يقال ختم القضاء يحفص بن غياث. وقال ابن معين: جميع ما حدث به حفص بالكوفة وبغداد فمن حفظه. وقال حفص: والله ما وليت القضاء حتى حملت لي الميتة.

وفيها سويد بن عبد العزيز الدمشقي قاضي بعلبك. قرأ القرآن على يحيى الزماري. وروى عن أبي الزبير المكي. والكبار وعاش بضعا وثمانين سنة. ضعفوه.

وفيها عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي محدث البصرة. روى عن أيوب السختياني. ومالك بن دينار. وطبقتهما. قال الفلاس: كانت غلته في السنة أربعين ألفا ينفقها كلها على أصحاب الحديث. وقال أبو إسحاق النظام المتكلم، وذكر عبد الوهاب: هو والله أحلى، من أمن من بعد خوف. وبرء بعد سقم وخصب بعد جذب، وغنى بعد فقر، ومن إطاعة المحبوب ومن فرج المكروب.

وفيها محمد بن أبي عدي البصري المحدث. وروى عن حميد وطبقته. وكان أحد الثقات الكبار.

وفيها محمد بن حرب الخولاني الأبرش الحمصي قاضي دمشق. روى عن الزبيدي فأكثر. وعن محمد بن زياد الألهاني وكان حافظا مكثرا.

وفيها يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ ولقبه جمل. روى عن الأعمش وخلق. وحمل المغازي عن ابن إسحاق واعتنى بها، وزاد فيها أشياء.

وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخي الزاهد شيخ خراسان. سافر مرة وفي صحبته ثلاث مائة مريد. وهو شيخ حاتم الأصم.

وفيها سلم بن سالم البلخي الزاهد. روى عن ابن جريج وجماعة. وكان صواما قواما في الأمر بالمعروف. قال أبو مقاتل السمرقندي: سلم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه. قلت: هو وشقيق ضعيفان في الحديث.

وفيها عمر بن هارون البلخي. روى عن جعفر الصادق وطبقته. وكان كثير الحديث بصيرا بالقراءات. تركوه.

سنة خمس وتسعين ومائة

فيها لما تيقن المأمون أن الأمين خلعه تسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك. وجهز الأمين علي بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالا لا تحصى. وأخذ علي معه له قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه. فبلغ إلى الري. وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعي في نحو أربعة آلاف. فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح، وقد إمتلأت بهم الصحراء بياضا وصفرة في العدد المذهبة. فقال ابن طاهر: هذا ما لا قبل لنا به. ولكن جعلوها خارجية، واقصدوا القلب. ثم ذلك ذكروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون. فلم يلتفت. وبرز فارس من جند ابن ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله. وشد داود شباه على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه، وهو لا يعرفه، ثم ذبحه بالسيف. فانهزم جيشه وحمل رأسه على رمح. وأعتق طاهر مماليكه شكرا لله. وشره أمر الأمين في سفال، وملكه في زوال.

قيل إنه لما بلغه قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيد سمكا. فقال للبريدي: ويلك دعني، كوثر وقد صاد سمكتين وأنا فما صدت شيئا بعد. وندم في الباطل على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه. ولقد فرق عليهم أموالا لا تحصى حتى فرغ الخزائن وما نفعوه. وجهز جيشا فالتقاهم طاهر أيضا بهمدان. فقتل في المصاف خلق كثير من الفريقين، وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث. وقتل مقدم الجيش الأمين عبد الرحمن الأساوي أخذ الفرسان المذكورين، بعد أن قتل جماعة. وزحف طاهر حتى نزل بحلوان.

وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفياني، فبايعوه بالخلافة. واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور. فسير الأمين عسكرا لحربه. فنزلوا الرقة ولم يقدموا عليه.

وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدث واسط. روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا عابدا يقال إنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء.

وفيها بشر بن السري البصري الأفوه نزيل مكة. وكان فصيحا بالمواعظ مفوها ذا صلاح. وقال الإمام أحمد: كان متقنا للحديث عجبا. قلت: روى عن مسعر والثوري وطبقتهما.

وفيها أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي الحافظ. ولد سنة ثلاث عشرة ومائة. ولزم الأعمش عشر سنين. وقال أبو نعيم: سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية: أما أنت فقد ربطت رأس كيسك. وكان شعبة إذا توقف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه.

وفيها عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ. روى عن عبد الملك بن عمير وخلق. قال وكيع: ما كان أحفظه للطوال. توفي بالكوفة.

وفيها أو في التي مضت، عثام بن علي الكوفي. روى عن هشام بن عروة والأعمش.

وفيها أو في الماضية، محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، مولاهم. روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وكان يتشيع.

وفيها محدث الشام أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي، وله ثلاث وسبعون سنة. توفي بذي المروة راجعا من الحج في المحرم. روى عن يحيى الذماري، ويزيد بن أبي مريم. وخلائق. وصنف التصانيف. قال ابن جوصا: ثم نزل نسمع انه بن كتب مصنفات الوليد بن مسلم صلح أن يلي القضاء. وهي سبعون كتابا. وقال أبو مسهر: كان مدلسا ربما دلس عن الكذابين.

وفيها يحيى بن سليم الطائفي الحذاء بمكة. وكان ثقة صاحب حديث. روى عن عبد الله بن عثمان بن خثيم وطبقته.

سنة ست وتسعين ومائة.

فيها توثب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد. فخلع الأمين في رجب وحبسه. ودعا إلى بيعة المأمون. فلم ينشب أن وثب الجند عليه فقتلوه، وأخرجوا الأمين. وجرت أمور طويلة وفتنة كثيرة.

وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري في ربيع الآخر. روى عن حميد الطويل وطبقته وكان أحد الحفاظ. قال يحيى القطان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ. وقال الإمام أحمد: كان ثبتا. وما رأيت أعقل منه.

وفيها قاضي شيراز ومحدثها سعد بن الصلت الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا. قال سفيان: ما فعل سعد بن الصلت؟ قالوا له: ولي القضاء. قال: ذره واقعد في الحش. قلت: آخر من روى عنه شيخه إسحاق بن إبراهيم بن شاذان.

وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق. قال ابن عيينة: هو أشعر الناس. وقال الحافظ: ما رأيت أعلم باللغة منه.

سنة سبع وتسعين ومائة

فيها حوصر الأمين ببغداد وأحاط به طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين، وزهير بن المسيب في جيوشهم. وقاتلت مع الأمين الرعية. وقاموا معه قياما لا مزيد عليه، ودام الحصار سنة. واشتد البلاء وعظم الخطب.

وفيها، أي سنة ثمان، توفي الإمام العلم أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي، مولاهم الكوفي. شيخ الحجاز في أول رجب، وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة، الزهري والكبار. وقال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال ابن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير منه. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب، وكان ثبتا في الحديث. وقال فهر بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة. فقيل له: ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة. وقال أحمد: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن منه.

وفيها الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن وهب الفهري مولاهم، المصري أحد الأعلام، في شعبان. ومولده سنة خمس وعشرين ومائة. وطلب العلم بعد الأربعين ومائة بعام أوعامين. وروى عن ابن جريج وعمرو بن الحارث، وخلق. وتفقه بمالك والليث. قال أبو سعد بن يونس: جمع ابن وهب بين الفقه والرواية والعبادة. وله تصانيف كثيرة. وقال أحمد بن صالح المصري: حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، مارأيت أحدا أكثر حديثا منه. وقال خالد بن خداش: قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال يوم القيامة فخر مغشيا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام. وقال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوه على القضاء فتغيب.

وفيها محدث الشام الإمام أبو يحمد بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي الحافظ. ومولده سنة عشر ومائة. وروى عن محمد بن زياد الألهاني، وبجير بن سعد، والكبار. وأخذ عمن دب ودرج. وتفقه بالأوزاعي. وكان مشهورا بالتدليس كالوليد بن مسلم. وقال ابن معين: إذا روى عن ثقة فهو حجة. وقال بقية: قال لي شعبة: إني لأسمع منك أحاديث لو لم أسمعها لطرت.

وفيها شعيب بن حرب المدائني الزاهد أحد علماء الحديث. روى عن مالك بن مغول وطبقته. قال الطبيب بن إسماعيل: دخلنا عليه وقد بنى له كوخا، وعنده خبز يابس يبله ويأكل، وهو جلد وعظم. وقال الإمام أحمد بن حنبل: حمل على نفسه في الورع.

وفيها شيخ الإقراء بالديار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري ورش، صاحب نافع. وله سبع وثمانون سنة.

وفيها محمد بن فليح بن سليمان المدني. روى عن هشام بن عروة وطبقته.

وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعاني. أخذ عن معمر. وابن جريح، وجماعة. قال ابن معين: هو أثبت بن عبد الرزاق في ابن جريج.

وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح الرؤاسي في المحرم، راجعا من الحج بفيد، وله سبع وستون سنة. روى عن الأعمش وأقرانه. قال ابن معين: كان وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه. وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع. وقال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد، فخرج وكيع فقالوا: هذا راوية سفيان. قال: إن شئتم أرجح من سفيان. وقال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم القرآن فيه كل ليلة. وقال الإمام بن أحمد: ما رأت عيني مثل وكيع قط. وقال ابن معين: ما رأيت أفضل من وكيع. كان يحفظ حديثه، ويقوم الليل. ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة. قال: وكان يحيى القطان يفتي بقوله أيضا.

سنة ثمان وتسعين ومائة

في المحرم ظفر طاهر بن الحسين بعد أمور يطول شرحها بالأمين. فقتله ونصب رأسه على رمح. وكان مليحا أبيض جميل الوجه طويل القامة. عاش سبعا وعشرين سنة. واستخلف ثلاث سنين وأياما، وخلع في رجب سنة ست وتسعين. وحارب سنة ونصفا وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور. وكان مبذرا للأموال قليل الرأي كثير اللعب، لا يصلح للخلافة. سامحه الله ورحمه.

وفيها توفي أول رجب شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي، مولاهم، الكوفي الحافظ نزيل مكة. وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز. وقال ابن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث. ولم يكن له كتب. وقال فهر بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة. توفي سنة سبع، وهذا هو الصحيح.

وفي جمادى الآخرة الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي الحافظ. أحد أركان الحديث بالعراق. وله ثلاث وستون سنة. روى عن هشام الدستوائي وخلق. وأول طلبه سنة نيف وخمسين ومائة. فكتب عن صغار التابعين كأيمن بن نائل وغيره. قال الإمام أحمد بن حنبل: هو أفقه من القطان وأثبت من وكيع. وقال ابن المديني: كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس. لو حلفت. لحلفت بين الركن والمقام أني لم أر أعلم منه. قلت: وكان أيضا رأسا في العبادة رحمه الله.

وفي شوال الإمام أبو يحيى معن بن عيسى المدني القزاز، صاحب مالك. روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة. وكان حجة، صاحب حديث. قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم.

وفي صفر الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان البصري الحافظ. أحد الأعلام. وله ثمان وسبعون سنة روى عن عطاء بن السائب وحميد وخلق. قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثله. وقال ابن معين: قال لي عبد العجمان بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى لقطان. وقال بندار: اختلفت إليه عشرين سنة فما أظنه أنه عصى الله قط. وقال ابن معين: أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم في كل ليلة، ولم تفته الزوال في المسجد أربعين سنة.

وفيها أبو عبد الرحمن مسكين بن كبير الحراني. روى عن جعفر بن برقان وطبقته. وكان مكثرا تقة.

وفيها انتدب محمد بن صالح بن بيهس الكلابي أميرعرب الشام لحرب السفياني، ولمن قام معه من الأموية. وأخذ منهم دمشق. وهرب أبو العميطر السفياني في إزار بن المزة. وجرت بين أهل المزة وداريا، وبين ابن بيهس حروب ظهر فيها عليهم. واستولى على دمشق. وأقام الدعوة فيها للمأمون.

سنة تسع وتسعين ومائة

فيها فتنة ابن طباطبا العلوي. وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ظهر بالكوفة، وقام بأمره أبو السرايا السري بن منصور الشيباني. وسرع الناس إلى ابن طباطبا، وغلب على الكوفة. وكثر جيشه. فسار لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف. فالتقوا فهزم زهير واستبيح عسكره، وذلك في سلخ جمادى الآخرة. فلما كان من الغد أصبح ابن طباطبا ميتا. فقيل إن أبا السرايا سمه لكونه لم ينصفه في الغنيمة. وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن زيد بن علي الحسيني، شاب أمرد. ثم جهز الحسن بن سهل جيشا عليهم عبدوس المروذي، فالتقوا، فقتل عبدوس. وأسر عمير، وقتل خلق من جيشه. وقوي العلويون. ثم استولى أبو السرايا على واسط فسار لحربه هرثمة بن أعين. فالتقوا، فقتل خلق من أصحاب أبي السرايا، وتقهقر إلى الكوقة. ثم التقوا ثانيا وعظمت الفتنة ولا سيما بالحجاز.

وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل. روى عن ابن أبي ذيب وطبقته. وكان عابدا خاشعا يقال إنه من الأبدال.

وفيها حفص بن عبد الرحمن البلخي، ثم النيسابوري، أبو عمر قاضي نيسابور. روى عن عاصم الأحول، وأبي حنيفة وطائفة. وكان ابن المبارك يزوره ويقول: هذا اجتمع فيه الفقه والوقار والورع.

وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة، وصاحب كتاب الفقه الأكبر، وله أربع وثمانون سنة. ولي قضاء بلخ. وحدث عن ابن عون وجماعة. قال أبو داود: كان جهميا تركوا حديثه. وبلغنا أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

وفيها شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه.

وفيها عبد الله بن نمير أبو هشام الخارقي الكوفي. أحد أصحاب الحديث المشهورين. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وعاش بضعا وثمانين سنة.

وفيها عمرو بن محمد العنقزي الكوفي. والعنقز هو المرزنجوش. روى عن ابن جريج وطبقته. وكان صاحب حديث.

وفيها محمد بن شعيب بن سابور الدمشقي ببيروت. روى عن عروة ابن رويم وطبقته. وكان من عقلاء المحدثين وعلمائهم المشهورين.

وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشيباني الكوفي الحافظ صاحب المغازي. روى عن الأعمش وخلق. قال ابن معين: صدوق.

وفيها وقيل في التي تليها سيار بن حاتم العنزي البصري. صاحب القصص والرقائق، وراوية جعفر بن سليمان الضبعي. وثقه ابن حبان.

سنة مائتين من الهجرة

في أولها هرب أبو السرايا والعلويون بن الكوفة إلى القادسية وضعف سلطانهم. فدخل هرثمة الكوفة وأمن أهلها. ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا وبمحمد بن محمد العلوي، فأمر الحسن بن سهل فقتل أبو السرايا في ربيع الأول، وبعث بمحمد إلى المأمون.

وخرج بالبصرة خارجي وبالحجاز آخر. فلم تقم لهما قائمة بعد فتن وحروب.

وفيها طلب لمأمون هرثمة بن أعين. فشتمه وضربه وحبسه. وكان الفضل بن سهل الوزير يبغضه، فقتله في الحبس سرا.

وفيها أحصي ولد العباس رضي الله عنه فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألف نسمة.

وفيها قتلت الروم عظيمهم اليون. وكانت أيامه سبع سنين ونصفا. وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب.

وفيها توفي أسباط بن محمد أبو محمد الكوفي. وكان ثقة صاحب حديث روى عن الأعمش وطبقته.

وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني. وله ست وتسعون سنة. روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته. وكان مكثرا صدوقا.

وفيها سلم بن قتيبة بالبصرة. روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته. وأصله خراساني.

وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري. روى عن ثور بن يزيد وابن عون.

وفيها عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي. ولد سنة ثماني عشرة ومائة. وقرأ القران على الذماري. وحدث عن جماعة. وكان من ثقات الشاميين.

وفيها قتادة بن الفضل الرهاوي. رحل وسمع من الأعمش وعدة.

وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الدؤلي، مولاهم، المدني الحافظ. روى عن سلمة بن ودان وطبقته. وكان كثير الحديث.

وفيها أبو عبد الله أمية بن أسد بن خالد أخو هدية. روى عن شعبة والثوري.

وفيها صفوان بن عيسى القسام بالبصرة. روى عن يزيد بن أبي عبيد وطبقته.

وفيها محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن التل. روى عن فطر بن خليفة وطبقته.

وفيها في صفر محمد بن حمير السليحي محدث حمص. روى عن محمد ابن زياد الألهاني وطائفة. وثقه ابن معين ودحيم.

وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبي. روى عن جعفر بن برقان وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان.

وفيها معاد بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي. روى عن أبيه، وابن عون. وطائفة. وكان صاحب حديث له أوهام يسيرة.

وفيها المغيرة بن سعيد بن سلمة المخزومي بالبصرة. قال ابن المديني: ما رأيت قرشيا أفضل منه، ولا أشد تواضعا. أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل. قلت: روى عن القاسم بن الفضل الحداني وطبقته.

وفيها القاضي أبو البختري وهب بن وهب القرشي المدني، ببغداد. وكان جوادا محتشما. روى عن هشام بن عروة وطائفة. واتهم بالكذب.

وفيها على الصحيح القدوة الزاهد معروف الكرخي أبو محفوظ. صاحب الأحوال والكرامات.

سنة إحدى ومائتين

فيها عهد المأمون إلى علي موسى الرضا العلوي. فعهد إليه بالخلافة من بعده. وأمر الدولة بترك السواد ولبس الخضرة. وأرسل من العراق بهذا. فعظم هذا على بني العباس الذين ببغداد. ثم خرجوا عليه وأقاموا منصور بن المهدي. ولقبوه بالمرتضى. فضعف عن الأمر وقال: إنما أنا خليفة المأمون. فتركوه وعدلوا إلى أخيه بن إبراهيم بن المهدي الأسود. فبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمبارك. وخلعوا المأمون. وجرت بالعراق حروب شديدة وأمور مزعجة.

وفيها أول ظهور بابك الخرمي فعاث وأفسد. وكان يقول بالتناسخ.

وفيها توفي أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي الحافظ، مولى بني هاشم، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن الأعمش والكبار. قال الإمام أحمد: ما كان أثبته، لا يكاد يخطىء.

وفيها حماد بن مسعدة بالبصرة. روى عن هشام بن عروة وعدة. وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها حرمي بن عمارة بن أبي حفصة البصري. روى عن قرة بن خالد وشعبة.

وفيها سعد بن إبراهيم سعد الزهري العوفي. قاضي واسط. سمع أباه وابن أبي ذئب.

وفيها علي بن عاصم أبو الحسن الواسطي، محدث واسط. وله بضع وتسعون سنة. روى عن حصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب، والكبار. وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا. قال وكيع: أدركت الناس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط. وضعفه غير وحد لسوء حفظه. وكان إماما ورعا صالحا جليل القدر.

وفيها قتل المسيب بن زهير أكبر قواد المأمون. وضعف أمر الحسن بن سهل بالعراق، وهزم جيشه مرات. ثم ترجح أمره. وحاصل القصة أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات حتى كادت تتداعى بالخراب. وجلا خلق من أهلها عنها بالنهب والسبي والغلاء وخراب الدور.

وفيها يحيى بن عيسى النهشلي الكوفي الفاخوري بالرملة. روى عن الأعمش وجماعة. وهو حسن الحديث.

سنة اثنتين ومائتين

فيها توفي على الصحيح، ضمرة بن ربيعة في رمضان بفلسطين روى عن الأوزاعي وطبقته وكان من العلماء المكثرين.

وفيها أبو بكر بن أبي أويس المدني أخو اسماعيل. واسمه عبد الحميد الأعمش روى عن ابن أبي ذئب وسليمان بن بلال وطائفة.

وفيها أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي. روى عن الأعمش وجماعة. قال أبو داود: كان داعية إلى الإرجاء.

وفيها أبو حفص عمرو بن شبيب المسلي الكوفي. روى عن عبد الملك بن عمير والكبار. قال النسائي: ليس بالقوي.

وفيها يحيى بن المبارك اليزيدي المقرئ النحوي اللغوي، صاحب التصانيف الأدبية. وتلميذ أبي عمرو بن العلاء. وله أربع وسبعون سنة. وهو بصري نزل بغداد.

وفيها الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون. قتله بعض أعدائه في حمام بسرخس. فانزعج المأمون وتأسف عليه. وقتل به جماعة. وكان من مسلمة المجوس.

سنة ثلاث ومائتين

فيها استوثقت الممالك للمأمون، وقدم بغداد في رمضان في خراسان واتخذها سكنا.

وفيها توفي أزهر بن سعد السمان. أبو بكر البصري. روى عن سليمان التيمي وطبقته. وعاش أربعا وتسعين سنة.

وفيها في ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفي مولاهم، الكوفي المقرئ الحافظ. روى عن الأعمش وجماعة. قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه ومن سعد بن عامر الضبعي. وقال يحيى بن يحيى النيسابوري. إن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي. قلت: كان مع تقدمه في العلم رأسا في الزهد والعبادة.

وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري الفقيه. رحل وأخذ عن مالك بن مغول وطبقته. وقرأ القرآن على الكسائي. وكان كثير الغزو والجهاد والكرم.

وفيها خزيمة بن حازم الخراساني الأمير. أحد القواد الكبار العباسية.

وفيها زيد بن الحباب أبو الحسين الكوفي سمع مالك بن مغول وخلق كبيرا. كان حافظا صاحب حديث، واسع الرحلة صابرا على الفقر والفاقة.

وفيها عثمان بن عبد الرحمن الحراني الطرائفي. وكان يبيع طرائف الحديث فقيل له الطرائفي روى عن هشام بن حبان وطبقته. وهو صدوق.

وفيها، في صفر، علي بن موسى الرضا الإمام أبو الحسن الحسيني بطوس، وله خمسون سنة. وله مشهد كبير بطوس يزار. روى عن أبيه موسى الكاظم، عن جده جعفر بن محمد الصادق.

وفيها أبو داود الحفري عمر بن سعد بالكوفة. روى عن مالك بن مغول ومسعر. وكان من عباد المحدثين. قال أبو حمدون المقري: لما مات دفناه وتركنا بابه مفتوحا. ما خلف شيئا. وقال ابن المديني: ما رأيت بالكوفة أعبد منه. وقال وكيع: إن كان يدفع البلاء بأحد في زماننا فبأبي داود الحفري.

وفيها عمرو بن عبد الله بن رزين السلمي النيسابوري. رحل وسمع محمد ابن إسحاق وطبقته. قال سهل بن عمار: لم يكن بخراسان أنبل منه.

وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي. روى عن عكرمة بن عمار وجماعة. وكان ثقة مكثرا.

وفيها محمد بن بكر البرساني بالبصرة. روى عن ابن جريج وطبقته، وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء.

وفيها محمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ. روى عن الأعمش وطبقته. قال أبو داود: هو أحفظ من كان بالكوفة في وقته.

وفيها أبو أحمد الزبيري، محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي، مولاهم، الكوفي. روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته. قال أبو حاتم: كان ثقة حافظا عابدا مجتهدا، له أوهام.

وفيها أبو جعفر محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الحسيني المدني، الملقب بالديباج. روى عن أبيه. وكان قد خرج بمكة سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه، وأرسل إلى المأمون. فمات بجرجان. ونزل المأمون في لحده. وكان عاقلا شجاعا يصوم يوما ويفطر يوما يقال إنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم واحد فمات فجأة.

وفيها مصعب بن المقدام الكوفي. روى عن ابن جريج وجماعة.

وفيها النصر بن شميل الإمام أبو ابن المازني البصري النحوي نزيل مرو روى عن حميد، وهشام بن عروة، والكبار. وكان رأسا في الحديث. رأسا في اللغة والنحو. ثقة. صاحب سنة. توفي في آخر يوم من سنة ثلاث ودفن في أول سنة أربع من الغد. وعاش ثمانين سنة.

وفيها الوليد بن القاسم الهمداني الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته. وكان ثقة.

وفيها أبو العباس الوليد بن يزيد العذري البيروتي صاحب الأوزاعي.

وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرئ الحافظ الفقيه أخذ القراءة عن أبي بكر عياش، وسمع بن يونس بن أبي إسحاق. وفطر ابن خليفة. وهذه الطبقة. وصنف التصانيف. قال أبو أسامة: كان بعد الثوري في زمانه يحيى بن آدم. وقال أبو داود: يحيى بن آدم واحد الناس. وذكره ابن المديني فقال: رحمه الله أي أعلم كان عنده.

سنة أربع ومائتين

فيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي بمصر، وله أربع وخمسون سنة. أخذ عن مالك ومسلم بن خالد ابن الزنجي وطبقتهما. وكان مولده بغزة، ونقل إلى مكة. وله سنتان. قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته. وقال الزعفراني. كان خفيف العارضين يخضب بالحناء. وكان حاذقا بالرمي يصيب تسعة من العشرة. وقال الشافعي: استعملت اللبان سنة للحفظ فأعقبني صب الدم سنة. قال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي. وقال إسحاق بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله. قال: فأقامني على الشافعي. وقال أبو ثور الفقيه: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى مثل نفسه. وقال الشافعي: سميت ببغداد ناصر الحديث. وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ. وقال الشافعي: ما شيء أبغض إلي من الرأي وأهله.

وفيها قاضي ديار مصر إسحاق بن الفرات أبو نعيم التجيبي، صاحب مالك. قال الشافعي: ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من إسحاق بن الفرات رحمه الله. وقد روى إسحاق أيضا عن حميد بن هانئ والليث بن سعد وغيرهما.

وفيها في ثامن عشر شعبان فقيه الديار المصرية أشهب بن عبد العزيز، أبو عمرو العامري صاحب مالك، وله أربع وستون سنة. وكان ذا مال وحشمة وجلالة. قال الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه بن أشهب لولا طيش فيه. وكان محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم صاحب أشهب يفضل أشهب على ابن القاسم.

وفيها الإمام أبو علي الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، قاضي الكوفة وصاحب أبي حنيفة. وكان يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث.

قلت: لم يخرجوا له في الكتب الستة لضعفه. وكان رأسا في الفقه.

وفيها الإمام أبو داود الطيالسي. واسمه سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند. وكان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث. قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: هو أصدق الناس. قال: كتبت عن ألف شيخ منهم ابن عون وطبقته.

وفيها شجاع بن الوليد أبو بدر السكوني الكوفي. كان من صلحاء المحدثين وعلمائهم. روى عن الأعمش والكبار. قال سفيان الثوري: ليس بالكوفة أعبد من شجاع بن الوليد.

وفيها أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، أخو أبو علي الحنفي. بصري مشهور صاحب حديث. روى عن خثيم بن عراك وجماعة.

وفيها أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء الخفاف. بصري صاحب حديث وإتقان. سمع من حميد وخالد الحذاء وطائفة.

وفيها، وقيل سنة ست، هشام بن محمد بن السائب الكلبي الأخباري النسابة صاحب كتاب الجمهرة في النسب. وتصانيفه تزيد على مائة وخمسين تصنيفا في التاريخ والأخبار. وكان حافظا علامة، إلا أنه متروك الحديث، فيه رفض. روى عن أبيه وعن مجاهد بن سعيد وغيرهما.

سنة خمس ومائتين

فيها توفي إسحاق بن منصور السكوني الكوفي. روى عن إسرائيل وطبقته.

وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدمشقي ثم التنيسي، محدث تنيس. حدث بن الأوزاعي وجماعة.

وفيها في جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسي البصري الحافظ. روى عن ابن عون وابن جريج وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك. وعمر دهرا.

وفيها الزاهد القدوة أبو سليمان الداراني العنسي أحد الأبدال. وكان عديم النظير زهدا وصلاحا. وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ.

وفيها أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو البصري، أحد الثقات المكثرين. روى عن هشام الدستوائي وأقرانه.

وفيها محمد بن عبيد الطنافسي الكوفي الحافظ. سمع هشام بن عروة، والكبار. قال ابن سعد: كان ثقة صاحب سنة.

وفيها قارئ أهل البصرة أبو محمد يعقوب بن إسحاق الحضرمي مولاهم المقرئ النحوي. أحد الأعلام. قرأ على أبي المنذر سلام الطويل، ويسمع من شعبة وأقرانه. تصدر للإقراء والحديث، وحمل عنه خلق.

سنة ست ومائتين

فيها كان المد الذي غرق منه السواد وذهبت الغلات.

وفيها نكث بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد.

وفيها استعمل المأمون على محاربة نصر بن شبيب، عبد الله بن طاهر وولاه الديار المصرية. واستعمل على بغداد ابن عمه إسحاق بن إبراهيم الخزاعي فوليها مدة طويلة. وهو الذي كان يمتحن الناس بخلق القرآن في أيام المأمون والمعتصم والواثق. وولي بعده ابنه محمد.

وفي رجب سنة ست توفي أبو حذيفة إسحاق بن بشر البخاري صاحب المسند روى عن إسماعيل بن أبي خالد، وابن جريج، والكبار فأكثر وأغرب، وأتى بالطامات، فاتهموه وتركوه. وفي ربيع الأول حجاح بن محمد المصيصي الأعور، صاحب ابن جريج، وأحد الحفاظ. قال الإمام أحمد: ما كان أصح حديثه وأضبطه وأشد تعاهده للحروف.

وفيها شبابة بن سوار المدائني الحافظ. روى عن ابن أبي ذئب وطبقته، وكان ثقة مرجئا.

وفيها، في رمضان، عبد الله بن نافع المدني الصائغ الفقيه، صاحب مالك. روى عن زيد بن أسلم وطائفة. قال أحمد بن صالح: كان أعلم الناس برأي مالك وحديثه. وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأي مالك. ومفتي المدينة.

وفيها محاضر بن المورع الكوفي. روى عن عاصم الأحول وطبقته. وهو صدوق. قال الإمام أحمد: كان مغفلا جدا.

وفيها قطرب النحوي صاحب سيبويه. وهو أبو علي محمد بن المستنير البصري. وله عدة تصانيف في العربية. منها المثلث المشهور.

وفيها مؤمل بن إسماعيل في رمضان بمكة. وكان من ثقات البصريين. روى عن شعبة والثوري.

وفيها أبو العباس وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري الحافظ. أكثر عن أبيه وابن عون وعدة.

وفيها الإمام ابن الرباني يزيد بن هارون، أبو خالد الواسطي الحافظ. روى عن عاصم الأحول والكبار. قال علي بن المديني: ما رأيت رجلا قط أحفظ من يزيد بن هارون. وقال يحيى بن يحيى التميمي: هو أحفظ من وكيع. وقال علي بن شعيب السمسار: سمعت يزيد بن هارون يقول: أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها، ولا فخر. وقال أحمد بن سنان القطان: كان هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار. وقال يحيى بن أبي طالب: سمعت من زيد بن هارون ببغداد وكان يقال إن في مجلسه سبعين ألفا.

سنة سبع ومائتين

فيها توفي طاهر بن الحسين فجأة على فراشه، وحم ليلة. وكان في تلك الأيام قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج عليه، فأتى الخبر إلى المأمون بأنه خلعه، فما أمسى حتى جاءه الخبر بموته. وقام بعده ابنه طلحة، فأقره المأمون على خراسان، فوليها سبع سنين. وبعده ولي أخوه عبد الله.

وفي شعبان توفي قاضي البصرة يزيد بن عمر الزهراني، أبو محمد. روى عن شعبة وعكرمة بن عمار وكان من الثقات الجلة.

وفي أولها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي العمري الكوفي. من نيف وتسعين سنة. سمع من الأعمش، وإسماعيل ابن أبي خالد. والكبار. قال أبو حاتم: صدوق.

وطاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق الأمير، أبو طلحة الخزاعي ذو اليمينين. كان من رجال الدهر حرما وعزما وشجاعة ورأيا. ندبه المأمون لمحاربة أخيه الأمين فظفر به وقتله وما غمه، وبقي في نفس المأمون سنة. وبعثه على خراسان فهم على أن يخرح فبغته الأجل. وكان مع كمال رجوليته فصيحا خطيبا سيدا مهيبا جوادا ممدحا. مات في جمادى الأولى.

وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي التنوري أبو سهل. روى عن أبيه وهشام الدستوائي. وشعبة. وكان ثقة صاحب حديث.

وعمر بن حبيب العدوي البصري، في أول السنة. روى عن حميد الطويل، ويونس بن عبيد، وجماعة. قال ابن عدي: هو مع ضعفه حسن الحديث. قلت: ولي قضاء الشرقية للمأمون.

وقراد أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي. توفي ببغداد وحدث عن عوف وشعبة وطائفة. قال الإمام أحمد بن حنبل: كان عاقلا من الرجال. وقال ابن المديني: ثقة. وقال ابن معين: ليس به بأس.

وكثير بن هشام الكلابي الرقي رواية جعفر بن برقان. توفي ببغداد في شعبان.

ومحمد بن عبد الله بن كناسة. أبو يحيى الكوفي النحوي الأخباري. سمع هشام بن عروة. والأعمش. ومات في شوال على الصحيح.

والواقدي قاضي بغداد. أبو عبد الله محمد بن عمرو بن واقد السلمي المدني العلامة. أحد أوعية العلم. روى عن ثور بن يزيد وابن جريج وطبقتهما. وكان يقول: حفظي أكثر من كتبي. وقد تحول مرة وكانت كتبه مائة وعشرين حملا. ضعفه الجماعة.

أبو النضر بن القاسم بن الخراساني. اقتضى ترك بغداد. وكان حفظا قوالا بالحق. سمع شعبة وابن أبي ذئب وطبقتهما. وثقه جماعة.

والهيثم بن عدي، أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي المؤرخ الأخباري. روى عن مجالد وابن إسحاق وجماعة. وهو متروك.

والفراء يحيى بن زياد الكوفي النحوي: نزل بغداد وحدث في مصنفاته عن قيس بن الربيع وأبي الأحوص. وهو أجل أصحاب الكسائي. وكان رأسا في النحو واللغة.

سنة ثمان ومائتين

فيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعي إلى كرمان فخرج بها. فسار لحربه أحمد بن أبي خالد. فظفر به، وأتى به إلى المأمون فعفا عنه.

وفيها توفي الأسود بن عامر شاذان، أبو عبد الرحمن، ببغداد. روى عن هشام بن حبان وشعبة وجماعة.

وسعد بن عامر الضبعي، أبو محمد البصري. أحد الأعلام في العلم والعمل. روى عن يونس بن عبيد وسعد بن أبي عروبة وطائفة. قال الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه. توفي في شوال.

وعبد الله بن أبي بكر السهمي الباهلي، أبو وهب البصري. روى عن حميد الطويل وبهز بن حكيم وطائفة. وكان ثقة مشهورا. توفي في المحرم ببغداد.

والفضل بن الربيع بن يوسف الأمير حاجب الرشيد وابن حاجب المنصور. هو الذي قام بأعباء خلافة الأمين، ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين. توفي في ذي القعدة.

والقاسم بن الحكم العرني الكوفي قاضي همذان. روى عن زكريا ابن أبي زائدة وأبي حنيفة وجماعة. وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه.

وقريش بن أنس البصري. روى عن حميد، وابن عون، وجماعة. وقال النسائي: ثقة، إلا أنه تغير. قلت: مات في رمضان.

ومحمد بن مصعب القرقساني. روى عن الأوزاعي وإسرائيل. ضعفه النسائي وغيره.

والسيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسنية، صاحبة المشهد بمصر. ولي أبوها إمرة المدينة للمنصور، ثم حبسه دهرا. ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق. توفيت في شهر رمضان.

ويحيى بن حسان التنيسي، أبو زكريا. روى عن معاوية بن سلام وحماد بن سلمة وطائفة. وكان إماما حجة من جلة المصريين. توفي في رجب.

ويحيى بن أبي بكير العبدي الكوفي. قاضي كرمان. حدث عن شعبة وأبي جعفر الرازي، والكبار. وثقه ابن معين وغيره.

ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري بن العوفي المدني، نزيل بغداد. سمع أباه وعاصم بن محمد العمري والليث بن سعد. وكان إماما ورعا كبير القدر.

ويونس بن محمد البغدادي المؤدب الحافظ. روى عن شيبان وفليح بن سليمان وطائفة. توفي في صفر.

سنة تسع ومائتين

طال القتال بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبيب العقيلي إلى أن حصره في قلعة ونال منه. فطلب نصر الأمان. فكتب له المأمون أمانا وبعثه إليه. فنزل وهدم الحصن.

وفيها توفي الحسن بن موسى الأشيب، أبو علي البغدادي، قاضي طبرستان، بعد قضاء الموصل. روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة. وكان ثقة مشهورا.

وحفص بن عبد الله السلمي، أبو عمرو النيسابوري. قاضي نيسابور. سمع مسعرا ويونس بن أبي إسحاق. وأكثر عن إبراهيم بن طهمان ومكث عشرين سنة يقضي بالآثار. وكان صدوقا.

وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد البصري. روى عن قرة بن خالد ومالك بن مغول وطائفة.

وعثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري، الرجل الصالح. روى عن ابن عون وهشام بن حبان ويوسف بن يزيد وطائفة. توفي في ربيع الأول بالبصرة.

ويعلى بن عبيد الطنافسي، أبو يوسف الكوفي. روى عن الأعمش ويحيى بن سعيد الأنصاري والكبار. فعن أحمد بن يونس قال: ما رأيت أفضل منه. وكان يريد بعلمه رحمة الله تعالى.

سنة عشر ومائتين

فيها كان بناء المأمون ببوران بواسط، وأقام بضعة عشر يوما. فقام أبوها الحسن بن سهل بمصالح الجيش تلك الأيام. فغرم خمسين ألف ألف درهم. وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدنيا.

وفيها توفي أبو عمرو الشيباني إسحاق بن مرار الكوفي اللغوي صاحب التصانيف، وله تسعون سنة وكان ثقة علامة خيرا صادقا فاضلا.

والحسن بن محمد بن أعين الحراني أبو علي، مولى بني أمية. روى عن فليح بن سليمان زهير بن معاوية وطائفة.

وعلي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين العلوي الحسيني. روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثوري. وكان من جلة السادة الأشراف.

ومحمد بن صالح بن بيهس الكلابي، أمير عرب الشام وسيد قيس وفارسها وشاعرها، والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له حتى شتت جموعه. فولاه المأمون دمشق.

ومروان بن محمد الطاطري، أبو بكر الدمشقي. صاحب سعيد بن عبد العزيز. كان إماما صالحا خاشعا من جلة الشاميين.

وأبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي العلامة الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء. وكان أحد أوعية العلم. وقيل توفي سنة إحدى عشرة.

سنة إحدى عشرة ومائتين

فيها أمر المأمون فنودي برئت الذمة من ذكر معاوية بخير، وأن أفضل الخلق بعد النبي ﷺ علي رضي الله عنه.

وفيها توفي أبو الجواب أحوص بن جواب الكوفي. روى عن يونس ابن أبي إسحاق وسفيان الثوري وجماعة.

وفيها أبو العتاهية الشاعر المشهور واسمه إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي ببغداد.

وفيها أبو زيد الهروي سعد بن الربيع البصري. وكان يبيع الثياب الهروية. روى عن قرة بن خلد وطائفة.

وفيها طلق بن غنام النخعي الكوفي، كاتب حكم شريك القاضي. روى عن مالك بن مغول وطبقته. وهو والذي قبله أقدم من مات من شيوخ البخاري.

وفيها عبد الله بن صالح العجلي الكوفي المقرئ المحدث، والد الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي نزيل المغرب. قرأ عبد الله القرآن على حمزة، وسمع عن إسرائيل وطبقته. وأقرأ وحدث ببغداد.

وفيها عبد الرزاق بن همام، العلامة الحافظ أبو بكر الصنعاني صاحب المصنفات. روى عن معمر وابن جريح وطبقتهما، ورحل الأئمة إليه إلى اليمن، وله أوهام مغمورة في سعة علمه. عاش بضعا وثمانين سنة، وتوفي في شوال.

وفيها علي بن الحسين بن واقد، محدث مرو وابن محدثها. روى عن أبيه وعن أبي حمزة الكوفي.

وفيها معلى بن منصور الرازي الفقيه نزيل بغداد. روى عن الليث بن سعد وغيره. روي أنه كان يصلي. فوقع عليه كور الزنابير فأتم صلاته. فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من الانتفاح.

سنة اثنتي عشرة ومائتين

فيها جهز المأمو ن جيشا عليهم محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك الخرمي.

وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن ما أظهر في العام الماضي من التشيع. فاشمأزت منه القلوب وقدم دمشق، فصام بها رمضان، ثم حج بالناس.

وفيها توفي الحافظ أسد بن موسى الأموي نزيل مصر، ويقال له أسد السنة. روى عن شعبة وطبقته. ورحل في طلب الحديث وصنف التصانيف.

وفيها الفقيه أبو حيان إسماعيل بن حماد بن الإمام أبي حنيفة. روى عن مالك بن مغول وجماعة. وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد، وولي قضاء البصرة وكان موصوفا بالزهد والعبادة والعدل في الأحكام.

وفيها الحسين بن حفص الهمداني. قاضي أصبهان ومفتيها. أكثر عن سفيان الثوري وغيره. وكان دخله في العام مائة ألف درهم، فما وجبت عليه زكاة.

وفيها المحدث خلاد بن يحيى الكوفي بمكة. روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وهو من كبار شيوخ البخاري.

وفيها زكريا بن عدي الكوفي. روى عن جعفر بن سليمان وطائفة. قال ابن عوف: ما كنت عن أحد أفضل منه. قلت: حديثه في الصحيحين.

وفيها أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني الحافظ محدث البصرة. توفي في ذي الحجة وقد نيف على التسعين. سمع من يزيد بن أبي عبيد. وجماعة من التابعين وكان واسع العلم، ولم ير في يده كتاب قط. قال عمر بن شبة: والله ما رأيت مثله. وقال البخاري: سمعت أبا عاصم يقول: ما اغتبت أحدا قط منذ عقلت أن الغيبة حرام.

وفيها أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاح الخولاني الحمصي. سمع الأوزاعي وطبقته. أدركه البخاري.

وفيها الفقيه أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون صاحب مالك. وكان فصيحا مفوها. وعليه دارت الفتيا في زمانه بالمدينة.

وفيها مفتي الأندلس عيسى بن دينار الغافقي صاحب ابن القاسم. وكان صالحا ورعا مجاب الدعوة، متقدما في الفققه على يحيى بن يحيى.

وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف الفريابي الحافظ، في أول السنة بقيسارية. أكثر عن الأوزاعي والثوري. أدركه البخاري، ورحل إليه الإمام أحمد، فلم يدركه، بل بلغه موته بحمص.

سنة ثلاث عشرة ومائتين

فيها توفي أسد بن الفرات الفقيه. أبو عبد الله المغربي، صاحب مالك وصاحب المسائل الأسدية التي كتبها أبي القاسم.

وفيها خالد بن مخلد القطواني، أحد الحفاظ بالكوفة. رحل وأخذ عن مالك وطبقته. قال أبو داود: صدوق شيعي.

وفيها عبد الله بن داود الخريبي، الحافظ الزاهد. سمع الأعمش والبكار، وكان بن أعبد أهل زمانه. توفي بالكوفة في شوال، وقد نيف على التسعين.

وفيها أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، شيخ مكة وقارئها ومحدثها. روى عن ابن عون والكبار، ومات في عشر المائة. وأقرأ القرآن سبعين سنة.

وفيها عمرو بن عاصم الكلابي. روى عن طبقة شعبة.

وفيها عبيد الله بن موسى العنسي الكوفي، الحافظ. روى عن هشام بن عروة والكبار. وقرأ على حمزة. وكان إماما في الحديث والفقه والقرآن. موصوفا بالعبادة والصلاح. لكنه من رؤوس الشيعة.

وفيها عمرو بن أبي سلمة التنيسي الفقيه. وأصله دمشقي. روى عن الأوزاعي وطبقته.

وفيها محمد بن سابق البغدادي. روى عن مالك بن مغول وجماعة. وقيل توفي في السنة الآتية.

وفيها محمد بن عرعرة بن البرند الشامي المصري. روى عن شعبة وطائفة. توفي في شوال.

وفيها الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ، نزيل أنطاكية. روى عن جرير وطبقته، وكان من صلحاء المحدثين وأثباتهم.

وفيها يعقوب بن محمد الزهري الفقيه الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته. وهو ضعيف يكتب حديثه.

سنة أربع عشرة ومائتين

فيها التقى محمد بن حميد الطوسي وبابك الخرمي. فهزمهم بابك وقتل الطوسي.

وفيها وجه عبد الله بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان. وأعطاه المأمون خمس مائة ألف دينار.

وفيها توفي أحمد بن خالد الذهبي بن الحمصي، راوي المغازي عن ابن إسحاق. وكان مكثرا حسن الحديث.

وفيها أبو أحمد الحسين بن محمد المروزي المؤدب ببغداد. وكان من حفاظ الحديث. روى عن ابن أبي ذئب وسفيان وخلق.

وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد المصري، وله ستون سنة. وكان من جلة أصحاب مالك. أفضت إليه رئاسة مصر بعد أشهب. وقيل إنه وصل الشافعي بألف دينار، وله مصنفات في الفقه. وهو مدفون إلى جنب الشافعي.

وفيها أبو عمرو معاوية بن عمرو الأزدي بن البغدادي الحافظ المجاهد. روى عن زائدة وطبقته. وأدركه البخاري. وكان بطلا شجاعا معروفا بالإقدام والرباط.

سنة خمس عشرة ومائتين

فيها دخل المأمون من درب المصيصة إلى الروم، وافتتح حصن قرة عنوة، وتسلم ثلاثة حصون بالأمان، ثم قدم دمشق.

وفيها توفي الحافظ إسحاق بن عيسى بن الطباع البغدادي، نزيل أدنة. سمع الحمادين وطائفة.

وفيها مفتي أهل بلخ أبو سعيد خلف بن أيوب العامري صاحب أبي يوسف. سمع من عوف الأعرابي وجماعة من الكبار. وكان زاهدا قدوة. روى عن يحيى بن معين والكبار.

وفيها العلامة أبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس الأنصاري اللغوي. وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل والكبار. وصنف التصانيف. وقال بعض العلماء: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة، وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة. وكان صدوقا صالحا.

وفيها محمد بن عبد الله الأنصاري أبو عبد الله، قاضي البصرة وعالمها ومسندها. سمع سليمان التيمي وحميدا والكبار. وعاش سبعا وتسعين سنة. وهو من كبار شيوخ البخاري.

وفيها محمد بن المبارك الصوري، أبو عبد الله الحافظ صاحب سعيد بن عبد العزيز. قال يحيى بن معين: كان شيخ دمشق بعد أبي مسهر. وقال أبو داود: كان رجل السنة بعد أبي مسهر.

وفيها أبو السكن مكي بن إبراهيم البلخي الحافظ. روى عن هشام بن حبان والكبار. وهو آخر من روي من الثقات عن يزيد بن أبي عبيد. عاش نيفا وتسعين سنة. وهو من كبار شيوخ البخاري.

وفيها أبو عامر قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي العابد، أحد الحفاظ. روى عن قطر بن خليفة وطبقته. فأكثر عن الثوري. قال إسحاق بن سيار: ما رأيت شيخا أحفظ منه. وقال آخر: كان يقال له زاهد أهل الكوفة. وكان هناد بن السري إذا ذكره دمعت عيناه وقال: الرجل الصالح.

وفيها محدث مرو علي بن الحسن بن سفيان روى عن أبي حمزة السكري وطائفة. وكان حافظا كثير العلم. كتب الكثير حتى كتب التوراة والإنجيل وجادل اليهود.

وفيها يحيى بن حماد البصري الحافظ، ختن أبي عوانة. سمع شعبة وطبقته.

سنة ست عشرة ومائتين

فيها غزا المأمون فدخل الروم، وأقام بها ثلاثة أشهر، وافتتح أخوه عدة حصون. وأغار جيشه فغنموا وسبوا، ثم رجع إلى دمشق، ودخل الديار المصرية.

وفيها توفي حبان بن هلال البصري الحافظ. روى عن شعبة وطبقته. قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. توفي في رمضان. وكان قد امتنع من التحديث قبل موته بأعوام.

وفيها الحسن بن سوار، أبو العلاء البغوي ببغداد. روى عن عكرمة بن عمار وأقرانه وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها عبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني الفقيه. روى عن هلال وجماعة. ووصفه الزبير بن بكار بالفقه والعبادة والصوم رحمه الله.

وفيها عبد الصمد بن نعمان البزاز. روى عن عيسى بن طهمان وطبقته. وكان أحد الثقات. ولم تقع له رواية في الكتب الستة.

وفيها الأصمعي العلامة، وهو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي البصري اللغوي الأخباري. سمع ابن عون والكبار. وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء. وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته. وعاش ثمانيا وثمانين سنة. له عدة مصنفات.

وفيها قاضي دمشق أبو عبد الله محمد بن بلال العاملي. أخذ عن سعيد بن عبد العزيز وطبقته. وكان من العلماء الثقات.

وفيها محمد بن سعيد بن سابق الرازي، محدث قزوين. روى عن أبي جعفر الرازي وطبقته.

وفيها محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي. روى عن الأوزاعي ومعمر. وكان محدثا حسن الحديث.

وفيها هوذة بن خليفة الثقفي البكراوي البصري الأصم وله إحدى وتسعون سنة. روى عن يونس وعقبة وسليمان التيمي والكبار. قال الإمام أحمد: ما كان أضبطه عن عوف الأعرابي. وقال ابن معين: ضعيف.

سنة سبع عشرة ومائتين

وفي وسطها دخل المأمون بلاد الروم، فنازل لؤلؤة مائة يوم ولم يظفر بها. فترك على حصارها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه. ثم أطلقوه بعد جمعة. وأقبل عظيم الروم توفيل فأحاط بالمسلمين، فجهز المأمون نجدة وغضب وهم بغزو قسطنطينية، ثم فتر لشدة الشتاء.

وفيها كان الفناء العظيم بالبصرة حتى أتى على أكثرها فيما قيل.

وفيها توفي وقيل في التي مضت حجاج بن منهال البصري أبو محمد الأنماطي الحافظ. سمع شعبة وطائفة. وكان دلالا في الأنماط، ثقة صاحب سنة.

وفيها شريح بن النعمان الجوهري البغدادي الحافظ، يوم الأضحى. روى عن حماد بن سلمة وطبقته. وكان ثقة مبرزا.

وفيها موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله الكوفي بن الحافظ. سمع شعبة وخلقا. قال الدارقطني: كان مصنفا مكثرا مأمونا. وقال ابن عمار: كان ثقة زاهدا صاحب حديث. قلت: ولي قضاء طرسوس حتى مات.

وفيها هشام بن إسماعيل الدمشقي العطار، أبو عبد الملك الخزاعي الزاهد القدوة. روى عن إسماعيل بن عياش. وكان ثقة.

سنة ثمان عشرة ومائتين

فيها احتفل المأمون لبناء مدينة طوانة من أرض الروم، وحشد لها الصناع من البلاد وأمر ببنائها ميلا في ميل. وولى ولده العباس أمر بنائها.

وفيها امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن. وكتب في ذلك إلى نائبه ببغداد. وبالغ في ذلك. وقام في هذه البدعة قيام معتقد متعبد بها. فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه، وتوقف طائفة؛ ثم أجابوا وناظروا، فلم يلتفت إلى قولهم، وعظمت المصيبة بذلك، وهدد على ذلك بالقتل. ولم يصب أحد من علماء العراق إلا الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، فقيدا وأرسلا إلى المأمون وهو بطرسوس. فلما بلغا إلى الرقة جاءهم الفرج بموت المأمون، وعهد بالخلافة إلى أخيه المعتصم. فأمر بهدم طوانة وبنقل ما فيها وصرف أهلها إلى بلادهم.

وفيها دخل خلق من بلاد همذان إلى دين الخرمية وعسكروا. فندب المعتصم لهم أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فالتقاهم في ذي الحجة بأرض همذان فكسرهم. وقتل منهم ستين ألفا. وانهزم من بقي إلى ناحية الروم.

وفيها توفي بمصر إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه. وكان يجلس في حلقة الليث فيفتي ويحدث. قلت: لا أعلمه روى عن غير أبيه.

وفيها بشر المريسي الفقيه المتكلم. وكان داعية إلى القول بخلق القرآن. هلك في آخر السنة. ولم يشيعه أحد من العلماء. وحكم بكفره طائفة من الأئمة. روى عن حماد بن سلمة، وعاش سبعا وسبعين سنة.

وفيها عبد الله بن يوسف الحافظ أبو محمد أحد الأثبات. أصله دمشقي. سمع من سعيد بن عبد العزيز ومالك والليث.

وفيها عالم أهل الشام أبو مسهر الغساني الدمشقي عبد الأعلى بن مسهر، في حبس المأمون ببغداد، في حين محنة القرآن. سمع سعيد بن عبد العزيز وتفقه عليه. وولد سنة أربعين ومائة. وكان علامة بالمغازي والأثر، كثير العلم رفيع الذكر. قال يحيى بن معين: منذ خرجت من باب الأنبار إلى أن رجعت لم أر مثل أبي مسهر. وقال أبو حاتم: ما رأيت أصح منه، وما رأيت أحدا في كورة من الكور أعظم قدرا ولا أجل عند أهلها من أبي مسهر بدمشق، إذا خرج اصطف الناس يقبلون يده.

وفيها أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري النحوي صاحب المغازي، الذي هذب السيرة ونقلها عن البكائي صاحب ابن إسحاق. وكان أديبا أخباريا نسابة. سكن مصر وبها توفي.

وفيها في رجب مات المأمون أبو العباس محمد بن الرشيد هارون ابن المهدي محمد بن المنصور العباسي بالبدندون من أرض الروم، في العزاة بقرحة طلعت في حلقه، وله ثمان وأربعون سنة، وقد وخطه الشيب. وكان أبيض، ربعة، حسن الوجه، طويل اللحية، دقيقها، ضيق الجبين. وكان ذا رأي وعقل ودهاء وشجاعة وكرم وحلم وتضلع من العلم والآداب. سمع من هشام وغيره. وكان من أذكياء العالم، ذا همة عالية في الجهاد. وكان يقول: معاوية بعمره. وعبد الملك بحجاجه، وأنا بنفسي. وكان شيعيا جهميا نازع أخاه الأمر لما خلعه واستقل بالخلافة عشرين سنة.

وفيها محمد بن نوح العجلي ناصر السنة. حمل مقيدا مع الإمام أحمد بن حنبل متزاملين، فمرض ومات بغابة في الطريق. فوليه الإمام أحمد ودفنه. وكان في الطريق يثبت أحمد ويشجعه. قال أحمد: ما رأيت أقوم بأمر الله منه. روى عن إسحاق الأزرق، ومات شابا رحمه الله.

وفيها معلى بن أسد البصري أخو بهز بن أسد. روى عن وهيب بن الورد وطبقته. وكان ثقة.

وفيها يحيى بن عبد الله النابلسي روى عن الأوزاعي وابن أبي ذئب وطائفة.

سنة تسع عشرة ومائتين

فيها، وقيل في التي بعدها، امتحن المعتصم الإمام أحمد بن حنبل، وضرب بين يديه بالسبط حتى غشي عليه. فلما صمم ولم يجب أطلقه وندم على ضربه.

وفيها توفي علي بن عياش الألهاني الحمصي الحافظ. محدث حمص وعابدها. سمع من جرير بن عثمان وطبقته. وذكر فيمن يصلح للقضاء.

وفيها أبو أيوب سليمان بن داود بن علي الهاشمي العباسي. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته. وكان إماما فاضلا شريفا. روي أن الإمام أحمد بن حنبل أثنى عليه وقال: يصلح للخلافة.

وفيها عالم أهل مكة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي. روى عن فضل بن عياض وطبقته. وكان إماما حجة. قال الإمام أحمد بن حنبل: الحميدي إمام والشافعي إمام وابن راهويه إمام.

وفيها الإمام أبو نعيم الفضل بن دكين الملائي الحافظ محدث الكوفة. روى عن الأعمش وزكريا بن أبي زائدة والكبار. قال ابن معين: ما رأيت أثبت من أبي نعيم وعفان. وقال الإمام أحمد: كان يقظان في الحديث عارفا، وقام في أمر الامتحان بما لم يقم غيره عافاه الله. وكان أعلم من وكيع بالرجال وأنسابهم، ووكيع أفقه منه. وقال غيره: لما امتحن قال: والله عنقي أهون من زري هذا. ثم قطع زره ورماه.

وفيها أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي الحافظ. روى عن إسرائيل وطبقته. قال ابن معين: ليس بالكوفة أتقن منه. وقال أبو حاتم الرازي: كان ذا فضل وصلاح وعبادة كانت عليه سجادتان كنت إذا نظرت كأنه خرج من برد له ولم أر بالكوفة أتقن منه لا أبو نعيم ولا غيره. وقال أبو داود: كان شديد التشيع.

وفيها أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي الزاهد المصري. روى عن الليث وطبقته. قال أبو حاتم: صدوق عابد وشبهته بالقعنبي رحمه الله.

سنة عشرين ومائتين

فيها عقد المعتصم للأفشين على حرب بابك الخرمي الذي هزم الجيوش وخرب البلاد منه عشرين سنة. ثم جهز محمد بن يوسف الأمير ليبني الحصون التي خربها بابك. فالتقى الأفشين ببابك فهزمه وقتل من الخرمية نحو الألف، وهرب بابك إلى موقان، ثم جرت لهما أمور يطول شرحها.

وفيها أمر المعتصم بإنشاء مدينة مكان القاطول ليتخذها دار للخلافة، وسميت سر من رأى.

وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار. ثم نفاه واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات.

وفيها توفي آدم بن أبي إياس الخرساني ثم البغدادي نزيل عسقلان. سمع ابن أبي ذئب وشعبة. وروى الكثير. وكان صالحا قانتا لله. ولما احتضر قرأ الختمة ثم قال: لا إله إلا الله، ثم فارق. قال أبو حاتم: ثقة مأمون متعبد.

وفيها خلاد بن خالد الصيرفي الكوفي الأحول، قارئ الكوفة وتلميذ سليم. تصدر للإقراء وحمل عنه طائفة، وحدث عن الحسن بن صالح بن حي ابن جماعة. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها عاصم بن يوسف اليربوعي الكوفي الخياط. روى عن إسرائيل وجماعة. وروى البخاري عن أصحابه.

وفيها عبد الله بن جعفر الرقي الحافظ. روى عن عبد الله بن عمرو وطبقته. وقد تغير حفظه قبل موته بسنتين.

وفيها أبو عمرو عبد الله بن رجاء الغداني بالبصرة يوم آخر السنة. وكان ثقة حجة. روى عن عكرمة بن عمار وطبقته.

وفيها عثمان بن الهيثم مؤذن جامع البصرة، في رجب. روى عن هشام بن حبان وابن جريج والكبار.

وفيها عفان بن مسلم الحافظ البصري. أحد أركان الحديث. نزل بغداد ونشر بها علمه. وحدث بن شعبة وأقرانه. قال ابن معين: أصحاب الحديث خمسة: ابن جريج، ومالك، والثوري، وشعبة، وعفان. وقال حنبل: كتب المأمون إلى متولي بغداد ليمتحن الناس. فامتحن عفان. وكتب المأمون: فإن لم يجب عفان فاقطع رزقه. وكان له في الشهر خمس مائة درهم. فلم يجبهم وقال: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}.

وفيها قالون، قارئ أهل المدينة، صاحب نافع. وهو أبو موسى عيسى بن مينا الزهري مولاهم، المدني.

وفيها الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم الحسيني. أحد الاثني عشر إماما الذين يدعي الرافضة فيهم العصمة. وله خمس وعشرون سنة. وكان المأمون قد نوه بذكره وزوجه بابنته، وسكن بها بالمدينة. فكان المأمون ينفذ إليه في السنة ألف ألف درهم أداء كريم. وفد على المعتصم فأكرم مورده توفي ببغداد في آخر السنة ودفن عند جده موسى. ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة.

وفيها أبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود البصري المؤدب، في جمادى الآخرة. سمع أيمن بن بابك وطبقته. قال أبو حاتم: روى عن سفيان الثوري بضعة عشر ألف حديث، وكان يصحف.

سنة إحدى وعشرين ومائتين

فيها كانت وقعة عظيمة. وكسر بابك الخرمي بغا الكبير. ثم تقوى بغا وقصد بابك. فالتقوا فانهزم بابك.

وفيها توفي أبو علي الحسن بن الربيع البجلي البوراني القصبي. روى عن قيس بن الربيع وطبقته. وكان ثبتا عابدا.

وفيها عاصم بن علي بن عاصم الواسطي الحافظ أبو الحسين، في رجب. سمع ابن أبي ذئب وشعبة وخلقا. وقدم بغداد فازدحموا عليه من كل مكان حتى حزر مجلسه بمائة ألف. وكان ثقة حجة صاحب سنة.

وفيها محدث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان، عبدان المروزي. سمع شعبة وأبا حمزة السكري والكبار. وعاش ستا وسبعين سنة. وكان ثقة جليل القدر معظما. تصدق في حياته بألف ألف درهم.

وفيها الإمام الرباني أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي المدني القعنبي الزاهد. سكن البصرة ثم مكة وبها توفي في المحرم. روى عن مسلمة بن وردان، وأفلح بن حميد والكبار. وهو أوثق من روى الموطأ. قال أبو زرعة: ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي مالك. وقال أبو حاتم: ثقة حجة، لم أر أخشع منه. وقال الخريبي: حدثني القعنبي عن مالك، وهو والله عندي خير من مالك. وقال الفلاس: كان القعنبي مجاب الدعوة. وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: سمعتهم بالبصرة. يقولون: القعنبي من الأبدال. رحمة الله عليه.

وفيها محمد بن بكير الحضرمي البغدادي. حدث بأصبهان بن سهل وطبقته. قال أبو حاتم: صدوق يغلط أحيانا.

وفيها أبو همام الدلال محمد بن محبب. بصري مشهور. روى عن الثوري وطبقته.

وفيها الفقه همام بن عبد الله الرازي الحنفي. روى عن ابن أبي ذئب ومالك وطبقتهما. وكان كثير العلم واسع الرواية. وفيه ضعف. وقد جاء عنه أنه وقال: أنفقت في طلب العلم سبع مائة ألف درهم.

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

فيها التقى الأفشين والخرمية لعنهم الله فهزمهم ونجا بابك، فلم يزل الأفشين يتحيل عليه حتى أسره ومات. وقد عاث هذا الملعون وأفسد البلاد والعباد. وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة. وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان. وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال للأفشين ليتقوى بها. فكانت ولمن جاء برأسه ثلاثين ألف ألف درهم. وافتتحت البذ مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد فاختفى بابك في غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده وبعث إليه المعتصم الأمان فحرقه وسبه، وكان قوي النفس شديد البطش صعب المراس وطلع من تلك الغيضة في طريق يعرفها في الجبل وانقلب ووصل إلى جبال أرمينية فنزل عند البطريق سهل فأغلق عليه وبعث يعرف الأفشين. فجاء الأفشين فقتله. وكان الأفشين قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم، ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم. كان دخوله يوما مشهودا.

وفيها توفي أبو اليمام الحكم بن نافع البهراني الحمصي الحافظ. روى عن حريز بن عثمان وطبقته. وكان ثقة حجة كثير الحديث. ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة. ومات في ذي الحجة. وقد سئل أبو اليمان مرة حديث شعيب بن أبي حمزة فقال: ليس هو مناولة، المناولة لم أخرجها إلى أحد.

وفيها عمر بن حفص بن غياث الكوفي. روى عن أبيه وطبقته. ومات كهلا في ربيع الأول. وكان ثقة متقنا عالما.

وفيها أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي مولاهم البصري القصاب الحافظ محدث البصرة. سمع من ابن عون حديثا واحدا، ومن قرة بن خالد. ولم يرحل ولكن سمع من ثمان مائة شيخ بالبصرة. وكان ثقة حجة. أضر بآخره. وكان يقول: ما أتيت حراما ولا حلالا قط. توفي في صفر.

وفيها فقيه حمص ومحدثها يحيى بن صالح الوحاظي ولد سنة سبع وثلاثين ومائة، وسمع من سعيد بن عبد العزيز وفليح بن سليمان وطبقتهما. وعين للقضاء بحمص. قال العقيلي: هو حمصي جهمي. وقال الجوزجاني: كان مرجئا. ووثقه غيره.

سنة ثلاث وعشرين ومائتين

فيها أتى المعتصم ببابك فأمر بقطع أربعته وبصلبه.

وفيها التقى المسلمون وعليهم الأفشين وطاغية الروم. فاقتتلوا ثانيا، وكثر القتل، ثم انهزم الملاعين. وكان طاغيتهم في هذا الوقت تيوفيل بن ميخائيل بن جرجيس، لعنهم الله، نزل على زبطرة في مائة ألف أياما وافتتحها بالسيف، ثم أغار على ملطية، ثم أذن الله بهذه الكسرة.

وفيها توفي خالد بن خداش المهلبي البصري المحدث في جمادى الآخرة. روى عم عن مالك وطبقته.

وفيها مات أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزي، عالم أهل مرو ومحدثهم. رحل وكتب عن ابن عيينة وطبقته. وأقدم شيخ له أبو حمزة السكري. قال بعضهم: كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد.

وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني المصري الحافظ. كاتب الليث بن سعد. توفي يوم عاشوراء وله ست وثمانون سنة. حدث عن معاوية بن صالح، وعبد العزيز بن الماجشون، وخلق. قال ابن معين: أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث بإجازتها له. وقال أبو الفضل الشعراني: ما رأيت عبد الله بن صالح إلا يحدث أو ينسخ. وضعفه آخرون.

وفيها أبو بكر بن أبي الأسود، واسمه عبد الله بن محمد بن حميد، قاضي همذان. سمع مالكا وأبا عوانة. وكان صدوقا متقنا.

وفيها أبو عثمان عمرو بن عون الواسطي. سمع الحمادين وطائفة. قال أبو حاتم: ثقة حجة. وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه.

وفيها محمد بن سنان العوقي، أبو بكر البصري. أحد الأثبات. روى عن جرير بن حازم وطبقته.

وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبدي البصري المحدث روى عن سعيد وسفيان وجماعة.

وفيها محمد بن محبوب البناني المحدث روى عن حماد بن سلمة وطبقته. قال ابن معين: كيس صادق كثير الحديث.

وفيها معاذ بن أسد بالبصرة. وهو مروزي. روى عن ابن المبارك وكان كاتبه.

وفيها موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي البصري الحافظ، أحد أركان الحديث. سمع من سعيد حديثا واحدا، وأكثر عن حماد بن سلمة وطبقته. قال عباس الدوري: كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث.

سنة أربع وعشرين ومائتين

فيها ظهر مازيار بطبرستان وخلع المعتصم فسار لحربه عبد الله بن طاهر. وجرت له حروب وفصول. ثم اختلف عليه جنده، إلى أن قتل في سنة خمس الآتية.

وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي محمد بن المنصور العباسي الأسود، ولفخامته يقال له التنين، ويقال له ابن شكلة، وهي أمه. وكان فصيحا أديبا شاعرا، رأسا في معرفة الغناء وأنواعه. ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد، وبويع بالخلافة ببغداد، ولقب بالمبارك. عندما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضا فحاربه الحسن بسن سهل فانكسر. ثم حاربه حميد الطوسي، فانكسر جيش إبراهيم، وانهزم فاختفى، وذلك في سنة ثلاث. وبقي في الاختفاء سبع سنين، ثم ظفروا به وهو في إزار فعفا عنه المأمون.

وفيها إبراهيم بن أبي سويد البصري الزارع، أحد أصحاب الحديث. روى عن حماد بن سلمة وأقرانه. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها أيوب بن سليمان بن بلال. له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس عن أبيه سليمان بن بلال، ما عنده سواها.

وفيها أبو العباس حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ. سمع إسماعيل بن عياش وطائفة.

وفيها الربيع بن يحيى الأشناني البصري. روى عن مالك بن مغول والكبار. وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها بكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني. روى عن ابن عون والكبار وفيه ضعف يسير.

وفيها سعيد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي، مولاهم، المصري، أحد أركان الحديث، وله ثمانون سنة. روى عن يحيى بن أيوب وأبي غسان محمد بن مطرف وطائفة من البصريين والحجازيين.

وفيها قاضي مكة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي البصري الحافظ في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين. سمع شعبة وطبقته. قال أبو داود: سمعته يقع في معاوية. وكان بشر الحافي يهجره لذلك. وكان لا يدلس ويتكلم في الرجال. وقرأ في الفقه. وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث. وما رأيت في يده كتابا قط. وحضرت مجلسه ببغداد فحزر بأربعين ألفا، وحضر مجلسه المأمون من وراء ستر.

وفيها أبو معمر المقعد. وهو عبد الله بن عمرو المنقري مولاهم، البصري الحافظ. صاحب عبد الوارث. قال ابن معين: ثقة ثبت.

وفيها عمرو بن مرزوق الباهلي مولاهم، البصري الحافظ. روى عن مالك بن مغول وطبقته. قال محمد بن عيسى بن السكن: سألت ابن معين عنه فقال: ثقة مأمون. صاحب البخاري بآخره.

وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري الأخباري. صاحب التصانيف والمغازي والأنساب، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع ابن أبي ذئب وطبقته. وكان يسرد الصوم. وثقه ابن معين وغيره.

وفيها العلامة العلم أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف. سمع شريكا، وابن المبارك وطبقتهما. قال إسحاق بن راهويه: الحق يحب لله، أبو عبيد أفقه مني وأعلم. وقال الإمام أحمد: أبو عبيد أستاذ.

وفيها أبو الجماهير محمد بن عمر التنوخي الكفرسوسي. سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته. قال أبو حاتم: ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر.

وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى بن الطباع الحافظ، نزيل الثغر بأدنة. سمع مالكا وطبقته. قال أبو حاتم: ما رأيت أحفظ للأبواب منه. وقال أبو داود: كان ينفقه ويحفظ أكثر من أربعين ألف حديث.

وفيها عارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري الحافظ. أحد أركان الحديث. روى عن الحمادين وطبقتهما، ولكنه اختلط بآخره. وكان سليمان بن حرب يقدمه على نفسه.

سنة خمس وعشرين ومائتين

فيها توفي الفقيه أصبغ بن الفرج، أبو عبد الله المصري، مفتي أهل مصر ووراق بن وهب. أخذ عن ابن وهب وابن القاسم. وتصدر للاشتغال والحديث. قال ابن معين: كان عن أعلم خلق الله كلهم رأي مالك، يعرفا مسألة مسألة، متى قالها مالك ومن خالفه فيها. وقال أبو حاتم: أجل أصحاب ابن وهب. وقال بعضهم: ما أخرجت مصر مثل أصبغ. وقد كان ذكر للقضاء بمصر. وله تصانيف حسان.

وفيها حفص بن عمر أبو عمرو الحوضي الحافظ، بالبصرة. روى عن هشام الدستوائي والكبار. قال أحمد بن حنبل: ثبت متقن لايؤخذ عليه حرف واحد.

وفيها سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد. روى عن حماد بن سلمة وطبقته. قال أبو حاتم: ثقة مأمون، لعله أوثق من عفان. وقال صالح جزرة: سمعت سعدويه يقول: حججت ستين حجة.

وفيها أبو عبيدة شاذ بن فياض اليشكري البصري، اسمه هلال. روى عن هشام الدستوائي والكبار فأكثر.

وفيها أبو عمرو الجرمي النحوي صالح بن إسحاق. وكان دينار ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو. ملك بالأدب دنيا عريضة.

وفيها فروة بن أبي المغراء الكوفي المحدث. روى عن شريك وطبقته.

وفيها الأمير أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي صاحب الكرخ. أحد الأبطال المذكوين والأجواد المشهورين. وقد ولي إمرة دمشق للمعتصم.

وفيها محمد بن سلام البيكندي البخاري الحافظ. رحل وسمع من مالك وخلق كثير. وكان محفظ خمسين ألف حديث. وقال: أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا ونشره مثلها.

سنة ست وعشرين ومائتين

فيها غضب المعتصم على الأفشين وسجنه وضيق عليه. ومنع من الطعام حتى مات أو خنق. ثم صلب إلى جانب بابك. وأتى بأصنام من داره اتهم بعبادتها فأحرقت. وكان أقلف متهما في دينه، وأيضا خافه المعتصم. وكان من أولاد الأكاسرة. واسمه حيدر بن كاوس. وكان بطلا شجاعا مطاعا. ليس في الأمراء أكبر منه.

وظفر المعتصم أيضا بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان. وصلب إلى جانب بابك.

وفيها أحمد بن عمرو الخرشي النيسابوري. سمع مسلم بن خالد الزنجي وطبقته. ولزمه محمد بن نصر المروزي فأكثر عنه. قال الحاكم: كان إمام عصره في العلم والحديث والزهد. ثقة.

وفيها إسحاق بن محمد الفروي المديني الفقيه. روى عن مالك وطبقته.

وفيها إسماعيل بن أويس الحافظ، أبو عبد الله الأصبحي المدني. سمع من خاله مالك وطبقته. وفيه ضعف.

وفيها سعيد بن كثير بن عفير، أبو عثمان المصري الحافظ العلامة، قاضي الديار المصرية. روى عن الليث ويحيى بن أيوب والكبار. وكان فقيها نسابة أخباريا شاعرا كثير الإطلاع، قليل المثل، صحيح النقل، ثقة. روى عنه البخاري وغيره.

وفيها محدث الموصل غسان بن الربيع الأزردي. روى عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وطبقته. وكان ورعا كبير القدر، لكن ليس بحجة.

وفيها محمد بن مقاتل المروزي، شيخ البخاري بمكة. روى عن ابن المبارك وطبقته.

وفيها شيخ خراسان الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التيمي النيسابوري، في صفر بنيسابور. وكان يشبه بابن المبارك في وقته. طوف وروى عن مالك والليث وطبقتهما. قال ابن راهويه: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى، ولا أحسبه رأى مثل نفسه، ومات وهو إمام أهل الدنيا.

سنة سبع وعشرين ومائتين

فيها قدم على إمرة دمشق أبو المغيث الرافقي، فخرجت عليه قيس لكونه صلب منهم خمسة عشر رجلا، وأخذوا خيل الدولة من المرج. فوجه إليهم أبو المغيث جيشا فهزموه. ثم استفحل شرهم وعظم جمعهم، وزحفوا على دمشق وحاصروها. فجاء رجاء الحضاري الأمير في جيش من العراق ونزل بدير مران والقيسية بالمرج. فوجه إليهم يناشدهم الطاعة. فأبوا إلا أن يعزل أبا المغيث. فأنذرهم القتال يوم الاثنين. ثم كسبهم يوم الأحد بكفر بطنا. وكان جمهور القيسية بدومة. فوضع السيف في كفر بطنا وسقبا وجسرين، حتى قتل ألفا وخمس مائة، وقتلوا الصبيان وجرحت النساء ووقع النهب.

وفيها أحمد بن عبد الله بن يونس، أبو عبد الله اليربوعي الحافظ الكوفي. سمع الثوري وطبقته. وعاش أربعا وتسعين سنة. قال الإمام أحمد لرجل سأله عن من أكتب؟ قال: اخرج إلى أحمد بن يونس، فإنه شيخ الإسلام. توفي في ربيع الآخر.

وفيها بشار بن إبراهيم الرمادي الزاهد، صاحب سفيان بن عيينة. قال ابن عدي: سألت محمد بن أحمد الزريقي عنه فقال: كان والله أزهد أهل زمانه. وقال الإمام أحمد: كان متقنا ضابطا.

وفيها أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي الفراديسي من أعيان الشيوخ بدمشق. روى عن سعيد بن عبد العزيز وجماعة.

وفيها إسماعيل بن عمرو البجلي محدث أصبهان وهو كوفي روى عن مسهر وطبقته. وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه الدراقطني. وهو مكثر عالي الإسناد.

وفيها الرباني القدوة أبو نصر بشر بن الحارث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي. سمع من حماد بن زيد، وإبراهيم بن سعد وطبقتهما. وعني بالعلم، ثم أقبل على شأنه، ودفن كتبه. وحدث بشيء يسير. وكان في الفقه على مذهب الثوري. وقد صنف العلماء في مناقب بشر وكراماته رحمه الله. وعاش خمسا وسبعين سنة. وتوفي ببغداد في ربيع الأول.

وفيها أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ صاحب السير روى عن فليح بن سليمان. وشريك وطبقتهما. وجاور بمكة وبها مات في رمضان. وقد روى البخاري عن رجل عنه.

وفيها سهل بن بكار البصري. روى عن شعبة وجماعة.

وفيها محمد بن الصباح البغدادي البزاز الدولابي، أبو جعفر. روى عن شريك وطبقته. وله سنن صغيرة.

وفيها أبو الوليد الطيالسي، هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ. أحد أركان الحديث، في صفر، وله أربع وتسعون سنة. سمع عاصم بن محمد العمري وهشاما الدستوائي والكبار. قال أحمد بن سنان: كان أمير المحدثين. وقال أبو زرعة: وكان إماما في زمانه جليلا عند الناس. وقال أبو حاتم: إمام فقيه عاقل ثقة حافظ، ما رأيت في يده كتابا قط. وقال ابن وارة: ما أراني أدركت مثله.

وفيها الهيثم بن خارجة، في ذي الحجة ببغداد. سمع مالكا والليث.

وفيها يحيى بن بشر الحريري الكوفي. سمع بدمشق معاوية بن سلام وجماعة وعمر دهرا.

وفيها، في ربيع الأول، الخليفة أبو إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي، وله سبع وأربعون سنة. وعهد إليه المأمون بالخلافة، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها. مربوعا. مشرق اللون، قويا إلى الغاية، شجاعا شهما مهيبا. وكان كثير اللهو مسرفا على نفسه. وهو الذي افتتح عمورية من أرض الروم. وكان يقال له المثمن لأنه ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها. وهو ثامن الخلفاء من بني العباس. وفتح ثمانية فتوح: عمورية ومدينة بابك ومدينة الزط وقلعة الأحزان ومصر وأذربيجان وديار ربيعة وأرمينية. ووقف في خدمته ثمانية ملوك: الأفشين والمازيار وبابك وباطس ملك عمورية وعجيف ملك اسباخنج وصول صاحب اسبيجاب وهاشم ناحور ملك طخارستان وكناسة ملك السند. فقتل هؤلاء سوى صول وهاشم. واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام. وخلف ثمانية بنين وثماني بنات. وخلف بن الذهب ثمانية آلاف ألف دينار. ومن الدراهم ثمانية عشر ألف درهم. ومن الخيول ثمانين ألف فرس. ومن الجمال والبغال مثل ذلك. ومن المماليك ثمانية آلاف مملوك وثمانية آلاف جارية. وبنى ثمانية قصور. وكان له نفس سبعية، وإذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل. وقام بعده ابنه الواثق.

سنة ثمان وعشرين ومائتين

فيها توفي داود بن عمرو الضبي البغدادي. سمع نافع بن عمر الجمحي وطائفة. وكان صدوقا صاحب حديث.

وفيها حماد بن مالك الأشجعي الخراساني. شيخ معمر، كان مقبول الرواية. روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي.

وفيها أبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار الزاهد ببغداد، في أول العام. روى عن حماد بن سلمة وطبقته. وكان ثقة ثبتا عالما عابدا قانتا، يعد من الأبدال.

وفيها عبيد الله بن محمد العيشي البصري الأخباري. أحد الفصحاء الأجواد. روى عن حماد بن سلمة وطبقته. قال يعقوب بن شيبة: أنفق ابن ابن عائشة على إخوانه أربع مائة ألف دينار في الله. وعن إبراهيم الحربي. قال: ما رأيت مثل ابن عائشة. وقال ابن خراش: صدوق.

وفيها علي بن عثام بن علي العامري الكوفي بنيسابور. سمع مالكا وطبقته. وكان حافظا زاهدا أديبا كبير القدر. توفي مرابطا بطرسوس. روى مسلم في صحيحه عن رجل عنه.

وفيها أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ببغداد. وله جزء مشهور من أعلى المرويات. روى فيه عن الليث بن سعد وجماعة. قال الخطيب: صدوق.

وفيها محمد بن الصلت، أبو يعلى الثوري ثم البصري الحافظ. سمع الدراوردي وطبقته. قال أبو حاتم: كان يملي علينا في التفسير من حفظه.

وفيها العتبي الأخباري. وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي. أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب. كان من أعيان الشعراء بالبصرة. سمع أباه وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث. والأخبار أغلب عليه.

وفيها مسدد بن مسرهد الحافظ، أبو الحسن البصري. سمع جويرية ابن أسماء وأبا عوانة وخلقا. وله مسند في مجلد، سمعنا بعضه.

وفيها نعيم بن الهيضم الهروي، ببغداد. روى عن أبي عوانة وجماعة، وهو من ثقات شيوخ البغوي.

وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ، أحد أركان الحديث. قال ابن معين: ما كان بالكوفة من يحفظ معه. سمع قيس بن الربيع وطبقته. وهو ضعيف.

سنة تسع وعشرين ومائتين

فيها توفي الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزار شيخ القراء والمحدثين ببغداد سمع من مالك بن أنس وطبقته، وله اختيار خالف فيه حمزة في أماكن. وكان عابدا صالحا كثير العلم صاحب سنة رحمه الله.

وفيها عبد الله بن محمد الحافظ أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي. لقب بذلك لأنه كان يتتبع المسند ويتطلبه. رحل وكتب الكثير عن سفيان بن عيينة وطبقته.

وفيها نعيم بن حماد الخزاعي المروزي الفرضي الحافظ أحد علماء الأثر. سمع أبا حمزة السكري، وهشما وطبقتهما. وصنف التصانيف. وله غلطات ومناكير مغمورة في كثرة ما روى. وامتحن بخلق القرآن فلم يجب، فحبس وقيد ومات في الحبس. رحمه الله تعالى.

وفيها يزيد بن صالح الفراء أبو خالد النيسابوري العبد الصالح. روى عن إبراهيم بن طهمان وقيس بن الربيع وطائفة. وكان ورعا قانتا مجتهدا في العبادة.

سنة ثلاثين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ. روى عن إبراهيم بن سعيد وطبقته، ولم يلق مالكا.

وفيها سعيد بن محمد الجرمي الكوفي، وإلا في حدودها. روى عن شريك وحاتم بن اسماعيل وطائفة. وكان صاحب حديث.

وفيها أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، وله ثمان وأربعون سنة. وكان شجاعا مهيبا عاقلا جوادا كريما. يقال إنه وقع مرة على قصص بصلات بلغت أربعة آلاف ألف درهم. وقد خلف من الدارهم خاصة أربعين ألف ألف درهم. وقد تاب قبل موته وكسر آلات الملاهي واستفك أسرى بألفي ألف. وتصدق بأموال.

وفيها علي بن الجعد، أبو الحسن الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري الحافظ محدث بغداد، في رجب. وله ست وتسعون سنة. روى عن شعبة وابن أبي ذئب والكبار فأكثر. وكان يحدث من حفظه. قال اللغوي آخر اصحابه موتا: أخبرت أنه مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما.

وفيها علي بن محمد إسحاق. أبو الحسن الطنافسي الكوفي الحافظ. محدث قزوين وأبو قاضيها الحسين. سمع سفيان بن عيينة وطبقته قأكثر. وثقه أبو حاتم وقال: هو أحب إلي من أبي بكر بن أبي شيبة في الفضل والصلاح.

وفيها عون بن سلام الكوفي. وله تسعون سنة. سمع أبا بكر النهشلي وزهير بن معاوية.

وفيها محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري الحافظ المجاهد. روى عن معتمر بن سليمان وطبقته.

وفيها الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ، كاتب الواقدي وصاحب الطبقات والتاريخ، ببغداد في جمادى الآخرة، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن سفيان بن عيينة وهشيم وخلق كثير. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي البصري المحدث. روى عن معتمر بن سليمان وطبقته.

وفي حدود الثلاثين إبراهيم بن موسى الرازي الفراء الحافظ. أبو إسحاق. أحد أركان العلم. رحل وسمع أبا الأحوص وخالد بن عبد الله الواسطي وطبقتهما. قال أبو زرعة: كتبت عنه مائة ألف حديث. وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصح حديثا.

سنة إحدى وثلاثين ومائتين

فيها ورد كتاب الواثق على أمير البصرة بامتحان الأئمة والمؤدبين بخلق القرآن. وكان قد تبع أباه في امتحان الناس.

وفيها قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد. كان من أولاد أمراء الدولة. فنشأ في علم وصلاح، وكتب عن مالك وجماعة. وحمل عن هشيم مصنفاته. وما كان يحدث. وكان يزري على نفسه. قتله الواثق بيده لامتناعه من القول بخلق القرآن، ولكونه أغلظ للواثق في الخطاب، وقال له: يا صبي. وكان رأسا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقام معه خلق من المطوعة واستفحل أمرهم فخافته الدولة من فتق يتم بذلك.

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري. أبو إسحاق الحافظ. ببغداد، في رمضان. سمع جعفر بن سليمان الضبعي وعبد الوهاب التقفي وطائفة. قال عثمان بن خرزاد: ما رأيت أحفظ من أربعة فذكر منهم إبراهيم هذا.

وفيها أمية بن بسطام أبو بكر العيشي البصري. أحد الأثبات. روى عن ابن عمه يزيد بن زريع وطبقته.

وفيها أبو عمرو سهل بن زنجلة الرازي الحافظ. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته.

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري أحد الأئمة. روى عن جويرية بن أسماء وجماعة. قال أحمد الدروقي: لم أرى بالبصرة أفضل منه. وذكر لعلي بن المديني فعظمه.

وفيها كامل بن طلحة الجحدري البصري، وله ست وثمانون. روى عن مبارك بن فضالة وجماعة. قال أبو حاتم: لا بأس به.

وفيها ابن الأعرابي صاحب اللغة. وهو أبو عبد الله محمد بن زياد. توفي بسامرا وله ثمانون سنة. وكان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب.

وفيها محمد بن سلام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله. روى عن حماد بن سلمة وجماعة. وصنف كتبا منها كتاب طبقات الشعراء، وكان صدوقا.

وفيها أبو جعفر محمد بن المنهال الضرير البصري الحافظ. روى عن أبي عوانة. ويزيد بن زريع، وجماعة. وكان أبو يعلي الموصلي يفخم أمره ويقول: كان أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في وقته.

قلت: ومات قبله بيسير أو بعده محمد بن المنهال البصري العطار، أخو حجاج بن منهال. روى عن يزيد بن زريع وجماعة وكان صدوقا روى عن الرجلين أبو يعلي الموصلي.

وفيها منجاب بن الحارث الكوفي. روى عن شريك وأقرانه.

وفيها أبو علي هارون بن معروف الضرير ببغداد. روى عن عبد العزيز الدراوردي وطبقته وكان ثقة من حفاظ الوقت صاحب سنة.

وفيها الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم. المصري، في صفر. سمع مالكا والليث وخلقا كثيرا. وصنف التصانيف. وسمع الموطأ من مالك سبع عشرة مرة.

وفيها العلامة أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه صاحب الشافعي ببغداد، في السجن والقيد، ممتحنا بخلق القرآن. وكان عابدا مجتهدا دائم الذكر كبير القدير. قال الشافعي: ليس في أصحابي أعلم بن البويطي. وقال أحمد العجلي: ثقة صاحب سنة. قلت: وسمع أيضا من ابن وهب.

وفيها أبو تمام الطائي حبيب بن أوس الحوراني. مقدم شعراء العصر. توفي في آخر السنة الموصل كهلا.

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

فيها توفي الحكم بن موسى. أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ أحد العباد في شوال. سمع إسماعيل بن عياش وطبقته.

وفيها عبد الله بن عون الخراز الزاهد أبو محمد البغدادي المحدث. وكان يقال إنه من الأبدال. روى عن مالك وطبقته. توفي في رمضان.

وفيها عمرو بن محمد الناقد الحافظ أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيهها ومحدثها. سمع هشيما وطبقته. توفي في ذي الحجة ببغداد.

وفيها الإمام أبو يحيى هارون بن عبد الله الزهري العوفي المكي المالكي القاضي. نزيل بغداد. تفقه بأصحاب مالك. قال الخطيب: إنه سمع من مالك، وإنه ولي قضاء العسكر ثم قضاء مصر.

وفيها يوسف بن عدي الكوفي نزيل مصر، أخو زكريا بن عدي. حدث عن مالك وشريك. وكان محدثا تاجرا.

وفي ذي الحجة الواثق أبو جعفر، وقيل أبو القاسم، هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد المهدي العباسي،. عن بضع وثلاثين سنة. وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا. ولي بعهد من أبيه وكان أديبا شاعرا، أبيض تعلوه صفرة. حسن اللحية. في عينه نكتة دخل في القول بخلق القرآن وامتحن الناس. وقوى عزمه أحمد بن أبي داود القاضي. ولما احتضر ألصق بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.

واستخلف بعده أخوه المتوكل على الله، فأظهر السنة. ورفع المحنة، وأمر بنشر أحاديث الرؤية والصفات.

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

فيها كانت الزلزلة المهولة بدمشق، دامت ثلاث ساعات وسقطت الجدران، وهرب الخلق إلى المصلى يجأرون إلى الله. ومات عدد كبير تحت الردم. وامتدت إلى أنطاكية، فيقال إنه هلك من أهلها عشرون ألفا. وامتدت إلى الموصل فزعم بعضهم أنه هلك بها تحت الردم خمسون ألفا.

وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج الشامي المحدث بالبصرة. روى عن الحمادين وجماعة. وخرج له النسائي.

وفيها حبان بن موسى المروزي. سمع أبا حمزة السكري، وأكثر عن ابن المبارك. وكان ثقة مشهورا.

وفيها سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل، أبو أيوب التميمي الدمشقي، الحافظ محدث دمشق، في صفر، وله ثمانون سنة. سمع إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة وطبقتهما. وعني بهذا الشأن وكتب عمن دب ودرج.

وفيها سهل بن عثمان العسكري الحافظ أحد الأئمة. توفي فيها أو في حدودها. روى عن شريك وطبقته.

وفيها القاضي أبو عبد الله محمد بن سماعة الفقيه ببغداد. وقد جاوز المائة. تفقه علي أبي يوسف ومحمد وروى عن الليث بن سعد. وله مصنفات واختيارات في المذهب. وكان ورده في اليوم واليلة مائتي ركعة.

وفيها الحافظ أبو عبد الله محمد بن عائذ الدمشقي الكاتب، صاحب المغازي والفتوح والصوائف وغير ذلك من المصنفات المفيدة. روى عن إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم وخلق. وكان ناظر خراج الغوطة.

وفيها الوزير أبو جعفر محمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم والوثق والمتوكل. ثم قبض عليه المتوكل وعذبه وسجنه حتى هلك. كان أديبا شاعرا محسنا كامل الأدوات جهميا.

وفيها يحيى بن أيوب المقابري، أبو زكريا البغدادي العابد. أحد أئمة الحديث والسنة. روى عن إسماعيل بن جعفر وطبقته. توفي في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة.

وفيها الإمام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ، أحد الأعلام وحجة الإسلام، في ذي القعدة بمدينة النبي ﷺ متوجها إلى الحج. وغسل على الأعواد التي غسل عليها رسول الله ﷺ. وعاش خمسا وسبعين سنة. سمع هشيما ويحيى بن أبي زائدة وخلائق. جاء عنه أنه قال: كتبت بيدي هذه ست مائة ألف حديث. يعني بالمكرر. وقال الإمام أحمد بن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث. وقال ابن المديني: انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين. رحمه الله. قلت: حديثه في الكتب الستة.

سنة أربع وثلاثين ومائتين

فيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد. قال فيه يحيى بن يحيى: إن لم يكن من الأبدال فلا أدري من هم. رحل وسمع من ابن عيينة وجماعة. وكان صاحب عزو وجهاد وموعظ ومصنفات في العلم رحمه الله.

وفيها الأمير إيتاخ التركي، مقدم الجيوش وكبير الدولة. خافة المتوكل وعمل عليه كل حيلة حتى قبض له عليه نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم وأميت عطشا وأخذ له المتوكل من الذهب ألف ألف دينار.

وفيها الإمام أبو خيثمة زهير بن حرب الحافظ، ببغداد، في شعبان، وله أربع وسبعين سنة. رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته. وصنف. وهو والد صاحب التاريخ أحمد بن أبي خيثمة.

وفيها أبو أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني البصري الحافظ الذي قال فيه صالح محمد الحافظ: ما رأيت أحفظ منه. سمع حماد بن يزيد وطبقته. وكان آية في كثرة الحديث وحفظه. ينظر بعلي بن المديني، ولكنه متروك الحديث.

وفيها أبو الربيع سليمان بن داود العتكي البصري الزهراني أبي الحافظ. كتب الكثير عن جرير بن حازم والكبار. وطال عمره واشتهر ذكره.

وفيها أبو جعفر النفيلي الحافظ أحد الأعلام، عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني، في ربيع الآخر عن سن عالية. روى عن زهير بن معاوية والكبار. قال أبو داود: ثم أر أحفظ منه. قال: وكان الشاذكوني لا يقر لأحد في الحفظ إلا للنفيلي. وقال أبو حاتم: ثقة مأمون. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان النفيلي رابع أربعة: وكيع وابن مهدي وأبو نعيم وهو.

وفيها أبو الحسن علي بن بحر بن بري القطان البغدادي الحافظ الأهوازي. كتب الكثير عن عبد العزيز الدراودي وطبقته.

وفيها علي بن المديني. وهو الإمام أحد الأعلام أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف. سمع من حماد بن زيد وطبقته. قال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال أبو داود: ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل. وقال عبد الرحمن بن مهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله ﷺ وخاصة بحديث سفيان بن عيينة. توفي في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة.

وفيها محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ، أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي أحد الأئمة في شعبان. سمع أباه وسفيان بن عيينة وخلقا. قال أبو إسماعيل القرمزي: كان الإمام أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير. وقال علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ: ما رأيت بالكوفة مثله. قد جمع العلم. والسنة، والزهد. وكان قصيرا يلبس في الشتاء الباردة. قال أحمد بن صالح المصري: ما رأيت بالعراق ومثله ومثل أحمد بن حنبل جامعين لم أر مثلهما بالعراق، رحمها الله.

وفيها محمد بن أبي بكر بن علي بن مقدم، مولى ثقيف، الحافظ أبو عبد الله المقدمي البصري. توفي في أول السنة. روى عن حماد بن زيد وطبقته.

وفيها المعافى بن سليمان الرسعني. محدث رأس العين. روى عن فليح بن سليمان وزهير معاوية. وكان صدوقا.

وفيها شيخ الأندلس يحيى بن يحيى بن كثير الفقيه أبو محمد الليثي مولاهم الأندلسي في رجب، وله اثتنان وثمانون سنة. روى الموطأ عن مالك بفوت من الاعتكاف. وانتهت إليه رياسة الفتوى ببلده. وخرج له عدة أصحاب. وبه انتشر مذهب مالك بناحيته. وكان إماما كثير العلم كبير القدر وافر الحرمة كامل العقل كثير العبادة والفضل.

سنة خمس وثلاثين ومائتين

فيها ألزم المتوكل جميع النصارى بلبس العسلي وخصوا به.

وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصلي أبو محمد النديم. كان رأسا في صناعة الأدب والموسيقى، أديبا عالما أخباريا شاعرا محسنا كثير الفضائل. سمع من مالك وهشيم وجماعة. وعاش خمسا وثمانين سنة. وكان نافق السوق عند الخلفاء العباسية، بعد من الأجواد. وثقه إبراهيم الحربي.

وفيها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي الأمير ابن عم طاهر بن الحسين. ولي بغداد أكثر من عشرين سنة. وكان يسمى صاحب الجسر. وكان صارما سائسأ حازما. وهو الذي كان يطلب الفقهاء ويمتحنهم بأمر المأمون. مات في آخر السنة.

وفيها سريج بن يونس البغدادي أبو الحارث الجمال العابد أحد أئمة الحديث. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته. وهو الذي رأى رب العزة في المنام.

وفيها شيبان بن فروخ الأبلي من كبار الشيوخ وثقاتهم. روى عن جرير بن حازم وطبقته. قال عبدان: كان عنده خمسون ألف حديث. قلت: وهو شيبان بن أبي شيبة.

وفيها أبو بكر بن أبي شيبة. وهو الإمام أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، صاحب التصانيف الكبار. توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة. سمع من شريك فمن بعده. قال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ منه. وقال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: أبو بكر بن أبي شيبة، وهو أسردهم له، وابن معين وهو أحفظهم له، وابن المديني وهو أعلمهم به. وأحمد ابن حنبل، وهو أفقههم فيه. وقال صالح جزرة: أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة. وقال نفطويه: لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفا.

وفيها عبيد الله بن عمر القواريري البصري الحافظ أبو سعيد ببغداد، في ذي الحجة. روى عن حماد بن زيد وطبقته. وقال صالح جزرة: هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة.

وفيها، وقيل سنة ست وعشرين، أبو الهذيل العلاف محمد بن الهذيل بن عبد الله البصري. شيخ المعتزلة ورأس البدعة. وله نحو من مائة سنة.

سنة ست وثلاثين ومائتين

فيها توفي بن إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني الحافظ أبو إسحاق محدث المدينة. روى عن ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما فأكثر.

وفيها أبو معمر القطيعي إسماعيل بن إبراهيم ببغداد. روى عن شريك وطبقته. وكان ثقة صاحب حديث وسنة.

وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن سهل. وله سبعون سنة وكان سمحا جوادا إلى الغاية ممدحا. يقال إنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار.

وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب الحافظ أبو عبد الله الأسدي الزبير المدني النسابة الأخباري. سمع مالكا وطائفة. قال الزبير: كان عمي مصعب وجه قريش مروءة وعلما وشرفا وبيانا وقدرا وجاها. وكان نسابة قريش. عاش ثمانين سنة.

وفيها هدبة بن خالد القيسي البصري، أبو خالد الحافظ. سمع حماد ابن سلمة ومبارك بن فضالة والكبار، فأكثر. قال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلي خلف هدبة مما يطول، كان يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه وكل شيء منه، حتى في صلاته.

سنة سبع وثلاثين ومائتين

فيها وثبت بطارقة أرمينية على متوليها يوسف بن محمد فقتلوه. فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير. فالتقوا عند أردبيل، فكسرهم بغا الكبير، وقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا، وسبى وغنم، ونزل بناحية تفليس.

وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد القاضي وآله وصادرهم، وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم.

وفيها توفي حاتم الأصم أبو عبد الرحمن الزاهد، صاحب المواعظ والحكم بخراسان، وكان يقال له لقمان هذه الأمة.

وفيها عبد الأعلى بن حماد النرسي الحافظ، في جمادى الآخرة. روى عن حماد بن سلمة ومالك وخلق. وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال.

وفيها عبد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري. سمع أباه ومعمر بن سليمان. قال أبو داود: كان فصيحا يحفظ نحو عشرة آلاف حديث.

وفيها الفضل بن الجحدري، ابن أخي كامل بن طلحة. سمع حماد بن سلمة والكبار. وكان له حفظ ومعرفة.

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي، ابن عم الشافعي. سمع الفضيل بن عياض وطائفة. وكان كثير الحديث ثقة.

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

فيها حاصر بغا تفليس، وقد عصى بها إسحاق بن إسماعيل. فخرح للمحاربة، فأحيط به ضربت عنقه. وأحرقت تفليس فاحترق بها خلق.

وفيها أقبلت الروم في البحر في ثلاث مائة مركب وأهبة عظيمة، فكبسو دمياط، وسبوا وأحرقوا، وأسرعوا الكرة في البحر، فأسروا ست مائة إمرأة.

وفيها توفي إسحاق بن راهويه، وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب ابن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف. سمع عبد العزيز الدراوردي وبقية وطبقتهما. وعاش سبعا وسبعين سنة. وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير، فترك الرواية عنه لصغره. قال الإمام أحمد: لا أعلم بالعراق له نظيرا، وما عبر الجسر مثل إسحاق. وقال محمد بن أسلم: ما أعلم أحدأ كان أخشى لله من إسحاق، ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق. وقال أحمد بن سلمة: أملى علي إسحاق التفسير عن ظهر قلب. وجاء عن غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث. وقال أبو زرعة: ما رؤي أحفظ من إسحاق. توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور.

وفيها بشر بن الحكم العبدي النيسابوري الفقيه، والد عبد الرحمن. توفي قبل إسحاق بشهر، وقد رحل قبله. لقي مالكا والكبار. عني بالأثر.

وفيها بشر بن الوليد الكندي القاضي العلامة أبو الوليد ببغداد، في ذي القعدة، وله سبع وتسعون سنة. تفقه على أبي يوسف، وسمع من مالك وطبقته. وولي قضاء مدينة المنصور. وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل.

وفيها الحسين بن منصور، أبو علي السلمي النيسابوري الحافظ. رحل وسمع وأكثر عن أبي بكر بن عياش وابن عيينة وطبقتهما. وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى، ودعا الله فمات في اليوم الثالث.

وفيها طالوت بن عباد أبو عثمان الصيرفي البصري. له مشيخة عاليه مشهورة. روى عن حماد بن سلمة وطبقته. وكان ثقة. ولم يخرجوا له شيئا.

وفيها عمرو بن زرارة الكلابي النيسابوري، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن هشيم وطبقته. وكان ثقة صاحب سنة.

وفيها عبد الملك بن حبيب مفتي أهل الأندلس ومصنف الواضحة وغير ذلك، في رابع رمضان، وله أربع وسبعون سنة. تفقه بالأندلس على أصحاب مالك: زياد بن عبد الرحمن شبطون وغيره. وحج سنة ثمان ومائتين. فحمل عن عبد الملك بن الماجشون وطائفة. وتفرد بالمشيخة بعد يحيى بن يحيى. وهو في الحديث ليس بحجة.

وفيها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الداخل الأموي صاحب الأندلس، وقد نيف على الستين. وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة. وكان محمود السيرة عادلا جوادا مفضلا، له نظر في العقليات، ويقيم الناس الصلوات، ويهتم بالجهاد.

وفيها محمد بن بكار بن الريان ببغداد، في ربيع الآخر. سمع فليح بن سليمان وقيس بن الربيع بن الكبار.

وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلاني. مصنف الزهديات وشيخ ابن أبي الدنيا.

وفيها محمد بن عبيد بن حساب الغبري بالبصرة. روى عن حماد بن زيد وطبقته. وكان ثقة حجة.

وفيها محمد بن أبي السري العسقلاني في شعبان. سمع الفضيل بن عياض وطبقته.

وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرئ الحافظ نزيل مصر، وقيل في السنة التي قبلها. سمع عبد العزيز الدراوردي وطبقته.

سنة تسع وثلاثين ومائتين

فيها غزا المسلمون وعليهم علي الأرمني، حتى شارفوا القسطنطينية، فأغاروا وأحرقوا ألف قرية وقتلوا وسبوا.

وفيها عزل يحيى بن أكثم عن القضاء وصودر، وأخذ منه مائة ألف دينار.

وفيها توفي مفتي بلخ أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الحنفي الفقيه في جمادى الأولى. أخذ عن أبي يوسف، وسمع من مالك وجماعة. وكان رئيسا مطاعا فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما. وخرج له النسائي، وهو شيخه.

وفيها داود بن رشيد، أبو الفضل الخوارزمي، ببغداد، في شعبان. سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته. وكان ثقة، وامتنع من الرواية.

وفيها صفوان بن صالح، أبو عبد الملك مؤذن جامع دمشق. روى عن الوليد بن مسلم وطبقته. وكان حنفي المذهب.

وفيها الصلت بن مسعود الجحدري. قاضي سامراء في صفر. روى عن حماد بن زيد وطبقته.

وفيها عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي مشكدانه. روى عن أبي الأحوص وجماعة كبيرة.

وفيها عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي الحافظ. وكان أكبر من أخيه أبي بكر. رحل وطوف وصنف التفسير والمسند. وحضر مجلسه ثلاثون ألفا. روى عن شريك وأبي الأحوص وخلق.

وفيها محمد بن مهران، أبو جعفر الجمال الرازي الحافظ. رحل وطوف. وروى عن فضيل بن عياض وخلق كثير.

وفيها محمد بن يحيى بن أبي سمينة، أبو جعفر البغدادي التمار الحافظ في ربيع الأول. سمع المعافي بن عمران وطائفة.

وفيها محمود بن غيلان، أبو أحمد المروزي الحافظ محدث مرو. صبح وحدث ببغداد عن الفضل بن موسى وابن عيينة وطائفة. قال الإمام أحمد بن حنبل: أعرفه بالحديث صاحب سنة. حبس بسبب القرآن.

وفيها وهب بن بقية الواسطي. ويقال له وهبان. روى عن هشيم وأقرانه.

سنة أربعين ومائتين

فيها توفي أحمد بن أبي دؤاد قاضي القضاة أبو عبد الله الإيادي وله ثمانون سنة. وكان فصيحا مفوها شاعرا جوادا ممدحا رأسا في التهجم. وهو الذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله. وقد مرض بالفالج قبل موته بنحو أربع سنين، ونكب وصودر.

وفيها توفي أبو ثور بن إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام. تفقه بالشافعي. وسمع من ابن عيينة وغيره. وبرع في العلم، ولم يقلد أحدا. قال الإمام احمد: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة. وهو عندي في صلاح سفيان الثوري.

وفيها الحسن بن عيسى بن ماسرجس، أبو علي النيسابوري. توفي في أول السنة بطريق مكة. وكان ورعا دينا ثقة. أسلم على يد ابن المبارك، وسمع الكثير منه ومن أبي الأحوص وطائفة. ولما مر ببغداد وحدث بها عدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة.

وفيها أبو عمرو خليفة بن خياط العصفوري البصري الحافظ شباب صاحب التاريخ والطبقات وغير ذلك. وسمع من يزيد بن زريع وطبقته.

وفيها سويد بن سعيد، أبو محمد الهروي الحدثاني، نسبة إلى الحديثة التي تحت عانة. سمع مالكا وشريكا وطبقتهما. وكان مكثرا، حسن الحديث. بلغ مائة سنة. قال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس.

وفيها سويد بن نصر المروزي. رحل وكتب عن ابن المبارك وابن عيينة. وعمر سبعين سنة.

وفيها سحنون مفتي القيروان وقاضيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الحمصي الأصل المغربي المالكي. صاحب المدونة. أخذ عن أبي القاسم وابن وهب وأشهب. وله عدة أصحاب. وعاش ثمانين سنة.

وفيها عبد الواحد بن غياث المربدي البصري. سمع حماد بن سلمة وطبقته.

وفيها محدث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي ثم البغلاني الحافظ، واسمه يحيى، وقيل علي؛ وقتيبة لقبه. سمع مالكا والليث والكبار. ورحل العلماء إليه من الأوطان. وكان من الأغنياء التقاة ببغلان.

وفيها أبو بكر الأعين محمد بن أبي عتاب الحسن بن ظريف البغدادي الحافظ، في جمادى الأولى. سمع زيد بن الحباب وطبقته. ورحل إلى الشام ومصر وسمع صنف.

وفيها الليث بن خالد أبو الحارث المقرئ الكبير صاحب الكسائي. وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد. وتوفي قبل الأربعين تقريبا.

وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي الواسطي الحافظ. روى عن الوليد بن مسلم وجماعته. وهو ضعيف. قال البخاري: فيه نظر.

وعبد العزيز بن يحيى الكناني المكي صاحب الحيدة. سمع من سفيان بن عيينة، وناظر بشرا المريسي. وهو معدود في أصحاب الشافعي.

ونصر بن يوسف الرازي النحوي المقرئ تلميذ الكسائي.

وعمر بن زرارة الحدثي. ثقة، له مشيخة مشهورة. روى عن شريك وجماعة.

وأبو يعقوب الأزرق المقرئ صاحب ورش. وكان مقرئ ديار مصر في زمانه. واسمه يوسف بن عمرو بن يسار.

وأبو الفضل أحمد المعدل بن غيلان العبدي البصري الفقيه المالكي المتكلم، صاحب عبد الملك بن الماجشون وكان فصيحا مفوها. له عدة مصنفات. وعليه تفقه إسماعيل بن إسحاق والبصريون.

سنة إحدى وأربعين ومائتين

فيها، في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة، شيخ الإسلام وعالم أهل العصر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الدهلي ثم الشيباني المروزي ثم البغدادي. أحد الأعلام ببغداد، وقد جاوز سبعا وسبعين سنة بأيام. وكان أبوه جنديا فمات شابا أول طلب أحمد للعلم في سنة تسع وسبعين ومائة. فسمع بن هشيم وإبراهيم بن سعد وطبقتهما. وكان شيخا أسمر مديد القامة مخضوبا عليه سكينة ووقار. وقد جمع ابن الجوزي أخباره في مجلد، وكذلك البيهقي وشيخ الإسلام الهروي. وكان إماما في الحديث وضروبه، إماما في الفقه ودقائقه، إماما في السنة وطرائقها، إماما في الورع وغوامضه، إماما في الزهد حقائقه. رحمة الله عليه.

وفيها توفي جبارة بن المغلس الحماني الكوفي، عن سن عالية. روى عن شبيب بن أبي شيبة وأبي بكر النهشلي. وهو ضعيف عندهم.

وفيها الحسن بن حماد، الإمام أبو علي الحضرمي البغدادي سجادة. روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته. وكان ثقة صاحب سنة. وله حلقة وأصحاب.

وفيها أبو توبة الحلبي، واسمه الربيع بن نافع الحافظ. سمع معاوية بن سلام وشريكا والكبار. روى البخاري ومسلم عن رجل عنه.

وفيها عبد الله بن منير، أبو عبد الرحمن المروزي. الزاهد القانت الذي قال البخاري: لم أر مثله روى عن يزيد بن هارون وطبقته. وكان ثقة.

وفيها أبو قدامة السرخسي، عبيد الله بن سعيد الحافظ. سمع سفيان بن عيينة وطبقته.

وفيها يعقوب بن حميد بن كاسب المحدث: مدني مشهور. نزل مكة وروى عن إبراهيم بن سعد طبقته.

سنة اثنتين وأربعين ومائتين

فيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه قاضي المدينة ومفتيها، في رمضان، وله اثتنان وتسعون سنة. تفقه على مالك وسمع منه الموطأ ولزمه مدة. وسمع من جماعة. قال الزبير بن بكار: مات وهو فقيه المدينة غير مدافع.

وفيها القاضي أبو حسان الزيادي، وهو الحسن بن عثمان، في رجب ببغداد. وكان ثقة أخباريا مصنفا كثير الاطلاع. سمع حماد بن زيد وطبقته. قيل إن الشافعي نزل عليه ببغداد.

وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلواني الخلال. سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته. قال إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدنيا ثلاثة: محمد بن يحيى الذهلي بخراسان وأحمد بن الفرات بأصبهان والحسن بن علي الحلواني بمكة.

وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق. قرأ على أيوب بن تميم. وسمع الوليد بن مسلم وطائفة. قال أبو زرعة الدمشقي: ما في الوقت أقرأ من ابن ذكوان. وقال أبو حاتم: صدوق. قلت: عاش سبعين سنة.

وفيها الإمام الرباني أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي الزاهد، صاحب المسند والأربعين. وكان يشبه في وقته بابن المبارك. رحل وسمع من يزيد ابن هارون وجعفر بن عون وطبقتهما. روى عنه إمام الأئمة ابن خزيمة وقال: لم تر عيني مثله. وقال غيره: كان ثقة من الأبدال. رحمة الله عليه.

وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التجيبي مولاهم، المصري الحافظ في شوال. سمع الليث وابن لهيعة. قال النسائي: ما أخطأ في حديث واحد. وقال ابن يونس: ثقة ثبت كان أعلم الناس بأخبار بلدنا.

وفيها توفي مخلد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ أبو جعفر صاحب التاريخ وعلل الحديث. سمع المعافي بن عمران وابن عيينة وطبقتهما. وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره. وقال النسائي: ثقة صاحب حديث.

وفيها نوح بن حبيب القومسي الحافظ، في رجب. روى عن عبد الله بن إدريس ويحيى القطان وطبقتهما. وكان ثقة صاحب سنة.

وفيها يحيى بن أكثم القاضي، أبو محمد المروزي ثم البغدادي، أحد الأعلام، في آخر السنة بالربذة منصرفا من الحج، وله سبعون سنة. روى عن جرير بن عبد الحميد وطبقته. وكان مجتهدا مصنفا. قال طلحة الشاهد: يحيى بن أكثم أحدا الأعلام القائم بكل معضلة في الدنيا. غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته، فكانت الوزراء لا تعمل شيئا إلا بعد مطالعته. وقال غيره: جعل المتوكل يحيى بن أكثم في مرتبة أحمد بن أبي دؤاد ثم غضب عليه. وقال أبو حاتم: فيه نظر.

سنة ثلاث وأبعين ومائتين

فيها توفي أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي الحافظ بنيسابور. وقيل في سنة خمس أو ست وأربعين. سمع وكيعا ورحل إلى عبد الرزاق.

وفيها أبو عبد الله أحمد بن عيسى المصري المعروف بابن التستري. سمع ابن وهب. نزل بغداد.

وفيها إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي. أحد الشعراء المجودين والكتاب المنشئين. كان موصوفا بالبلاغة والبراعة. وله ديوان مشهور فيه أشياء بديعة. قال دعبل: لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شيء.

وفيها الزاهد الناطق بالحكمة الحارث بن أسد المحاسبي، صاحب المصنفات في التصوف والأحوال. روى عن يزيد بن هارون وغيره.

وفيها الفقيه أبو حفص حرملة بن يحيى التجيبي المصري الحافظ، مصنف المختصر والمبسوط. روى عن ابن وهب مائة ألف حديث. وتفقه بالشافعي.

وفيها عبد الله بن معاوية الجمحي البصري، وقد نيف على المائة. روى عن القاسم بن الفضل الحداني والحمادين. وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها عقبة بن مكرم، أبو عبد الملك العمي البصري الحافظ. روى عن عبيد وطبقته. وكان ثبتا حجة.

ومات قبله عقبة بن مكرم الضبي الكوفي. روى عن ابن عيينة ويونس بن بكير. ولم يقع له رواية في شيء من الكتب الستة.

وفيها محمد بن يحيى بن أبي عمر، أبو عبد الله العدني الحافظ صاحب المسند، بمكة، في آخر السنة. روى عن الفضيل بن عياض والدراوردي وخلق. وكان عبدا صالحا خيرا.

وفيها هارون بن عبد الله الحافظ أبو موسى البغدادي البزار المعروف بالحمال. رحل وسمع عبد الله بن نمير وابن أبي مديك وطبقتهما. قيل إنه تزهد وصار يحمل بأجرة يتقوت بها.

وفيها هناد السري الحافظ الزاهد القدوة أبو السري الدارمي الكوفي، صاحب كتاب الزهد. روى عن شريك وإسماعيل بن عياش وطبقتهما فأكثر. وجمع وصنف.

وفيها أبو همام الوليد بن شجاع السكوني الكوفي الحافظ. سمع شريكا وإسماعيل بن جعفر وطبقتهما.

سنة أربع وأربعين ومائتين

فيها توفي أحمد بن منيع، الحافظ الكبير، أبو جعفر البغوي الأصم، صاحب المسند، ببغداد في شوال. سمع هشيما وطبقته. وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه.

وفيها إبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ ببغداد في رمضان. روى عن إسماعيل بن جعفر. وكان أعلم الناس بحديث هشيم. وكان صواما عابدا تقيا.

وفيها إسحاق بن موسى الأنصاري ثم الخطمي المدني ثم الكوفي، أبو محمد قاضي نيسابور روى عن ابن عيينة وطبقته. أطنب أبو حاتم الرازي في الثناء عليه. وكان كثير الأسفار، فتوفي بجوسية من أعمال حمص.

وفيها الحسن بن شجاع، أبو علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث، في شوال كهلا. ولم ينتشر حديثه. سمع عبيد الله بن موسى وطبقته. روى الترمذي عن رجل عنه.

وفيها أبو عمار الحسين بن حريث المروزي الحافظ. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته.

وفيها أبو علي حميد بن مسعدة الباهلي البصري الحافظ. روى عن حماد بن زيد وطبقته. ولم يرحل.

وفيها عبد الحميد بن بيان الواسطي. روى عن خالد الطحان وهشيم فأكثر.

وفيها علي بن حجر الحافظ الإمام أبو الحسن السعدي المروزي نزيل نيسابور في جمادى الأولى، وله نحو من تسعين سنة. روى عن إسماعيل بن جعفر وشريك وخلق.

وفيها محمد بن أبان أبو بكر المستملي البلخي الحافظ. مستملي وكيع. لقي ابن عييتة وابن وهب والكبار.

وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري، في جمادى الاولى. سمع أبا عوانة وطبقته. وكان صاحب حديث. ولي القضاء جماعة من أولاده.

وفيها يعقوب بن السكيت النحوي، أبو يوسف البغدادي. صاحب كتاب إصلاح المنطق. أخذ عن أبي عمرو الشيباني. وأدب أولاد المتوكل.

سنة خمس وأربعين ومائتين

فيها توفي أحمد بن عبدة الضبي بالبصرة. سمع حماد بن زيد والكبار وروى الكثير.

وفيها إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجرا المروزي الحافظ، في شوال ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. سمع حماد بن زيد وطبقته. وكان من كبار المحدثين.

وفيها إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي الشيعي المحدث، ابن بنت السدي. روى عن مالك وطبقته. وروى عن عمر بن شاكر عن أنس. وخرج له أبو داود والترمذي وغيرهما.

وفيها ذو النون المصري الزاهد، أحد مشايخ الطريق، وله تسعون سنة أو نحوها. وله مواعظ نافعة وكلام رفيع. استحضره المتوكل إليه ليسمع كلامه وينتفع برؤيته.

وفيها سوار بن عد الله بن سوار التميمي العنبري البصري، أبو عبد الله قاضي الرصافة، ببغداد. روى عن يزيد بن زريع وطبقته. وله شعر فائق.

وفيها دحيم الحافظ الحجة أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي. قاضي فلسطين والأردن. وله خمس وسبعون سنة. سمع ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما. قال أبو داود: لم يكن في زمانه مثله.

وفيها أبو تراب النخشبي العارف، واسمه عسكر بن الحصين. من كبار مشايخ القوم. صحب حاتما الأصم وغيره.

وفيها محمد بن رافع أبو عبد الله القشيري مولاهم النيسابوري الحافظ. سمع ابن عيينة ووكيعا وخلائق. وكان زاهدا عابدا صالحا قد أرسل إليه ابن طاهر نوبة خمسة آلاف درهم فردها، ولم يكن لأهله يومئذ خبز.

وفيها هشام بن عمار، أبو الوليد السلمي، خطيب دمشق وقارئها وفقيهها ومحدثها، في سلخ المحرم. عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن مالك وطبقته. وقرأ على أيوب بن تميم وعراك عن قراءتهما على يحيى الذماري صاحب ابن عامر.

سنة ست وأربعين ومائتين

فيها أحمد بن إبراهيم بن كثير، أبو عبد الله العبدي البغدادي الدورقي الحافظ. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته. وصنف التصانيف.

وفيها أحمد بن أبي الحواري الزاهد الكبير أبو الحسن الدمشقي. سمع أبا معاوية وطبقته. وكان من كبار المحدثين والصوفية، وأجل أصحاب أبي سليمان الداراني.

وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن المروزي الحافظ صاحب ابن المبارك بمكة. وقد سمع بن هشيم والكبار.

وفيها أبو عمرو الدوري، شيخ المقرئين في عصره، وله ست وتسعون سنة. وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان المقرئ. قرأ على الكسائي وإسماعيل بن جعفر ويحيى اليزيدي. وحدث عن طائفة. وصنف التصانيف. وكان صدوقا. قرأ عليه خلق كثير. قال: أدركت حياة نافع، ولو كان عندي شيء لرحلت إليه.

وفيها دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور الرافضي. مدح الخلفاء والملوك. وكان خبيث الهجاء. وقد أجازه عبد الله بن طاهر على أبيات ستين ألف درهم.

وفيها العباس بن عبد العظيم، أبو الفضل العنبري البصري الحافظ أحد علماء السنة. سمع يحيى القطان وطبقته. توفي في رمضان.

وفيها لوين، واسمه محمد بن سليمان، أبو جعفر الاسدي البغدادي ثم المصيصي. سمع مالكا وحماد بن زيد والكبار. وعمر دهرا طويلا جاوز المائة. وكان كثير الحديث ثقة.

وفيها محمد بن مصفى الحمصي، أبو عبد الله. روى عن الوليد بن مسلم وطائفة كبرة.

وفيها محمد بن يحيى بن فياض الزماني البصري. روى عن عبد الوهاب الثقفي وطبقته، فأكثر. وحدث في آخر عمره بدمشق وأصبهان.

وفيها المسيب بن واضح الحمصي. روى عن إسماعيل بن عياش والكبار. وتوفي في آخر السنة. قال أبو حاتم: صدوق يخطئ.

وفيها المفضل بن الغلابي ببغداد. روى عن عبد الرحمن بن مهدي وطبقته. وله تاريخ مفيد.

سنة سبع وأربعين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن سعيد الجوهري. أبو إسحاق البغدادي الحافظ صاحب المسند. روى عن هشيم وخلق كثير. ومات مرابطا بعين زربة. وكان من أركان الحديث. خرج مسند أبي بكر الصديق في نيف وعشرين جزءا.

وفيها أبو عثمان المازني النحوي صاحب التصانيف. واسمه بكر بن محمد. قال المبرد تلميذه: لم يكن بعد سيبويه أعلم من أبي عثمان المازني بالنحو.

وفيها في شوال قتل المتوكل أبو الفضل جعفر بن المعتصم بالله محمد ابن الرشيد هارون العباسي. فتكوا به في مجلس لهوه بأمر ابنه المنتصر. وعاش أربعين سنة. وكان أسمر نحيفا مليح العينين خفيف العارضين، ليس بالطويل. وهو الذي أحيا السنة وأمات التجهم. ولكنه كان فيه نصب ظاهر، وانهماك على اللذات والمكاره. وفيه كرم وتبذير. وكان قد عزم على خلع ابنه المنتصر وتقديم المعتز عليه لفرط محبته أمه قبيحة، وبقي يؤذيه ويتهدده إن لم ينزل عن العهد. واتفق مصادرة المتوكل لوصيف، فتعاملوا عليه. فدخل عليه خمسة في جوف الليل فنزلوا عليه بالسيوف. فقتلوه وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان معه.

وفيها مسلمة بن شبيب، أبو عبد الرحمن النيسابوري الحافظ، في رمضان بمكة. روى عن يزيد بن هارون وطبقته. وقد روى عنه من الكبار الإمام أحمد وغيره.

وفيها أو بعدها محمد بن مسعود الحافظ ابن العجمي.. سمع عيسى بن يونس ويحيى بن سعيد القطان وطبقتهما. ورابط بطرسوس. قال محمد بن وضاح القرطبي: هو رفيع الشأن فاضل، ليس بدون أحمد بن حنبل. يعني في العمل لا في العلم. والله أعلم.

سنة ثمان وأربعين ومائتين

فيها توفي الإمام العالم أبو جعفر أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ. سمع من ابن عيينة وابن وهب وخلق. قال محمد بن عبد الله بن نمير: إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد بن صالح. وقال ابن وارة الحافظ: أحمد بن حنبل ببغداد وأحمد بن صالح بمصر وابن نمير بالكوفة والنفيلي بحران، هؤلاء أركان الدين. وقال يعقوب الفسوي: كتبت عن ألف شيخ،. حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل.

وفيها الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه المتكلم، أبو علي ببغداد. وقيل مات سنة خمس وأربعين. تفقه على الشافعي. وسمع بن إسحاق الأزرق وجماعة. وصنف التصانيف. وكان متضلعا في الفقه والأصول والحديث ومعرفة الرجال. والكرابيس الثياب الغلاظ.

وفيها بغا الكبير أبو موسى التركي، مقدم قواد المتوكل، عن سن عالية. وكان بطلا شجاعا مقداما. له عدة فتوحات ووقائع. باشر الكثير من الحروب فما جرح قط. وخلف أموالا عظيمة.

وفيها أمير خراسان وابن أميرها طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، في رجب. ولي بن إمرة خراسان بعد أبيه ثماني عشرة سنة. ووليها بعده ولده محمد بن طاهر عشر سنين. وقد حدث طاهر عن سليمان بن حرب.

وفيها عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار، أبو بكر البصري ثم المكي العطار. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته. وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري. سمع أباه وابن وهب. وكان أحد الفقهاء.

وفيها عيسى بن حماد بن زغبة التجيبي مولاهم المصري. راوي الليث بن سعد.

وفيها القاسم بن عثمان الدمشقي الزاهد، المعروف بالجوعي. من كبار الصوفية والعباد العارفين. صحب أبا سليمان الداراني. وروى عن سفيان بن عيينة وجماعة. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها محمد بن حميد الرازي، أبو عبد الله الحافظ. روى عن جرير بن عبد الحميد ويعقوب القمي وخلق. وكان من أوعية العلم، لكن لا يحتج به. وله ترجمة طويلة.

وفيها، في ربيع الآخر، المنتصر أبو جعفر بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد العباسي، بالخوانيق. وكانت خلافته ستة أشهر. وعاش ستا وعشرين سنة. وأمه رومية تسمى حبشية. وكان ربعة جسيما أعين أقنى بطينا مليح الصورة مهيبا. وكان كامل العقل محبا للخير، محسنا إلى آل علي بارا بهم. وقيل إن أمراء الترك خافوه، فلما حم دسوا إلى طبيبه أبي طيفور ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة. وقيل سم في كمثرى. وقيل إنه قال: يا أماه ذهبت مني الدنيا والآخرة. عاجلت أبي فعوجلت.

وفيها محمد بن زنبور، أبو صالح المكي. روى عن حماد بن زيد وإسماعيل بن جعفر. وكان صدوقا.

وفيها محدث الكوفة أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الحافظ، في جمادى الآخرة. سمع ابن المبارك وعبد الله بن إدريس وخلائق. قيل إنه كان عنده ثلاث مائة ألف حديث.

وفيها أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد الكوفي القاضي. أحد أعلام القرآن. قرأ على سليم. وسمع من أبي خالد الأحمر وابن فضيل وطبقتهما. وكان إماما مصنفا في القراءات. ولي القضاء ببغداد.

سنة تسع وأربعين ومائتين

فيها توفي الحسن الصباح، الإمام أبو علي البزار ببغداد. سمع سفيان بن عيينة وطبقته. وكان الإمام أحمد بن حنبل يرفع قدره ويجله ويحترمه. قال أبو حاتم: صدوق. وكانت له جلالة عجيبة ببغداد. رحمه الله.

وفيها رجاء بن مرجي، أبو محمد السمرقندي الحافظ ببغداد. روى عن النضر بن شميل فمن بعده. قال الخطيب: كان ثقة ثبتا إماما في الحفظ والمعرفة.

وفيها عبد بن حميد الحافظ أبو محمد الكشي، صاحب المسند والتفسير. واسمه عبد الحميد فخفف. سمع يزيد بن هارون وابن أبي فديك وطبقتهما.

وفيها أبو حفص عمرو بن علي الباهلي البصري الصيرفي الفلاس الحافظ أحد الأعلام. سمع معتمر بن سليمان وطبقته. وصنف وعني بهذا الشأن. قال النسائي: ثقة حافظ. وقال أبو زرعة: ذاك في فرسان الحديث. وقال أبو حاتم: كان أوثق من علي بن المديني.

سنة خمسين ومائتين

فيها توفي العلامة أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، البصري الفقيه، مولى بني أمية. روى عن ابن عيينة وابن وهب وسرح مولى ابن وهب.

وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي المقرئ، مؤذن المسجد الحرام وشيخ الإقراء به. ولد سنة سبعين ومائة. وقرأ على عكرمة بن سليمان وأبي الإخريط. قرأ عليه جماعة. وكان لين الحديث، حجة في القرآن.

وفيها الحارث بن مسكين، الإمام أبو عمرو، قاضي الديار المصرية، وله ست وتسعون سنة. سأل الليث بن سعد، وسمع الكثير من ابن عيينة وابن وهب. وأخذ في المحنة فحبس دهرا حتى أخرجه المتوكل وولاه قضاة مصر. وكان من كبار أئمة السنة.

وفيها، ويقال في سنة خمس وخمسين، الإمام أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد النحوي المقرئ اللغوي. صاحب المصنفات. حمل العربية عن أبي عبيدة والأصمعي. وقرأ القرآن على يعقوب. وكتب الحديث عن طائفة.

وفيها عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني الكوفي الحافظ الحجة. سمع من شريك وابن أبي ثور والكبار. قال الإمام أحمد بن حنبل: كان داعية إلى الرفض. وقال ابن خزيمة: حدثنا الصدق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب. وروى عنه البخاري مقرونا بآخر.

وفيها عمرو بن بحر الجاحظ أبو عثمان البصري. صاحب التصانيف الكثيرة في الفنون. كان بحرا من بحور العلم رأسا في الكلام والاعتزال. وعاش تسعين سنة. وقيل بقي إلى سنة خمس وخمسين. أخذ عن القاضي أبي يوسف وثمامة بن أشرس وأبي إسحاق النظام.

وفيها توفي كثير بن عبيد المذحجي الحذاء، إمام جامع حمص مدة ستين سنة. حدث عن ابن عيينة وبقية وطائفة. قيل إنه ما سها في صلاة مدة ما أم. وكان عبدا صالحا.

وفيها أبو عمرو نصر بن علي الجهضمي البصري الحافظ، أحد أوعية العلم. روى عن يزيد بن زريع وطبقته. قال أبو بكر بن أبي داود: كان المستعين طلب نصر بن علي ليوليه القضاء، فقال لأمير البصرة: حتى أرجع فأستخبر الله. فرجع وصلى ركعتين وقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك، ثم نام فنبهوه، فإذا هو ميت. توفي في ربيع الآخر رحمه الله تعالى.

سنة إحدى وخمسين ومائتين

فيها توفي إسحاق بن المنصور الكوسج، الإمام الحافظ أبو يقوب المروزي بنيسابور، في جمادى الأولى. سمع سفيان بن عيينة وطائفة. وتفقه على أحمد وإسحاق. وكان ثقة نبيلا.

وفيها حميد بن زنجويه، أبو أحمد النسائي، صاحب المصنفات. روى عن النضر بن شميل، وخلق بعده.

وفيها عمرو بن عثمان الحمصي محدث حمص. روى عن إسماعيل ابن عياش وبقية وابن عيينة. قال ابن عيينة: كان أحفظ من محمد بن مصفى.

وفيها أبو التقى هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي الحافظ. روى عن إسماعيل بن عياش وبقية. وكان ذا معرفة وإتقان.

سنة اثنتين وخمسين ومائتين

قتل المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد العباسي. ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين، وبويع بعد المنتصر، وكان أمراء الترك قد استولوا على الأمر، وبقي المستعين مقهورا معهم، فتحول من سامرا إلى بغداد غضبان، فوجهوا يعتذرون إليه ويسألونه الرجوع، فامتنع. فعمدوا إلى الحبس، فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له. وجاء أبو أحمد لمحاصرة المستعين. فتهيأ المستعين ونائب بغداد ابن طاهر للحرب، وبنوا سور بغداد. ووقع القتال ونصبت المجانيق ودام الحصار أشهر، واشتد البلاء وكثر القتل وجهد أهل بغداد حتى أكلوا الجيف. وجرت عدة وقعات بين الفريقين. قتل في وقعة منها نحو الألفين من البغاددة. إلى أن كلوا وضعف أمرهم وقوي أمر المعتز. ثم تخلى ابن طاهر عن المستعين لما رأى البلاء، وكاتب المعتز. ثم سعوا في الصلح على خلع المستعين فخلع نفسه على شروط مؤكدة في أول سنة اثنتين هذه. ثم أنفذوه إلى واسط. فاعتقل تسعة أشهر. ثم أحضر إلى سامرا، فقتلوه بقادسية سامرا في آخر رمضان. وكان ربعة خفيف العارضين أحمر الوجه مليحا، بوجهه أثر جدري، ويلثغ في السين نحو الثاء. وكان مسرفا في تبذير الخزائن والذخائر سامحه الله.

وفيها إسحاق بن بهلول، أبو يعقوب التنوخي الأنباري الحافظ. سمع ابن عيينة وطبقته. وكان من كبار الأئمة. صنف في القراءات وفي الحديث والفقه. قال ابن صاعد: حدث إسحاق بن بهلول نحو خمسين ألف حديث من حفظه. قلت: عاش ثمانيا وثمانين سنة.

وفيها أبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي البغدادي، دلويه الحافظ. سمع هشيما وطبقته. وكان يقال له شعبة الصغير لإتقانه ومعرفته.

وفيها بندار محمد بن بشار البصري، أبو بكر الحافظ، في رجب. سمع معتمر بن سليمان وغندرا وطبقتهما. قال أبو داود: كتبت عنه خمسين ألف حديث.

وفيها محمد بن المثنى الحافظ، أبو موسى العتري البصري الزمن، في ذي القعدة. ومولده عام توفي حماد بن سلمة. سمع معتز بن سليمان وسفيان بن عيننة وطبقتهما.

وفيها يعقوب بن إبرهيم، أبو يوسف الدورقي الحافظ. سمع هشيما وإبراهيم بن سعد وطبقتهما.

سنة ثلاث وخمسين ومائتين

فيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ، أبو جعفر الدارمي السرخسي. أحد الفقهاء والأئمة في الأثر. سمع النضر بن شميل وطبقته.

وفيها أحمد بن المقدام، أبو الأشعت العجلي البصري المحدث، في صفر. سمع حماد بن زيد وطائفة كثيرة.

وفيها السري بن المغلس السقطي، أبو الحسن البغدادي، أحد الأولياء الكبار، وله نيف وتسعون سنة. سمع من هشيم وجماعة، وصحب معروفا الكرخي. وله أحوال وكرامات رحمة الله عليه.

وفيها الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، نائب بغداد. وكان جوادا ممدحا عالما قوي المشاركة جيد الشعر. مرض بالخوانيق.

وفيها وصيف التركي. كان من أكبر أمراء الدولة، وكان قد استولى على المعتز واصفطى الأموال لنفسه وتمكن حتى قُتل.

سنة أربع وخمسين ومائتين

فيها قتل بغا الصغير الشرابي، وكان قد تمرد وطغى، وراح نظيره وصيف، فتفرد واستبد بالأمور. وكان المعتز بالله يقول: لا أستلذ بحياة ما بقي بغا. ثم إنه وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار، وسار نحو السن، فاختلف عليه أصحابه وفارقه عسكره فذل، وكتب يطلب الأمان، وانحدر في مركب. فأخذته المغاربة، وقتله وليد المغربي وأتى برأسه.، فأعطاه المعتز عشرة آلاف دينار.

وفيها أبو الحسن علي بن الجواد محمد بن الرضى علي بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر العلوي الحسيني المعروف بالهادي. توفي بسامرا وله أربعون سنة. وكان فقيها إماما متعبدا. استفتاه المتوكل مرة ووصله بأربعة آلاف دينار. وهو أحد الاثني عشر الذين يعتقد الشيعة الغلاة عصمتهم.

وفيها محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي،. الحافظ أبو جعفر ببغداد. روى عن وكيع وطبقته، وولي قضاء حلوان، وكان من كبار الحفاظ، لما قدم ابن المديني بغداد قال: وجدت أكيس القوم هذا الغلام المخرمي.

وفيها أبو أحمد المرار بن حمويه الثقفي الهمذاني الفقيه. سمع أبا نعم وسعيد بن أبي مريم.، وكان موصوفا بالحفظ وكثرة العلم.

وفيها العتبي، صاحب العتبية في مذهب مالك. واسمه محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الأموي العتبي القرطبي الأندلسي الفقيه، أحد الأعلام ببلده. أخذ عن يحيى بن يحيى.، ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون، وبمصر عن أصبغ، وصنف المستخرجة، وجمع فيها أشياء غريبة عن مالك.

وفيها المؤمل بن إهاب، أبو عبد الرحمن الحافظ بالرملة.. روى عن ضمرة بن ربيعة ويحيى بن آدم وطبقتهما.

سنة خمس وخمسين ومائتين

فيها فتنة الزنج، وخروج العلوي قائد الزنج بالبصرة، فعسكر ودعا إلى نفسه، وزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى ابن الشهيد زيد بن علي، ولم يثبتوا نسبه. فبادر إلى دعوته عبيد أهل البصرة السودان، ومن ثم قيل الزنج، والتف إليه كل صاحب فتنة. حتى استفحل أمره وهزم جيوش الخليفة واستباح البصرة وغيرها وفعل الأفاعيل،. وامتدت أيامه الملعونة. إلى أن قتل إلى غير رحمة الله، في سنة سبعين.

وفيها خرج غير واحد من العلوية، وحاربوا بالعجم وغيرها.

وفيها توفي الإمام الحبر، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي التميمي السمرقندي الحافظ، صاحب المسند المشهور.، رحل وطوف وسمع النضر بن شميل وزيد بن هارون وطبقتهما. قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: غلبنا الدارمي بالحفظ والورع. وقال رجاء بن مرجى: ما رأيت أعلم بالحديث منه.

وفيها قتل المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي، في رجب.، خلعوه فأشهد على نفسه مكرها، ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى الحمام فعطش حتى عاين الموت وهو يطلب الماء فيمنع، ثم أعطوه ماء بثلج، فشربه وسقط ميتا. واختفت أمه قبيحة.، وسبب قتله أن جماعة من الأتراك قالوا: أعطنا أرزاقنا، فطلب من أمه مالا فلم تعطه، وكانت ذات أموال عظيمة إلى الغاية، منها جوهر وياقوت وزمرد، قوموه بألفي ألف دينار، ولم يكن بقي إذ ذاك في خزائن الخلافة شيء، فحينئذ أجمعوا على خلعه، ورئيسهم حينئذ صالح بن وصيف ومحمد بن بغا، فلبسوا السلاح، وأحاطوا بدار الخلافة، وهجم على المعتز طائفة منهم، فضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس حافيا ليخلع نفسه، فأجاب. وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد، فأول من بايعه المعتز بالله. وعاش المعتز ثلاثا وعشرين سنة. وكان من أحسن أهل زمانه. ولقبوا محمدا بالمهتدي بالله.

وفيها توفي محمد بن عبد الرحيم، أبو يحيى البغدادي الحافظ البزاز. ولقبه صاعقة. سمع عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وطبقته. وكان أحد الأثبات المجودين.

وفيها محمد كرام، أبو عبد الله السجستاني الزاهد، شيخ الطائفة الكرامية. وكان من عباد المرجئة.

وفيها موسى بن عامر المري الدمشقي. سمع الوليد بن مسلم وابن عيينة. وكان أبوه أبو الهيذام عامر بن عمارة سيد قيس وزعيمها وفارسها. وكان طلب من الوليد، فحدث ابنه هذا بمصنفاته.

سنة ست وخمسين ومائتين

كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته وقتل المعتز وظفر بأمه قبيحة فصادرها حتى استصفى نعمتها، وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف ألف دينار، ونفاها إلى مكة. ثم صادر خاصة المعتز وكتابه، وهم أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبا نوح عيس بن إبراهيم. ثم قتل أبا نوح وأحمد.

فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغا من بغداد وعبأ جيشه في أكمل أهبة ودخلوا سامرا ملبين قد أجمعوا على قتل صالح بن وصيف. وهم يقولون: قتل المعتز وأخذ أموال أمه وأموال الكتاب. وصاحت العامة: يا فرعون، جاءك موسى. ثم هجم بمن معه على المهتدي بالله وأركبوه فرسا وانتهبوا القصر. ثم أدخلوا المهتدي دار باجور وهو يقول: يا موسى، ويحك ما تريد؟ فيقول: وتربة المتوكل لا نالك سوء. ثم حلفوه لا يمالئ صالح بن وصيف عليهم وبايعوه. وطلبوا صالحا ليناظروه على أفعاله فاختفى. وردوا المهتدي إلى داره. وبعد شهر قتل صالح.

وفي رجب قتل المتهدي بالله أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد بن الواثق بالله بن هارون بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد العباسي. وكانت دولته سنة. وعمر نحو ثمان وثلاثين سنة. وكان أسمر رقيقا مليح الصورة ورعا تقيا متعبدا عادلا فارسا شجاعا قويا في أمر الله خليقا للإمارة، لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير. وقيل: إنه سرد الصوم مدة إمارته، وكان يقتنع بعض الليالي بخبز وخل وزيت.، وكان يتشبه بعمر بن عبد العزيز. وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد في بالليل. قد سد باب الملاهي والغناء وحسم الأمراء على الظلم. وكان يجلس بنفسه لعمل حساب الدواوين بين يديه. ثم إن الأتراك خرجوا عليه، فلبس السلاح وشهر سيفه. وحمل عليهم فجرح. ثم أسروه وخلعوه. ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه، وأقاموا بعده المعتمد على الله.

وفيها توفي الزبير بن بكار الإمام أبو عبد الله الاسدي الزبيدي قاضي مكة، في ذي القعدة. سمع سفيان بن عيينة ومن بعده. وصنف كتاب النسب وغير ذلك.

وفيها ليلة عيد الفطر، الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، مولى الجعفيين صاحب التصانيف. ولد سنة أربع وتسعين ومائة، وارتحل سنة عشر ومائتين، فسمع مكي بن إبراهيم وأبا عاصم النبيل وخلائق عدتهم ألف شيخ.، وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء، ولم يخلف بعده مثله. رحمة الله عليه.

وفيها يحيى بن حكيم البصري المقوم أبو سعيد الحافظ. سمع سفيان ابن عيينة وغندرا وطبقتهما. قال أبو داود: كان حافظا متقنا.

سنة سبع وخمسين ومائتين

فيها وثب العلوي قائد الزنج على الأبلة فاستباحها وأحرقها، وقتل بها نحو ثلاثين ألفا، فساق لحربه سعيد الحاجب، فالتقوا فانهزم سعيد. واستحر القتل بأصحابه. ثم دخلت الزنج البصرة، وخربوا الجامع، وقتلوا بها اثنتي عشر ألفا، فهرب باقي أهلها بأسواء حال، فخربت ودثرت.

وفيها قتل توفيل طاغية الروم. قتله بسيل الصقلبي.

وفيها توفي المحدث المعمر، أبو علي ابن بن عرفة العبدي البغدادي المؤدب، وله مائة وسبع سنين. سمع إسماعيل بن عياش وطبقته.، وكان يقول: كتب عني خمسة قرون. قال النسائي: لا بأس به.

وفيها زهير محمد بن قمير المروزي البغدادي الحافظ. سمع يعلى بن عبيد، ورحل إلى عبد الرزاق. وكان من أولياء الله. قال البغوي: ما رأيت بعد الإمام أحمد بن حنبل أفضل منه. كان يختم في رمضان تسعين ختمة.

وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السنجي المروزي. روى عن النضر بن شميل وعبد الرزاق.، وكان مقدما في العربية أيضا.

وفيها الرياشي أبو الفضل العباس بن الفرج.، قتلته الزنج بالبصرة وله ثمانون سنة.، أخذ عن أبي عبيدة ونحوه.، وكان إماما في اللغة والنحو أخباريا علامة ثقة. حكى عنه أبو داود في سنته.

وفيها زيد بن أخرم، أبو طالب الحافظ.، ذبحته الزنج أيضا.. روى عن يحيى القطان وطبقته.

وفيها أبو سعيد الأشج، عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ صاحب التصانيف، في ربيع الأول، وقد جاوز التسعين. روى عن هشيم وعبد الله بن إدريس وخلق. قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن أحمد الشطوي: ما رأيت أحفظ منه.

سنة ثمان وخمسين ومائتين

فيها توجه منصور بن جعفر، فالتقى بالخبيث قائد الزنج فقتل منصور في المصاف، واستبيح ذلك الجيش.، فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش عظيم، فانهزمت الزنج وتقهقرت.، ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح، فالتقوا الزنج، فقتل مفلح في المصاف وانهزم الناس، وتحيز الموفق إلى الأبلة. فسير قائد الزنج جيشا عليهم يحيى بن محمد، فانتصر المسلمون وقتل في الوقعة خلق، وأسروا يحيى، فأحرق بعد ما قتل ببغداد.، ثم وقع الوباء في جيش الموفق وكثر بالعراق.، ثم كانت وقعة هائلة بين الزنج والمسلمين، فقتل خلق من المسلمين. وتفرق عن الموفق عامة جنده.

وفيها توفي أحمد بن بديل، الإمام أبو جعفر اليامي الكوفة قاضي الكوفة ثم قاضي همذان.. روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته. وكان صالحا لما تقلد القضاء، عادلا في أحكامه.، وكان يسمى راهب الكوفة لعبادته. قال الدرارقطني: فيه لين.

وفيها أبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري قاضي نيسابور. روى عن أبيه وجماعة.

وفيها أحمد بن سنان القطان، أبو جعفر الواسطي الحافظ. سمع أبا معاوية وطبقته. وصنف المسند.، كتب عنه ابن أبي حاتم وقال: هو إمام أهل زمانه.

وفيها أحمد بن الفرات الحافظ، أبو مسعود الرازي، أحد الأعلام، في شعبان بأصبهان، طوف النواحي.، وسمع أبا أسامة وطبقته، وكان ينظر بأبي زرعة في الحفظ.، وصنف المسند والتفسير وقال: كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث.

وفيها محمد بن سنجر، أبو عبد الله الجرجاني الحافظ صاحب المسند، في ربيع الأول بصعيد مصر. سمع أبا نعيم وطبقته.

وفيها محمد بن عبد الملك بن زنجويه، أبو بكر الحافظ، في جمادى الآخرة ببغداد. وكان أحد من رحل إلى عبد الرزاق فأكثر وصنف.

وفيها محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، أبو عبد الله الذهلي النيسابوري. أحد الأئمة الأعلام. سمع عبد الرحمن بن مهدي وطبقته. وأكثر الترحال وصنف التصانيف.، وكان الإمام أحمد يجلسه ويعظمه. قال أبو حاتم: كان إمام أهل زمانه. وقال أبو بكر بن أبي داود: وهو أمير المؤمنين في الحديث.

وفيها يحيى بن معاذ الزاهد العارف حكيم زمانه وواعظ عصره. توفي في جمادى الأولى بنيسابور، وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرازي وغيره.

سنة تسع وخمسين ومائتين

كان طاغية الزنج قد نزل البطيحة وشق حوله الأنهار وتحصن، فهجم عليه الموفق فقتل من أصحابه خلقا وحرق أكواخه واستنقذ من النساء خلقا كثيرأ. فسار الخبيث إلى الاهواز ووضع السيف في الأمة، فقتل خمسين ألفا وسبى مثلهم. فسار لحربه موسى بن بغا، فحاربه بضعة عشر شهرا، وقتل خلق من الفريقين.

وفيها نزلت الروم لعنهم الله على ملطية. فخرج أحمد القابوس في أهلها، فالتقى الروم، فقتل مقدمهم الأقريطشي فانهزموا، ونصر الله المسلمين.

وفيها استفحل أمر يعقوب بن الليث الصفار ودوخ الممالك واستولى على أقليم خراسان وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان.

وفيها توفي أحمد بن إسماعيل. أبو حذافة السهمي المدني صاحب مالك ببغداد، وهو في عشر المائة. ضعفه الدارقطني وغيره.، وهو آخر من حدث عن مالك.

وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب،. أبو إسحاق الجوزجاني الحافظ صاحب التصانيف. سمع الحسين بن علي الجعفي وشبابة وطبقتهما. وكان من كبار العلماء. نزل دمشق وجرح وعدل.

وفيها حجاح بن يوسف ابن الشاعر الثقفي الحافظ، أحد الأثبات. سمع عبد الرزاق وطبقته.

وفيها محمد بن يحيى الإسفراييني الحافظ، محدث إسفرايين في ذي الحجة. سمع سعيد بن عامر الضبعي وطبقته، وبه تخرح الحافظ أبو عوانة.

وفيها الحافظ أبو الحسن ابن محمود بن سميع الدمشقي.، صاحب الطبقات، وأحد الثقات. سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته. قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه.

سنة ستين ومائتين

صال يعقوب بن الليث وجال، وهزم الشجعان والأبطال، وترك الناس بأسوإ حال.، ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان، فالتقوا فانهزم العلوي وتبعه يعقوب في تلك الجبال، فنزلت على يعقوب كسرة سماوية، نزل على أصحابه ثلج عظيم حتى أهلكهم، ورد إلى سجستان بأسوإ حال. وقد عدم بن جيوشه أربعون ألفا، وذهبت عامة خيله وأثقاله.

وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، الفقيه الحافظ صاحب الشافعي، ببغداد.. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته.، وكان من أذكياء العلماء.

وفيها الحسن بن علي الجواد بن محمد بن علي بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني.، أحد الأئمة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب.

وفيها حنين بن إسحاق النصراني. شيخ الأطباء بالعراق ومعرب الكتب اليونانية ومؤلف الرسائل المشهورة.

وفيها مالك بن طوق التغلبي.، أمير عرب الشام، وصاحب الرحبة وبانيها.

سنة إحدى وستين ومائتين

فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان بيعقوب بن الليث، وبالأهواز بقائد الزنج.، وتمت لهما حروب وملاحم.

وفيها توفي أحمد بن سليمان الرهاوي أبو الحسين الحافظ أحد الأئمة، طوّف وسمع زيد بن الحباب وأقرانه.

وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن العجلي الكوفي الحافظ، نزيل أطرابلس المغرب، وصاحب التاريخ والجرح والتعديل، وله ثمانون سنة.، نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها. روى عن حسين الجعفي وشبابة وطبقتهما، قال عباس الدوري: إنا كنا نعده مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.

وفيها أو في حدودها، أبو بكر الأثرم، أحمد بن محمد بن بن هاني الطائي الحافظ. أحد الأئمة المشاهير.. روى عن أبي نعيم وعفان.، وصنف التصانيف.، وكان من أذكياء الأئمة.

وفيها حاشد بن إسماعيل البخاري الحافظ بالشاش من إقليم الترك. روى عن عبيد الله بن موسى ومكي بن إبراهيم.، وكان ثبتا إماما.

وفيها الحسن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي، قاضي قضاة المعتمد.، وكان أحد الأجواد الممتدحين.

وفيها شعيب بن أيوب، أبو بكر الصريفني، مقرئ واسط وعالمها.، قرأ على يحيى بن آدم.، وسمع من القطان وطائفة. وكان ثقة.

وفيها أبو شعيب السوسي، صالح بن زياد، مقرئ أهل الرقة وعالمهم. قرأ على يحيى اليزيدي.، وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة. وتصدر للإقراء.، وحمل عنه طائفة. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها أبو يزيد البسطامي، العارف الزاهد المشهور، واسمه طيفور بن عيسى.، وكان يقول: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة.

وفيها مسلم بن الحجاح، أبو الحسن القشيري النيسابوري الحافظ، أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغير ذلك، في رجب، وله ستون سنة. وكان صاحب تجارة. وكان محسن نيسابور وله أملاك وثروة. وقد حج سنة عشرين ومائتين، فلقي القعنبي وطبقته.

سنة اثنتين وستين ومائتين

لما عجز المعتمد على الله، بن يعقوب بن الليث، كتب إليه بولاية خراسان وجرجان فلم يرض حتى يوافي باب الخليفة. وأضمر في نفسه الاستيلاء على العراق، والحكم على المعتمد. وخاف المعتمد، فتحول عن سامرا إلى بغداد، وجمع أطرافه وتهيأ للملتقى.، وجاء يعقوب في سبعين ألف فارس فنزل واسط، فتقدم المعتمد، وقصده يعقوب، فقدم المعتمد أخاه الموفق بجمهرة الجيش، فالتقيا في رجب واشتد القتال، فوقعت الهزيمة على الموفق، ثم ثبت وشرعت الكسرة على أصحاب يعقوب، فولوا الأدبار واستبيح عساكرهم، وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحد ولا يوصف، وخلصوا محمد بن طاهر، وكان مع يعقوب في القيود، ودخل يعقوب إلى فارس وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان ورده إلى عمله، وأعطاه خمسمائة ألف درهم، وعاثت جيوش الخبيث عند اشتغال العسكر، فنهبوا البطيحة، وقتلوا وأسروا، فسار عسكر الموفق لحربهم، فهزمهم وقتل منهم مقدم كبير يعرف بالصعلوك.

وفيها توفي عمر بن شبة، أبو زيد النميري البصري، الحافظ العلامة الأخباري، صاحب التصانيف.، حدث عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وطبقتهما وكان ثقة.

وفيها محمد بن عاصم أبو جعفر الأصبهاني العابد. سمع سفيان بن عيينة وأبا أسامة وطبقتهما. قال إبراهيم بن أورمة: ما رأيت مثل محمد بن عاصم ولا رأى مثل نفسه.

وفيها يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الحافظ، أحد الأعلام وصاحب المسند المعلل الذي ما صنف أحد أكبر منه، ولم يتمه، وكان سريا محتشما، عين لقضاء القضاة ولحقه على ما خرج من المسند نحو عشرة آلاف مثقال. وكان صدوقا.

سنة ثلاث وستين ومائتين

وفيها توفي أحمد بن الازهر بن منيع، أبو الأزهر النيسابوري الحافظ، وقيل سنة إحدى وستين.، رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته. ووصل إلى اليمن. قال النسائي: لا بأس له.

وفيها الحسن بن أبي الربيع الجرجاني ببغداد. سمع أبا يحيى الحماني ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه.

وفيها الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل، وقد نفاه المستعين إلى برقة ثم قدم بعد المستعين. فوزر للمعتمد إلى أن مات.

وفيها محمد بن علي بن ميمون الرقي العطار الحافظ. روى عن محمد بن يوسف الفريابي والقعنبي وأقرانهما. قال الحاكم: كان إمام أهل الجزيرة في عصره. ثقة مأمون.

وفيها معاوية بن صالح الحافظ، أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي. روى عن عبيد الله وأبي مسهر. وسأل يحيى بن معين وتخرج به.

سنة أربع وستين ومائتين

فيها أغارت الزنج على واسط، وهج أهلها حفاة عراة، ونهبت ديارهم وأحرقت، فسار لحربهم الموفق.

وفيها غزا المسلمون الروم، وكانوا أربعة آلاف عليهم ابن كاوس. فلما نزلوا البدندون، تبعهم البطارقة وأحدقوا بهم، فلم ينج منهم إلا خمسمائة، واستشهد الباقون، وأسر أميرهم جريحا.

وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير. وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه.

وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، أبو عبيد الله المصري المحدث.. روى الكثير عن عمه عبد الله.، وله أحاديث مناكير.، وقد احتج به مسلم.

وفيها أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري الحافظ، ويلقب حمدان. كان ممن رحل إلى اليمن وأكثر عن عبد الرزاق. وطبقته وكان يقول: كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث.

وفيها المزني الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحى بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي، في ربيع الأول وهو في عشر التسعين. قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. وكان زاهدا عابدا، يغسل الموتى حسبة. وصنف الجامع الكبير والجامع الصغير.، وتققه عليه خلق.

وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، في آخر يوم من السنة. رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما. قال أبو حاتم: لم يخلف بعده مثله فقها وعلما وصيانة وصدقا، وهذا مما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله. وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة فليس له أصل.

وفيها يونس بن عبد الأعلى، الإمام أبو موسى الصدفي المصري الفقيه المقرئ المحدث، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن ابن عيينة وابن وهب. وتفقه على الشافعي. وكان الشافعي يصف عقله. وقرأ القرآن على ورش. وتصدر للإقراء والفقه.، وانتهت إليه مشيخة بلده. وكان ورعا صالحا عابدا كبير الشأن.

سنة خمس وستين ومائتين

فيها توفي أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس، وزر للمنتصر والمستعين. ثم نفاه المستعين إلى المغرب، وكان أبوه أمير مصر في دولة الرشيد.

وفيها أحمد بن منصور، أبو بكر الرمادي الحافظ، ببغداد. وكان أحد من رحل إلى عبد الرزاق. وثقه أبو حاتم وغيره.

وفيها إبراهيم بن هانئ النيسابوري الثقة العابد، رحل وسمع من يعلى بن عبيد وطبقته. قال الإمام أحمد بن حنبل: إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانئ.

وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام أبو الفضل، قاضي أصبهان، في رمضان، وله اثنتان وستون سنة. سمع من عفان وطبقته، وتفقه على أبيه. قال ابن أبي حاتم: صدوق.

وفيها علي بن حرب، أبو الحسن الطائي الموصلي المحدث الأخباري، صاحب المسند. سمع ابن عيينة، وعاش تسعين سنة. وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين.

وفيها أبو حفص النيسابوري الزاهد، شيخ خراسان، واسمه عمرو ابن مسلم. وكان كبير القدر، صاحب أحوال وكرامات. وكان عجبا في الجود والسماحة، وقد نفذ مرة بضعة عشر ألف دينار، يفك بها أسارى، ومات وليس له عشاء.، وكان يقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ولا لمحه بقلبه.

وفيها محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم، الذي تلقبه الرفضة الخلف الحجة وتلقبه بالمهدي وبالمنتظر وتلقبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الاثني عشر. وضلال الرافضة ما عليه مزيد. فإنهم يزعمون أنه دخل السرداب الذي بسامرا فاختفى وإلى الآن، وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها.

وفيها العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي مفتي القيروان، تفقه على أبيه.، وكان إماما مناظرا كثير التصانيف، متعظما بالقيروان، خرج له عدة أصحاب، وما خلف بعده مثله.

وفيها يعقوب بن الليث الصفار، الذي غلب على بلاد المشرق، وهزم الجيوش.، وقام بعده أخوه عمرو بن الليث، وكانا شابين صفارين،. فيهما شجاعة عظيمة مفرطة.، فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارح بسجستان، فآل أمرهما إلى الملك، فسبحان من له الملك.، ومات يعقوب بالقولنج في شوال بجنديسابور. وكتب على قبره: هذا قبر يعقوب المسكين. وقيل إن الطبيب قال له: لا دواء لك إلا الحقنة، فامتنع منها. وخلف أموالا عظيمة، منها من الذهب ألف ألف دينار. ومن الدراهم خمسين أالف ألف درهم.، وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة، وامتدت أيامه.

سنة ست وستين ومائتين

فيها أخذت الزنج رامهرمز فاستباحوها قتلا وسبيا.

وفيها خرج أحمد بن عبد الله الخجستاني وحارب عَمر بن الليث الصفار. فظهر عليه. ودخل بنيسابور، فظلم وعسف.

وفيها خرجت جيوش الروم ووصلت إلى الجزيرة، فعاثوا وأفسدوا.

وفيها مات إبراهيم بن أورمة، أبو إسحاق الأصبهاني الحافظ، أحد الأذكياء المحدثين،. في ذي الحجة ببغداد. روى عن عباس العنبري وطبقته. ومات قبل أوان الرواية.

وفيها محمد بن شجاع بن الثلجي فقيه العراق شيخ الحنفية. سمع من إسماعيل بن علية. وتفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤي، وصنف واشتغل.، وهو متروك الحديث.، توفي ساجدا في صلاة الصبح، وله نحو من تسعين سنة.

وفيها محمد بن عبد الملك بن مروان،. أبو جعفر الواسطي، في شوال. روى عن يزيد بن هارون وطبقته. وكان ثقة صاحب حديث.

سنة سبع وستين ومائتين

فيها دخلت الزنج واسط فاستباحوها ورموا النار فيها، فسار لحربهم أبو العباس،. وهو المعتضد، فكسرهم. ثم التقاهم ثانيا بعد أيام فهزمهم، ثم واقعهم ونازلهم، وتصابروا على القتال شهرين، فذلوا ووقع في قلوبهم الرعب من أبي العباس بن الموفق، ونجوا إلى الحصون، وحاربهم في المراكب، فغرق منهم خلق.، ثم جاء أبو الموفق في جيش لم ير مثله، فهزموا الزنج، هذا وقائدهم العلوي غائب عنهم، فلما جائته الأخبار بهرب جنوده مرات ذل واختلف إلى الكنيف مرارا وتقطعت كبده.، ثم زحف عليهم أبو العباس. وجرت لهم حروب يطول شرحها، إلى أن برز الخبيث قائد الزنج بنفسه في ثلاثة آلاف فارس، ونادى الموفق بالأمان، وأتاه خلق، ففت ذلك في عضد الخبيث. ولم تجر وقعة. لأن النهر فصل بين الجيشين.

وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله، أبو بشر العبدي الأصبهاني سمويه. سمع بكر بن بكار وأبا مسهر وخلقا من هذه الطبقة. قال أبو الشيخ: وكان حافظا متقنا يذاكر بالحديث.

وفيها المحدث إسحاق بن إبراهيم الفارسي شاذان في جمادى الآخرة بشيراز. روى عن قاضي شيراز سعيد بن الصلت وطائفة. وثقه ابن حبان.

وفيها بحر بن نصر بن سايق الخولاني المصري. سمع ابن وهب وطائفة.، وكان أحد الثقات الأثبات. روى النسائي في جمعه لمسند مالك عن رجل عنه.

وفيها حماد بن إسحاق بن إسماعيل، الفقيه أبو إسماعيل القاضي، وأخو إسماعيل القاضي.، تفقه على أحمد بن المعدل.، وحدث بن القعنبي. وصنف التصانيف. وكان بصيرا بمذهب مالك.

وفيها عباس الترقفي ببغداد، أحد الثقات العباد. سمع محمد بن يوسف الفريابي وطبقته.

وفيها عبد العزيز بن منيب أبو الدرداء المروزي الحافظ. رحل وطوف. وحدث عن مكي بن إبراهيم وطبقته.

وفيها محمد بن عزيز الأيلي بأيلة. روى عن سلامة بن روح وغيره.

وفيها يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي الحافظ، شيخ النيسابور بعد أبيه.، ويقال له حيكان. رحل وسمع من سليمان بن حرب وطبقته. وكان أمير المتطوعة المجاهدين.، ولما غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على نيسابور، وكان ظلوما غشوما، فخرج منها هاربا، فخافت النيسابوريون كرته، فاجتمعوا على باب حيكان، وعرضوا في عشرة آلاف مقاتل، ورد إليهم أحمد، فانهزموا واختفى حيكان. وصحب قافلة ولبس عباءة، فعرف وأتي به إلى أحمد، فقتله.

وفيها يونس بن حبيب أبو بشر العجلي مولاهم الأصبهاني. روي مسند الطيالسي عنه.، وكان ثقة ذا صلاح وجلالة.

سنة ثمان وستين ومائتين

فيها غزا الثغور الشامية خلف التركي الطولي، فقتل من الروم بضعة عشر ألفا، وغنموا غنيمة هائلة، حتى بلغ السهم أربعين دينارا.

وفيها كان المسلمون يحاصرون الخبيث في مدينته المسماة بالمختارة.

وفيها توفي محدث مرو أبو الحسن أحمد بن سيار المروزي الحافظ مصنف تاريخ مرو، في ربيع الآخر. سمع عن عفان وطبقته. وكان يشبه في عصره بابن المبارك،. علما وزهدا. وكان صاحب وجه في مذهب الشافعي. أوجب الأذان للجمعة فقط.

وفيها أبو عبد المؤمن أحمد بن شيبان الرملي، في صفر. روى عن بن عيينة وجماعة.، وثقه الحاكم.

وفيها أحمد بن يوسف الضبي الكوفي. بأصبهان. روى عن حجاج الأعور وطبقته. وكان ثقة محتشما.

وفيها في شوال، أحمد بن عبد الله الخجستاني، كان من أمراء يعقوب الصفار، جبارا عنيدا. خرج على يعقوب، وأخذ نيسابور. وله حروب ومواقف مشهودة. ذبحه غلمانه وقد سكر.

وفيها عيسى بن أحمد العسقلاني الحافظ. وهو بغدادي، نزل عسقلان محلة ببلخ. روى عن ابن وهب وبقية وطبقتهما.

وفيها محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، الإمام أبو عبد الله المصري، مفتي الديار المصرية.، تفقه بالشافعي وأشهب.، وروى عن ابن وهب وعدة. قال ابن خزيمة: ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه. قلت: توفي في نصف ذي القعدة. وله مصنفات كثيرة.

سنة تسع وستين ومائتين

فيها ظفر المسلمون بمدينة الخبيث، وحصروه في قصره. فأصاب الموفق سهم فتألم منه. ورجع بالجيش حتى عوفي. فحصن الخبيث مدينته وبنى ما تهدم.

وفيها تحيل المعتمد على الله من أخيه الموفق، ولا ريب في أنه كان مقهورا مع الموفق. فكاتب أحمد بن طولون واتفقا، وسافر المعتمد في خواصه من سامر يريد اللحاق بابن طولون. في صورة متنزه متصيد. فجاء كتاب الموفق إلى إسحاق بن كنداج يقول: متى تفق ابن طولون المعتمد لم تبق منكم باقية، وكان إسحاق على نصيبين في أربعة آلاف، فبادر إلى الموصل، فإذا بحراقات المعتمد وأمراؤه، فوكل بهم. وتلقى المعتمد بين الموصل والحديثة، فقال: يا إسحاق، لم منعت الحشم من الدخول إلى الموصل؟ فقال: أخوك يا أمير المؤمنين في وجه العدو، وأنت تخرج عن مستقرك، فمتى علم رجع عن قتال الخبيث عدوك على دار آبائك. ثم كلم المعتمد بكلام قوي ووكل به وساقه وأصحابه إلى سامرا، فتلقاه صاعد كاتب الموفق وتسلمه من إسحاق، فأنزله في دار أحمد بن الخصيب، ومنعه من دخول دار الخلافة. ووكل بالدار خمسمائة يمنعون من يدخل إليه. وبقي صاعد يقف في خدمته، ولكن ليس له حل ولا ربط. وأما ابن طولون فجمع الأمراء والقضاة وقال: قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد، فخلعوه إلا القاضي بكار، فقيده وحبسه. وأمر بلعنة الموفق على المنابر.

وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري. صاحب ابن وهب. وكان ثقة.

وفيها الأمير عيسى بن الشيخ بن الذهلي، وكان قد ولي دمشق. فأظهر الخلاف في سنة خمس وخمسين. وأخذ الخزائن وغلب على دمشق. فجاء عسكر المعتمد، فالتقاهم ابنه ووزيره فهزمهم، وقتل ابنه وصلب وزيره. وهرب عيسى، ثم استولى على آمد وديار بكر مدة.

سنة سبعين ومائتين

فيها التقى المسلمون والخبيث فاستظهروا، ثم وقعة أخرى قتل فيها، وعجل الله بروحه إلى النار. واسمه علي بن محمد العبقسي، المدعي أنه علوي.، ولقد طال قتال المسلمين معه، واجتمع مع الموفق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل، أجناد ومطوعة.، وفي آخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل، ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم، فحاربهم المسلمون، فانهزم الخبيث، وتبعهم أصحاب الموفق يأسرون ويقتلون، ثم استقبل هو وفرسانه، وحملوا على الناس فأزالوهم، فحمل عليه الموفق والتحم القتال، وإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده، فلم يصدقه.، فعرفه جماعة من الناس، فحينئذ ترجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء، فخروا لله سجدا وكبروا، وسار الموفق، فدخل بالرأس بغداد، وعملت القباب، وكان يوما مشهودا، وأمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث. وكانت أيامه خمس عشرة سنة. قال الصولي: قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف. قال: وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف، وكان يصعد على المنبر، فيسب عثمان وعليا وعائشة ومعاوية. وهو اعتقاد الأزارقة، وكان ينادى في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة، وكان عند الواحد من الزنج العشرة من العلويات يفترشهن، وكان الخبيث خارجيا يقول: لا حكم إلا لله. وقيل: كان زنديقا يتستر بمذهب الخوارج وهو أشبه. فان الموفق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستين، يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله مما فعل من سفك الدماء وسبي الحريم وانتحال النبوة والوحي، فما زاده الكتاب إلا تجبرا وطغيانا. ويقال: إنه قتل الرسول، فنازل الموفق مدينته المختارة، فتأملها فإذا مدينة حصينة محكمة الأسوار، عميقة الخادق، فرأى شيئا مهولا، ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله، تم رموه رمية واحدة بالمجانيق والمقاليع والنشاب، وصاحوا صيحة واحدة، ارتجت منها الأرض.، فعمد الموفق إلى مكاتبة قواد الخبيث واستمالهم، فاستجاب اسه عدد منهم فأحسن إليهم.، وكان الخبيث منجما يكتب الحروز، وأول شيء كان بواسط، فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه، فلم يلبث أن خرج بالبصرة، واستغوى السودان الزبالين والعبيد، فصار أمره إلى ما صار.

وفيها في ذي القعدة توفي أمير الديار المصرية والشامية أبو العباس أحمد بن طولون، وهو في عشر الستين، وخلف عشرة ألف ألف دينار، وكان له أربعة عشر ألف مملوك.، وكان كريما شجاعا مهيبا حازما لبيبا. قال القضاعي: كان طائش السيف. فأحصي من قتله صرا أو مات في سجنه، فكانوا ثمانية عشر ألفا. وكان يحفظ القرآن، وأوتي حسن الصوت به،. وكان كثير التلاوة. وكان أبوه أحمد من مماليك المأمون. مات سنة أربعين ومائتين. وملك أحمد الديار المصرية ست عشر سنة.

وفيها أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني، أخو محمد بن عاصم.، رحل وصنف المسند.، وسمع من سعيد بن عامر الضبعي وطبقته.

وفيها بكار بن قتيبة الثقفي البكراوي أبو بكرة الفقيه البصري، قاضي الديار المصرية، في ذي الحجة. سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه. وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع. ولاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين.

وفيها الحسن بن علي بن عفان، أبو محمد العامري الكوفي، في صفر. روى عن عبد الله بن نمير وأبي أسامة وعدة. قال أبو حاتم: صدوق.

وفيها داود بن علي، الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي الفقيه الظاهري صاحب التصانيف، في رمضان، وله سبعون سنة. سمع القعنبي وسليمان بن حرب وطبقتهما. وتفقه على أبي ثور وابن راهويه.، وكان زاهدا ناسكا. قال ابن خلكان: إليه انتهت رئاسة العلم ببغداد، قيل: إنه كان يحضر مجلسه كل يوم أربعمائة صاحب طيلسان أخضر.

وفيها الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري الفقيه صاحب الشافعي، وهو في عشر المائة. سمع ابن وهب وطائفة.، وكان إماما ثقة، صاحب حلقة بمصر.

وفيها زكريا بن يحيى بن أسد، أبو يحيى المروزي، ببغداد. روى عن سفيان بن عيينة وأبي معاوية. قال الدراقطني: لا بأس به.

وفيها العباس بن الوليد بن مزيد العذري البيروتي، المحدث العابد، في ربيع الآخر، وله مائة سنة تامة. روى عن أبيه ومحمد بن شعيب وجماعة. قال أبو داود: كان صاحب ليل.

وفيها أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري ببغداد، في ذي الحجة. سمع حسين بن علي الجعفي وأبا أسامة. وثقة الدارقطني وغيره.

وفيها محمد بن إسحاق، أبو بكر الصغاني ثم البغدادي، الحافظ الحجة، في صفر. سمع يزيد بن هارون وطبقته.

وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة، أبو عبد الله الحافظ المجود. سمع أبا عاصم النبيل وطبقته. قال النسائي: ثقة صاحب حديث.، وكان مع إمامته وعلمه فيه نأو وتعظيم لنفسه.

وفيها محمد بن هشام بن ملاس، أبو جعفر النميري الدمشقي، عن سبع وتسعين سنة.. روى عن مروان بن معاوية الفزاري وغيره.، وكان صدوقا.

سنة إحدى وسبعين ومائتين

فيها وقعة الطواحين، وكان ابن طولون خلع الموفق من ولاية العهد، ومات وقام بعده ابنه خمارويه على ذلك، فجهز الموفق ولده أبا العباس المعتضد، في جيش كبير، وولاه مصر والشام، فسار حتى نزل بفلسطين، وأقبل خمارويه فالتقا الجمعان بفلسطين وحمي الوطيس حتى حرت الأرض من الدماء، ثم انهزم خمارويه إلى مصر، ونهبت خزائنه، وكان سعد الأعسر كمينا لخمارويه، فخرج على أبي العباس وهم فارو، فأوقعوا بهم، فانهزم هو وجيشه أيضا، حتى ول طرسوس في نفير يسير، وذهبت خزائنه أيضا، حواها سعد وأصحابه.

وفيها توفي عباس بن محمد بن حاتم الدوري الحافظ أبو الفضل، مولى بني هاشم، ببغداد في صفر. سمع الحسين بن علي الجعفي وأبا النضر وطبقتهما، وكان من أئمة الحديث.

وفيها عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد، صاحب يحيى القطان. يوم الأضحى بسامرا. وفيه لين.

وفيها محمد بن حماد الطهراني الرازي الحافظ، أحد من رجل إلى عبد الرزاق. وحدث بمصر والشام والعراق، وكان ثقة.

وفيها أبو الحسن محمد بن سنان بن القزاز. بصري نزل بغداد. روى عن عمر بن يونس اليماني وجماعة. قال الدارقطني: لا بأس به. وقال أبو داود: يكذب.

وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب، محدث المصيصة.. روى عن حجاح الأعور وعبيد الله بن موسى وطبقتهما. قال النسائي: ثقة حافظ.

وفيها يحيى بن عبدك القزويني، محدث قزوبن. طوف وسمع أبا عبد الرحمن المقرئ وعفان.

سنة اثنتين وسبعين ومائتين

فيها أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي، في شعبان ببغداد، في عشر المائة. سمع أبا بكر بن عياش وعبد الله بن إدريس وطبقتهما. وثقه ابن حبان.

وفيها أحمد بن الفرح، أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي.. روى عن بقية وجماعة.، قال ابن عدي: هو وسط ليس بحجة.

وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد الرازي صاحب المسند. رحل وسمع أبا نعيم وطبقته.

وفيها أبو معين الرازي، الحسين بن الحسين الحافظ.، رحل وسمع سعيد بن أبي مريم وأبا سلمة التبوذكي وطبقتهما.

وفيها سليمان بن سيف الحافظ أبو داود محدث حران وشيخها، في شعبان. سمع يزيد بن هارون وطبقته.

وفيها محمد بن عبد الوهاب العبدي، أبو أحمد الفراء النيسابوري الفقيه الأديب، أحد أوعية العلم. سمع حفص بن عبد الله وجعفر بن عون والكبار.

وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادى المحدث، في رمضان ببغداد، وله مائة سنة وستة عشر شهرا. سمع حفص بن غياث وإسحاق الأزرق وطبقتهما.

وفيها محمد بن عوف بن سليمان بن سفيان، أبو جعفر الطائي الحافظ، محدث حمص. سمع محمد بن يوسف الفريابي وطبقته. وكان من أئمة الحديث.

سنة ثلاث وسبعين ومائتين

فيها توفي إسحاق بن سيار النصيبني محدث نصيين في ذي الحجة. سمع الخريبي وأبا عاصم وطبقتهما.

وفيها حنبل بن إسحاق، الحافظ أبو علي، ابن عم الإمام أحمد وتلميذه، في جمادى الأولى. سمع أبا نعيم والحميدي. وجمع وصنف.

وفيها أبو أمية الطرطوسي، محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ. سمع عبد الوهاب بن عطاء وشبابة وطبقتهما. وكان من ثقات المصنفين.

وفيها محمد بن يزيد بن ماجه، الحافظ الكبير أبو عبد الله القزويني، صاحب السنن والتفسير والتاريخ. سمع أبا بكر بن أبي شيبة ويزيد بن عبد الله اليمامي وهذه الطبقة.

وفيها أحمد بن الوليد الفحام، أبو بكر البغدادي.. روى عن عبد الوهاب بن عطاء وطائفة.، وكان ثقة.

وفيها في صفر، صاحب الأندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأمو ي، أبو عبد الله.، وكانت دولته خمسا وثلاثين سنة. وكان فقيها عالما فصيحا مفوها رافعا علم الجهاد. قال بقي بن مخلد: ما رأيت ولا سمعت أحدا من الملوك أفصح منه ولا أعقل. وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: هو صاحب وقعة وادي سليط التي لم سيمع بمثلها. يقال: إنه قتل فيها ثلاثمائة ألف كافر. رحمة الله عليه.

سنة أربع وسبعين ومائتين

فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر. أبو علي الأطرابلسي، في جمادى الآخرة. روى عن مؤمل بن إسماعيل وطبقته.، وكان من نبلاء العلماء.

وفيها الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي، ببغداد. روى عن علي ابن عاصم وطبقته. ووثق.

وفيها خلف بن محمد الواسطي، كردوس الحافظ. سمع يزيد بن هارون وعلي بن عاصم.

وفيها عبد الملك بن عبد الحميد، الفقيه أبو الحسن الميموني الرقي. صاحب الإمام أحمد، في ربيع الأول.. روى عن إسحاق الأزرق ومحمد بن عبيد وطائفة.

وفيها محمد بن عيسى بن حبان المدائني. روى عن سفيان بن عيينة وجماعة. لينه الدراقطني. وقال البرقاني: لا بأس به.

سنة خمس وسبعين ومائتين

فيها توفي أبو بكر المروذي، الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج، في جمادى الأولى ببغداد.، وكان أجل أصحاب أحمد بن حنبل، إماما في الفقه والحديث، كثير التصانيف. خرج مرة إلى الرباط. فشيعه نحو خمسين ألفا من بغداد إلى سامرا.

وفيها أحمد بن ملاعب، الحافظ أبو الفضل المخرمي. وله أربع وثمانون سنة. سمع عبد الله بن بكر وأبا نعيم وطقبتهما.

وفيها الإمام أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي، صاحب السنن والتصانيف المشهورة، في شوال بالبصرة، وله بضع وسبعون سنة. سمع مسلم بن إبراهيم والقعنبي وطبقتهما. وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان، وكان رأسا في الحديث، رأسا في الفقه، ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع، حتى إنه كان يشبه بشيخه الإمام أحمد بن حنبل.

وفيها يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان، أبو بكر البغدادي المحدث، في شوال.. روى عن علي بن عاصم ويزيد بن هارون وجماعة، وصحح الدارقطني حديثه.

سنة ست وسبعين ومائتين

فيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه وبين محمد بن أبي الساج، ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد.

وفيها توفي الحافظ أبو عمرو، أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري، محدث الكوفة، في ذي الحجة، صنف المسند والتصانيف، وروى عن جعفر بن عون وطبقته. قال ابن حبان: كان متقنا.

وفيها الإمام بقي بن مخلد، أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، في جمادى الآخرة، وله خمس وسبعون سنة. سمع يحيى ابن يحيى الليثي ويحيى بن بكير وأحمد بن حنبل وطبقتهم.، وصنف التفسير الكبير والمسند الكبير. قال ابن حزم: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره. وكان بقي علامة فقيها مجتهدا صواما قواما متبتلا عديم المثيل.

وفيها الإمام الورع أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، صاحب التصانيف في فنون العلم والآداب، في رجب ببغداد فجأة، وله ثلاث وستون سنة. روى عن إسحاق بن راهويه وغيره.

وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ، أحد العباد والأئمة، في شوال ببغداد. روى عن يزيد بن هارون وطبقته.، ووثقه أبو داود. قال أحمد بن كامل: قيل عنه إنه كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة، ويقال إنه روى من حفطه ستين ألف حديث.

وفيها محدث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم القرطبي الفقيه.، له رحلتان إلى مصر. وتفقه على الحارث بن مسكين وابن عبد الحكيم، وكان مجتهدا لا يقلد. قال بقي بن مخلد: هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم. وأما ابن عبد الحكم فقال: لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من القاسم. وقال محمد بن عمر بن لبابة: ما رأيت أفقه منه. قلت: وروى عن إبراهيم بن المنذر الحزامي.

وفيها محدث مكة، محمد بن إسماعيل الصائغ، أبو جعفر، وقد قارب التسعين. سمع أبا أسامة وشبابة وطبقتهما.

وفيها محدث دمشق، أبو القاسم يزيد بن محمد بن عبد الصمد. سمع أبا مسهر والحميدي وطبقتهما. وكان ثقة بصيرا بالحديث.

سنة سبع وسبعين ومائتين

فيها توفي حافظ المشرق، أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، في شعبان، وفي عشر التسعين. وكان بارع الحفظ واسع الرحلة، من أوعية العلم. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا مسهر وخلقا لا يحصون. وكان جاريا في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي.

وفيها المحدث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي صاحب المسند. روى عن عبيد الله بن موسى وأبي نعيم وطبقتهما. وكان ثقة.

وفيها الإمام أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ، أحد أركان الحديث وصاحب المشيخة والتاريخ، في وسط السنة، وله بضع وثمانون سنة. سمع أبا عاصم وعبيد الله بن موسى وطبقتهما، فأكثر.

سنة ثمان وسبعين ومائتين

فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة. وهم خوارج زنادقة مارقة من الدين.

وفيها توفي الموفق، أبو أحمد طلحة ويقال أبو محمد، ابن المتوكل، ولي عهد أخيه المعتمد، في صفر، وله تسع وأربعون سنة. وكان ملكا مطاعا وبطلا شجاعا، ذا بأس وأيد ورأي وحزم. حارب الزنج حتى أبادهم وقتل طاغيتهم. وكان جميع أمر الجيوش إليه. وكان محببا إلى الخلق. وكان المعتمد مقهورا معه. اعتراه نقرس فبرح به وأصاب رجله داء الفيل، وكان يقول: قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق، وما أصبح فيهم أسوأ حالا مني. واشتد ألم رجله وانتفاخها، إلى أن مات منها. وكان قد ضيق على ابنه أبي العباس وخاف منه، فلما احتضر رضي عليه. فلما توفي ولاه المعتمد ولاية العهد ولقبه المعتضد، وكان بعض الأعيان يشبه الموفق بالمنصور في حزمه ودهائه ورأيه. قلت: وجميع الخلفاء إلى اليوم فمن ذريته.

وفيها عبد الكريم بن الهيثم، أبو يحيى الدير عاقولي. رحل وحصل وجمع، وروى عن نعيم وأبي اليمان وطبقتهما. وكان أحد الثقات.

وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشاء ببغداد في ذي القعدة. وهو آخر من حدث عن ابن علية وإسحاق الأزرق. ضعفه الدارقطني.

سنة تسع وسبعين ومائتين

تمكن المعتضد أبو العباس من الأمور، وأطاعته الأمراء حتى ألزم عمه المعتمد أن يقدمه في العهد على ابنه المفوض، ففعل مكرها.

وفيها منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل، وتهدد على ذلك. ومنع المنجمين والقصاص من الجلوس. فكان ذلك من حسناته.

وفيها توفي في رجب المعتمد على الله وله خمسون سنة. وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين، وكان أسمر ربعة نحيفا مدور الوجه، صغير اللحية، مليح العينين، ثم سمن وأسرع إليه الشيب، ومات فجأة. وأمه أم ولد اسمها فتيان. وله شعر متوسط. وكان قد أكل رؤوس جدي فمات من الغد بين المغنين والندماء. فقيل سم في الرؤوس، وقيل نام فغم في بساط، وقيل سم في كأس الشراب، فدخل عليه القاضي والشهود. فلم يرو به أثرا. وكان منهمكا في اللذات، فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء. فاستصعب المعتضد الحال بعد أبيه. وعن أحمد بن يزيد قال: كنا عند المعتمد، وكان كثير العربدة إذا سكر؛ فذكر حكاية.

وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ ابن الحافظ أبو بكر النسائي ثم البغدادي، مصنف التاريخ الكبير، وله أربع وتسعون سنة. سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما. قال الدراقطني: ثقة مأمون.

وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي الكوفي القصار، أبو إسحاق، آخر أصحاب وكيع وفاة.

وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد، وله تسعون سنة. روى عن أبي نعيم وطبقته. وكان زاهدا عابدا ثقة ينفع الناس ويعلمهم الحديث.

وفيها أبو يحيى عبد الله بن أحمد زكريا بن أبي مبسرة، محدث مكة، في جمادى الأولى. روى عن عبد الرحمن المقري وطبقته.

وفيها الامام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي الحافظ، مصنف الجامع، في رجب بترمذ. سمع قتيبة وأبا مصعب وطبقتهما. وكان من أئمة هذا الشأن. وكان ضريرا؛ فقيل إنه ولد أكمه.

وفيها أبو الأحوص محمد بن الهيثم الحافظ قاضي عكبرا، في جمادى الآخرة، وكان أحد من عني بهذا الشأن، فروى عن عبد الله بن رجاء وسعد بن عفير وطبقتهما.

سنة ثمانين ومائتين

فيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، الفقيه الحافظ صاحب المسند. روى عن أبي نعيم ومسلم بن بن إبراهيم وخلق.، وكان بصيرا بالفقه عارفا بالحديث وعلله زاهدا عابدا كبير القدر من أعيان الحنفية.

وفيها الإمام قاضي الديار المصرية، أحمد بن أبي عمران، أبو جعفر الفقيه الحنفي.، تفقه على محمد بن سماعة. وحدث عن عاصم بن علي وطائفة. وروى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر. وهو شيخ الطحاوي بمصر في الفقه.

وفيها الإمام أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ. صاحب المسند والتصانيف. روى عن سليمان بن حرب وطبقته. وكان جذعا في أعين المبتدعة،. قيما بالسنة. قال يعقوب بن إسحاق الهروي: ما رأينا أجمع منه، أخذ الفقه عن البويطي. والعربية عن ابن الأعرابي، والحديث عن ابن المديني. توفي في ذي الحجة، وقد ناهز الثمانين.

وفيها الحافظ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي، أحد أعلام السنة. سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما. وجمع وصنف.

وفيها أبو عمر هلال بن العلاء بن هلال الرقي، محدث الرقة وشيخها، في ذي الحجة، وقد قارب التسعين. روى عن حجاح الأعور وخلق كثير. وله شعر رائق.

سنة إحدى وثمانين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني بن ديزيل، ويعرف بدابة عفان للزومه له، وبسيفنة. وكان ثقة جوالا صالحا يصوم صوم داود. سمع أيضا أبا مسهر وأبا اليمان وطبقتهما. وكان من أكثر الحفاظ حديثا.

وفيها الإمام أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي مولاهم البغدادي، صاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وقد نيف على الثمانين. وكان صدوقا أديبا أخباريا كثير العلم. روى عن خالد بن خداش وسعيد بن سليمان سعدويه وطبقتهما.

وفيها الإمام أبو زرعة عبد الرحمن عمرو البصري الدمشقي الحافظ في جمادى الآخرة. سمع أبا مسهر وأبا نعيم وطبقتهما.، وصنف التصانيف. وكان محدث الشام في زمنه.

وفيها الحافظ أبو عمرو، عثمان بن عبد الله بن خرزاذ الانطاكي، أحد أركان الحديث. سمع عفان وسعيد بن عفير والكبار. وقال محمد بن خميرويه: هو أحفظ من رأيت.، توفي في آخر السنة.

وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن المواز الاسكندراني المالكي، صاحب التصانيف. أخذ عن أصبغ بن الفرج وعبد الله بن عبد الحكم.، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وإليه كان المنتهى في تفريع المسائل.

سنة اثنتين وثمانين ومائتين

فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه، وتزوج المعتضد بابنة خمارويه على مهر مبلغه ألف ألف درهم، فأرسلت إلى بغداد، وبنى بها المعتضد، وقوم جهازها بألف ألف دينار. وأعطت ابن الجصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم.

وفيها توفي إبراهيم بن إسماعيل الحافظ أبو إسحاق الطوسي العنبري. سمع يحيى بن يحيى التميمي فمن بعده. وكان محدث الوقت وزاهده بعد محمد بن أسلم بطوس.، صنف المسند الكبير في مائتي جزء.

وفيها العلامة أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري الفقيه المالكي القاضي ببغداد،. في ذي الحجة فجأة، وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر. سمع الأنصاري ومسلم بن إبراهيم وطبقتهما.، وصنف التصانيف في القراءات والحديث والفقه وأحكام القرآن والأصول. وتفقه على أحمد بن المعدل. وأخذ علم الحديث عن ابن المديني.، وكان إماما في العربية حتى قال المبرد: هو أعلم بالتصريف مني.

وفيها الحافظ أبو الفضل جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي، في رمضان. سمع عفان وطبقته. وكان ثقة متحريا إلى الغاية في التحديث.

وفيها الحافظ أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي، صاحب المسند، يوم عرفة، وله ست وتسعون سنة. سمع علي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وطبقتهما. قال الدارقطني: صدوق.

وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور. وكان آية في معاني القرآن، صاحب فنون وتعبد، قيل إنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة.، وعاش مائة وأربع سنين.. روى عن يزيد بن هارون والكبار.

وفيها خمارويه بن أحمد بن طولون، الملك أبو الجيش، متولي مصر والشام، وحمو المعتضد بالله. فتك به غلمان له راودهم في ذي القعدة بدمشق.، وعاش اثنتين وثلاثين سنة. وكان شهما صارما كأبيه.

وفيها الحافظ أبو محمد الفضل بن المسيب البيهقي الشعراني.، طوف الأقاليم، وكتب الكثير وجمع وصنف. روى عن سليمان بن حرب وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما.

وفيها محمد بن الفرج الأزرق أبو بكر، في المحرم ببغداد. سمع حجاح بن محمد وأبا النضر وطبقتهما.

وفيها العلامة أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد البصري الضرير اللغوي الأخباري، وله إحدى وتسعون سنة.، وأضر وله أربعون سنة.، أخذ عن أبي عبيدة وأبي عاصم النبيل وجماعة. وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة.

سنة ثلاث وثمانين ومائتين

فيها ظفر المعتضد بهرون الشاري رأس الخوارج بالجزيرة، وأدخل راكبا فيلا، وزينت بغداد.

وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوين المواريث في ذلك، وكثر الدعاء له. وكان قبل ذلك من إبطال السرورود من السراك رامان من المجوس.

وفيها التقى عمرو بن الليث الصفار ورافع بن هرثمة، فانهزمت جيوش رافع وهرب، وساق الصفار وراءه، فأدركه بخوارزم فقتله.، وكان المعتضد قد عزل رافعا عن خراسان، واستعمل عليها عمرو بن الليث في سنة تسع وسبعين، فبقي رافع بالري، وهادن الملوك المجاورين له، ودعا إلى العلوي.

وفيها وصلت تقادم عمرو بن الليث إلى المعتضد، من جملتها مائتا حمل مال.

وفيها توفي القدوة العارف سهل بن عبد الله التستري الزاهد، في المحرم، عن نحو من ثمانين سنة. وله مواعظ وأحوال وكرامات. وكان من أكبر مشايخ القوم.

وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي الحافظ، صاحب الجرح والتعديل.، أخذ عن أبي حفص الفلاس وطبقته. قال أبو أحمد بن عدي: ما رأيت أحفظ منه. وقال بكر بن محمد البصري: سمعته يقول: شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات.

فيها توفي قاضي القضاة. أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري.، وكان رئيسا معظما دينا خيرا. روى عن أبي الوليد الطياليسي وجماعة.

وفيها محمد بن سليمان بن الحارث، أبو بكر الباغندي، محدث واسط، مشهور. نزل بغداد وحدث بن محمد بن عبد الله الأنصاري وعبيد الله بن موسى. وكان صدوقا، وهو والد الحافظ محمد بن محمد.

وفيها تمتام، الحافظ أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري، في رمضان ببغداد. روى عن أبي نعيم وعفان وطبقتهما. وصنف وجمع.

سنة أربع وثمانين ومائتين

قال محمد بن جرير: فيها عزم المعتضد على لعنة معاوية رضي الله عنه على المنابر. فخوفه الوزير عبيد الله من اضطراب العامة. فلم يلتفت وتقدم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الاجتماع. ومنع القصاص من الكلام ومن اجتماع الخلق في الجوامع، وكتب كتابا في ذلك.، واجتمع له الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه، فما قرئ، وكان من إنشاء الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب، وهو طويل، فيه مصائب ومعائب.، فقال القاضي يوسف بن يعقوب: يا أمير المومنين، أخاف الفتنة عند سماعه، فقال: إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف، قال: فما تصنع بالعلوية الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك، وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت، مالوا إليهم وصاروا أبسط ألسنة. فأمسك المعتضد.

وفيها توفي محدث نيسابور ومفيدها أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي الحافظ. سمع قتيبة وطبقته.، وكان مع سعة روايته راهب عصره، مجاب الدعوة.

وفيها أبو يعقوب إسحاق بن الحسن الحربي. سمع أبا نعيم والقعنبي وطبقتهما.، وكان ثقة صاحب حديث.

وفيها أبو عبادة البحتري، أمير شعراء العصر، وحامل لواء القريض.، واسمه الوليد بن عبادة الطائي المنبجي.، أخذ عن أبي تمام الطائي، ولما سمع أبو تمام شعره قال: نعيت إلي نفسي. وقال المبرد: أنشدنا شاعر دهره ونسيج وحده أبو عبادة البحتري. وقيل مات في السنة الماضية، وقيل في السنة الآتية.، وله بضع وسبعون سنة.

سنة خمس وثمانين ومائتين

فيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طي، فانتهبوا الركب العراقي، وبدعوا وسبوا النسوان، وراح للناس ما قيمته ألف ألف دينار.

وفيها مات الإمام الحبر إبراهيم بن إسحاق بن بشير، أبو إسحاق الحربي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام ببغداد، في ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما.، وتفقه على الإمام أحمد. وبرع في العلم والعمل. وصنف التصانيف الكثيرة. وكان يشبه بأحمد بن حنبل في وقته.

وفيها إسحاق بن إبراهيم الدبري المحدث، راوية عبد الرزاق بصنعاء، عن سن عالية. اعتنى به أبوه واسمعه الكتب من عبد الرزاق، في سنة عشر ومائتين، وكان صدوقا.

وفيها أبو العباس المبرد، محمد بن يزيد الأزدي البصري.، إمام أهل النحو في زمانه، وصاحب التصانيف. أخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني.، وتصدر للاشتغال ببغداد.، وكان وسيما مليح الصورة، فصيحا مفوها أخباريا علامة ثقة.، توفي في آخر السنة.

سنة ست وثمانين ومائتين

فيها التقى إسماعيل بن أحمد بن أسد الأمير عمرو بن الليث الصفار بما وراء النهر، فانهزم أصحاب عمرو، وكانوا قد ضجروا منه، ومن ظلم خواصه، ولا سيما أهل بلخ، فإنهم نالهم بلاء شديد من الجند. فانهزم عمرو إلى بلخ، فوجدها مغلوقة، ففتحوا له ولجماعة يسيرة، ثم وثبوا عليه، فقيدوه وحملوه إلى إسماعيل، أمير ما وراء النهر، فلما دخل عليه، قام إليه واعتنقه وتأدب معه، فإنه كان في أمراء عمر وغير واحد مثل إسماعيل وأكبر، وبلغ ذلك المعتضد ففرح، وخلع على إسماعيل خلع السلطنة، وقلده خراسان وما وراء النهر، وغير ذلك، وأرسل إليه، يلح عليه في إرسال عمرو بن الليث، فدافع، فلم ينفع، فبعثه وأدخل بغداد على جمل، بعد أن كان يركب في مائة ألف، وسجن ثم خنق وقت موت المعتضد.

وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي وقويت شوكته، وانضم إليه جمع من الأعراب، فعاث وأفسد وقصد البصرة.، فحصنها المعتضد، وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة، وجنابة قرية من قرى الأهواز. قال الصولي: كان أبو سعيد فقيرا يرفو أعدال الدقيق، فخرح إلى البحرين، وانضم إليه طائفة من بقايا الزنج واللصوص، حتى تفاقم أمرهم، وهزم جيوش الخليفة مرات. وقال غيره: ذبح أبو سعيد الجنابي في حمام بقصره، وخلفه ابنه أبو طاهر الجنابي القرمطي، الذي أخذ الحجر الأسود.

وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل، رفيق مسلم في الرحلة إلى قتيبة.

وفيها الزاهد الكبير أحمد بن عيسى،. أبو سعيد الخراز شيخ الصوفية، وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء.، قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا.

وفيها عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي أبو سعيد، مولى الزهريين.. روى السيرة عن ابن هشام.، وكان ثقة.، وهو أخو المحدثين أحمد ومحمد.

وفيها محمد بن وضاح الحافظ، الإمام أبو عبد الله الأندلسي، محدث قرطبة،. وهو في عشر التسعين. رحل مرتين إلى المشرق. وسمع إسماعيل ابن أبي أويس وسعيد منصور والكبار، وكان فقيرا زاهدا قانتا لله صابرا بصيرا بعلل الحديث.

وفيها علي بن عبد العزيز، أبو الحسن البغوي المحدث، بمكة، وقد جاوز التسعين. سمع أبا نعيم وطبقته.، وهو عم أبو القاسم البغوي عبد الله بن محمد.

وفيها الكديمي، وهو أبو العباس محمد بن يونس القرشي العامي البصري الحافظ، في جمادى الآخرة، وقد جاوز المائة بيسير. روى عن أبي داود الطيالسي وزوج أمه روح بن عبادة وطبقتهما.، وله مناكير ضعف بها.

سنة سبع وثمانين ومائتين

في المحرم، قصدت طي ركب العراق لتأخذه كعام أول بالمعدن، وكانوا في ثلاثة آلاف، وكان أمير الحاج أبو الأغر، فواقعوهم يوما وليلة، والتحم القتال، وجدلت الأبطال.، ثم أيد الله الوفد، وقتل رئيس طي صالح بن مدرك وجماعة من أشراف قومه، وأسر خلق، وانهزم الباقون، ثم دخل الركب بالأسدي والرؤوس على الرماح.

وفيها سار العباس الغنوي في عسكره، فالتقى أبا سعيد الجنابي، فأسر العباس، وانهزم عسكره،. وقيل بل أسر سائر العسكر وضربت رقابهم، وأطلق العباس فجاء وحده إلى المعتضد برسالة الجنابي أن كف عنا واحفظ حرمتك.

وفيها غزا المعتضد وقدم طرسوس ورد إلى أنطاكية وحلب.

وفيها سار الأمير بدر، فبيت القرامطة وقتل منهم مقتلة عظيمة.

وفيها توفي الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني البصري الحافظ، قاضي أصبهان وصاحب المصنفات، وهو في عشر التسعين، في ربيع الآخر. سمع من جده لأمه موسى بن إسماعيل وأبي الوليد الطيالسي وطبقتهما.، وكان إماما فقيها ظاهريا صالحا ورعا كبير القدر صاحب مناقب.

وفيها زكريا بن يحيى السجزي الحافظ أبو عبد الرحمن،. خياط السنة بدمشق، وقد نيف على التسعين.. روى عن شيبان بن فروخ وطبقته.، وكان من علماء الأثر. وقيل توفي سنة تسع وثمانين.

وفيها يحيى بن منصور، أبو سعد الهروي الحافظ، شيخ هراة ومحدثها وزاهدها، في شعبان. وقيل توفي سنة اثنتين وتسعين.

وفيها في رجب. قطر الندى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون،. زوجة المعتضد. وكانت شابة بديعة الحسن عاقلة.

سنة ثمان وثمانين ومائتين

فيها ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب، فدعا العامة إلى الإمام المهدي عبيد الله، فاستجابوا له.

وفيها كان الوباء المفرط بأذربيجان، حتى فقدت الأكفان وكفنوا في اللبود، ثم بقوا مطرحين في الطرق. ومات أمير أذربيجان محمد بن أبي الساج وسبعمائة من خواصه وأقاربه.، ومات ابنه الأفشين.

وفيها بشر بن موسى أبو علي الأسدي المحدث في ربيع الأول ببغداد. روى عن هوذة بن خليفة والأصمعي. وسمع من روح بن عبادة حديثا واحدا. وكان ثقة رئيسا محتشما كثير الرواية. عاش ثمانيا وتسعين سنة.

وفيها توفي مفتي بغداد الفقيه عثمان بن سعيد بن بشار، أبو القاسم البغدادي الأنماطي، صاحب المزني، في شوال.، وهو الذي نشر مذهب الشافعي ببغداد. وعليه تفقه أبو العباس بن سريج.

وفيها توفي معلى بن المثنى بن معاذ بن معاذ العنبري البصري المحدث.. روى عن القعنبي وطبقته.، وسكن بغداد.، وكان ثقة عارفا بالحديث.

وفيها الفقيه العلامة أبو عمرو يوسف بن يحيى المغامي الأندلس.، تلميذ عبد الملك بن حبيب، وصاحب التصانيف.، ألف كتابا في الرد على الشافعي.، واستوطن القيروان، وتفقه به خلق.

سنة تسع وثمانين ومائتين

فيها خرج بالشام يحيى بن زكرويه القرمطي، وقصد دمشق.، فحاربه طغج بن جف متوليها غير مرة، إلى أن قتل يحيى في أول سنة تسعين.

وفيها توفي المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفق ولي عهد المسلمين أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم العباسي، في ربيع الآخر، ومرض أياما.، وكانت خلافته أقل من عشر سنين.، وعاش ستا وأربعين سنة.، وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق، تغير مزاجه من إفراط الجماع، وعدم الحمية في مرضه.، وكان شجاعا مهيبا حازما، فيه تشيع.

وفيها توفي بدر التركي، مولى المعتضد ومقدم جيوشه.، عمل الوزير عبيد الله عليه، ووحش قلب المتكفي بالله عليه،. وكان في جهة فارس يحارب، فطلبه المكتفي بالله وبعث له أمانا وغدر به. وقتله في رمضان.

وفيها بكر بن سهل الدمياطي المحدث، في ربيع الأول. سمع عبد الله بن يوسف التينسي وطائفة. ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار،. حتى روى لهم التفسير.

وفيها حسين بن محمد، أبو علي القباني النيسابوري الحافظ. صاحب المسند والتاريخ. سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته. وكان إليه يجتمع أصحاب الحديث بنيسابور، بعد مسلم.

وفيها الحسين بن محمد بن فهم، أبو علي البغدادي الحافظ، أحد أئمة الحديث. أخذ عن يحيى بن معين.، وروى الطبقات عن ابن سعد.

وفيها علي بن عبد الصمد الطيالسي، ولقبُه علان ما غمه. روى عن أبي عمر الهذلي وطبقته.

وفيها عمرو بن الليث الصفار، الذي كان ملك خراسان.، قتل في الحبس عند موت المعتضد، لأنه كان له أياد على المكتفي بالله، فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكن فينتقم من الوزير.

وفيها يحيى بن أيوب العلاف المصري، صاحب سعيد بن أبي مريم والعباس بن الفضل الأسفاطي صاحب أبي الوليد الطيالسي.

وفيها يوسف بن يزيد بن كامل، أبو يزيد القراطيسي المصري.، صاحب أسد بن موسى يقال له أسد السنة.

وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمار البصري، صاحب أبي الوليد الطيالسي.

وفيها محمد بن هشام بن أبي الدميك، أبو جعفر الحافظ، صاحب سليمان بن حرب، ببغداد. وهؤلاء من كبار شيوخ الطبراني.

سنة تسعين ومائتين

فيها حاصرت القرامطة دمشق، فقتل طاغيتهم يحيى بن زكرويه. فخلفه أخوه الحسين صاحب الشامة.، فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم عليهم الأمير أبو الأغر.، فلما قاربوا حلب، كبستهم القرامطة ليلا، ووضعوا فيهم السيوف، فهرب أبو الأغر في ألف نفس، فدخل حلب وقتل تسعة آلاف، ووصل المكتفي إلى الرقة، وجهز الجيوش إلى أبي الأغر، وجاءت من مصر العساكر الطولونية مع بدر الحمامي، فهزموا القرامطة، وقتلوا منهم خلقا. وقيل بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر، وأن القرمطي صاحب الشامة انهزم إلى الشام، ومر على الرحبة وهب ينهب ويسبي الحرم، حتى دخل الأهواز. وكان زكرويه القرمطي يكذب ويزعم أنه من آل الحسين بن علي رضي الله عنهما.

وفيها دخل عبيد الله الملقب بالمهدي المغرب متنكرا، والطلب عليه من كل وجه. فقبض عليه متولي سجلماسة وعلى ابنه. فحاربه أبو عبيد الشيعي داعي المهدي، فهزمه ومزق جيوشه.، وجرت بالمغرب أمور هائلة. واستولى على المغرب المهدي المنتسب إلى الحسين بن علي أيضا بكذبه؛ وكان باطني الاعتقاد وهو الذي بنى المهدية بالمغرب.

وفيها توفي الحافظ أبو العباس، أحمد بن علي الأبار ببغداد.. روى عن مسدد وعلي بن الجعد وطبقتهما.

وفيها الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني، ببغداد، في جمادى الآخرة، وله سبع وسبعون سنة كأبيه.، وكان إماما خبيرا بالحديث وعلله مقدما فيه. وكان من أروى الناس عن أبيه. وقد سمع من صغار شيوخ أبيه.، وهو الذي رتب مسند والده.

وفيها محمد بن زكريا الغلابي الأخباري أبو جعفر، بالبصرة. روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته. قال ابن حبان: يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات.

وفيها محمد بن يحيى بن المنذر أبو سليمان القزاز، مصري معمر توفي في رجب، وقد قارب المائة أو كملها.. روى عن سعيد بن عامر الضبعي وأبي عاصم والكبار.

سنة إحدى وتسعين ومائتين

فيها خرجت الترك في جيش لجب، فاستنفر إسماعيل بن أحمد الناس عامة، وكبس الترك في الليل، فقتل فيهم مقتلة عظيمة، وكانت من الملاحم الكبار، ونصر الله، ولكن أصيب المسلمون من جهة أخرى. خرجت الروم في مائة ألف، فوصلوا إلى الحدث فقتلوا وسبوا وأحرقوا ورجعوا سالمين.، فنهض جيش من طرسوس عليهم غلام زرافة، فوغلوا في الروم حتى نازلوا أنطاكية مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى، ففتحوها عنوة، وقتلوا من الروم نحو خمسة آلاف، وغنموا غنيمة عظيمة لم يعهد بمثلها، بحيث إنه بلغ سهم الفارس ألف دينار، ولله الحمد.

وأما القرمطي صاحب الشامة، فعظم به الخطب والتزم له أهل دمشق بمال عظيم، حتى ترحل عنهم، وتملك حمص، وسار إلى حماة والمعرة، فقتل وسبى. وعطف إلى بعلبك، فقتل أكثر أهلها. ثم سار فأخذ سلمية وقتل أهلها قتلا ذريعا، حتى ما ترك بها عينا تطرف.، وجاء جيش المكتفي فالتقاهم بقرب حمص، فكسروه وأسر خلق من جنده.، وركب هو وابن عمه الملقب بالمدثر وآخر، فاخترقوا ثلاثتهم البرية، فمروا بدالية ابن طوق، فأنكرهم والي تلك الناحية، فقررهم، فاعترف صاحب الشامة، فحملهم إلى المكتفي بالله فقتلهم وحرقهم.

وفيها توفي ثعلب، العلامة أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني مولاهم الكوفي النحوي،. صاحب التصانيف،. في جمادى الأولى ببغداد،. وله إحدى وتسعون سنة.، قرأ العربية على ابن الأعرابي وغيره.، وسمع من عبيد الله القواريري وطائفة. وانتهت إليه رئاسة الأدب في زمانه.

وفيها علي بن الحسين بن الجنيد الرازي، الحافظ الكبير أبو الحسن،. في آخر السنة.، ويعرف بالمالكي. لتصنيفه حديث مالك.، طوف الكثير.، وسمع أبا جعفر النفيلي وطبقته. وعاش نيفا وثمانين سنة.

وفيها قنبل قارئ أهل مكة، وهو أبو عمر محمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكي، وله ست وتسعون سنة. شاخ وانهرم، وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين.، قرأ على أبي حسن القواس.، ورحل إليه القراء وجاوروا وحملوا عنه.

وفيها القاسم بن عبيد الله الوزير ببغداد، وزر للمعتضد والمكتفي،. وكان أبوه أيضا وزير المعتضد.، وكان القاسم قليل التقوى كثير الظلم. وكان يدخله من ضياعه في العام سبعمائة ألف دينار. ولما مات أظهر الناس الشماتة بموته.

وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي أبو الحسن العبدي، ببغداد.. روى عن ابن المديني وجماعة.

وفيها محمد بن أحمد بن النضر، أبو بكر الأزدي، ابن بنت معاوية بن عمرو، وله خمس وتسعون سنة. روى عن جده والقعنبي.، وكان ثقة.

وفيها محمد بن إبراهيم البوشنجي، الإمام الحبر أبو عبد الله، شيخ أهل الحديث بخراسان، في أول السنة. رحل وطوف، وروى عن أحمد بن يونس ومسدد والكبار. وكان من أوعية العلم. قد روى عنه البخاري حديثا في صحيحه عن النفيلي. وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد.

وفيها محدث مكة، محمد بن علي بن زيد الصائغ، في ذي القعدة، وهو في عشر المائة.. روى عن القعنبي وسعيد بن منصور.

وفيها مقرئ أهل دمشق هارون بن مومى بن شريك المعروف بالأخفش، صاحب ابن ذكوان، في عشر المائة.

سنة اثنتين وتسعين ومائتين

فيها خرج صاحب مصر، هارون بن خمارويه الطولوني عن الطاعة.، فسارت جيوش المكتفي لحربه، وجرت لهم وقعات، ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا، فخرج ليسكنهم، فجاءه سهم فقتله.، ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي بالله فتملك الإقليم، واحتوى على الخزائن، وقتل من آل طولون بضعة عشر رجلا، وحبس طائفة.، وكتب بالفتح إلى المكتفي. وقيل: إنه هم بالمضي إلى المكتفي أعني هارون فامتنع عليه أمراؤه وشجعوه، فأبى، فقتلوه غيلة، ولم يمنع محمد بن سليمان، فإنه أرعد وأبرق، وخيف من غلبته على بلاد مصر، فكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه.

وفيها خرج الخلنجي القائد بمصر وحارب الجيوش واستولى على مصر.

وفيها توفي القاضي الحافظ، أبو بكر المروزي أحمد بن على بن سعيد. قاضي حمص، في آخر السنة. روى عن علي بن الجعد وطبقته.

وفيها الحافظ الكبير أبو بكر البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير، في ربيع الأول بالرملة. روى عن هدبة بنت خالد وأقرانه.، وحدث في آخر عمره بأصبهان والعراق والشام. قال الدارقطني: ثقة يخطئ ويتكل على حفظه.

وفيها أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد، الحافظ أبو جعفر المهري المقرئ المصري. قرأ القرآن على أحمد بن صالح.، وروى عن سعيد بن عفير وطبقته. وفيه ضعف. قال ابن عدي: يكتب حديثه.

وفيها أبو مسلم الكجي إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ،. صاحب السنن ومسند الوقت، في المحرم،. وقد قارب المائة أو كملها. سمع أبا عاصم النبيل والأنصاري والكبار.، وثقه الدراقطني. وكان محدثا حافظا محتشما كبير الشأن.، قيل إنه لما فرغوا من سماع السنن عليه، عمل لهم مائدة غرم عليها ألف دينار، نصدق بجملة منها. ولما قدم بغداد ازدحموا عليه حتى حزر مجلسه بأربعين ألف وزيادة، وكان في المجلس سبعة مستملين كل واحد يبلغ الآخر.

وفيها إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرئ المحدث، يوم الأضحى ببغداد، وله نحو من تسعين سنة. روى عن عاصم بن علي وطبقته.، وقرأ القرآن على خلف.، وتصدر للإقراء والعلم. قال الدارقطني: هو فوق الثقة بدرجة.

وفيها محدث واسط بحشل، وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزاز.. روى عن جده لأمه وهب بن بقية وطبقته. وصنف التصانيف.

وفيها قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد.، وكان من القضاة العادلة، له أخبار ومحاسن.، ولما احتضر، كان يقول: يا رب من القضاء إلى القبر، ثم يبكي. روى عن بندار.

وفيها محمد بن أحمد بن سليمان، الإمام أبو العباس الهروي.، فقيه محدث صاحب تصانيف.، رحل إلى الشام والعراق.، وحدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته.

وفيها يحيى بن منصور، أبو سعيد الهروي، أحد الأئمة في العلم والعمل، حتى قيل إنه لم ير مثل نفسه.. روى عن سويد بن نصر وطبقته.

سنة ثلاث وتسعين ومائتين

فيها التقى الخلنجي المتغلب على مصر وجيش المكتفي بالعريش، فهزمهم أقبح هزيمة.

وفيها عاثت القرامطة بالشام وقتلوا وسبوا وما أبقوا ممكنا بحوران وطبرية وبصرى، ودخلوا السماوة فطلعوا إلى هيت فاستباحوها.، ثم وثبت هذه الفرقة الملعونة على زعيمها ابن غانم فقتلوه. ثم جمع رأس القوم زكرويه والد صاحب الشامة جموعا ونازل الكوفة. فقاتله أهلها.، ثم جاءه جبش الخليفة فالتقاهم وهزمهم. ودخل الكوفة يصيح قومه: يا ثارات الحسين، يعنون صاحب الخال ولد زكرويه، لا رحمه الله.

وفيها سار فاتك المعتضدي. فالتقى الخلنجي، فانهزم الخلنجي، وكثر القتل في جيشه، واختفى الخلنجي. فدل عليه رجل، فبعثه فاتك في جمع من قواده إلى بغداد، فأدخلوا على الجمال وحبسوا.

وفيها توفي أبو العباس الناشي الشاعر المتكلم عبد الله بن محمد بمصر.

وفيها عبدان بن محمد بن عيسى المروزي أبو محمد. سمع قتيبة وجماعة.، وكان فقيها علامة رأسا في الفقه وغوامضه زاهدا عابدا صاحب حديث.

وفيها عيسى بن محمد أبو العباس الطهماني المروذي اللغوي.، كان إماما في العربية.. روى عن إسحاق بن راهويه.، وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب.

وفيها محمد بن أسد المدايني، أبو عبد الله الزاهد. وكان يقال إنه مجاب الدعوة.، عمر أكثر من مائة سنة.، وحدث عن أبي داود الطيالسي بمجلس واحد.

وفيها أبو أحمد محمد بن عبدوس بن كامل السراج الحافظ،. ببغداد في رجب. روى علي بن الجعد وطبقته.

سنة أربع وتسعين ومائتين

فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي، وقتل الناس قتلا ذريعا، وحوى ما قيمته ألف ألف دينار. وهلك من الحجيج عشرون ألف إنسان. ووقع البكاء والنوح في البلدان، وعظم هذا على المكتفي، فبعث الجيش لقتاله، وعليهم وصيف بن صوراتكين، فالتقوا، فأسر زكرويه وخلق من أصحابه،. وكان مجروحا،. فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام.، فحمل ميتا إلى بغداد، وقتل أصحابه ثم أحرقوا، وتمزق أصحابه في البرية.

وفيها توفي الحافظ الكبير أبو على صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي خرزة،. محدث ما وراء النهر. نزل بخارى وليس معه كتاب. فروى بها الكثير من حفظه. روى عن سعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وطبقتهما. ورحل إلى الشام ومصر والنواحي.، وصنف وجرح وعدل.، وكان صاحب نوادر ومزاح.

وفيها صباح بن عبد الرحمن، أبو الغصن العتقي الأندلسي المعمر، مسند العصر بالأندلس. روى عن يحيى بن يحيى وأصبغ بن الفرج وسحنون. قال ابن الفرضي: بلغني أنه عاش مائة وثمانية عشر عاما. وتوفي في المحرم.

وفيها عبيد العجل الحافظ، وهو أبو علي الحسين بن حاتم محمد، في صفر. روى عن يحيى معين وطبقته.

وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه، القاضي أبو الحسن. روى عن أبيه وعلي بن المديني.، قتل يوم أخذ الركب شهيدا.

وفيها محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، الحافظ أبو عبد الله البجلي الرازي، محدث الري، يوم عاشوراء، وهو في عشر المائة.. روى عن مسلم بن إبراهيم والقعنبي والكبار. وجمع وصنف.، وكان ثقة.

وفيها محمد بن معاذ، دران الحلبي، محدث تلك الناحية.، أصله من البصرة.. روى عن القعنبي وعبد الله بن رجاء وطبقتهما.، ورحل إليه المحدثون.

وفيها محمد بن نصر المروزي، الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام. كان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث، رأسا في العبادة. قال أبو عبد الله بن الأخرم الحافظ قال: كان محمد بن نصر يقع على أذنه الذباب وهو في الصلاة،. فيسيل الدم وهو لا يذبه، كان ينتصب كأنه خشبة. قال أبو إسحاق الشيرازي: كان من أعلم الناس بالاختلاف. وصنف كتبا. وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: كان محمد بن نصر عندنا إماما، فكيف بخراسان؟ وقال غيره: لم يكن للشافعية في وقت مثله. سمع يحيى بن يحيى وشيبان ابن فروخ وطبقتها. وتوفي في المحرم بسمرقند،. وهو في عشر التسعين.

وفيها الإمام موسى بن هارون بن عبد الله،. أبو عمران البغدادي البزار الحافظ. ويعرف أبوه بالحمال، كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله. قال أبو بكر الضبعي: ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هارون. سمع علي بن الجعد وقتيبة وطبقتهما.

سنة خمس وتسعين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ، أحد أركان الحديث.. روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته. قال عبد الله بن سعد النيسابوري: ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب ولا رأى هو مثل نفسه. وقال أبو عبد الله بن الأخرم: إنما أخرجت نيسابور ثلاثة: محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج وإبراهيم بن أبي طالب.

وفيها إبراهيم بن معقل، أبو إسحاق. قاضي نسف وعالمها ومحدثها، وصاحب التفسير والمسند. وكان بصيرا بالحديث عارفا بالفقه والاختلاف.. روى الصحيح عن البخاري. وروى عن قتيبة وهشام بن عمار وطبقتهما.

وفيها المعمري الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب،. ببغداد،. في المحرم.. روى عن علي بن المديني وجبارة بن المغلس وطبقتهما. وعاش اثنتين وثمانين سنة.، وله أفراد وغرائب مغمورة في سعة علمه.

وفيها الحكم معبد الخزاعي الفقيه، مصنف كتاب السنة، بأصبهان.. روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن المثنى وطبقتهما.، وكان من كبار الحنفية وثقاتهم.

وفيها أبو شعيب الحراني عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي المؤدب نزيل بغداد في ذي الحجة. روى عن يحيى البابلتي وعفان. وعاش تسعين سنة وكان ثقة.

وفيها أمير خراسان وما وراء النهر إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان في صفر ببخارى. وكان ذا علم وعدل وشجاعة ورأي. وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم.، جمع بعض الفضلاء شمائله وسيرته في كتاب. وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث.

وفيها أبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ،. أحد أركان الحديث، ببلخ. سمع قتيبة وطبقته وصنف التاريخ والعلل.

وفيها المكتفي بالله أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد المتوكل بن المعتصم العباسي، وله إحدى وثلاثون سنة. وكان جميلا وسيما بديع الجمال معتدل القامة، دري اللون أسود الشعر. استخلف بعد أبيه،. وكانت دولته ست سنين ونصف. وتوفي في ذي القعدة.، وولي بعده أخوه المقتدر، وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما؛ فلم يل أمر الأمة صبي قبله.

وفيها عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقيه المغرب. أخذ عن سحنون والحارث بن مسكين بمصر. وكان إماما ورعا خاشعا متمكنا من الفقه والآثار مستجاب الدعوة يشبه بسحنون في سمته وهيبته. أكرهه ابن الأغلب الأمير على القضاء، فولي ولم يأخذ رزقا.، وكان يركب حمارا ويستقي الماء لبيته.

وفيها محمد بن أحمد بن جعفر، الإمام أبو جعفر الترمذي الفقيه كبير الشافعية الشافعي بالعراق قبل ابن سريج، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة.، وكان قد اختلط في أواخر أيامه.، وكان زاهدا ناسكا قانعا باليسر متعففا. قال الدراقطني: لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أروع منه. وكان صبورا على الفقر. قلت: روى عن يحيى بن بكير وجماعة، وكان ثقة.

وفيها الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الإسماعيلي، أحد المحدثين الكبار، بنيسابور.، له تصانيف مجودة ورحلة واسعة. سمع إسحاق بن راهويه وهشام بن عمار.

سنة ست وتسعين ومائتين

دخلت والملأ يستصبون المقتدر ويتكلمون في خلافته.، فاتفق طائفة على خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون في حرب، وكان رأسهم محمد بن داود بن الجراح وأحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان. واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس بن الحسن وفاتك الأمير. فلما كان في عاشر ربيع الأول ركب الحسين بن حمدان والوزير والأمراء، فشد ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر فاتك قتله، فعطف على فاتك، فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلث بالمقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الهيعة، فدخل وأغلقت الأبواب. ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب واستدعى ابن المعتز، وأحضر الأمراء والقضاة، سوى خواص المقتدر. فبايعوه ولقبوه الغالب بالله فاستوزر ابن الجراح واستخلفه على الجيش. وصدرت الكتب إلى البلاد، وأرسلوا إلى المقتدر ليتحول من دار الخلافة، فأجاب ولم يكن بقي معه غير مؤنس الخادم ومؤنس الخازن وخاله الأمير غريب، فتحصنوا وأصبح الحسين بن حمدان على محاصرتهم. فرموه بالنشاب، وتنادوا ونزلوا على حمية، وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كل من حوله.، وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه، وقد شهر سيفه، وهو ينادي معاشر العامة: ادعوا لخليفتكم. وقصد سامرا ليثبت بها أمره، فلم يتبعه كبير أحد. فخذل ونزل عن فرسه، فدخل دار ابن الجصاص، واختفى وزيره. ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر.، ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرا. وصودر ابن الجصاص.، وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات ونشر العدل، واشتغل المقتدر باللعب.

وأما الحسين بن حمدان فأُصلح أمره، وبعث إلى ولاية قم وقاشان.

وفيها وصل إلى مصر أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب، هاربا من المهتدي عبيد الله، وداعية أبي عبد الله الشيعي.، فوجه إلى العراق.

وفيها مات المحدث أبو جعفر أحمد بن حماد بن مسلم، أخو عيسى زغبة التجيبي، بمصر في جمادى الأولى.. روى عن سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عفير وطائفة. وعمره أربعا وتسعين سنة.

وفيها أحمد بن نجدة الهروي المحدث. روى عن سعيد بن منصور وطائفة.

وفيها أحمد بن يحيى الحلواني أبو جعفر، الرجل الصالح، ببغداد. سمع أحمد بن يونس وسعدويه.، وكان من الثقات.

وفيها أحمد بن يعقوب المثنى القاضي، أحد من قام في خلع المقتدر تدينا.، ذبح صبرا.

وفيها خلف بن عمرو العكبري، محتشم نبيل تقة. روى عن الحميدي وسعيد بن منصور.

وفيها أبو حصين الوادعي القاضي محمد بن الحسين بن حبيب، في رمضان.، صنف المسند، وكان من حفاظ الكوفة.. روى عن أحمد بن يونس وأقرانه.

وفيها محمد بن داود بن الجراح الكاتب،. أبو عبد الله الأخباري العلامة صاحب المصنفات، وكان أوحد زمانه في معرفة أيام الناس.، أخذ عن عمر بن شبة وغيرها. وقتل كما مر في فتنة ابن المعتز صاحب الأدب والشعر، وكذلك فاتك المعتضدي،. في كثير من أمراء الوقت.

سنة سبع وتسعون ومائتين

فيها توفي عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد، راوية الكتب عن أبي بكر بن أبي شيبة.، وكان محدثا صدوقا.. روى أيضا عن جبارة بن المغلس، وهو صدوق.

وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة،. زهير بن حرب أبو عبد الله، الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ. قال أحمد بن حنبل: وما رأيت أحفظ من أربعة أحدهم محمد بن أحمد بن أبي خيثمة. وكان أبوه يستعين به في تصنيف التاريخ. سمع أبا حفص الفلاس وطبقته.، ومات في عشر السبعين.

وفيها عمرو بن عثمان،. أبو عبد الله المكي الزاهد. شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق.، صحب أبا سعيد الخراز والجنيد.، وروى الكثير عن يونس بن الأعلى وجماعة.

وفيها محمد بن داود بن علي الظاهري، الفقيه أبو بكر.، أحد أذكياء زمانه،. وصاحب كتاب الزهرة. تصدر للاشتغال والفتوى ببغداد بعد أبيه. وكان يناظر أبا العباس بن سريج.، وله شعر رائق.، وهو ممن قتله الهوى، وله نيف وأربعون سنة.

وفيها مطين،. وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي، في ربيع الآخر بالكوفة، وله خمس وتسعون سنة.، ودخل على أبي نعيم، وروى عن أحمد بن يونس وطبقته. قال الدراقطني: ثقة جبل.

وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة،. الحافظ ابن الحافظ أبو جعفر العبسي الكوفي نزيل بغداد في جمادى الأولى. وهو في عشر التسعين. روى عن أبيه وعمه وأحمد بن يونس وخلق.، وله تاريخ كبير.، وثقه صالح جزرة،. وضعفه الجمهور. وأما ابن عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا فأذكره.

وفيها موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي، القاضي أبو بكر الفقيه الشافعي، بالأهواز، وله سبع وثمانون سنة. ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز، وحدث عن أحمد بن يونس وطائفة. وهو آخر من حدث عن قالون صاحب نافع القارىء.، وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء. وثقه ابن أبي حاتم.

وفيها يوسف بن يعقوب القاضي أبو محمد الأزدي،. ابن عم إسماعيل القاضي.، ولي قضاة البصرة وواسط، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي.، وولد سنة ثمان ومائتين، وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما. وصنف السنن.، وكان حافظا دينا عفيفا مهيبا.

سنة ثمان وتسعين ومائتين

فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر وربيعة.

وفيها خرج على عبيد الله المهتدي داعياه أبو عبد الله الشيعي وأخوه أبو العباس. وجرت لهما معه وقعة هائلة في جمادى الآخرة، فقتل الداعيان وأعيان جندهما، وصفا الوقت لعبيد الله. فعصي عليه أهل طرابلس، فجهز لحربهم ولده القائم أبا القاسم، فأخذها بالسيف في سنة ثلثلمائة.

وفيها توفي أبو أحمد، أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي الزاهد ببغداد في صفر. وكان من سادة الصوفية ومحدثيهم.. روى عن علي بن الجعد وعلي المديني.، وجمع وصنف.

وفيها قاضي الأنبار وخطيبها البليغ المصقع، أبو محمد بهلول بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي. وكان ثقة صاحب حديث. سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أبي أويس.

وفيها الزاهد القطب شيخ العصر أبو القاسم الجنيد بن محمد القواريري، ببغداد.، وقيل في سنة سبع وقيل في سنة تسع. صحب السري السقطي والحارث المحاسبي. وتفقه على أبي ثور.، وله المقامات والكرامات والكلام النافع في الصدق والمعاملات.، رحمه الله.، ومات في عشر الثمانين.

وفيها العلامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوري المزكي، شيخ الحنيفة وصاحب التصانيف، بنيسابور في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين. روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة، وكان ذا عبادة وتقى.

وفيها الزاهد الكبير أبو عثمان الحيري، سعيد بن إسماعيل، شيخ نيسابور وواعظها وكبير الصوفية بها في ربيع الآخر وله ثمان وستون سنة. صحب العارف أبا حفص النيسابوري. وسمع بالعراق من حميد بن الربيع. وكان كبير الشأن مجاب الدعوة.

وفيها فقيه قرطبة ومسند الأندلس أبو مروان عبيد الله بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي في عاشر رمضان.، وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة. روى عن والده الموطأ. وحمل عنه بشر كثير.

وفيها محمد بن يحيى بن سليمان، أبو بكر المروزي في شوال ببغداد. روى عن عاصم بن علي وأبي عبيد.

وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي، أبو العباس الأمير ببغداد. ودفن عند عمه محمد بن عبد الله. سمع من إسحاق بن راهويه وغيره. وولي إمرة خراسان بعد والده سنة ثمان وأربعين وهو شاب.، ثم خرج عليه يعقوب الصفار وحاربه، وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين، ثم وخلص من أسره سنة اثنتين وستين.، ثم بقي خاملا إلى أن مات.

سنة تسع وتسعين ومائتين

فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات ونهبت دوره، ووقع النهب والخبطة في بغداد.

وفيها توفي شيخ نيسابور، أبو عمرو الخفاف، أحمد بن نصر الزاهد الحافظ. سمع إسحاق بن راهويه وجماعة. قال الضبعي: كنا نقول إنه يفي بمذاكرة ثلاثمائة ألف حديث. وقال ابن خزيمة: يوم وفاته لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه. وقال يحيى العنبري: لما كبر أبو عمرو ويئس من الولد تصدق بأموال يقال إن قيمتها خمسون ألف دينار.

وفيها الحافظ أبو الحسين محمد بن حامد بن السري، خال ولد السري المروزي.، حدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته.

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، صاحب التصانيف في القراءات والغريب والنحو.، وكان أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويطريه ويقول: وهو أنحى من الشيخين، يعني ثعلبا والمبرد. توفي في ذي القعدة.

وفيها محمد بن يزيد بن محمد بن عبد الصمد المحدث أبو الحسن.. روى عن صفوان بن صالح وطبقته.، وكان صدوقا.، وقع لنا جزء من حديثه.

سنة ثلاثمائة

فيها توفي صاحب الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني، في ربيع الآخر، وكانت دولته خمسا وعشرين سنة. ولي بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين، وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد، يلتزم الصلوات في الجامع، وله غزوات كبار، أشهرها غزوة ابن حفصون.، وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلي في ثلاثين ألفا، فخرح عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفا، فالتقيا، فانكسر ابن حفصون، وتبعه عبد الله يأسر ويقتل، حتى لم ينج منهم أحد.، وكان ابن حفصون من الخوارج، وولي الأندلس بعده حفيده الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن، فبقي في الإمرة خمسين عاما.

وفيها أبو الحسن علي بن سعيد العسكري الحافظ، أحد أركان الحديث.. روى عن محمد بن بشار وطبقته. وتوفي بخراسان.

وفيها محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي الكوفي أبو العلاء الذهلي بمصر، عن ست وتسعين سنة.. روى عن علي بن المديني وجماعة.، وثقه ابن يونس.

وفيها محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي، في جمادى الأولى.

ومحمد بن جعفر القتات الكوفي أبو عمرو، في جمادى الأولى أيضا. رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم.

وفيها محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام، في آخر السنة بدمياط، وهو في عشر المائة. روى عن إسماعيل بن أبي أويس وأحمد بن يونس.

وفيها أبو الحسن مسرد بن قطن النيسابوري. روى عن جده لأمه بشر بن الحكم وطبقته بخراسان والعراق. قال الحاكم: كان مزني عصره والمقدم في الزهد والورع.

وفي حدود الثلاثمائة، أحمد بن يحيى الريوندي الملحد لعنه الله، ببغداد. وكان يلازم الرفضة والزنادقة. قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم، حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب أن يقوله عاقل، فمن كتبه كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمردة. وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل، وقد صنف الدامغ يدمغ به القرآن، والزمردة يزري به على النبوات.

سنة إحدى وثلاثمائة

فيها أدخل الحلاج بغداد مشهورا على جمل. وعلق مصلوبا، ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه. ثم حبس وظهر أنه ادعى الإلهية، وصرح بحلول اللاهوت في الناسوت.، وكانت مكاتباته تنبئ بذلك في وبعضها من النور الشعشعاني.، فاستمال أهل الحبس بإظهار السنة فصاروا يتبركون به.

وفيها قتل أبو سعيد الجنابي القرمطي صاحب هجر. قتله خادم له صقلبي راوده في الحمام، ثم خرج فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي وقال السيد يطلبك، فلما دخل قتله، ثم دعى آخر كذلك حتى قتل أربعة، ثم صاح النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه. وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش ثم هادنه الخليفة. واسمه الحسن بن بهرام الجنابي.

وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلب على المغرب، في أربعين ألفا، ليأخذ مصر، حتى بقي بينه وبين مصر أيام، فانفجرت مخاضة النيل، فحال الماء بينهم وبين مصر. ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب، فرجع المهدي إلى برقة بعد أن ملك الإسكندرية والفيوم.

وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل يهرب بن أحمد الساماني. صاحب ما وراء النهر. قتله غلمانه. وتملك بعده ابنه نصر.

وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء، الذي روى الموطأ عن سويد.

والحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البردعي البرديجي، ببغداد. روى عن أبي سعيد الأشج وطبقته. وطوف وصنف.

وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني، أبو إسحاق الحافظ بالري. روى عن طالوت بن عباد وهشام بن عمار وطبقتهما.

وبكر بن أحمد بن مقبل البصري الحافظ. روى عن عبد الله بن معاوية الجمحي وطبقته.

وفيها جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، الحافظ العلامة أبو بكر الفريابي، صاحب التصانيف.، رحل من بلاد الترك إلى مصر، وعاش أربعا وتسعين سنة. وولي قضاء الدينور. وكان من أوعية العلم. روى علي ابن المديني وأبي جعفر النفيلي وطبقتهما.، وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين. قال ابن عدي: كنا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر.

وفيها الحسين بن إدريس الحافظ أبو علي الأنصاري الهروي. رحل وطوف وصنف. وروى عن سعيد بن منصور وسويد بن سعيد وخلق. وثقه الدراقطني.

وفيها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية البربري الأصل البغدادي، أحد الأثبات المصنفين. سمع أبا بكر بن أبي شيبة وطبقته.

وفيها المحدث المعمر محمد بن حبان بن الأزهر أبو بكر الباهلي البصري القطان، نزيل بغداد.. روى عن أبي عاصم النبيل وعمرو بن مرزوق. وهو ضعيف.

وفيها الحافظ أبو جعفر محمد بن العباس بن الأخرم الأصبهاني الفقيه. روى عن أبي كريب وخلق.

وفيها محمد بن عبد الرحمن السامي الهروي الحافظ، في ذي القعدة. طوف وروى عن أحمد بن يونس وأحمد بن حنبل والكبار.

وفيها محمد بن يحيى بن مندة الحافظ أبو عبد الله العبدي الأصبهاني، جد الحافظ الكبير محمد بن إسحاق بن مندة.. روى عن لوين وأبي كريب وخلق. قال أبو الشيخ: كان أستاذ شيوخنا وإمامهم. وقيل إنه كان يجاري أحمد بن الفرات الرازي وينازعه.

وفيها الأمير علي بن أحمد الراسبي أمير جنديسابور والسوس. وخلف ألف فرس وألف ألف دينار ونحو ذلك.

سنة اثنتين وثلاثمائة

فيها عاد المهدي ونائبه حباسة إلى الإسكندرية. فتمت وقعة كبيرة قتل فيها حباسة. فرد المهدي إلى القيروان.

وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري وسجنه، وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار. وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال: أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار، عينا وورقا وقماشا وخيلا. قيل كانت عنده ودائع عظيمة، لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه. وقال بعض الناس: رأيت سبائك الذهب تقبن بالقبان بن يدي ابن الجصاص.

وفيها أخذ القرمطي الركب العراقي. وتمزق الوفد في البرية، وأسروا من النساء مائتين وثمانين امرأة.

وفيها توفي العلامة فقيه المغرب، أبو عثمان بن الحداد الافريقي المالكي، سعيد بن محمد بن صبيح، وله ثلاث وثمانون سنة. أخذ عن سحنون وغيره، وبرع في الكلم العربية والنظر، ومال إلى مذهب الشافعي. وأخذ يسمى المدونة المدودة، فهجره المالكية، ثم أحبوه لما قام علي أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السنة.

وفيها إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي، صاحب أحمد بن يونس، ببغداد.

وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، صاحب نعيم بن حماد، ببغداد.

وإبراهيم بن محمد بن الحسن بن متويه، العلامة أبو إسحاق الأصبهاني إمام جامع أصبهان، وأحد العباد والحفاظ. سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهما.

ومحمد بن زنجويه القشيري النيسابوري. صاحب إسحاق بن راهويه.

والقاضي أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي مولاهم، قاضي دمشق بعد قضاء مصر. وكان جده يهوديا فأسلم.

سنة ثلاث وثلاثمائة

فيها عسكر الحسين بن حمدان، والتقى هو ورائق، فهزم رائقا.، فسار لحربه وتمت لهما خطوب، ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين، فتسرعوا إليه.، ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله، وأدخل بغداد على جمل هو وأعوانه.، ثم قبض على أخيه أبي الهيجا عبد الله بن حمدان وأقاربه.

وفيها توفي الإمام أحد الأعلام صاحب المصنفات، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي في ثالث عشر صفر، وله ثمان وثمانون سنة. سمع قتيبة إسحاق وطبقتهما بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة. وكان رئيسا نبيلا حسن البزة كبير القدر، له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو من سرية، لنهمته في التمتع، ومع ذلك فكان يصوم صوم داود ويتهجد. قال ابن المظفر الحافظ: سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزاة مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس الأمير. وقال الدارقطني: خرج حاجا، فامتحن بدمشق، فأدرك الشهادة فقال: احملوني إلى مكة فحمل، وتوفي بها في شعبان. قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث.

وفيها الحافظ الكبير أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي صاحب المسند.، تفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه. وسمع من أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والكبار. وكان ثقة حجة، واسع الرحلة. قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره، مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه.، توفي في رمضان.

وفيها أبو علي الجبائي محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم.

وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق، أبو الحسن البغدادي المعروف بالصوفي الصغير. روى عن إبراهيم الترجماني وجماعة.

وفيها أبو جعفر أحمد بن فرح البغدادي المقري الضرير صاحب أبي عمرو الدوري.، تصدر للإقراء مدة طويلة.. روى الحديث عن ابن المديني.

وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي.. روى عن قتيبة وخلق.

وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي الحافظ، صاحب التفسير.. روى عن إسحاق بن راهويه وخلق.

وفيها جعفر بن أحمد بن نصر، الحافظ أبو محمد النيسابوري المعروف بالحصيري. سمع إسحاق بن راهويه. وكان حافظا عابدا.

وفيها عبد الله بن محمد بن يونس السمناني أبو الحسين، أحد الثقات الرحالة. سمع إسحاق وعيسى بن زغبة وطبقتهما.

وفيها عمرو بن أيوب السقطي ببغداد. روى عن بشر بن الوليد وطبقته.

وفيها محمد بن العباس بن الدرفس، أبو عبد الرحمن الغساني الدمشقي، الرجل الصالح. روى عن هشام بن عمار وعدة.

وفيها أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي الحافظ شكر. طوف وجمع. وروى عن محمد بن رافع وطبقته.

سنة أربع وثلاثمائة

فيها غزا مؤنس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية، فافتتح حصونا وأثر أثرة حسنة.

وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن محمد المخرمي أبو إسحاق.. روى عن عبيد الله القواريري وجماعة. ضعفه الدارقطني.

وفيها إسحاق بن إبراهيم، أبو يعقوب المنجنيقي. بغدادي حافظ نبيل.، نزل مصر. وكان يحدث عند منجنيق بجامع مصر، فقيل له المنجنيقي. روى عن داود بن رشيد وطبقته.

وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي ابن أمير القيروان.، حارب المهدي الذي خرج بالقيروان، ثم عجز عنه وهرب إلى الشام ومات بالرقة، وقيل بالرملة.

وفيها الحافظ أبو محمد عبد الله بن مظاهر الأصبهاني، شابا. وكان قد حفظ جميع المسند، وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين.. روى عن مطين يسيرا.

وفيها القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح. نزيل تنيس. روى عن المعافي الرسعني وهشام بن عمار.

وفيها، يموت بن المزرع، أبو بكر العبدي البصري الأخباري العلامة، وهو في عشر الثمانين.. روى عن خاله الجاحظ وأبي حفص الفلاس وطبقتهما.

وفيها الزاهد أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي الصوفي، أحد المشايخ الكبار. صحب ذا النون المصري. وروى عن الإمام أحمد بن حنبل ودحيم وطائفة. قال القشيري: كان نسيج وحده في إسقاط التصنع. وقال يوسف بن الحسين: ما صحبني متكبر إلا اعتراني داؤه لأنه يتكبر، فإذا تكبر غضبت، فإذا غضبت أداني الغضب إلى الكبر.

سنة خمس وثلاثمائة

فيها قدم رسول ملك الروم يطلب الهدنة، فاحتفل المقتدر بالله لجلوسه له. قال الصولي وغيره: أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشماسية فكانوا نحوا من مائة وستين ألفا، ثم الغلمان، فكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجاب سبعمائة، وعلقت ستور الديباج، فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومن البسط وغيرها. ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة. إلى أن قال: ثم أدخل الرسول دار الشجرة، وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان، عليها طيور مذهبة، وورقها ألوان مختلفة، وكل طائر يصفر لونا بحركات مصنوعة تغني، ثم أدخل إلى الفردوس، وفيها من الفراش والآلات ما لا يقوم.

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن شيرويه، الفقيه أبو محمد النيسابوري، أحد الحفاظ. سمع إسحاق بن راهويه وأحمد بن منيع وطبقتهما.، وصنف التصانيف.

وفيها عمران بن موسى بن مجاشع، الحافظ أبو إسحاق السختياني محدث جرجان. سمع هدبة بن خالد وطبقته.، ورحل وصنف.، توفي في رجب.

وفيها أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري، مسند العصر، في ربيع الآخر، وله مائة سنة إلا بعض سنة.، وكان محدثا متقنا أخباريا عالما.. روى عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما.

وفيها القاسم بن زكريا، أبو بكر المطرز ببغداد.. روى عن سويد ابن سعيد وأقرانه، وقرأ على الدوري.، وأقرأ الناس وجمع وصنف.، وكان ثقة.

وفيها محمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي.. روى عن يحيى الحماني وعبيد الله القواريري وجماعة.

ويحيى بن نصر بن شبيب، أبو بكر الأصبهاني.. روى عن أبي ثور الكلبي وغيره.

وفيها محمد بن نصر، أبو عبد الله المديني.. روى عن إسماعيل بن عمرو البجلي وجماعة.، وثقة أبو نعيم الحافظ.

سنة ست وثلاثمائة

فيها وقبلها، أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت، لركاكة ابنها، فإنه لم يركب للناس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلاثمائة. ثم ولى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها، وهو ابن أربع سنين.، وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة.

ولما كان في هذا العام، أمرت أم المقدر، مثل القهرمانة، أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة. وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها.

وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه.، فأخذ الإسكندرية وأكثر الصعيد ثم رجع.

وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي ببغداد. روى عن علي بن الجعد، ويحيى بن معين وجماعة.، وكان ثقة صاحب حديث. مات عن نيف وتسعين سنة.

وفيها القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، شيخ الشافعية وصاحب التصانيف، في جمادى الأولى، وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر. وكان يقال له الباز الأشهب. ولي قضاء شيراز، وفهرس كتبه يشتمل على أربعمائة مصنف. روى الحديث عن الحسن بن محمد الزغفراني وجماعة.

وفيها أبو عبد الله أبو عبد الجلا الزاهد، شيخ الصوفية، واسمه أحمد بن يحيى. صحب ذا النون المصري والكبار، وكان قدوة أهل الشام. توفي في رجب. وقد سئل عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، أنا أريد أتعلم التوبة.

وفيها حاجب بن أركين الفرغاني الضرير المحدث. روى عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وجماعة، وله جزء مشهور.

وفيها الحسين بن حمدان التغلبي، ذبح في حبس المقتدر بأمره.

وفيها الإمام أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي الحافظ، صاحب التصانيف. سمع سهل بن عثمان وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتهما. وكان يحفظ مائة ألف حديث. ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرة. توفي في آخر السنة، وله تسعون سنة وأشهر.

وفيها محمد بن خلف بن وكيع القاضي، أبو بكر الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الزبير بن بكار وطبقته. وولي قضاء الأهواز.

سنة سبع وثلاثمائة

فيها كانت الحروب والأراجيف الصعبة بمصر. ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة ومات جماعة من أمرائهم واشتدت علة القائم محمد بن المهدي.

وفيها دخلت القرامطة البصرة ونهبوا وسبوا.

وفيها توفي الأشناني، أبو العباس أحمد بن سهل المقرئ المجود، صاحب عبيد بن الصباح.، وكان ثقة. روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة.

وفيها أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي الحافظ، صاحب المسند. روى عن علي بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار. وصنف التصانيف.، وكان ثقة صالحا متقنا يحفظ حديثه.، توفي وله سبع وتسعون سنة.

وزكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ، محدث البصرة.. روى عن هدبة بن خالد وطبقته.

وأبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي، مقرئ الديار المصرية.. روى عن محمد بن رمح، وتلا على أبي يعقوب الازرق صاحب ورش.

وأبي جعفر، محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث.. روى عن جبارة بن المغلس وطائفة.

ومحمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني.، آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي.، وآخر أصحابه أبو بكر بن المقري.

ومحمد بن هارون، أبو بكر الروياني الحافظ الكبير، صاحب المسند. روى عن أبي كريب وطبقته.، وله تصانيف في الفقه. قاله أبو يعلى الخليلي.

وأبو عمران الجوني موسى بن سهل بالبصرة، ثقة رحال حافظ. سمع محمد بن رمح وهشام بن عمار وطبقتهما.

والحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري ببغداد. روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته. وجمع وصنف.

ويحيى بن زكريا النيسابوري، أبو زكريا الأعرج أحد الحفاظ، بمصر. وهو عم محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري. دخل مصر على كبر السن. وروى عن قتيبة وإسحاق بن راهويه.

سنة ثمان وثلاثمائة

فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء ببغداد، فركبت الجند.، وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس، فقصدت العامة داره، فحاربتهم غلمانه، وكان له مماليك كثيرة، فدام القتال أياما، وقتل عدد كثير وقليل. ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد وجرت فيها فتن، وحروب بمصر، وملك العبيديون جيزة الفسطاط، فجزعت الخلق وشرعوا في الهروب والجفل.

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن سفيان، الفقيه أبو إسحاق النيسابوري الرجل الصالح، راوي صحيح مسلم. روى عن محمد بن رافع.، ورحل وسمع ببغداد والكوفة والحجاز. وقيل كان مجاب الدعوة.

وفيها أبو محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي، مقرئ أهل مكة، وصاحب البزي. روى مسند العدني عن المصنف. وتوفي في رمضان، وهو في عشر التسعين.

وعبد الله بن محمد بن وهب. الحافظ الكبير أبو محمد الدينوري. سمع الكثير، وطوف الأقاليم.، وروى عن أبي سعيد الأشج وطبقته. قال ابن عدي: سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب. وقال الدارقطني: متروك. وقال أبو علي النيسابوري: بلغني أن أبا زرعة الرازي كان يعجز عن مذاكرته.

وفيها أبو الطيب محمد بن الفضل بن سلمة بن عاصم الضبي الفقيه، صاحب ابن سريج.، أحد الأذكياء.، صنف الكتب.، وهو صاحب وجه.، وكان يرى تكفير تارك الصلاة، ومات شابا.، وأبوه وجده من أئمة العربية.

والمفضل بن محمد بن إبراهيم أبو سعيد الجندي محدث مكة.. روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي والعدني وجماعة. وثقه أبو علي النيسابوري.

سنة تسع وثلاثمائة

فيها أخذت الإسكندرية واستردت إلى نواب الخليفة، ورجع العبيدي إلى المغرب.

وفيها قتل الحلاج، وهو أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمى الفارسي، وكان محمى مجوسيا. تطوف الحلاج وصحب سهل بن عبد الله التستري. ثم قدم بغداد، فصحب الجنيد والنوري. وتعبد فبالغ في المجاهدة والترهب، ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل له به حال شيطاني، هرب منه الحال الإيماني. ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسرت صنمه، واشتبه على الناس السحر بالكرامات، فضلّ به خلق كثير، كدأب من مضى ومن يكون، مثل أبي مقتل الدجال الأكبر، والمعصوم من عصم الله. وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند، وزرع في كل ناحية زندقة، فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث، ومن بلاد الترك بالمقيت، لبعد الديار عن الإيمان. وأما البلاد القريبة، فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد، ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار. وسماه أشياعه ببغداد المصطلم، وبالبصرة المجير. ثم سكن بغداد في حدوث الثلاثمائة وقبلها، واشترى أملاكا وبنى دارا وأخذ يدعو الناس إلى أمور. فقامت عليه الكبار، ووقع بينه وبين الشبلي والفقيه محمد بن داود الظاهري والوزير علي بن عيسى الذي كان في وزارته كابن هبيرة في وزارته علما ودينا وعدلا. فقال ناس: ساحر، فأصابوا. وقال ناس: به مس من الجن، فما أبعدوا، لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر من عاقل، إذ ذلك من موجب حتفه، أو هو كالمصروع أو المصاب، الذي يخبر بالمغيبات، ولا يتعاطى بذلك حالا، ولا أن ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات. وقال ناس من الأغتام: بل هذا رجل عارف ولي الله صاحب كرامات، فليقل ما شاء. فجهلوا من وجهين أحدهما أنه ولي والثاني أن الولي يقول ما شاء فلن يقول إلا الحق. وهذه بلية عظيمة ومرضة مرمنة، أعيى الأطباء دواؤها، وراح بهرجها وعز ناقدها، والله المستعان. قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق: كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء، على حسب ما يستبله طائفة، أخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرح لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم ويسميها دراهم القدرة، حدث الجبائي بذلك فقال: هذه الأشياء يمكن الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم، وكلفوه أن يخرج منه جرزتين من شوك، فبلغ الحلاج قوله فخرج عن الأهواز. وروي عن عمرو بن عثمان المكي أنه لعن الحلاج وقال: قرأت آية فقال: يمكنني أن أؤلف مثلها. وقال أبو يعقوب الأقطع: زوجت بنتي بالحلاج، فبان لي بعد أنه ساحر كذاب محتال. وقال الصولي: جالست الحلاج فرأيت جاهلا يتعاقل، وغبيا يتبالغ، وفاجرا يتزهد. وكان ظاهره أنه ناسك، فاذا علم أن أهل بلد يرون الاعتزال صار معتزليا، أو يرون التشيع تشيع، أو يرون التسنن تسنن، وكان يعرف الشعبذة والكيمياء والطب، وينتقل في البلدان، ويدعي الربوبية، ويقول للواحد من أصحابه: أنت آدم، ولذا أنت نوح، ولهذا أنت محمد، ويدعي التناسخ وأن أرواح الانبياء انتقلت إليهم. وقال الصولي أيضا: قبض علي الراسبي أمير الأهواز على الحلاج في سنة احدى وثلثمائة وكتب إلى بغداد يذكر أن البينة قامت عنده أن الحلاج يدعي الربوبية ويقول بالحلول فحبس مدة، وكان يري الجاهل شيئا من شعبذته، فاذا وثق به، دعاه إلى أنه إله، ثم قيل: إنه سني وإنما يريد قتله الرافضة، ودافع عنه نصر الحاجب، قال: وكان في كتبه أنه مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود. وكان الوزير حامد قد وجد له كتابا فيه: أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك، أغناه عن الصوم والصلاة والحج، فقام عليه حامد فقُتل. وأفتى جماعة من العلماء بقتله، وبعث حامد بن العباس بخطوطهم إلى المقتدر، فتوقف المقتدر، فراسله أن هذا قد ذاع كفره وادعاؤه الربوبية، وإن لم يقتل افتتن به الناس، فأذن في قتله، فطلب الوزير صاحب الشرطة، فأمره أن يضربه ألف سوط، فإن مات وإلا قطع أربعته، فأحضر وهو يتبختر في قيده، فضرب ألف سوط، ثم قطع يده ورجله، ثم حز رأسه وأحرقت جثته. وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلاج، وأنه قدموه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر بأنه يحيى الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد، وكان محبوسا بدار الخلافة. فأحضر جماعة إلى حامد، فاعترفوا أن الحلاج إله وأنه يحيي الموتى، ثم وافقوه وكاشفوه فأنكر. وكانت زوجة السمري عنده في الاعتقال، فأحضرها حامد فسألها، فقالت: قد قال مرة زوجتك بابني وهو بنيسابور، فإن جرى منه ما تكرهين فصومي واصعدي على السطح على الرماد، وأفطري على الرماد وأفطري على الملح واذكري ما تكرهينه، فإني أسمع وأرى، قالت: وكنت نائمة وهو قريب مني فما أحسست إلا وقد غشيني فانتبهت فزعة، فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة. وقالت لي بنته يوما: اسجدي له فقلت أويسجد أحد لغير الله؟ وهو يسمعني، فقال: نعم، إله في السماء وإله في الأرض. وقال ابن باكويه: سمعت أحمد بن الحلاج يقول: سمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي: رأيت رب العزة في المنام، فقلت: يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته بمعنى، فدعى الخلق إلى نفسه، فأنزلت به ما رأيت. وقال يوسف بن يعقوب النعماني: سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول: إن كان ما أنزل الله على نبيه حقا فما يقول الحلاج باطل. وعن أبي بكر بن سعدان، قال لي الحلاج: تؤمن بي حتى أبعث إليك عصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا منا من نحاس فيصير ذهبا، قلت: أفتؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء، فإذا أردت أن تخفيه، أخفيته في عينك، فأبهته. وكان مموها مشعوذا.

وفيها توفي أبو العباس بن عطاء الأزدي الزاهد، وهو أحمد ابن محمد بن سهل بن عطاء، أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالاجتهاد في العبادة، قيل: كان ينام في اليوم والليلة ساعتين، ويختم القرآن كل يوم. توفي في ذي القعدة بالعراق.

وفيها حامد بن محمد بن شعيب، أبو العباس البلخي المؤدب ببغداد. روى عن شريح بن يونس وطائفة وكان ثقة. عاش ثلاثا وتسعين سنة.

وفيها عمر بن اسماعيل بن غيلان أبو حفص الثقفي البغدادي. سمع علي بن الجعد وجماعة. وثقه الخطيب.

وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن مكرم البغدادي بالبصرة.، وكان أحد الحفاظ المبرزين. روى عن بشر بن الوليد وطبقته.

وفيها محمد بن خلف بن المرزبان، أبو بكر البغدادي الأخباري صاحب التصانيف. روى عن الزبير بن بكار وطبقته. وكان صدوقا.

سنة عشر وثلاثمائة

فيها توفي الحافظ الكبير أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري. سمع أبا كريب وطبقته. وكان حفطه زاهدا خيرا. قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت أحفظ منه. وقال ابن المقري فيه: حدثنا تاج المحدثين، فذكر حديثا.

وإسحاق بن إبراهم بن محمد بن جميل، أبو يعقوب الأصبهاني، الراوي عن أحمد بن منيع مسنده عن سن عالية. قال حفيده عبد الله بن يعقوب: عاش جدي مائة وسبع عشرة سنة.

وأبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة البغدادي بمصر. روى عن محمد بن بكار بن الريان وطائفة.

وفيها علي بن العباس البجلي الكوفي المقانعي، أبو الحسن. روى عن أبي كريب وطبقته.

وفيها أبو بشر الدولابي، وهو محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الحافظ، صاحب التصانيف. روى عن بندار محمد بن بشار وخلق. وعاش ستا وثمانين سنة. قال أبو سعيد بن يونس: كان من أهل الصنعة، وكان يضعف. توفي بين مكة والمدينة.

وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة. سمع إسحاق بن أبي إسرائيل ومحمد ابن حميد الرازي وطبقتهما. وكان مجتهدا لا يقلد أحدا. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة. وقال أبو حامد الإسفراييني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرا. قلت: ومولده بآمل طبرستان سنة أربع عشرة ومائتين، وتوفي ليومين بقيا من شوال، وكان ذا زهد وقناعة، توفي ببغداد.

وفيها أو بعدها بيسير، العالم المحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، محدث فلسطين. روى عن صفوان بن صالح المؤذن ومحمد بن رمح والكبار. وكان ثقة.

وفيها تقريبا أبو عمران الرقي موسى بن جرير المقري النحوي. صاحب أبي شعيب السوسي. وتصدر للإقراء مدة.

وفيها الوليد بن أبان بن الحافظ أبو العباس بأصبهان. صنف المسند والتفسير. وطوف الكثير. وحدث عن أحمد بن الفرات الرازي وطبقته.

سنة إحدى عشرة وثلاثمائة

فيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي البصرة في الليل، في ألف وسبعمائة فارس، نصبوا السلالم على السور ونزلوا، فوضعوا السيف في البلد. وأحرقوا الجامع. وهرب خلق إلى الماء فغرقوا، وسبوا الحريم. والله المستعان.

وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحبري النيسابوري، الحافظ الزاهد المجاب الدعوة، والد المحدث أبي عمرو بن حمدان. روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وطبقته. وصنف الصحيح على شرط مسلم. وكان يحيي الليل.

وفيها أبو بكر الخلال أحمد بن محمد بن هارون البغدادي، الفقيه الحبر الذي أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه.، تفقه على المروذي.، وسمع من الحسن بن عرفة وأقرانه.، توفي في ربيع الأول.

وفيها إبراهيم بن السري، أبو إسحاق الزجاج، نحوي العراق وصاحب المبرد. صنف التصانيف الكثيرة.، وتوفي في جمادى الآخرة وقد شاخ.

وفيها عبد الله بن إسحاق المدايني الأنماطي ببغداد. روى عن عثمان بن أبي شيبة وطبقته.، وكان ثقة محدثا.

وعبد الله بن محمود السعدي، أبو عبد الرحمن. محدث مرو.

وعبد الله بن عروة الهروي الحافظ المصنف. سمع أبا سعد الأشج وطبقته.

والحافظ الكبير أبو حفص عمر بن بجير الهمذاني السمرقندي. صاحب الصحيح والتفسير، وذو الرحلة الواسعة. روى عن عيسى بن حماد زغبة وبشر بن معاذ العقدي وطبقتهما. وعاش ثمانيا وثمانين سنة.

ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، إمام الأئمة أبو بكر السلمي النيسابوري الحافظ، صاحب التصانيف.. روى عن علي بن حجر وطبقته.، ورحل إلى الحجاز والشام والعراق ومصر، وتفقه على المزني وغيره. قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر مثل محمد بن إسحاق. وقال أبو زكريا العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله ﷺ قول إذا صح الخبر عنه. وقال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة. وقال ابن حبان: لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن. وقال الدارقطني: كان إماما معدوم النظير.

ومحمد بن شادل أبو العباس النيسابوري. سمع ابن راهويه وأبا مصعب وخلقا. وكان يختم القرآن في كل يوم.

ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب العلامة، صاحب المصنفات في الطب والفلسفة. وإنما اشتغل بعد أن بلغ الأربعين، وكان في صباه مغنيا بالعود.

سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة

فيها في المحرم، عارض أبو طاهر الجنابي ركب العراق، ومعه ألف فارس وألف راجل. فوضعوا السيف واستباحوا الحجيج وساقوا الجمال بالأموال والحريم، وهلك الناس جوعا وعطشا، ونجا من نجا بأسوأ حال. ووقع النوح والبكاء ببغداد وغيرها. وامتنع الناس من الصلوات في المساجد. ورجموا ابن الفرات الوزير، وصاحوا عليه: أنت القرمطي الكبير. فأشار على المقتدر بأن بكاتب مؤنسا الخادم، وهو على الرقة. وكان ابن الفرات قد سعى في إبعاده إليها خوفا منه، فقدم مؤنس، فركب إلى داره ابن الفرات للسلام عليه. ولم يتم مثل هذا من وزير. فأسرع مؤنس إلى باب داره، وقبل يده وخضع. وكان في حبس المحسن ولد الوزير جماعة في المصادرة، فخاف العزل وأن يظهر عليه ما أخذ منه. فسم إبراهيم أخا الوزير علي بن عيسى، وذبح مؤنس خادم حامد بن العباس وعبد الوهاب ابن ما شاء الله. فكثر ضجيج المقتولين على بابه. ثم قبض المقتدر على ابن الفرات وسلمه إلى مؤنس، فعاتبه مؤنس وتذلل له. فقال مؤنس: الساعة تخاطبني بالأستاذ، وأمس تبعدني إلى الرقة! واختفى المحسن، ثم ظفر به في زي امرأة، وقد خضب يديه، فعذب، وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار، وولي الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني فعذب بني الفرات واستصفى أموالهم. فيقال أخذ منهم ألفي ألف دينار، ثم ألح مؤنس ونصر الحاجب وهارون بن خالد المقتدر، حتى أذن في قتل ابن الفرات وولده المحسن فذبحا. وعاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة. وعاش بعد حامد بن العباس نصف سنة. وكان جبارا فاتكا كريما سائسا متمولا، كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار. وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات، وقيل كان دخله من أملاكه في العام ألف ألف دينار.

وكان القرمطي قد أسر طائفة من الحجاح، منهم الأمير أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، فأطلقه وأرسل معه يطلب من المقتدر البصرة والأهواز، فحدث أبو الهيجاء أن القرمطي قتل من الحجاح ألفي رجل ومائتين ومن النساء ثلاثمائة وفي الأسر مثلهم بهجر.

وفيها افتتح المسلمون فرغانة. إحدى مدائن الترك.

وفيها توفي علي بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، أبو الحسن الوزير، وابنه المحسن؛ ذبحا صبرا. ويقال عنه أنه كاتب الأعراب أن يكبسوا بغداد، ولما ولي الوزارة في سنة أربع وثلاثمائة خلع عليه سبع خلع، وكان يوما مشهودا، بحيث أنه سقى في داره في ذلك اليوم والليلة أربعين ألف رطل ثلج. وكان هو وأخوه أبو العباس آية في معرفة حساب الديوان.

وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القاسم المصري المحدث، وله بضع وثمانون سنة. روى عن محمد بن رمح وحرملة.

وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلال النيسابوري. أنفق أموالا جليلة في طلب العلم. وأنزل البخاري عنده لما قدم نيسابور. وروى عن محمد بن رافع وأبي سعيد الأشج وخلق.، وكان يفهم ويذاكر.

وفيها محمد بن محمد سليمان الحافظ الكبير، أبو بكر الباغندي، أحد أئمة الحديث، في ذي الحجة ببغداد، وله بضع وتسعون سنة. روى عن علي بن المديني وشيبان بن فروخ. وطوف بمصر والشام والعراق. وروى أكثر حديثه من حفظه. قال القاضي أبو بكر الأبهري: سمعته يقول: أجبت في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث النبي ﷺ. قال الإسماعيلي: لا أتهمه، ولكنه خبيث التدليس، ومصحف أيضا. وقال الخطيب: رأيت كافة شيوخنا يحتجون به.

وفيها أبو بكر بن المجدر، وهو محمد بن هارون البغدادي. روى عن داود بن رشيد وطبقته.، وكان معروفا بالانحراف عن علي.

سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة

فيها سار الركب العراقي ومعهم ألف فارس، فاعترضهم القرمطي بزبالة وناوشهم القتال، فرد الناس ولم يحجوا. ونزل القرمطي على الكوفة، فقاتلوه فغلب على البلد ونهبه. فندب المقتدر مؤنسا، وأنفق في الجيش ألف ألف دينار.

وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق ببغداد. وكان ثقة رحالا. روى عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي نعيم الحلبي وعدة.

وفيها أبو العباس أحمد بن الحسين الماسرجسي. سمع من جده لأمه الحسن بن عيسى بن ماسرجس وإسحاق بن راهويه وشيبان بن فروخ.

وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني. روى عن هشام بن عمار وطبقته.

وفيها أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلامة. قال ابن الفرضي: كان مفتيا بصبرا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر. وعاش خمسا وتسعين سنة. روى عن محمد بن وضاح وطائفة.

وعبد الله بن زيدان بن يزيد، أبو محمد البجلي الكوفي، عن إحدى وتسعين سنة.. روى عن أبي كريب وطبقته. قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ: لم تر عيني مثله، كان ثقة حجة، أكثر كلامه في مجلسه: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على طاعتك، أخبرت أنه مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربة، كان صاحب ليل.

وعلي بن عبد الحميد الغضائري أبو الحسن، بحلب في شوال. روى عن بشر بن الوليد. والقواريري وعدة. وقال: حججت ماشيا من حلب أربعين حجة.

وعلي بن محمد بن بشار، أبو الحسن البغدادي الزاهد شيخ الحنابلة.، أخذ عن صالح بن أحمد والمروذي.، وجاء عنه أنه قال: أعرف رجلا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي فلا يجد شيء يشتهي.

ومحمد بن أحمد بن أبي عون عبد الجبار، أبو جعفر النسائي الرياني.. روى عن علي بن حجر وأحمد بن إبراهيم الدورقي وطبقتهما. وثقه الخطيب.

ومحمد بن إبراهيم الرازي الطيالسي.. روى عن إبراهيم بن موسى الفراء وابن معين وخلق. قال الدارقطني: متروك.

وأبو لبيد محمد بن إدريس الشامي السرخسي.. روى عن سويد وأبي مصعب وطبقتهما.

وفيها محمد بن إسحاق، الثقفي مولاهم النيسابوري أبو العباس السراج الحافظ، صاحب التصانيف. روى عن قتيبة وإسحاق وخلق كثير. قال أبو إسحاق المزكي: سمعته يقول: ختمت عن رسول الله ﷺ اثنتي عشرة ألف ختمة، وضحيت عن اثنتي عشرة ألف أضحية. قال محمد بن أحمد الدقاق: رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية، ثم يجمع أصحاب الحديث عليها. وقد ألف السراج مستخرجا على صحيح مسلم.، وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر.، عاش سبعا وتسعين سنة.

وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن علي بن خلف القهستاني الحافظ. صاحب المسند على الرجال وعلى الأبواب. أكثر التطواف.، وروى عن أحمد بن منيع وطبقته.

سنة أربع عشرة وثلاثمائة

فيها أخدت الروم لعنهم الله ملطية عنوة واستباحوها. ولم يحج أحد من العراق خوفا من القرامطة. ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم.

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي نزيل خراسان.. روى عن عبد الجبار بن العلاء وخلق. قال الحاكم: له أفراد وعجائب.

وفيها محمد بن محمد بن النفاح بن بدر الباهلي أبو الحسن. بغدادي حافظ خير متعفف. توفي بمصر في ربيع الآخر. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته.

وفيها محمد بن عمر بن لبابة، أبو عبد الله القرطبي مفتي الأندلس. كان رأسا في الفقه محدثا أديبا أخباريا شاعرا مؤرخا. توفي في شعبان. وولد سنة خمس وعشرين ومائتين. روى عن أصبغ بن الخليل والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحيى بن يحيى وأصبغ. وتفقه به خلق.

وفيها نصر بن القاسم أبو الليث البغدادي الفرائضي. روى عن شريح بن يونس وأقرانه. وكان ثقة من فقهاء أهل الري.

سنة خمس عشرة وثلاثمائة

فيها أخذت الروم سميساط واستباحوها، وضربوا الناقوس في الجامع.، فسار مؤنس بالجيوش ودخل الروم، وتم مصاف كبير هزمت فيه الروم وقتل منهم خلق.

وأما القرامطة فنازلت الكوفة. فسار يوسف بن أبي الساج فالتقاهم. فأسر يوسف وانهزم عسكره وقتل منهم عدة. وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار، فقطع المسلمون الجسر، فأخذ يتحيل في العبور. ثم عبر وأوقع بذلك بالمسلمين. فخرج نصر الحاجب ومؤنس فعسكروا بباب الأنبار. وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته. ثم ردت القرامطة في خبر العسكر عليهم. وهذا أحد لأن العرفان القرامطة وكانوا ألفا وسبعمائة من فارس وراجل، والعسكر أربعين ألف فارس.، ثم إن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة معه، وسار إلى هيت. فبادر العسكر وحصنوها، فرد القرمطي إلى البرية، فدخل الوزير علي بن عيسى على المقتدر بالله وقال: قد تمكنت هيبة هذا الكافر من القلوب،. فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش، والا فما لك إلا أقاصي خراسان. فأخبر أمه، فأخرجت خمسمائة ألف دينار، وأخرج المقتدر ثلثمائة ألف دينار. ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر، وجددت على بغداد الخنادق، وعدمت هيبة المقتدر من القلوب. وشتمته الجند.

وفيها توفي أحمد بن علي بن الحسين، أبو بكر الرازي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف، وله أربع وخمسون سنة. رحل وأدرك إبراهيم بن عبد الله القصار وطبقته بخراسان والري وبغداد والكوفة والحجاز.

وفيها أبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الفقيه، قاضي دمشق نيابة،. ثم قاضي الرملة. روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته. وكان له حلقة بمصر للفتوى والاشتغال. قال ابن يونس: خلط ووضع أحاديث.

وفيها الأخفش أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي. وهو الأخفش الصغير النحوي. روى عن ثعلب والمبرد.

وفيها محمد بن الحسين، أبو جعفر الخثعمي الكوفي الأشناني أحد الأثبات. روى ببغداد عن أبي كريب وطبقته.

وفيها محمد بن الفيض، أبو الحسن الغساني، محدث دمشق. روى عن صفوان بن صالح والكبار. توفي في رمضان عن ست وتسعين سنة.

وفيها محمد بن المسيب الأرغياني، الحافظ الجوال الزاهد المفضال، شيخ نيسابور. روى عن محمد بن رافع وبندار ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهم. وكان يقول: ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث. وقال: كنت أمشي في مصر وفي كمي مائة جزء، في الجزء ألف حديث. قال الحاكم: كان دقيق الخط. وصار هذا كالمشهور من شأنه. عاش اثنتين وتسعين سنة.

سنة ست عشرة وثلاثمائة

فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها، ثم نازل الرقة وقتل جماعة بربضها، وتحول إلى هيت، فرموه بالحجارة وقتلوا صاحبه أبا الذواد. فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبنى دارا سماها دار الهجرة، ودعا إلى المهدي، وتسارع إليه كل مريب، ولم يحج أحد. ووقع بين المقتدر وبين مؤنس الخادم. واستعفى ابن عيسى من الوزارة. وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب.

وفيها توفي بنان الحمال، أبو الحسن الزاهد الواسطي، نزيل مصر وشيخها. كان ذا منزلة عظيمة في النفوس، وكانوا يضربون بعبادته المثل. وصحب الجنيد. وحدث عن الحسن بن محمد الزغفراني وجماعة. وثقه أبو سعيد بن يونس وقال: توفي في رمضان، وخرج في جنازته أكثر أهل مصر، وكان شيئا عجيبا.

وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، الحافظ ابن الحافظ. ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين، ونشأ بنيسابور وغيرها، وسمع من محمد بن أسلم الطوسي وعيسى بن زغبة وخلائق بخراسان والشام والحجاز ومصر والعرق وأصبهان. وجمع وصنف. وكان عنده عن أبي سعيد الأشج ثلاثون ألف حديث. وحدث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألفا. وقال ابن شاهين: كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي، ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر وبيده كتاب يقول له: حديث كذا، فيسرد من حفظه حتى يأتي على المجلس. وقال غيره: توفي في ذي الحجة. وقال محمد بن عبيد الله بن الشخير: كان زاهدا ناسكا، صلى عليه نحو ثلاثمائة ألف إنسان أو أكثر. وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود: صلي على أبي ثمانين مرة.

وفيها محمد بن خريم، أبو بكر العقيلي، محدث دمشق، في جمادى الآخرة.. روى عن هشام بن عمار وجماعة.

والعلامة أبو بكر بن السراج واسمه محمد بن السري البغدادي النحوي.، صاحب الأصول في العربية وله مصنفات كثيرة منها شرح سيبويه. أخذ عن المبرد وغيره.، وكان مغرى في الطرب والموسيقى.

وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي الحافظ، شيخ بلخ ومحدثها. صنف المسند والتاريخ وغير ذلك. سمع علي بن خشرم وعباد بن الوليد الغبري وطبقتهما.

وفيها أبو عوانة، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني الحافظ.، صاحب الصحيح المسند. رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان.، وروى عن يونس بن عبد الأعلى وعلي بن حرب وطبقتهما. وعلى قبره مشهد بإسفرايين. وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما.

سنة سبع عشرة وثلاثمائة

في أولها عسكر مؤنس الخادم بباب الشماسية ومعه سائر الجيش، فكتب له المقتدر رقعة يبالغ في الخضوع له ويستعطفه، فطالبه بإخراج هارون بن غريب الخال، وكان صديقا لمؤنس، فقلده الثغور، وسار ليومه. فلما كان من الغد، اتفق مؤنس وأبو الهيجاء بن حمدان ونازوك على خلعه. وهرب ابن مقلة والحاجب، وهجم مؤنس وأكثر الجيش إلى دار الخلافة، وأخرج المقتدر وأمه وخالته وحرمه إلى دار مؤنس، ورد هارون فاختفى، فأحضروا محمد بن المعتضد من الحبس وبايعوه، ولقبوه القاهر بالله، وقلدوا ابن مقلة وزارته، ووقع النهب في دار الخلافة وبغداد، وأشهد المقتدر على نفسه بالخلع، وجلس القاهر من الغد، وصار نازوك حاجبه.، فجاءت الجند، ودخلوا وطلبوا رزق البيعة ورزق السنة، ولم يأت يومئذ مؤنس، وعظم الصياح، ثم وثب جماعة على نازوك فقتلوه وقتلوا خادمه، ثم صاحوا يا مقتدر يا منصور، فتهارب الوزير والحجاب والقاهر صاروا إلى مؤنس ليرد المقتدر، وسدت المسالك على القاهر وأبي الهيجاء، ثم حاسب نفسه وقال: يا أبي ثعلب أأقتل بين الجدران؟ أين الكميت؟ أين الدهماء؟ فرماه كماجور بسهم في ثديه، وآخر بسهم في نحره، ثم حز رأسه، وأحضروا المقتدر، وألقي بين يديه الرأس، ثم أسر القاهر، وأتي به إلى المقتدر، فاستدناه وقبل جبينه وقال: أنت لا ذنب لك يا أخي، وهو يقول: الله الله يا أمير المؤمنين في نفسي، فقال: والله لا نالك مني سوء، وطيف برأس نازوك ورأس أبي الهيجاء، ثم أتى مؤنس والقضاة، وجددوا البيعة للمقتدر، فبذل للجند أموالا عظيمة، باع في بعضها ضياعا وأمتعة، وقلد الشرطة محمد بن رائق وأخاه إبراهيم.

وماتت ثمل القهرمانة، التي تجلس للناس بدار العدل. وحج بالناس منصور الديلمي، فدخلوا مكة سالمين، فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي، فقتل الحجاج قتلا ذريعا في المسجد وفي فجاج مكة. وقتل أمير مكة ابن محارب، وقلع باب الكعبة، واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر. وكان معه تسعمائة نفس، فقتلوا في المسجد الحرام ألفا وسبع مائة نسمة.، وصعد على باب البيت وصاح:

أنا بالله وبالله أنا... يخلق الخلق وأقتلهم أنا

وقيل إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام، ولم يحج أحد. قال محمود الأصبهاني: دخل قرمطي وهو سكران، فصفر لفرسه، فبال عند البيت، وقتل جماعة، ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس، فكسر منه قطعة ثم قلعه، وبقي الحجر الأسود بهجر نيفا وعشرين سنة. وقد بسطت شأنه في التاريخ الكبير.

وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي، شيخ حنيفة بغداد.، أخذ عنه أبو الحسن الكرخي. وقد ناظر مرة داود الظاهري، فقطع داود. لكنه معتزلي.

والحافظ الشهيد أبو الفضل الجارودي محمد بن الحسين بن محمد بن عمار الهروي، قتل بباب الكعبة.. روى عن أحمد بن نجدة وطبقته.، ومات كهلا.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد حفص بن مسلم، أبو عمرو الجبري المزني، من كبار شيوخ نيسابور ورؤسائها.. روى عن محمد بن رافع والكوسج. ورحل وطوف.، وتوفي في ذي القعدة.

وفيها حرمي بن أبي العلاء المكي نزيل بغداد.، وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن أبي حميضة الشروطي، كاتب أبي عمرو القاضي.. روى كتاب النسب عن الزبير بن بكار.

وفيها القاضي المعمر أبو القاسم بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي، نزيل بغداد.. روى عن أبي كريب وجماعة. قال الدارقطني: كان نبيلا، بلغ مائة وسبع عشرة سنة.

وفيها الحسن بن محمد، أبو علي الداركي محدث أصبهان، في جمادى الآخرة.. روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة.

وفيها البغوي، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ليلة عيد الفطر ببغداد، وله مائة وثلاث سنين وشهر.، وكان محدثا حافظا مجودا مصنفا. انتهى إليه علو الإسناد في الدنيا، فإنه سمع في الصغر بعناية جده لأمه أحمد بن منيع وعمه علي بن عبد العزيز، وحضر مجلس عاصم بن علي وروى الكثير عن علي بن الجعد ويحيى الحماني وأبي نصر التمار وعلي بن المديني وخلق. وأول ما كتب الحديث سنة خمس وعشرين ومائتين. وكان ناسخا مليح الخط، نسخ الكثير لنفسه ولجده وعمه.، وكان يبيع أصول نفسه.

وفيها علي بن أحمد بن سليمان بن الصيقل، أبو الحسن المصري، ولقبه علان المعدل.. روى عن محمد بن رمح وطائفة.، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.

وفيها محمد بن أحمد بن زهير، أبو الحسن الطوسي. حافط مصنف سمع إسحاق الكوسج وعبد الله بن هاشم وطبقتهما. وما أظنه ارتحل.

وفيها محمد بن ريان بن حبيب، أبو بكر المصري، في جمادى الأولى. سمع زكريا بن يحيى كاتب العمري ومحمد بن رمح.، وعاش اثنتين وتسعين سنة.

سنة ثماني عشرة وثلاثمائة

توفي فيها القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري الأديب، أحد الفصحاء البلغاء، وله سبع وثمانون سنة.. روى عن أبي كريب وطبقته. وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة.، وله مصنف في نحو الكوفيين.

وفيها أحمد بن محمد المغلس البزاز، أخو جعفر. ثقة. روى عن لوين وعدة.

وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري البزاز. روى عن زكريا كاتب العمري ومحمد بن رمح.، وتوفي في شهر ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة.

وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاف البغدادي المقرئ، صاحب الدوري.، وكان ظريفا أديبا نديما للمعتضد، ثم شاخ وعمي.، وهو صاحب مرثية الهر: "يا هر فارقتنا ولم تعد"

وفيها أبو عروبة، الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني الحافظ، محدث حران، وهو في عشر المائة.. روى عن إسماعيل بن موسى العدي وطبقته بالجزيرة والعراق والشام. ورحل الناس إليه.

وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق.، صحب سريا السقطي.، وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي وأحمد بن أبي الحوري وطبقتهما. وقال أبو أحمد الحاكم: كان من عباد الله الصالحين.

وفيها أبو بكر عبد الله بن مسلم الإسفراييني الحافظ المصنف، وله ثمانون سنة. روى عن الحسن بن محمد الزعفراني والذهلي وطبقتهما. ورحل الكثير.

وفيها محمد بن إبراهيم بن فيروز. أبو بكر الأنماطي، ببغداد. سمع أبا حفص الفلاس وطبقته.

وفيها يحيى بن محمد بن صاعد، الحافظ الحجة أبو محمد البغدادي، مولى بني هاشم، في ذي القعدة، وله تسعون سنة. عني بالأثر، وجمع وصنف، وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز. وروى عن لوين وطبقته. قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه، والفهم عندنا أجل من الحفظ، وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ.

===

المحتويات

المقدمة

سنة تسع عشرة وثلاثمائة

سنة عشرين وثلاثمائة

سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

سنة ست وعشرين وثلاثمائة

سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

سنة ثلاثين وثلاثمائة

سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة

سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

سنة ست وثلاثين وثلاثمائة

سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

سنة أربعين وثلاثمائة

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

سنة ست وأربعين وثلاثمائة

سنة سبع وأربعين وثلاثمائة

سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

سنة تسع وأربعين وثلاثمائة

سنة خمسين وثلاثمائة

سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

سنة ست وخمسين وثلاثمائة

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة

سنة ستين وثلاثمائة

سنة إحدى وستين وثلاثمائة

سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

سنة أربع وستين وثلاثمائة

سنة خمس وستين وثلاثمائة

سنة ست وستين وثلاثمائة

سنة سبع وستين وثلاثمائة

سنة ثمان وستين وثلاثمائة

سنة تسع وستين وثلاثمائة

سنة سبعين وثلاثمائة

سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

سنة خمس وسبعين وثلاثمائة

سنة ست وسبعين وثلاثمائة

سنة سبع وسبعين وثلاثمائة

سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة

سنة تسع وسبعين وثلاثمائة

سنة ثمانين وثلاثمائة

سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

سنة خمس وثمانين وثلثمائة

سنة ست وثمانين وثلاثمائة

سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة

سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

سنة تسعين وثلاثمائة

سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة

سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة

سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

سنة ست وتسعين وثلاثمائة

سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة

سنة تسع وتسعين وثلاثمائة

سنة أربعمائة

سنة إحدى وأربعمائة

سنة اثنتين وأربعمائة

سنة ثلاث وأربعمائة

سنة أربع وأربعمائة

سنة خمس وأربعمائة

سنة ست وأربعمائة

سنة سبع وأربعمائة

سنة ثمان وأربعمائة

سنة تسع وأربعمائة

سنة عشرة وأربعمائة

سنة إحدى عشرة وأربعمائة

سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

سنة أربع عشرة وأربعمائة

سنة خمس عشرة وأربعمائة

سنة ست عشرة وأربعمائة

سنة سبع عشرة وأربعمائة

سنة ثماني عشرة وأربعمائة

سنة تسع عشرة وأربعمائة

سنة عشرين وأربعمائة

سنة إحدى وعشرين وأربعمائة

سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

سنة أربع وعشرين وأربعمائة

سنة خمس وعشرين وأربعمائة

سنة ست وعشرين وأربعمائة

سنة سبع وعشرين وأربعمائة

سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

سنة تسع وعشرين وأربعمائة

سنة ثلاثين وأربعمائة

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

سنة ست وثلاثين وأربعمائة

سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة

سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

سنة أربعين وأربعمائة

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

سنة أربع وأربعين وأربعمائة

سنة خمس وأربعين وأربعمائة

سنة ست وأربعين وأربعمائة

سنة سبع وأربع ين وأربعمائة

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

سنة تسع وأربعين وأربعمائة

سنة خمسين وأربعمائة

سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

سنة اثنين وخمسين وأربعمائة

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

سنة أربع وخمسين وأربعمائة

سنة خمس وخمسين وأربعمائة

سنة ست وخمسين وأربعمائة

سنة سبع وخمسين وأربعمائة

سنة ثمان وخمسين وأربعمائة

سنة تسع وخمسين وأربعمائة

سنة ستين وأربعمائة

سنة إحدى وستين وأربعمائة

سنة اثنتين وستين وأربعمائة

سنة ثلاث وستين وأربعمائة

سنة أربع وستين وأربعمائة

سنة خمس وستين وأربعمائة

سنة ست وستين وأربعمائة

سنة سبع وستين وأربعمائة

سنة ثمان وستين وأربعمائة

سنة تسع وستين وأربعمائة

سنة سبعين وأربعمائة

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

سنة أربع وسبعين وأربعمائة

سنة خمس وسبعين وأربعمائة

سنة ست وسبعين وأربعمائة

سنة سبع وسبعين وأربعمائة

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

سنة ثمانين وأربعمائة

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

سنة أربع وثمانين وأربعمائة

سنة خمس وثمانين وأربعمائة

سنة ست وثمانين وأربعمائة

سنة سبع وثمانين وأربعمائة

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

سنة تسعين وأربعمائة

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

سنة ست وتسعين وأربعمائة

سنة سبع وتسعين وأربعمائة

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

سنة خمسمائة

سنة إحدى وخمسمائة

سنة اثنتين وخمسمائة

سنة ثلاث وخمسمائة

سنة أربع وخمسمائة

سنة خمس وخمسمائة

سنة ست وخمسمائة

سنة سبع وخمسمائة

سنة ثمان وخمسمائة

سنة تسع وخمسمائة

سنة عشر وخمسمائة

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

سنة أربع عشرة وخمسمائة

سنة خمس عشرة وخمسمائة

سنة ست عشرة وخمسمائة

سنة سبع عشرة وخمسمائة

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

سنة تسع عشرة وخمسمائة

سنة عشرين وخمسمائة

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

سنة خمس وعشرين وخمسمائة

سنة ست وعشرين وخمسمائة

سنة سبع وعشرين وخمسمائة

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

سنة تسع وعشرين وخمسمائة

سنة ثلاثين وخمسمائة

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

سنة ست وثلاثين وخمسمائة

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

سنة أربعين وخمسمائة

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

سنة أربع وأربعين وخمسمائة

سنة خمس وأربعين وخمسمائة

سنة ست وأربعين وخمسمائة

العبر في خبر من غبر/الجزء الثاني

< العبر في خبر من غبر

العبر في خبر من غبر

للذهبي

الجزء الأول الجزء الثاني: من سنة 319 إلى سنة 546 الجزء الثالث

 

سنة تسع عشرة وثلاثمائة

فيها استولى مرداويج الديلمي على همذان، وبلاء الجبل، إلى حلوان، وهزم عسكر الخليفة.

وفيها استوحش مؤنس من الوزير والمقتدر، وأخذ يتعنت على المقتدر، ويحتكم عليه في إبعاد خاصته وتقريب غيرهم، ثم خرج مغاضبا بأصحابه إلى الموصل، فاستولى الوزير على حواصله، وفرح المقتدر بالوزير، وكتب اسمه على السكة، وكان مؤنس في ثمانمائة، فحارب جيش الموصل، وكانوا ثلاثين ألفا، فهزمهم وملك الموصل، في سنة عشرين، ولم يحج أحد من بغداد، وأخذ الديلمي الدينور، ففتك بأهلها، ووصل إلى بغداد من انهزم، ورفعوا المصاحف على القصب، واستغاثوا وسبوا المقتدر، وغلقت الأسواق، وخافوا من هجوم القرامطة.

وفيها توفي أبو الجهم، أحمد بن الحسين بن أحمد بن طالب الدمشقي المشغرائي، خطيب مشغرا، وقع من الدابة فمات لوقته. روى عن هشام بن عمار وطائفة.

وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي، محدث دمشق، في رجب. روى عن موسى بن عامر المري، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما.

وفيها قاضي الجماعة، أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي أبو الجعد، في رجب، وهو من أبناء التسعين.، وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن، رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى والمزني. وصحب بقي بن مخلد مدة. أضر بآخره وضعف من الكبر.

وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد. روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق ومسدد والكبار. قال ابن عدي: كان يضع الحديث.

وفيها الكعبي، شيخ المعتزلة، أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي.

وفيها القاضي أبو عبيد بن حربويه البغدادي، علي بن الحسن بن حربويه الفقيه الشافعي، قاضي مصر، وهو من أصحاب الوجوه. روى عن أحمد بن المقدام والزعفراني وطبقتهما. قال أبو سعيد بن يونس: كان شيئا عجيبا، ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده، وكان يتفقه على مذهب أبي ثور، وصرف سنة إحدى عشرة، لأنه كتب إلى بغداد يستعفي، وامتنع من الحكم فأعفي، ثم توجه إلى بغداد.

وفيها محمد بن الفضل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند، وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير، يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس.، صحب أحمد بن خضرويه البلخي، وهو آخر من روى عن قتيبة، وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ.

وفيها محدث الأندلس أبو عبد الله محمد بن فطيس ابن واصل الغافقي الإلبيري الفقيه الحافظ. روى عن محمد بن أحمد العنبي وأبان بن عيسى.، ورحل وسمع من أحمد بن أخي ابن وهب، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم. وصنف وجمع، وسمع بأطرابلس المغرب من أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الحافظ. قال ابن الفرضي: كان ضابطا نبيلا صدوقا، وكانت الرحلة إليه، حدثنا عنه غير واحد، وتوفي في شوال عن تسعين سنة.

والمؤمل بن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، الرئيس أبو الوفا النيسابوري.، لم يدرك الأخذ عن أبيه، وسمع من إسحاق الكوسج والحسن بن محمد الزعفراني وطبقتهما. وكان صدر نيسابور وكان أمير خراسان ابن طاهر، اقترض منه ألف ألف درهم. وقال أبو علي النيسابوري: خرجت لأبي الوفا، عشرة أجزاء، وما رأيت أحسن من أصوله، فأرسل إلي مائة دينار وأثوابا.

سنة عشرين وثلاثمائة

لما استفحل أمر مرداويج الديلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان وأرمينية وأران وقم ونهاوند وسجستان.

وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب، وسخم الهاشميون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنسا منعوا الجلب، وتسلل الجند إلى مؤنس، وتملك الموصل، ثم تجهزوا قبل في جمع عظيم، فأمر المقتدر هارون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع. ثم قالت الأمراء للمقتدر: أنفق في العساكر، فعزم على التوجه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز: فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب، والقراء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشق بغداد إلى الشماسية، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تل، ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا: تقدم، فأبى، فألحوا عليه، فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت وهارون بن غريب بلاء حسنا. وكان معظم جيش مؤنس الخادم البربر، فجاء علي بن يلبق فترجل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبل الأرض، فعطف جماعة من البربر إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض، وقيل رماه بحربة وحز رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة، حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، وطمر وعفي أثره.، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك لثلاث بقين من شوال. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة إلا بضعة عشر يوما. وكان مسرفا مبذرا ناقص الرأي محق الذخائر، حتى إنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال: إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصي من الصقالبة، وأهلك نفسه بسوء تدبيره. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وخلف عدة أولاد، منهم: الراضي بالله محمد والمتقي لله إبراهيم والأمير إسحاق ووالد القادر بالله والمطيع لله. وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه: أن المقتدر أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار.

وأما مؤنس، فإنه ترك بالشماسية، فأحضر إليه رأس المقتدر، فندم وبكى وقال: قتلتموه، والله لنقتلن كلنا، فأظهروا أن قتله عن غير قصد، ثم بايعوا القاهر بالله الذي كان قد بايعوه في سنة سبع عشرة، فصادر آل المقتدر وعذب أمه وهي مريضة، ثم ماتت وهي معلقة بحبل، وبالغ في الظلم، فمقتته القلوب. وكان ابن مقلة قد نقل إلى الأهواز، فاستحضره واستوزره.

وفيها توفي الحافظ محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف ابن موسى بن جوصا. سمع كثير بن عبيد وطبقته، وجمع وصنف، وتبحر في الحديث. قال أبو علي النيسابوري: كان ركنا من أركان الحديث. قال محمد بن إبراهيم الكرجي: جان بن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة. وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، توفي في جمادى الأولى. قال الدارقطني: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقوي.

وفيها أحمد بن القاسم بن نصر، أبو بكر، أخو أبي الليث الفرائضي، ببغداد في ذي الحجة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدة.

وفيها المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد، بن الموفق طلحة، بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله العباسي. في أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقب نفسه: أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن. وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمائة. ولا شك أن حرمته ودولته كانت أميز من دولة المقتدر ومن بعده.، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة أبيض مشربا حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه.، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة.، وكان جيد العقل والرأي، لكنه كان مؤثرا للعب والشهوات غير ناهض بأعباء الخلافة.، كانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار والولايات والحل والعقد. قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلا أن يترك هذا الرجل النبيذ خمسة أيام، وكان ربما يكون في إصابة الرأي كأبيه وكالمأمون.

وفيها أبو العباس عبد الله بن عتاب بن الزفتي، محدث دمشق، وله ست وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمار وعيسى بن حماد زغبة، وخلق. قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتا.

وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، ابن أخي أبي زرعة الرازي. روى عن يونس بن عبد الأعلى وأحمد بن منصور الرمادي وطبقتهما.

وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري، وقد سمع من علي بن خشرم لما رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة.

وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزري مولاهم البغدادي، وكان من خيار القضاة حلما وعقلا، وجلالة وذكاء وصيانة، ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين، وروى عن زيد بن أخرم، والحسن بن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، ولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد بالله، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر بالله، قم قلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان له مجلس في غاية الحسن.، كان يقعد للإملاء، والبغوي عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه، وقد حفظ من جده حديثا، وهو ابن أربع سنين.، توفي في رمضان.

وفيها ميمون بن عمر الأفريقي المالكي أبو عمر الفقيه، قاضي القيروان وقاضي صقلية.، عاش مائة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون وعن أبي مصعب الزهري. وزمن وانهرم.

وفيها أبو علي بن خيران الشافعي، الحسين بن صالح، شيخ الشافعية ببغداد بعد ابن سريج.، عرض عليه القضاة فامتنع.، وتفقه به جماعة.

وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد، من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم. وهذا القول مروي عنه: كما فرض الله على الأنبياء إظهار المعجزات فرض على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتنوا بها.

سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة

فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيل حتى قبض على مؤنس الخادم ويلبق وابنه علي بن يلبق، ثم أمر بذبحهم، وطيف برؤوسهم ببغداد، ثم أمر بذبح يمن وابن زيرك، فاستقامت بغداد، وأطلقت أرزاق الجند، وعظمت هيبة القاهر في النفوس.، ثم أمر بتحريم القيان والخمر وقبض على المغنين ونفى المخانيث وكسر آلات الطرب، إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر وسماع القينات.

وفيها توفي أبو حامد، ويقال أبو تراب الأعشمي، أحمد بن حمدون النيسابوري الحافظ.، وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك. سمع محمد بن رافع، وأبا سعيد الأشج وطبقتهما. وكان صاحب بسط ودعابة.

وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير، أبو بكر الأسواني العسال، في جمادى الآخرة، وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح.، وثقه ابن يونس.

وفيها أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري، شيخ الحنفية. سمع هارون بن سعيد الأيلي وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب، وصنف التصانيف، وبرع في الفقه والحديث.، توفي في ذي القعدة، وله اثنان وثمانون سنة. قال ابن يونس: كان ثقة ثبتا لم يخلف مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، أخذ الفقه عن أبي جعفر بن أبي عمران وأبي حازم القاضي.

وفيها أبو علي أحمد بن محمد بن علي بن زين الدين الباشاني بهراة. ثقة روى عن علي بن بن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة.

وفيها الأمير تكين الخاصة، ولي دمشق ثم مصر وبها مات، ونقل إلى بيت المقدس.

وفيها أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي، بهراة.، حج وسمع محمد بن زنبور وسلمة بن شبيب.، وكان ثقة.

وفيها الحسن بن محمد البصري، أبو علي بن أبي هريرة، بأصبهان. روى عن إسماعيل بن يزيد القطان وأحمد بن الفرات، وهو من كبار شيوخ ابن منده.

وفيها أبو هاشم الجبائي، شيخ المعتزلة وابن شيخهم عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب البصري، توفي في شعبان ببغداد.

وفيها ابن دريد، وهو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة، صاحب التصانيف.، أخذ عن الرياشي وأبي حاتم السجستاني وابن أخي الأصمعي.، وعاش ثمانيا وتسعين سنة. قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان، إلا وهو يسابق في قراءته. وقال الدارقطني: تكلموا فيه.

وفيها مكحول البيروتي، واسمه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ. سمع محمد بن هاشم البعلبكي وأبا عمير بن النحاس وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة.

وفيها محمد بن هارون، أبو حامد الحضرمي، محدث بغداد في وقته، وله نيف وتسعون سنة. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وأبي همام السكوني.

وفيها مؤنس الخادم، الملقب المظفر.، توفي عن نحو تسعين سنة. وكان أميرا معظما شجاعا منصورا، لم يبلغ من الخدام منزلته إلا كافور صاحب مصر.، وقد مرت أخبار مؤنس ومحاربته للمقتدر.

سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

فيها انفرد عن مرداويج الديلمي أحد قواده الأمير علي بن بويه، والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس، فهزم محمدا واستولى على مملكة فارس، وهذا أول ظهور بني بويه.، وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك، فملك أولاده الدنيا.

وفيها قتل القاهر بالله الأمير أبا السرايا نصر بن حمدان والرئيس إسحاق بن إسماعيل النوبختي، وقتل قبلهما ابن أخيه أبا أحمد بن المكتفي بلا ذنب، وتفرعن وطغى، وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختف يراسل الخواص من المماليك ويجسرهم على القاهر ويوحشهم منه، فما برح حتى اجتمعوا على الفتك به، فركبوا إلى الدار، والقاهر سكران نائم، وقد طلعت الشمس، فهرب الوزير في إزار وسلامة الحاجب، فوثبوا على القاهر، فقام مرعوبا وهرب، فتبعوه إلى السطح، وبيده سيف، فقالوا: انزل، فأبى، فقالوا: نحن عبيدك، فلم تستوحش منا، فلم ينزل، ففوق واحد منهم سهما وقال: انزل وإلا قتلتك، فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة، وأخرجوا محمد بن المقتدر بالله ولقبوه الراضي بالله. وكُحل القاهر، ووزر ابن مقلة. قال الصولي: كان القاهر أهوج سفاكا للدماء، قبيح السيرة، كثير الاستحالة، مدمن الخمر، كان له حربة يحملها فلا يضعها حتى يقتل إنسانا، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل.

وفيها هلك مرداويج الديلمي بأصبهان، وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد، وكان له ميل إلى المجوس، وأساء إلى أصحابه، فتواطأوا على قتله في الحمام، وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه، على البلاد التي استولى عليها، والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العالم.

وفيها اشتهر محمد بن علي الشلمغاني ببغداد، وشاع أنه يدعي الإلهية وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه.، فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله، فسمع كلامه، وأنكر الإلهية، وقال: إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام، وإلا فدمي حلال. وكان هذا الشقي قد أظهر الرفض، ثم قال بالتناسخ والحلول، ومخرق على الجهال، وضل به طائفة. وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة، فلما طلب هرب إلى الموصل وغاب سنين ثم عاد، ودعى إلى إلهيته، فتبعه فيما قيل الذي كان وزر للمقتدر الحسين بن الوزير القاسم بن الوليد بن الوزير عبيد الله بن وهب وابنا بسطام وإبراهيم بن أبي عون، فلما قبض الآن عليه ابن مقلة، كبس بيته، فوجد فيه رقاعا وكتبا مما قيل عنه ويخاطبون في الرقاع مما لا يخاطب به البشر، فأحضر وأصر على الإنكار، فصفعه ابن عبدوس.، وأما ابن أبي عون فقال:، إلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي للشلمغاني: أنت زعمت أنك لا تدعي الربوبية، فما هذا؟ فقال: وما علي من قول ابن أبي عون، ثم أحضروا غير مرة، وجرت لهم فصول، وأحضرت الفقهاء والقضاة، ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه، فأحرق في ذي القعدة، وضربت رقبة ابن أبي عون ثم أحرق.، وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية، وكان من رؤساء الكتاب، أعني ابن أبي عون. وشلمغان من أعمال واسط. وقتل الحسين بن القاسم الوزير، وكان في نفس الراضي منه.

وفيها جعل الراضي أبو بكر محمد بن ياقوت على الحجبة ورئاسة الجيش وبلغ هارون بن غريب الخال، وهو على الدينور، فكاتب أمراء بغداد وقال: أنا أحق برئاسة الجيوش، فواطأوه، فعسكر وسار حتى أطل على بغداد، فشخص لحربه محمد بن ياقوت، والتقيا فتقنطر بهارون فرسه وصرع، فبادر مملوك لمحمد بن ياقوت، فقتله وانهزم جمعه، ونهبوا وتمزقوا، ولم يحج أحد من بغداد في سنة سبع وعشرين، خوفا من القرامطة.

وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الجباب القرطبي حافظ الأندلس، وكان أبوه يبيع الجباب. روى عن بقي بن مخلد وطائفة وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحاق الدبري وغيره، وعاش بضعا وسبعين سنة. وصنف التصانيف. قال القاضي عياض: كان إماما في وقته في مذهب مالك، وفي الحديث لا ينازع.

وفيها قاضي مصر، أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر، ولم يكن معه كتاب، وهي أحد وعشرون مصنفا، وولي قضاء مصر شهرين ونصف.

وفيها القدوة العارف، خير النساج أبو الحسن البغدادي الزاهد، وكانت له حلقة يتكلم فيها، وعمر دهرا، فقيل إنه لقي سريا السقطي، وله أحوال وكرامات.

وفيها المهدي عبيد الله، والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية، افترى أنه من ولد جعفر الصادق، وكان بسلمية، فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب، وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب، وامتدت دولته بضعا وعشرين سنة. ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها، وكان يظهر الرفض ويبطن الزندقة. قال أبو الحسن القابسي صاحبي الملخص: الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده، أربعة آلاف رجل في دار النحر في العذاب، ما بين عالم وعابد، ليردهم عن الترضي على الصحابة، فاختاروا الموت، وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة:

وأحل دار النحر في أغلاله... من كان ذا تقوى وذا صلوات

وفيها الديبلي، أبو جعفر محمد بن إبراهيم، محدث مكة، في شهر جمادى الأولى. روى عن محمد بن زنبور وطائفة.

والعقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو الحافظ، صاحب الجرح والتعديل.، عداده في أهل الحجاز. روى عن إسحاق الدبري وأبي إسماعيل الترمذي وخلق. توفي بمكة في ربيع الأول.

والكتاني الزاهد، أبو بكر محمد بن علي بن جعفر، شيخ الصوفية المجاور بمكة. أخذ عن أبي سعيد الخزار وغيره، وهو مشهور.

والروذباري الزاهد، أبو علي البغدادي، نزيل مصر وشيخها في زمانه، صحب الجنيد وجماعة، وكان إماما مفتيا، ورد عنه أنه قال: أستاذي في التصوف الجنيد وفي الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه ابن سريج وفي الأدب ثعلب.

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

فيها تمكن الراضي بالله بحيث أنه قلد ولديه وهما صبيان إمرة المشرق والمغرب.

وفيها محنة ابن شنبود، كان يقرأ في المحراب بالشواذ، فطلبه الوزير ابن مقلة، وأحضر القاضي والقراء وفيهم ابن مجاهد فناظروه، فأغلظ للحاضرين في الخطاب، ونسبهم إلى الجهل.، فأمر الوزير بضربه لكي يرجع، فضرب سبع درر، وهو يدعو على الوزير، فتوبوه غصبا، وكتبوا عليه محضرا، وكان مما أنكر عليه قراءته: فامضوا إلى ذكر الله وذروا البيع، وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وهذا الأنموذج مما روي ولم يتواتر.

وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم، وأغلظوا لمحمد بن ياقوت، وأخرجوا المحبوسين، ووقع القتال والجد ونهبت الأسواق، وبقي البلاء أياما، ثم أرضاهم ابن ياقوت، وبعد أيام قبض الراضي بالله، على ابن ياقوت وأخيه المظفر، وعظم شأن الوزير ابن مقلة، وتفرد بالأمور، ثم هاجت عليه الجند، فأرضاهم بالمال.

وفيها استولت بنو عبيد الرافضة على مدينة جنوه بالسيف.

وفيها فتنة البربهاري أبو محمد، شيخ الحنابلة.، فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه.، وحبس منهم جماعة، واختفى هو.

وفيها وثب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل على عمه سعيد بن حمدان، فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل، فسار لذلك ابن مقلة في الجيش، فلما قرب من الموصل، نزح عنها ناصر الدولة، ودخلها ابن مقلة، فجمع منها نحو أربعمائة ألف دينار، ثم أسرع إلى بغداد، لتشويش الحال، ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة، ودخل الموصل.

وفيها أخذ القرمطي أبو طاهر، لعنه الله، الركب العراقي، وانهزم الأمير لؤلؤ، وبه ضربات، وقتل خلق من الوفد، وسبيت الحريم، وهلك محمد بن ياقوت في الحبس.

وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط، وحشد وتمكن وأضمر الخروج.

وفيها توفي الحافظ أبو بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي. روى عن محمود بن آدم وطائفة.، وهو أحد الوضاعين الكذابين، مع كونه كان محدثا إماما في السنة والرد على المبتدعة.

وفيها أبو طالب الحافظ، أحمد بن نصر البغدادي. روى عن عباس الدوري وطبقته، ورحل إلى أصحاب عبد الرزاق.، وكان الدراقطني يقول: هو أستاذي.

وفيها نفطويه النحوي، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه العتكي الواسطي، صاحب التصانيف. روى عن شعيب بن أيوب الصريفني وطبقته، وعاش ثمانين سنة. وكان كثير العلم، واسع الرواية، صاحب فنون.

وفيها أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الحافظ الجوال الفقيه الإستراباذي. سمع علي بن حرب وعمر بن شبة وطبقتهما. قال الحاكم: كان من أئمة المسلمين، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: ولم يكن في عصرنا من الفقهاء أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان من أبي نعيم الجرجاني، ولا بالعراق من أبي بكر بن زياد. وقال أبو علي النيسابوري: ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل، كما نحفظ نحن المسانيد. قلت: عاش إحدى وثمانين سنة رحمه الله.

وفيها قاضي الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه. روى عن أبي كريب والأشج، وكان ثقة يحفظ عامة حديثه.

وفيها أبو عبيد المحاملي، القاسم بن إسماعيل، أخو القاضي الحسين. سمع أبا حفص الفلاس وطبقته.

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدمشقي العطار، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي هشام الرفاعي وطبقته.

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

فيها ثارت الغلمان الحجرية، وتحلفوا واتفقوا، ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة، واحرقوا داره، ثم سلم إلى الوزير عبد الرحمن بن عيسى، فضربه وأخذ خطه بألف دينار، وجرت له عجائب من الضرب والتعليق، ثم عزل عبد الرحمن، ووزر أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي. وكان ياقوت والد محمد والمظفر، بعسكر مكرم يحارب علي بن بويه لعصيانه، فتمت له أمور طويلة، ثم قتل وقد شاخ، وتغلب ابن رائق وابن بويه على الممالك، وقلت الأموال على الكرخي، فعزل بسليمان بن الحسن، فدعت الراضي بالله الضرورة، إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم، فقدم في جيشه إلى بغداد، وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين، واستولى ابن رائق على الأمور، وتحكم في الأموال، وضعف أمر الخلافة، وبقي الراضي معه صورة.

وفيها توفي أحمد بن بقي بن مخلد، أو عمر الأندلسي، قاضي الجماعة في أيام الناصر لدين الله، ولي عشرة أعوام، وروى الكتب عن أبيه.

وفيها أبو الحسن جحظة النديم، وهو أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى ابن خالد بن برمك البرمكي الأديب الأخباري، صاحب الغناء والألحان والنوادر.

وفيها ابن مجاهد، مقرئ العراق، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد. روى عن سعدان بن نصر والزيادي وخلق. وقرأ على قنبل وأبي الزعراء وجماعة. وكان ثقة حجة بصيرا بالقراءات وعللها ورجالها عديم النظير. توفي في شعبان عن ثمانين سنة.

وفيها ابن المغلس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن المغلس البغدادي الفقيه، أحد علماء الظاهر، له مصنفات كثيرة، وخرج له عدة أصحاب، تفقه على محمد بن داود الظاهري.

وفيها ابن زياد النيسابوري، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. سمع محمد بن يحيى الذهلي، ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما بمصر والشام والعراق وخراسان. قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ منه. وقال الحاكم: كان إمام عصره من الشافعية بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقيهات، واختلاف الصحابة. وقال يوسف القواس: سمعت أبا بكر بن زياد يقول: نعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوت بلدا، ويصلي الغداة بطهارة العشاء، ثم قال: أنا هو.

وفيها قاضي حمص، أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد بن عوف الحافظ، وعمران بن بكار وطائفة، وجمع التاريخ.

وفيها أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل بن أبي بشر، المتكلم البصري، صاحب المصنفات، وله بضع وستون سنة. أخذ الحديث عن زكريا الساجي، وعلم الكلام الجدل والنظر، عن أبي علي الجبائي، ثم رد على المعتزلة. ذكر ابن حزم أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفا، وأنه توفي في هذا العام. وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل بعد الثلاثين، وكان قانعا متعففا.

وفيها علي بن عبد الله بن مبشر، أبو الحسن الواسطي المحدث. سمع عبد الحميد بن بيان وأحمد بن سنان القطان وجماعة.

سنة خمس وعشرين وثلاثمائة

فيها أشار محمد بن رائق على الراضي بالله، بأن ينحدر معه إلى واسط، ففعل. ولم يمكنه المخالفة، فدخلها يوم عاشر المحرم، وكانت الحجاب أربعمائة وثمانين نفسا، فقرر ستين، وأسقط عامتهم، وقلل أرزاق الحشم، فخرجوا عليه وعسكروا، فالتقاهم ابن رائق، فهزموا وضعفوا، وتمزقت الساجية والحجرية، فأشار حينئذ على الراضي، بالتقدم إلى الأهواز، وبها أبو عبد الله البريدي ناظرها، وكان شهما مهيبا حازما، فتسحب إليه خلق من المماليك والجند، فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال، ومنع الخراج، ولم يبق بيد الراضي، غير بغداد والسواد، يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق وأبي عبد الله البريدي الكاتب، وجاء القرمطي، فدخل الكوفة، فعاث ورجع، وأذن ابن رائق للراضي، أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات، فطلبه من الشام، وولاه. والتقى أصحاب ابن رائق، وأصحاب ابن البريدي غير مرة، وينهزم أصحاب ابن رائق، وجرت لهم أمور طويلة، ثم إن البريدي، دخل إلى فارس، فأجاره علي بن بويه، وجهز معه أخاه أحمد، لفتح الأهواز، ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه، فحلف إن ظفر بها يجعلها رمادا، فجدوا في مخالفته، وقلت الأموال على محمد بن رائق، فساق إلى دمشق، وزعم أن الخليفة ولاه إياه، ولم يجسر أحد أن يحج خوفا من القرمطي.

وفيها توفي وكيل أبي صخرة، أبو بكر بن عبد الله البغدادي النحاس، وقد قارب التسعين. روى عن عمرو بن علي الفلاس وجماعة.

وفيه أبو حامد الحافظ بن الشرقي، المؤرخ المصنف، أحمد بن محمد ابن الحسن، تلميذ مسلم. روى عن عبد الرحمن بن بشر وطبقته. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: حياة أبي حامد، تحجز بين الناس، وبين الكذب على رسول الله ﷺ. توفي في رمضان، عن خمس وثمانين سنة.

وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير أبو إسحاق الهاشمي، في المحرم، وهو آخر من روى الموطأ، عن أبي مصعب.

وفيها أبو العباس الدغولي، محمد بن عبد الرحمن، الحافظ الفقيه. روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما، وكان من كبار الحفاظ.

وفيها علي بن عبدان، أبو حامد التميمي النيسابوري، الثقة الحجة. روى عن عبد الله بن هاشم، والذهلي وطائفة، ولم يرحل.

وفيها أبو مزاحم الخاقاني، موسى بن الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي، المقرئ المحدث السني، أخذ عن أبي بكر المروزي، وعباس الدوري وطائفة. ومات في آخر السنة.

سنة ست وعشرين وثلاثمائة

فيها أقبل البريدي في مدد من ابن بويه، فانهزم من بين يديه بجكم، لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسهم، وتقهقروا إلى واسط، وتمت فصول طويلة.

وأما ابن رائق، فانه وقع بينه وبين ابن مقلة، وأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب، فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده، ثم بعد أيام، قطع محمد بن رائق لسانه، لكونه كاتب بجكم، فأقبل بجكم بجيوشه من واسط، وضعف عنه ابن رائق، فاختفى ببغداد ودخل بجكم، فأكرمه الراضي، ولقبه أمير الأمراء، وولاه الحضرة.

وفيها توفي أبو ذر، أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي. روى عن عمر بن شبة، وعلي بن إشكاب وطائفة.

وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو محمد الرشيدي المهري المصري الناسخ، عن سن عالية. روى عن أبي طاهر بن السرح، وسلمة بن شبيب.

وفيها محمد بن القاسم، أبو عبد الله المحاربي الكوفي. روى عن أبي كريب وجماعة. وفيه ضعف.

سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

فيها سار الراضي وبجكم، لمحاربة ناصر الدولة ابن حمدان، فتخلف الخليفة بتكريت، والتقى ابن حمدان وبجكم فهزمه بجكم وساق وراءه إلى نصيبين، وهرب ابن حمدان إلى آمد، ودخل الراضي بالله الموصل، فتسحب طائفة إلى بغداد مغاضبين، وظهر ابن رائق، فانضم إليه ألف نفس، ثم راسله الخليفة، وولاه حلب، فسار إليها، وأعدم عبد الصمد بن المكتفي بالله، لكونه راسل ابن رائق عند ظهوره، أن يبايعه.

وفيها ظاهر بجكم، ناصر الدولة ابن حمدان.

وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي، وحج الركب، وأخذ القرمطي على الجمل، خمسة دنانير.

وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم أبو محمد الحافظ العلم الجامع التميمي الرازي بالري، وقد قارب التسعين. رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومائتين، فسمع أبا سعيد الأشج، والحسن ابن عرفة وطبقتهما. قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثم قال: وكان زاهدا يعد من الأبدال.

وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات الوزير ابن حنزابة الكاتب، وزر للمقتدر في آخر أيامه، ثم وزر للراضي بالله، رأى لنفسه التروح خوفا من فتنة ابن رائق، فأطعمه في تحصيل الأموال في الشام ليمده لها، فشخص إليها، فتوفي بالرملة كهلا.

وفيها محدث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنسريني برداغس روى عن أحمد بن شيبان الرملي، وأبي أمية الطرسوسي وطبقتهما. قال أبو أحمد الحاكم: رأيته حسن الحفظ.

وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري، مصنف مكارم الأخلاق ومساوئ الأخلاق وغير ذلك. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبة وطبقتهما، توفي بفلسطين، في ربيع الأول، وقد قارب التسعين.

وفيها محدث الأندلس، الحافظ محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي مولاهم القرطبي. أكثر عن أبيه، وبقي بن مخلد، ورحل بآخره، فسمع من مطين، والنسائي وطبقتهما فأكثر، توفي في آخر العام.

وفيها مبرمان النحوي، مصنف شرح سيبويه؛ وما أتمه، وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري، أخذ عن المبرد، وتصدر بالأهواز، وكان مهيبا، يأخذ من الطلبة، ويلح ويطلب حمال طبلية، فيحمل إلى داره من غير عجز، وربما انبسط وبال على الحمال، ويتنقل بالتمر، ويحذف بنواه الناس.

سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

فيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدمستق لعنه الله وهزمه.

وفيها عزل البريدي من الوزارة بسليمان بن مخلد بإشارة بجكم.

وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام، فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانكسر ابن رائق ووصل إلى دمشق في سبعين فارسا، ثم التقى أبا نصر بن طغج فانهزم أبو نصر، وأسر كبار أمرائه، ثم قتل أبو نصر في المصاف.

وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب أبو العباس الخصيبي، وقد وزر غير مرة بالعراق.

وفيها الوزير أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب، صاحب الخط المنسوب، وقد وزر للخلفاء غير مرة، ثم قطعت يده ولسانه، وسجن حتى هلك، وله ستون سنة.

وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان ثقة صالحا بكاء. روى عن أحمد بن المقدام العجلي، وجماعة.

وفيها محدث دمشق، أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي. سمع موسى بن عامر، ومحمد بن هاشم البعلبكي وطائفة. قال الخطيب: كان مليا بحديث الوليد بن مسلم.

وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربه الأموي مولاهم الأندلسي، الأديب الأخباري العلامة، مصنف العقد، وله اثنتان وثمانون سنة. وشعره في الذروة العليا. سمع من بقي بن مخلد، ومحمد بن وضاح.

وفيها العلامة أبو سعيد الاصطخري، الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ الشافعية بالعراق. روى عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنف التصانيف، وعاش نيفا وثمانين سنة. وكان موصوفا بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب.

وفيها الحسين بن محمد، أبو عبد الله بن المطبقي، بغدادي ثقة. روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة.

وفيها أبو محمد بن الشرقي، عبد الله بن محمد بن الحسن، أخو الحافظ أبي حامد، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن هاشم وخلقا. قال الحاكم: رأيته وكان أوحد وقته في معرفة الطب، لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك.

وفيها قاضي القضاة ببغداد، أبو الحسين عمر ابن قاضي القضاة أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي، وكان بارعا في مذهب مالك، عارفا بالحديث، صنف مسندا متقنا، وسمع من جده ولم يتكهل، وكان من أذكياء الفقهاء.

وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت ابن شنبوذ المقرئ، أحمد أئمة الأداء، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي الصغير، وإسماعيل بن عبد الله النحاس وطائفة كثيرة. وعني بالقراءات أتم عناية، وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ومحمد بن الحسين الحنيني، وتصدر ببغداد، وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مر، وكان مجتهدا فيما فعل، رحمه الله.

وفيها محدث الشام، أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النميري مولاهم الدمشقي، في جمادى الأولى. روى عن موسى بن عامر، وأبي إسحاق الجوزجاني وخلق، وهو من بيت حديث.

وفيها أبو علي الثقفي، محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواعظ، أحد الأئمة، وله أربع وثمانون سنة. سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي، وأحمد بن ملاعب وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها، وهو من ذرية الحجاج. قال أبو الوليد الفقيه: دخلت على ابن سريج، فسألني: على من درست الفقه؟ قلت: على أبي علي الثقفي، قال: لعلك تعني الحجاجي الأزرق، قلت: نعم. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه. وقال أبو بكر الضبعي: ما عرفنا الجدل والنظر، حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق. وذكره السلمي في طبقات الصوفية.

وفيها أبو بكر الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بشار النحوي اللغوي العلامة، صاحب المصنفات، وله سبع وخمسون سنة. سمع في صغره من الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأخذ عن أبيه، وثعلب وطائفة. قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر، يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن. وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحرا، حدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا. قال: وحدثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها وقيل إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة.

وفيها الأستاذ أبو الحسن المزين، شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة.

وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري الزاهد، أحد مشايخ العراق، صحبه الجنيد وغيره، وكان يقال: إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلدي.

سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

في ربيع الأول استخلف المتقي لله، فاستوزر أبا الحسين أحمد بن محمد بن ميمون، فقدم أبو عبد الله البريدي من البصرة وطلب الوزارة، فأجابه المتقي وولاه، ومشى إلى بابه ابن ميمون، وكانت وزارة ابن ميمون شهرا، فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم، فخافهم وهرب بعد أيام، ووزر بعده أبو إسحاق محمد أحمد لقراريطي ثم عزل الكرخي، بعد ثلاثة وخمسين يوما فلم ير أقرب من مدة هؤلاء، وهزلت الوزارة وضؤلت، لضعف الدولة، وصغر الدائرة. وأما بجكم، فنزل واسطا، وقرر مع الخليفة، أنه يحمل إليه في العام ثمانمائة ألف دينار، وعدل وتصدق، وكان ذا أموال عظيمة، ونفس عصيبة، خرج يتصيد، فأساء إلى أكراد هناك، فاستفرد به عبد أسود، فطعنه برمح فقتله في رجب، وفر معظم جنده إلى البريدي، وأخذ المتقي من داره ببغداد، ما يزيد على ألفي ألف دينار، وقلد المتقي إمرة الجيش كورتكين الديلمي، وجرت أمور، ثم استدعى المتقي محمد بن رائق، فسار من دمشق، واستناب بها أميرا، ووصل إلى بغداد، وخطب ابن البريدي له بواسط والبصرة، فالتقى ابن رائق وكورتكين على بغداد غير مرة، ثم خذل كورتكين واختفى، وأسرت أمراؤه، وضربت أعناقهم، وتمكن ابن رائق.

وفيها توفي البريهاري، أبو محمد الحسن بن علي، الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق، قالا وحالا وحلالا، وكان له صيت عظيم، وحرمة تامة، أخذ عن المروزي، وصحب سهل بن عبد الله التستري، وصنف التصانيف، وكان المخالفون، يغلظون قلب الدولة عليه، فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين، ثم تغيرت الدولة، وزادت حرمة البربهاري، ثم سعت المبتدعة به، فنودي بأمر الراضي بالله في بغداد، لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله.

وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي البغدادي، وله بضع وسبعون سنة. سمع عباسا الدوري وطبقته، وولي قضاء مصر ثلاث

مرات، آخرها في ربيع الأول من هذا العام، فتوفي بعد شهر، ضعفه غير واحد في الحديث، وله عدة تصانيف.

وفيها الحامض، وهو المحدث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي. روى عن سعدان بن نصر وطائفة.

وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي القارئ المطوعي. روى عن أبي داود السنجي، ومحمود بن آدم وطائفة. قال الدارقطني: ثقة حافظ.

وفيها أبو الفضل البلعمي، الوزير محمد بن عبيد الله، أحد رجال الدهر عقلا ورأيا وبلاغة. روى عن الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره، وصنف كتاب تلقيح البلاغة وكتاب المقالات.

وفيها توفي الراضي بالله، أبو إسحاق محمد، وقيل أحمد، بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل على الله العباس، ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، من جارية رومية اسمها ظلوم، كان قصيرا، أسمر نحيفا، في وجهه طول، واستخلف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وهو آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وإلى خلافة المقتفي، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضا مرتين، وآخر خليفة جالس الندماء، ولكنه كان مقهورا مع أمرائه، مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات، وكان سمحا كريما، محبا للعلماء والأدباء. سمع الحديث من البغوي، وتوفي في نصف ربيع الآخر، وله إحدى وثلاثون سنة ونصف.

وفيها يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول، أبو بكر التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب، في آخر السنة ببغداد، وله نيف وتسعون سنة. روى عن جده، والحسن بن عرفة وطائفة.

سنة ثلاثين وثلاثمائة

فيها الغلاء المفرط والوباء ببغداد، وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير، وأكلوا الجيف.

وفيها وصلت الروم، فأغارت على أعمال حلب، وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة.

وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش، فالتقاه المتقي وابن رائق فكسرهما، ودخلت طائفة من الديلم دار الخلافة، فقتلوا جماعة، وهرب المتقي وابنه وابن رائق إلى الموصل، واختفي وزيره أبو إسحاق القراريطي، ووجدوا في الحبس كورتكين. وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه، فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد، واشتد القحط، حتى بلغ الكر، ثلاثمائة وستة عشر دينارا، وهذا شيء لم يعهد بالعراق، وألح أبو الحسين البريدي في المصادرة، ونزح الناس وهجوا، ثم عم البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعا، وغرق الخلق، ثم خامر توزون، وذهب إلى الموصل.

وأما ناصر الدولة بن حمدان، فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خيمته، فوضع رجله في الركاب، فشب به الفرس، فوقع فصاح ابن حمدان: لا يفوتنكم، فقتلوه، ثم دفن وعفي قبره، وجاء ابن حمدان إلى المتقي فقلده مكان ابن رائق، ولقبه ناصر الدولة، ولقب أخاه عليا، سيف الدولة، وعاد وهما معه، فهرب البريدي من بغداد، وكان مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوما، ثم تهيأ البريدي، وعاد فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، فكانت الهزيمة أولا على بني حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة من أمراء الديلم، وأسر آخرون، ورد إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه سيف الدولة، ففر إلى البصرة.

وفيها توفي في رجب بمصر، أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي، له مصنفات في المذهب، وهو صاحب وجه. روى عن أحمد بن منصور الرمادي.

وفيها أبو حامد، أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النيسابوري. روى عن الذهلي، والحسن الزعفراني وطبقتهما، بخراسان والعراق ومصر.

وفيها أبو يعقوب النهرجوري، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد، صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار العارفين.

وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السلمي بدمشق. روى عن هشام بن عمار.

وفيها المحاملي، القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي، في ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة. وأول سماعه في سنة أربع وأربعين، من أبي هشام الرفاعي، وأقدم شيخ له، أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك. قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل.

وفيها قاضي دمشق، أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى خت البلخي الشافعي، وهو صاحب وجه. روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة، ومن غرائب وجوهه: إذا شرط في القراض، أن يعمل مع رب المال العامل جاز.

وفيها عبد الغافر بن سلامة، أبو هاشم الحمصي بالبصرة، وله بضع وتسعون سنة. روى عن كثير بن عبيد وطائفة.

وفيها عبد الله بن يونس القبري الأندلسي، صاحب بقي بن نخلد، وكان كثير الحديث مقبولا.

وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة البغدادي الزيات. روى عن الحسن بن عرفة وجماعة، وهو من كبار شيوخ ابن جميع.

وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد، أبو الحسن البغدادي البزار. روى عن عباس الدوري وطبقته، وعاش ثمانيا وسبعين سنة.

وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، أبو عبد الله الحافظ، وله ثمان وسبعون سنة أيضا، رحل إلى العراق سنة أربع وسبعين، وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم السمري وطبقتهما، وألف كتابا على سنن أبي داود، وكان بصيرا بمذهب مالك.

وفيها محمد بن عمر بن حفص الجزرجيري بأصبهان. سمع إسحاق بن الفيض ومسعود بن يزيد القطان وطبقتهما.

وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ، من أعيان الشافعية والرحالين في الحديث. سمع الربيع بن سليمان، والعباس ابن الوليد البيروتي وطبقتهما، وعاش مائة سنة.

وفيها الزاهد العابد، أبو صالح المسجد المشهور بظاهر باب شرقي، ويقال اسمه مفلح. وكان من الصوفية العارفين.

سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة

فيها قلل ناصر الدولة بن حمدان، رواتب المتقي، وأخذ ضياعه، وصادر العمال، فكرهه الناس، وزوج بنته بابن المتقي، على مائتي ألف دينار، وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدولة، فهرب. وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل، فنهب داره، وأقبل توزون، فدخل بغداد،، فولاه المتقي إمرة الأمراء، فلم يلبث أن وقعت بينهما الوحشة، فرجع توزون إلى واسط، ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف، إلى الشام ومصر، وبعث المتقي خلعا إلى أحمد بن بويه، فسر بها.

وفيها توفي أبو روق الهزاني، أحمد بن محمد بن بكر، بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة.

وفيها بكر بن أحمد بن حفص التنيسي الشعراني. روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته بمصر والشام.

وفيها حبشون بن موسى، أبو نصر الخلال، ببغداد في شعبان، ووله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة وعلي بن إشكاب.

وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي. سمع من بقي بن مخلد مسنده، وبمصر من أبي يزيد القراطيسي، وباليمن من إسحاق الدبري، وبمكة وبغداد. وكان فقيها مفتيا صالحا، عاش ثلاثا وثمانين سنة. قال ابن الفرضي: لم يكن بالضابط جدا.

وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السدوسي ببغداد في ربيع الآخر. سمع من جده مسند العشرة، ومسند العباس وهو ابن سبع سنين، وسمع من الرمادي وأناس، وثقه الخطيب.

وفيها أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصوفي، أستاذ أبي بكر الرقي، وكان من العابدين، وله بزة حسنة، ومعه مفتاح منقوش، يصلي ويضعه بين يديه، كأنه تاجر، وليس له بيت، بل ينطرح في المسجد، ويطوي أياما.

وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة، صحب حمدون القصار، وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النيسابوري، وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة.

وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدينوري الصائغ الزاهد، أحد المشايخ الكبار، بمصر في رجب، وما أحلى كلامه: من أيقن أنه كغيره، فما له أن يبخل بنفسه. وكان صاحب أحوال ومواعظ.

وفيها محمد بن مخلد العطار، أبو عبد الله الدوري الحافظ، ببغداد. سمع يعقوب الدورقي، وأحمد بن إسماعيل السهمي وخلائق، وكان ذا صدق وصلاح، وله تصانيف، توفي في جمادى الآخرة، وله سبع وتسعون سنة.

وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن الملك نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني، في المملكة بعد أبيه وثلاثين يوما بعد أبيه وولي بعده ابنه نوح.

وفيها هناد بن السري بن يحيى الكوفي الصغير. روى عن أبي سعيد الأشج وجماعة.

وفيها الجصاص، أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدعاء روى عن أحمد بن إسماعيل السهمي، وعلي بن إشكاب وجماعة، وله أوهام وغلطات.

سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة

فيها كاتب المتقي بني حمدان، ليحكم توزون على بغداد، فقدم الحسين بن سعيد بن حمدان، في جيش كثف، فخرج المتقي وآله ووزيره، وساروا إلى تكريت، ظنا منهم أن سيف الدولة يوافيه بتكريت فيردون، ثم قدم سيف الدولة على المتقي، وأشار بأن يصعد إلى الموصل، فتألم المتقي وقال: ما على هذا عاهدتموني فقلل أصحابه وبقي في طائفة، وجاء توزون فاستعد للحرب ببغداد، فجمع ناصر الدولة جيشي الأعراب والأكراد، وسار إلى تكريت، ثم وقع القتال أياما، فانهزم الخليفة والحمدانية إلى الموصل، ثم عملوا مصافا آخر على حربه، فانهزم سيف الدولة، فتبعه توزون، فانهزم بنو حمدان والمتقي لله، إلى نصيبين، واستولى توزون على الموصل، وأخذ من أهلها مائة ألف دينار مصادرة، فراسل الخليفة توزون في الصلح، واعتذر بأنه ما خرج عن بغداد، إلا لما قيل إنك اتفقت أنت والبريدي علي، والآن فقد آثرت رضاي، فصالح ابني حمدان، وأنا أرجع إلى داري، فأجاب إلى الصلح، لأن أحمد بن بويه، وصل إلى واسط، يريد بغداد، فجاء شيء لم يكن في حساب الفريقين، وكاتب المتقي الإخشيد ليقدم، فجاء إليه من مصر، فاجتمع به بالرقة، وبان للمتقي من الحمدانية الملل والضجر، فراسل توزون، فقال له الإخشيد: يا أمير المؤمنين، أنا عبدك، وقد عرفت غدر الأتراك وفجورهم، فسر معي إلى الشام ومصر، فهي لك، وتأمن على نفسك، فلم يقبل. فقال: فأقم ها هنا وأمدك بالأموال والرجال، فأبى. فرد الإخشيد إلى الشام.

وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف لكونه عامل عليه ابن بويه، ونسبه إلى الظلم. ولم يحج الركب، لموت القرمطي الطاغية، أبي طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي، في رمضان بهجر، من جدري أهلكه، فلا رحم الله فيه مغرز إبرة، وقام بعده أبو القاسم الجنابي.

وفيها توفي أحمد بن عمرو بن جابر الحافظ، أبو بكر الطحان بالرملة. روى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته، وسمع بالشام والجزيرة والعراق.

وأبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكم، أبو المديني الأصبهاني رحل إلى الشام والعراق والري، وروى عن ابن دارة، ويحيى بن أبي طالب، وكان جيد المعرفة بالحديث والعربية.

والحافظ ابن عقدة، أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الشيعي، أحد أركان الحديث. سمع الحسن بن علي بن عفان، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، ولم يرحل إلى غير الحجاز وبغداد، لكنه كان آية من الآيات في الحفظ. حتى قال الدارقطني: أجمع أهل بغداد أنه لم ير بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه، وقد سمعته يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث، من حديث أهل البيت وبني هاشم. وروي عن ابن عقدة قال: أحفظ مائة ألف حديث بإسنادها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث. وقال أبو سعيد الماليني: تحول ابن عقدة مرة، فكانت كتبه ستمائة حمل جمل. قلت: ضعفوه، واتهمه بعضهم بالكذب، وقال أبو عمر بن حيويه: كان يملي مثالب الصحابة فتركته.

وفيها محمد بن بشير، أبو بكر الزبيري العكبري. روى عن بحر بن نصر الخولاني وجماعة، وعاش أربعا وثمانين سنة.

وفيها محمد بن الحسين، أبو بكر القطان النيسابوري، في شوال. روى عن عبد الرحمن بن بشير، وأحمد بن يوسف السلمي والكبار.

وفيها محمد بن محمد بن أبي حذيفة، أبو علي الدمشقي المحدث. روى عن أبي أمية الطرسوسي وطبقته، وقع لنا جزء من حديثه.

وفيها الإمام ابن ولاد النحوي، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد التميمي المصري، مصنف كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد. وكان شيخ الديار المصرية في العربية، مع أبي جعفر النحاس.

سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

حلف توزون أيمانا صعبة للمتقي بالله فسار من الرقة واثقا بإيمانه في المحرم، فلما قرب من الأنبار، جاء توزون، وتلقاه وقبل الأرض، وأنزله في مخيم ضرب له، ثم قبض على الوزير أبي الحسين بن أبي علي بن مقلة، وكحل المتقي بالله، فصاح المسكين فصرخ النساء، فأمر توزون يضرب بالدبادب حول المخيم، وأدخل بغداد مسمولا مخلوعا، وبويع عبد الله بن المكتفي، ولقب بالمستكفي بالله فلم يحل الحول على توزون، واستولى أحمد بن بويه على واسط والبصرة والأهواز، فسار توزون لحربه، فدام القتال والمنازلة بينهما أشهرا، وابن بويه في استظهار، ومرض توزون بعلة الصرع، واشتد الغلاء على ابن بويه، فرد إلى الأهواز، ورد توزون إلى بغداد، وقد زاد به الصرع.

وفيها تملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متوليها يانس المؤنس إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشا، فالتقاهم سيف الدولة على الرستن فهزمهم وأسر منهم ألف نفس، وافتتح الرستن، ثم سار إلى دمشق فملكها. فسار الإخشيذ ونزل على طبرية، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فرد سيف الدولة وجمع وحشد، فقصده الإخشيد، فالتقاه بقنسرين وهزمه، ودخل حلب وهرب سيف الدولة.

وأما بغداد، فكان بها قحط لم ير مثله، وهرب الخلق، فكان النساء يخرجن عشرين وعشرا، يمسك بعضهن ببعض، ويصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي شوال، مات أبو عبد الله البريدي، وقام أخوه أبو الحسين مقامه، فأساء إلى الترك والديلم، فهموا به، وقدموا به، عليهم أبا القاسم، ولد أبي عبد الله، فهرب عمدا أبو الحسين ماشيا، فأتى هجر، واستجار بالقرامطة، فبعثوا معه جيشا، فنازل البصرة مدة، ثم اصطلحوا، فمضى أبو الحسين إلى بغداد.

وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر الطحان بالرملة، ورحل إلى الشام والجزيرة والعراق، وروى عن العباس بن الوليد البيروتي وطبقته.

وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني الأصبهاني، رحل إلى الشام والعراق، والري. روى عن يحيى بن أبي طالب وأبو عمرو بن حكم وأبي حاتم وطبقتهما.

وفيها أبو علي اللؤلؤي، محمد بن أحمد بن عمرو البصري، راوية السنن عن أبي داود، لزم أبا داود مدة طويلة، يقرأ السنن للناس.

سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة

فيها دثرت بغداد، وتداعت لخراب من شدة القحط والفتن والجور، فإن توزون، أتابك الجيوش، هلك بعلة الصرع في المحرم، بهيت، ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، وجاء فنزل بظاهر بغداد، وخرجت إلى عنده الأتراك والديلم، فبعث إليه المستكفي بالله بالخلع، ولم يكن معه مال، فشرع في مصادرة التجار والدواوين.

وفيها اصطلح سيف الدولة والإخشيد وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية، وقصد معز الدولة أحمد بن بويه بغداد، فاختفى الخليفة وابن شيرزاد، وضعفا عنه، فتسللت الأتراك إلى الموصل، وأقامت الديلم ببغداد، ونزل معز الدولة بباب الشماسية، وقدم له الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل في جمادي الأولى، إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقبه يومئذ معز الدولة، ولقب إخوته عليا: عماد الدولة، والحسن: ركن الدولة، وضربت لهم السكة، وظهر ابن شيرازاد وأتى إلى خدمة معز الدولة، وخضع له، واستوتقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن كحل المستكفي بالله وخلعه من الخلافة، لأن علم القهرمانة، كانت تأمر وتنهى، وعملت دعوة عظيمة، حضرها خرشيذ، مقدم الديلم، وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها، وأيضا فإن بعض الشيعة كان يثير الفتن، فآذاه الخليفة، وكان معز الدولة يتشيع، فلما كان في شهر جمادي الآخرة، دخل الأمراء إلى الخدمة، ودخل معز الدولة، فتقدم اثنان فطلبا من المستكفي رزقهما، فمد لها يده ليقبلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الضجة، ونهبت دور الخلافة، وقبضوا على علم، وعلى خواص الخليفة، وساقوا الخليفة ماشيا إلى دار معز الدولة وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر وصار ثلاثة خلفاء مسمولين، وهو والذي قبله والقاهر، ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله فبايعه ولقبه المطيع لله، وله يومئذ أربع وثلاثون سنة. وقرر له معز الدولة كل يوم، مائة دينار للنفقة، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، وإيش هي المائة دينار؟ وما هي إلا بقيمة عشرة دنانير في الرخاء، فإن في شعبان، أكلوا ببغداد الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، وبيع العقار بالرغفان. واشترى المطيع كر دقيق بعشرة الآن ألف درهم، وجيش ناصر الدولة ابن حمدان، وجاء فنزل بسامرا، فالتقى هو ومعز الدولة، فانكسر معز الدولة، ودخل ناصر الدولة بغداد، وملك الجانب الشرقي، ونزل معز الدولة، ومعه المطيع تبعا له، ثم تخاذل عسكر ناصر الدولة، فانهزم. ودخل معز الدولة إلى الجانب الشرقي، ووقع النهب والحريق فيه، ووضعت الديلم السيف في الناس، وسبوا الحريم.

وفيها توفي قاضي القضاة، أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء مصر، ثم قضاء بغداد، في سنة ثلاثين، وكان قليل العلم إلى الغاية، إنما كان هو وأبوه وأهله من كبار العدول، فتعجب الناس من ولايته، لكنه ظهرت منه صرامة وعفة وكفاءة.

وفيها أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي الدمشقي، في جمادى الأولى، وله بضع وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن جماعة، وحدث عن موسى بن عامر المري، ومحمد بن إسماعيل بن علية وطبقتهما.

وفيها الصنوبري الشاعر، أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسن الضبي الحلبي، وشعره في الذروة العليا.

وفيها الحسين بن يحيى بن عياش، أبو عبد الله المتوثي القطان، في جمادي الآخرة ببغداد، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أحمد بن المقدام العجلي وجماعة، وآخر من حدث عنه، هلال الحفار.

وفيها عثمان بن محمد، أبو الحسين الذهبي البغدادي بحلب. روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وطبقته.

وفيها علي بن إسحاق المادرائي أبو الحسن، محدث البصرة. روى عن علي بن حرب وطائفة.

وفيها الوزير العادل، أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب، وزر مرات للمقتدر، ثم للقاهر. وكان محدثا عالما دينا حيرا، كبير الشأن، عالي الإسناد. روى عن أحمد بن بديل، والحسن الزعفراني وطائفة، وعاش تسعين سنة. وكان في الوزراء، كعمر بن بن عبد العزيز في الخلفاء. قال أحمد بن كامل القاضي: سمعت الوزير علي بن عيسى يقول: كسبت سبعمائة ألف دينار، أخرجت منها في وجوه البر ستمائة ألف، وثمانين ألف دينار. آخر من روى عنه، ابنه عيسى في أماليه.

وفيها الإمام أبو القاسم الخرقي، عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي، صاحب المختصر في الفقه بدمشق، ودفن بباب الصغير.

وفيها الحافظ أبو علي القشيري، محمد سعيد الحراني، نزيل الرقة ومؤرخها. روى عن سليمان بن سيف الحراني وطبقته، وتوفي في هذا العام أو فيما بعده.

وفيها الإخشيذ، أبو بكر محمد بن طغج بن جف التركي الفرغاني، صاحب مصر والشام، ولي ديار مصر سنة إحدى وعشرين، ثم أضيف إليه دمشق وغيرها في سنة ثلاث وعشرين.

والإخشيذ بالتركي: ملك الملوك؛ وطغج عبد الرحمن، وهو من أولاد ملوك فرغانة، وكان جده جف، من الترك الذين حملوا إلى المعتصم، فأكرمه وقربه ومات في العام الذي قتل فيه المتوكل، فاتصل طغج بابن طولون، وصار من كبار أمرائه، وكان الإخشيذ، شجاعا حازما يقظا شديد البطش، لا يكاد أحد يجر قوسه، توفي بدمشق في ذي الحجة، وله ست وستون سنة. ودفنوه ببيت المقدس. وكان له ثمانية آلاف مملوك.

وفيها القائم بأمر الله أبو القاسم نزار بن المهدي عبيد الله، الدعي الباطني، صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدر له، وجرت له أمور يطول شرحها، ومات بالمهدية في شوال، وهو تحت حصار مخلد بن كيداد البربري له، وكان مولده بسلمية في حدود الثمانين ومائتين، وقام بعده ابنه المنصور إسماعيل.

وفيها الشبلي أبو بكر الزاهد، صاحب الأحوال والتصوف، قرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك وصحب الجنيد، وكان أبوه من حجاب الدولة، ورد أنه سئل: إذا اشتبه على المرأة دم الحيض، بدم الاستحاضة، كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جوابا للعلماء.

سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة

فيها ملك سيف الدولة دمشق، بعد موت الاخشيذ فجاءته جيوش مصر، فدفعته إلى الرقة بعد حروب وأمور، واصطلح معز الدولة بن بويه وناصر الدولة بن حمدان.

وفيها توفي أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الشافعي، وله مصنفات مشهورة تفقه على ابن سريج.

وفيها المطيري المحدث أبو بكر محمد بن جعفر الصيرفي ببغداد، وكان ثقة مأمونا. روى عن الحسن بن عرفة وطائفة.

وفيها الصولي أبو بكر محمد بن يحيى البغدادي الأديب الأخباري العلامة، صاحب التصانيف، أخذ الأدب عن المبرد وثعلب، وروى عن أبي دود السجستاني وطائفة، ونادم غير واحد من الخلفاء، وجده الأعلى هو صول، ملك جرجان.

وفيها الهيثم بن كليب، الحافظ أبو سعيد الشاشي، صاحب المسند، ومحدث ما وراء النهر. روى عن عيسى بن أحمد البلخي، وهو ثقة.

سنة ست وثلاثين وثلاثمائة

فيها سار المطيع ومعز الدولة إلى البصرة، لمحاربة أبي القاسم بن أبي عبد الله البريدي فتفرق جمعه وهرب إلى القرامطة، ودخل معز الدولة البصرة، وأقطع المطيع منها ضياعا.

وفيها ظفر المنصور العبيدي، بمخلد بن كيداد، وقتل قواده، ومزق جيشه.

وفيها توفي الحافظ أبو الحسين بن المنادي، وهو أحمد بن جعفر، بن الشيخ أبي جعفر محمد بن أبي داود عبيد الله البغدادي، وله ثمانون سنة. صنف وجمع، وسمع من جده، وخلق كثير.

وفيها حاجب بن أحمد بن يرحم أبو محمد الطوسي، وهو معمر ضعيف الحديث، زعم أنه ابن مائة وثمان سنين. وحدث عن محمد بن رافع والذهلي والكبار.

وفيها أبو العباس الأثرم، محمد بن أحمد ب أحمد بن حماد المقرئ البغدادي، وله ست وتسعون سنة. روى عن الحسن بن عرفة وعمر بن شبة والكبار. وتوفي بالبصرة.

والحكيمي محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ببغداد، في ذي الحجة. روى عن زكريا بن يحيى المروزي وطبقته.

والميداني أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل النيسابوري، في رجب فجأة، وكان عنده جزء من الذهلي، وهو الذي تفرد به سبط السلفي.

وفيها أبو طاهر المحمد أباذي محمد بن الحسن بن محمد النيسابوري، أحد أئمة اللسان. روى عن أحمد بن يوسف السلمي وطائفة، وببغداد عن عباس الدوري وذويه، وكان إمام الأئمة ابن خزيمة إذا شك في لغة سأله.

سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

فيها كان الغرق ببغداد، وبلغت الدجلة، أحدا وعشرين ذراعا، وهلك خلق تحت الهدم.

وفيها قوي معز الدولة، على صاحب الموصل ابن حمدان وقصده، ففر ابن حمدان إلى نصيبين، ثم صالحه على حمل ثمانية آلاف ألف في السنة.

وفيها خرجت الروم لعنهم الله، وهزموا سيف الدولة على مرعش وملكوا مرعش.

وفيها توفي أبو إسحاق القرميسيني، إبراهيم بن شيبان شيخ الصوفية ببلاد الجبل، صحب إبراهيم الخواص، وساح بالشام، ومن قوله: علم الفناء والبقاء، يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية، وما كان غير هذا، فهو من المغاليط والزندقة.

وفيها محمد بن علي بن عمر، أبو علي النيسابوري المذكر، أحد الضعفاء. سمع من أحمد بن الأزهر وأقرانه، ولو اقتصر عليهم لكان منه خير، ولكنه شره وحدث عن محمد بن رافع والكبار. فترك.

سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

فيها ولي قضاء القضاة، أبو السائب عتبة بن عبد الله، ولم يحج ركب العراق.

وفيها توفي المستكفي بالله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بالله علي، بن المعتضد بالله بن الموفق أحمد العباسي، الذي استخلف وسمل في سنة أربع وثلاثين كما ذكر وحبس حتى مات بنفث الدم، وله ست وأربعون سنة. وكان أبيض جميلا، ربعة أكحل أقنى خفيف العارضين، وأمه أمة.

وفيها أحمد بن سليمان بن زبان، أبو بكر الكندي الدمشقي الضرير، ذكر أنه ولد سنة خمس وعشرين ومائتين، وأنه قرأ على أحمد بن يزيد الحلواني، وأنه سمع من هشام بن عمار، وابن أبي الحواري. روى عنه تمام الرازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ثم تركا الرواية عنه، لما تبين أمره. قال الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي. كان غير ثقة. وقال عبد العزيز الكتاني: كان يعرف بابن زبان العابد، لزهده وورعه.

وفيها أبو جعفر النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، وكان ينظر بابن الأنباري ونفطويه ببلده، له تصانيف كثيرة، وكان مقترا على نفسه في لباسه وطعامه، توفي في ذي الحجة.

وفيها إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي المقرئ، مقرئ أهل الشام في زمانه. قرأ على قنبل، وهارون الأخفش، وعثمان بن خرزاذ، وصنف كتابا في القراءات الثمان، وروى الحديث عن أبي أمية الطرسوسي وطائفة، وقيل توفي في السنة الآتية.

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت السامري القاضي، نزيل دمشق ونائب الحكم بها، وصاحب الجزء المشهور. روى عن الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر وطائفة من العراقيين والشاميين والمصريين، وثقة الخطيب، وتوفي في ربيع الآخر.

وفيها أبو علي الحضائري، الحسن بن حبيب الدمشقي الفقيه الشافعي. روى عن الربيع بن سليمان، وابن عبد الحكم، وحدث بكتاب الأم للشافعي. قال الكتاني: هو ثقة، أنبل حافظ لمذهب الشافعي، مات في ذي القعدة.

وفيها عماد الدولة، أبو الحسن علي بن بويه بن فناخسرو الديلمي، صاحب بلاد فارس، وهو أول من ملك من أخوته، وكان الملك معز الدولة أحمد أخوه، يتأدب معه، ويقدمه على نفسه، عاش بضعا وخمسين سنة. وكانت أيامه ست عشرة سنة. وملك فارس، بعد ابن أخيه عضد الدولة، ابن ركن الدولة.

وفيها علي بن محمد، البصري أبو الحسن الواعظ، هو بغدادي أقام بمصر مدة. روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما. وكان صاحب حديث، له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد، وكان مقدم زمانه في الوعظ، مات في ذي القعدة.

وفيها علي بن حمشاذ، أبو الحسن النيسابوري الحافظ، أحد الأئمة. سمع الفضل بن محمد الشعراني، وإبراهيم بن ديزيل وطبقتهما، ورحل وطوف وصنف، وله مسند كبير، في أربعمائة جزء، وأحكام في مائتين وستين جزءا، وتفسير في مائتي جزء، توفي فجأة في الحمام، وله ثمانون سنة. قال أحمد بن إسحاق الضبعي: صحبت علي بن حمشاذ في الحضر والسفر، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.

وفيها محمد بن عبد الله بن دينار، أبو عبد الله النيسابوري، الفقيه الرجل الصالح. سمع السري رحمه الله بن خزيمة واقرانه. قال الحاكم: كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويصبر عل الفقر، ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه.

سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم، في ثلاثين ألفا، فافتتح حصونا، وسبى وغنم، فأخذت الروم عليه الدروب، فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا، ونجا هو في عدد قليل، ووصل من سلم بأسوأ حال.

وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه، وكان الأمير بجكم قد دفع لهم فيه خمسين ألف دينار فأبوا.

وفيها توفي الحافظ أبو محمد أحمد بن محمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري. روى عن محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته. قال الحاكم: كان واحد عصره في الحفظ والوعظ، خرج صحيحا على وضع مسلم.

وفيها حفص بن عمر الأردبيلي، أبو القاسم الحافظ، محدث أذربيجان، وصاحب التصانيف. روى عن أبي حاتم الرازي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما.

وفيها قاضي الإسكندرية، علي بن عبد الله بن أبي مطر المعافري الإسكندراني، الفقيه أبو الحسن المالكي، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد بن مسلم وغيره.

وفيها القاضي ابن الأشناني، أبو الحسين عمر بن الحسن ببغداد. روى عن محمد بن عيسى بن حبان المدائني وابن أبي الدنيا، وعدة، ضعفه الدارقطني.

وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد ابن بطة الأصبهاني الصفار. روى عن أسيد بن عاصم وابن أبي الدنيا وطبقتهما. وصنف في الزهد وغيره، وصحب العباد، وكان من أكثر الحفاظ حديثا. قال الحاكم: هو محدث عصره ومجاب الدعوة، لم يرفع رأسه إلى السماء كما بلغنا نيفا وأربعين سنة توفي في ذي القعدة، وله ثمان وتسعون سنة. رحمه الله.

وفيها القاهر بالله أبو منصور محمد، بن المعتضد بالله أحمد، بن طلحة بن جعفر العباسي، سلمت عيناه، وخلع في سنة اثنتين وعشرين، وكانت خلافته، سنة وسبعة أشهر، وكان ربعة أسمر أصهب الشعر طويل الأنف، ظالما فاتكا، سيئ السيرة، وكان تارة بعد الكحل يحبس، وتارة يترك، فوقف يوما بجامع المنصور بين الصفوف، وعليه مبطنة بيضاء، وقال: تصدقوا علي، فأنا من قد عرفتم، فقام أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه خمسمائة درهم، ثم منع لذلك من الخروج، فقيل إنه أراد أن يشنع بذلك على المستكفي بالله ولعله فعل ذلك يف أيام القحط، توفي في جمادى الأولى، وله ثلاث وخمسون سنة.

وفيها محدث بغداد، أبو جعفر محمد بن عمرو ابن البختري الرزاز، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن سعدان بن نصر ومحمد بن عبد الملك الدقيقي وطائفة.

وفيها أبو نصر الفارابي، صاحب الفلسفة، محمد بن محمد طرخان التركي، ذو المصنفات المشهورة في الموسيقى التي من ابتغى الهدى فيها أضله الله، وكان مفرط الذكاء، قدم دمشق ورتب له سيف الدولة كل يوم، أربعة دراهم إلى أن مات، وله نحو من ثمانين سنة.

سنة أربعين وثلاثمائة

سار الوزير أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي بالجيوش وقد استوزر عام أول، فالتقى القرامطة فهزمهم، واستباح عسكرهم، وعاد بالأسارى.

وفيها جمع سيف الدولة جيشا عظيما، ووغل في بلاد الروم، فغنم وسبى شيئا كثيرا، وعاد سالما، وأمن الوقت، وذلت القرامطة، وحج الركب.

وفيها توفي ابن الأعرابي المحدث الصوفي القدوة، أبو سعيد أحمد ابن محمد بن زياد بن بشر البصري، نزيل مكة، في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة. روى عن الحسن الزعفراني، وسعدان بن نصر، وخلق كثير، وجمع وصنف، ورحلوا إليه.

وفيها أبو إسحاق المروزي، إبراهيم بن أحمد، شيخ الشافعية وصاحب ابن سريج، وذو التصانيف، انتهت إليه رئاسة المذهب ببغداد وانتقل في آخر عمره إلى مصر، فمات يف رجب، ودفن عند ضريح الشافعي.

وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي الأديب، ثقة رحال مكثر، أقام على أبي حاتم مدة، وجاور لأجل أبي يحيى بن أبي مسرة.

وفيها أبو علي الحسين بن صفوان البردعي صاحب أبي بكر بن أبي الدنيا، ببغداد، في شعبان.

وفيها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث البخاري الفقيه، شيخ الحنفية بما وراء النهر، ويعرف بعبد الله الأستاذ، وكان محدثا جوالا، رأسا في الفقه، صنف التصانيف، وعمر اثنتين وثمانين سنة. وروى عن عبد الصمد بن الفضل وعبد الله بن واصل وطبقتهما. قال أبو زرعة أحمد بن الحسين الحافظ: هو ضعيف. وقال الحاكم: هو صاحب عجائب، وأفراد عن الثقات.

وفيها أبو القاسم الزجاجي عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي النحوي، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي إسحاق الزجاج، وابن دريد وعلي ابن سليمان الأخفش وقد انتفع بكتابة الجمل، خلق لا يحصون، فقيل إنه جاور مدة بمكة وصنفه فيها. وكان إذا فرغ الباب، طاف أسبوعا، ودعا بالمغفرة، اشتغل ببغداد، ثم بحلب وبدمشق، ومات بطبرية في رمضان.

وفيها قاسم بن أصبغ، الحافظ الإمام محدث الأندلس، أبو محمد القرطبي، مولى بني أمية ويقال له البياني -وبيانة محلة بقرطبة- انتهى إليه التقدم في الحديث، معرفة وعلوا. سمع بقي بن مخلد وأقرانه، ورحل سنة أربع وسبعين ومائتين، فسمع محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وأبا محمد بن قتيبة، ومحمد بن الجهم وطبقتهم ببغداد، وإبراهيم القصار بالكوفة. وصنف كتابا على وضع سنن أبي داود، لكونه فاته لقيه، وكان إماما في العربية، مشاورا في الأحكام، عاش ثلاثا وتسعين سنة. وتغير ذهنه يسيرا قبل موته بثلاثة أعوام، ومات في جمادى الأولى.

وفيها أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي الموصلي، قدم بغداد، وحدث بها عن جده، وعن جد أبيه، وثقه أبو حازم العبدوي، ومات في رمضان.

وفيها أبو الحسن الكرخي، شيخ الحنفية بالعراق، واسمه عبيد الله بن حسين بن دلال. روى عن إسماعيل القاضي وغيره، وعاش ثمانين سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وخرج له أصحاب أئمة، وكان قانعا متعففا عابدا صواما كبير القدر رحمه الله.

سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

فيها اطلع الوزير المهلبي، على جماعة من التناسخية، فيهم رجل يزعم أن روح علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتقلت إليه، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها، وآخر يدعي أنه جبريل، فضربهم فتعزوا بالانتماء إلى أهل البيت، وكان ابن بويه شيعيا، فأمر بإطلاقهم.

وفيها أخذت الروم مدينة سروج فاستباحوها.

وفيها توفي أبو الطاهر المديني، أحمد بن محمد بن عمرو الحامي، محدث مصر، في ذي الحجة، روى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.

وفيها أبو علي الصفار إسماعيل بن محمد البغدادي النحوي الأديب، صاحب المبرد. سمع الحسن بن عرفة، وسعدان بن نصر وطائفة، وتوفي في المحرم، وله أربع وتسعون سنة.

وفيها المنصور أبو الطاهر، إسماعيل بن القائم بن المهدي عبيد الله العبيدي الباطني صاحب المغرب، حارب مخلد بن كيداد الإباضي، الذي كان قد قمع بني عبيد، واستولى على ممالكهم، فأسره المنصور، فسلخه بعد موته، وحشا جلده، وكان فصيحا مفوها، بطلا شجاعا، كان يرتجل الخطب، مات في شوال، وله تسع وثلاثون سنة. وكانت دولته سبعة أعوام.

وفيها محمد بن أيوب بن الصموت الرقي، نزيل مصر. روى عن هلال ابن العلاء وطائفة.

وفيها محمد بن حميد أبو الطيب الحوراني. روى عن عباد بن الوليد، وأحمد بن منصور الرمادي، ومات في عشر المائة.

وفيها محمد بن النضر، أبو الحسن بن الأخرم الربعي، قارئ أهل دمشق، قرأ على هارون الأخفش وغيره، وكانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق، لإتقانه ومعرفته.

سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

فيها رجع سيف الدولة من الروم مظفرا منصورا، قد أسر قسطنطين بن الدمستق، وكان بديع الحسن، فبقي عنده مكرما حتى مات

وفيها سار ابن محتاج صاحب خراسان إلى الري، وجرت بينه وبين ركن الدولة بن بويه حروب، ثم عاد إلى خراسان.

وفيها توفي العلامة أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الضبعي، شيخ الشافعية بنيسابور. سمع بخراسان والعراق والحجاز والجبال، فأكثر. وبرع في الحديث، وحدث عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وأفتى نيفا وخمسين سنة. وصنف الكتف الكبار في الفقه والحديث. قال محمد بن حمدون، صحبته عدة سنين، فما رأيته ترك قيام الليل. قال الحاكم، وكان الضبعي، يضرب بعقله المثل وبرأيه، وما رأيت في جميع مشايخنا، أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه.

وفيها أحمد بن عبيد الله، أبو جعفر الأسدي الهمذاني الحافظ. روى عن ابن ديزيل، وإبراهيم الحربي.

وفيها إبراهيم بن المولد، وهو إبراهيم بن أحمد بن محمد الرقي، الزاهد الواعظ شيخ الصوفية، أخذ عن الجنيد وجماعة، وحدث عن عبد الله ابن جابر المصيصي.

وفيها الحسن بن يعقوب، أبو الفضل البخاري العدل، بنيسابور. روى عن أبي حاتم الرازي وطبقته، ورحل وأكثر.

وفيها أبو محمد عبد الله بن عمر بن شوذب، أبو محمد الواسطي المقرئ، محدث واسط، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن شعيب الصريفيني، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي، وكان من أعيان القراء.

وفيها عبد الرحمن بن حمدان، أبو محمد الهمذاني الجلاب، أحد أئمة السنة بهمذان، رحل وطوف وعني بالأثر، وروى عن أبي حاتم الرازي، وهلال بن العلاء، وخلق كثير.

وفيها أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي القاضي، ولد بأنطاكية، سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقدم بغداد، فتفقه لأبي حنيفة، وسمع في حدود الثلاثمائة، وولي قضاء الأهواز، وكان من أذكياء العالم، راوية للأشعار. وعارفا بالكلام والنجوم، له ديوان شعر، ويقال إنه حفظ ستمائة بيت في يوم وليلة.

وفيها الإمام أبو العباس القاسم بن القاسم بن مهدي المروزي السياري، الزاهد المحدث، شيخ أهل مرو. ومن كلامه: الخطرة للأنبياء والوسوسة للأولياء، والفكرة للعوام، والعزم للفتيان. وكان أحمد بن سيار الحافظ، جد هذا الإمام.

وفيها أبو الحسين الأسواري، محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني وأسوار من قرى أصبهان سمع إبراهيم بن عبد الله القصار، وأبا حاتم ورحل وجمع.

وفيها محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري، شيخ الصوفية والمحدثين ببلده، طوف وكتب بهراة ومرو، والري، وجرجان، والعراق، والحجاز، ومصر والشام والجزيرة. وصنف الشيوخ والأبواب والزهديات، توفي في ربيع الأول. سمع من محمد بن أيوب بن الضريس وطبقته.

سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

فيها وقعة الحدث، وهو مصاف عظيم، جري بين سيف الدولة والدمستق، وكان الدمستق لعنه الله، قد جمع خلائق من الترك والروس والبلغار والخزر، فهزمه الله بحوله وقوته، وقتل معظم بطارقته، وأسر صهره وعدة بطارقة، وقتل منهم خلق لا يحصون، واستباح المسلمون ذلك الجمع، واستغنى خلق.

وفيها توفي خيثمة بن سليمان بن حيدرة، أبو الحسن الأطرابلسي الحافظ. روى عن العباس بن الوليد البيروتي، ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهما بالشام وثغورها، وبالعراق واليمن، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. وغير واحد يقول: إنه جاوز المائة، وثقه الخطيب.

وفيها الستوري أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس السامري. روى جزءا عن الحسن بن عرفة، يرويه محمد بن الروزبهان، شيخ أبي القاسم بن أبي العلاء المصيصي عنه، وثقه العتيقي.

وفيها شيخ الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد عقبة الشيباني، عن نيف وتسعين سنة. روى عن إبراهيم بن أبي العنبس القاضي، وجماعة. قال ابن حماد الحافظ: كان شيخ المصر، والمنظور إليه، ومختار السلطان والقضاة، صاحب جماعة وفقه وتلاوة، توفي في رمضان.

سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

فيها أقبل أبو علي بن محتاج، صاحب خراسان، وحاصر الري، فوقع بها وباء عظيم، فمات عليها ابن محتاج.

وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عثمان بن بويان البغدادي، المقرئ بحرف قالون، وله أربع وثمانون سنة.

فيها أحمد بن عيسى بن جمهور، أبو عيسى الخشاب ببغداد. روى أحاديث عن عمر بن شبة، وبعضها غرائب، رواها عن ابن رزقويه، وعمر مائة سنة.

وفيها أبو يعقوب الأوزاعي، إسحاق بن إبراهيم، ثقة عابد، صاحب حديث ومعرفة. سمع أبا زرعة الدمشقي، ومقدام بن داود الرعيني وطبقتهما، وكان مجاب الدعوة، كبير القدر، ببلد دمشق.

وفيها بكر بن محمد بن العلاء، العلامة أبو الفضل القشيري البصري المالكي، صاحب التصانيف في الأصول والفروع. روى عن أبي مسلم الكجي، ونزل مصر، وبها توفي في ربيع الأول.

وفيها أبو عمرو بن السماك، عثمان بن أحمد البغدادي الدقاق، مسند بغداد، في ربيع الأول، وشيعة خلائق نحو الخمسين ألفا. روى عن محمد ابن عبيد الله بن المنادي، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما، وكان صاحب حديث، كتب المصنفات الكبار بخطه.

وفيها أبو بكر بن الحداد المصري، شيخ الشافعية، محمد بن أحمد ابن محمد بن جعفر، صاحب التصانيف، ولد يوم وفاة المزني، وسمع من النسائي، وهو صاحب وجه في المذهب، وكان متبحرا في الفقه، متفننا في العلوم، معظما في النفوس. ولي قضاء الإقليم، وعاش ثمانين سنة. وكان يصوم صوم داود، ويختم في اليوم والليلة، وكان جدا كله.

وفيها محمد بن عيسى بن الحسن التميمي العلاف. روى عن الكديمي وطائفة. وحدث بحلب ومصر.

وفيها الإمام محمد بن محمد بن يوسف أبو النصر الطوسي الشافعي، مفتي خراسان، وكان أحد من عني أيضا بالحديث، ورحل فيه. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن عبد العزيز وطبقتهما. وصنف كتابا على وضع مسلم، وكان قد جزأ الليل: ثلثا للتصنيف وثلثا للتلاوة، وثلثا للنوم. قال الحاكم: كان إماما بارع الأدب، ما رأيت أحسن صلاة منه، كان يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويتصدق بما فضل من قوته.

وفيها أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن الأخرم الشيباني الحافظ، محدث نيسابور، صنف المسند الكبير، وصنف مستخرجا على الصحيحين. وروى عن أبي الحسن الهلالي، ويحيى الذهلي وطبقتهما، ومع براعته في الحديث والعلل والرجال، لم يرحل من نيسابور، عاش أربعا وتسعين سنة.

وفيها أبو زكريا العنبري يحيى بن محمد النيسابوري العدل، الحافظ الأديب المفسر. روى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، ولم يرحل، وعاش ستا وسبعين سنة. قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أبو زكريا يحفظ ما يعجز عنه، وما أعلم أني رأيت مثله.

سنة خمس وأربعين وثلاثمائة

فيها غلبت الروم على طرسوس، وقتلوا وسبوا وأحرقوا قراها.

وفيها قصد روزبهان الديلمي العراق، فالتقاه معز الدولة ومعه الخليفة، فهزم جيشه، اسر روزبهان وقواده.

وفيها توفي العباداني، أبو بكر أحمد بن سليمان بن أيوب. روى ببغداد عن الزعفراني، علي بن حرب، وعدة. وعاش سبعا وتسعين سنة وهو صدوق.

وفيها الإمام أبو بكر غلام السباك، وهو أحمد بن عثمان البغدادي، شيخ الإقراء بدمشق، قرأ على الحسن بن الحباب صاحب البزي، والحسن بن الصواف شيخ الإقراء صاحب الدوري.

وفيها أبو القاسم، إسماعيل بن يعقوب البغدادي التاجر بن الجراب، وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن موسى بن سهل الوشاء وطبقته، وسكن مصر.

وفيها أبو أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي الدخمسيني، محدث مرو. رحل وسمع أبا قلابة الرشي وطبقته، وكان فصيحا أديبا أخباريا نديما، وقيسل بل توفي سنة ثمان وأربعين.

وفيها أبو علي بن أبي هريرة، شيخ الشافعية، واسمه حسن بن حسين البغدادي، صاحب التصانيف، وصاحب ابن سريج، وهو صاحب وجه في المذهب.

وفيها عثمان بن محمد بن أحمد، أبو عمرو السمرقندي وله خمس وتسعون سنة. روى بمصر عن أحمد بن شبيب بن الرملي، وأبي أمية الطرسوسي وطائفة.

وفيها علي بن إبراهيم بن سلمة، الحافظ العلامة الجامع، أبو الحسن القزويني القطان، الذي روى عن ابن ماجة سننه. رحل إلى العراق واليمن، وروى عن أبي حاتم الرازي وطبقته. وعاش إحدى وثمانين سنة قال الخليلي فضائله أكثر من أن تعد سرد الصوم، وكان يفطر ثلاثين سنة على الخبز والملح، وكان جماعة من شيوخ قزوين، يقولون: لم ير أبو الحسن مثل نفسه، في الفضل والزهد.

وفيها أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البغدادي البزار، وله اثنتان وثمانون سنة. وكان يحفظ ويذاكر روى عن أبي قلابة الرقاشي وعدة.

وفيها أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب، وصاحبه وهو محمد بن عبد الواحد البغدادي اللغوي، قيل إنه أملى ثلاثين ألف ورقة في اللغة من حفظه، وكان ثقة، آية في الحفظ والذكاء، وقد روى عن موسى الوشاء، وأحمد بن عبيد الله النرسي وطائفة.

وفيها الوزير الماذرائي، أبو بكر محمد بن علي البغدادي الكاتب، وزر لخمارويه صاحب مصر، وعاش نحو التسعين، واحترقت سماعاته، وسلم له جزءان، سمعهما من العطاردي، وكان من صلحاء الكبراء، وأما معروفه، فإليه المنتهى، حتى قيل إنه أعتق في عمره مائة ألف رقبة. وأنفق في حجة حجها، مائة ألف دينار، وبغ ارتفاع مغله بمصر، من أملاكه في العام، أربعمائة ألف دينار، قاله المسبحي.

وفيها مكرم بن أحمد، القاضي أبو بكر البغدادي البزار. سمع محمد ابن عيسى المدايني، والدير عاقولي وجماعة، وثقة الخطيب.

وفيها المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب في جمادى الآخرة. وهو علي بن الحسين بن علي.

سنة ست وأربعين وثلاثمائة

فيها قل المطر جدا، ونقص البحر نحوا من ثمانين ذراعا، وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد، وكان بالري فيما نقل ابن الجوزي في منتظمه زلازل عظيمة وخسف ببلد الطالقان في ذي الحجة، ولم يفلت من أهلها، إلا نحو من ثلاثين رجلا، وخسف بخمسين ومائة قرية من قرى الري. قال: وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف يوم، ثم خسف بها. قلت: إنما نقلت هذا ونحوه للفرجة لا للتصديق والحجة، فان مثل هذا الحادث الجليل لا يكفي فيه خبر الواحد الصادق، فكيف وإسناد ذلك معدوم منقطع.

وفيها توفي أحمد بن مهران، أبو الحسن السيرافي المحدث بمصر، في شعبان. روى عن الربيع بن سليمان المرادي والقاضي بكار وطائفة.

وفيها أحمد بن جعفر بن أحمد بن معبد، أبو جعفر الأصبهاني المسار، شيخ أبي نعيم، في رمضان. روى عن أحمد بن عصام وجماعة.

وفيها أحمد بن محمد بن عبدوس أبو الحسن العنزي الطرائفي، في رمضان بنيسابور. روى عن عثمان بن سعيد الدارمي وجماعة.

وفيها إبراهيم بن عثمان، أبو القاسم بن الوزان القيرواني، شيخ المغرب في النحو واللغة، يوم عاشوراء، حفظ كتاب سيبويه، والمصنف الغريب وكتاب العين وإصلاح المنطق، وأشياء كثيرة.

وفيها محدث اسفرايين، أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن إسحاق الاسفراييني. رحل مع خاله الحافظ أبي عوانة، فسمع أبا مسلم الكجي وطبقته، توفي في شعبان.

وفيعا محدث الأندلس، أبو عثمان سعيد بن فحلون، في رجب، وله أربع وتسعون سنة. روى عن بقي بن مخلد ومحمد بن وضاح، ولقي في الرحلة أبا عبد الرحمن النسائي، وهو آخر من روى عن يوسف المغامي، حمل عنه الواضحة لابن حبيب.

وفيها محدث أصبهان، عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، الرجل الصالح أبو محمد، في شوال، وله ثمان وتسعون سنة. تفرد بالرواية عن طائفة، منهم: محمد بن عاصم الثقفي وسموية وأحمد بن يوسف الضبي.

وفيها أبو الحسين عبد الصمد بن علي الطستي الوكيل ببغداد، في شعبان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي بكر بن أبي الدنيا وأقرانه، وله جزء معروف.

وفيها الحافظ الكبير أبو يعلى، عبد المؤمن بن خلف النسفي، وله سبع وثمانون سنة. رحل وطوف ووصل إلى اليمن، ولقي أبا حاتم الرازي وطبقته، وكان مفتيا ظاهريا أثريا، أخذ عن أبي بكر بن داود الظاهري، وفيه زهد وتعبد.

وفيها أبو العباس المحبوبي، محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، محدث مرو وشيخها ورئيسها، في رمضان، وله سبع وتسعون سنة. روى جامع الترمذي عن مؤلفه، وروى عنسعيد بن مسعود، صاحب النضر بن شميل وأمثاله.

وفيها أبو بكر بن داسة البصري التمار، محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق، راوي السنن، عن أبي داود.

وفيها محدث ما وراء النهر، أبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة البغدادي، نزيل سمرقند، في ذي الحجة، انتقى عليه أبو علي النيسابوري أربعين جزءا. روى عن ابن أبي الدنيا، وأحمد بن عبد الله النرسي والكبار، وكان كثير الأسفار للتجارة، ثقة ثبتا رضى.

وفيها محدث خراسان، ومسند العصر، أبو العباس الأصم، محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم، النيسابوري المعقلي المؤذن الوراق بنيسابور، في ربيع الآخر، وله مائة سنة إلا سنة. حدث له الصمم بعد الرحلة، ثم استحكم به، وكان يحدث من لفظه، حدث في الإسلام نيفا وسبعين سنة. وأذن سبعين سنة بمسجده، وكان حسن الصوت حسن الأخلاق كريما، ينسخ بالأجرة، وعمر دهرا، ورحل إليه خلق كثير. قال الحاكم: ما رأيت الرحالة في بلد، أكثر منهم إليه، رأيت جماعة من الأندلس، ومن أهل فارس على بابه. قلت: سمع من جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، وابن وهب، وكانت رحلته مع والده، في سنة خمس وستين ومائتين، فغاب عن بلده خمس سنين، وسمع بأصبهان والعراق ومصر والشام والحجاز والجزيرة.

وفيها مسند الأندلس، أبو الحزم وهب بن مسرة التميمي الفقيه، وكان إماما في مذهب مالك، محققا له بصيرا بالحديث وعلله، مع زهد وورع. روى الكثير عن محمد بن وضاح وجماعة، ومات في شعبان، في عشر التسعين.

سنة سبع وأربعين وثلاثمائة

فيها فتكت الروم لعنهم الله، ببلاد الإسلام، وعظمت المصيبة وقتلوا خلائق، وأخذوا عدة حصون بنواحي آمد وميافارقين، ثم وصلوا إلى قنسرين، فالتقاهم سيف الدولة بن حمدان، فعجز عنهم، وقتلوا معظم رجاله وأسروا أهله، ونجا هو في عدد يسير.

وفيها سار معز الدولة واستولى على إقليم الجزيرة، وفر بين يديه صاحبها ناصر الدولة، فقدم على أخيه بحلب، ملتجئا إليه، وجرت أمور طويلة. ثم إن سيف الدولة، أرسل إلى معز الدولة يستعطفه، فعقد له على الموصل، وذلك لأن ناصر الدولة، نكث بمعز الدولة مرات، ومنعه الحمل والخراج.

وفيها توفي القاضي أبو الحسن بن حزلم، وهو أحمد بن سليمان بن أيوب الأسدي الدمشقي. روى عن بكار بن قتيبة بن بكار القاضي وطائفة. وناب في القضاء بلده، وهو آخر من كانت له حلقة بجامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي.

وفيها المحدث أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ببغداد، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. سمع أبا قلابة الرقاشي وطائفة.

وفيها أبو الحسن الشعراني، إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب النيسابوري، العابد الثقة. روى عن جد، ورحل وجمع وخرج لنفسه.

وفيها حمزة بن محمد بن العباس، أبو أحمد العقبي الدهقان ببغداد. روى عن العطاردي، ومحمد بن عيسى المدايني والكبار، وهو أكبر شيخ لعبد الله بن بشران.

وفيها أبو محمد بن عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي النحوي، ببغداد في صفر، وله تسع وثمانون سنة. روى عن يعقوب الفسوي تاريخه ومشيخته، وقدم بغداد في صباه، فسمع من عباس الدوري وطبقته، بعناية أبيه، ثم أقبل على العربية حتى برع فيها، وصنف التصانيف، ولم يضعفه أحد بحجة.

وفيها أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي الدمشقي الأديب المحدث. سمع بكار بن قتيبة وأبا زرعة وخلقا كثيرا، وبلغ خمسا وتسعين سنة.

وفيها الحافظ البارع أبو سعيد بن يونس، وهو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، صاحب تاريخ مصر، توفي في جمادى الآخرة، وله ست وستون سنة. وأقدم شيوخه أحمد بن حماد زغبة وأقرانه.

وفيها علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتي الكوكبي الكاتب، أبو الحسين، ببغداد، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار، وإبراهيم بن أبي العنبس القاضي.

وفيها محمد بن أحمد بن الحسن، أبو عبد الله الكسائي المقرئ بأصبهان. روى عن عبد الله بن محمد بن النعمان وطبقته.

وفيها أبو الحسن، محمد بن عبد الله بن جعفر بن الجنيد الرازي الحافظ، والد الحافظ تمام. سمع بخراسان والعراق والشام، وسكن دمشق، وصنف وجمع. وأقدم شيوخه، محمد بن أيوب بن الضريس.

وفيها أبو علي محمد بن القاسم بن معروف التميمي الدمشقي الأخباري، قال الكتاني: حدث عن أبي بكر أحمد بن علي المروزي بأكثر كتبه، واتهم في ذلك، وقيل إن أكثرها إجازة، وكان صاحب دنيا، يحب المحدثين ويكرمهم، عاش أربعا وستين سنة.

سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

فيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين، وظفروا بسرية فأسروها، وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرها وحران، فقتلوا وسبوا، وأخذو حصن الهارونية وخربوه، وكروا على ديار بكر.

وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرض الإسلام على الغزاة.

وفيها توفي النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن الفقه الحافظ، شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف والسنن. سمع أبا داود السجستاني وطبقته، وكانت له حلقتان، حلقة للفتوى، وحلقة للإمام، وكان رأسا في الفقه، رأسا في الحديث. قال أبو إسحاق الطبري: كان النجاد يصوم الدهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك اللقم، وتصدق بالرغيف توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة رحمه الله تعالى.

وفيها الخلدي، أبو محمد بن جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخلدي الخواص الزاهد، شيخ الصوفية ومحدثهم. سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما، وصحب الجنيد، وأبا الحسين النوري، وأبا العباس بن مسروق، وكان إليه المرجع في علم القوم، وتصانيفهم وحكاياتهم وحج ستا وخمسين حجة، وعاش خمسة وتسعين عاما، توفي في رمضان.

وفيها علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدث، أبو الحسن. حدث عن أبي عفان، وإبراهيم بن عبد الله القصار، وجماعة. وثقة الخطيب، ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.

وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، القارئ بالألحان، حدث عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وجماعة. وقيل إنه خلط قبل موته.

سنة تسع وأربعين وثلاثمائة

وفيها أوقع نجا، غلام سيف الدولة بالروم، فقتل وسبا وأسر، وفرح المسلمون.

وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين السنة والرافضة وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدولة، وعطلت الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين، فسكنت الفتنة.

وفيها حشد سيف الدولة، ودخل الروم، فأغار وقتل وسبي، فزحفت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم فكر في ثلاثمائة وذهبت خزانته، وقتل جماعة من أمرائه، والله المستعان.

وفيها كان إسلام الترك، قال ابن الجوزي: أسلم من الترك مائتا ألف خركاه.

وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي ببغداد، في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعباس الدوري، والكبار.

وفيها أبو الفوارس الصابوني، بن محمد بن حسين ابن السندي، الثقة المعمر،، مسند ديار مصر، في شوال، وله مائة وخمس سنين. روى عن يونس بن عبد الأعلى، والمزني والكبار. وآخر من روى عنه ابن نظيف.

وفيها العلامة أبو الوليد، حسان بن محمد القرشي الأموي النيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج، صنف التصانيف، وكان بصيرا بالحديث وعلله، خرج كتابا على صحيح مسلم، ورى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، وهو صاحب وجه في المذهب. وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، أزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم، توفي في ربيع الأول، عن اثنتين وسبعين سنة.

وفيها أبو علي النيسابوري الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري، أحد الأعلام، في جمادى الأولى، نيسابور وله اثنتان وسبعون سنة. قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف. سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته. وفي الرحلة، من النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما، وكان في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه.

وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد العدل، وكان إسحاق، ابن عم أبي القاسم البغوي. سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب وطبقتهما. قال الدارقطني: لين.

وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم شيخ القراء بالعراق، وهو عبد الواحد ابن عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد بن جعفر القتات وطائفة. ومات في شوال، عن سبعين سنة.

وفيها أبو أحمد العسال القاضي، واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر بن أبي عاصم وطبقتهما. ورحل وجمع وصنف، وكان من أئمة هذا الشأن. قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ. وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسال. قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة، أو أكثر.

وفيها ابن علم الصفار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، صاحب الجزء المشهور. قال الخطيب: جميع ما عنده جزء، ولم أسمع أحدا يقول فيه. إلا خيرا. قلت: سمع محمد بن إسحاق الصغاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال إنه جاوز المائة.

سنة خمسين وثلاثمائة

فيها بنى معز الدولة ببغداد، دار السلطنة، في غاية الحسن والكبر، غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف دينار وقد درست آثارها في حدود الستمائة، وبقي مكانها دحلة، يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في الأساسات نيفا وثلاثين ذراعا.

وفيها تمت أخلوقة قبيحة، وهي أن أبا العباس عبد الله بن أبي الشوارب ولي قضاء القضاة، وركب بالخلع الحرير المحترمة، من دار معز الدولة بالدبادب والبوقات، وفي خدمته الأمراء، وشرط على نفسه بمكتوب أن يحمل في العام مائتي ألف درهم، إلى خزانة الدولة، وتألم المطيع، وأبى أن لا يدخل عليه، وامتنع من تقليده، وضمن آخر الحسبة، وآخر الشرطة.

وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر. سمع أبا عيسى المروزي وأبا حاتم الرازي وطبقتهما. قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح، لكان أولى به، لكنه حدث عن جماعة، أشهد بالله، أنه لم يسمع منهم.

وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء الكوفة، وحدث عن محمد بن سعد العوفي وطائفة. وعاش تسعين سنة. توفي في المحرم. قال الدارقطني: ربما حدث من حفظه، بما ليس في كتابه، أهلكه العجب، وكان يختار لنفسه، ولا يقلد أحدا. وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله.

وفيها أبو سهل القطان، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي، المحدث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق. وفيه تشيع قليل، وكان يديم التهجد والتلاوة والتعبد، وكان كثير الدعابة. قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق، توفي في شعبان، وله إحدى وتسعون سنة.

وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة وكان يرتجل الخطب، ولا يتقدمه فيها أحد.

وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنف التصانيف، كالمحرر، والإفصاح، والعدة، وهو صاحب وجه.

وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور أبي جعفر، في صفر، وله سبع وثمانون سنة. وهو ذو قُعدد في النسب في طبقة الواثق. روى عن العطاردي وابن أبي الدنيا.

وفيها توفي خليفة الأندلس وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني.، وكانت دولته خمسين سنة. وقام بعده ولده المستنصر بالله، وكان كبير القدر كثير المحاسن، أنشأ مدينة الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال ما لا يحصى، ولما بلغه ضعف أحوال الخلافة بالعراق ورأى أنه أمكن منهم وأولى تلقب بذلك.

وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي، تزهد أولا وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه والحديث والتفسير، وتوصل، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد، ونوه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، فكان أول من ولي قضاء القضاة من الشافعية.

وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرومي، الإخشيذي، رفيق الأستاذ كافور، أجل أمراء الدولة، وكان كافور يخافه ويداريه، وقد مدحه المتنبي، فوصله فاتك بألف دينار.

وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدهقان الفقيه المحدث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي طالب، وابن أبي الدنيا والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.

سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

فيها نازل الدمستق لعنه الله مدينة عين زربة، في مائة ألف وستين ألفا، فأخذها بالأمان، ثم نكث في آخر القصة، وقتل خلق لا يحصون، وأحرقها ومات أهلها في الطرقات جوعا وعطشا، إلا من نجا بأسوأ حال، وهدم حولها نحوا من خمسين حصنا، أخذ بعضها بالأمان رجع، فجاء سيف الدولة، فنزل على عين زربة، وأخذ يتلافى الأمر، ويلم شعثها، واعتقد أن الطاغية لا يعود، فدهمه الملعون، ونازل حلب بجيوشه، فلم يفوته سيف الدولة، ونجا في نفر يسير، وكانت داره بظاهر حلب، فدخلها الدمستق، ونزل بها، واحتوى على ما فيها من الخزائن، وحاصر أهل حلب إلى أن انهدمت ثلمة من السور، فدخلت الروم منها، فدفعهم المسلمون وبنوها في الليل، ونزلت أعوان الوالي إلى بيوت العوام فنهبوها، فوقع الصائح في الأسوار: الحقوا منازلكم، فنزلت الناس حتى خلت الأسوار، فبادرت الروم وتسلقوا، وملكوا البلد، وبذلوا السيف حتى كلوا وملوا، واستباحوا حلب، ولم ينجح إلا من عد القلة.

وأما بغداد، فرفعت المنافقون رؤوسها، وقامت الدولة الرافضية، وكتبوا على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك ولعنة من أخرج العباس من الشورى ولعنة من نفى أبا ذر، فمحته أهل السنة في الليل، فأمر معز الدولة بإعادته: فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب: ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد ولعنة معاوية فقط.

وأسرت الروم من منبج الأمير أبا فراس بن سعيد بن حمدان الأمير وبقي في أسرهم سنوات.

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري بمصر. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وطائفة.

وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأبي يزيد القراطيسي وطائفة وعاش تسعين سنة.

وأحمد بن محمد، أبو الحسين النيسابوري، قاضي الحرمين، وشيخ الحنفية في عصره، ولي قضاء الحجاز مدة، ثم قدم نيسابور، وولي القضاء بها، تفقه على أبي الحسين الكرخي، وبرع في الفقه، وعاش سبعين سنة. وروى عن أبي خليفة الجمحي، وكان القاضي أبو بكر الأبهري، شيخ المالكية، يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من ابن أبي الحسين.

وفيها أبو إسحاق الهجيمي، إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة، وقد قارب المائة. روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي وطائفة.

وفيها المهلبي الوزير، في قول، وسيأتي في العام الآتي.

وفيها دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو محمد السجزي المعدل، وله نيف وتسعون سنة. رحل وطوف وأكثر، وسمع من هشام السيرافي، وعلي البغوي وطبقتهما. قال الحاكم: أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بمذهبه. وقال الدارقطني: لم أر في مشايخنا، أثبت من دعلج. وقال الحاكم: يقال لم يكن في الدنيا أيسر منه، اشترى بمكة دار العباسية، بثلاثين ألف دينار، وقيل كان الذهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصلات، توفي جمادى الآخرة.

وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادي بمصر، راوي السرة عن ابن البرقي في رمضان.

وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد، في شوال، وله ست وثمانون سنة. سمع الحارث بن أبي أسامة، إبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما. وصنف التصانيف. قال الدارقطني: كان يخطئ ويصر على الخطأ.

وفيها الحبيني أبو أحمد علي بن محمد المروزي. سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته. وكان صاحب حديث قال الحاكم: كان يكتب مثل السكر.

وفيها أبو بكر النقاش، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي المقرئ، صاحب التصانيف في التفسير والقراءات. روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة، وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزي، ورحل ما بين مصر، إلى ما وراء النهر، وعاش خمسا وثمانين سنة. ومع جلالته في العلم ونبله، فهو ضعيف متروك الحديث.

وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي، مسند الكوفة في زمانه، أو في العام الآتي. روى عن إبراهيم بن عبد الله القصار وأحمد بن أبي غرزة، وجماعة.

وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النيسابوري، ولي قضاء نيسابور، بضع عشرة سنة. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وأحمد بن سلمة وطبقتهما.

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة

فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة، أهل بغداد بالنوح والمآتم، على الحسين بن علي رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة، منشرات الشعور، مضخمات الوجوه، يلطمن، ويفتن الناس، وهذا أول ما نيح عليه. اللهم ثبت علينا عقولنا.

وفيها عزل عن قضاء العراق ابن أبي الشوارب، الذي ضمن القضاء، وولي عمر بن أكثر على أن لا يأخذ جامكية.

وفيها قتل ملك الروم، وولى الملك الدمستق، واسمه نقفور.

وفيها يوم ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرافضة عيد الغدير، غدير خم، ودقت الكوسات وصلوا بالصحراء صلاة العيد.

وفيها، أو في التي قبلها، الوزير المهلبي، أبو محمد الحسن بن محمد الأزدي، من ذرية المهلب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه، كان من رجال الدهر، حزما وعزما وسؤددا، وعقلا وشهامة ورأيا، توفي في شعبان، وقد نيف على الستين، وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا، صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل العباس بن الحسن الشرازي.

وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الحافظ، أحد أركان الحديث بالأندلس. سمع بعد سنة ثلاثمائة، من جماعة، وصنف التصانيف، وكان عجبا في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرة. وورد أن المستنصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد.

وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة. روى عن موسى بن سهل الوشاء وجماعة، وله جزء مشهور.

وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس البغدادي الرقا أبو الحسن روى عن زوج أمه، أبي بكر بن أبي الدنيا، وهو ضعيف جدا.

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

فيها نازل الدمستق المصيصة وحاصرها وغلت الأسعار بها، ثم ترحل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه، ثم جاء إلى طرسوس، وأهدى تقادم إلى سيف الدولة.

وفيها تحارب معز الدولة، وأمير الموصل، ناصر الدولة، وانهزم أولا ناصر الدولة، ثم انتصر، وأخذ حواصل معز الدولة وثقله، أسر عدة من الأتراك.

وفيها توفي الحافظ البارع، أبو سعيد أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري، شهيدا بطرسوس، وله خمس وستون سنة. روى عن الحسن بن سفيان وطبقته، وصنف التفسير الكبير، والصحيح على رسم مسلم، وغيره ذلك.

وفيها أبو إسحاق بن حمزة الحافظ، وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة ابن عمارة، بأصبهان، في رمضان، وهو في عشر الثمانين. قال أبو نعيم: لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله، جمع الشيوخ والمسند وقال أب عبد الله بن منده الحافظ لم أر أحفظ منه. وقال ابن عقدة: قل من رأيت مثله. قلت: روى عن مطين وأبي شعيب الحراني.

وفيها أبو عيسى بكار بن أحمد البغدادي، شيخ المقرئين في زمانه، قرأ على جماعة من أصحاب الدوري، وسمع من عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وتوفي في ربيع الأول، وقد قارب الثمانين.

وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدب. روى عن الكديمي وطبقته.

وفيها أبو علي بن السكن، الحافظ سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن المصري، صاحب التصانيف، وأحد الأئمة. سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر، من أبي القاسم البغوي وطبقته، توفي في المحرم، وله تسع وخمسون سنة.

وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الوراق الواعظ ببغداد، وقد قارب المائة. روى عن العطاردي، وأبي جعفر بن المنادي وطائفة، وكان أسند من بقي.

وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني الأصبهاني. سمع أسيد بن عاصم ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وجماعة.

وفيها أبو محمد الفاكهي، عبد الله بن محمد بن العباس المكي، صاحب أبي يحيى بن أبي مسرة، وكان أسند من بقي بمكة.

وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي، المحدث المقرئ. روى عن أبي زرعة الدمشقي، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وتسعين سنة.

وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ، أحد الرحالة. سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان. وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتاني: كان يتهم. قلت: عاش سبعا وثمانين سنة.

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

فيها بنى الدمستق نقفور مدينة الروم وسماها قيسارية وقيل قيصرية، وسكنا ليغير كل وقت، وجعل أباه بالقسطنطينية، فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له، ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة، وينفذ إليهم نائبا له عليهم فأجابهم، ثم علم ضعفهم، وشدة القحط عليهم، وأن أحدا لا ينجدهم، وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلاثمائة جنازة، فرجع عن الإجابة، وخاف إن تركهم حتى تستقيم أحوالهم، أن يمتنعوا عليه، فأحرق الكتاب على رأس الرسول، فأحترقت لحيته، وقال: إمض، ما عندي إلا السيف، ثم نازل المصيصة، فأخذها بالسيف واستباحها، ثم افتتح طرسوس بالأمان، وجعل جامعها اصطبلا لخيله، وحض البلد وشحنها بالرجال.

وفيها توفي أبو بكر بن الحداد، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي، بديار مصر. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل الدمياطي وطبقتهما.

وفيها المتنبي شاعر العصر، أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي، في رمضان، بين شيراز والعراق، وله إحدى وخمسون سنة. قتلته قطاع الطريق، وأخذوا المال الذي معه، وقد مدح عدة ملوك، وقيل إنه وصل إليه من ابن العميد، ثلاثون ألف دينار. ومن عضد الدولة صاحب شيراز مثلها، وليس في العالم أحد أشعر منه أبدا وأما مثله فقليل.

وفيها الحبر العلامة، أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ التميمي البستي الحافظ، صاحب التصانيف. سمع أبا خليفة الجمحي وطبقته، بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة، وكان من أوعية العلم، في الحديث والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك، حتى الطب والنجوم والكلام، ولي قضاء سمرقند، ثم قضاء نسا وغاب دهرا عن وطنه، ثم رد إلى بست. وتوفي في شوال بها، وهو في عشر الثمانين.

وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ، محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطار، وله تسع وثمانون سنة. قرأ على إدريس الحداد، وسمع من أبي مسلم الكجي وطائفة، وتصدر للإقراء دهرا، وكان علامة في نحو الكوفيين. سمع من ثعلب أماليه وصنف عدة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة، خالف فيها الإجماع. وقد وثقه الخطيب.

وفيها أبو بكر الشافعي، محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزاز المحدث، في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وهو صاحب الغيلانيات. وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء التي هي في السماء علوا. روى عن موسى بن سهل الوشاء ومحمد بن الجهم السمري، ومحمد بن شداد المسمعي وطبقتهم. قال الخطيب: ثقة، كان ثبتا حسن التصنيف، جمع أبوابا وشيوخا. قال: ولما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة وكتبوا السب على أبواب المساجد كان يتعمد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع. رحمه الله.

سنة خمس وخمسين وثلاثمائة

فيها أخذ ركب مصر والشام، وهلك الناس، وتمزقوا في البراري، فلا قوة إلا بالله، أخذتهم بنو سليم.

وفيها توفي الجعابي الحافظ أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سلم التميمي البغدادي. سمع يوسف بن يعقوب القاضي، ومحمد بن الحسن بن سماعة وطبقتهما، وصنف الكتب وتوفي في رجب، وله اثنتان وسبعون سنة. وكان عديم المثل في حفظه. قال القاضي أبو عمر الهاشمي: سمعت ابن الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث. قال الدارقطني: خلط: ثم ذكر أنه كان شيعيا، وقيل كان يترك الصلاة.، نسأل الله العفو.

وفيها أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي، قاضي الجماعة بقرطبة. سمع من عبيد الله بن يحيى الليثي، وكان ظاهري المذهب، فطنا مناظرا، ذكيا بليغا، مفوها شاعرا كثير التصانيف، قوالا بالحق، ناصحا للخلق، عزيز المثل، رحمه الله، عاش اثنتين وثمانين سنة.

وفيها محمد بن معمر بن ناصح، أبو مسلم الذهلي الأديب، بأصبهان. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وأبي شعيب الحراني وطائفة.

سنة ست وخمسين وثلاثمائة

فيها أقامت الرافضة المأتم على الحسين، على العادة المارة، في هذه السنوات.

وفيها مات السلطان معز الدولة، أحمد بن بويه الديلمي، وكان في صباه يحتطب، وأبوه يصيد السمك، فما زال إلى أن ملك بغداد، نيفا وعشرين سنة. ومات بالإسهال، عن ثلاث وخمسين سنة. وكان من ملوك الجور والرفض، ولكنه كان حازما سائسا مهيبا وقيل إنه رجع في مرضه على الرفض، وندم على الظلم، وقيل إن سابور ذا الأكتاف أحد ملوك الفرس من أجداده، وكان أقطع، طارت يده في بعض الحروب، وتملك بعده ابنه عز الدولة بختيار.

وفيها توفي أبو محمد المعقلي، أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة. قال الحاكم: كان إمام أهل خراسان بلا مدافعة. سمع أحمد بن نجدة، وإبراهيم بن أبي طالب، ومطينا وطبقتهم، وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدون عن رأيه.

والقالي أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي اللغوي النحوي الأخباري، صاحب التصانيف، ونزيل الأندلس بقرطبة، في ربيع الآخر، وله ست وسبعون سنة. أخذ الآداب عن ابن دريد، وابن الأنباري، وسمع من أبي يعلى الموصلي، والبغوي وطبقتهما، وألف كتاب البارع في اللغة في خمسة آلاف ورقة، ولكن لم يتمه.

والرفاء، أبو علي حامد بن محمد الهروي الواعظ المحدث بهراة، في رمضان. روى عن عثمان الدارمي، والكديمي وطبقتهما. وكان ثقة، صاحب حديث.

والرافقي، أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر بن السري. روى عن هلال بن العلاء وجماعة. وتوفي بمصر. قال يحيى بن علي الطحان: تكلموا فيه.

وعبد الخالق بن أبي الحسن بن علي أبو محمد السقطي المعدل، ببغداد. روى عن محمد بن غالب تمتام، وجماعة.

وسنقة، أبو عمرو عثمان بن محمد البغدادي بن السقطي. سمع الكديمي، وإسماعيل القاضي، ومات في آخر السنة، وله سبع وثمانون سنة.

وصاحب الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الأموي الأصبهاني، الكاتب الأخباري. روى عن مطين فمن بعده، وكان أديبا نسابة علامة شاعرا، كثير التصانيف، ومن العجائب أنه مرواني يتشيع، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وسبعين سنة.

وفيها سيف الدولة، على بن عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي الجزري، صاحب الشام، بحلب، في صفر، وله بضع وخمسون سنة. وكان بطلا شجاعات كثير الجهاد، جيد الرأي، عارفا بالأدب والشعر جوادا ممدحا، مات بالفالج، وقيل بعسر البول، وكان قد جمع من الغبار الذي أصابه في الغزوات، ما جاء منه لبنة بقدر الكف، وأوصى أن يوضع خده إذا دفن عليهما، وتملك حلب بعده، ابنه سعد الدولة خمسا وعشرين سنة.

وفيها في جمادى الأولى، وقيل في العام الآتي، كافور أبو المسك الحبشي الأسود، الخادم الإخشيدي، صاحب الديار المصرية، اشتراه الإخشيد وتقدم عنده حتى صار من أكبر قواده لعقله ورأيه وشجاعته، ثم صار أتابك ولده من بعده، وكان صبيا، فبقي الاسم لأبي القاسم أنوجور، والدست لكافور، فأحسن سياسته، إلى أن مات أنوجور، ومعناه بالعربي محمود، في سنة تسع وأربعين، عن ثلاثين سنة. وأقام كافور في الملك بعده أخاه عليا، إلى أن مات في أول سنة خمس وخمسين، وله إحدى وثلاثون سنة. فتسلطن كافور واستوزر أبا الفضل جعفر بن حنزابة، وعاش بضعا وستين سنة.

وفيها أبو الفتح عمر بن جعفر بن محمد بن سليم الختلي، الرجل الصالح، ببغداد، وله خمس وثمانون سنة. روى عن الكديمي وطبقته.

سنة سبع وخمسين وثلاثمائة

لم يحج الركب لفساد الوقت، وموت السلاطين في الشهور الماضية.

وفيها توفي أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي ثم المصري المحدث أبو العباس، في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة. سمع مقدام ابن داود الرعيني وطبقته.

وأحمد بن محمد بن رميح، أبو سعيد النخعي النسوي الحافظ، صاحب التصانيف، طوف الكثير، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته، والصحيح أنه ثقة، سكن اليمن مدة.

وفيها المتقي لله أبو إسحاق بن إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع، وقد ذكرنا في سنة ثلاث وثلاثين، أنهم خلعوه، وسلموا عينيه، وبقي في السجن إلى هذا العام كالميت، ومات في شعبا ن، وله ستون سنة. وكانت خلافته أربع سنين، وكان أبيض مليحا مشرب حمرة، أشهل أشقر، كث اللحية، وكان فيه صلاح وكثر صلاة وصيام، ولم يكن يشرب، في خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية، التي كانت فخر بني العباس.

وحمزة بن محمد بن علي بن العباس، أبو القاسم الكناني المصري الحافظ، أحد أئمة هذا الشأن. روى عن النسائي وطبقته، وأكثر التطواف بعد الثلاثمائة، وجمع وصنف، وكان صالحا دينا، بصيرا بالحديث وعلله، مقدما فيه، وهو صاحب مجلس البطاقة، توفي في ذي الحجة، ولم يكن للمصريين في زمانه أحفظ منه.

وفيها القاضي أبو العباس، عبد الله بن الحسين بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن النضر البصري المروزي، محدث مرو، في شعبان، وله سبع وتسعون سنة. رحل به أبوه، وسمع من الحارث بن أبي أسامة، وأبي إسماعيل الترمذي وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بخراسان.

وعبد الرحمن بن العباس، أبو القاسم البغدادي، والد أبي طاهر المخلص. سمع الكديمي وإبراهيم الحربي، وجماعة. وثقة ابن أبي الفوارس. وكان أطروشا.

وفيها الحافظ عمر بن جعفر البصري، المحدث أبو حفص، خرج لخلق كثير، ولم يكن بالمتقن، وقد روى عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما، وعاش سبعا وسبعين سنة.

وأبو إسحاق القراريطي الوزير، وهو محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسكافي الكاتب، وزر لمحمد بن رائق، ثم وزر للمتقي لله مرتين، وصودر، وصار إلى الشام، وكتب لسيف الدولة، وكان ظلوما غشوما، عاش ستا وسبعين سنة.

وابن مخرم، وهو الرئيس أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي الجوهري، الفقيه المحتسب، تلميذ محمد بن جرير الطبري. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطبقته، وعاش ثلاثا وتسعين سنة. وقال البرقاني: لا بأس به. توفي في ربيع الآخر.

وفيها أبو سليمان الحراني، محمد بن الحسين، ببغداد، في رمضان. روى عن أبي خليفة، وعبدان، وأبي يعلى، وكان ثقة صاحب حديث ومعرفة.

وأبو علي بن آدم الفزاري، محمد بن محمد بن عبد الحميد القاضي العدل، بدمشق في جمادى الآخرة. روى عن أحمد بن علي القاضي المروزي وطبقته.

سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة

فيها كان خروج الروم من الثغور، فأغاروا وقتلوا وسبوا ووصلوا إلى حمص، وعظم المصاب، وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي، فأخذوا ديار مصر وأقاموا الدعوة لبني عبيد الرافضة، مع أن دولة معز الدولة بالعراق هذه المدة، رافضية. والشعار الجاهلي، يقام يوم عاشوراء يوم الغدير.

وتوفي فيها ناصر الدولة، الحسين بن أبي الهيجاء، عبد الله ابن حمدان التغلبي، صاحب الموصل، وكان أخوه سيف الدولة يتأدب معه، لسنه ومنزلته عند الحلفاء، وكان هو كثير المحبة لسيف الدولة، فلما توفي، حزن عليه ناصر الدولة، وتغيرت أحواله، وتسودن وضعف عقله، فبادر ولده أبو تغلب الغضفي، ومنعه من التصرف وقام بالمملكة، فلم يزل معتقلا، حتى توفي في ربيع الأول، عن نحو ستين سنة.

وفيها الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان، أبو محمد الحربي، أخو علي، وهو ثقة. روى عن إسماعيل القاضي والكبار، ومات في شوال.

وفيها أبو القاسم زيد بن علي أبي بلال العجلي الكوفي، شيخ الإقراء ببغداد، قرأ على أحمد بن فرج، وابن مجاهد، وجماعة، وحدث عن مطين وطائفة، توفي في جمادى الأولى.

ومحدث دمشق، محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، أبو عبد الله القرشي الدمشقي. روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وزكريا، خياط السنة وطبقتهما. وكان ثقة مأمونا جوادا مفضلا، خرج له ابن مندة الحافظ، ثلاثين جزءا، وأملى مدة.

وفيها محدث الأندلس، محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، أبو بكر الأموي المرواني القرطبي، المعروف بابن الأحمر. روى عن عبيد الله بن يحيى وخلق، وفي الرحلة عن النسائي والفريابي، وأبي خليفة الجمحي، ودخل الهند للتجارة، فغرق له ما قيمته، ثلاثون ألف دينار، ورجع فقيرا، وكان ثقة. توفي في رجب.، وكان عنه السنن الكبير للنسائي.

سنة تسع وخمسين وثلاثمائة

في أولها، أخذ نقفور أنطاكية، بنوع أمان، فأسر الشباب وأطلق الشيوخ والعجائز، وكان قد طغى وتجبر، وقهر البلاد، وتمرد على الله، وتزوج بزوجة الملك الذي قبله كرها، وهم بإخصاء ولديها، لئلا يملكها، فعملت عليه الامرأة، وراسلت الدمستق، فجاء إليها في زي النساء، هو وطائفة، فباتوا عندها ليلة الميلاد، فبيتوا نقفور، وأجلسوا في المملكة ولدها الأكبر.

وفيها توفي أبو عبد الله، أحمد بن بندار إسحاق الشعار الفقيه، مسند أصبهان. روى عن إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم وطائفة، وكان ثقة ظاهري المذهب.

وأحمد بن السندي، أبو بكر البغدادي الحداد. روى عن الحسن بن علويه وغيره. قال أبو نعيم: كان يعد من الأبدال.

وأحمد بن يوسف بن خلاد، أبو بكر النصيبي العطار، ببغداد، في صفر وكان عريا من العلم، وسماعه صحيح. روى عن الحارث بن أبي أسامة وتمتام وطائفة.

وحبيب بن الحسن القزاز، أبو القاسم الرجل الصالح، وثقة جماعة، ولينة بعضهم. روى عن أبي مسلم الكجي وجماعة.

وأبو علي بن الصواف، محمد بن أحمد بن الحسن البغدادي، المحدث الحجة. روى عن محمد بن إسماعيل الترمزي، وإسحاق الحربي وطبقتهما. قال الدارقطني: ما رأت عيناي مثله، ومثل آخر بمصر. قلت: قد مات في شعبان، وله تسع وثمانون سنة.

وأبو الحسن محمد بن علي بن حبيش البغدادي الناقد. روى عن أبي شعيب الحراني، ومطين.

سنة ستين وثلاثمائة

فيها لحق المطيع لله فالج، بطل نصفه وثقل لسانه.

وأقامت الشيعة عاشوراء باللطم والعويل، وعيد الغدير بالفرح والكوسات.

وفيها جعفر بن فلاح، الذي ولي إمرة دمشق للباطنية، وهو أول نائب وليها لبني عبيد، وكان قد سار إلى الشام،، فأخذ الرملة، ثم دمشق، بعد أن حاصر أهلها أياما، ثم قدم لحربه، الحسن بن أحمد القرمطي، الذي تغلب قبله على دمشق، وكان جعفر مريضا على نهر يزيد، فأسره القرمطي وقتله.

وفيها زيري بن مناد الحميري الصنهاجي، جد المعز بن باديس وصاحب تاهرت، وهو الذي بنى مدينة أشير وحصنها، قتل في مصاف بينه وبين أهل الأندلس في رمضان.

وفيها الطبراني، الحافظ العلم ومسند العصر، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، في ذي القعدة، بأصبهان، وله مائة سنة وعشرة أشهر. وكان ثقة صدوقا، واسع الحفظ، بصيرا بالعلل والرجال والأبواب، كثير التصانيف.، وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ومائتين بطبرية، ورحل أولا إلى القدس، سنة أربع وسبعين.، ثم رحل إلى قيسارية سنة خمس وسبعين. سمع من أصحاب محمد بن يوسف الفريابي، ثم رحل إلى مصر وجبلة ومدائن الشام.، وحج ودخل اليمن، ورد إلى مصر، ثم رحل إلى العراق وأصبهان وفارس. روى عن أبي زرعة الدمشقي وإسحاق الدبري وطبقتهما.

وفيها الطوماري، أبو علي عيسى بن محمد البغدادي، في صفر، وله ثمان وتسعون سنة. وليس بالقوي، يروي عن الحارث بن أبي أسامة، وابن أبي الدنيا، والكديمي وطبقتهم.

وفيها أبو بكر بن جعفر بن الهيثم الأنباري البندار. روى عن أحمد بن الخليل البرجلاني ومحمد بن أحمد بن أبي العوام، وتفرد بالرواية عن جماعة، وتوفي يوم عاشوراء، وله ثلاث وتسعون سنة. وأصوله حسنة، بخط أبيه.

وفيها أبو عمرو بن مطر النيسابوري الزاهد الحافظ، شيخ السنة، محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المعدل. روى عن أبي عمرو أحمد بن المبارك المستملي ومحمد بن أيوب الرازي وطبقتهما. وكان متعففا قانعا باليسير، يحيي الليل، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويجتهد في متابعة السنة. توفي في جمادى الآخرة، وله خمس وتسعون سنة.

ومحمد بن جعفر بن محمد بن كنانة، أبو بكر البغدادي المؤدب. روى عن الكديمي، وأبي مسلم الكجي. قال ابن أبي الفوارس: فيه تساهل، قلت: توفي عن أربع وتسعين سنة.

ومن غرائب الاتفاقات، موت هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة وهم في عشر المائة، وأسماؤهم وآباؤهم وأجدادهم شيء واحد.

وابن العميد، الوزير العلامة أبو الفضل محمد بن الحسين ابن محمد الكاتب، وزير ركن الدولة، الحسن بن بويه، صاحب الري، كان آية في الترسل والإنشاء، فيلسوفا، متهما برأي الحكماء، حتى كان ينظر بالجاحظ، وكان يقال: بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد، وكان الصاحب إسماعيل بن عباد، تلميذه وخصيصه وصاحبه، ولذلك قالوا الصاحب، ثم صار لقبا.

وفيها الآجري، الإمام أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي المحدث، صاحب التصانيف. سمع أبا مسلم الكجي وأبا شعيب الحراني وطائفة.، وجاور بمكة، وبها توفي في المحرم. كان ثقة دينا صاحب سنة.

وفيها أبو طاهر بن ذكوان البعلبكي المؤدب، محمد بن سليمان، نزيل صيدا ومحدثها، قرأ القرآن على هارون الأخفش، وسمع أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وزكريا بن يحيى خياط السنة وطبقتهما. وعاش بضعا وتسعين سنة. روى عن السكن بن جميع وصالح بن أحمد الميانجي، وقرأ عليه عبد الباقي بن الحسين شيخ أبي الفتح بن فارس.

وأبو القاسم بن أبي يعلي الهاشمي الشريف، لما أخذت العبيديون دمشق، قام الشريف بدمشق، وقام معه أهل الغوطة والشباب، واستفحل أمره في ذي الحجة، سنة تسع وخمسين، وطرد عن دمشق متوليها، ولبس السواد، وأعاد الخطبة لبني العباس، فلم يلبث إلا أياما، حتى جاء عسكر المغاربة، وحاربوا أهل دمشق، وقتل بين الفريقين جماعة، ثم هرب الشريف في الليل، وصالح أهل البلد العسكر، ثم أسر الشريف عند تدمر، فشهره جعفر بن فلاح على جمل، في المحرم، سنة ستين، وبعث به إلى مصر فضل.

وقد توفي في عشر الستين وثلاثمائة خلق منهم:

أحمد بن القاسم بن كثير بن الريان، أبو الحسن المصري الملكي، نزيل البصرة. روى عن الكديمي، وإسحاق الدبري وطبقتهما. قال ابن ماكولا: فيه ضعف، وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن علي البصري: سمعت منه وليس بالمرضي.

وأحمد بن طاهر بن النجم، الحافظ أبو عبد الله الميانجي، محدث أذربيجان. قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه. وقال الخليل: توفي بعد الخمسين. سمع أبا مسلم الكجي، وعبد الله بن أحمد.

وأبو الحسن بن سالم الزاهد، أحمد بن محمد بن سالم البصري، شيخ السالمية، وكان له أحوال ومجاهدات وعنه أخذ الأستاذ أبو طالب صاحب القوت، وهو آخر أصحاب سهل التستري وفاة، وقد خالف أصول السنة في مواضع، وبالغ في الإثبات في مواضع، وعمر دهرا، وبقي إلى سنة بضع وخمسين.

وأبو حامد أحمد بن محمد بن شارك الفقيه الشافعي، مفتي هراة ومحدثها، ومفسرها وأديبها، رحل الكثير وعني بالحديث، وروى عن محمد بن عبد الرحمن السامي، والحسن بن سفيان وطبقتهما. توفي سنة خمس وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين.

وإبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي العزايم، أبو إسحاق الكوفي، صاحب أبي عمرو أحمد بن أبي غرزة الغفاري.

وأبو علي النجاد الصغير، وهو الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي، تلميذ أبي محمد البربهاري، صنف في الأصول والفروع.

وفيها أبو محمد الرامهرمزي، الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الحافظ القاضي، صاحب المحدث الفاضل. روى عن مطين ومحمد بن حيان المازني وطبقتهما. قال أبو القاسم عبد الرحمن بن منده: عاش إلى قريب الستين وثلاثمائة.

والجابري، عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي، صاحب الجزء المشهور به، وشيخ أبي نعيم الحافظ. روى عن محمد بن أحمد بن أبي المثنى وغيره.

وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أحمد بن علك المروزي الجوهري المحدث، محدث مرو ومسندها. روى عن الفضل الشعراني، ومحمد بن أيوب بن الضريس.

وكشاجم، أحد فحول الشعراء، واسمه محمود بن حسين.

وأبو حفص العتكي الأنطاكي، عمر بن علي. روى عن ابن جوصا والحسن بن أحمد بن قيل وطبقتهما.

وأبو العباس محمد بن أحمد بن حمدان الزاهد، أخو أبي عمرو بن حمدان، نزل خوارزم وحدث بها، عن محمد بن أيوب بن الضريس ومحمد ابن عمرو قشمرد وطبقتهما. أكثر عنه البرقاني.

ومحمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب الأصبهاني القماط. روى عن أبي بكر بن أبي عاصم، وغيره.

وفيها أبو جعفر الروذراوري، محمد بن عبد الله بن برزة، حدث بهمذان، سنة سبع وخمسين، عن تمتام وإسماعيل القاضي وإبراهيم بن ديزيل. قال صالح بن أحمد الحافظ: هو شيخ حضرته، ولم أحمد أمره. والحمد لله.

والنقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني، آخر من روى في الدنيا عن إسحاق الدبري، وبقي إلى سنة سبع وستين وثلاثمائة، ورحل المحدثون إليه.

والنجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم الكجي ومحمد بن حبان المازني وعدة.

سنة إحدى وستين وثلاثمائة

فيها أخذ ركب العراق، اعترضته بنو سليم وبنو هلال، وقتلوا خلقا، وبطل الحج، إلا طائفة نجت ومضت مع أمير الركب الشريف أبي أحمد الموسوي والد الشريف المرتضي.

وفيها مات الأسيوطي، أبو علي الحسن بن الخضر، في ربيع الأول. روى عن النسائي والمنجنيقي.

وفيها الخيام، خلف بن محمد بن إسماعيل، أبو صالح البخاري، محدث ما وراء النهر. روى عن صالح جزرة وطبقته. ولم يرحل. لينه أبو سعيد الإدريسي.، وعاش ستا وثمانين سنة.

وفيها الدراج، أبو عمر وعثمان بن عمر بن خفيف البغدادي المقرئ. روى عن ابن المجدر وطائفة. قال البرقاني: كان بدلا من الأبدال.

وفيها محمد بن الحارث بن أسد المحاسبي القيرواني، أبو عبد الله الحافظ، نزيل قرطبة، صنف كتاب الاختلاف والافتراق في مذهب مالك، وكتاب الفتيا، وكتاب تاريخ الأندلس، وكتاب تاريخ إفريقية، وكتاب النسب.

سنة اثنتين وستين وثلاثمائة

فيها أخذت الروم نصيبين واستباحوها، وتوصل من نجا إلى بغداد، وقام معهم المطوعة، واستنفروا الناس، ومنعوا من الخطبة، وحاولوا الهجوم على المطيع، وصاحوا عليه بأنه عاجز مضيع لأمر المسلمين، فسار العسكر من جهة الملك م، عز الدولة بختيار، فالتقوا الروم، فنصروا عليهم، وأسروا جماعة من البطارقة، ففرح المسلمون.

وفي رمضان، قتل ببغداد رجل من أعوان الوالي، فبعث الوزير الشرازي -قبحه الله- من طرح النار، من النحاسين إلى السماكين فاحترق ببغداد حريق لم يسمع بمثله، واحترق فيه جماعة كثيرة في البيوت، فأحصي ذلك، فكان ثلاثمائة وسبعة عشر دكانا، وثلاثمائة وعشرين دارا، وثلاثة وثلاثين مسجدا فاستغاث رجل: أيها الوزير: أريتنا قدرتك، ونرجو من الله أن يرينا قدرته فيك. ثم إن الملك عز الدولة، قبض عليه وسلمه إلى الشريف أبي الحسن. فبعث به إلى الكوفة، وسقي ذراريح، فهلك في آخر السنة.

وفي رمضان قدم المعز أبو تميم العبيدي مصر، ومعه توابيت آبائه، ونزل بالقصر بداخل القاهرة المعزية، التي بناها مولاه جوهر، لما افتتح الإقليم، وقويت شوكة الرفض شرقا وغربا، وخفيت السنن وأظهرت البدع، نسأل الله العافية.

وفيها توفي عالم البصرة، أبو حامد المروروذي، أحمد بن عامر الشافعي، صاحب التصانيف، وصاحب أبي إسحاق المروزي، وكان إماما لا يشق غباره، تفقه به أهل البصرة.

وأحمد بن محمد بن عمارة، أبو الحارث الليثي الدمشقي. روى عن زكريا، خياط السنة وطائفة. وعمر دهرا.

وأبو إسحاق المزكي، إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري. قال الحاكم: هو شيخ نيسابور في عصره، وكان من العباد المجتهدين الحجاجين، المنفقين على العلماء والفقراء. سمع ابن خزيمة، وأبا العباس السراج، وخلقا كثيرا. وأملى عدة سنين، وكان يحضر مجلسه، أبو العباس الأصم فمن دونه. قلت: كان مثريا متمولا، عاش سبعا وستين سنة. توفي بعد خروجه من بغداد، ونقل إلى نيسابور، فدفن بها.

وفيها إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكاييل، الأمير أبو العباس، الأديب الممدوح بمقصورة ابن دريد، وتلميذ ابن دريد، وكان أبوه إذاك متولي الأهواز للمقتدر، فسمعه من عبدان الجواليقي.

وفيها أبو بحر البربهاري، محمد بن الحسن بن كوثر، في جمادى الأولى، وله ست وتسعون سنة. وهو ضعيف. روى عن الكديمي، ومحمد بن الفرج الأزرق وطبقتهما. قال الدارقطني: اقتصروا من حديثه على ما انتخبته فحسب.

وفيها أبو جعفر البلخي الهندواني، الذي كان من براعته في الفقه، يقال له: أبو حنيفة الصغير، توفي ببخارى، وكان شيخ تلك الديار في زمانه، واسمه محمد بن عبد الله بن محمد، وقد روى الحديث عن محمد بن عويل البلخي وغيره.

وفيها ابن فضالة المحدث أبو عمر، محمد بن موسى بن فضالة الأموي مولاهم الدمشقي، في ربيع الآخر. روى عن الحسن بن الفرج الغزي، وابن قصي العذري. قال عبد العزيز الغزي، وابن قصي العذري. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.

وابن هانئ، حامل لواء الشعر بالأندلس، وهو أبو الحسن وأبو القاسم، محمد بن هانئ الأزدي الأندلسي الإشبيلي. وكان منغمسا في اللذات والمحرمات، متهما بدين الفلاسفة. ولقد هموا بقتله، فهرب إلى القيروان، ومدح المعز واتصل به، وقد تفضي به المبالغة في المدح إلى الكفر. وشرب ليلة عند ناس، فأصبح مخنوقا، وهو في عشر الخمسين. وله ديوان كبير.

سنة ثلاث وستين وثلاثمائة

فيها ظهر ما كان المطيع يستره من الفالج، وثقل لسانه، فدعه الحاجب سبكتكين وهو صاحب السلطان عز الدولة إلى خلع نفسه، وتسليم الخلافة لولده الطائع لله، ففعل ذلك في ذي القعدة، وأثبت خلعه على قاضي القضاة، أبي الحسن بن أم شيبان.

وفيها أقيمت الدعوة بالحرمين للمعز العبيدي، وقطعت خطبة بني العباس، ولم يحج ركب العراق، لأنهم وصلوا إلى سميراء، فرأوا هلال ذي الحجة، وعلموا أن لا ماء في الطريق، فعدلوا إلى مدينة النبي ﷺ، وعرفوا بها، ثم قدموا الكوفة، في أول المحرم.

وفيها مات ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابي الحراني، الطبيب المؤرخ، صاحب التصانيف.

وجمح بن القاسم، أبو العباس المؤذن بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الرواس وطائفة.

وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلال، وشيخ الحنابلة، وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون وأبي خليفة الجمحي وجماعة وتوفي في شوال، وله ثمان وسبعون سنة. وكان صاحب زهد وعبادة وقنوع رحمه الله.

وفيها أبو بكر النابلسي، محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد، سلخه صاحب مصر، المعز لدين الله وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم، لرميت الروم سهما، ورميت بني عبيد تسعة، فبلغت القائد جوهر، فلما قرره، اعترف وأغلظ لهم، فقتلوه. وكان عابدا صالحا زاهدا، قوالا بالحق.

وفيها أبو الحسن الأبري، محمد بن الحسين السجستاني، مؤلف كتاب مناقب الشافعي. وآبر من عمل سجستان. روى عن ابن خزيمة وطبقته ورحل إلى الشام وخراسان والجزيرة.

وفيها محدث الشام الحافظ أبو العباس، محمد بن موسى بن الحسين ابن السمسار الدمشقي. روى عن محمد بن خريم، وابن جوصاء وطبقتهما. قال الكتاني: كان حافظا نبيلا، كتب القناطير، وحدث باليسير. قلت: ارتحل إلى مصر وإلى بغداد.

والمظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني، أبو القاسم. توفي بدمشق في هذا العام أو بعده، رحل به أبوه، وسمع من جعفر الفريابي والنسائي وطبقته.

والنعمان بن محمد بن منصور القيرواني، القاضي أبو حنيفة الشيعي ظاهرا الزنديق باطنا، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنف كتاب ابتداء الدعوة وكتابا في فقه الشيعة، وكتبا كثيرة تدل على انسلاخه من الدين، يبدل فيها معاني القرآن ويحرفها، مات بمصر في رجب، وولي بعده ابنه.

سنة أربع وستين وثلاثمائة

فيها أو بعدها، ظهرت العيارون واللصوص ببغداد، واستفحل شرهم، حتى ركبوا الخيل، وتلقبوا بالقواد، وأخذوا الضريبة من الأسواق. والدروب، وعم البلاء.

وفيها قطعت خطبة الطائع له ببغداد خمسين يوما، فلم تخطب لأحد، لأجل شغب وقع بينه وبين عضد الدولة، عند قدومه العراق، فإن عضد الدولة، قدم من شيراز، فأعجبه مملكة العراق، فاستمال الأمراء، فشغبوا على ابن عمه عز الدولة، فخاف وأغلق بابه، ثم كتب العضد على لسان الطائع لله، باستقرار السلطنة لعضد الدولة، وخلع على الوزير محمد بن بقية، ثم اضطربت الأمور عليه، وكتب أبوه ركن الدولة إليه يزجره، ويقول: أنت خرجت في نصرة ابن أخي، أو في أخذ مملكته منه؟ فرجع إلى إقليم فارس، وتزوج الطائع بابنة عز الدولة وكان القحط ببغداد شديدا، والتمر ثلاثة أرطال بدرهم.

وفيها توفي أبو بكر بن السني، الحافظ أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الدينوري، صاحب كتاب عمل يوم وليلة. رحل وكتب الكثير، وروى عن النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما. وكان يكتب، فوضع القلم، ورفع يديه يدعو الله فمات في آخر يوم من السنة.

وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء النيسابوري الوراق الأبزاري، في رجب، وله ست وتسعون سنة. طوف الكثير، وعني بالحديث، وروى عن مسدد بن قطن، والحسن بن سفيان، وإنما رحل على كبر.

وفيها سبكتكين حاجب معز الدولة، كان الطائع قد خلع عليه خلعة الملوك، وطوقه وسوره، ولقبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، وسقط من الفرس، فانكسرت رجله، وتوفي في المحرم، وخلف ألف دينار، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين جواهر، وثلاثة ألاف فرس، إلى نحو ذلك من الحواصل.

وفيها أبو هاشم، عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل السلمي الدمشقي المؤدب، قرأ القرآن على أبي عبيدة ولد ابن ذكوان، وروى عن محمد بن المعفى الصيداوي، وأبي شيبة داود بن إبراهيم وطبقتهما. ورحل وتعب وجمع، وكان ثقة.

وفيها علي بن أحمد بن علي المصيصي. روى عن أحمد بن خليد الحلبي، وغيره.

وفيها المطيع لله، أبو القاسم الفضل بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، ولد في أول سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع بالخلافة في سنة أربع وثلاثين بعد المستكفي بالله. قال ابن شاهين: وخلع نفسه غير مكره، فيما صح عندي، في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، ونزل عن الأمر لولده الطائع لله عبد الكريم، توفي في المحرم، وله أربع وستون سنة.

وفيها محمد بن بدر الأمير أبو بكر الحمامي الطولون، أمير بعض بلاد فارس. قال أبو نعيم: ثقة وقال ابن الفرات: كان له مذهب في الرفض. قلت: روى عن بكر بن سهل الدمياطي والنسائي.

وفيها أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن إبراهيم بن عبدة التميمي السليطي النيسابوري روى عن محمد بن إبراهيم البوشجني، وإبراهيم بن علي الذهلي وجماعة. وعاش اثنتين وتسعين سنة خمس وستين وثلاثمائة.

سنة خمس وستين وثلاثمائة

فيها طلب السلطان ركن الدولة، الحسن بن بويه، ولده عضد الدولة، فسار إليه، وقسم الملك على أولاده، فأعطي لمؤيد الدولة الري وأصبهان، ولفخر الدولة، همذان والدينور، وأقر عضد الدولة على فارس وكرمان وأرجان.

وفيها توفي أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم، أبو بكر الختلي، المحدث المقرئ المفسر، وله سبع وثمانون سنة. وكان ثقة ثبتا صالحا. روى عن أبي مسلم الكجي وطبقته.

والذارع أبو بكر أحمد بن نصر البغدادي، أحد الضعفاء والمتروكين. روى عن الحارث بن أبي أسامة وطائفة، حدث في هذه السنة، ومات فيها أو بعدها.

وإسماعيل بن نجيد، الإمام أبو عمرو السلمي النيسابوري، شيخ الصوفية بخراسان، في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. أنفق أمواله على الزهاد والعلماء، وصحب الجنيد، وأبا عثمان الحيري، وسمع محمد بن إبراهيم البوشنجي، وأبا مسلم الكجي وطبقتهما. وكان صاحب أحوال ومناقب. قال أبو عبد الرحمن السلمي سبطه: سمعت جدي يقول: كل حال لا يكون عن نتيجة علم وإن جل فإن ضرره على صاحبه، أكبر من نفعه.

وأبو علي الماسرجسي الحافظ، أحد أركان الحديث بنيسابور، الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين، توفي في رجب، وله ثمان وستون سنة. وروى عن جده، وابن خزيمة وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر والشام. قال الحاكم: هو سفينة عصره في كثرة الكتابة، صنف المسند الكبير، مهذبا معللا في ألف وثلاثمائة جزء، وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد، وكان يحفظه مثل الماء، وصنف كتابا على البخاري، وآخر على مسلم، ودفن علم كثير بموته.

وفيها عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو محمد الأصبهاني، والد أبي نعيم الحافظ، وله أربع وثمانون سنة. رحل وعني بالحديث، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته. وكانت رحلته في سنة ثلاثمائة.

وفيها ابن عدي، الحافظ الكبير، أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد ويعرف بابن القطان الجرجاني، مصنف الكامل في الجرح، وله ثمان وثمانون سنة. كتب الكثير سنة تسعين ومائتين، ورحل في سنة سبع وتسعين، وسمع أبا خليفة، وعبد الرحمن بن الرواس، وبهلول بن إسحاق وطبقتهم. قال ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه. وقال حمزة السهمي: كان حافظا متقنا، لم يكن في زمانه مثله، توفي في جمادى الآخرة.

وفيها أبو أحمد بن الناصح، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع ابن المفسرالدمشقي الفقيه الشافعي، في رجب بمصر. روى عن عبد الرحمن بن الرواس، وأبي بكر بن علي المروزي وطائفة.

وفيها القاضي ابن سليم، وهو أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر بن السليم الأندلسي، مولى بني أمية، كان رأسا في الفقه، رأسا في الزهد والعبادة. سمع أحمد بن خالد، وأبا سعيد بن الأعرابي، لقيه بمكة، توفي في رمضان سنة سبع وستين.

وفيها الشاشي القفال الكبير، أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الشافعي، صاحب المصنفات، رحل إلى العراق والشام وخراسان. قال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر بالأصول، وأكثرهم رحلة في الحديث. سمع ابن جرير الطبري وابن خزيمة وطبقتهما: قلت: هو صاحب وجه في المذهب. قال الحليمي: كان شيخنا القفال، أعلم من لقيته من علماء عصره.

وفيها المعز لدين الله، أبو تميم سعد بن المنصور إسماعيل بن القائم ابن المهدي العبيدي، صاحب المغرب، الذي ملك الديار المصرية، ولي الأمر بعد أبيه، سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، ولما افتتح له مولاه جوهر سجلماسة وفاس، وسبتة، وإلى البحر المحيط، جهزه بالجيوش والأموال، فأخذ الديار المصرية، وبنى مدينة القاهرة المعزية، وكان مظهرا للتشيع، معظما لحرمات الإسلام، حليما كريما، وقورا حازما سريا، يرجع إلى عدل وإنصاف في الجملة، توفي في ربيع الآخر، وله ست وأربعون سنة.

سنة ست وستين وثلاثمائة

فيها كان الحرب بين عضد الدولة، وابن عمه الدولة بختيار، أسر فيها غلام لعز الدولة، فكاد يموت من جزعه لفراقه، وامتنع من الأكل، وأخذ في البكاء، وبقي ضحكة بين الناس، وبعث يتذلل بكل ممكن لعضد الدولة، وبعث له جاريتين بمائة ألف، فرده عليه.

وفيها حجت جميلة بنت الملك ناصر الدولة ابن حمدان، وصار حجها يضرب به المثل، فإنها أغنت المجاورين، وقيل كان معها أربعمائة كجاوية، لا يدرى في أيها هي، لكونهن كلهن في الحسن والرتبة نسبة، ونثرت على الكعبة لما دخلتها، عشرة آلاف دينار.

وفيها مات ملك القرامطة، الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي القرمطي، الذي استولى على أكثر الشام، وهزم جيش المعز، وقتل قائدهم جعفر بن فلاح، وذهب إلى مصر وحاصرها شهورا، قبل مجيء المعز، وكان يظهر طاعة الطايع لله، وله شعر وفضيلة، ولد بالحساء، ومات بالرملة.

وركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه، أخو معز الدولة أحمد، وعماد الدولة علي، الديلمي العجمي، صاحب أصبهان والري، وعراق العجم، وكان ملكا جليلا عاقلا، بقي في الملك خمسا وأربعين سنة. وزر له ابن العميد، ومات بالقولنج في المحرم، وقد نيف على الثمانين.

والمستنصر بالله، أبو مروان الحكم، صاحب الأندلس، وابن صاحبها الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد الأموي المرواني ولي ست عشرة سنة. وعاش ثلاثا وستين سنة. وكان حسن السيرة، محبا للعلم، مشغوفا بجمع الكتب والنظر فيها، بحيث إنه جمع منها ما لم يجمعه أحد قبله ولا جمعه أحد بعده، حتى ضاقت خزائنه عنها، وسمع من قاسم بن أصبغ وطائفة. وكان بصيرا بالأدب والشعر، وأيام الناس، وأنساب العرب، متسع الدائرة، كثير المحفوظ، ثقة فيما ينقله، توفي في صفر بالفالج.

وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد النيسابوري المعدل سمع من مسدد بن قطن، وابن شيرويه، وفي الرحلة من الهيثم بن خلف، وهذه الطبقة. حدث بمسند إسحاق بن راهويه، وعاش ثلاثا وثمانين سنة.

وأبو الحسن محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل النيسابوري السراج المقرئ، الرجل الصالح. رحل وكتب عن مطين، وأبي شعيب الحراني وطبقتهما. قال الحاكم: قل من رأيت أكثر اجتهادا وعبادة منه، وكان يقرئ القر آن، توفي يوم عاشوراء.

وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله زكريا بن حيويه النيسابوري، ثم المصري القاضي. سمع بكر بن سهل الدمياطي، والنسائي وطائفة. توفي في رجب، وهو في عشر التسعين أو جاوزها.

سنة سبع وستين وثلاثمائة

لما مات ركن الدولة، قصد ولده عضد الدولة العراق، ووازر القرامطة، وهرب منه عز الدولة بختيار صاحب بغداد، وتفرقت عنه الديلم، وخرج الطائع لله يتلقى عضد الدولة، وعملت القباب، ودخل الباب، ثم خرج لحرب عز الدولة فالتقوا، فظفر بعز الدولة أسيرا، ثم قتله.

وفيها هلك صاحب هجر، أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي.

وفيها توفي أبو القاسم النصراباذي، إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه النيسابوري الزاهد الواعظ، شيخ الصوفية، والمحدثين. سمع ابن خزيمة بخراسان، وابن صاعد ببغداد، وابن جوصاء بالشام، وأحمد العسال بمصر، وكان يرجع إلى فنون من الفقه والحديث والتاريخ وسلوك الصوفية، ثم حج وجاور سنتين، ومات بمكة، في ذي الحجة.

وفيها توفي عز الدولة الملك أبو منصور بختيار الملك معز الدولة، أحمد بن بويه الديلمي، وكان شديد القوى، قيل إنه كان يمسك بقرني الثور فيصرعه، التقى هو وابن عمه عضد الدولة في شوال، فقتل في المعركة، وحمل رأسه إلى بين يدي عضد الدولة، فبكى ورق له، وعاش ستا وثلاثين سنة.

والغضنفر عدة الدولة، أبو تغلب بن الملك ناصر الدولة بن حمدان، ولي الموصل بعد أبيه مدة، ثم قصده عضد الدولة، فعجز وهرب إلى الشام، واستولى عضد الدولة على مملكته، ومر الغضنفر بظاهر دمشق، وقد غلب عليها قسام العيار، ثم كتب إلى العزيز العبيدي، أن يوليه نيابة الشام، ثم نزل إلى الرملة في سنة سبع، فالتقاه مفرج الطائي، فأسره وقتل كهلا.

والذهلي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي، ولي قضاء واسط، ثم قضاء بغداد، ثم قضاء دمشق، ثم قضاء الديار المصرية، فاستناب على دمشق، وحدث عن بشر بن موسى، وأبي مسلم الكجي وطبقتهما. وكان مالكي المذهب، فصيحا مفوها، شاعرا أخباريا، حاضر الجواب، غزير الحفظ، توفي وقد قارب التسعين.

وابن السلم، قاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن منذر الأندلسي، وله خمس وستون سنة كان رأسا في الزهد والعبادة وسمع أحمد بن خالد وأبا سعيد بن الأعرابي منه بمكة توفي في رمضان، وقد ذكر سهوا سنة خمس.

وابن قريعة، القاضي البغدادي، أبو بكر محمد بن عبد الرحمن، أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره، وكان ظريفا مزاحا، صاحب نوادر وسرعة جواب، وكان نديما للوزير المهلبي، ولي قضاء بعض الأعمال، وقد نيف على الستين.

وابن القوطية، أبو بكر محمد بن عمر القرطبي النحوي، كان رأسا في اللغة والنحو، حافظا للأخبار وأيام الناس، فقيها محدثا متقنا، كثير التصانيف، صاحب عبادة ونسك، كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه. توفي في ربيع الأول، وقد روى عن سعيد بن جابر، وظاهر بن عبد العزيز وطبقتهما.

وابن بقية، الوزير نصر الدولة أبو الطاهر، محمد بن محمد بن بقية بن علي، أحد الرؤساء والأجواد، تنقلت به الأحوال، ووزر لعز الدولة بختيار، وقد كان أبوه فلاحا بأوانا، ثم عزل وسمل، ولما تملك عضد الدولة، قتله وصلبه في شوال، ورثاه محمد بن عمر الأنباري بكلمته السايرة البديعة: "علو في الحياة وفي الممات". وعاش سبعا وخمسين سنة.

ويحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي القرطبي، أبو عيسى الفقيه المالكي، راوي الموطأ عاليا.

سنة ثمان وستين وثلاثمائة

تمن عضد الدولة، وضربت له ثلاثة أوقات في النهار، وهذه رتبة لم تعمل لمعز الدولة، ولا لابنه.

وفيها توفي القطيعي، أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي، مسند العراق، وكان يسكن بقطيعة الدقيق. روى عن عبد الله بن الإمام أحمد، المسند، وسمع من الكديمي، وإبراهيم الحربي، والكبار. توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وكان شيخا صالحا.

والسيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، صاحب العربية، كان أبوه مجوسيا فأسلم، وسمي عبد الله، تصدر أبو سعيد لإقراء القراءات والنحو واللغة والعروض والفقه والحساب، وكان رأسا في النحو، بصيرا بمذهب أبي حنيفة، قرأ القرآن على ابن مجاهد، وأخذ اللغة عن ابن دريد، والنحو عن ابن السراج، وكان ورعا يأكل من النسخ، وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم، لبراعة خطه، ذكر عنه الاعتزال، ولم يظهر منه، ومات في رجب، عن أربع وثمانين سنة.

وفيها أبو القاسم الآبندوني، عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الحافظ، سكن بغداد، وحدث عن أبي خليفة، والحسن بن سفيان وطبقتهما. قال الحاكم: كان أحد أركان الحديث. وقال البرقاني. كان محدثا زاهدا متقللا من الدنيا، لم يكن يحدث غزو أحد، لسوء أدب الطلبة، وحديثهم وقت السماع، عاش خمسا وتسعين سنة.

والرخجي، القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي الفقيه، أحد تلامذة ابن جرير. روى عن محمد بن جعفر القتات وطبقته، ومات في ذي الحجة عن سن عالية.

والجلودي الزاهد، أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه النيسابوري، راوية صحيح مسلم، عن أبي سفيان الفقيه. سمع من جماعة، ولم يرحل. قال الحاكم: هو من كبار عباد الصوفية، وكان ينسخ بالأجرة، ويعرف مذهب سفيان وينتحله، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وثمانين سنة. قرأ على ابن مجاهد.

والحجاجي، أبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري، الحافظ الثقة المقرئ العبد الصالح الصدوق. في ذي الحجة عن ثلاث وثمانين سنة قرأ على ابن مجاهد، وسمع م عمر بن أبي غيلان، وابن خزيمة، وهذه الطبقة، بمصر والشام والعراق وخراسان، وصنف العلل والشيوخ والأبواب. قال الحاكم: صحبته نيفا وعشرين سنة. فما أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة، وسمعت أبا علي الحافظ يقول: ما في أصحابنا، أفهم ولا أثبت منه، وأنا ألقبه بعفان لثبته رحمه الله تعالى.

وهفتكين التركي الشرابي، خرج عن بغداد، خوفا من عضد الدولة، ونزل الشام، فتملك دمشق بإعانة أهلها، في سن أربع وستين، ورد الدعوة العباسية، ثم سار إلى صيدا، وحارب المصريين، فقدم لحربه القائد جوهر، وحاصره بدمشق، سبعة أشهر، ثم ترحل عنه، فساق وراء جوهر، فالتقوا بعسقلان، فهزم جوهرا، وتحصن جوهر بعسقلان، فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهرا، ثم أمنه، فنزل وذهب إلى مصر، فصادف العزيز صاحب مصر، قد جاء في نجدته، فرد معه، فكانوا سبعين ألفا، فالتقاهم هفتكين، فأخذوه أسيرا، في أول سنة ثمان هذه، ثم من عليه العزيز، وأعطاه إمرة، فخاف منه ابن كلس الوزير وقتله، وسقاه سما، وكان يضرب بشجاعته المثل.

سنة تسع وستين وثلاثمائة

فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام، إلى عضد الدولة، ثم ورد رسول آخر، فأجابه بما مضمونه، صدق الطوية وحسن النية.

وفيها توفي أحمد بن عطاء الروذباري، أبو عبد الله الزاهد، شيخ الصوفية نزيل صور. روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته. قال القشيري: كان شيخ الشام في وقته، وضعفه بعضهم، فإنه روى عن إسماعيل الصفار، مناكير تفرد بها.

وابن شاقلا، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزار، شيخ الحنابلة، وتلميذ أبي بكر عبد العزيز، توفي كهلا في رجب، وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور.

والجعل، واسمه ال حسين بن علي البصري الحنفي العلامة، صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة. وكان رأس المعتزلة، قاله أبو إسحاق في طبقات الفقهاء.

وابن ماسي المحدث، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن ماسي البزار ببغداد، في رجب، وله خمس وتسعون سنة. قال البرقاني وغيره: ثقة ثبت. روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة.

وأبو الشيخ، الحافظ أبو محمد، عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني، صاحب التصانيف، في سلخ المحرم، وله خمس وتسعون سنة. وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين، من إبراهيم بن سعدان؛ وابن أبي عاصم؛ وطبقتهما. ورحل في حدود الثلاثمائة، وروى عن أبي خليفة وأمثاله، بالموصل وحران والحجاز والعراق. قال أبو بكر بن مردويه: ثقة مأمون، صنف التفسير، والكتب الكثيرة في الأحكام، وغير ذلك. وقال الخطيب: كان حافظا ثبتا متقنا. وقال غيره: كان صالحا عابدا قانتا لله تعالى، ثقة كبير القدر.

والصعلوكي، الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الحنفي النيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان. قال فيه الحاكم: أبو سهل الصعلوكي، الشافعي اللغوي المفسر النحوي المتكلم المفتي الصوفي، حبر زمانه، وبقية أقرانه، ولد سنة تسعين ومائتين، واختلف إلى ابن خزيمة، ثم إلى أبي علي الثقفي، وناظر، وبرع وسمع من أبي العباس السراج وطبقته. وقال الصاحب ابن عباد: ما رأى أبو سهل مثل نفسه، ولا رأينا مثله. قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، ومن غرائبه وجوه وجوب النية لإزالة النجاسة، وأن من نوى غسل الجنابة والجمعة معا لا يجزئه لواحد منهما، توفي في ذي القعدة.

وابن أم شيبان، قاضي القضاة، أبو الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي الكوفي. روى عن عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة. وقدم بغداد مع أبيه، فقرأ على ابن مجاهد، وتزوج بابنة قاضي القضاة، أبي عمر محمد بن يوسف قال طلحة الشاهد: وهو رجل عظيم القدر، واسع العلم، كثير الطلب، حسن التصنيف، متوسط في مذهب مالك، متفنن. قال ابن أبي الفوارس: نهاية في الصدق، نبيل فاضل، ما رأينا في معناه مثله توفي فجأة في جمادى الأولى، وله بضع وسبعون سنة.

والنقاش المحدث، لا المقرئ، أبو بكر محمد بن علي بن الحسن المصري الحافظ، نزيل تنيس، وله سبع وثمانون سنة. روى عن شيخ النسائي محمد بن جعفر الإمام، ورحل، فسمع من النسائي، وأبي يعلي، وعبدان وخلائق. رحل إليه الدراقطني وغيره.

وأبو عمرو، محمد بن محمد بن صابر البخاري، المؤذن، صاحب صالح جزرة، الحافظ ومسند أهل بخارى.

والباقرحي، صاحب المشيخة، أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق ببغداد، في ذي الحجة. روى عن يوسف بن يعقوب القاضي وطبقته. ولم يكن يعرف شيئا من الحديث، فأدخلوا عليه وأفسدوه.

سنة سبعين وثلاثمائة

فيها رجع عضد الدولة من همذان، فلما وصل بغداد، بعث إلى الطائع لله ليتلقاه فما وسعه التخلف، ولم تجر عادة بذلك أبدا، وأمر قبل دخوله، أن من تكلم أو دعا له قتل، فما نطق مخلوق، فأعجبه ذلك. وكان عظيم الهيبة، شديد العقوبة على الذنب الصغير.

وفيها توفي أبو بكر الرازي، أحمد بن علي الفقيه، شيخ الحنفية ببغداد، وصاحب أبي الحسن الكرخي في ذي الحجة، وله خمس وستون سنة. انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان مشهورا بالزهد والدين، عرض عليه قضاء القضاة، فامتنع. وله عدة تصانيف. روى فيها عن الأصم وغيره.

واليشكري، أحمد بن منصور الدينوري الأخباري، مؤدب الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر. روى عن ابن دريد وطائفة، وله أجزاء منسوبة إليه، رواها الأمير حسن.

وبشر بن أحمد بن بشر، أبو سهل الإسفراييني الدهقان، المحدث الجوال. روى ع إبراهيم بن علي الذهلي، وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده، ورحل إلى بغداد والموصل، وأملى زمانا، وتوفي في شوال، عن نيف وتسعين سنة.

والسبيعي، الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي. روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته. ومات في آخر السنة، وكان شرس الأخلاق، وقيل توفي في العام الآتي.

والحسن بن رشيق العسكري، أبو محمد المصري الحافظ، في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال يحيى بن الطحان: روى عن النسائي، وأحمد بن حماد زغبة، وخلق لا أستطيع ذكرهم، ما رأيت عالما أكثر حديثا منه.

وابن خالويه، الأستاذ أبو عبيد الله الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، وشيخ أهل حلب، أخذ عن ابن مجاهد، وأبي بكر بن الأنباري، وأبي عمر الزاهد.

والقباب، وهو الذي يعمل المحابر، أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد ابن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ، وله بضع وتسعون سنة. قرأ على ابن شنبوذ. وروى عن محمد بن إبراهيم الجيراني وعبد الله بن محمد بن النعمان والكبار. وصار شيخ ناحيته، توفي في ذي القعدة.

والأزهري، العلامة أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي، صاحب تهذيب اللغة وغيره من المصنفات الكبار، الجليلة المقدار، بهراة، في ربيع الآخر، وله ثمان وثمانون سنة. روى عن البغوي ونفطويه، وأبي بكر بن السراج، وترك الأخذ عن ابن دريد تورعا لأنه رآه سكران، وقد بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة.

وغندر، الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر البغدادي الوراق، رحال جوال، توفي بأطراف خراسان غريبا. سمع بالشام والعراق ومصر والجزيرة. وروى عن الحسن بن شبيب المعمري، ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما. قال الحاكم: دخل إلى أرض الترك، وكتب من الحديث، ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة.

وممن توفي بعد الستين وثلاثمائة:

الرفا الشاعر، أبو الحسن السري بن أحمد الكندي الموصلي، صاحب الديوان المشهور، مدح سيف الدولة، والوزير المهلبي والكبار.

وفاروق بن عبد الكبير، أبو حفص الخطابي البصري، محدث البصرة ومسندها. روى عن الكجي، وهشام بن علي السيرافي، ومحمد بن يحيى القزاز، وكان حيا في سنة إحدى وستين.

وابن مجاهد، المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ابن مجاهد الطائي، صاحب الأشعري، وذو التصانيف الكثيرة في الأصول، قدم من البصرة، فسكن بغداد، وعنه أخذ القاضي أبو بكر ابن الباقلاني، وكان دينا صينا خيرا.

والنقوي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني، أخر من روى في الدنيا عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، رحل المحدثون إليه، في سنة سبع وستين وثلثمائة.

والنجيرمي، أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري، حدث في سنة خمس وستين، عن أبي مسلم والكجي، ومحمد بن حيان المازني.

سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي الإسماعيلي، الإمام الحبر الجامع، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، الحافظ الفقيه الشافعي، ذو التصانيف الكبار، في الحديث وفي الفقه، بجرجان، في غرة رجب، وله أربع وتسعون سنة. أول سماعه في سنة تسع وثمانين، ورحل في سنة أربع وتسعين ومائتين، إلى الحسن بن سفيان، ثم خرج إلى العراق، سنة ست وتسعين، وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي، إبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما. وكان ثقة حجة كثير العلم.

والمطوعي، أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المقرئ، نزيل إصطخر، أسند من في الدنيا في القراءات، قرأ القراءات على أصحاب الدوري، وخلف، وابن ذكوان والبزي، وحدث عن أبي خليفة، والحسن بن المثنى، ضعفه ابن مردويه. وقال أبو نعيم، ليس به بأس في روايته. قلت: عاش مائة سنة وسنتين، قال الخزاعي: كان أبو سعيد، واعظا محدثا.

والزيدي، عبد الله بن إبراهيم بن جعفر، أبو الحسين البغدادي البزار، في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن الحسن بن علوية القطان، والفريابي وطائفة.

وابن التبان، شيخ المالكية بالمغرب، أبو محمد عبد الله بن إسحاق القيرواني. قال القاضي عياض: ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار، وكان عابدا، بعيدا من التصنع والرياء، فصيحا.

وأبو زيد المروزي الإمام، الشافعي، محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد، حدث بالعراق ودمشق ومكة. وروى الصحيح عن الفربري، ومات بمرو، في رجب، وله سبعون سنة. قال الحاكم: كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظرا، وأزهدهم في الدنيا. قال أبو إسحاق الشيرازي: هو صاحب أبي إسحاق المروزي، أخذ عنه أبو بكر القفال المروزي، وفقهاء مرو.

ومحمد بن خفيف الزاهد، أبو عبد الله الشيرازي، شيخ إقليم فارس، وصاحب الأحوال والمقامات. روى عن حماد بن مدرك وجماعة. قال السلمي: هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه سنا، ولا أتم حالا، متمسك بالكتاب والسنة، فقيه على مذهب الشافعي، كان من أولاد الأمراء فتزهد، توفي في ثالث رمضان، عن خمس وتسعين سنة. وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين.

سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة

فيها أدير المارستان العضدي، الذي أنشأه السلطان عضد الدولة ببغداد، وأنفق عليه أموالا لا تحصى.

وفي شوال، مات عضد الدولة فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن ابن بويه، ولي سلطنة بلاد فارس، بعد عمه عماد الدولة علي، ثم حارب ابن عمه عز الدولة، واستولى على العراق أيضا وعلى الجزيرة، ودانت له الأمم، وهو من خوطب شاهنشاه في الإسلام، وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم، وله صنف أبو علي الإيضاح والتكملة. وقصده الشعراء من البلاد، كالمتنبي، وأبي الحسن السلامي، ومات بعلة الصرع، في شوال ببغداد، وله ثمان وأربعون سنة. دفنوه بمشهد علي رضي الله عنه، وكان شيعيا غاليا، وهو الذي أظهر قبر علي بزعمه، وبنى عليه المشهد، وكان شهما مطاعا سجاعا حازما ذكيا، متيقظا مهيبا، سفاكا للدماء، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، وليس في بني بويه مثله، وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام، فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف، وعشرون ألف ألف درهم، وجدد مكوسا ومظالم، ولما نزل به الموت، كان يقول: ما أعنى عني ماليه هلك عني سلطانيه.

والنصروي، أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة مسند هراة. روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد الرحمن السامي وطائفة، وثقة الخطيب، ومات في شعبان.

والغزي، أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف، الذي يروي الموطأ عن الحسن بن الفرج الغزي، صاحب يحيى بن بكير، ورخه أبو القاسم بن منده.

وابن بخيت العدل، أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق ببغداد، في ذي القعدة. روى عن خلف العكبري، والفريابي.

وابن خميرويه العدل، أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه بن سيار الهروي، محدث هراة. روى عن علي الحيكاني، وأحمد بن نجدة وجماعة.

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة

في المحرم، أظهرت وفاة عضد الدولة، وكانت أخفيت، حتى أحضروا ولده صمصام الدولة فجلس للعزاء، ولطموا عليه أياما في الأسواق، وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزاه، ثم ولاه الملك، وعقد له لواءين، ولقبه شمس الدولة، وبعد أيام، جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان، وولي مملكته، أخوه فخر الدولة، الذي وزر له إسماعيل بن عباد.

وفيها كان القحط العظيم ببغداد، وبلغ حساب الغرارة أربعمائة.

وفيها توفي أبو بكر الشذائي، أحمد بن نصر البصري المقرئ، أحد القراء الكبار، تلا على عمر بن محمد الكاغدي، وابن شنبوذ، وجماعة وتصدر وأقرأ.

وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل، المعروف بالقصار، نزيل نيسابور. روى عن عبد الله بن شيرويه والسراج، وغيره. وكان ممن جاوز المائة.

وبلكين بن زيري بن مناد، الأمير أبو الفتوح الصنهاجي، نائب المعز العبيدي على المغرب، وكان حسن السيرة، جيد السياسة، بقي على القيروان، اثنتي عشرة سنة. وكانت له أربعمائة سرية، يقال إنه ولد له في فرد يوم، بضعة عشر ولدا ذكرا.

وأبو علي، الحسين بن محمد بن حبش الدينوري المقرئ، صاحب موسى ابن جرير الرقي.

وأبو عثمان المغربي، سعيد بن سالم الصوفي العارف، نزيل نيسابور. قال السلمي: لم ير مثله في علو الحال، وصون الوقت.

وأبو محمد بن السقا، الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي. روى عن أبي خليفة، وعبدان وطبقتهما. وما حدث إلا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان من كبراء أهل واسط، وأولي الحشمة، رحل به أبوه.

وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي، أخو محمد، وكانا توأمين. روى عن يوسف القاضي، وعاش نيفا وتسعين سنة. فاحتيج إليه، وكان جاهلا. قال البرقاني: أعطيته الكتاب ليحدثنا من لفظة، فلم يدر ما يقول. فقلت له: سبحان الله، حدثكم يوسف القاضي. فقال: سبحان الله، حدثكم يوسف القاضي. قال الجوهري: سمعت منه في سنة ثلاث. قلت: لم يؤرخه الخطيب ولا غيره.

والفضل بن جعفر، أبو القاسم التميمي، المؤذن الرجل الصالح بدمشق، وهو راوي نسخة أبي مسهر، عن عبد الرحمن بن القاسم الرواس، وكان ثقة.

ومحمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة، أبو بكر الكرخي النحوي بهمذان، أحد المتروكين، ذكر أنه بلغ مائة سنة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن عاصم، وإبراهيم بن ديزيل، وإسحاق بن إبراهيم الدبري.

ومحمد بن محمد بن يوسف بن مكي، أبو أحمد الجرجاني. روى عن البغوي وطبقته. وحدث بصحيح البخاري عن البغوي، وتنقل في النواحي. قال أبو نعيم: ضعفوه، سمعت منه الصحيح.

سنة أربع وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي إسحاق بن سعد بن الحافظ الحسن بن سفيان، أبو يعقوب النسوي. روى عن جده، وفي الرحلة عن محمد بن المجدر وطبقتهما.

وعبد الرحمن بن محمد بن حيكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور، في شعبان، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن أبي يعلى الموصلي، والبغداديين، وولي قضاء ترمذ.

وابن نباتة، خطيب الخطباء، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباته الفارقي، مصنف الخطب المشهورة، ولي خطابة حلب لسيف الدولة فيما قيل، ومات في الكهولة.

وعلي بن النعمان بن محمد، قاضي القضاة بالديار المصرية، ولي بعد أبيه، وكان شيعيا غاليا، وشاعرا مجودا.

وأبو الفتح الأزدي، الحافظ محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، نزيل بغداد، صنف في علوم الحديث، وفي الضعفاء، وحدث عن أبي يعلى، ومحمد بن جرير الطبري وطبقتهما. ضعفه البرقاني.

والربعي، أبو بكر محمد بن سليمان الدمشقي البندار. روى عن أحمد ابن عامر، ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.

سنة خمس وسبعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو زرعة، أحمد بن الحسين الرازي الصغير الحافظ، رحل وطوف، وجمع وصنف، وسمع من أبي حامد بن بلال، والقاضي المحاملي وطبقتهما. قال الخطيب: كان حافظا متقنا، جمع الأبواب والتراجم.

والبحيري، أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري. سمع ابن خزيمة ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما. واستملى عليه الحاكم.

وحسينك، الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد التميمي النيسابوري. روى عن ابن خزيمة، والسراج، وعمر بن أبي غيلان، وعبد الله بن زيدان، والكبار. وكان رئيسا محتشما حجة، توفي في ربيع الآخر. قال الحاكم: صحبته حضرا وسفرا، نحو ثلاثين سنة. فما رأيته ترك قيام الليل، وكان يقرأ كل ليلة سبعا، وأخرج مرة عن نفسه عشرة إلى الغزو.

والعسكري، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق. روى عن محمد بن يحيى المروزي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما.

وأبو مسلم بن مهران، الحافظ العابد العارف، عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن مهران البغدادي. روى عن البغوي، وأبي عروبة وطبقتهما. ورحل إلى خراسان والشام والجزيرة، ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار، نحوا من ثلاثين سنة. وصنف المسند، ثم نزهد وانقبض عن الناس، وجاور بمكة، وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدثين ولا لغيرهم. قال ابن أبي الفوارس: صنف أشياء كثيرة، وكان ثقة زاهدا، ما رأينا مثله.

والخرقي، أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي. روى عن أحمد ابن الحسن الصوفي، والهيثم بن خلف الدوري، وجماعة. وكان ثقة.

والداركي أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله الشافعي، نزيل نيسابور، ثم بغداد. انتهى إليه معرفة المذهب، قال أبو حامد الاسفراييني: ما رأيت أفقه منه. وقال ابن أبي الفوارس: كان يتهم بالاعتزال. قلت: وهو صاحب وجه في المذهب، تفقه على أبي إسحاق المروزي، وحدث عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركي ودارك من قرى أصبهان توفي في شوال وهو في عشر الثمانين.

وأبو حفص بن الزيات، عمر بن محمد بن علي البغدادي، قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة متقنا، جمع أبوابا وشيوخا. وقال البرقاني: ثقة مصدق. قلت: روى عن إبراهيم بن شريك والفريابي وطبقتهما. ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة.

والأبهري، القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميمي، شيخ المالكية العراقيين، وصاحب التصانيف، توفي في شوال، وهو في عشر السبعين، وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة، وروى عن الباغندي، وعبد الله ابن زيدان البجلي وطبقتهما، وسئل أن يلي قضاء القضاة، فامتنع.

والميانجي، القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي، المحدث، نزيل دمشق، ناب في القضاء مدة، عن قاضي قضاة بني عبيد، أبي الحسن علي بن النعمان، وحدث عن أبي خليفة الجمحي، وعبدان وطبقتهما. ورحل إلى الشام والجزيرة وخراسان والعراق، وتوفي في شعبان، وقد قارب التسعين.

سنة ست وسبعين وثلاثمائة

شرعت دولة بني بويه تضعف، فمال العسكر عن صمصام الدولة، إلى أخيه شرف الدولة، فذل الصمصام، وسافر إلي أخيه، راضيا بما يعامله به، فدخل وقبل الأرض مرات، فقال له شرف الدولة: كيف أنت، أوحشتنا. ثم اعتقله، فوقع بين الديلم وكانوا تسعة عشر ألفا وبين الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا، فاننهزمت الديلم، وقتل منهم نحو ثلاثة آلاف، وحفت الترك بشرف الدولة، وقدموا به بغداد، فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة ثم أمسك وأكحل، فلم تطل للشرف مدة.

وفيها توفي أبو إسحاق المستملي، إبراهيم بن أحمد البلخي الحافظ. سمع الكثير، وخرج لنفسه معجما، وحدث بصحيح البخاري مرات عن الفربري، وكان ثقة صاحب حديث.

وأبو سعيد السمسار، الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي الخرقي، حدث عن محمد بن يحيى المروزي، وأبي شعيب الحراني وطبقتهما. قال العتيقي: فيه تساهل.

وأبو الحسن الجراحي، علي بن الحسن البغدادي، القاضي المحدث. روى عن حامد بن شعيب والباغندي. قال البرقاني: اتهم في روايته عن حامد.

وأبو الحسن البكائي، علي بن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفي روى عن مطين، وأبي حصين الوادعي وطائفة. وعاش أكثر من تسعين سنة.

وابن سبنك، أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي. روى عن محمد بن حبان، والباغندي، وجماعة. وعاش خمسا وثمانين سنة.

وقسام الحارثي، من أهل تلفيتا بجبل سنير، كان ترابا ثم تنقلت الأحوال به، وصار مقدم الأحداث والشباب بدمشق، وكثرت أعوانه حتى غلب على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر، فسار جيش من مصر، لقصده ولمحاربته، فضعف أمر قسام، واختفى، ثم استأمن فقيدوه، وبعث إلى مصر في هذا العام، فعفي عنه وخمل أمره.

وأبو عمر بن حمدان الجيري وهو، محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي، مسند خراسان، توفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع بنيسابور ولسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة. وروى عن الحسن بن سفيان، وزكريا الساجي، وعبدان، وخلائق. وكان مقرئا عارفا بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة، كان المسجد فراشه ثلاثين سنة. ثم لما ضعف وعمي، حولوه.

وأبو بكر الرازي، محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الصوفي الواعظ، والد المحدث أبي مسعود، أحمد بن محمد البجلي الرازي. روى عن يوسف بن الحسين الرازي، وابن عقدة وطائفة، وهو صاحب مناكير وغرايب، ولا سيما في حكايات الصوفية.

سنة سبع وسبعين وثلاثمائة

رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة، فمن ذلك، أنه رد على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر، جميع أملاكه، وكان مغلها في العام، ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم، وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف.

وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري. روى عن النسائي مجلسين، وهو آخر من روى عنه.

وإسحاق بن المقتدر بالله، توفي في ذي القعدة، عن ستين سنة. وصلى عليه ولده القادر بالله، الذي ولي الخلافة بعد الطائع.

وأمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم، وبرعت في مذهب الشافعي، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.

وأبو علي الفارسي، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي، صاحب التصانيف، ببغداد في ربيع الأول، وله تسع وثمانون سنة. وكان مت؟ هما بالاعتزال، وقد فضله بعضهم على المبرد، وكان عديم المثل.

وابن لولو الوراق، أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي. روى عن علي بن إبراهيم بن شريك، وحمزة الكاتب، والفريابي وطبقتهم. توفي في المحرم، وله ست وتسعون سنة. وكان ثقة، يحدث بالأجرة.

وأبو الحسن الأنطاكي، علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي، قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي بالروايات، ودخل الأندلس، ونشر بها العلم. قال ابن الفرضي: أدخل الأندلس علما جما. وكان رأسا في القراءات، لا يتقدمه فيها أحد، مات بقرطبة، في ربيع الأول، وله ثمان وسبعون سنة.

ومن طبقته: أبو طاهر الأنطاكي، محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق، قال أبو عمرو الداني، هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي، وأضبطهم. روى عنه القراءة، جماعة من نظرائه، كابن غلبون، توفي قبل الثمانين بيسير.

والغطريفي، أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف الجرجاني الرباطي الحافظ، توفي في رجب عن سن عالية روى عن أبي خليفة، وعبد الله بن ناجية، وابن خزيمة وطبقتهم. وكان صواما متقنا، صنف المسند الصحيح، وغيره ذلك.

ومحمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، نزيل الكوفة. روى عن عبد الله بن ناجية، وحامد بن شعيب.

سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة

فيها أمر الملك شرف الدولة، برصد الكواكب، كما فعل المأمون، وبنى لها هيكلا بدار السلطنة.

وفيها توفي بشر بن محمد بن ياسين القاضي، أبو القاسم الباهلي النيسابوري، توفي في رمضان، وقد جلس وأملى عن السراج، وابن خزيمة.

وتبوك بن الحسن بن الوليد، أبو بكر الكلابي المعدل، أخو عبد الوهاب. روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته.

والخليل بن أحمد بن محمد، أبو سعيد السجزي، القاضي الفقيه الحنفي الواعظ، قاضي سمرقند، وبها مات، عن تسع وثمانين سنة. روى عن السراج، وأبي القاسم البغوي، وخلق.

وأبو نصر السراج، عبد الله بن علي الطوسي الزاهد، شيخ الصوفية، وصاحب كتاب اللمع في التصوف. روى عن جعفر الخلدي، وأبي بكر محمد بن داود الدقي توفي في رجب.

وابن الباجي، الحافظ المحقق، أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي. سمع محمد بن عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما.

ومات في رمضان، وله سبع وثمانون سنة. قال ابن الفرضي: لم ألق أحدا فضله عليه في الضبط، رحلت إليه مرتين.

وأبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن مسرور البلخي الحافظ، نزيل مصر، توفي في ذي الحجة. روى عن الحسين بن محمد المطبقي، وأحمد بن سليمان بن زبان الكندي وطبقتهما.

وأبو بكر المفيد، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب، بجرجرايا وكان يفهم ويحفظ ويذاكر، وهو بين الضعف. روى عن أبي شعيب الحراني، وأقرانه، وعاش أربعا وتسعين سنة.

وأبو بكر الوراق، محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملي، اعتنى به أبوه، وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما وعاش خمسا وثمانين سنة وكان صاحب حديث.

ومحمد بن بشر، أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكرابيسي، المحدث، رحل وروى عن أبي لبيد السامي، وابن خزيمة، والبغوي، وكان ثقة صالحا.

ومحمد بن العباس بن محمد، أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبي الهروي، أحد الرؤساء الأجواد، وكانت أعشار غلاته، تبلغ ألف حمل، وقيل: كان يقوم بخمسة آلاف بيت ويمونهم، وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع، وكان ملك هراة من تحت أوامره، سموه قميص، فمات شهيدا في صفر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى ابن صاعد، وأقرانه رحمه الله تعالى.

وأبو بكر، محمد بن عبد الله بن الشخير الصيرفي، ببغداد. روى عن عبد الله بن إسحاق المدايني، والباغندي، توفي في رجب، وله بضع وثمانون سنة.

وأبو أحمد، الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحافظ، أحد أئمة الحديث، وصاحب التصانيف. روى عن ابن خزيمة، والباغندي، ومحمد بن المجدر، وعبد الله بن زيدان البجلي، ومحمد ابن الفيض الغساني وطبقتهم. وأكثر الترحال، وكتب ما لا يوصف، قال الحاكم ابن البيع: أبو أحمد الحافظ، إمام عصره في الصنعة، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. صنف على الصحيحين، وعلى الترمذي، وألف كتاب الكنى: وكتاب العلل، وكتاب الشروط والمخرج على كتاب المزني. وولي قضاء الشاش، ثم قضاء طوس، ثم قدم نيسابور، ولزم مسجده، وأقبل على العبادة والتصنيف، وكف بصره قبل موته بسنتين رحمه الله تعالى.

وأبو القاسم بن الجلاب، الفقيه المالكي، صاحب القاضي أبي بكر الأبهري ألف كتاب التفريع وهو مشهور، وكتاب مسائل الخلاف وفي اسمه أقوال.

سنة تسع وسبعين وثلاثمائة

فيها وفي التي تليها، استفحل البلاء، وعظم الخطب ببغداد، بأمر العيارين، وصاروا حزبين، ووقعت بينهم حروب، واتصل القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة وقتل طائفة، ونهبت أموال الناس، وتواترت العملات، وأحرق بعضهم دروب بعض، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري. سمع محمد بن شاذل، والسراج، وجماعة. وهو صدوق، توفي في شعبان.

وشرف الدولة سلطان بغداد، ابن السلطان عضد الدولة الديلمي، كان فيه خير وقلة ظلم، مرض بالاستقساء، ومات في جمادى الآخرة، وله تسع وعشرون سنة. وتملك بغداد سنتين وثمانية أشهر، وولي بعده أخوه أبو نصر.

ومحمد بن أحمد بن العباس، أبو جعفر الجوهري البغدادي، نقاش الفضة، كان من كبار المتكلمين، وهو عالم الأشعر ية في وقته، وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام، توفي في المحرم، وله سبع وثمانون سنة. روى عن محمد بن مسلم الباغندي وجماعة.

وأبو بكر الزبيدي، محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الأندلسي، شيخ العربية بالأندلس، وصاحب التصانيف، ولي قضاء إشبيلية وأدب المؤيد بالله، ولد المستنصر، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، ومات في جمادى الآخرة، عن ثلاث وستين سنة.

وأبو سليمان بن زبر، المحدث الحافظ، محمد بن القاضي عبد الله ابن أحمد بن ربيعة الربعي الدمشقي الثقة، في جمادة الأولى. روى عن أبي القاسم البغوي وجماهر الزملكاني ومحمد بن الربيع الجيزي، وخلق. وصنف التصانيف.

ومحمد بن المظفر، الحافظ أبو الحسن البغدادي، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في جمادى الأولى، وكان من أعيان الحفاظ. سمع من أحمد بن الحسن الصوفي، وعبد الله بن زيدان، ومحمد بن خزيم، وعلي ابن أحمد علان وطبقتهم، بالعراق والجزيرة والشام ومصر، وكان يقول: عندي عن الباغندي مائة ألف حديث.

ومحمد بن النضر، أبو الحسين الموصلي النحاس، الذي روى ببغداد، معجم أبي يعلى عنه. قال البرقاني: واه، لم يكن ثقة.

سنة ثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري، في شعبان. روى عن السراج، وابن خزيمة.

وأبو العباس الصندوقي، أحمد بن محمد بن أحمد النيسبوري. روى عن محمد بن شاذان، وابن خزيمة، وشاخ، وتفرد بالرواية عن بضعة عشر شيخا.

وسهل بن أحمد الديباجي. روى عن أبي خليفة وغيره، لكنه رافضي يكذب.

وطلحة بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الشاهد المعدل المقرئ، تلميذ ابن مجاهد. روى عن عمر بن أبي غيلان وطبقته، لكنه معتزلي.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج الأموي مولاهم القرطبي الحافظ، محدث الأندلس، رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي، وخيثمة، وقاسم بن أصبغ وطبقتهم، وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس، صنف له عدة كتب، فولاه القضاء، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. قال الحميدي: فمن تصانيفه: فقه الحسن البصري في سبع مجلدات، وفقه الزهري في أجزاء عديدة.

ويعقوب بن يوسف بن كلس، الوزير الكامل، أبو الفرج، وزير صاحب مصر العزيز بالله، وكان يهوديا بغداديا، عجبا في الدهاء والفطنة والمكر، وكان يتوكل للتجار بالرملة، فانكسر وهرب إلى مصر، فأسلم بها، واتصل بالأستاذ كافور، ثم دخل المغرب، ونفق على المعز، وتقدم، ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات، وله اثنتان وستون سنة. وكان عظيم الهيبة، وافر الحشمة، عالي الهمة. وكان معلومه على مخدومه في السنة، مائة ألف دينار، وقيل: إنه خلف أربعة آلاف مملوك، بيض وسود، ويقال إنه حسن إسلامه.

سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة

تم فيها أمور هائلة، وكان أبو نصر الذي ولي مملكة بغداد، شابا جريئا، وكان الطائع لله ضعيفا، ولاه السلطنة ولقبه بهاء الدولة، فلما كان في شعبان، وأمر الخليفة الطائع، بحبس أبي الحسين بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدولة أبي نصر، فعظم على بهاء الدولة ذلك، ثم دخل على الطائع للخدمة، فلما قرب، قبل الأرض وجلس على كرسي، وتقدم أصحابه، فشحطوا الطائع بحمائل سيفه من السرير، ولفوه في كيس، وأخذ إلى دار السلطنة، فاختبطت بغداد، وظن الأجناد، أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع، فوقعوا في النهب، ثم إن بهاء الدولة، أمر بالنداء بخلافة القادر بالله، وأكره الطائع على خلع نفسه، وعمل ما في دار الخلافة، حتى الرخام والأبواب، ثم أبيحت للرعاع، فقلعوا الشبابيك، وأقبل القادر بالله، أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، وله يومئذ أربع وأربعون سنة. وكان أبيض، كث اللحية، كثير التهجد والخير والبر، صاحب سنة وجماعة.

وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران، الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ، العبد الصالح، مصنف كتاب الغاية في القراءات. قرأ بدمشق، على أبي النضر الأخرم، وببغداد على النقاش، وأبي الحسين بن ثوبان وطائفة. وسمع من السراج، وابن خزيمة وطبقتهما. قال الحاكم، كان إمام عصره في القراءات، وأعبد ن رأينا من القراء، وكان مجاب الدعوة، توفي في شوال، وله ست وثمانون سنة. وله كتاب الشامل في القراءات، كبير.

وجوهر القائد، أبو الحسن الرومي، مولى المعز بالله وأتابك جيشه، وظهيره ومؤيد دولته، وموطئ الممالك له، وكان عاقلا سائسا، حسن السيرة في الرعية، على دين مواليه، ولم يزل عالي الرتبة، نافذ الكلمة، إلى أن مات.

وسعد الدولة، أبو العباس شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي، صاحب حلب، توفي في رمضان، وقد نيف على الأربعين، وولي بعده ابنه سعد، فلما مات ابنه، انقرض ملك سيف الدولة، من ذريته.

وعبد الله بن أحمد بن حمويه بن يوسف بن أعين، أبو محمد السرخسي، المحدث الثقة. روى عن الفربري، صحيح البخاري، وروى عن عيسى بن عمير السمرقندي كتاب الدارمي، وروى عن إبراهيم ابن خزيم مسند عبد بن حميد وتفسيره، توفي ذي الحجة، وله ثمان وثمانون سنة.

والجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري، الفقيه المالكي، الذي صنف مسند الموطأ. توفي في رمضان.

وأبو عدي، عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري، المقرئ الحاذق، المعروف بابن الإمام، قرأ على أبي بكر بن سيف، صاحب أبي يعقوب الأزرق، وكان محققا ضابطا لقراءاة ورش، توفي في ربيع الأول، وقد حدث عن محمد بن زبان، وابن قديد.

وأبو محمد بن معروف، قاضي القضاة، عبيد الله بن أحمد بن معروف البغدادي، قال الخطيب: كان من أجواد الرجال وألبائهم مع تجربة وحنكة، وفطنة وعزيمة ماضية، وكان يجمع وسامة في منظره، وظرفا في ملبسه، وطلاقة في مجلسه، وبلاغة في خطابه، ونهضة بأعباء الأحكام، وهيبة في القلوب. وقال العتيقي: كان مجردا في الاعتزال. قلت: ولد سنة ست وثلاثمائة، وسمع من يحيى بن صاعد، وأبي حامد الحضرمي، وجماعة. وتوفي في صفر.

وأبو الفضل الزهري، عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد العوفي البغدادي. سمع إبراهيم بن سريك الأسدي، وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني وطائفة. ومات في أحد الربيعين، وله إحدى وتسعون سنة. قال عبد العزيز الأزجي: هو شيخ ثقة، مجاب الدعاء.

وأبو بكر بن المقرئ، محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ، صاحب الرحلة الواسعة، توفي في شوال، عن ست وتسعين سنة. أول سماعه بعد الثلاثمائة، فأدرك محمد بن نصر المديني، ومحمد بن علي الفرقدي، صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي، ثم رحل، ولقي أبا يعلى، وعبدان وطبقتهما. قال أبو نعيم الحافظ: محدث كبير ثقة، صاحب مسانيد. سمع ما لا يحصى كثرة.

وقاضي الجماعة، أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي، صاحب التصانيف، وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك. سمع قاسم بن أصبغ، وجماعة. وولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة، وإلى أن مات. وكان المنصور بن أبي عامر، يعظمه ويجلسه معه.

وابن دوست العلاف، أبو بكر محمد بن يوسف، ببغداد. روى عن البغوي، وجماعة.

سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة

كان أبو الحسن بن المعلم الكوكبي قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها، فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء الذي كان يعمل من نحو ثلاثين سنة. وأسقط طائفة من كبار الشهود الذين وُلوا بالشفاعات.

وفيها شغب الجند وعسكروا، وبعثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلم، وصمموا على ذلك، إلى أن قال له رسولهم: أيها الملك، اختر بقاءه أبو بقاءك، فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه، فما زالوا به، حتى قتله رحمه الله. وكان القحط شديدا في هذه الأعصر ببغداد.

وفيها توفي أبو أحمد العسكري، الحسن بن عبد الله بن سعيد، الأديب العلامة الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن عبدان الأهوازي، وأبي القاسم البغوي وطبقتهما. توفي في ذي الحجة.

وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد النسائي، الفقيه الشافعي، الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده، وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحاق. قال الحاكم: كان شيخ العدالة والعلم بنسا، وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان، عاش بضعا وتسعين سنة.

وأبو سعيد الرازي عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرازي الصوفي، الراوي عن محمد بن أيوب بن الضريس، خرج في آخر عمره إلى بخارى، فتوفي بها، وله أربع وتسعون سنة. قاله الحاكم، وقال: لم يزل كالريحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا. قلت: ولم يذكر فيه جرحا، ولا ابن عساكر.

وأبو عمر بن حيويه، المحدث الحجة، محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز، في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الباغندي، وعبد الله بن إسحاق المدايني وطبقتهما. قال الخطيب: ثقو: كتب طول عمره، وروى المصنفات الكبار.

ومحمد بن محمد بن سمعان، أبو منصور النيسابوري المذكر، نزيل هراة، وشيخ أبي عمر المليحي. روى عن السراج، ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني.

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

فيها تزوج القادر بالله، بابنة السلطان بهاء الدولة.

وفيها أنشأ الوزير أبو نصر سابور، دارا بالكرخ، ووقفها على العلماء، ونقل إليها الكتب، وسماها: دار العلم.

وفيها توفي أبو بكر بن شاذان، والد أبي علي، وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي البزار، المحدث المتقن، وكان يتجر في البزر إلى مصر وغيرها، توفي في شوال، عن ست وثمانين سنة. روى عن البغوي وطبقته.

وإسحاق بن حمشاد الزاهد الواعظ، شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور. قال الحاكم: كان من العباد المجتهدين، يقال: أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف، ولم أر بنيسابور جمعا مثل جنازته.

وجعفر بن عبد الله بن فناكي، أبو القاسم الرازي، الراوي عن محمد بن هارون الروياني مسنده.

وأبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد، أحد الأعلام واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم، رحل إلى الشام والعراق، وسمع أبا القاسم بن أبي العقب وإبراهيم بن علي الهجيمي وطبقتهما. قال ابن الفرضي: كان جليلا زاهدا شجاعا مجاهدا، ولاه المستنصر بالله القضاء، فاستعفاه فأعفاه، وكان فقيها صلبا ورعا، وكانوا يشبهونه بسفيان الثوري في زمانه، سمعت عليه علماء كثير، وعاش ثلاثا وستين سنة.

وعلي بن حسان، أبو الحسن الجدلي الدممي. ودمما قرية دون الفرات. روى عن مطين، وبه ختم حديثه.

سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

فيها اشتد البلاء بالعيارين ببغداد، قووا على الدولة، وكان رأسهم عزيز البابصري، التف عليه خلق من المؤذين، وطالبوا بضرائب الأمتعة وجبوا الأموال، فنهض السلطان، وتفرغ لهم، فهربوا في الظاهر. ولم يحج أحد، إلا الركب المصري فقط.

وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي المشرك الحراني الأديب، صاحب الترسل، وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار، ألح عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع، وكان يصوم رمضان، ويحفظ القرآن، وله النظم والنثر والترسل الفحل، وما ملك عضد الدولة، هم بقتله، لأجل المكاتبات الفجة، التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه، إلى عضد الدولة، توفي في شوال، عن سبعين سنة.

وصالح الهمذاني بن أحمد، الحافظ أبو الفضل التميمي الأحنفي ابن السمسار، ويعرف أيضا بابن الكوملاذ محدث همذان. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته، وهو الذي لما أملى الحديث، باع طاحونا له، بسبعمائة دينار، ونثرها على المحدثين. قال شيرويه: كان ركنا من أركان الحديث، دينا ورعا، لا يخاف في الله لومة لائم وله عدة مصنفات توفي في شعبان، والدعاء عند قبره مستجاب، ولد سنة ثلاث وثلاثمائة.

والرماني، شيخ العربية، أبو الحسن علي بن عيسى النحوي، ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة. له قريب من مائة مصنف، أخذ عن ابن دريد، وأبي بكر بن السراج، وكان متقنا في علوم كثيرة، من القرآن والفقه والنحو، والكلام على مذهب المعتزلة، والتفسير واللغة.

وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل، مسند أصبهان في عصره. روى عن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، ويحيى بن صاعد وطبقتهما.

ومحدث الكوفة، أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ، أدرك أصحاب أبي كريب، وأبي سعيد الأشج، وجمع وألف.

وأبو الحسن محمد بن أبي العباس، أحمد بن الفرات البغدادي، ابن الحافظ. سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب: بلغني أنه كان عنده، عن علي بن محمد المصري وحده، ألف جزء، وأنه كتب مائة تفسير، ومائة تاريخ، وهو حجة ثقة.

وأبو الحسن الماسرجسي، شيخ الشافعية، محمد بن علي بن سهل النيسابوري، سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس. روى عن أبي حامد الشرقي وطبقته، ورحل بعد الثلاثين، وكتب الكثير بالحجاز والعراق ومصر. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، صحب أبا إسحاق المروزي مدة، وصار ببغداد معيدا لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستا وسبعين سنة. قلت: وعليه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري، وهو صاحب وجه في المذهب.

وأبو عبد الله المرزباني، محمد بن عمران البغدادي، الكاتب الأخباري، العلامة المعتزلي، مات في شوال، وله ثمان وثمانون سنة. صنف أخبار المعتزلة وغير ذلك،، حدث عن البغوي وابن دريد.

والتنوخي، القاضي أبو علي الحسن بن علي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف، ولد بالبصرة، وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة، وببغداد من الصولي، وعاش سبعا وخمسين سنة.

سنة خمس وثمانين وثلثمائة

فيها توفي أبو بكر بن المهندس، أحمد بن محمد بن إسماعيل، محدث ديار مصر، وكان ثقة تقيا. روى عن البغوي، ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما.

والصاحب أبو القاسم، إسماعيل بن عباد بن العباس، وزير مؤيد الدولة ابن بويه بن ركن الدولة، وفخر الدولة. صحب الوزير أبا الفضل بن العميد، وأخذ ونبلا، وسخاء وحشمة، وأفضالا وعدلا، توفي بالري، ونقل ودفن بأصبهان.

وأبو الحسن الأذني القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدث، نزيل مصر. روى الكثير عن ابن قيل، وأبي عروبة، ومحمد بن الفيض المشقي، وعلي الغضائري، توفي في ربيع الأول.

والدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي، الحافظ المشهور، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. ذكره الحاكم فقال: صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماما في القراء والنحاة، صادفته فوق ما وصف لي. وله مصنفات يطول ذكرها. وقال الخطيب: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، مع الصدق وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم، سوى علم الحديث. منها: القراءات. وقد صنف فيها مصنفة ومنها، المعرفة بمذاهب الفقهاء. وبلغني أنه درس فقه الشافعي، على أبي سعيد الإصطخري. ومنها، المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة. وقال أبو ذر الهروي: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ وقال البرقاني: كان الدارقطني، يملي علي العلل من حفظه. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث.

وأبو حفص ابن شاهين، عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي، الواعظ المفسر الحافظ، صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم، توفي بعد الدارقطني بشهر، وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين، فسمع من الباغندي. ومحمد بن المجدر والكبار، ورحل إلى الشام والبصرة وفارس. قال أبو الحسين بن المهتدي بالله: قال لنا ابن شاهين: صنفت ثلاثمائة وثلاثين مصنفا، منها: التفسير الكبير، ألف جزء، والمسند ألف وثلاثمائة جزء والتاريخ مائة وخمسون جزءا. قال ابن أبي الفوارس، ابن شاهين ثقة مأمون، جمع وصنف ما لم يصنفه أحد. وقال محمد بن عمر الداودي: كان ثقة لحانا، وكان لا يعرف الفقه، ويقول: أنا محمدي المذهب.

وأبو بكر الكسائي محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب، الذي روى صحيح مسلم، عن إبراهيم بن سفيان الفقيه، توفي ليلة عيد الفطر، ضعفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله: من غير أصل.

وأبو الحسن بن سكرة، محمد بن عبد الله الهاشمي، العباسي، الأديب البغدادي، الشاعر المفلق، ولا سيما في المجون والمزاح، وكان هو وابن الحجاج يشبهان في وقتهما، بجرير والفرزدق. ويقال إن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت.

وأبو بكر الأودني شيخ الشافعية ببخارى وما وراء النهر، محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير. وأودن: بضم الهمزة وقيل بفتحها، ومن قرى بخارى. وكان علامة زاهدا، ورعا خاشعا، بكاء متواضعا، ومن غرايب وجوهه في المذهب: أن الربا حرام في كل شيء، فلا يجوز بيع شيء بجنسه متفاضلا. روى عن الهيثم بن كليب الشاشي وطائفة، ومات في ربيع الآخر، وقد دخل في سن الشيخوخة، والمستغفري من تلامذته.

وأبو الفتح القواس، يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد، المجاب الدعوة، في ربيع الآخرة، وله خمس وثمانون سنة. روى عن البغوي وطبقته. قال البرقاني: كان من الأبدال.

سنة ست وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو حامد النعيمي، أحمد بن عبد الله بن نعيم السرخسي، نزيل هراة، في ربيع الأول. روى الصحيح عن الفربري، وسمع من الدغولي وجماعة.

وأبو أحمد السامري، عبد الله بن الحسين بن حسنون البغدادي المقرئ، شيخ الإقراء بالديار المصرية، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة. قرأ القرآن في الصغر، فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني، وأبي عمران الرقي، وابن شنبوذ، وابن مجاهد. وحدث عن أبي العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقبه وقال: لا أسلم على من يكذب في الحديث، وفي العنوان أن السامري، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي، وهذا الوهم من صاحب العنوان، لأن محمد بن يحيى، توفي قبل مولد السامري بخمس عشرة سنة. أو هو محمد بن السامري، ويدل عليه قول محمد بن الصوري: قد ذكر أبو أحمد، أنه قرأ على الكسائي الصغير، فكتب في ذلك إلى بغداد، يسأل عن وفاة الكسائي، فكان الأمر من ذلك بعيدا. قلت: ثم إن أبا أحمد أمسك عن هذا القول، وروى عن ابن مجاهد عن الكسائي. قلت: وثقه أبو عمر الداني وأقره الحافظ محمد بن الجزري كما قاله في النشر.

وعبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل، أبو أحمد الأصبهاني. روى مسند أحمد بن منيع، عن جده، ومات في شعبان.

والحربي: أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي، ويعرف أيضا بالسكرى وبالصيرفي والكيال. روى عن أحمد بن الحسن الصوفي، وعباد بن علي السريني، والباغندي وطبقتهم، ولد سنة ست وتسعين ومائتين، وسمع سنة ثلاث وثلاثمائة، باعتناء أخيه، وتوفي في شوال.

وأبو عبد الله الختن الشافعي، محمد بن الحسن الإستراباذي، ختن أبي بكر الإسماعيلي، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنفات، عاش خمسا وسبعين سنة. وكان أديبا بارعا مفسرا مناظرا. روى عن أبي نعيم عبد الملك ابن عدي الجرجاني، توفي يوم عرفة.

وأبو طالب، صاحب القوت، محمد بن علي بن عطية الحارثي العجمي، ثم المكي، نشأ بمكة، وتزهد وسلك، ولقي الصوفية، وصنف ووعظ، وكان صاحب رياضة ومجاهدة، وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم، البصري، شيخ السالمية. روى عن علي بن أحمد المصيصي، وغيره.

والعزيز بالله، أبو منصور نزار بن المعز بالله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي العبيدي الباطني، صاحب مصر والمغرب والشام، ولي الأمر بعد أبيه، وعاش اثنتين وأربعين سنة. وكان شجاعا جوادا حليما، قريبا من الناس، لا يحب سفك الدماء، له أدب وشعر، وكان مغرى بالصيد، وقام بعده ابنه الحاكم.

سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو القاسم بن الثلاج، عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد، في ربيع الأول، وله ثمانون سنة. روى عن البغوي وطائفة، واتهم بالوضع.

وأبو القاسم، عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار، ويعرف بابن أبي غالب. روى عن محمد بن محمد الباهلي، وعلي ابن أحمد بن علان وطائفة. وكان من كبراء المصريين ومتموليهم.

وابن بطة، الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري، الفقيه الحنبلي العبد الصالح، في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة. وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف، من قبل حفظه. روى عن البغوي وأبي ذر بن الباغندي وخلق. وصنف كتابا كبيرا في السنة. قال العتيقي: كان مستجاب الدعوة.

وابن مردك، أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البردعي البزاز، ببغداد، حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. ووثقه الخطيب، توفي في المحرم، وكان عبدا صالحا.

وفخر الدولة علي بن أبي زكريا الحسن بن بويه الديلمي سلطان الري وبلاد الجبل، وزر له الصاحب إسماعيل بن عباد، وكان ملكا شجاعا مطاعا، جماعا للأموال، واسع الممالك، عاش ستا وأربعين سنة. وكانت أيامه أربع عشرة سنة. لقبه الطائع: ملك الأمة، وكان أجل من بقي من ملوك بني بويه، كان يقول: قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم، خمس عشرة سنة. خلف من الذهب عينا وأواني وحلية، قريبا من أربعة آلاف ألف دينار، ومن الذخائر والمتعة على هذا النحو، ولما مات، ضمت الخزائن، واشتروا له ثوبا كفنوه فيه، من قيم الجامع.

وأبو ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي البغدادي، نزيل بخارى. روى عن يحيى بن صاعد وطائفة، ومات في صفر. روى عنه عبد الواحد الزبيري، الذي عاش بعده، مائة وثمان سنين، وهذا معدوم النظير.

وأبو الحسين بن سمعون، الإمام القدوة الناطق بالحكمة، محمد بن أحمد بن إسماعيل البغدادي الواعظ، صاحب الأحوال والمقامات. روى عن أبي بكر بن داود، وجماعة، وأملى عدة مجالس، ولد سنة ثلاثمائة، ومات في نصف ذي القعدة، ولم يخلف ببغداد بعده مثله.

وأبو الطيب السلمي، محمد بن الحسين الكوفي. سمع عبد الله بن زيدان البجلي، وجماعة، وكان ثقة.

وأبو الفضل الشيباني، محمد بن عبد الله الكوفي، حدث ببغداد عن محمد بن جرير الطبري، والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة، فترك.

وأبو طاهر، محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري. روى الكثير عن جده، وأبي العباس السراج، وخلق. واختلط قبل موته بثلاثة أعوام، فتجنبوعه.

ومحمد بن المسيب، الأمير أبو الذواد العقيلي، من أجلاء أمراء العرب، تملك الموصل، وغلب عليها، في سنة ثمانين وثلاثمائة، وصاهر بني بويه، وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلد بن المسيب.

وأبو القاسم السراج، موسى بن عيسى البغدادي، وقد نيف على التسعين. روى عن الباغندي وجماعة، وثقه عبيد الله الأزهري.

ونوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد بن الملك إسماعيل الساماني، أبو القاسم، سلطان بخارى وسمرقند، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. وولي بعده ابنه المنصور، ثم بعد عامين، توثب عليه أخوه، عبد الملك بن نوح، الذي هزمه السلطان محمود بن سبكتين، وانقرضت الدولة السامانية.

سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة

فيها توفي أبو بكر، أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ، وكان من كبار المحدثين، سأله حمزة السهمي، عن الجرح ولتعديل، وعمر دهرا. روى عن الباغندي والبغوي والكبار. وأول سماعه، سنة أربع وثلاثمائة، توفي في صفر بالأهواز، وكان يقال له الباز الأبيض.

وأبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي الحافظ. روى عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكان عجبا في حفظ الحديث وسرده. روى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه، وتوفي في ربيع الآخر، عن إحدى وستين سنة. وكان ثقة، غمزه بعضهم.

وأبو سليمان الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الفقيه الأديب، صاحب معالم السنن وغريب الحديث والغنية عن الكلام وشرح الأسماء الحسنى وغير ذلك. رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي وإسماعيل الصفار والأصم وطبقتهم، وسكن بنيسابور مدة، توفي ببست في ربيع الآخر، وكان علامة محققا.

وأبو الفضل الفامي، عبيد الله بن محمد النيسابوري. روى عن أبي العباس السراج وغيره.

وأبو العلاء بن ماهان، عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري، راوي صحيح مسلم عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر، سوى ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب يرويها عن الجلودي.

وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ المجود القيم بقراءة ورش، توفي يوم عاشوراء، قرأ على أصحاب إسماعيل النحاس.

وأبو الفرج الشنبوذي، محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ، غلام ابن شنبوذ، قرأ عليه القراءات وعلى ابن مجاهد وجماعة. واعتنى بهذا الشأن، وتصدر للإقراء، وكان عارفا بالتفسير، وكان يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن. تكلم فيه الدارقطني.

وأبو بكر الإشتيخني محمد بن أحمد بن مت، الراوي صحيح البخاري عن الفربري.، توفي في رجب، بما وراء النهر.

وأبو علي الحاتمي، محمد بن الحسن بن مظفر البغدادي اللغوي الكاتب، أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وكان بصيرا بالآداب.

وأبو بكر الجوزقي، محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدل، شيخ نيسابور ومحدثها، مصنف الصحيح. روى عن السراج، وأبي حامد بن الشرقي وطبقتهما. ورحل إلى أبي العباس الدغولي، وإلى ابن الأعرابي، وإلى وإسماعيل الصفار. قال الحاكم: انتقيت له فوائد في عشرين جزءا، ثم ظهر بعدها سماعه من السراج. قلت: اعتنى به خاله أبو إسحاق المزكي، توفي في شوال، عن اثنتين وثمانين سنة.

وأبو بكر الأدفوي، محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر النحوي، وأدفو بقرب أسوان، وكان خشابا، أخذ عن أبي جعفر النحاس فأكثر، وأتقن ورش، على أبي غانم المظفر بن أحمد، وألف التفسير في مائة وعشرين مجلدا، وكان شيخ الديار المصرية وعالمها، وكانت له حلقة كبيرة للعلم، توفي في ربيع الأول.

سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

تمادت الرافضة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء باللطم والعويل وبنصب القباب والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير. فعمدت جاهلية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم عيد الغدير يوم الغار، وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير، وهو السادس والعشرون من ذي الحجة، وزعموا أن النبي ﷺ وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار. وهذا جهل وغلط، فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في شهر صفر وفي أول ربيع الأول. وجعلوا بإزاء عاشوراء وبعده بثمانية أيام يوم مصرع مصعب بن الزبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن وبكوا عليه، ونظروه بالحسين، لكونه صبر وقاتل حتى قتل، ولأن أباه ابن عمة النبي ﷺ وحواريه وفارس الإسلام، كما أن أبا الحسين ابن عم النبي ﷺ وفارس الإسلام. فنعوذ بالله من الهوى والفتن. ودامت السنة على هذا الشعار القبيح مدة عشر سنين.

وفيها توفي أبو محمد المخلدي، الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن مخلد النيسابوري المحدث، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات، في رجب. روى عن السراج، وزنجويه اللباد وطبقتهما.

وأبو علي، زاهر بن أحمد السرخسي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة، في ربيع الآخر، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي لبيد السامي والبغوي وطبقتهما. قال الحاكم: شيخ عصره بخراسان، وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقه على أبي إسحاق المروزي وتأدب على ابن الأنباري. قلت: وأخذ علم الكلام عن الأشعري، وعمر دهرا.

وأبو محمد بن عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، شيخ المغرب، وإليه انتهت رئاسة المذهب. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد في تواليفه، حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره، وكان يسمى مالكا الصغير. قال الحبال: توفي للنصف في شعبان.

وأبو الطيب بن غلبون، عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي المقري الشافعي، صاحب الكتب في القراءات، قرأ على جماعة كثيرة، وروى الحديث، وكان ثقة محققا. بعيد الصيت، توفي بمصر، في جمادى الأولى، وله ثمانون سنة. أخذ عنه خلق.

وأبو القاسم بن حبابة المحدث، عبيد الله بن محمد بن إسحاق البغدادي المتوثي البذار، رواي الجعديات عن البغوي، في ربيع الآخر.

وأبو الهيثم الكشميهني محمد بن مكي المروزي، راوية البخاري، عن الفربري، توفي عرفة، وكان ثقة.

وقاضي القضاة لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد بن منصور الشيعي في الظاهر، الباطني فيما أحسب، ولد قاضي القوم، وأخو قاضيهم. قال ابن زولاق: لم نشاهد بمصر لقاض من الرئاسة ما شاهدناه له، ولا بلغنا ذلك من قاض بالعراق، ووافق ذلك، استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة، والهيبة وإقامة الحق، وقد ارتفعت رتبته، حتى إن العزيز، أجلسه معه يوم الأضحى على المنبر، وزادت عظمته في دولة الحاكم، ثم تعلل وتنقرس، ومات في صفر، وله تسع وأربعون سنة. وولي القضاء بعده، ابن أخيه، الحسين بن علي، الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين.

سنة تسعين وثلاثمائة

فيها عظم أمر الشطار، وأتوا بيوت الناس نهارا جهارا، وواصلوا العملات، وقتلوا وبدعوا، وأشرف الناس بهم على أمر عظيم، وقويت شوكتهم، وصار فيهم علويون وعباسيون، حتى جاء عميد الجيوش وولاه بهاء الدولة تدبير العراق، فغرق وقتل وقل المفسد.

وفيها توفيت أمة السلام، بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية وكانت دينة فاضلة. روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره.

وحنش بن محمد بن صمصامة القائد، أبو الفتح الكناني، ولي إمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء، وكثر ابتهال أهل دمشق إلى دمشق في هلاكه، حتى هلك بالجذام في هذه السنة.

وأبو حفص الكتاني بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد، قرأ عليه، وسمع منه، كتابه في القراءات، وحدث عن البغوي وطائفة، توفي في رجب، وله تسعون سنة. وكان ثقة.

وابن أخي ميمي الدقاق، أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي. روى عن البغوي وجماعة، وله أجزاء مشهورة، توفي في رجب.

وأبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسني الزيدي الكوفي، رئيس العلوي بالعراق، ولد سنة عشرة وثلاثمائة، وروى عن هناد بن السري الصغير، صادرة عضد الدولة، وحبسه وأخذ أمواله، ثم أخرجه شرف الدولة لما تملك، وعظم شأنه في دولته، فيقال إنه كان من أكثر العلويين مالا، وقد أخذ منه عضد الدولة، ألف ألف دينار.

وأبو زرعة الكشي، محمد بن يوسف الجرجاني الحافظ. وكش قرية قريبة من جرجان. سمع إبراهيم بن عدي، وأبي العباس الدغولي وطبقتهما، بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز، وصنف وحمع الأبواب والمشايخ، جاور بمكة سنوات، وبها توفي.

والمعافى بن زكريا، القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري، ويعرف أيضا بابن طرار تفقه على مذهب محمد بن جرير الطبري، وسمع من البغوي وطبقته فأكثر، وجمع فأوعى، وبرع في عدة علوم. قال الخطيب: كان من أعلم الناس في وقته، بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب، وولي القضاء بباب الطاق، وبلغنا عن الفقيه أبي محمد البافي، أنه كان يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج، لوجب أن يدفع إليه. قال البرقاني: كان المعافى أعلم الناس، توفي المعافى بالنهروان، في ذي الحجة، وله خمس وثمانون سنة. وكان قانعا باليسير متعففا.

سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي، أوب الحسن، نزيل مصر، ثقة. يروي عن المحاملي، ومحمد بن مخلد، وجماعة. وكان صاحب حديث، رحل إلى دمشق والرقة.

وأحمد بن يوسف الخشاب أبو بكر الثقفي، المؤذن بأصبهان. روى عن الحسن بن دلويه، وجماعة كثيرة.

وجعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات، أبو الفضل بن جنزابة البغدادي، وزير الديار المصرية، ابن وزير المقتدر أبي الفتح، حدث عن محمد بن هارون الحضرمي، والحسن بن محمد الداركي وخلق. وكان صاحب حديث، ولد سنة ثمان وثلاثمائة، ومات في ربيع الأول. قال السلفي: كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات، يملي في حال وزارته، لا يختار على العلم وصحبة أهله شيئا، وقال غيره: كان له عبادة وتهد، وصداقات عظيمة إلى الغاية، توفي بمصر، ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة، من أقرب شيء إلى قبر رسول الله ﷺ.

وابن الحجاج الأديب، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي الشيعي المحتسب، الشاعر المشهور، وديوانه في عدة مجلدات في عصره، أخذ عن القاضي بشر بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل بن الحسين، وقدم من شيراز، في صحبة الملك عضد الدولة، فاشتغل عليه فقهاء بغداد. قال أبو عبد الله الصيمري: ما رأيت فقيها أنظر منه، ومن أبي حامد الإسفراييني الشافعي.

وأبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي، الكاتب المنشئ، ولد سنة اثنتين وثلاثمائة، ومات في أول ربيع الأول. قال ابن أبي الفوارس: كان بشيء من مذهب الفلاسفة. قلت: روى عن البغوي وطبقته، وله أمال سمعت منها.

وحسام الدولة، مقلد بن رافع العقيلي، صاحب الموصل، تملكها بعد أخيه أبي الذواد، في إحدى عشرة سنة. مدة الأخوين، وقد بعث القادر بالله إلى مقلد، خلع السلطنة، واستخدم هو ثلاثة آلاف من الترك والديلم، ودانت له عرب خفاجة، وله شعر، وهو رافضي، قتله غلام له، ورثاء الشريف الرضي، وتملك بعده ابنه، معتمد الدولة قرواش، خمسين سنة.

والمؤمل بن أحمد أبو القاسم الشيباني البزاز، بغدادي، ثقة، نزل مصر، وحدث عن البغوي، وابن صاعد، وجماعة، وعمر دهرا.

سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة

فيها زاد أمر الشطار، وأخذوا الناس ببغداد، مهارا جهارا، وقتلوا وبدعوا، وواصلوا أخذ العملات، وكثروا، وصار فيهم هاشميون، فسير بهاء الدولة -وكان غائبا- عميد الجيوش إلى العراق ليسوسها، فقطع وغرق، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهبهم، وقامت الهيبة.

وفيها توفي الحاجبي، أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكشاني السمرقندي. سمع الصحيح من الفربري، ومات في هذه السنة، وقيل في التي قبلها.

والضراب، أبو محمد الحسن بن إسماعيل المصري المحدث، راوي المجالسة عن الدينوري، توفي في ربيع الآخر، وله تسع وسبعون سنة.

والأصيلي الفقيه، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي، أخذ عن وهب بن أبي مسرة، وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته، وبمكة عن الآجري، وببغداد عن أبي علي بن الصواف، وكان عالما بالحديث، رأسا في الفقه. قال الدارقطني: لم أر مثله. وقال غيره: كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وكان على طريقته وهديه وكان علي السوري بقرطبة.

وعبد الرحمن بن أبي شريح، أبو محمد الأنصاري، محدث هراة. روى عن البغوي والكبار، ورحل إليه الطلبة، وآخر من روى حديثه عاليا، أبو المنجا بن اللتي، توفي في صفر.

وأبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي، صاحب التصانيف، وكان أبوه مملوكا روميا، توفي في صفر، في عشر السبعين. قرأ على المتنبي ديوانه، ولازم أبا علي الفارسي.

والوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي الحافظ، رحل بعد الستين وثلاثمائة، وروى عن الحسن بن رشيق، وعلي بن الخصيب وخلق. قال ابن الفرضي: كان إماما في الفقه والحديث، عالما باللغة والعربية، لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ. وقال غيره: له شعر فائق، توفي بالدينور.

سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو جعفر، أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري -أبهر أصبهان- سمع جزء لوين، من محمد بن إبراهيم الحزوري، سنة خمس وثلاثمائة، وكان دينا فاضلا.

وأبو إسحاق الطبري، إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدل، أحد الرؤساء والعلماء ببغداد، قرأ القرآن على ابن ثوبان، وأبي عيسى بكار وطبقتهما. وحدث عن إسماعيل الصفار وطبقته. وكانت داره، مجمع أهل القرآن والحديث، وإفضاله زائد على أهل العلم، وهو ثقة.

والجوهري، صاحب الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي اللغوي، أحد أئمة اللسان، وكان في جودة الخط كابن مقلة ومهلهل، وأكثر الترحال، ثم سكن نيسابور. قال القفطي: إنه مات مترديا من سطح داره بنيسابور في هذا العام، قال: وقيل مات في حدود الأربعمائة، وقيل، إنه تسودن، وعمل له شبه جناحين وقال: أريد أن أطير، وطفر، فأهلك نفسه، رحمه الله تعالى.

والطائع لله، أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر بالله بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق العباسي، كانت دولته أربعا وعشرين سنة. وكان مربوعا أبيض أشقر كبير الأنف شديد القوى، في خلقه حدة خلع من الخلافة في شعبان، سنة إحدى وثمانين، وبالقادر بالله، ولم يؤذره، بل بقى مكرما محترما في دار عند القادر بالله، إلى أن مات، ليلة عيد الفطر، وله ثلاث وسبعون سنة. وصلى عليه القادر بالله، وشيعه الأكابر، ورثاه الشريف الرضي.

والمنصور الحاجب أبو عامر، محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني المعافري الأندلسي، مدبر دولة المؤيد بالله، هشام بن المستنصر بالله، الحكم بن الناصر عبد الرحمن الأموي، لأن المؤيد، بايعوه بعد أبيه، وله تسع سنين، وبقي صورة، وأبو عامر هو الكل، وكان حازما بطلا شجاعا غزاء عادلا سائسا، افتتح فتوحات كثيرة وأثر آثارا حميدة، وكان لا يمكن المؤيد من الركوب، ولا من الاجتماع بأحد، إلا بجواريه.

والمخلص أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي ابن الذهبي، مسند وقته. سمع أبا القاسم البغوي وطبقته. وكان ثقة. توفي في رمضان، وله ثمان وثمانون سنة.

سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي الأصبهاني المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزهري، ابن أخي رستة وجماعة، وكتب الكثير، توفي في ذي القعدة.

وأبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البغدادي، نزل مصر، وحدث عن البغوي، وأبي بكر بن أبي داود. قال الخطيب: كان شيء الحال في الرواية، توفي بمصر.

ومحمد بن عبد الملك بن ضيفون، أبو عبد الله اللخمي القرطي الحداد. سمع عبد الله بن يونس القبري، وقاسم أصبغ، وبمكة من أبي سعيد ابن الأعرابي. قال ابن الفرضي: لم يكن ضابطا، اضطر في أشياء.

ويحيى بن إسماعيل الحربي المزكى، أبو زكريا، بنيسابور، في ذي الحجة، وكان رئيسا أدبيا أخباريا متقنا. سمع من مكي بن عبدان وجماعة.

سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي العلامة أبو الحسين أحمد بن فارس الرازي اللغوي، صاحب المجمل، نزيل همذان. روى عن أبي الحسن القطان وطائفة، ومات بالري.

والتاهرتي، أبو الفضل أحمد بن القاسم بن عبد الرحمن التميمي البزاز، العبد الصالح. سمع بالأندلس من قاسم بن، أصبخ وطبقته. وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر.

والخفاف، أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري، مسند خراسان، توفي في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة. وهو آخر من حدث عن أبي العباس السراج.

والإخميمي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري. روى عن محمد بن ريان بن حبيب، وعلي بن أحمد بن علان وطائفة.

وأبو نصر الملاحمي، محمد بن أحمد بن محمد البخاري، رواي كتاب القراءة خلف الإمام وكتاب رفع اليدين تأليف البخاري، رواهما عن محمود بن إسحاق، وكان ثقة، يحفظ ويفهم، عاش ثلاثا وثمانين سنة.

وعبد الوارث بن سفيان، أبو القاسم القرطبي الحافظ، ويعرف بالحبيب، أكثر عن القاسم بن أصبغ، وكان من أوثق الناس فيه، توفي لخمس بقين من ذي الحجة، حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكثير.

وأبو عبد الله بن مندة، الحافظ العلم، محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى العبدي الأصبهاني الجوال، صاحب التصانيف، طوف الدنيا، وجمع وكتب ما لا ينحصر، وسمع من ألف وسبعمائة شيخ، وأول سماعه ببلده، في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، ومات في سلخ ذي القعدة، وبقي في الرحلة بضعا وثلاثين سنة. قال أبو إسحاق بن حمزة الحافظ: ما رأيت مثله. وقال عبد الرحمن ابن منده: كتب أبي عن أبي سعيد الأعرابي ألف جزء، وعن خيثمة ألف جزء. وعن الأصم ألف جزء، وعن الهيثم الشاشي ألف جزء. وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله بن مندة: سيد أهل زمانه.

سنة ست وتسعين وثلاثمائة

فيها توفي أبو عمر الباجي، أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي، الحافظ العلم، في المحرم، وله ثلاث وستون سنة. وكان يحفظ عدة مصنفات، وكان إماما في الأصول والفروع.

وأبو الحسن بن الجندي، أحمد بن محمد بن عمران البغدادي، وله سنة ست وثلاثمائة، وروى عن البغوي، وابن صاعد، وهو ضعيف شيعي.

وأبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية بجرجان، وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه. وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة، وهو يقرأ في صلاة المغرب {إياك نعبد وإياك نستعين} ففاضت نفسه، وله ثلاث وستون سنة.

وأبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق، ويعرف بأخي تبوك، ولد سنة ست وثلاثمائة وروى عن محمد بن حريم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما. قال عبد العزيز الكتاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الأول.

وأبو الحسن الحلبي، علي بن محمد بن إسحاق القاضي الشافعي نزيل مصر. روى عن علي بن عبد الحميد الغضائري، ومحمد ب إبراهيم بن نيروز وطبقتهما. ورحل إلى العراق ومصر، وعاش مائة سنة.

والبختري، صاحب الأربعين المروية، أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكي الحافظ. روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته. قال الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرزين في المذاكرة. توفي في شعبان، وله ثلاث وستون سنة.

أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل وابن المأمون العباسي، ثقة مشهور، يروي عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة. وهو جد جد أبو الغنائم عبد الصمد بن المأمون.

وابن زنبور، أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق، ببغداد في صفر. روى عن البغوي، وابن صاعد وطبقتهما، وابن أبي داود. قال الخطيب: ضعيف جدا.

سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

فيها كان خروج أبي ركوة، وهو أموي من ذرية هشام بن عبد الملك، كان يحمل الركوة في السفر، ويتزهد، وقد لقي المشائخ، وكتب الحديث، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أمية، ودخل الشام واليمن، وهو في خلال ذلك، يدعو إلى القائم من بني أمية، ويأخذ البيعة على من يستجيب له، ثم جلس مؤدبا، واجتمع عنده أولاد العرب، فاستولى على عقولهم وأسر إليهم أنه الإمام، ولقب نفسه الثائر بأمر الله، وكان يخبرهم بالمغيبات، ويمخرق عليهم، ثم إنه حارب متولي تلك الناحية من المغرب وظفر به، وقوي بم حواه من العسكر، ونزل ببرقة، فأخذ من يهودي بها مائتي ألف دينار، وجمع له أهلها، مائتي ألف دينار، وضرب السكة باسمه، ولعن الحاكم، فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفا، فظفروا به، وأتوا به إلى الحاكم فقتله، ثم قتل الجيش الذين ظفروا به.

وفيها أصاب ركب العراق عطش شديد، واعتقلهم ابن الجراح على ما طلبه، وضاق القوم، وخافوا فوات الحج، فردوا ودخلوا بغداد يوم عرفة.

وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلس المالكي، مفتي قرطبة، وقاضي بطليوس، وأخو حامد الزاهد.

وأبو الحسن بن القصار، علي بن عمر البغدادي، الفقيه المالكي صاحب كتاب مسائل الخلاف. قال أبو إسحاق الشيرازي: لا أعرف لهم كتابا في الخلاف أحسن منه. وقال أبو ذر الهروي: هو أفقه من رأيت من المالكية. ومن طبقته: أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي، الفقيه الشافعي. قال الخليل: هو أفضل من لقيناه بالري، كان مفتيها قريبا من ستين سنة. أكثر من عبد الرحمن بن أبي حاتم، وجماعة. وكان له في كل علم حظ، وعاش قريبا من مائة سنة.

وابن واصل، الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ، وهم يسخرون منه، ويقول بعضهم: إن ملكت فاستخدمني، فتنقلت به الأحوال، وخرج وحارب، وملك سيراف والبصرة، ثم قصد الأهواز، وكثر جيشه، والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه، ثم أخذ البطائح، وأخذ خزائن متوليها مهذب الدولة، فسار لحربه فخر الملك، أبو غالب، فعجز ابن واصل عنه، واستجار بحسان الخفاجي، ثم قصد بدر بن حسنويه، فقتل بواسط، في صفر من هذه السنة.

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة

فيها كانت فتنة هائلة ببغداد، قصد رجل شيخ الشيعة ابن المعلم، وهو الشيخ المفيد، وأسمعه ما يكره. فثار تلامذته، وقاموا واستنفروا الرافضة، وأتوا دار قاضي القضاة أبي محمد بن الأكفاني والشيخ أبي حامد بن الإسفراييني فسبوهما، وحميت الفتنة. ثم إن السنة أخذوا مصحفا، قيل إنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير، فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه، فأحضر بمحضر منهم، فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف، فأخذ وقتل. فثارت الشيعة ووقع القتال بينهم وبين السنة، واختفى أبو حامد، واستظهرت الروافض، وصاحوا: الحاكم يا منصور، فغضب القادر بالله، وبعث خيلا لمعاونة السنة، فانهزمت الرافضة، وأحرقت بعض دورهم وذلوا، وأمر عميد الجيوش بإخراج ابن المعلم من بغداد، فأخرج، وحبس جماعة، ومنع القُصاص مدة.

وفيها زلزلت الدينور، فهلك تحت الردم، أزيد من عشرة آلاف. وزلزلت سيراف والسيف، وغرق عدة مراكب، ووقع برد عظيم، وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم.

وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة قمامة بالقدس، لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم، ثم هدم الكنائس التي في مملكته، ونادى: من أسلم، وإلا فليخرج من مملكتي، أو يلتزم بما آمر. ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم، وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري، وبتعليق خشبة مثل المكمدة، وزنها ستة أرطال، في عنق اليهودي، إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه، فقيل: كانت الخشبة على تمثال رأس عجل. وبقي هذا سنوات، ثم رخص لهم في الردة، لكونهم مكرهين، وقال: ننزه مساجدنا عمن لا نية في الإسلام.

وفيها توفي البديع، أبو الفضل أحمد بن الحسن الهمذاني، الأديب العلامة، بديع الزمان، صاحب المقامات المشهورة وصاحب الرسائل، وكان فصيحا مفوها، وشاعرا مفلقا. توفي بهراة، في جمادى الآخرة.

وابن لآل، الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني. قال شيرويه: كان ثقة، أوحد زمانه، مفتي همذان، له مصنفات في علوم الحديث، غير انه كان مشهورا بالفقه، له كتاب السنن ومعجم الصحابة. عاش تسعين سنة. والدعاء عند قبره مستجاب. قلت: سمع الكثير، وأكثر الترحال، وروى عن محمد بن حمدويه المروزي، وأبي سعيد بن الأعرابي وطبقتهما.

وأبو نصر الكلاباذي، الحافظ أحمد بن محمد بن الحسين. وكلاباذ محلة ببخارى. صنف رجال صحيح البخاري، وغير ذلك. وعاش خمسا وسبعين سنة. قال جعفر المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم. قلت: روى عن الهيثم بن كليب الشاشي، وعبد الله الحسن بن هارون البغدادي، ولي قضاء مدينة المنصور وقضاء الكوفة، وأملى الكثير عن المحاملي وابن عقدة وطبقتهما. قال الدارقطني: هو في غاية الفضل والدين، عالم بالأقضية، عالم بصناعة المحاضر والترسل، موفق في أحواله كلها، رحمه الله.

والبافي، أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الفقيه الشافعي، ببغداد في المحرم، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي إسحاق المروزي، وهو من أصحاب الوجوه.

والببغاء، الشاعر المشهور، أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبي، مدح سيف الدولة ابن حمدان والكبار، ولقبوه الببغاء لفصاحته، وقيل للثغة في لسانه.

وأبو القاسم بن الصيدني، عبد الله بن أحمد بن علي. روى مجلسين عن ابن صاعد، وهو آخر الثقات في أصحابه، وروى عن جماعة، توفي في رجب، ببغداد.

سنة تسع وتسعين وثلاثمائة

فيها رجع الركب العراقي، خوفا من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد، وأما ركب البصرة، فأخذه بنو زغب الهلاليون، قال ابن الجوزي في منتظمه: يأخذون للركب ما قيمته ألف ألف دينار.

وفيها توفي أحمد بن أبي عمران، أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة. روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، وخيثمة الأطرابلسي وطائفة، وصحب محمد بن داود الرقي. روى عنه خلق كثير من الحجاج.

وأبو العباس البصير، أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الأعمى الحافظ. روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم واستملى عليه، وسمع بنيسابور، من أبي حامد بن بلال وطائفة. وكان من أركان الحديث، وقد ولد أعمى.

والنامي، الشاعر البليغ، أبو العباس أحمد بن محمد، كان تلو المتنبي في الرتبة عند سيف الدولة، وكان مقدما في اللغة، وله مع المتنبي معارضات ووقائع، وطال عمره، وصار شيخ الأدب بالشام. روى عن علي ابن سليمان الأخفش، والصولي، وعاش تسعين سنة.

وأبو الرقعمق الشاعر، صاحب المجون والنوادر، أبو حامد أحمد بن محمد النطاكي، دخل مصر، ومدح المعز وأولاده، والوزير ابن كلس.

وخلف بن أحمد بن محمد بن الليث البخاري، صاحب بخارى وابن صاحبها، كان عالما جليلا، مفضلا على العلماء وطبقته. ومات شهيدا في الحبس ببلاد الهند.

وأبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن عبيد الله بن غلبون الحلبي، ثم المصري، شيخ الديار المصرية في القراءات، ومصنف التذكرة، رحل إلى البصرة، وقرأ بها على صاحب أبي العباس الأشناني. وبمصر على أبيه، وأبي عدي عبد العزيز، وغيره واحد.

وأبو مسلم الكاتب، محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر، في ذي القعدة، كان آخر من روى عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وروى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه، وسمع بالجزيرة والشام والقيروان، وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد، وما عداه مفسود.

وابن أبي زمنين، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المري الأندلس الألبيري، نزيل قرطبة، وشيخها ومفتيها، وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد. سمع من سعيد بن فحلون، ومحمد بن معاوية القرشي وطائفة، وكان راسخا في العلم مفننا في الآداب، مقتفيا لآثار السلف، صاحب عبادة وإنابة وتقوى، عاش خمسا وسبعين سنة. وتوفي في ربيع الآخر. ومن كتبه اختصار المدونة، ليس لأحد مثله.

سنة أربعمائة

فيها أقبل الحاكم -قاتله الله- على التأله والدين، وأمر بإنشاء دار العلم بمصر، وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين، وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة، وكثر الدعاء له، فبقي كذلك ثلاث سنين، ثم أخذ يقتل أهل العلم، وأغلق تلك الدار، ومنع من فعل الكثير من الخير.

وفيها توفي ابن خرشيذ قوله، أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيذ قوله الأصبهاني التاجر، في المحرم، وله ثلاث وتسعون سنة. دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وسمع من ابن زياد النيسابوري، وابن عقدة، والمحاملي، وكان أسند من بقي بأصبهان، رحمه الله.

وأبو مسعود الدمشقي، إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ، مؤلف أطراف الصحيحين. روى عن عبد الله بن محمد بن السقا، وأبي بكر المقرئ وطبقتهما، وكان عارفا بهذا الشأن، ومات كهلا، فلم ينتشر حديثه، توفي في رجب.

وأبو نعيم الإسفراييني، عبد الملك بن الحسن، راوي المسند الصحيح، عن خال أبيه، أبي عوانة الحافظ، وكان صالحا ثقة، ولد في ربيع الأول، سنة عشر وثلاثمائة، واعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمر، وازدحم عليه الطلبة، وأحضروه إلى نيسابور.

سنة إحدى وأربعمائة

فيها أقام صاحب الموصل، الدعوة ببلده للحاكم، أحد خلفاء الباطنية، لأن ر سل الحاكم، تكررت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلد فأفسدوه، ثم سار قرواش إلى الكوفة، فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن، وأمر خطيب الأنبار بذلك، فهرب وأبدى قرواش بن مقلد صفحة الخلاف، وعاش وأفسد، فقلق القادر بالله، وأرسل إلى الملك بهاء الدولة، مع ابن الباقلاني المتكلم، فقال: قد كاتبنا أبا علي إلى عميد الجيوش في ذلك، ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار، وإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا. ثم إن قرواش بن مقلد، خاف الغلبة، فأرسل يعتذر، وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ركب العراق، لفساد الوقت.

وفيها توفي عميد الجيوش، أبو علي الحسين بن أبي جعفر، وله إحدى وخمسون سنة. كان أبوه من حجاب عضد الدولة، فخدم أبو علي بهاء الدولة، وترقرقت حاله، فولاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق، فأحسن سياستها، وحمدت أيامه، وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر، فأبطل عاشوراء الرافضة، وأباد الحرامية والشطار، وقد جاء في عدله وهيبته حكايات.

وأبو عمر بن المكوى، أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي، انتهت إليه رئاسة العلم بالأندلس في زمانه، مع الورع والصيانة، دعي إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع، وصنف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك، في عشر مجلدات، توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة.

وأبو عمر بن الجسور، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي. روى عن قاسم بن أصبغ وخلق، ومات في ذي القعدة، وهو أكبر شيخ لابن حزم.

وأبو عبيد الهروي، أحمد بن محمد المؤدب، صاحب الغريبين، أخذ عن الأزهري وغيره، توفي في رجب.

وأبو بكر الحنائي، عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب، نزيل دمشق. روى عن يعقوب الجصاص وجماعة، وكان ثقة.

وعبد العزيز بن محمد بن النعمان بن محمد بن منصور، قاضي القضاة للعبيدين، وابن قاضيهم، وحفيد قاضيهم. قتله الحاكم، وقتل معه قائد القواد حسين، ابن القائد جوهر، وبعث من حمل إليه برأس قاضي طرابلس، أبي الحسين علي بن عبد الواحد البري، لكونه سلم عزاز. إلى متولي حلب.

وأبو الفتح البستي، علي بن محمد الكاتب، شاعر وقته وأديب ناحيته.

وأبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري، محمد بن الحسين بن داود، شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي، ومحمد بن إسماعيل المروزي، صاحب علي بن حجر وطبقتهما. وكان سيدا نبيلا صالحا. قال الحاكم: عقدت له مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث، وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، توفي فجأة في جمادى الآخرة، رحمه الله.

وأبو علي الخالدي الذهلي، منور بن عبد الله الهروي. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة، قال أبو سعد الإدريسي: كذاب روى عنه أبو قادم الغنودي وعبد الرحمن بن عبيد وكان ابن ميمون والحديث والصحيح أنه مات سرا.

سنة اثنتين وأربعمائة

فيها أذن فخر الملك أبو غالب، الذي ولي العراق بعد عميد الجيوش، بعمل المأتم يوم عاشوراء.

وفيها كتب محضر ببغداد، في قدح النسب الذي تدعيه خلفاء مصر، والقدح في عقائدهم، وأنهم زنادقة، وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي إخوان الكافرين، شهادة يتقرب بها إلى الله، شهدوا جميعا أن الناجم بمصر، وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم، حكم الله عليه بالبوار. إلى أن قال: فانه لما صار -يعني المهدي- إلى المغرب، وتسمى بعبيد الله، وتلقب بالمهدي، وهو مع من تقدمه من سلفه الأنجاس، أدعياء خوارج، لا نسب لهم في ولد علي رضي الله عنه، ولا يعلمون أن أحدا من الطالبيين، توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء، وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين، وأن هذا الناجم بمصر وسلفه، كفار وفساق، لمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة، وكتب خلق في المحضر، منهم: الشريف المرتضي، وأخوه الشريف الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والإمام أبو الحسين القدوري، وخلق.

وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار، لكن بسكينة.

وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم، أبو عمر الأندلس، والد العلامة أبي محمد، كان كاتبا منشئا لغويا، وتبحر في علم البيان.

وأبو الحسين السوسنجردي، أحمد بن عبد الله بن الخضر البغدادي، المعدل. روى عن ابن البختري وجماعة، وكان ثقة صاحب سنة.

وقاضي الجماعة، أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي، صاحب التصانيف، في ذي القعدة، وله أربع وخمسون سنة. سمع من أحمد ب عون الله وطبقته. وكان من جهابذة المحدثين وحفاظهم، جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس، وكان يملي من حفظه، وقيل: إن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسمية، ولي القضاء والخطابة، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وعزل بعد تسعة أشهر، وله كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتي جزء وخمسين جزءا، وقد ولي الوزارة أيضا.

وعثمان الباقلاني، أبو عمرو البغدادي الزاهد، وكان عابدا أهل بغداد في زمانه، رحمه الله.

وأبو الحسن السامري الرفاء علي بن أحمد صالح، ثقة. روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي.

وأبو الحسن الداراني، علي بن دادو القطان المقرئ، حدث عن خيثمة، وقرأ علي ابن النضر الأخرم، وولي إمامة جامع دمشق. قال رشا بن نظيف: لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر، وهو الذي طلع كبراء دمشق، وطلبوه لإمامة الجامع، فوثب أهل داريا بالسلاح ومانعوهم، وقالوا لا ندع لكم إمامنا، حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر، فقالوا: أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد، أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام؟ فقالوا: رضينا، فقدمت له بغلة القاضي، فأبى وركب حماره، وسكن في المنارة الشرقية، وكان لا يأخذ على الصلاة ولا اراء أجرا، ويقتات من أرض له رحمه الله تعالى.

وأبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير، أحد أعلام القرآن، أقرأ بمصر عن عبد الباقي ابن السقا، والسامري وجماعة، وصنف المنشأ في القراءات. وعاش ثمانيا وستين سنة.

وابن جميع، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي، صاحب المعجم المروي. رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس. روى عن أبي روق الهزاني والمحاملي وطبقتهما، ومات في رجب، وله سبع وتسعون سنة. وسرد الصوم، وله ثماني عشرة سنة، إلى أن مات. وثقه الخطيب.

وابن النجار، أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي النحوي المقرئ، آخر من حدث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني، وابن دريد قال العتيقي هو ثقة، توفي بالكوفة في جمادى الأولى. وقال الأزهري: كان مولده في سنة ثلاث وثلاثمائة في المحرم.

وابن اللبان الفرضي، العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري. روى سنن أبي داود عن ابن داسة، وسمعها منه القاضي أبو الطيب الطبري. قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض. وصنف فيها كتبا، ومات في ربيع الأول.

وأبو عبد الله الجعفي، محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي، المعروف بالهرواني، أحد الأئمة الأعلام في مذهب أبي حنيفة. روى عن محمد بن القاسم المحاربي وجماعة. قال الخطيب: قال من عاصره بالكوفة: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه، إلى وقته، أحد أفقه منه. وقال لي العتيقي: ما رأيت مثله بالكوفة. قلت: ولد سنة خمس وثلاثمائة، وقد قرأ عليه غلام الهراس.

وأبو علي منتجب الدولة، لولو السمراوي، ولي نيابة دمشق للحاكم، وعزل بعد ستة أشهر، ولما هموا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلا بها، عبأ أصحابه، ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة، وقتل جماعة، ثم طلع لولو من سطح واختفى، فنودي عليه في البلد: من جاء به، فله ألف دينار، فدل عليه رجل وحبس، فجاء أمر الحاكم بقتله، فقتل.

وابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز، شيخ ابن حزم. روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة، وكان عدلا صالحا.

سنة ثلاث وأربعمائة

فيها أُخذ الركب العراقي وتسمى نوبة واقصة. نزل فليتة الخفاجي قبحه الله في ستمائة بواقصة، فغور المياه، وطرح الحنظل في الآبار، فلما جاء الركب إلى العقبة، حبسهم ومنعهم العبور، إلا بخمسين ألف دينار، فخافوا وضعفوا وعطشوا، فهجم الملعون عليهم، فلم يكن عندهم منعة، وسلموا أنفسهم، فاحتوى على الجمال بالأحمال وأستاقها، وهلك الركب إلا القليل، فقيل إنه هلك خمسة عشر ألف إنسان، فأمر فخر الملك الوزير علي بن مزيد، فصار فأدركهم بناحية البصرة، فظفر بهم، وقتل طائفة كبيرة، وأسر والد فليتة والأشتر وأربعة عشر رجلا. ووجدوا أموال الناس قد تمزقت، فانتزع ما أمكنه، فعطشوا الأسرى على جانب دجلة، يرون الماء ولا يسقون، حتى هلكوا.

وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصرصري البغدادي، سمع أبا عبد الله المحاملي وابن عقدة. قال البرقاني: ثقة صدوق.

وفيها ولي على أبو حامد الإسفراييني وبهاء الدولة السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة بن بزيه الديلمي، صاحب العراق وفارس، توفي بأرجان، في جمادى الأولى، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة. ومات بعلة الصرع، وولي بعده ابنه سلطان الدولة، فبقي في الملك اثني عشر عاما.

والحسن بن حامد، أبو عبد الله البغدادي، شيخ الحنابلة قال القاضي أبو يعلي: كان ابن حامد، مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه، وله المصنفات العظيمة، منها الكتاب الجامع، نحو أربعمائة جزء، في اختلاف العلماء، وكان معظما مقدما عند الدولة والعامة. وقال غيره: روى عن النجاد وغيره، وتفقه على أبي بكر عبد العزيز، وكان قانعا، يأكل من النسخ، ويكثر الحج، فلما كان في هذا العام، حج وعدم فيمن عدم، إذ أخذ الركب.

والقاضي أبو عبد الله الحليمي، الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري، الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف، أخذ عن أبي علي القفال، والشاشي، وسمع من محمد بن أحمد بن خنب، وجماعة. وهو صاحب وجه في المذهب، توفي في ربيع الأول، وله مخمس وستون سنة. وكان إماما متقنا.

وأبو علي الروذباري، الحسين بن محمد الطوسي، راوي السنن عن ابن داسة، توفي في ربيع الأول، أكثر عنه البيهقي ولي الحاكم وجده حسن.

وأبو الوليد بن الفرضي، عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ، مؤلف تاريخ الأندلس. قال ابن عبد البر: كان فقيها عالما في جميع فنون العلم، في الحديث والرجال، قتلته البربر في داره. وقال أبو مروان بن حيان: وممن قتل يوم فتح قرطبة: الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي، وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة، ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث، والافتنان في العلوم، والأدب البارع، ولي قضاء بلنسية، وكان حسن البلاغة والخط. قلت: عاش اثنتين وخمسين سنة.

وأبو الحسن القابسي، علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه، شيخ المالكية، أخذ عن ابن مسرور الدباغ، وفي الرحلة عن حمزة الكناني وطائفة، وصنف تصانيف فائقة في الأصول والفروع، وكان مع تقدمه في العلوم، صالحا تقيا ورعا، حافظا للحديث وعلله، منقطع القرين، وكان ضريرا.

وابن الباقلاني، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي الأصولي المتكلم، صاحب المصنفات، وأوحد وقته في فنه. روى عن أبي بكر القطيعي، وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري، وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة. قال الخطيب: كان ورده في الليل عشرين ترويحة، في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه. توفي في ذي القعدة ببغداد.

وأبو بكر الخوارزمي، محمد بن موسى، شيخ الحنفية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب في الآفاق، أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي الرازي، وسمع من أبي بكر الشافعي. قال البرقاني: يقول سمعته يقول: ديننا دين العجائز، ولسنا من الكلام في شيء. وقال القاضي الصيمري: ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي، من حسن الفتوى وحسن التدريس، دعي إلى القضاء مرارا فامتنع، وتوفي في جمادى الأولى.

وأبو رماد الرمادي، شاعر الأندلس، يوسف بن هارون القرطبي الأديب، أخذ عن أبي علي القالي وغيره، وكان فقيرا معدما، ومنهم من يلقبه بأبي حنيش.

سنة أربع وأربعمائة

فيها توفي أبو الفضل السليماني الحافظ، وهو أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري، محدث تلك الديار، طوف وسمع الكثير، وحدث عن علي بن إسحاق المادرائي والأصم وطبقتهما، وجمع وصنف، وتوفي في ذي القعدة، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو الطيب الصعلوكي، سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي، مفتي خراسان. روى عن الأصم وجماعة. قال الحاكم: هو أنظر من رأينا، تخرج به جماعة.

وأبو الفرج النهرواني، مقرئ بغداد، عبد الملك بن بكران، أخذ القراءات عن زيد بن أبي بلال، وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة، وسمع من أبي بكر النجاد وجماعة، وصنف في القراءات، وتصدر مدة يحيى بن عبد الرحمن بن واقد القاضي القرطبي الأرج فيسر المعسر.

سنة خمس وأربعمائة

فيها منع الحاكم بمصر، النساء من الخروج من بيوتهن أبدا، ومن دخول الحمامات، وأبطل صنعة الخفاف لهن، وقتل عدة نسوة خالفهن أمره، وغرق جماعة عجائز.

وفيها توفي أبو الحسن العبقسي، أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار، مسند الحجاز في وقته، وله ثلاث وتسعون سنة. تفرد بالسماع من محمد بن إبراهيم الديبلي وغيره.

وأبو علي بن حكمان، الحسن بن الحسين الهمذاني، الفقيه الشافعي نزيل بغداد. روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وجعفر الخلدي وطبقتهما، وعني بالحديث والفقه، ضعفه الأزهري وأبو الحسن.

والمجبر أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت البغدادي روى، عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وأبي بكر بن الأنباري، وجماعة كثيرة، ضعفه البرقاني وغيره، وتوفي في رجب، وله إحدى وتسعون سنة.

وبكر بن شاذان، أبو القاسم البغدادي الواعظ الزاهد. قرأ على زيد ابن أبي بلال الكوفي، وجماعة. وحدث عن ابن قانع وجماعة. قال الخطيب: كان عبدا صالحا ثقة. توفي في شوال. قلت: قرأ عليه جماعة.

وأبو محمد بن الأكفاني، قاضي القضاة، عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي، حدث عن المحاملي وابن عقدة وخلق. قال أبو إسحاق إبراهيم ابن أحمد الطبري: من قال إن أحدا أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار فقد كذب، غير أبي محمد بن الأكفاني. قلت: ولي القضاء بالعراق، سنة ست وتسعين، وعاش تسعا وثمانين سنة.

والإدريسي الحافظ، أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي، نزيل سمرقند ومحدثها ومؤرخها. سمع الأصم فمن بعد، وألف الأبواب والشيوخ.

وأبو نصر بن نباتة عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة، أحد شعراء العصر ببغداد، ولد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، ومدح الملوك والوزراء، وله ديوان كبير. قال رئيس الرؤساء: ما شاهد ابن نباتة الشاعر، أشعر منه، وكان يعاب بكبر فيه.

وأبو القاسم عبد الواحد بن الحسين شيخ الشافعية بالبصرة وهو صاحب وجه في المذهب وعليه تفقه أقضى القضاة الماوردي ولا أعلم متى توفي.

وأبو بكر بن أبي الحديد، محدث دمشق، محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد السلمي الدمشقي المعدل. روى عن أبي الدحداح أحمد بن محمد، وأبي بكر الخرائطي وطائفة. وكان ثقة نبيلا جليل القدر، عاش ستا وتسعين سنة.

والحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهمان النيسابوري، الحافظ الكبير، ويعرف أيضا بابن البيع، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، واعتنى به أبوه، فسمع في صغره، ثم هو بنفسه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، وحدث عن الأصم، وعثمان بن السمك وطبقتهما، وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحط على معاوية. وهو ثقة حجة. توفي في صفر.

وابن كج، القاضي أبو القاسم يوسف بن أحمد بن كج الدينوري، صاحب الإمام أبي الحسن بن القطان. صنف التصانيف، وكان بعض الفقهاء يفضله على أبي حامد الإسفراييني، وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي، وكان أيضا محتشما جوادا ممدحا، وهو صاحب وجه. وقد قال له هه: يا أستاذ، الاسم لأبي حامد والعلم لك، قال: ذاك رفعته بغداد، وحطتني الدينور، قتل ليلة السابع والعشرين من رمضان، رحمه الله تعالى.

سنة ست وأربعمائة

فيها توفي الشيخ أبو حامد الإسفراييني، أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد، الفقيه، شيخ العراق، وإمام الشافعية، ومن انتهت إليه رئاسة المذهب. قدم بغداد صبيا، وتفقه على ابن المرزبان، وأبي القاسم الداركي، وصنف التصانيف، وطبق الأرض بالأصحاب، وتعليقته في نحو خمسين مجلدا، وكان يحضر درسه سبعمائة فقيه. توفي في شوال، وله اثنتان وستون سنة. وقد حدث عن أبي أحمد بن عدي وجماعة.

والملك باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري الصنهاجي المغربي، متولي إفريقية، نصير الدولة، واي للحاكم، وعاش بضعا وثلاثين سنة. وكان ملكا حازما شديد البأس، إذا هز رمحا كسره، ومات فجأة، وقام بعده، ولده المعز.

وأبو علي الدقاق، الحسن بن علي النيسابوري، الزاهد العارف شيخ الصوفية، توفي في ذي الحجة. وقد روى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره.

وأبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسر، صنف في علوم القرآن والآداب، وله كتاب عقلاء المجانين. سمع من الأصم وجماعة. وتوفي في ذي الحجة.

وأبو يعلى المهلبي، حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابوري الطبيب. روى عن محمد بن أحمد بن ددويه، صاحب البخاري، وأبي حامد ابن بلال، وجماعة. وتفرد بالسماع من غير واحد، توفي يوم النحر عن سن عالية.

وأبو أحمد الفرضي عبيد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقرئ، شيخ بغداد. قرأ على أحمد بن بويان، وسمع من يوسف بن البهلول الأزرق، والمحاملي. قال الخطيب: كان ثقة دينا ورعا. وقال العتيقي: ما رأينا في معناه مثله. وقال الأزهري: إمام من الأئمة. قلت: عاش اثنتين وثمانين سنة.

وأبو الهيثم عتبة بن خيثمة بن محمد بن حاتم التميمي النيسابوري، شيخ الحنفية بخراسان، كان عديم النظير في الفقه والفتوى. نفقه على أبي الحسين قاضي الحرمين، وأبي العباس التبان، وسمع لما حج من أبي بكر الشافعي، وجماعة. وولي قضاء نيسابور تسع سنين روى عنه ابن خلف.

وابن فورك، الإمام المتكلم، أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم، صاحب التصانيف في الأصول والعلم. روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس، وتصدر للإفادة بنيسابور، وكان ذا زهد وعبادة، وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو.

والشريف الرضي، نقيب العلويين، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي، الشاعر المفلق، الذي يقال إنه أشعر قريش، ولد تسع وخمسين وثلاثمائة، وابتدأ بنظم الشعر، وله تسع سنين، وكان مفرط الذكاء، له ديوان في أربعة مجلدات.، وقيل إنه أحضر في مجلس أبي سعيد السيرافي. فسأله ما علامة النصب في عمر، فقال: بغض علي، فعجبوا من حدة ذهنه، ومات أبوه في سنة أربعمائة أو بعدها، وقد نيف على التسعين. وأما أخوه الشريف المرتضي فتأخر.

سنة سبع وأربعمائة

فيها سقطت القبة العظيمة التي على صخرة بيت المقدس.

وفيها هاجت فتنة مهولة بواسط بين الشيعة والسنة. ونهبت دور الشيعة وأحرقت، وهربوا وقصدوا علي بن مزيد، واستنصروا به.

وفيها توفي أبو بكر الشيرازي، أحمد بن عبد الرحمن الحافظ، مصنف كتاب الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة: مات في شوال.

وعبد الملك بن أبي عثمان، أبو سعيد النيسابوري، الواعظ القدوة، المعروف بالخركوشي، صنف كتاب الزهد وكتاب دلائل النبوة وغير ذلك. قال الحاكم: لم أر أجمع منه علما وتواضعا، وإرشادا إلى الله، زاده الله توفيقا، وأسعدنا بأيامه. روى عن حامد الرفا وطبقته، وتوفي في جمادى الأولى.

ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان، أبو عبد الله البصري، مؤلف فضائل الشافعي في المحرم. روى عن عبد الله بن جعفر بن الورد وطائفة.

وأبو الحسين المحاملي، محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي البغدادي، الفقيه الشافعي الفرضي شيخ سليم الرازي. روى عن إسماعيل الصفار وطائفة.

والوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي، الذي صنف الفخري في الجبر والمقابلة باسمه، وكان جوادا ممدحا كبير القدر، كامل السؤدد، قتله مخدومه سلطان الدولة صاحب العراق ظلما، وله ثلاث وخمسون سنة. وقد كانت بغداد انغمرت بعدله وحسن سياسته، وكان أبوه صيرفيا بواسط.

سنة ثمان وأربعمائة

فيها وقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة وتفاقمت. وقتل طائفة من الفريقين، وعجز صاحب الشرطة عنهم وقاتلوه، فأطلق النيران في سوق نهر الدجاج.

وفيها استتاب القادر بالله -وكان صاحب سنة- طائفة من المعتزلة والرافضة، وأخذ خطوطهم بالتوبة، وبعث إلى السلطان محمود بن سبكتكين يأمره ببث السنة بخراسان، ففعل ذلك وبالغ وقتل جماعة، ونفى خلقا كثيرا من المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والجهمية والمشبهة، وأمر بلعنهم على المنبر.

وفيها قتل الدرزي وقطع، لكونه ادعى ربوبية الحاكم.

وفيها توفي ابن ثرثال، أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التميمي البغدادي، في ذي القعدة بمصر، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن المحاملي، ومحمد بن مخلد. وله جزء واحد، رواه عنه الصوري والحبال.

وابن البيع، أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي المؤدب، صاحب المحاملي. وثقه الخطيب، ومات في رجب.

واليزدي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني، محدث أصبهان. روى عن محمد بن الحسين القطان، والأصم وطبقتهما. وتوفي في رجب.

وأبو الفضل الخزاعي، محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني المقرئ، مصنف كتاب الواضح. وكان كثير التطواف في طلب القراءات، أخذ عن الحسن بن سعيد المطوعي وطبقته. وكان غير صادق ولا ثقة.

وأبو عمر البسطامي، محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم، الفقيه الشافعي، قاضي نيسابور، وشيخ الشافعية بها، رحل وسمع الكثير، ودرس المذهب، وأملى عن الطبراني وطبقته، توفي في ذي القعدة.

سنة تسع وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسين بن المتيم، أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي الواعظ، في جمادى الآخرة. له جزء شهور. روى عن المحاملي وجماعة.

وابن الصلت الأهوازي، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت، ولد سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وسمع من المحاملي وابن عقدة، وجماعة. وهو ثقة.

وعبد الله بن يوسف بن مامويه، الشيخ أبو محمد، المعروف بالأصبهاني، وإنما هو أردستاني، نزل نيسابور، وكان من كبار الصوفية، وثقات المحدثين الرحالة. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، ومحمد بن الحسين القطان، وجماعة. توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.

وعبد الغني بن سعيد بن علي، الحافظ الكبير النسابة، أبو محمد الأزدي المصري، صاحب التصانيف، في سابع صفر، وله سبع وسبعون سنة. روى عن عثمان بن محمد السمرقندي، وإسماعيل بن الجراب وطبقتهما. ورحل إل الشام، فسمع من الميانجي وطبقته. وكان الدراقطني يفخم أمره، ويرفع ذكره، ويقول: كأنه شعلة نار. وقال منصور الطوسي: خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا، فقال: تبكون وعندكم عبد الغني وفيه الخلف. وقال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من عبد الغني.

والقاسم بن أبي المنذر الخطيب، أبو طلحة القزويني. راوي سنن ابن ماجة، عن أبي الحسن القطان، عنه. توفي في هذا العام، أو في الذي بعده.

سنة عشرة وأربعمائة

فيها افتتح ابن سبكتكين الهند، وقهر عباد البُد، وأسلم نحو من عشرين ألفا، وقتل من الكفار نحو خمسين ألفا، وهدم مدينة الأصنام. وبلغ الخمس من الرقيق فقط ثلاثة وخمسين ألفا، واستولى على عدة قلاع وحصون، ومما حصل من الورق، عشرون ألف ألف درهم، إلى أمثال ذلك. وكان جيشه ثلاثين ألف فارس، سوى الرجالة والمطوعة.

وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصنيف، لست بقين من رمضان، وقد قارب التسعين. سمع بأصبهان والعراق. وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته.

وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، أبو القاسم الشيباني الدمشقي المؤدب، في رجب. روى عن خيثمة وطبقته، واتهموه في لقي أبي إسحاق ابن أبي ثابت، ويذكر عنه الاعتزال.

وابن بالويه المزكي، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن بالويه النيسابوري، آخر من روى عن محمد بن الحسين القطان. وكان ثقة نبيلا وجيها، توفي فجأة في شعبان، وكان يملي في داره.

وابن بابك الشاعر المشهور، واسمه عبد الصمد بن منصور بن بابك ديوانه في ثلاث مجلدات. وقد قال له الصاحب إسماعيل بن عباد: أنت ابن بابك؟ فقال له: ابن بابك. فأعجبه قوله كثيرا.

وأبو عمر بن مهدي، عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزاز، آخر أصحاب المحاملي، وابن مخلد، وابن عقدة. قال الخطيب: ثقة. توفي في رجب، وله اثنتان وتسعون سنة.

والقاضي أبو منصور محمد بن محمد بن عبد الله الأزدي الهروي، شيخ الشافعية بهراة، ومسند البلد، رحل وسمع ببغداد من أحمد بنى عثمان الأدمي، وبالكوفة من ابن دحيم وطائفة، توفي فجأة في المحرم.

وأبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي، الفقيه الشافعي، عالم نيسابور ومسندها. ولد سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وسمع سنة خمس وعشرين، من أبي حامد بن بلال، ومحمد بن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وخلق. وأملى ودرس، وكان قانعا متعففا، له مصنف في علم الشروط، توفي في شعبان، وقد روى عنه الحاكم مع تقدمه.

وهبة الله بن سلامة، أبو القاسم البغدادي المفسر، مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ. وهو جد رزق الله التميمي لأمه، كان من أحفظ الأئمة للتفسير، وكان ضريرا، له حلقة بجامع المنصور.

سنة إحدى عشرة وأربعمائة

فيها كان الغلاء المفرط بالعراق، حتى أكلوا الكلاب والحمر.

وفيها أبو نصر النرسي، أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي، الصدوق العبد الصالح. روى عن ابن البختري، وعلي بن إدريس الستوري.

والحاكم بأمر الله، أبو علي منصور بن عبد العزيز بن نزار بن المعز العبيدي، صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب.، فقد في شوال، وله ست وثلاثون سنة. جهزت أخته ست الملك عليه من قتله، وكان شيطانا مريدا خبيث النفس متلون الاعتقاد، سمحا جوادا، سفاكا للدماء، قتل خلقا كثيرا من كبراء دولته صبرا، وأمر بشتم الصحابة وكتبه على أبواب المساجد، وأمر بقتل الكلاب، حتى لم يبق بمملكته منها إلا القليل، وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لا فلوس له، وأتى بمن باع ذلك سرا فقتلهم، ونهى عن بيع الرطب، ثم جمع منه شيئا عظيما فأحرقه، وأباد أكثر الكروم، وشدد في الخمر، وألزم أهل الذمة بحمل الصلبان والقرامي في أعناقهم كما تقدم، وأمرهم بلبس العمائم السود وهدم الكنائس، ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه، وأمر بالسلام فقط. وبعث إليه باديس عامله على المغرب، ينكر عليه، فأخذ في استمالته، وحمل في كمه الدفاتر، ولزم التفقه، وأمر الفقهاء ببث مذهب مالك، واتخذ له مالكيين يفقهانه، ثم ذبحهما صبرا، ثم نفى المنجمين من بلاده، وحرم على النساء الخروج، فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر، حتى قتل. ثم تزهد وتأله ولبس الصوف، وبقي يركب حمارا، ويمر وحده في الأسواق، ويقيم الحسبة بنفسه. ويقال إنه أراد أن يدعي الإلهية كفرعون، وشرع في ذلك، فخوفه خواص دولته من زوال دولته فانتهى. وكان المسلمون والذمة في ويل وبلاء شديد معه، حتى إنه أوحش أخته بمراسلات قبيحة، وأنها تزني بطليب بن دواس القائد، وكان خائفا من الحاكم، فاتفقت معه على قتل الحاكم. وسيرته طويلة عجيبة.

وأقامت أخته بعده ولده الظاهر علي بن منصور، وقتلت ابن دواس وسائر من اطلع على سرها. وأعدمت جيفة الحاكم، ولم يجدوا إلا جبته الصوف بالدماء وضربات السكاكين وحماره معرقبا.

والقاضي أبو القاسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي، قاضي ميافارقين، ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة. وكان صدوقا، علامة بالفرائض. روى عن ابن البختري، وإسماعيل الصفار، وجماعة.

وأبو القاسم الخزاعي، علي بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم بن كليب الشاشي عنه، وقد روى عنه جماعة كثيرة، وحدث ببلخ وبخارى وسمرقند، ومات في صفر، ببخارى، عن بضع وثمانين سنة.

سنة اثنتي عشرة وأربعمائة

توفي أبو سعد الماليني، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ. قال الخطيب: كان ثقة متقنا صالحا. وقال غيره: سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، وحدث عن أبي أحمد بن عدي وإسماعيل بن محمد وطبقتهما. وكتب الكتب الطوال، وأكثر التطواف، إلى أن مات. توفي بمصر في سابع عشر شوال.

والحسين بن عمر بن برهان الغزال، أبو عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي، راوي جامع الترمذي عن المحبوبي، سكن هراة، وروى بها الكتاب، قال أبو سعد السمعاني: وهو ثقة صالح، توفي -إن شاء الله- سنة اثنتي عشرة.

غنجار الحافظ، صاحب تاريخ بخارى، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل، أبو عبد الله البخاري. روى عن خلف الخيام وطبقته.

وابن رزقويه الحافظ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزق البغدادي البزار. روى عن ابن البختري، ومحمد بن يحيى الطائي وطبقتهما. قال الخطيب: كان كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد مديما للتلاوة، أملى بجامع المدينة مدة سنين وكف بصره بآخره، ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. وقال الأزهري: أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال، فرده تورعا.

وأبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي الحافظ المصنف، في ذي القعدة، وله أربع وسبعون سنة. سمع من جعفر الخلدي وطبقته، قال الخطيب: كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة، مشهورا بالصلاح، والانتخاب على المشايخ، وكان يملي في جامع الرصافة.

وأبو عبد الرحمن السلمي، محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ، شيخ الصوفية. صحب جده: أبا عمرو بن نجيد، وسمع الأصم وطبقته، وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك، وبلغت تصانيفه مائة. قال محمد بن يوسف النيسابوري القطان: كان يضع للصوفية. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك، مجردا صاحب حديث، وله بنيسابور دويرة للصوفية، توفي في شعبان.

وصريع الدلاء، قتيل الغواشي واسمه محمد بن عبد الواحد البصري، الشاعر الماجن، صاحب المقصورة المشهورة: قلقل أحشائي تباريح الجوى وقد أجاد في قوله فيها:

من فاته العلم وأخطأه الغنى... فذاك والكلب على حد سوا

ومنير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخشاب، أبو العباس المصري المعدل، شيخ الخلعي. روى عن علي ابن عبد الله بن أبي مطر وجماعة. قال الحبال: كان ثقة لا يجوز عليه تدليس. توفي في ذي القعدة.

سنة ثلاث عشرة وأربعمائة

فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين، فضرب الأسود بدبوس، فقتلوه في الحال. قال محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي: قام فضرب الحجر ثلاث ضربات، وقال: إلى متى يعبد هذا الحجر، ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله، فإني اليوم أهدم أكثر هذا البيت، فاتقاه أكثر الحاضرين، وكاد أن يفلت، وكان أحمر أشقر جسيما طويلا، وكان على باب المسجد، عشرة فوارس ينصرونه، فاحتسب رجل ورماه بخنجر، ثم تكاثروا عليه، فهلك وأحرق، وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته، واختبط الوفد، ومال الناس على ركب المصريين بالنهب، وتخشن وجه الحجر، وتساقط منه شظايا يسيرة، وتشقق، وظهر مكسره أسمر يضرب إلى الصفرة، محببا مثل حب الخشخاش معمر، فعجن بالمسك واللك الفتات، وحشيت الشقوق وطليت، فهو يبين لمن يتأمله.

وفيها توفي بشيراز، سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي، صاحب العراق وفارس، ولي السلطنة، وهو صبي بعد أبيه، وأرسل إليه القادر بالله، خلع الملك إلى شيراز، وقد قدم إلى بغداد في وسط مملكته، ورجع، وكانت دولته ضعيفة متماسكة، وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر.

وصدقة بن محمد بن أحمد بن محمد، أبو القاسم بن الدلم القرشي الدمشقي، الثقة الأمين، محدث دمشق ومسندها. روى عن أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي الطيب بن عبادل وطائفة، ومات في جمادى الآخرة.

وأبو المطرف القنازعي، الفقيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي. ولد سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته، وقرأ القراءات على جماعة، منهم: علي بن محمد الأنطاكي. ورحل، فأكثر عن الحسن بن رشيق، وعن أبي محمد بن أبي زيد، ورجع، فأقبل على الزهد والانقباض، ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف، فشرح الموطأ، وصنف كتابا في الشروط، وكان أقرأ من بقي بالأندلس.

وعبد العزيز بن جعفر بن خواستي، أبو القا سم الفارسي ثم البغدادي، المقرئ المحدث، مسند أهل الأندلس في زمانه، ولد سنة عشرين وثلاثمائة، وسمع من إسماعيل الصفار، وابن داسة وطبقتهما، وقرأ الروايات على أبي بكر النقاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وكان تاجرا، توفي في ربيع الأول، وقد أكثر عنه أبو عمرو الداني.

وعلي بن هلال، أبو الحسن بن البواب، صاحب الخط المنسوب، كتب على محمد بن أسد، وأخذ العربية عن ابن جني، وكان في شبيبة مزوقا دهانا في السقف، ثم صار يذهب الختم وغيرها، وبرع في ذلك، ثم عني بالكتابة، ففاق فيها الأوائل والأواخر، ووعظ وعبر الرؤيا، وقال النظم والنثر، ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير، ولم يعرف الناس قدر خطه إلا بعد موته، لأنه كتب ورقة إلى كبير، يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين، وقد بسط القول فيها، فلما كان بعد موته بمدة، بيعت تلك الورقة بسبعة عشر دينارا. قال الخطيب: كان رجلا دينا، لا أعلمه روى شيئا. وقال ابن خيرون: كان من أهل السنة، رحمه الله تعالى وتوفي في جمادى الأول.

والجارودي، أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، في شوال. روى عن حامد الرفا، والطبراني وابن نجيد وطبقتهما. وكان شيخ الإسلام، إذا روى نه قال، حدثنا إمام أهل المشرق أبو الفضل الجارودي. وقال أبو النصر الفامي: كان عديم النظير في العلم، خصوصا في علم الحفظ والتحديث، وفي التقلل من الدنيا، والاكتفاء بالقوت، وحيدا في الورع، رحمه الله.

والشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضا: بابن المعلم، عالم الشيعة وإمام الرافضة، وصاحب التصانيف الكثيرة. قال ابن أبي طي في تاريخه -تاريخ الأمة- هو شيخ مشائخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كل عقيدة، مع الجلالة العظيمة، في الدولة البويهية. قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس. وقال غيره: كان عضد الدولة، ربما زار الشيخ المفيد. وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر، عاش ستا وسبعين سنة. وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة والخوارج، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان رحمه الله.

سنة أربع عشرة وأربعمائة

فيها سار السلطان مشرف الدولة أبو علي بن السلطان بهاء الدولة، إلى بغداد، وتلقاه القادر بالله.

وفيها جاء كتاب محمود بن سبكتكين ملك المشرق، بأنه أوغل في بلاد الهند، فأتى لقلعة عظيمة فأخذها بالأمان، وضرب عليهم الخراج.

وفيها توفي أبو القاسم، تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي، الحافظ ابن الحافظ أبي الحسين، في ثالث المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن خيثمة، وأبي علي الحصائري وطبقتهما، قال الكناني: كان ثقة، لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين، وقال أبو علي الأهوازي: ما رأيت مثله في معناه. وقال أبو بكر الحداد، ما رأينا مثل تمام، في الحفظ والخير.

والغضائري، أبو عبد الله الحسين بين الحسن بن محمد بن جليس المخزومي البغدادي. روى عن الصولي والصفار وجماعة. قال الخيطب: كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلا، مات في المحرم.

والحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي العدل. روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة، بدمشق ومصر.

وابن فتحويه، الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري أبو عبد الله، بنسابور، في ربيع الأخر، وكان ثقة مصنفا. روى عن أبي بكر بن السني، عيسى بن حامد الرخجي وطبقتهما، وحصل له حشمة ومال.

وابن جهضم، أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمداني، شيخ الصوفية بالحرم، ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف. روى عن أبي سلمة القطان، وأحمد بن عثمان الأدمي، وعلي بن أبي العقب وطبقتهم، وأكثر الناس عنه، وطال عمره. قال أبو الفضل ابن خيرون: قبل إنه كان يكذب، وقال غيره: اتهموه بوضع الحديث.

وابن ماشاذه، الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن ميلة الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد، روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن حكيم، وأبي علي المصاحفي، وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة، وأملى عدة مجالس، قال أبو نعيم، وبه ختم كتاب الحلية: وختم التحقيق في طريقة الصوفية، بأبي الحسن، لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة، وكان عارفا بالله، فقيها عاملا، له الحظ الجزيل من الأدب. وقال أبو نعيم أيضا: كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، كان ينكر على المشبهة من الصوفية وغيرهم، فساد مقالتهم في الحلو والإباحة والتشبيه.

وأبو عمر الهاشمي، القاسم بن جعفر بن عبد الواحد العباسي البصري القاضي، من ولد الأمير جعفر بن سليمان. ولد اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود، ومن أبي العباس الأثرم، وعلي ابن إسحاق المادرائي وطائفة. قال الخطيب: كان ثقة أمينا، ولي قضاء البصرة، ومات بها في ذي القعدة.

وأبو سعيد النقاش، محمد بن علي عمرو بن مهدي الأصبهاني الحنبلي الحافظ، صاحب التصانيف، في رمضان. روى عن ابن فارس، وإبراهيم الهجيمي، وأبي بكر الشافعي وطبقتهم، وكان ثقة صالحا.

وأبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفار، ببغداد في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن ابن عيش القطان، وابن البختري وطائفة. قال الخطيب: صدوق كتبنا عنه.

والمزكي أبو زكريا بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، شيخ العدالة ببلده، وكان صالحا زاهدا ورعا، صاحب حديث كأبيه أبي إسحاق المزكي. روى عن الأصم وأقرانه، ولقي ببغداد النجاد وطبقته. وأملى عدة مجالس. ومات في ذي الحجة.

سنة خمس عشرة وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن المحاملي، شيخ الشافعية، أحمد بن محمد ابن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي، تفقه على والده أبي الحسين، وعلى الشيخ أبي حامد الإسفرييني، ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة، من ابن أبي السري البكائي، ومات في ربيع الآخر، عن سبع وأربعينن سنة. وكان عديم النظير في الذكاء والفطنة، صنف عدة كتب. قال الشيخ أبو حامد: هو اليوم أحفظ مني: وأحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى أبو العباس الإشبيلي المعدل بمصر، في صفر. سمع عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا الفوارس بن الصابوني وطبقتهما بمصر والشام، انتقى عليه أبو نصر السجزي.

والقاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاسد آبادي المعتزلي، صاحب التصانيف، عمر دهرا في غير السنة. وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، والجلاب، وعبد الله بن جعفر بن فارس.

والعيسوي، أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي، قاضي مدينة المنصور، مات في رجب، وحدث عن أبي جعفر بن البختري وطائفة.

وأبو الحسين بن بشران، علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدل. سمع ابن البختري وطبقته. قال الخطيب: كان صدوقا ثبتا تام المروءة ظاهر الديانة، ولد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وتوفي في شعبان، كتبنا عنه.

وأبو الحسين القطان، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان الأزرق البغدادي الثقة، ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، توفي في رمضان. روى عن إسماعيل الصفار، ومحمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب وطبقتهما، وكان مكثرا.

ومحمد بن سفيان أبو عبد الله القيرواني، صاحب كتاب الهادي في القراءات. تفقه على أبي الحسن القابسي، ورحل فأخذ القراءات عن أبي الطيب بن غلبون وغيره. قال أبو عمرو الداني: كان ذا فهم وحفظ وعفاف.

سنة ست عشرة وأربعمائة

فيها انتشر العيارون ببغداد، وخرقوا الهيبة، وواصلوا العملات والقتل.

وفيها مات السلطان مشرف الدولة، ونهبت خزائنه، وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر، ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة، وهو يومئذ بالبصرة، فخلع على وزيره، علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا. ثم إن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار، ونوهوا باسمه، وكان ولي عهد أبيه، سلطان الدولة، فخطب لهذا ببغداد، واختبط الناس، وأخذت العيارون الناس نهارا جهارا، وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل، ويكبسون البين، ويأخذون صاحبه يعذبونه، إلى أن يقر لهم بذخائره، وأحرقوا دار الشريف المرتضي. ولم يخرج ركب من بغداد.

وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب، أبو الخير، القاضي المصري، حدث عن أبيه، وعثمان بن السمرقندي وطائفة.

وأبو محمد بن النحاس، عبد الرحمن بن عمر المصري البزار، في عاشر صفر، وكان مسند الديار المصرية ومحدثها، عاش بضعا وتسعين سنة. وسمع بمكة من ابن الأعرابي، وبمصر من أبي الطاهر المديني، وعلي بن عبد الله بن أبي مطر وطبقتهما. وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.

وأبو الحسن التهامي، علي بن محمد الشاعر، له ديوان مشهور، دخل مصر بكتب من حسان بن مفرج، فظفروا به وقتلوه سرا، في جمادى الأولى.

وأبو بكر القطان، محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الطائي الدارني، المعروف أيضا: بابن الخلال. صالح ثقة. روى عن خيثمة وجماعة كثيرة.

وأبو عبد الله بن الحذاء القرطبي، محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدث، عاش ثمانين سنة. وروى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن ثابت وطبقتهما، وحج، فأخذ عن أبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر المهندس وطبقتهما. وتفقه على أبي محمد الأصيلي، وألف في تعبير الرؤيا كتاب البشرى في عشرة أسفار، وولي قضاء إشبيلية وغيرها.

ومشرف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة ابن السلطان عضد الدولة الديلمي، ولي مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء، عاش ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر، وكان مدة ملكه خمسة أعوام، وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه، ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار.

سنة سبع عشرة وأربعمائة

فيها قدمت الاسفهسلارية بغداد، فراسلوا العيارين بالكف عن الناس، فلم يفكروا فيهم، وخرجوا إلى خيمهم وسبوهم، وتحاربوا واستعرت الفتنة، ولبسوا السلاح، ودقت الدبادب، وحمي الطويس، ثم هجمت الجند على الكرخ فنهبوه، وأحرقوا الأسواق، ووقعت الرعاع والدعار في النهب، وأشرف الناس على التلف فقام المرتضي وطلع إلى الخليفة واجتمع به، فخلع عليه، ثم ضبطت محال بغداد، لكن شرعوا في المصادرات.

وفيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب، أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي. قال الخطيب: كان رئيسا نزها عفيفا. سمع من عبد الباقي بن قانع، ولم يحدث، وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وقد ولي القضاء أربعة وعشرون نفسا، من أولاد محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب. منهم ثمانية ولوا قضاء القضاة، هذا آخرهم.

وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب، نزيل الأندلس. صنف الكتب، وروى عن القطيعي وطائفة. قال ابن بشكوال: كان يتهم بالكذب.

وأبو بكر القفال المروزي، عبد الله بن أحمد، شيخ الشافعية بخراسان، حذق في صنعته، حتى عمل قفلا ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة. أحس من نفسه ذكاء، وحبب إليه الفقه، فبرع فيه، وصار إلى ما صار، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه، عاش تسعين سنة، ومات في جمادى الأولى. قال ناصر العمري: لم يكن في زمانه أفقه منه، ولا يكون بعده مثله. كنا نقول: إنه ملك في صورة آدمي.

وأبو محمد عبد الله بن يحيى السكري البغدادي، صدوق مشهور روى عن إسماعيل الصفار وجماعة، توفي في صفر.

وأبو الحسن الحمامي، مقرئ العراق، علي بن أحمد بن عمر البغدادي. قرأ القراءات على النقاش، وعبد الواحد بن أبي هاشم، وبكار، وزيد بن أبي بلال وطائفة، وبرع فيها. وسمع من عثمان بن السماك وطبقته. وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن، وعاش تسعا وثمانين سنة. توفي في شعبان.

وأبو حازم العبدوي الجاولي، عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه الهذلي المسعودي النيسابوري الأعرج، يوم عيد الفطر. روى عن إسماعيل بن نجيد وطبقته. قال الخطيب: كان ثقة صادقا حافظا عارفا ويقال إنه كتب عن عشرة أنفس، عشرة آلاف جزء.

وأبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن عثمان العكبري البزاز. روى عن محمد بن يحيى الطائي وجماعة، وعاش سبعا وتسعين سنة. ووثقه الخطيب.

وأبو نصر بن الجندي، محمد بن أحمد بن هارون الغساني الدمشقي، إمام الجامع، ونائب الحكم، ومحدث البلد. روى عن خيثمة، وعلي بن أبي العقب. وجماعة. قال الكتاني: كان ثقة مأنونا، توفي في صفر.

سنة ثماني عشرة وأربعمائة

فيها اجتمعت الحاشية ببغداد، وصمموا على الخليفة، حتى عزل أبا كاليجار، وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر.

وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين، بما فتحه من بلاد الهند، وكسره صنم سومنات، وأنهم فتنوا به، وكانوا يأتون إليه من كل فج عميق، يقربون له القرابين، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزانة الصنم بالأموال، وله ألف نفس يخدمونه، وثلاثمائة يحلقون رؤوس حجابه. وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون، فاستخار العبد الله في الانتداب له، ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة، في ثلاثين ألف فارس، سوى المطوعة، ووصلنا بلد الصنم، وملكنا البلد، وأوقدت النيران على الصنم، حتى تقطع، وقتلنا خمسين ألفا من أهل البلد.

وفيها قدم جلال الدولة ببغداد، وتلقاه الخليفة، ونزل بدار السلطنة. ولم يسر من بغداد ركب.

وفيها توفي أبو إسحاق الاسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأصولي المتكلم الشافعي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف. روى عن دعلج وطبقته، وأملى مجالس، وكان شيخ خراسان في زمانه. توفي يوم عاشوراء، وقد نيف على الثمانين.

وأبو القاسم بن المغربي الوزير، واسمه حسين بن علي الشيعي، لما قتل الحاكم بمصر، أباه وعمه وأخوته، هرب هو وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه، فأكرم مورده، ثم وزر لصاحب ميافارقين: أحمد بن مروان الكردي. وله شعر رائق، وعدة تواليف، عاش ثمانيا وأربعين سنة. وكان من أدهى البشر وأذكاهم.

وأبو القاسم السراج، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه. روى عن الأصم وجماعة، وكان من جلة العلماء توفي في صفر.

وعبد الوهاب بن الميداني، محدث دمشق، وهو أبو الحسين بن جعفر بن علي. روى عن أبي علي بن هارون، واتهم في روايته عنه. وروى عن أبي عبد الله بن جروان وخلق. قال الكتاني: ذكر أبو الحسين، أنه كتب بقنطار حبر، وكان فيه تساهل.

ومحمد بن زهير، أبو بكر النسائي، شيخ الشافعية بنسا، وخطيب البلد. روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطان وطبقتهما.

ومحمد بن محمد بن أحمد الروزبهان، أبو الحسن البغدادي. روى عن علي الستوري، وابن السماك، وجماعة. وتوفي في رجب، قال الخطيب: صدوق.

ومعمر بن أحمد بن محمد بن زياد، أبو منصور الأصبهاني الزاهد، شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني، وأبي الشيخ. ومات في رمضان.

ومكي بن محمد بن الغمر، أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدب، مستملي القاضي الميانجي، أكثر عنه وعن أحمد بن البراثي، وهذه الطبقة. ورحل إلى بغداد، فلقي القطيعي، وكان ثقة.

وأبو القاسم اللالكائي، هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ، الفقيه الشافعي. تفقه على الشيخ أبي حامد، وسمع من المخلص وطبقته، وأكثر من جعفر بن فناكي. قال الخطيب: كان يحفظ ويغهم، صنف كتابا في السنة، وكتاب رجال الصحيحين، وكتابا في السنن. ثم خرج في آخر أيامه إلى الدينور، فمات بها في رمضان كهلا رحمه الله.

سنة تسع عشرة وأربعمائة

كان جلال الدولة السلطان ببغداد، فتخالفت عليه الأمراء وكرهوه، لتوفره على اللعب، وطالبوه، فأخرج لهم من المصاغ والفضيات، ما قيمته أكثر من مائة ألف درهم، فلم يرضهم، ونهبوا دار الوزير، وسقطت الهيبة، ودب النهب في الرعية، وحصروا الملك، فقال: مكنوني من الانحدار، فأجابوه، ثم وقعت صيحة، فوثب وبيده طبر، وصاح فيهم، فلانوا له، وقبلوا الأرض، وقالوا: اثبت، فأنت السلطان، ونادوا بشعاره، فأخرج لهم متاعا كثيرا، فبيع، فلم تف بمقصودهم، ولم يحج ركب من بغداد.

وفيها توفي ابن العالي، أبو الحسين أحمد بن محمد بن منصور البوشنجي خطيب بوشنج. روى عن محمد بن أحمد بن ديسم، وأبي أحمد بن عدي وطبقتهم. بهراة وجرجان ونيسابور. توفي في رمضان.

وعبد المحسن بن محمد الصوري، شاع محسن، يدرج القول، وله:

بالذي ألهم تعذ... يبي ثناياك العذابا

ما الذي قالته عي... ناك لقبي فأجابا

وعلي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز، أبو الحسن البغدادي، توفي في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن السماك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مغنم، قال الخطيب: كان كثير السماع والشيوخ، وإلى الصدق ما هو.

والذكواني، أبو بكر محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدل، المحدث الصدوق، عاش ستا وثمانين سنة. ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والري والنواحي. وروى عن أبي محمد بن فارس، وأبي أحمد القاضي العسال، وفاروق الخطاب وطبقتهم، وله معجم، توفي في شعبان.

وأبو عبد الله بن الفخار، محمد عمر بن يوسف القرطبي الحافظ، شيخ المالكية، وعالم أهل الأندلس. روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة، وكان زاهدا عابدا ورعا متألها، عارفا بمذاهب العلماء، واسع الدائرة، حافظا للمدونة عن ظهر قلب، والنوادر لابن أبي زيد، مجاب الدعوة. قال القاضي عياض: كان أحفظ الناس، وأحضرهم علما، وأسرعهم جوابا، وأوقفهم على اختلاف العلماء، وترجيح المذاهب، حافظا للأثر، مائلا إلى الحجة والنظر. قلت: عاش ستا وسبعين سنة.

وأبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز، ببغداد، في ربيع الأول، وله تسعون سنة. وهو آخر من حدث عن الصفار، وابن البختري، وعمر الأشناني. قال الخطيب: كان صدوقا، جميل الطريقة، له أنسة بالعلم والفقه، على مذهب أبي حنيفة.

سنة عشرين وأربعمائة

فيها وقع برد عظام إلى الغاية، في الواحدة أرطال بالبغدادي، حتى قيل: إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع، وذلك بالنعمانية من العراق، وهبت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل.

وفيها جمع القادر بالله كتابا فيه وعظ ووفاة النبي ﷺ، وقصة ما تم لعبد العزيز صاحب الحيرة مع بشر المريسي، والرد على من يقول بخلق القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة، وغير ذلك. وجمع له العلماء والأعيان ببغداد، فقرئ على الخلق ثم أرسل الخليفة إلى جامع براثا، وهو مأوى الرافضة، من أقام الخطبة على السنة، فخطب وقصر عما كانوا يفعلونه في ذكر علي رضي الله عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل وحماه جماعة، حتى أسرع بالصلاة، فتألم القادر بالله وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى شيخ الرافضة، وكاتب السلطان ووزيره ابن ماكولا، يستجيش على الشيعة ويتضور من ذلك، وإذا بلغ الأمير أطال الله بقاه إلى الجرأة على الدين، وعدم سياسة المملكة من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بهما توجبه الحمية، وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه، فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان فيه يقول ما لا يخرج به عن الزندقة، فإنه كان يقول بعد الصلاة على النبي ﷺ: وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة ومحيي الأموات البشري الآلهي مكلم أهل الكهف. فأنفذ الخطيب ابن تمام، فأقام الخطبة، فجاءه الآجر المطر، فكسر أنفه وخلع كتفه ودمى وجهه وأسيط بدمه، لولا أربعة من الأتراك حموه، وإلا كان هلك. والضرورة ماسة إلى الانتقام. ونزل ثلاثون بالمشاعل، على دار ذلك الخطيب، فنهبوا الدار، وعروا الحريم، فخاف أولو الأمر من فتنة تكثر، فلم يخطب أحد ببراثا، وكثرت العملات والكبسات، وفتحت الحوانيت جهارا، وعم البلاء إلى آخر السنة، حتى صلب جماعة.

وفيها قدم المصريون مع أنوشتكين البربري، فالتقاهم صالح بن مرداس على نهر الأردن، فقتل صالح وابنه، وحمل رأساهما إلى مصر، فقام نصر ولد صالح، وتملك حلب بعد أبيه.

وفيها توفي أبو بكر المنقى، أحمد بن طلحة البغدادي، في ذي الحجة، وكان ثقة، يروي عن النجاد، وعبد الصمد الطستي.

وأبو الحسن بن الباذا، أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي، في ذي الحجة. روى عن أبي سهل بن زياد، وابن قانع وطائفة. قال الخيب: كان ثقة من أهل القرآن والأدب، والفقه على مذهب مالك.

والأمير صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي، كان م أمراء العرب، فقصد حلب، وبها نائب الظاهر، صاحب مصر، فانتزعها منه، وتملكها ثلاثة أعوام، ثم حارب جيش الظاهر فقتل.

وعبد الجبار بن أحمد أبو القاسم الطرطوسي، شيخ الإقراء بالديار المصرية، وأستاذ مصنف العنوان قرأ على أبي أحمد السامري، وجماعة. وألف كتاب المجتبى في القراءات. توفي في ربيع الآخر.

وعبد الرحمن بن أبي نصر، عثمان بن القاسم بن معروف أبو محمد التميمي الدمشقي، رئيس البلد، ويعرف بالشيخ العفيف. روى عن إبراهيم بن أبي ثابت، وخيثمة وطبقتهما، وعاش ثلاثا وتسعين سنة. قال أبو الوليد الدربندي كان خيرا من ألف مثله، إسنادا وإتقانا وزهدا، مع تقدمه. وقال رشا بن نظيف: شاهدت سادات، فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر، كان قرة عين. وقال عبد العزيز الكتاني: توفي في جمادى الآخرة فلم أر أعظم من جنازته، حضرها جميع أهل البلد، حتى اليهود والنصارى، وكان عدلا مأمونا ثقة، لم ألق شيخا مثله، زهدا وورعا وعبادة ورياسة، رحمه الله.

وابن العجوز، الفقيه عبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي. قال القاضي عياض: كان من كبار قومه، وإليه كانت الرحلة بالمغرب، وعليه دارت الفتوى، وفي عقبه أئمة نجباء، أخذ عن ابن أبي زيد، وأبي محمد الأصيلي وغيرهما.

وعلي بن عيسى الربعي، أبو الحسن البغدادي، شيخ النحو ببغداد، أخذ عن أبي سعيد السيرافي، وأبي علي الفارسي، وصنف شرح الإيضاح، لأبي علي، وشرح مختصر الجرمي ونيف على التسعين، وقيل: إن أبا علي قال: قولوا لعلي البغدادي، لو سرت من الشرق إلى الغرب، لم تجد أحدا أنحا منك، وكان قد لازمه بضع عشرة سنة.

وأبو نصر العكبري، محمد بن أحمد بن الحسين البقال، والد أبي منصور محمد بن محمد. روى عن أبي علي بن الصواف وجماعة، وهو ثقة.

وأبو بكر الرباطي، محمد بن عبد الله بن أحمد. روى عن أبي أحمد العسال، والجعابي وطائفة، وأملى مجالس، توفي في شعبان.

والمسبحي، الأمير المختار، عز الملك، محمد بن عبد الله ابن أحمد الحراني، الأديب العلامة، صاحب التواليف، وكان رافضيا جاهلا، له كتاب القضايا الصائبة في التنجيم، في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة، وكتاب التلويح والتصريح في الشعر، ثلاث مجلدات وكتاب تاريخ مصر، وكتاب أنواع الجماع في أربع مجلدات. وعاش أربعا وخمسين سنة.

سنة إحدى وعشرين وأربعمائة

فيها أقيم مأتم عاشوراء، بالنوح والحداد، فثارت العامة، ووقع القتال بين الفريقين، حتى قتل جماعة، وأخربت عدة دكاكين.

وفيها قدم الملك جلال الدولة، إلى الأهواز، فنهبتها الأتراك، وبدعوا، وأحرقت عدة أماكن، وذهبت أموال لا توصف، فيقال: زاد الذي أخذ منها، على خمسة آلاف ألف دينار.

وفيها غزا مطلوب الكردي بلاد الخزر، فقتل وسبى وغنم، فثارت الخزر وكسروه، واستنقذوا الغنيمة، وقتلوا من العسكر والمطوعة فوق العشرة آلاف، وكانت الروم قد أقبلت في ثلاثمائة ألف، على قصد الشام، فأشرف على معسكرهم، سرية من العرب، نحو مائة فارس، وألف راجل، فظن ملكهم أنها كبسة، فتخفى ولبس خفا أسود وهرب، فوقعت الخبطة فيهم، واستحكمت الهزيمة، فطمع أولئك العرب فيهم، ووضعوا السيف، حتى قتلوا مقتلة عظيمة، وغنموا خزائن الملك، واستغنوا بها. وأما بغداد، فكاد يستولي عليها الخراب، لضعف الهيبة، وتتابع السنين الخداعة، فاجتمع الهاشميون في شوال، بجامع المنصور، ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، فاجتمع إليهم الفقهاء، وخلق من الإمامية والرافضة، وضجوا بأن يعفوا من الترك، فعمدت الترك قبحهم الله ورفعوا صليبا على رمح، وترامى الفريقان بالنشاب والآجر، وقتل طائفة، ثم تحاجزوا، وكثرت العملات والكبسات من البرجمي ورجاله، وأخذ المخازن الكبار والدور، وتجدد دخول الأكراد اللصوص إلى بغداد، فأخذوا خيول الأتراك من الاصطبلات.

وفيها توفي الحيري، القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرشي النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون سنة. وكان رئيسا محتشما، إماما في الفقه، وانتهى إليه علو الإسناد، فروى عن أبي علي الميداني، والأصم وطبقتهما. وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطان. وبمكة عن الفاكهي، وبالكوفة وجرجان. وتفقه على أبي الوليد الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في تاريخه مع تقدمه وآخر من حدث عنه، الشيروي، وقد صم بآخرة، حتى بقي لا يسمع شيئا، ووافق شيخه الأصم، صنف في الأصول والحديث.

وأبو الحسن السلطي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي، في جمادى الأولى. روى عن الأصم وغيره.

وابن دراج، أبو عمر أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد القسطلي، الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن حزم: لو لم يكن لنا من فحول الشعراء، إلا أحمد بن دراج، لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي، وكان من كتاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر. وقال الثعالبي: كان بصقع الأندلس، كالمتنبي بصقع الشام.

قلت: له ديوان مشهور، وتوفي في جمادى الآخرة، وله أربع وسبعون سنة.

وإسماعيل بن ينال أبو إبراهيم المروزي المحبوبي. سمع جامع الترمذي من أستاذهم، محمد بن أحمد بن محبوب، وهو آخر من حدث عنه، توفي في صفر، عن سبع وثمانين سنة. قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالما، أدركت نفرا من أصحابه.

والمعاذي، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري الأصم. سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى، ووقع لنا حديثه، من طريق شيخ الإسلام الأنصاري.

والجمال أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن أبي محمد بن فارس وجماعة. ومات في ربيع الأول، له جزء معروف.

وأبو محمد البجاني -بجانة الأندلس- الحسين بن عبد الله ابن الحسين بن يعقوب المالكي، وله خمس وتسعون سنة. حمل عنه ابن عبد البر، وأبو العباس العذري والكبار. وكان أسند من بقي بالمغرب، في رواية الواضحة لعبد الملك بن حبيب، سمعها من سعيد بن فحلون، في سنة ست وأربعين وثلاثمائة، عن يوسف المغامي، عن المؤلف.

وحمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي، قال ابن حزم: كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطا لما قيده، أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرج، وولي قضاء يابرة، توفي في رجب، وله أربع وستون سنة.

وأبو سعيد الصيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري، كان أبوه ينفق على الأصم، ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصم، وسمعه الكثير، وسمع أيضا من جماعة، وكان ثقة، مات في ذي الحجة.

والسلطان محمود بن سبكتكين، سيف الدولة أبو القاسم ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور. كان أبو أمير الغزاة، الذين يغيرون من بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدة قلاع، وافتتح ناحية بست وكان كراميا وأما محمود، فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض على نفسه غزو الهند كل عام، فافتتح منه بلادا واسعة، وكان على عزم وصدق في الجهاد. قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى مظفرا في غزواته، ما خلت سنة من سني ملكه، عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء، وقبره بغزنة، يدعى عنده، قال وقد صنف في أيامه تواريخ، وحفظت حركاته وسكناته وأحواله، لحظة لحظة، رحمه الله، توفي في جمادى الأولى.

سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة

فيها تفاقم أمر العيارين، وتعثر أهل بغداد، وأقام التجار على المبيت في الأسواق، ثم نقبوا دار السلطنة، وأخذوا منها قماشا.

وفيها عزم الصوفي، الملقب المذكور على الغزو، وكتب له السلطان منشورا، وأعطي منجوقا، وقصد الجامع لقراءة المنشور، فمزقوا على رأسه المنجوق، وبين يديه الرجال بالسلاح، يترضون عن الشيخين، ويقولون: هذا يوم معاوي، فحصبهم أهل الكرخ، فثارت الفتنة واضطرمت، ونهبت العامة دار الشريف المرتضى، ودافع عنه جيرانه الأتراك، واحترقت له سرية، وبات الناس في ليلة صعبة، وتأهبوا للحرب، واجتمعت العامة وخلق من الترك، وقصدو الكرخ، فرموا الناس في أسواقه، وأشرف أهل الكرخ على التلف، فركب الوزير والجند، فوقعت آجرة، في صدر الوزير، وسقطت عمامته، وقتل جماعة من الشيعة، وزاد أمر النهب فيهم، وأحرق في هذه الثائرة، سوق العروس، وسوق الصفارين وسوق الأنماط، وسوق الزيت، ولم يجر من السلطان إنكار، لضعفه وعجزه وتبسطت العامة واثروا الفتن، فالنهار فتن ومحن، والليل عملات ونهب.

وأما الجند، فقامت على السلطان جلال الدولة، لاطراحه مصالحهم، وراموا قطع خطبته، فأرضاهم بالمال، فثاروا بعد أيام عليه، وآخر القصة، مات القادر بالله، واستخلف ابنه القائم بأمر الله، وله إحدى وثلاثون سنة. فبايعه الشر يف المرتضى، ثم الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، وقامت الأتراك على القائم بأمر الله بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم يخلف مالا، وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء، ثم صالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلا، وعرض القائم خانا وبستانا للبيع، وصغر دست الخلافة إلى هذا الحد. وأما دست السلطنة بالعراق، فكان لجلال الدولة: بغداد وواسط والبطائح، وبعض السواد، وليس له من ذلك أيضا إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال، فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأتراك، مع ضعف ارتفاع الخراج، والوزارة خالية من كبس، والوقت هرج ومرج، والناس بلا رأس.

ومات القادر بالله، أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي، توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وكان أبيض كث اللحية طويلها، مخضب شيبه. قال الخطيب: كان من الديانة وإدامة التهجد وكثرة الصدقات، على صفة اشتهرت عنه، صنف كتابا في الأصول، فيه فضل الصحابة، وتكفير المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، فكان يقرأ كل جمعة، ويحضره الناس مدة.

وطلحة بن علي بن الصقر، أبو القاسم البغدادي الكتاني، ثقة صالح مشهور، عاش ستا ثمانين سنة. ومات في ذي القعدة. روى عن النجاد، وأجمد بن عثمان الأدمي، ودعلج وجماعة.

وأبو المطرف بن الحصار، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن غرسية، مات في آخر الكهولة، وكان عالما بارعا ذكيا متفننا، فقيه النفس، حاضر الحجة، صاحب سنة رحمه الله توفي في شعبان.

والقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر، أبو محمد البغدادي المالكي، أحد الأعلام. سمع من عمر بن سنبك وجماعة، وتفقه على ابن القصار، وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب. قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه، ولي قضاء بادرايا ونحوها، وتحول في آخر أيامه إلى مصر، فمات بها في شعبان، وقد ساق القاضي ابن خلكان، نسب القاضي عبد الوهاب، إلى مالك بن طوق التغلبي، صاحب الرحبة. قال أبو إسحاق الشيرازي: سمعت كلامه في النظر، وكان فقيها متأدبا شاعرا، له كتب كثيرة، في كل فن. قلت: عاش ستين سنة.

وأبو الحسن الطرازي، علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي، ثم النيسابوري الأديب. روى عن الأصم، وأبي حامد بن حسنويه وجماعة، وبه ختم حديث الأصم، توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة.

وابن عبد كويه، أبو الحسن علب بن يحيى بن جعفر، إمام جامع أصبهان، في المحرم، حج وسمع بأصبهان والعراق والحجاز، وحدث عن أحمد بن بندار الشعار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس.

ومحمد بم مروان بن زهر، أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي، أحد أركان المذهب، وكان واسع الرواية، عالي الإسناد، عاش ستا وثمانين سنة. وحدث عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي علي القالي وطائفة، وهو والد الطبيب عبد الملك، وجد الطبيب العلامة الرئيس، أبي العلا زهر.

ومحمد بن يوسف القطان، الحافظ أبو أحمد الأعرج النيسابوري، مات كهلا، ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر.

ومنصور بن الحسين، أبو نصر المفسر بنيسابور، مات قبل الطرازي، وحدث عن الأصم وغيره.

ويحيى بن عمار، الإمام أبو زكريا الشيباني السجستاني الواعظ، نزيل هراة. روى عن حامد الرفا وطبقته، وكان له القبول التام بتلك الديار، لفصاحته وحسن موعظته، وبراعته في التفسير والسنة، وخلف أموالا كثيرة، ومات في ذي القعدة، وله تسعون سنة.

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

فيها ثارت الغلمان، بالسلطان جلال الدولة، وصمموا على عزله وطرده، فهرب في الليل مع جماعة من غلمانه، إلى عكبرا ونهبت داره من الغد، ونادوا بشعار الملك أبي كاليجار، واحتاج جلال الدولة، حتى باع ثيابه في الشوق، وامتنع أبو كاليجار، أن يجيئ إلا بشروط، ثم إن كمال الدولة أبا سنان الأمير، أتى جلال الدولة، وقبل الأرض وقال: خزائني بحكمك وأنا أتوسط بينك وبين الجند، وزوجه بابنته، وأعيدت خطبته.

وفيها كبس البرجمي خانا للتجار فقاتلوه، فقتل جماعة.

وفيها سار الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، ونهب وقتل عالما لا يحصون، وفعل ما لا يفعله الكفرة.

وفيها توفي الحرفي أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي المحدث. قال الخطيب: كان صدوقا، غير أن سماعه في بعض ما وراء عن النجتد، كان مضطربا، مات في شوال، وله سبع وثمانون سنة. د والنعيمي أبو الحسن علي بن أحمد البصري الحافظ. روى عن طائفة، ومات كهلا. قال الخطيب: كان حافظا عارفا متكلما شاعرا.

والكاغدي، أبو الفضل منصور بن نصر السمرقندي، مسند ما وراء النهر. روى عن الهيثم الشاشي، ومحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة، توفي بسمرقند، في ذي القعدة، وقد قارب المائة.

سنة أربع وعشرين وأربعمائة

فيها اشتد الخطب ببغداد، بأمر الحرامية، وأخذوا أموال الناس عيانا، وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وبقي الناس لا يجسرون أن يقولوا فعل البرجمي، خوفا منه، بل يقولون عنه، القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرض لامرأة، ولا يدع أحدا يأخذ شيئا عليها، فلما زاد وأسرف، انتدب له جماعة أمراء وتطلبوه، وجاءوا إلى الأجمة التي يأوي إليها، فبرز لهم وقال: من العجب خروجكم إلي وأنا كل ليلة عندكم، فإن شئتم فارجعوا، وأنا أجيء إليكم، وإن شئتم فادخلوا، فلم يتجاسروا عليه، ثم زادت العملات والكبسات، ووقع القتال في القلائين، واحترقت أماكن وأسواق ومساجد، واستفحل الشر، وثارت الجند بالسلطان جلال الدولة، وقبضوا عليه ليرسلوه إلى واسط والبصرة، وأنزلوه في مركب، وابتلت ثيابه وأهين، ثم رحموه، فأخرجوه وأركبوه فرسا ضعيفة وشتموه فانتصر له أبو الوفاء القائد في طائفة، وأخذوه من أيدي أولئك، وردوه إلى داره، ثم عبر في الليل إلى الكرخ، فدعا له أهلها، ونزل في دار الشريف المرتضى، فأصبح العسكر، وهموا به، فاختلفوا، وقال بعضهم: ما بقي من بني بويه إلا هذا، وابن أخيه أبو كاليجار، وقد سلم الأمر ومضى إلى بلاد فارس، ثم كتبوا له ورقة بالطاعة والاعتذار، ثم ركب معهم إلى دار السلطنة، وأما العملات، فازداد أمرها، وعظم البلاء فوثب الناس على أبي الحسين بن الغريق، وقالوا: إن خطبت للبرجمي، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك، فأقيم في الشرطة أبو الغنائم، فركب وقتل جماعة.

وفيها توفي الفشيديزجي، قاضي بخارى، وشيخ الحنفية في عصره، أبو علي الحسن بن الخضر البخاري. روى عن محمد بن محمد بن جابر وجماعة، توفي في شعبان، وقد خرج له عدة أصحاب.

وحمزة بن محمد بن طاهر، الحافظ أبو طاهر الدقاق، أحد صحاب الدراقطني، وكان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.

وابن دنين، الإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي. روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وعن أبي بكر المهندس، وأبي الطيب بن غليون بمصر، وكان زاهدا عابدا خاشعا، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير، مقبلا على الأثر والسنة، أمارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم، مع الهيبة والعزة، وكان يعمل في كرمه بنفسه، رحمه الله.

وأبو بكر الأردستاني، محمد بن إبراهيم، الحافظ العبد الصالح. روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن أبي حفص بن شاهين، وهذه الطبقة.

سنة خمس وعشرين وأربعمائة

فيها قتل البرجمي ويقال البرجمي، وهو مقدم العيارين اللصوص ببغداد، واشتغل الناس بالوباء المفرط ببغداد، فيقال مات بها سبعون ألفا منه.

وفيها توفي البرقاني، الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد اب غالب الخوارزمي الفقيه الشافعي، مولده بخوارزم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسمع بها بعد الخمسين، من أبي العباس بن حمدان وجماعة، وببغداد من أبي علي بن الصواف وطبقته، وبهراة ونيسابور وجراجان ودمشق ومصر. قال الخطيب: كان ثبتا ورعا لم ير في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، كثير التصنيف، ذا حظ من علم العربية، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان، وجمع حديث الثوري، وحديث شعبة وطائفة، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمة إليه. وقال أبو محمد الخلال: كان البرقاني نسيج وحده.

وأبو علي بن شاذان البزاز، الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي، ولد سنة وثلاثين وثلاثمائة، وسمعه أبوه من أبي عمرو بن السماك، وأبي سهل بن زياد، والعباداني وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره، وصار مسند العراق. قال الخطيب: كان صدوقا صحيح السماع، يفهم الكلام على مذهب الأشعري، سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث، تفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد، في أول سنة ست وعشرين.

وابن شبانة العدل، أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني. روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان صدوقا.

وأبو الحسن الجوبري عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي، كان أبوه محدثا، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة، توفي في صفر، وكان أميا لا يكتب.

وعبد الوهاب بن عبد الله بن عمر، بن فضالة وطبقته، وصنف كتبا كثيرة. قال الكتاني: مات في شوال.

وعمر بن إبراهيم، أبو الفضل الهروي الزاهد. روى عن أبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفرييني وطبقتهما، وكان فقيها عالما، ذا صدق وورع وتبتل.

وأبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وجماعة، توفي في ربيع الأول.

سنة ست وعشرين وأربعمائة

البلاء بحاله ببغداد، من جهة الحرامية بل أشد، ووكثر القتل، وعظم النهب، وخذل السلطان والأمراء، حتى لو حالوا دفع فساد لزاد، وتملك العيارون ببغداد في المعنى.

وفيها غزا مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند، فوصل كتابه، بأنه قتل من القوم خمسين ألفا، وسبى منهم سبعين ألفا، وبلغت الغنيمة ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم، ولكن رجع، وقد استولت الغز على بلاده، فحاربهم وجرت لهم أمور طويلة.

وفيها توفي ابن شهيد، الأديب أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين، أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي الشاعر، حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس. قال ابن حزم: توفي في جمادى الأولى، وصلى عليه أبو الحزم جهور، ولم يخلف له نظيرا في الشعر والبلاغة، وكان سمحا جوادا، عاش بضعا وأربعين سنة.

وأبو محمد بن الشقاق عبد الله بن سعيد، كبير المالكية بقرطبة، ورأس القراء، توفي في رمضان، وله ثمانون سنة. أخذ عن أبي عمر بن المكوي وطائفة.

وأبو بكر المنيني، محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الأسود، خطيب منين. روى عن علي بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت وجماعة. قال الوليد الدربندي:، لم يكن بالشام من يكتني بأبي بكر غيره، وكان ثقة. وقال الكتاني: توفي في جمادى الأولى، وله أربع وثمانون سنة. وكان يحفظ القرآن بأحرف.

وأبو عمر الرزجاهي، محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب المحدث، تفقه على أبي سهل الصعلوكي، وأكثر عن ابن عدي وطبقته، ومات في ربيع الأول، وله خمس وثمانون سنة. ورزجاه من قرى بسطام، وقد تضم راؤها، وكان يقرئ العربية.

سنة سبع وعشرين وأربعمائة

فيها دخل العيارون -وهم مائة من الأكراد والأعراب- وأحرقوا دار صاحب الشرطة، أبي محمد بن النسوي، وفتحوا خانا، وأخذوا ما فيه. وأخذوا بالكارات، والناس لا ينطقون.

وفيها شغبت الجند على الملك جلال الدولة، وقالوا له اخرج عنا. فقال: أمهلوني ثلاثة أيام، وجرت فصول طويلة، ثم تركوه لضعفهم، وردوه إلى السلطنة.

وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المفسر. روى عن أبي محمد المخلدي وطبقته من أصحاب السراج، وكان حافظا واعظا، رأسا في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم.

وأبو النعمان، تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب. روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة، توفي في ربيع الآخر بمصر، وله خمس وثمانون سنة.

وأبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني الحافظ، من ذرية هشام ابن العاص. سمع سنة أربع وخمسين، من محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرام صاحب محمد بن الضريس، ورحل إلى العراق، سنة ثمان وستين، فأدرك ابن ماسي، وهو مكثر عن ابن عدي والإسماعيلي، وكان من أئمة الحديث، حفظا ومعرفة وإتقانا.

والفلكي، أبو الفضل علي بن الحسين الهمذاني الحافظ، رحل الكثير، وروى عن أبي الحسين بن بشران، وأبي بكر الحيري وطبقتهما، ومات شابا قبل أوان الرواية، ولو عاش لما تقدمه أحد في الحفظ والمعرفة، لفرط ذكائه وشدة اعتنائه، وقد صنف كتاب المنتهى في الكمال في معرفة الرجال في ألف جزء، لم يبيضه. وقال شيخ الإسلام الأنصاري: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي الفضل بن الفلكي، قلت: مات بنيسابور، وكان جده يلقب بالفلكي، براعته في الهيئة والحساب، وغير ذلك.

والظاهر لإعزاز دين الله، علي بن الحاكم منصور بن العزيز نزاز بن المعز العبيدي المصري، صاحب مصر والشام، بويع بعد أبيه، وشرعت دولتهم في انحطاط، منذ ولي، وتغلب حسان بن مفرج الطائي، على أكثر الشام، وأخذ صالح بن مرداس حلب، وقوي نائبهم على القيروان، وقد وزر للظاهر، الوزير نجيب الدولة، علي بن أحمد الجرجائي، وكان هذا أقطع اليدين من المرفقين، قطعهما الحاكم، في سنة أربع وأربعمائة، فكان يكتب العلامة عنه، القاضي القضاعي. ولما توفي الظاهر، فبايعوا بعده لولده المستنصر، وهو صبي.

ومحمد بن المزكي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري، مسند نيسابور في زمانه. روى عن أبيه، وحامد الرفا، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهي ثم الأنباري وطبقتهم. سمع منه الشيروي.

سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

فيها أيضا شغب العسكر على المعتز جلال الدولة وآخر الأمر، قطعت خطبته من العراق، وأقيمت لأبي كاليجار، ثم تابوا، فخطبوا لهما معا، ثم مشى حال جلال الدولة، وشد منه القائم بأمر الله. وأما أمر العيارين، فكما تعهد في السنن الماضية بل أشد، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن علي بن منجويه الحافظ، أبو بكر الأصبهاني اليزدي، نزيل نيسابور ومحدثها، صنف التصانيف الكثيرة، ورحل ووصل إلى بخارى، وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر بن المقري وطبقتهما. روى عنه شيخ الإسلام وقال: هو أحفظ من رأيت من البشر. قلت: توفي في المحرم، وله إحدى وثمانون سنة. صنف على البخاري ومسلم والترمذي، وكان عديم المثل.

وأبو بكر بن النمط، أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقري، ثقة عابد. روى عن أبي بكر الشافعي، وفاروق وطبقتهما.

وأبو الحسين القدوري، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه، شيخ الحنفية بالعراق، انتهت إليه رئاسة المذهب وعظم جاهه وبعد صيته، توفي في رجب، وله ست وستون سنة. رحمه الله.

وفيها أبو علي بن سينا، الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا صاحب التصانيف الكثيرة، في الفلسفة والطب، ومن له الذكاء الخارق، والذهن الثاقب، أصله بلخي، ومولده ببخارى، وكان أبوه من دعاء الإسماعيلية، فأشغله في الصغر، وحصل عدة علوم قبل أن يحتلم، وتنقل في مدائن خراسان والجبال وجرجان، ونال حشمة وجاها، وعاش ثلاثا وخمس ين سنة. قال ابن خلكان في ترجمة ابن سينا: اغتسل وتاب وتصدق بم معه على الفقراء، ورد المظالم وأعتق مماليكه، وجعل كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان، يوم الجمعة، في شهر رمضان.

وذو القرنين، أبو المطاع بن السحن بن عبد الله بن حمدان، وجيه الدولة بن الملك ناصر الدولة الموصلي، الأديب الشاعر الأمير، ولي إمرة دمشق، سنة إحدى وأربعمائة، وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم، ثم وليها للظاهر، سنة اثنتي عشرة، وعزل، ثم وليها ثالثا، سنة خمس عشرة، فبقي إلى سنة تسع عشرة، وله شعر فائق، توفي في صفر.

وعبد الغفار بن محمد المؤدب، أبو طاهر البغدادي. روى عن أبي بكر الشافعي، وأبي علي بن الصواف، وعاش ثلاثا وثمانين سنة.

وعثمان بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف، أبو عمرو البغدادي، صدوق. روى عن النجاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني توفي في صفر.

وأبو الحسن الحنائي، علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، المقري المحدث الحافظ الزاهد. روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق، ورحل إلى مصر، وخرج لنفسه معجما كبيرا. قال الكتاني: توفي شيخنا وأستاذزنا أبو الحسن، في ربيع الأول، وكان من العباد، وكانت له جنازة عظيمة، ما رأيت مثلها، وعاش ثمانيا وخمسين سنة.

وأبو علي، محمد بن أحمد بن أبي موسى العاشمي البغدادي الحنبلي، صاحب التصانيف، ومن إليه انتهت رئاسة المذهب، أخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره، وحدث عن ابن المظفر، وكان رئيسا رفيع القدر، بعيد الصيت.

وابن باكويه، الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازي الصوفي، أحد المشايخ الكبار، وصاحب محمد بن خفيف، رحل وعني بالحديث، وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخارى ودمشق والكوفة وأصبهان فأكثر، وحدث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما. قال أبو صالح المؤذن: نظرت في أجزائه فم أجد عليها آثار السماع، وأحسن ما سمعت عليه الحكايات.

ومهيار بن مرزويه الديلمي، أبو الحسن الكاتب الشاعر المشهور، كان مجوسيا، فأسلم على يد أستاذه في الأدب، الشر يف الرضي، فطلع رافضيا جلدا، وديوانه في ثلاثة مجلدات، وكان مقدما على شعراء العصر.

سنة تسع وعشرين وأربعمائة

فيها توفي أبو عمر الطلمنكي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى المعافري الأندلسي المقري المحدث الحافظ، عالم أهل قرطبة صاحب التصانيف، وله تسعون سنة. روى عن أبي عيسى الليثي، وأحمد بن عون الله، وحج، فأخذ بمصر عن أبي بكر الأرموي وأبي بكر المهندس، وخلق كثير. وكان خبيرا في علوم القر آن، تفسيره وقراءاته وإعرابه وأحكامه ومعانيه، وكان ثقة، صاحب سنة واتباع، ومعرفة بأصول الديانة. قال ابن بشكوال: كان سيفا مجردا على أهل الأهواء والبدع، قامعا لهم، غيورا على الشريعة، شديدا في ذات الله تعالى رحمه الله.

وأبو يعقوب القراب، إسحاق بن إبراهيم بن محمد السرخسي، ثم الهروي الحافظ، محدث هراة، وله سبع وسبعون سنة. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير، وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس، وصنف تصانيف كثيرة، وكان زاهدا صالحا، مقلا من الدنيا.

ويونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد، ويعرف بابن الصفار، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي عيسى الليثي والكبار. وتفقه على أبي بكر ابن زرب، وولي القضاء مع الخطابة والوزارة، ونال رئاسة الدين والدنيا. وكان فقيها صالحا عدلا، حجة علامة في اللغة والعربية والشعر، فصيحا مفوها، كثير المحاسن، له مصنفات في الزهد وغيره، توفي في رجب.

سنة ثلاثين وأربعمائة

فيها قويت شوكة الغز، وتملك بنو سلجون خراسان، وأخذوا البلاد من السلطان مسعود.

وفيها لقب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة، بالملك العزيز، وهو أول من لقب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا.

وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف بن البنا، بأصبهان، في المحرم، وله أربع وتسعون سنة. اعتنى به أبوه، وسمه في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وبعدها استجار له خيثمة الأطرابلسي والأصم وطبقتهما، وتفرد في الدنيا بعلو الإسناد، مع الحفظ والاستجاؤ من الحديث وفنونه. روى عن ابن فارس والعسال، وأحمد بن معبد السمسار، وأبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم، بالعراق والحجاز وخراسان، وصنف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار.

وأحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي، أبو بكر الأصبهاني المقري النحوي، سكن نيسابور، وتصدر للحديث والإقراء العربية، وروى عن أبي الشيخ وجماعة، ورى السنن عن الدارقطني، توفي في ربيع الأول، وله إحدى وثمانون سنة.

والحيري، أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسر. روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وطبقته، وصنف التصانيف في القراءات والتفسير والوعظ والحديث، وكان أحد الأئمة. قال الخطيب: قدم علينا حاجا، ونعم الشيخ كان علما وأمانة وصدقا وخلقا. ولد سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان معه صحيح البخاري، فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس وقال عبد الغافر: كان من العلماء العاملين، نفاعا للخلق مباركا.

والدبوسي، القاضي العالامة أبو زيد عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي -ودبوسة: بليدة بين بخاري وسمرقند- كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، وكان شيخ تلك الديار، توفي ببخارى.

وابن بشران، المحدث أب القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله ابن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ، مسند وقته ببغداد، في ربيع الآخر، وله إحدى وتسعون سنة. سمع النجاد، وأبا سهل القطان، وحمزة الدهان وطبقتهم. قال الخطيب: كان ثقة ثبتا صالحا، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحد، ويفوت الإحصاء، رحمه الله.

وأبو منصور الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الأديب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، عاش ثمانين سنة.

والحوفي، مؤلف الاعراب للقرآن في عشرة مجلدات وتلميذ الأدفوي، انتفع به أهل مصر، وتخرجوا به في النحو، واسمه أبو الحسن علي بن إبراهيم.

وأبو عمران الفاسي، موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومي -وغفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب- شيخ المالكية بالقيروان، وتلميذ أبي الحسن القابسي. دخل الأندلس، وأخذ عن عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وحج مرات، وأخذ علم الكلام ببغداد، عن ابن الباقلاني، وقرأ على الحمامي، وكان إماما في القراءات، بصيرا في الحديث، رأسا في الفقه، تخرج به خلق في المذهب، ومات في رمضان، وله اثنتان وستون سنة.

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي الفاتني، ببغداد، يوم الفطر، وكان صالحا صدوقا. روى عن أبي بكر بن الهيثم الأنباري، وخلق.

وابن دوما، أبو علي الحسن بن الحسين النعالي، بغداد ضعيف، ألحق نفسه في طباق. روى عن أبي بكر الشافعي وطائفة.

وصاعد بن محمد بن أحمد القاضي أبو العلاء الأستوائي النيسابوري الحنفي، قاضي نيسابور، ورئيس الحنفية وعالمهم، توفي في آخر السنة روى عن إسماعيل بن نجيد وجماعة، وعاش سبعا وثمانين سنة.

وابن الطبيز، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي، نزيل دمشق، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عيسى العلاف، وابن الجعابي، وجماعة. تفرد في الدنيا عنهم، وهو ثقة. توفي في جمادى الأولى، وفيه تشيع، آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي.

وعثمان بن أحمد، أبو عمرو القسطاني القرطبي، نزيل إشبيلية، سمعه أبوه الموطأ من أبي عيسى الليثي، وسمع من أبي بكر بن السلم، وابن القوطية، وجماعة. وكان ثقة خيرا، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.

وأبو العلاء الواسطي، محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن يعقوب، القاضي المقرئ المحدث، قرأ بالروايات على جماعة كثيرة، وجرد العناية لها، وأخذ بالدينور عن الحسين بن محمد بن حبش، وروى عن القطيعي ونحوه، حكى عنه الخطيب أشياء توجب ضعفه، ومات في جمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة.

وأبو الحسن محمد بن عوف المزي الدمشقي، وكانت كنيته الأصلية أبا بكر، فلما منعت الدولة الباطنية، من التكني بأبي بكر، تكني بأبي الحسن. روى عن أبي علي الحسن بن منير والميانجي وطائفة. قال الكتاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الآخر.

ومحمد بن الفضل بن نظيف، أبو عبد الله المصري الفراء، مسند الديار المصرية. سمع أبا الفوارس الصابوني، والعباس بن محمد الرافقي وطبقتهما، وأم بمسجد عبد الله سبعين سنة. وكان شافعيا، عمر تسعين سنة وشهرين، توفي في ربيع الآخر.

والمسدد بن علي، أبو المعمر الأملوكي، خطيب حمص. سمع الميانجي وجماعة، ثم سكن دمشق، وأم بمسجد سوق الأحد، قال الكتاني: فيه تساهل.

والمفضل بن إسماعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو معمر الشافعي، مفتي جرجان ورئيسها ومسندها، وكان من أذكياء زمانه. روى عن جده وطائفة كثيرة، توفي في ذي الحجة.

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

فيها استولت السلجوقية على جميع خراسان، وكر مسعود إلى غزنة وبدا منهم من القتل والنهب والمصادرة، ما يتجاوز الوصف، وأما البغاددة، فالهوى قائم بين الرافضة والسنة، وكل وقت تستعر الفتنة، ويقتل جماعة.

وفيها توفي المستغفري، الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز ابن محمد بن المستغفر بن الفتح النسفي، صاحب التصانيف الكثيرة. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وعاش ثمانيا سنة. وكان محدث ما وراء النهر في زمانه.

وعبد الباقي بن محمد، أبو القاسم الطحان، بغدادي ثقة، عاش ثمانيا وثمانين سنة. وروى عن الشافعي، وابن الصواف وغيرهما.

وأبو حسان المزكي، محمد بن أحمد بن جعفر، شيخ التزكية والحشمة بنيسابور، وكان فقيها ثقة صالحا خيرا، حدث عن محمد بن إسحاق الضبعي، وابن نجيد وطبقتهما.

ومحمد بن عمر بن بكير النجار، أبو بكر البغدادي المقري، عن ست وثمانين سنة. روى عن أبي بحر البربهاري، وأبن النصبي وطائفة.

سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

فيها عسكر الملك أبو كاليجار، ودفع عسكر الغز عن همذان. وفيها بغداد على حالها من الضعف والرفض والنهب والفتن.

وفيها توفي أبو نصر الكسار، القاضي أحمد بن الحسين الدينوري. سمع النسائي من ابن السني وحدث به. في شوال من السنة.

وأبو الحسن بن فاذشاه، الرئيس أحمد بن محمد الحسين الأصبهاني الثاني الرئيس، راوي المعجم الكبير عن الطبراني، توفي في صفر، وقد رمي بالتشيع والاعتزال.

وأبو عثمان القرشي، سعيد بن العباس الهروي المزكي الرئيس، في المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن حامد الرفا، وأبي الفضل بن خميرويه وطائفة. وتفرد بالرواية عن جماعة.

وأبو سعيد النضروي، عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري، مسند وقته، وراوي مسند إسحاق بن راهويه عن السمذي. روى عن ابن نجيد، وأبي بكر القطيعي، وهذه الطبقة. توفي في صفر، وهو منسوب إلى جده، نضرويه.

وأبو القاسم الزيدي الحراني، علي بن أحمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقري، في شوال، بحران، وهو آخر من روى عن النقاش القراءات والتفسير، وهو ضعيف. قال عبد العزيز الكتاني وقد سئل عن شيء: ما يكفي علي بن أحمد الزيدي أن يكذب، حتى يكذب عليه. قلت: وكان رجلا صالحا ربانيا.

وأبو الحسن بن السمسار، علي بن موسى الدمشقي، حدث عن أبيه وأخويه: محمد وأحمد، وعلي بن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان والكبار. وروى البخاري عن أبي زيد المروزي، وانتهى إليه علو الإسناد بالشام. قال الكتاني: كان فيه تساهل، ويذهب إلى التشيع، توفي في صفر، وقد كمل التسعين.

وابن عباد المعتمد على الله القاضي، وهو أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عباد بن قريش اللخمي الإشبيلي، الذي ملكه أهل إشبيلية عليهم، عندما قصدهم الظالم، يحيى بن علي الإدريسي، الملقب بالمستعلي، وله أخبار ومناقب وسيرة عادلة، توفي في جمادى الأولى، وتملك بعده، ولده المعتضد بن عباد، فامتدت أيامه.

والسلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، تملك بعد أبيه، خراسان والهند وغزنة، وجرت له حروب وخطوب، مع بني سلجوق، وظهروا على ممالكه، وضعف أمره، فقتله أمراؤه.

سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

فيها كانت الزلزلة العظمى بتبريز، فهدمت أسوارها، وأحصي من هلك تحت الهدم، فكانوا أكثر من أربعين ألفا، نسأل الله العفو.

وفيها توفي أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الهروي، الحافظ الفقيه المالكي، نزيل مكة. روى عن أبي الفضل بن خميرويه، وأبي عمر بن حيويه وطبقتهما، وروى الصحيح عن ثلاثة من أصحاب الفربري، وجمع لنفسه معجما وعاش ثمانيا وسبعين سنة. وكان ثقة متقنا، دينا عابدا، ورعا حافظا، بصيرا بالفقه والأصول. أخذ علم الكلام عن ابن الباقلاني، وصنف مستخرجا على الصحيحين، وكان شيخ الحرم في عصره، ثم إنه تزوج بالسروات، وبقي يحج كل عام ويرجع.

وعبد الله بن غالب بن تمام، أبو محمد الهمداني الماكي، مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعلمهم، دخل الأندلس، وأخذ عن أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، ورحل إلى القيروان، فأخذ عن أبي محمد بن أبي زيد، وبمصر عن أبي بكر المهندس، وكان علامة متيقظا ذكيا، مستبحرا من العلوم، فصيحا مفوها قليل النظير، توفي في صفر، عن سن عالية.

سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

فيها استولى طغرلبك السلجوقي على الري، وخربها عسكره بالقتل والنهب، حتى لم يبق بها إلا نحو ثلاثة آلاف نفس، وجاءت رسل طغرلبلك إلى بغداد، فأرسل القاضي الماوردي إليه، يذم ما صنع في البلاد، ويأمره بالاحسان إلى الرعية، فتلقاه طغرلبك، واحترمه إجلالا لرسالة الخليفة.

واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق، وكان ابنه الملك العزيز بواسط.

وفيها وصلت عساكر السلجوقية إلى الموصل، فعاثوا وبدعوا، وأخذوا حرم قرواش، فاتفق قرواش ودبيس بن علي الأسدي على لقاء الغز، فهزموهم. وقتل من الغز مقتلة عظيمة.

وفيها خطب ببغداد، لأبي كاليجار، مع الملك العزيز، بعد موت جلال الدولة. وكان جلال الدولة، ملكا جليلا سليم الباطن، ضعيف السلطنة مصرا على اللهو والشراب، مهملا لأمر الرعية، عاش اثنتين وخمسين سنة. وكانت دولته سبع عشرة سنة. وخلف عشرين ولدا، بنين وبنات، ودفن بدار السلطان ببغداد، ثم نقل.

وفيها توفي أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور، أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها، ساس البلد أحسن سياسة، وكان من رجال الدهر حزما وعزما، ودهاء ورأيا، ولم يتسم بالملك، وقال: أنا أدبر الناس، إلى أن يقوم لهم من يصلح. فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الأكابر وديعة، وصير العوام جندا وأعطاهم أموالا مضاربة، وقرر عليهم السلاح والعدة. وكان يشهد الجنائز، ويعود المرضى، وهو بزي الصالحين، لم يتحول من داره إلى دار السلطنة، توفي في المحرم، عن إحدى وسبعين سنة. وولي بعده ابنه أبو الوليد.

وأبو القاسم الأزهري، عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ، كتب الكثير، وعني بالحديث. وروى عن القطيعي وطبقته، توفي في صفر، عن ثمانين سنة.

وجلال الدولة، سلطان بغداد، أبو طاهر فيوزجرد بن الملك بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الديلمي، وولي بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فضعف وخاف، وكاتب ابن عمه، أبا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة، فوعده بالجميل، وخطب للاثنين معا.

وأبو بكر الميماسي، محمد بن جعفر بن علي، الذي روى موطأ يحيى بن بكبر عن ابن وصيف، توفي في شوال، وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي.

ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة أبو الحسين البغدادي البزاز. روى عن أبي بكر خلاد وجماعة. قال الخطيب: صدوق كثير السماع، مات في جمادى الأولى.

وأبو القاسم المهلب، بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، قاضي المرية، أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وأبي الحسن القابسي وطائفة، وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم، وقد شرح صحيح البخاري، وتوفي في شوال في سن الشيخوخة.

سنة ست وثلاثين وأربعمائة

فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضرب له الطبل في أوقات الصلوات الخمس، ولم يضرب لأحد قبله إلا ثلاث مرات.

وفيها توفي تمام بن غالب، أبو غالب بن التياني القرطبي، لغوي الأندلس بمرسية. له مصنف بديع في اللغة، وكان علامة ثقة في نقله، ولقد أرسل إليه صاحب مرسية، الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألفه لأجله، فامتنع تورعا، وقال: ما صنفته إلا مطلقا.

وأبو عبد الله الصميري، الحسن بن علي الفقيه، أحد أئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفض الزهري وطبقته، وولي قضاء ربع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله خمس وثمانون سنة.

والشريف المرتضى، نقيب الطالبين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، أبو طالب علي بن الحسين بن موسى الحسيني الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة. وكان إماما في التشيع والكلام والشعر والبلاغة، كثير التصانيف، متبحرا في فنون العلم، أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب، وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرضي.

ومحمد بن عبد العزيز، أبو عبد الرحمن النيلي، شيخ الشافعية بخراسان وله ثمانون سنة. كان صالحا ورعا، كبير القدر. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة.؟ وله ديوان شعر.

وأبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطيب، شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد، في ربيع الآخر، وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة.

سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو نصر المنازي، وزير أحمد بن مروان، صاحب ميافارقين، وهو من منازجرد، واسمه أحمد بن يوسف، وكان فصيحا بليغا شاعرا، كثير المعارف.

ومكي بن أبي طالب، أبو محمد القيسي، شيخ الأندلس وعالمها ومقرئها وخطيبها. قرأ القراءات على ابن غلبون وابنه، وسمع من أبي محمد بن أبي زيد وطائفة. وكان من أهل التبحر في العلوم، كثير الت صانيف، عاش اثنتين وثمانين سنة. رحل عن بلده غير مرة، وحج وجاور، توسع في الرواية، وبعد صيته، وقصده الناس من النواحي لعلمه ودينه، وولي خطابة قرطبة لأبي الحزم جهور، وكان مشهورا بالصلاح، وإجابة الدعوة، توفي في ثاني المحرم.

سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة

فيها حاصر طغرلبك السلجوفي أصبهن، وضيق على أهلها، وعلى أميرها فراموز، ولد علاء الدولة، صم صالحه على مال يحمله، وأن يخطب له بأصبهان.

وفيها توفي أبو علي البغدادي، مصنف الروضة في القراءات العشر، الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي.

وأبو محمد الجويني، عبد الله بن يوسف، شيخ الشافعية، والد إمام الحرمين، تفقه بنيسابور، على أبي الطيب الصعلوكي، وبمرو على أبي بكر القفال، وتصدر بنيسابور للفتوى والتدريس والتصنيف، وكان مجتهدا في العبادة، صاحب جد وصدق وهيبة ووقار. روى عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني وجماعة. وتوفي في ذي القعدة.

سنة تسع وثلاثين وأربعمائة

فيها توفي أبو محمد الخلال، الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ، في جمادى الأولى، وله سبع وثمانون سنة. روى عن القطيعي وأبي سعيد الحرقي وطبقتهما. قال الخطيب: كان ثقة، له معرفة، خرج المسند على الصحيحين، وجمع أبوابا وتراجم كثيرة. قلت: آخر من روى عنه أبو سعد أحمد بن الطيوري.

وعلي بن منير بن أحمد الخلال، أبو الحسن المصري الشاهد، في ذي القعدة. روى عن أبي الطار الذهلي، وأبي أحمد بن الناصح.

والنذير الواعظ، وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي. روى عن إسماعيل بن حاجب الكشاني، وجماعة، ووعظ ببغداد، فازدحموا عليه، وشغفوا به، ورزق قبولا لم يرزقه أحد، وصار يظهر الزهد، ثم إنه تنعم وقبل الصلات، من الأقطار، واستجمع له جيش من المطوعة، فعسكر بظاهر بغداد، وضرب له الطبل، وسار بهم إلى الموصل، واستفحل أمره، فصار إلى أذربيجان، وضاهى أمير تلك الناحية، ثم خمد سوقه، وتراجع عامة أصحابه، ثم مات.

ومحمد بن عبد الله بن عابد، أبو عبد الله المعافري، حدث قرطبة. روى عن أبي عبد الله بن مفرج وطبقته، ورحل، فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وأبي بكر بن المهندس وطائفة. وكان ثقة عالما جيد المشاركة في الفضائ، توفي في جمادى الأولى، عن بضع وثمانين سنة. وهو آخر من حدث عن الأصيلي.

سنة أربعين وأربعمائة

فيها مات السلطان أبو كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة البويهي الديلمي، مات بطريق كرمان، فصدوه في يوم ثلاث مرات، وكان معه نحو أربعة آلاف من الترك والديلم، فنهبت خزائنه وحريمه وجواريه، وطلبوا شيراز، فلسطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر، وكان مدة سلطنة أبي كاليجار أربع سنين، وكان مولده بالبصرة، سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، سامحه الله.

وفيها أقدم المعز بن باديس بالمغرب، الدعوة للقائم بالله العباسي، وخلع طاعة المستنصر العبيدي، فبعث المستنصر جيشا من العرب يحاربونه، فذلك أول أول دخول العربان إلى إفريقية، وهم بنو رياح، وبنو زغبة، وتمت لهم أمور يطول شرحها.

وفيها قدم خراسان خلائق من الترك الغز، فسار بهم الملك ينال، فدخل الروم، فقتل وسبى وغنم وسار حتى قارب القسطنطينية، وحصل لهم من السبي، فوق المائة ألف نفس، والتقى الروم وهزمهم غير مرة، وكسروه أيضا، ثم ثبت المسلمون، ونزل النصر، وقيل إنهم جروا الغنائم على عشرة آلاف عجلة، فلله الحمد.

وفيها توفي الحكيمي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الوراق، يوم الأضحى، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الطاهر الذهلي وغيره.

والحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد، الأمير أبو محمد العباسي. روى عن مؤدبه أحمد اليشكري، وكان رئيسا دينا حافظا لأخبار الخلفاء، توفي في شعبان، وله نيف وتسعون سنة.

وأبو القاسم عبيد الله بن أبي حفص، عمر بن شاهين. روى عن أبيه، وأبي بحر البربهاري، والقطيعي، وكان صدوقا عالي الإسناد، توفي في ربيع الأول.

وعلي بن ربيعة، أبو الحسن التميمي المصري البزاز، راوية الحسن ابن رشيق، توفي في صفر.

وأبو ذر، محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني الأصبهاني الواعظ. روى عن أبي الشيخ، ومات في ربيع الأول.

وأبو عبد الله الكارزيني، محمد بن الحسين الفارسي المقرئ، نزيل الحرم، ومسند القراء، توفي فيها أو بعدها، وقد قرأ القرءات على المطوعي، قرأ عليه جماعة كثيرة، وكان من أبناء التسعين، وما علمت فيه جرحا.

وابن ريذة مسند أصبهان، أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني، توفي في رمضان، وله أربع وتسعون سنة. قال يحيى بن مندة: كان ثقة أمينا، كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل الفضل، مكرما لأهل العلم، حسن الخط، يعرف طرفا من النحو واللغة.

وابن غيلان، مسند العراق، أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزاز. سمع من أبي بكر الشافعي، أحد عشر جزءا، وتعرف بالغيلانيات، لتفرده بهها. قال الخطيب: كان صدوقا صالحا دينا. قلت: مات في شوال وله أربع وتسعون سنة.

وأبو منصور السواق، محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار، وثقه الخطيب، ومات في آخر العام، عن ثمانين سنة. روى عن القطيعي ومخلد بن جعفر.

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

فيها أمرت الرافضة ببغداد أن لا يعملوا مأتم عاشوراء، فخالفوا، فثارت غوغاء السنة وحميت الفتنة، وجرى ما لا يعبر عنه، وقتل جماعة، وجرح خلق، فاهتم أهل الكرخ، وعملوا عليهم سورا منيعا، غرموا عليه أموالا عظيمة، وكذا فعل أهل نهر القلائين، وصار مع كل فرقة طائفة من الأتراك على نحلتهم تشد معهم، وتمت لهم فتنة هائلة يوم عيد الفطر.

وفيها توفي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي، أبو علي المعدل، أحد الأكابر بدمشق. روى عن يوسف الميانجي وجماعة.

والعتيقي، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفار المحدث. روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزاز، وإسحاق بن سعد النسوي وطبقتهما، وجمع وخرج على الصحيحين، وكان ثقة فهما، توفي في صفر.

وأحمد بن المظفر بن أحمد بن يزداد الواسطي العطار، أبو الحسن. را وي مسند مسدد، عن ابن السقا، توفي في شعبان.

وأبو القاسم الأفليلي -وأفليل قرية بالشام- ثم القرطبي، إبراهيم ابن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي، توفي في ذي القعدة بقرطبة، وله تسع وثمانون سنة. روى عن أبي عيسى الليثي، وأبي بكر الزبيدي وطائفة، وولي الوزارة لبعض أمراء الأندلس. وكان رأسا في اللغة والشعر، أخباريا علامة.

وابن سختام، الفقيه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام بن هرثمة الغزني السمرقندي الحنفي المفتي، رحل إلى الحج، وحدث ببغداد ودمشق عن أبيه، ومحمد بن أحمد بن مت الإشتيخني، وجماعة، وحدث في هذا العام، وتوفي فيه أو بعده، في عشر الثمانين.

وابن حمصة، أبو الحسن علي بن عمر الحراني ثم المصري الصواف، عنده مجلس واحد عن حمزة الكتاني، يعرف بمجلس البطاقة، توفي في رجب.

وقراوش بن مقلد بن المسيب، الأمير أبو المنيع، معتمد الدولة العقيلي صاحب الموصل، وابن صاحبها، وكانت دولته خمسين سنة. وكان أديبا شاعرا ممدحا فارسا نهابا وهابا، على دين الأعراف وجاهليتهم، يقال إنه جمع بين أختين فلاموه، فقال: وأي شيء نستعمل من الشرع، حتى تتكلموا في هذا. وقال مرة: ما في رقبتي غير دم خمسة أو ستة من العرب، فأما الحضر، فلا يعبأ الله بهم؛ وثب على قرواش ابن أخيه بركة، وقبض عليه وسجنه في هذه السنة، وتملك. فمات في سنة ثلاث، فملك بعده أبو المعالي قريش ابن بدران، ابن مقلد بن المسيب فذبح قرواش بن مقلد صبرا، وقيل بن مات في سجنه.

وأبو الفضل السعدي، محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي، الفقيه الشافعي، تلميذ أبي حامد الإسفراييني، وراوي معجم الصحابة، للبغوي عن ابن بطة، توفي في شعبان، وقد روى عن جماعة كثيرة بالعراق والشام ومصر.

وأبو عبد الله الصوري، محمد بن علي الحافظ، أحد أركان الحديث، توفي ببغداد، في جمادى الآخرة، وقد نيف على الستين. روى عن ابن جميع، والحافظ عبد الغ ني المصري، ولزمه مدة، وأكثر عن المصريين والشاميين، ثم رحل إلى بغداد، ولقي بها ابن مخلد، صاحب الصفار، وهذه الطبقة. قال الخطيب: كان من أحرص الناس على الحديث، وأكثرهم كتبا، وأحسنهم معرفة به، لم يقدم علينا أفهم منه، وكان دقيق الخط، يكتب ثمانين سطرا في ثمن الكاغد الخراساني، وكان يسرد الصوم. وقال أبو الوليد الباجي: هو أحفظ من رأيناه. وقال أبو الحسين بن الطيوري: ما رأيت أحفظ من الصوري. وكان بفرد عين، وكان متفننا، يعرف من كل علم، وقوله حجة، وعنه أخذ الخطيب علم الحديث. قلت: وله شعر فائق.

والسلطان مودود، صاحب غزنة ابن السلطان مسعود بن محمود ابن سبكتكين، وكانت دولته عشر سنين، ومات في رجب، وله تسع وعشرون سنة. وأقاموا بعده ولده وهو صبي صغير، ثم خلعوه.

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة

فيها عين ابن النسوي لشرطة بغداد، فاتفقت الكلمة في السنة والشيعة، أنه متى ولي، نزحوا عن البلد، ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين، وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة، وصلوا في مساجد السنة، وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد، وتحابوا وتوادوا، وهذا شيء لم يعهد من دهر.

وفيها توفي أبو الحسين التوزي، أحمد بن علي البغدادي المحتسب. روى عن علي بن للؤل وطبقته، وكان ثقة صاحب حديث.

والملك العزيز، أبو منصور بن الملك جلال الدولة، بن بويه، توفي بظاهر ميافارقين، وكانت مدته سنتين، وكان أديبا فاضلا له شعر حسن.

وأبو الحسن بن القزويني، عل بن عمر الحربي، الزاهد القدوة، شيخ العراق. روى عن أبي عمر بن جيويه وطبقته. قال الخطيب: كان أحد الزهاد، ومن عباد الله الصالحين، يقرئ ويحدث، ولا يخرج إلا لصلاة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. توفي في شعبان، وغلقت جميع بغداد يوم دفنه، ولم أر جمعا أعظم من ذلك الجمع، رحمه الله تعالى.

وأبو القاسم الثمانيني الموصلي الضرير النحوي، أحد أئمة العربية بالعراق، أخذ عن ابن جني، وتصدر للإفادة، وصنف شرحا للمع وكتاب في النحو وشرحا للتصريف الملوكي، واسمه: عمر بن ثابت.

ومحمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة، أبو الحسن، أخو أبي يعلى، وأبي عبد الله، وكان أوسط الثلاثة. روى عن علي بن لؤلؤ وطائفة.

وأبو طاهر بن العلاف، محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ. روى عن القطيعي، وجماعة. وكان نبيلا وقوا له حلقة للعلم بجامع المنصور.

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

فيها في صفر، زال الأنس بين السنة والشيعة، وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه، وأحكم الرافضة سوق الكرخ، وكتبوا على الأبراج: محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر، فاضطرمت نار الفتنة، وأخذت ثياب الناس في الطرق، وغلقت الأسواق، واجتمع للسنة جمع لم ير مثله، وهجموا على دار الخلافة، فوعدوا بالخير، فثار أهل الكرخ، والتقى الجمعان، وقتل جماعة، ونهب باب التبن ونبشت عدة قبور للشيعة وأحرقوا، مثل العوني والناشي والجذوعي، وطرحوا النيران في الترب، وتم على الرافضة خزي عظيم، فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه، وقتلوا مدرسهم أبا سعد السرخسي، رحمه الله. وقال الوزير: إن وأخذنا الكل خرب البلد.

وفيها أخذ طغرلبك أصبهان، بعد حصار سنة. فجعلها دار ملكه، ونقل خزائنه من الري إليها.

وفيها هجمت الغز على الأهواز، وقتلوا ونهبوا، وعلموا كل قبيح.

وفيها كانت وقعة عظيمة، بين المعز بن باديس، وبين المصريين، قتل فيها من المغاربة نحو ثلاثين ألفا.

وفيها توفي أبو علي الشاموخي المقرئ، الحسن بن علي، بالبصرة، وله جزء مشهور. روى فيه عن أحمد بن محمد بن العباس، صاحب أبي خليفة.

وعلي بن شجاع الشيباني المصقلي، أبو الحسن الأصبهاني الصوفي، توفي في ربيع الأول. روى عن الدارقطني وطبقته، وأسمع ولديه كثيرا.

وأوب القاسم الفارسي، علي بن محمد بن علي، مسند الديار المصرية، أكثر عن أبي أحمد بن الناصح، والذهلي، وابن رشيق توفي في شوال.

ومحمد بن عبد السلام بن سعدان، أبو عبد الله الدمشقي. روى عن جمح ابن القاسم، وأبي عمر بن فضالة، وجماعة. توفي في يوم عرفة، وعنده ستة أجزاء.

وأبو الحسن بن صخر الأزدي، القاضي محمد بن علي بن محمد البصري، بزبيد، في جمادى الآخرة، عن سن عالية، أملى مجالس كثيرة، عن أحمد بن جعفر السقطي، ويوسف النجيرمي، وخلق.

سنة أربع وأربعين وأربعمائة

فيها هاجت الفتنة ببغداد، واستعرت نيرانها، وأحرقت عدة حوانيت، وكتب أهل الكرخ على أبواب مساجدهم: محمد وعلي خير البشر، وأذوا بحي على خير العمل، فاجتمع غوغاء السنة، وحملوا حملة حربية على الرافضة، فهرب النظارة، وازدحموا في درب ضيق، فهلك ست وثلاثون امرأة، وستة رجال، وصبيان، وطرحت النيران في الكرخ، وأخذوا في تحصين الأبواب والقتال، والتقوا في سادس ذي الحجة، فجمع الطقطقي طائفة من الأعوان، وكنس نهر طابق من الكرخ، وقتل رجلين، ونصب رأسيهما على مسجد القلايين.

وفيها جرت حروب هائلة بين الغز السلجوقية وبين صاحب غزنة على الملك، وقتل عدد كبير من الفريقين قتلة جاهلية.

وفيها جهز الملك الرحيم الديلمي عسكرا لحرب أخيه، واقتتلوا في السفن أياما.

وفيها عمل محضر كبير ببغداد، يتضمن القدح في نسب بني عبيد، الخارجين بالمغرب ومصر، وأن أصلهم من اليهود، وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر بن محمد الصادق رحمه الله. فكتب فيه خلق من الأشراف والشيعة والسنة وأولي الخبرة.

وفيها انتشرت جيوش الغز وعاثوا ونهبوا ببلاد الجبل.

وفيها قدم عسكر الغز، فأغاروا على أطراف العراق، وقتلوا وسبوا وفتكوا.

وفيها بعث الملك الرحيم، وزيره والبساسيري فحاصر أخاه بالبصرة، وجرت لهما أمور طويلة، ثم هرب إلى طغرلبك، فأكرمه وزوجه بابنته.

وفيها توفي أبو غانم الكراعي، أحمد بن علي بن الحسين المروزي. روى عن أبي العباس عبد الملك بن الحسين النضري، صاحب الحرث بن أبي أسامة، وكان مسند خراسان في وقته، وآخر من روى عنه حفيده.

وأبو علي بن المذهب، راوية لأحمد، وهو الحسن ابن علي بن التميمي البغدادي الواعظ. قال الخطيب: كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحا، إلا في أجزاء، فإنه ألحق اسمه فيها، وعاش تسعا وثمانين سنة. قلت: توفي في تاسع عشري ربيع الآخر. قال ابن نقطة: لو بين الخطيب في أي مسند هي، لأتى بالفائدة.

ورشأ بن نظيف بن ما شاء الله، أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدث، قرأ بدمشق ومصر وبغداد بالروايات. وروى عن أبي مسلم الكاتب. وعبد الوهاب الكلابي وطبقتهما. قال الكتاني: توفي في المحرم، وكان ثقة مأمونا، وانتهت إليه الرئاسة في قراءة ابن عامر.

وأبو القاسم الأزجي المحدث، عبد العزيز بن علي الخياط. روى عن ابن عبيد العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهما فأكثر، توفي في شعبان، وله ثمان وثمانون سنة. وكان صاحب حديث وسنة.

وأبو نصر السجزي الحافظ، عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري، نزيل مصر. توفي بمكة في المحرم، وكان متقنا مكثرا بصيرا بالحديث والسنة، واسع الرحلة، رحل بعد الأربعمائة، فسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر، وروى عن الحاكم، وأبي أحمد الفرضي وطبقتهما. قال الحافظ ابن طاهر: سألت الحبال عن الصوري والسجزي، أيهما أحفظ؟ فقال: السجري أحفظ من خمسين مثل الصوري، ثم ذكر حكاية في زهده.

وأبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد القرطبي بن الصيرفي، الحافظ المقرئ، أحد الأعلام، صاحب المصنفات الكثيرة المتقنة، توفي بدانية، في شوال، وله ثلاث وسبعون سنة. قال: ابتدأت بطلب العلم، سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ورحلت إلى المشرق، سنة سبع وتسعين، فكتبت بالقيروان ومصر. قلت: سمع من أبي مسلم الكاتب، وبمكة من أحمد بن فراس، وبالمغرب من أبي الحسن القابسي، وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي، وخلف ابن خاقان، وظاهر بن غلبون وجماعة. قال ابن بشكوال: كان أحد الأئمة في علم القرآن، رواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه، وله معرفة بالحديث وطرقه ورجاله، وكان جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، دينا ورعا سنيا. وقال غيره: كان مجاب الدعوة، مالكي المذهب.

وناصر بن الحسين، أبو الفتح القرضي العمري المروزي الشافعي، مفتي أهل مرو، تفقه على أبي بكر القفال، وأبي الطيب الصعلوكي، وروى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد الرازي، صاحب ابن الضريس، وعبد الرحمن بن أبي شريح، وعليه تفقه البيهقي، وكان فقيرا متعففا متواضعا.

سنة خمس وأربعين وأربعمائة

فيها انجفل الناس ببغداد، ووصلت السلجوقية إلى حلوان، يريدون العراق.

وفيها توفي تاج الأئمة، مقرئ الديار المصرية، أبو العباس أحمد بن علي ابن هاشم المصري، قر أعلى عمر بن عراك، وأبي عدي، وجماعة. ثم رحل وقرأ على أبي الحسن الحمامي. توفي في شوال، في عشر السبعين.

وأبو إسحاق البرمكي، إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي. روى عن القطيعي، وابن ماسي وطائفة. قال الخطيب: كان صدوقا دينا فقيها، على مذهب أحمد، وله حلقة للفتوى، توفي يوم التروية، وله أربع وثمانون سنة. قلت: تفقه على ابن بطة وابن حامد.

وأبو سعيد السمان، إسماعيل بن علي الرازي الحافظ. سمع بالعراق ومكة ومصر والشام، وروى عن المخلص وطبقته. قال الكتاني: كان من الحفاظ الكبار، زاهدا عابدا يذهب إلى الاعتزال.

قلت: كان متبحرا في العلوم، وهو القائل: من لم يكتب الحديث، لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وله تصانيف كثيرة، يقال إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ، وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه، بصيرا بمذهبي أبي حنيفة والشافعي، لكنه من رؤوس المعتزلة، وكان يقال أنه ما رأى مثل نفسه.

وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الكاتب، مسند أصبهان، وراوية أبي الشيخ، توفي في ربيع الآخر، وهو في عشر التسعين، وكان ثقة، صاحب رحلة إلى أبي الفضل الزهري وطبقته.

وأبو عبد الله العلوي، محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي، مسند الكوفة، في ربيع الأول. روى عن البكائي وطائفة.

سنة ست وأربعين وأربعمائة

فيها كانت الحرب الهائلة بالمغرب، بين ابن باديس، والعرب الذين دخلوا القيروان، من جهة صاحب مصر وجاهر العرب القيروان واليهم المؤامرات وعم البلاء بالعرب وانتقل المتعز إلى الهندية.

وفيها ملك طغرلبك إقليم أذربيجان صلحا، ثم سار بجيوشه، فغزا الروم وسبى وغنم.

وفيه توفي أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ المحدث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف، ولد سنة اثنتين وستين وثلالاثمائة، وعني بالقراءات، ولقي الكبار، كأبي الفرج الشنبوذي، وعلي بن الحسين الغضائري. وقرأ بالأهواز لقالون، في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وروى الحديث عن نصر المرجي، والمعافى الجريري وطبقتهما، وهو ضعيف، اتهم في لقاء بعض الشيوخ، توفي في ذي الحجة.

وأبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ، أحد أئمة الحديث. روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني، وأبي حفص الكتاني وطبقتهما، وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث.

وأبو محمد بن اللبان التيمي، عبد الله بن محمد الأصبهاني. قال الخطيب: كان أحد أوعية العلم. سمع أبا بكر بن المقرئ، وأبا طاهر المخلص وطبقتهما، وكان ثقة، صحب ابن الباقلاني، ودرس عليه الأصول، وتفقه علي أبي حامد الإسفراييني، وقرأ القراءات، وله مصنفات كثيرة، سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، مات بأصبهان، في جمادى الآخرة.

ومحمد بن عبد الرحمن بن ع ثمان بن أبي نصر، أبو الحسين التميمي المعدل الرئيس، مسند دمشق وابن مسندها. سمع أبا بكر الميانجي، وأبا سليمان بن زبر، توفي في رجب.

سنة سبع وأربع ين وأربعمائة

فيها تملك طغرلبك العراق، باستدعاء الخليفة ومكاتبته، لأن أرسلان البساسيري، كان قد عظم ببغداد، ولم يبق للملك الرحيم، ولا للخليفة معه، إلا الاسم. ثم بلغ الخليفة أنه عازم على نهب دار الخلافة، فاستنجد عليه بطغرلبك، وكان البساسيري غائبا بواسط، فنهبت داره ببغداد، برأي رئيس الرؤساء، فأقبل طغرلبك على الملك الرحيم، وفرغت دولة بني بويه، وعاثت العز بسواد العراق، وعفروا الناس ونهبوهم، حتى أبيع الثور بعشرة دراهم.

وفيها توفي أبو عبد الله القادسي، الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزاز. روى عن أبي بكر القطيعي وغيره، ضعفه الخطيب، وفيه أيضا رفض توفي في ذي القعدة.

وابن ماكولا، قاضي القضاة، أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني الشافعي، توفي في شوال، وله ثمانون سنة. قال الخطيب: لم ير قاض أعظم نزاهة منه.

وحكم بن محمد بن حكم، أبو العاص الجذامي القرطبي، مسند الأندلس، حج فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وإبراهيم بن علي التمار، وأبي بكر المهندس، وقرأ على عبد المنعم بن غلبون، وكان صالحا ثقة ورعا صليبا في السنة، مقلا زاهدا، توفي في ربيع الآخر، عن بضع وتسعين سنة.

وسليم بن أيوب، أبو الفتح الرازي الشافعي المفسر، صاحب التصانيف والتفسير، وتلميذ أبي حامد الإسفراييني. روى عن أحمد بن محمد البصير وطائفة كثيرة، وكان رأسا في العلم والعمل، غرق في بحر القلزم، في صفر، بعد قضاء حجة.

وعبد الوهاب بن الحسين بن برهان، أبو الفرج البغدادي الغزال. روى عن أبي عبد الله العسكري، وإسحاق بن سعد وخلق، وسكن صور، وبها مات في شوال، عن خمس وثمانين سنة.

وأبو أحمد الغندجاني، عبد الوهاب بن محمد بن موسى. روى تاريخ البخاري، عن أحمد بن عبدان الشيرازي.

وأبو القاسم التنوخي، علي بن أبي علي المحسن بن علي البغدادي. روى عن علي بنن محمد بن كيسان، والحسين بن محمد العسكري، وخلق كثير، وأول سماعه في سنة سبعين. قال الخطيب: صدوق متحفظ في الشهادة، ولي قضاء المدائن ونحوها. وقال ابن خيرون: قيل كان رأيه الترفض والاعزال، مات في ثاني المحرم.

وذخيرة الدين ولي العهد، محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد، توفي في ذي القعدة، وله ست عشرة سنة. وكان قد ختم القرآن، وحفظ الفقه والنحو والفرائض، وخلف سرية حاملا، فولدت ولدا سماه جده عبد الله، فهو المقتدي الذي ولي الخلافة بعد جده.

ومحمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها، توفي في ذي الحجة، وهو ثقة.

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

فيها تزوج القائم بأمر الله بأخت طغرلبك، وتمكن القائم، وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك.

وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط، وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب، من عسكر طغرلبك، ومن الأعراب، ومن البساسيري، وخطب بالكوفة وواسط والموصل للمستنصر المصري، وفرحت الرافضة بذلك، واستفحل أمر البساسيري، وجاءته الخلع والتقليد من مصر، له ولقريش صاحب الموصل، ولدبيس صاحب الفرات، وأقاموا شعار الرفض.

وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد، أبو محمد الأنصاري الأندلسي الفقيه المالكي، حمل عن أبي محمد بن أبي زيد، وخلق، وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وسكن مصر، وتوفي بالشام، في رمضان.

وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري راوي صحيح مسلم عن أبي عمرويه وغريب الخطابي عن المؤلف، كمل خمسا وتسعين سنة. ومات في خامس شوال، وكان عدلا جليل القدر.

وأبو الحسن الفالي، علي بن أحمد بن علي المؤدب، ثقة. روى عن أحمد ابن خربان، وأبي عمر الهاشمي.

وأبو الحسن الباقلاني، علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي. روى عن القطيعي وغيره. قال الخطيب: لا بأس به.

وابن مسرور أبو حفص، عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد روى عن ابن نجيد وبشر بن أحمد الإسفراييني، وأبي سهل الصعلوكي وطائفة. قال عبد الغافر: هو أبو حفص الفامي الماوردي الزاهد الفقيه، كان كثير العبادة والمجاهدة، كانوا يتبركون بدعائه، وعاش تسعين سنة. ومات في ذي القعدة.

وابن الطفال، أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرء البزاز التاجر، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وروى عن ابن حيويه وأبي الطاهر الذهلي وابن رشيق.

وابن الترجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الجندري، وعبد الواهب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأول بمصر، وله خمس وتسعون سنة. وكان صدوقا.

وأبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، رواي السنن عن الدارقطني، وروى أيضا عن أبي عمر بن حيويه وطائفة، توفي في جمادى الأولى، وكان ثقة حسن الأصول.

سنة تسع وأربعين وأربعمائة

فيها خلع القائم بأمر الله، على السلطان طغرلبك السلجوقي، سبع خلع، وطوقه وسوره وتوجه، وكتب له تقليدا بها وراء بابه وشافهه بملك المشرق والمغرب، فقدم للقائم تحفا، منها خمسون مملوكا بخيلهم وسرحهم، وخمسون ألف دينار.

وفيها عجز ثمال بن صالح بن مرداس عن حلب للقحط، وسلمها بالأمان للمصريين.

وفيها كان الوباء المفرط بما وراء النهر، حتى قيل إنه مات فيه ألف ألف إنسان وستمائة ألف.

وفيها توفي أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري اللغوي الشاعر، صاحب التصانيف المشهورة والزندقة المأثورة والذكاء المفرط والزهد الفلسفي، وله ست وثمانون سنة. جدر وهو ابن ثلاث سنين، فذهب بصره. ولعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك.

وأبو مسعود البجلي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي الحافظ، وله سبع وثمانون سنة. توفي في المحرم ببخارى، وكان كثير الترحال، طوف وجمع وصنف الأبواب، وروى عن أبي عمرو بن حمدان وحسينك التميمي وطبقتهما، وهو ثقة.

وأبو عثمان الصابوني، شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الواعظ المفسر المصنف، أحد الأعلام. روى عن زاهر السرخسي وطبقته، وتوفي في صفر، وله سبع وسبعون سنة. وأول ما جلس للوعظ وهو ابن عشر سنين، وكان شيخ خراسان في زمانه.

وابن بطال، مؤلف شرح البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي. روى عن أبي المطرف القنازعي ويونس بن عبد الله القاضي. توفي في صفر.

وأبو عبد الله الخبازي، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ، عن سبع وسبعين سنة. روى عن أبيه القراءات، وتصدر وصنف فيها، وحدث عن أبي محمد المخلدي وطبقته، وكان كبير الشأن وافر الحرمة، مجاب الدعوة، آخر من روى عنه الفراوي.

وأبو الفتح الكراجكي -والكراجكي الخيمي- رأس الشيعة، وصاحب التصانيف، محمد بن علي. مات بصور، في ربيع الآخر، وكان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما متفننا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى، وهو مؤلف كتاب تلقين أولاد المؤمنين.

سنة خمسين وأربعمائة

فيها سار طغرلبك ليأخذ الجزيرة، فنازل الموصل، وعمد أرسلان البساسيري، فكانت إبراهيم ينال يعده ويمنيه ويطعمه في الملك، فأصغى إليه وخالف على أخيه طغرلبك، وساق بفرقة من الجيش، وقصد الري، فانزعج طغرلبك، وساق وراءه ببعض الجيش، وترك بعض الجيش مع زوجته، ووزيره عميد الملك الكندري، وقامت الفتنة على ساق، وتم للبساسيري ما دبر من المكر، وقدم بغداد، فدخلها في ذي القعدة بالرايات المستنصرية، واستبشرت الرافضة، وشمخوا وأذنوا بحي على خير العمل، وقاتلت السنة دون القائم بأمر الله، ودامت الحرب في السفن أربعة أيام، وأقيمت الخطبة لصاحب مصر، ثم ضعف القائم، وخندق على داره، ثم تفرق جمعه، واستجار بقريش أمير العرب، فأجاره وأخرجه إلى مخيمه، وقبض البساسيري على الوزير رئيس الرؤساء، علي بن المسلمة، وشهره بطرطور على جمل، ثم صلبه، ونهبت دور الخلافة، وزالت الدولة العباسية، وحبس القائم بحديثه عانة، عند مهارش، وجمع البساسيري الأعيان كلهم، وبايعوه للمستنصر العبيدي قهرا، ثم أحسن إلى الناس ولم يتعصب لمذهب، وأفرد لوالدة الخليفة دارا وراتبا، وقيل إن المستنصر أمد البساسيري بأموال عظيمة، فوق الألف ألف دينار.

وفيها توفي الوني صاحب الفرائض، استشهد في فتنة البساسيري، وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي.

وأبو الطيب الطبري، طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي، أحد الأعلام. روى عن أبي أحمد الغطريفي وجماعة، وتفقه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي، وسكن بغداد، وعمر مائة وسنتين: قال الخطيب: كان عارفا بالأصول والفروع، محققا صحيح المذهب. قلت: سقنا أخباره في التاريخ الكبير، ومات في ربيع الأول، ولم يتغير له ذهن.

وأبو الفتح بن شيطا، مقرئ العراق ومصنف التذكار في القراءات العشر، عبد الواحد بن الحسين بن أحمد، أخذ عن الحمامي وطائفة، وحدث عن محمد بن إسماعيل الوراق وجماعة، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.

وعلي بن بقا، أبو الحسن المصري الوراق الناسخ محدث ديار مصر. روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة، وكتب الكثير.

والماوردي أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنف الحاوي والاقناع وأدب الدنيا والدين وغير ذلك، وكان إماما في الفقه والأصول والتفسير، بصيرا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستا وثمانين سنة. تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وحدث عن الحسن الجيلي، صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة، وآخر من روى عنه أبو العز بن كادش.

وأبو القاسم الخفاف عمر بن الحسين البغدادي، صاحب المشيخة. روى عن ابن المظفر وطبقته.

وأبو منصور السمعاني، محمد بن عبد الجبار، القاضي المروزي الحنفي، والد العلامة، أبي المظفر السمعاني، مات بمرو، في شوال، وكان إماما ورعا نحويا لغويا علامة، له مصنفات.

ومنصور بن الحسين التاني، أبو الفتح الأصبهاني المحدث، صاحب ابن المقرئ، كان من أروى الناس عنه، توفي في ذي الحجة، وكان ثقة.

والملك الرحيم، أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن كن الدولة الحسن بن بويه الديلمي، آخر ملوك الديلم، مات محبوسا بقلعة الري، في اعتقال طغرلبك.

سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

فيها رجع السلطان طغرلبك إلى بغداد، فهرب آل البساسيري وحشمه، وأهل الكرخ بأهاليهم، على كل صعب وذلول، فنهبتهم العربان، وكانت أيام البساسيري سنة كاملة، وعاد القائم بأمر الله إلى مقر عزه، وسار عسكره، فالتقاهم البساسيري في ذي الحجة، فقتل وطيف برأسه ببغداد.

وفيها انعقد الصلح بين صاحب غزنة، إبراهيم بن مسعود السبكتكيني، وبين جغريبك، أخي طغرلبك السلجوقي، بعد حروب طويلة، أضرست الفريقين، وفرح المسلمون بالاتفاق، فلم ينشب جغريبك أن توفي.

وفيها توفي ابن سميق، أبو عمر أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي، نزيل طليطلة، ومحدث وقته. روى عن أبي المطرف بن فطيس، وابن أبي زمنين وطبقتهما. وكان قوي المشاركة في عدة علوم، حتى في الطب، مع العبادة والجلالة، وعاش ثمانين سنة.

والأمير المظفر أبو الحارث أرسلان التركي البساسيري قال: وهي نسبة إلى مدينة فسا -ويقال بسا- وأهل فارس ينسبون إليها هكذا، وهي نسبة شاذة على غير الأصل، والأصل فسوي.

وأبو عثمان النجيرمي، سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري، محدث خراسان ومسندها. روى عن جده أبي الحسين، وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما، ورحل إلى مرو، وإسفرايين وبغداد وجرجان، توفي في ربيع الآخر.

وأبو المظفر عبد الله بن شبيب الضبي، مقرئ أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها، أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي، وسمع من أبي عبد الله بن مندة وغيره، توفي في صفر.

وأبو الحسن الزوزني، علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية، ببغداد، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. وكان كثير الأسفار. سمع بدمشق من عبد الوهاب الكلابي وجماعة.

والعشاري، أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالح. روى عن الدارقطني وطبقته، وعاش خمسا وثمانين سنة. وكان جده طويلا، فلقبوه العشاري، وكان أبو طالب فقيها، تخرج على أبي حامد، وقبله على ابن بطة، وكان خيرا عالما زاهدا.

سنة اثنين وخمسين وأربعمائة

فيها حاصر محمود الكلابي حلب، فأخذها ثم ثم واقع المصريين بظاهر حلب. وتعرف بوقعة الفنيدق، فهزمهم واستولى على حلب، بعد أن نهبها المصريون.

وفيها حاصر عطية الكلابي الرحبة، وضيق عليهم فأخذها.

وفيها توفي الماهر، أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن فضال الحلبي الموازيني، الشاعر المفلق بالشام.

وعلي بن حميد، أبو الحسن الذهلي، إمام جامع همذان، وركن السنة والحديث بها. روى عن أبي بكر بن لال وطبقته، وقبره يزار ويتبرك به.

والقزوين، محمد بن أحمد بن علي المقرئ، شيخ الإقراء بمصر، أخذ عن طاهر بن غلبون، وسمع من أبي الطيب والد طاهر، وعبد الوهاب الكلابي وطائفة توفي في ربيع الآخر.

وابن عمروس، أبو الفضل محمد بن عبد الله البغدادي، الفقيه المالكي. قال الخطيب: انتهت إليه الفتوى ببغداد، وكان من القراء المجودين، حدث عن ابن شاهين، وجماعة، وعاش ثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

فيها توفي أبو العباس بن نفيس، شيخ القراء، أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري، في رجب، وقد نيف على التسعين، وهو أكبر شيخ لابن الفحام، قرأ على السامري، وأبي عدي عبد العزيز، وسمع من أبي القاسم الجوهري وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وقصد من الآفاق.

وصاحب ميافارقين وديار بكر، نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي، وكان عاقلا حازما عادلا، لم تفته الصبح، مع انهماكه على اللذات، وكان له ثلاثمائة وستون سرية، يخلو كل ليلة بواحدة، وكانت دولته إحدى وخمسين سنة. وعاش سبعا وسبعين سنة. وقام بعده ولده نصر.

وأبو مسلم عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطار، حدث عن أحمد بن فراس العبقسي، وخلق. وكان ثقة صدوقا.

وأبو أحمد المعلم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني، راوي مسند أحمد بن منيع، عن عبد الله بن جميل، وروى عن جماعة، وتوفي في صفر.

وعلي بن رضوان، أبو الحسن المصري الفيلسوف، صاحب التصانيف، وكان رأسا في الطب وفي التنجيم، من أذكياء زمانه بديار مصر.

وأبو القاسم السميساطي واقف الخانكاه، علي بن محمد بن يحيى السمي الدمشقي. روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وكان بارعا في الهندسة والهيئة، صاحب حشمة وثروة واسعة، عاش ثمانين سنة.

وقريش بن بدران بن مقلد بن المسيب العقيلي، أبو المعالي، ولي الموصل عشرا، وذبح عمه قرواش بن مقلد صبرا، مات بالطاعون، عن إحدى وخمسين سنة. وقام بعده ابنه شرف الدولة مسلم، الذي استولى على ديار ربيعة ومضر وحلب، وحاصر دمشق، وكاد أن يملكها، وأخذ الحمل من بلاد الروم.

وأبو سعد الكنجروذي، محمد بن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري، الفقيه النحوي الطبيب الفارس، قال عبد الغافر: له قدم: في الطب والفروسية وأدب السلاح، كان بارع وقته، لاستجماعه فنون العلم، حدث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته، وكان مسند خراسان في عصره، توفي في صفر.

سنة أربع وخمسين وأربعمائة

فيها بلغت دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وغرقت بغداد.

وفيها التقى صاحب حلب معز الدولة، ثمال بن صالح الكلابي وملك الروم، على أرتاح، من أعمال حلب، وانتصر المسلمون، وغنموا وسبوا، حتى أبيعت السرية الحسناء بمائة درهم، وبعدها بيسير، توفي ثمال بحلب.

وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري، أحمد بن إبراهيم بن موسى، المقرئ المجود، الرئيس الكامل. توفي في شعبان وهو في عشر التسعين. روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة. وروى الغاية في القراءات عن ابن مهران المصنف.

وأبو محمد الجوهري، الحسن بن علي الشيرازي ثم البغدادي المقنعي، لأنه كان يتطليس ويلفها من تحت حنكه، انتهى إليه علو الرواية في الدنيا، وأملى مجالس كثيرة، وكان صاحب حديث. روى عن أبي بكر القطيعي، وأبي عبد الله العسكري، وعلي بن لؤلؤ وطبقتهم، وعاش نيفا وتسعين سنة. توفي في سابع ذي القعدة.

وأبو نصر زهير بن الحسين السرخسي الفقيه الشافعي، مفتي خراسان، أخذ ببغداد عن أبي حامد الإسفراييني، ولزمه وعلق عنه تعليقه مليحة. وروى عن زاهر السرخسي، والمخلص وجماعة. توفي بسرخس، وقيل توفي في سنة خمس وخمسين، فالله أعلم.

وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، أبو الفضل الرازي، الإمام المقرئ الزاهد، أحد العلماء العاملين. قال أبو سعد السمعاني: كان مقرئا، كثير التصانيف، زاهدا خشن العيش، قانعا منفردا عن الناس، يسافر وحده، ويدخل البراري. سمع بمكة من ابن فراس، وبالري من جعفر بن فناكي، وبنيسابور من السلمي، وبنسا من محمد بن زهير النسوي، وبجرجان من أبي نصر الإسماعيلي، وبأصبهان من ابن مندة الحافظ، وببغداد والبصرة والكوفة وحران وفارس ودمشق ومصر، وكان من أفراد الدهر.

وأبو حفص الزهراوي، عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي، محدث الأندلس مع ابن عبد البر، توفي في صفر، عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن عبد الوارث بن سفيان، وأبي محمد بن أسد والكبار. ولحقته في آخر عمره فاقة، فكان يستعصى، وتغير ذهنه.

والقضاعي، القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر المصري، الفقيه الشافعي، قضي الديار المصرية، ومصنف كتاب الشهاب. روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده. وقال ابن ماكولا: كان متفننا في عدة علوم، لم أر بمصر من يجري مجراه. قال الحبال: توفي في ذي الحجة.

والمعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي، صاحب المغرب، وكان الحاكم العبيدي قد لقبه شرف الدولة، وأرسل له الخلعة والتقليد، في سنة سبع وأربعمائة، وله تسعة أعوام، وكان ملكا جليلا عالي الهمة، محبا للعلماء، جوادا ممدحا، أصيلا في الإمرة، حسن الديانة، حمل أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك، وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه، وخطب لخليفة العراق، فجهز المستنصر لحربه جيشا، وطال حربهم له، وخربوا حصون برقة وإفريقية، توفي في شعبان بالبرص، وله ست وخمسون سنة.

سنة خمس وخمسين وأربعمائة

فيها قدم السلطان طغرلبك بغداد، فعاث جيشه وفسقوا، ونزلوا في دور الناس، وهجم جماعة على حمامين، وأخذوا ما استحسنوا من النساء. ثم رجع إلى الري، بعد أن دخل بابنة القائم بأمر الله، فمات في رمضان، وله سبعون سنة. وعاش عقيما ما بشر بولد، فعهد بالسلطنة إلى ابن أخيه سليمان بن جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه سليمان بن جغريبك، فاختلفت الأمراء عليه، ومالوا إلى أخيه ألب أرسلان، فاستولى على ممالك عمه مع ما في يده.

وفيها أحمد بن محمود، أبو طاهر الثقفي الأصبهاني المؤدب. سمع كتاب العظمة من أبي الشيخ، وما ظهر سماعه منه إلا بعد موته، وكان صالحا ثقة سنيا، كثير الحديث، توفي في ربيع الأول، وله خمس وتسعون سنة. روى عن أبي بن المقرئ، وجماعة.

وسبط بحرويه، أبو القاسم إبراهيم بن منصور السلمي الكراني الأصبهاني، صالح ثقة عفيف. روى مسند أبي يعلى عن ابن المقرئ، ومات في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو يعلى الصابوني، إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري، أخو شيخ الإسلام، أبي عثمان. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وأبي محمد المخلدي وطبقتهما. وكان صوفيا مطبوعا، ينوب عن أخيه في الوعظ، توفي في ربيع الآخر، وقد جاوز الثمانين.

وطغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق، السلطان الكبير، ركن الدين أبو طالب التركي الغزي السلجوقي، أول ملوك السلجوقية. وأصلهم من أعمال بخارى، وهم أهل عمود، أول ما ملك هذا الري، ثم نيسابور، ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرها، واقتسما الممالك، وملك طغرلبك العراق، وقمع الرافضة، وزال به شعارهم، وكان عادلا في الجملة، حليما كريما محافظا على الصلوات، يصوم الاثنين والخميس، ويعمر المساجد، توفي بالري، فحملوا تابوته، فدفنوه بمرو عند قبر أخيه، داود جغرايبك.

ومحمد بن حمدون السلمي، أبو بكر النيسابوري، آخر من روى عن أبي عمرو بن حمدان، توفي المحرم.

سنة ست وخمسين وأربعمائة

فيها قبض السلطان ألب أرسلان السلجوقي، على الوزير عميد الملك الكندري ثم قتله، وتفرد بوزارته نظام الملك الطوسي، فأبطل ما كان عمد طغرلبك ووزيره الكندري، من سب الأشعرية على المنابر، وانتصر للشافعية، وأكرم إمام الحرمين أبا المعالي وأبا القاسم القشيري. ونازل ألب أرسلان هراة، فأخذها من عمه ولم يؤذه، وأخذ صغانيان، وقتل ملكها. والتقى قتلمش قرابته، فقتل قتلمش في المصاف، فحزن عليه وندم، ثم تسلم الري، وسار إلى أذربيجان، وجمع الجيوش، وغزا الروم، فافتتح عدة حصون، وهابته الملوك، وعظم سلطانه وبعد صيته، وتوفر الدعاء له بكثرة ما افتتح من بلاد النصارى، ثم رجع إلى أصبهان، ومنها إلى كرمان. ثم زوج ابنه ملكشاه بابنة صاحب غزنة، فوقع الائتلاف، واتفقت الكلمة والله الحمد.

وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن عاصم النخشبي -ونخشب هي نسف- روى عن جعفر المستغفري، وابن غيلان وطبقتهما، بخراسان وأصبهان والعراق والشام، ومات كهلا، وكان من كبار الحفاظ.

وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي، صاحب التصانيف. قال الخطيب: كان مضطلعا بعلوم كثيرة، منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين، وله أنس شديد بعلم الحديث. وقال ابن ماكولا: سمع من ابن بطة، وذهب بموته علم العربية من بغداد. وكان أحد من يعرف الأنساب، لم أر مثله، وكان فقيها حنفيا، أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري، وتقدم فيه. وقال ابن الأثير: له اختيار في الفقه، وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس، ولا يقبل من أحد شيئا. مات في جمادى الآخرة، وقد جاوز الثمانين، وكان يميل إلى إرجاء المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار.

وأبو شاكر، عبد الواحد بن محمد التجيبي القبري، نزيل بلنسة، أجاز له أبو محمد بن أبي زيد، وسمع من أبي محمد الأصيلي، وأبي حفص بن نابل وولي القضاء والخطبة ببلنسة، وعمر.

وأبو محمد بن حزم، العلامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن صالح الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الأندلسي القرطبي الظاهري، صاحب المصنفات. مات مشردا عن بلده، من قبل الدولة، ببادية لبلة، بقرية له، ليومين بقيا من شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن أبي عمر بن الجسور ويحيى بن مسعود وخلق. وأول سماعه سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل، والعربية والآداب، والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة والذمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، قال الغزالي: وجدت في أسماء الله كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال صاعد في تاريخه: أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار، أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو أربعمائة مجلد.

وابن النرسي، أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسون البغدادي، في صفر، عن تسع وثمانين سنة. روى في مشيخته عن محمد بن إسماعيل الوراق وطبقته.

وقتلمش بن أسرائيل بن سلجوق، الملك شهاب الدولة، وابن عم السلطان طغرلبك، كانت له قلاع وحصون بعراق العجم، فعصى على قرابته، السلطان ألب أرسلان وواقعه، فقتل في المعركة، وهو جد سلاطين الروم السلجوقية، وكان بطلا شجاعا.

والمطرز، صاحب المقدمة اللطيفة، محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي الدمشقي، أبو عبد الله النحوي المقرئ، في ربيع الأول. روى عن تمام وجماعة، وآخر من حدث عنه، النسيب ي فوائده.

وأبو سعيد الخشاب، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المحدث، خادم أبي عبد الرحمن السلمي. روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف وطائفة.

وعميد الملك، الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري. وزير السلطان طغرلبك، كان من رجال العالم، حزما ورأيا وشهامة وكرما، وكان قد حي مذاكيره لأمر، ثم قتله ألب أرسلان بمرو الروذ، في آخر العام، وحمل رأسه إلى نيسابور.

سنة سبع وخمسين وأربعمائة

فيها دخل السلطان ألب أرسلان إلى ما وراء النهر، فنازل مدينة جند، وجد سلحوق مدفون بها، فنزل صاحبها إلى خدمته، فأحسن إليه وأقره بها.

وفيها توفي العيار، سعيد بن أبي سعيد أحمد بن محمد بن نعيم أبو عثمان النيسابوري الصوفي. روى صحيح البخاري عن محمد بن شبويه، وروى عن أبي ظاهر بن خزيمة والمخلدي والكبار. وانتقى عليه البيهقي. توفي بغزنة في ربيع الأول، وله مائة سنة وزيادة، وقد رحلبنفسه في الحديث، سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.

سنة ثمان وخمسين وأربعمائة

قال ابن الأثير: فيها ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان على بدن واحد ببغداد بباب الأزج.

وفيها توفي البيهقي، الإمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف، توفي عاشر جمادى الأول بنيسابور، ونقل تابوته إلى بيهق. وعاش أربعا وسبعين سنة. لزم الحاكم مدة. وأكثر عن أبي الحسن العلوي، وهو أكبر شيوخه.، وسمع ببغداد من هلال الحفار، وبمكة والكوفة. وبلغت تصانيفه ألف جزء، ونفع الله بها المسلمين شرقا وغربا، لإمامة الرجل ودينه وفضله وإتقانه، فالله يرحمه.

وعبد الرزاق بن عمر بن سمه، أبو الطيب الأصبهاني التاجر. روى عن ابن المقرئ.

وأبو الحسن بن سيده، علي بن إسماعيل المرسي العلامة، صاحب المحكم في اللغة، وكان أعمى بن أعمى، رأسا في العربية، حجة في نقلها. قال أبو عمر الطلمنكي: أتوني بمرسية ليسمعوا مني غريب المصنف، فقلت انظروا من يقرأ لكم، فأتوني برجل أعمى، يعرف بابن سيده، فقرأه، فعجبت من حفظه.

والعبادي، القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد الهروي، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف، تفقه على القاضي أبو منصور الأزدي، وبنيسابور علي أبي عمر البسطامي، وكان إماما دقيق النظر، واسع العلم، له المبسوط وأدب القاضي والهادي. وتوفي في شوال، عن ثلاث وثمانين سنة.

وأبو يعلى بن الفراء، شيخ الحنابلة، القاضي الحبر محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، صاحب التصانيف، وفقيه العصر، كان إماما لا يدرك الحربي، والمخلص وطبقتهما، وأملى عدة مجالس، وولي قضاء الحريم، وتوفي في تاسع عشر رمضان، تفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره، وجميع الطائفة معترفون بفضله، ومغترفون من بحره.

سنة تسع وخمسين وأربعمائة

في ذي القعدة، فرغت المدرسة النظامية، التي أنشأها الوزير نظام الملك ببغداد، وقرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق، واجتمع الناس فلم يحضر لأنه لقيه صبي فقال: كيف تدرس في مكان مغضوب؟ فوسوسه، فاختفى، فلما آيسوا من حضوره، درس ابن الصباغ، مصنف الشامل، فلما وصل الخبر إلى الوزير، أقام القيامة على أبي سعيد، فلم يزل يرفق بأبي إسحاق، حتى درس بها، وعمد العميد إلى قبر أبي حنيفة فبنى عليه قبة عظيمة، أنفق عليها الأموال.

وفيها توفي ابن طوق، أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي، الراوي عن نصر المرجي، صاحب أبي يعلى، توفي بالموصل في رمضان، وله سبع وسبعون سنة.

وأبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري. روى عن أبي الفضل بن خزيمة وطائفة، توفي في رمضان، وكان بزازا.

وأبو القاسم الحنائي، صاحب الأجزاء الحنائيات، الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المعدل الصالح، وله ثمانون سنة. روى عن عبد الوهاب الكلابي، والحسن بن محمد بن درستويه وطائفة.

وأبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المعتزلي، محمد بن علي بن محمد ابن مهر بزد، آخر أصحاب ابن المقرئ موتا، له تفسير في عشرين مجلدا، توفي في جمادى الآخرة، وله ثلاث وتسعون سنة.

سنة ستين وأربعمائة

فيها وقبلها كان الغلاء العظيم بمصر.

وفيها كانت الزلزلة التي هلك فيها بالرملة وحدها، على ما ورخ ابن الأثير، خمسة وعشرون ألفا وقال: انشقت صخرة بيت المقدس، وعادت بأذن الله، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، ورد.

وفيها توفي الباطرقاني، أبو بكر أحمد بن الفضل الأصبهاني المقرئ الأستاذ، توفي في صفر، عن ثمان وثمانين سنة. وله مصنفات في القراءات، وكان صاحب حديث وحفظ. روى عن أبي عبد الله بن مندة وطبقته.

وابن القطان، أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي، رئيس المفتين بالأندلس، وله سبعون سنة. روى عن يونس بن عبد الله القاضي وجماعة.

وخديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية الواعظة ببغداد، كتبت بخطها عن ابن سمعون، وتوفيت في المحرم، عن أربع وثمانين سنة.

وعائشة بنت الحسن الوركانية الأصبهانية. روت عن أبي عبد الله بن مندة.

وعبد الدائم بن الحسن الهلالي الحوراني ثم الدمشقي، آخر أصحاب عبد الوهاب الكلابي، عن ثمانين سنة.

سنة إحدى وستين وأربعمائة

في نصف شعبان، احترق جامع دمشق كله، من حرب وقع بين الدولة، فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع، فقضي الأمر، واشتد الخطب، وأتى الحريق على سائره، ودثرت محاسنه، وانقضت مدة ملاحته.

وفيها توفي الفوراني، أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المروزي، شيخ الشافعية، وتلميذ القفال، وذو التصانيف الكثيرة، وعنه أخذ أبو سعد المتولي، صاحب التتمة، وكان صاحب النهاية، يحط على الفوراني بلا حجة.

وعبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، أبو زكريا، ذو الرحلة الواسعة. سمع ببخارى من الحليمي، وبخراسان من أبي يعلى المهلبي، وبدمشق من تمام، وبمصر من عبد الغني بن سعيد، وببغداد من أبي عمر بن مهدي، وعاش تسعا وسبعين سنة.

وأبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري. روى بمصر ودمشق عن أبي الحسن الحلبي، ومحمد بن أحمد الأخميمي وطبقتهما، توفي في جمادى الأولى بمصر، وله ست وسبعون سنة. وثقه الكتاني وغيره. ومقرئ مصر، أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي، شيخ ابن الفحام، قرأ القراءات على السوسنجردي وابن الحمامي وجماعة. وروى الحديث.

سنة اثنتين وستين وأربعمائة

فيها أقبلت جيوش الروم، فنزلوا على منبج واستباحواها، وأسرعوا الكرة، لفرط القحط، أبيع فيهم رطل الخبز بدينار.

وفيها أقيمت الخطبة العباسية بالحجاز، وقطعت خطبة المصريين، لاشتغالهم بما هم من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمثله، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر، حتى إن صاحب مرآة الزمان نقل شيئا الله أعلم بصحته، أن امرأة خرجت وبيدها مد جوهر، فقالت من يأخذه بمد بر، فلم يلتفت إليها أحد، فألقته في الطريق وقالت هذا ما نفعني وقت الحاجة، فلا أريده، فلم يلتفت أحد إليه.

ولما جاءت البشارة بإقامة الدعوة بمكة، أرسل السلطان ألب أرسلان إلى صاحبها محمد بن أبي هاشم، ثلاثين ألف دينار وخلعا.

وفيها توفي القاضي حسين بن محمد بن أحمد، أبو علي المروزي، المروروذي، شيخ الشافعية في زمانه، وأحد أصحاب الوجوه، تفقه على أبي بكر القفال، وروى عن أبي نعيم الاسفراييني.، توفي في المحرم.

وأبو غالب بن بشران الواسطي، صاحب اللغة، محمد بن أحمد بن سهل المعدل الحنفي، ويعرف بابن الخالة، وله اثنتان وثمانون سنة. ولم يكن بالعراق أعلم منه باللغة. روى عن أحمد بن عبيد بن بيري وطبقته.

وأبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي، مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها وروعها، توفي في صفر، ومشى في جنازته المعتمد بن عباد، وله تسع وسبعون سنة. روى عن أبي المطرف القنازعي وخلق.

سنة ثلاث وستين وأربعمائة

فيها أقام صاحب حلب محمود بن صالح الكلابي الخطبة العباسية، وقال للحلبيين: هذه دولة عظيمة نخافها، وهم يستحلون دماءكم للتشيع، فأجابوا. ولبس الخطيب السواد، وأخذت رعاع الرافضة حصر الجامع، وقالوا: هذه حصر الإمام علي، فليأت أبو بكر بحصره. وجاءت محمودا الخلع من طراد الزينبي، ثم بعد قليل، جاء السلطان ألب أرسلان، وحاصر محمودا، فخرجت أمه بتقادم وتحف، فترحل عنهم.

وفيها كانت الملحمة الكبرى. قال ابن الأثير: خرج أرمانوس في مائتي ألف من الفرنج والروم والروس والكرج، فوصل إلى منازجرد، فبلغ السلطان كثرتهم، وهو بخوى وما عنده سوى خمسة عشر ألف فارس، فصمم على الملتقى، وقال إن استشهدت فابني ملكشاه ولي عهدي، فلما التقى الجمعان أرسل يطلب المهادنة، فقال طاغية الروم: لا هدنة إلا بالري، فاحتد ألب أرسلان، وجرى المصاف يوم الجمعة، والخطباء على المنابر، ونزل السلطان وعفر وجهه في التراب، وبكي وتضرع، ثم ركب وحمل، فصار المسلمون في وسط القوم، وصدقوا اللقاء، وقتلوا الروم كيف شاءوا، ونزل النصر، وانهزمت الروم، وامتلأت الأرض بالقتلى، وأسر أرمانوس، فأحضر إلى السلطان، فضربه ثلاثة مقارع بيده، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد، قال: ما كنت تفعل لو أسرتني؟. قال: فما كنت تظن أن أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلادك، وأبعدها العفو. قال: ما عزمت على غير هذه، ثم فدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وبكل أسير في مملكته، فخلع عليه، وأطلق له عدة من البطارقة، وهادنه خمسين سنة، وشيعه فرسخا، وأعطاه عشرة آلاف دينار برسم الطريق، فقال: أين جهة الخليفة، فعرفوه. فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة، وأما المنهزمون ففقدوه وملكوا عليهم ميخائيل، فلما وصل هذا إلى أطراف بلاده، ترهب وتزهد وجمع ما أمكنه، فكان مائتين وتسعين ألف دينار، فأرسله وحلف أنه لا يقدر على غيره، ثم إنه استولى على بلاد الأرمن.

قال: وفيها سار أتسز بن أوق الخوارزمي، أحد أمراء الملك ألب أرسلان، فدخل الشام وافتتح الرملة، أخذها من المصريين، ثم حاصر بيت المقدس، فأخذه منهم، ثم حاصر دمشق وعاث عسكره وأخربوا أعمال دمشق.

وفيها توفي أبو حامد الأزهري، أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشرطي الثقة. روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة. ومات في رجب، عن تسع وثمانين سنة. وآخر أصحابه وجيه.

وأبو بكر الخطيب، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التواليف المنتشرة في الإسلام. قال: ولدت سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وسمعت في أول سنة ثلاث وأربعمائة. قال ابن ماكولا: لم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثل الخطيب. قلت: روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما، ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان ودمشق والكوفة والري، توفي ببغداد في سابع ذي الحجة.

وابن زيدون، شاعر الأندلس، أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن غالب بن زيدون المخزومي القرطبي، توفي في رجب بإشبيلية، وكان عزيزا على المعتمد بن عباد، كأنه وزير له.

وأبو علي حسان بن سعيد بن سعيد المنيعي، ورئيس مرو الروذ، الذي عم خراسان ببره وأفضاله، وأنشأ الجامع المنيعي، وكان يكسو في العام نحو ألف نفس، وكان أعظم من وزير، رحمه الله. روى عن أبي طاهر بن محمش وجماعة.

وأبو عمر المليحي، عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم الهروي المحدث، رواي الصحيح عن النعيمي، في جمادى الآخرة، وله ست وتسعون سنة. سمع بنيسابور من المخلدي، وأبي الحسين الخفاف وجماعة، وكان ثقة صالحا، أكثر عنه محي السنة.

وكريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم، أم الكرام المروزية المجاورة بمكة.، روت الصحيح عن الكشميهني. وروت عن زاهر السرخسي.، وكانت تضبط كتابها وتقابل نسخها. ولها فهم ونباهة، وما تزوجت قط. وقيل إنها بلغت المائة. وسمع منها خلق.

وأبو الغنائم بن الدجاجي، محمد بن علي البغدادي. روى عن علي بن عمر الحربي وابن معروف وجماعة. توفي في شعبان، وله ثلاث وثمانون سنة.

وأبو علي محمد بن وشاح الزينبي. روى عن أبي حفص بن شاهين وجماعة. قال الخطيب: كان معتزليا. قلت: توفي في رجب.

وأبو عمر بن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الحافظ القرطبي، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، توفي في سلخ ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام. روى عن سعيد بن نصر وعبد الله بن أسد وابن ضيفون وطبقتهم، وأجاز له من مصر أبو الفتح بن سيبخت، الذي يروي عن أبي القاسم البغوي. وليس لأهل المغرب أحفظ منه، مع الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار.

سنة أربع وستين وأربعمائة

فيها توفي أبو الحسن، جابر بن ياسين البغدادي الحنائي العطار. روى عن أبي حفص الكتاني، والمخلص.

والمعتضد بالله، أبو عمرو عباد بن القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، صاحب إشبيلية، ولي بعد أبيه، وكان شهما مهيبا صارما داهية مقداما، جرى على سنن أبيه مدة، لم يلقب بأمير المؤمنين، وقتل جماعة صبرا، وصادر آخرين، ودانت له الملوك.

وابن حيد، أبو منصور بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حيد النيسابوري التاجر، ويلقب بالشيخ المؤتمن. روى عن أبي الحسين الخفاف وجماعة، وكان ثقة، حدث بخراسان والعراق، وتوفي في صفر.

سنة خمس وستين وأربعمائة

فيها قتل ألب أرسلان، وتسلطن ابنه ملكشاه، فجاء قاروت بك بجيشه من كرمان، ليستولي على ممالك ألب أرسلان أخيه، فالتقاه ابن أخيه ملكشاه بناحية همذان، فانهزم جيش قاروت بك، وأسر هو، فخنقه ابن أخيه ملكشاه.

وفيها افترق جيش مصر، واقتتلوا عند كوم الريش، وكانت ملحمة مشهورة، وقتل نحو الأربعين ألفا، ثم التقوا مرة ثانية، وكثر القتل في العبيد، وانتصر الأتراك، وضعف المستنصر، وأنفق خزائنه في رضاهم، وغلبت العبيد على الصعيد، ثم جرت لهم وقعات، وعاد الغلاء المفرط والوباء، ونهبت الجند دور العامة. قال ابن الأثير: اشتد الغلاء والوباء، حتى إن أهل البيت، كانوا يموتون في ليلة، وحتى حكى أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، فاستبعد ذلك، فقيل إنها باعت عروضا لها ألف دينار، بثلاثمائة دينار، واشترت بها حملة قمح وحمله الحمال على ظهره، فنهبت الحملة، فنهبت المرأة مع الناس، فحصل لها رغيف واحد.

وفيها توفي السلطان الكبير، عضد الدولة أبو شجاع، محمد ألب أرسلان، ابن الملك جغرايبك، وهو داود بن ميكائيل بن سلجوق بن نفاق بن سلجوق -ونفاق بالتركي: قوس حديد- ونفاق أول من دخل في دين الإسلام، وألب أرسلان، أول من قيل له السلطان على منابر بغداد، وكان في أواخر دولته من أعدل الناس، ومن أحسنهم سيرة، وأرغبهم في الجهاد، وفي نصر الإسلام، لم عبر بهم جيحون، في صفر، ومعه نحو مائتي ألف فارس، وقصد تكين بن طمغاخ، فأتى بمتولي قلعة، اسمه يوسف الخوارزمي، فأمر بأن يشبح بأربعة أوتاد، فقال: يا مخنث، مثلي يقتل هكذا؟ فغضب السلطان، فأخذ القوس والنشاب وقال: خلوه، ورماه فأخطأه -وكان قل أن يخطئ- فشد يوسف عليه، فنزل السلطان عن السرير، فعثر، فبرك عليه يوسف، وضربه بسكين معه، في خاصرته، فشد مملوك على يوسف قتله، ثم مات السلطان من ذلك الجرح، عن أربعين سنة وشهرين، وكان أهل سمرقند قد خافوه، وابتهلوا إلى الله، وقرأوا الختم ليكفيهم أمر ألب أرسلان، فكفوا.

وابن المأمون، أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي، في شوال، وله تسع وثمانون سنة. سمع جده أبا الفضل بن المأمون، والدارقطني وجماعة. قال أبو سعد بن السمعاني: كان ثقة نبيلا مهيبا، تعلوه سكينة ووقار، رحمه الله.

وأبو القاسم القشيري، عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصوفي الزاهد، شيخ خراسان، وأستاذ الجماعة، ومصنف الرسالة توفي في ربيع الآخر، وله تسعون سنة. روى عن أبي الحسين الخفاف، وأبي نعيم الإسفراييني وطائفة. قال أبو سعد السمعاني: لم ير أبو القاسم مثل نفسه، في كماله وبراعته، جمع بين الشريعة والحقيقة.

وصردر الشاعر، صاحب الديوان، أبو منصور علي بن الحسن بن علي ابن الفضل البغدادي الكاتب المنشئ، وقد روى عن أبي الحسين بن بشران وجماعة.

وأبو جعفر بن المسلمة، محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السلمي البغدادي، ثقة نبيل، عالي الإسناد، كثير السماع، متين الديانة، توفي جمادى الأولى، عن إحدى وتسعين سنة. وهو آخر من روى عن أبي الفضل الزهري، وأبي محمد بن معروف.

وابن الغريق الخطيب، أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله ابن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد، بن الواثق العباسي، سيد بني العباس في زمانه وشيخهم، مات في أول ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة. وهوآخر من حدث عن ابن شاهين والدارقطني، وكان ثقة نبيلا صالحا متبتلا، كان يقال له راهب بني هاشم لدينه وعبادته، وسرده الصوم.

وهناد بن إبراهيم، أبو المظفر النسفي، صاحب مناكير وعجائب. روى عن القاضي أبي عمر الهاشمي، وغنجار وطبقتهما.

وأبو القاسم الهذلي، يوسف بن علي بن جبارة المغربي، المقرئ المتكلم النحوي، صاحب كتاب الكامل في القراءات وكان كثير الترحال، حتى وصل إلى بلاد الترك، في طلب القراءات المشهورة والشاذة.

سنة ست وستين وأربعمائة

فيها كان الغرق الكثير ببغداد، فهلك خلق تحت الردم. وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الماء، وكان الموج كالجبال، وبعض المحال غرقت بالكلية، وبقيت كأن لم تكن. وقيل إن ارتفاع الماء بلغ ثلاثين ذراعا.

وفيها توفي أبو سهل الحفصي، محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي، راوي الصحيح عن الكشميهني. كان رجلا عاميا مباركا. سمع منه نظام الملك، وأكرمه وأجزل صلته.

وأبو محمد الكتاني، عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الصوفي الحافظ. روى عن تمام الرازي وطبقته ورحل سنة سبع عشرة وأربعمائة، إلى العراق والجزيرة، وكان يفهم ويذاكر. قال ابن ماكولا: مكثر متقن. قلت: توفي في جمادى الآخرة.

وأبو بكر العطار، محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ الأصبهاني، مستملي الحافظ أبي نعيم. روى عن ابن مردويه والقاضي أبي عمر الهاشمي وطبقتهما، قال الدقاق: كان من الحفاظ يملي من حفظه، توفي في صفر.

وابن حيوس، الفقيه أبو المكارم، محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي. روى عن خاله أبي نصر بن الجندي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، توفي في ربيع الآخر.

ويعقوب بن أحمد، أبو بكر الصيرفي النيسابوري العدل. روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف، توفي في ربيع الأول.

سنة سبع وستين وأربعمائة

قال ابن الأثير: قد مر في سنة خمس، تغلب الأتراك وبني حمدان على مصر، وعجز المستنصر عنهم، وما صار إليه من الشدة والفقر، وقتل ابن حمدان، فراسل المستنصر بدرا الجمالي، وهو بساحل الشام، فاستخدم جيشا، وسار في هذه السنة من عكا في البحر زمن الشتاء، وخاطر لأنه أراد أن يبغت مصر، وكان هذا الأمر بينه وبين المستنصر سرا، فسلم ودخل مصر، فولاه المستنصر الوزارة، ولقبه أمير الجيوش، فبعث طوائف من أصحابه، إلى قواد مصر الكبار، فبعث إلى كل أمير طائفة ليأتوه برأسه، ففعلوا. وأصبح وقد فرغ من أمر الديار المصرية، ونقل جميع حواصلهم إلى دار الخلافة، فعاد إليه جميع ما كان أخذ منه إلا القليل، ثم سار إلى دمياط، وقد عصى بها طائفة فقتلهم، ثم أخذ الإسكندرية عنوة، وقتل جماعة، ثم سار إلى الصعيد فهذبه، وقتل به اثني عشر ألفا، وأخذ النساء والمتاع، فتجمع لحربه عشرون ألف فارس، وأربعون ألف راجل، وعسكروا. فبيتهم نصف الليل فانهزموا، وقتل منهم خلائق، ثم عمل بعد ذلك معهم مصافا، فهزمهم. ثم أخذ يعمر البلاد، فأطلق للفلاحين الكلف، ثم عث الهدايا إلى صاحب مكة، فأعاد خطبة المستنصر، بعد أن كان خطب للقائم بأمر الله أربعة أعوام.

وفيها عمل السلطان ملكشاه الرصد، وأنفق عليه أموالا عظيمة.

وفيها توفي أبو عمر بن الحذاء، محدث الأندلس، أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي، مولى بني أمية، حضه أبوه على الطلب في صغره، وكتب عن عبد الله بن أسد، وعبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، والكبار، في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وانتهى إليه علو الإسناد بقطره، توفي في ربيع الآخر، عن سبع وثمانين سنة.

والقائم بأمر الله، أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر العباسي، توفي في شعبان، وله ست وسبعون سنة. وبقي في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر، وأمه أرمنية، كان أبيض مليح الوجه مشربا حمرة، ورعا دينا كثير الصدقة، له وفضل من خير الخلائق، ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة، في نوبة البساسيري، فإنه صار يكثر الصيام والتهجد، غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى، شيخ الحنابلة، وبويع حفيده المقتدي بأمر الله، عبد الله بن محمد بن القائم.

وأبو الحسن الداوودي، جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن المظفر البوشنجي، شيخ خراسان علما وفضلا وجلالة وسندا. روى الكثير عن أبي محمد بن حمويه، وهو آخر من حدث عنه، وتفقه على القفال المروزي، وأبي الطيب الصعلوكي، وأبي حامد الإسفراييني، توفي في شوال، وله أربع وتسعون سنة.

وأبو الحسن الباخرزي، الرئيس الأديب، علي بن الحسن بن أبي الطيب، مؤلف كتاب دمية القصر وكان رأسا في الكتابة والإنشاء والشعر، قتل بباخزر، في ذي القعدة مظلوما.

وأبو الحسن بن صصرى، علي بن الحسن بن أحمد بن محمد التغلبي البلدي ثم الدمشقي المعدل. روى عن تمام الرازي وجماعة. توفي في المحرم.

وأبو بكر الخياط، مقرئ العراق، محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي، الرجل الصالح. سمع من إسماعيل بن الحسن الصرصري، وأبي الحسن المجبر، وقرأ على أبي أحمد الفرضي، وأبي الحسن السوسنجردي وجماعة، توفي في جمادى الأولى.

ومحمود بن نصر بن صالح بن مرداس، الأمير عز الدولة الكلابي صاحب حلب، ملكها عشرة أعوام، وكان شجاعا فارسا جوادا ممدحا، يداري المصريين والعباسيين، لتوسط داره بينهما، وولي بعده ابنه نصر، فقتله بعض الأتراك بعد سنة.

سنة ثمان وستين وأربعمائة

فيها حاصر أتسز الخوارزمي دمشق، واشتد بها الغلاء، وعدمت الأقوات، ثم تسلم البلد بالأمان، وعوض انتصار المصمودي ببانياس ويافا، وأقيمت الخطبة العباسية، وأبطل شعار الشيعة من الأذان وغيره، واستولى أتسز على أكثر الشام، وعظم ملكه.

وفيها توفي أبو علي، غلام الهراس، مقرئ واسط، الحسن بن القاسم الواسطي، ويعرف أيضا بإمام الحرمين، كان أحد من عني بالقراءات، ورحل فيها إلى بلاد، وصنف فيها. قرأ على أبي الحسن السوسنجردي والحمامي وطبقتهما، ورحل القراء إليه من الآفاق، وفيه لين، توفي في جمادي الأولى، عن أربع وتسعين سنة.

وعبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة، أبو الفتح الرازي الواعظ الجوهري التاجر. روى عن علي بن محمد القصار وطائفة، وعاش تسعين سنة. وآخر من حدث عنه، إسماعيل الحمامي.

وأبو نصر التاجر، عبد الرحمن بن علي النيسابوري المزكي. روى عن يحيى بن إسماعيل الحربي النيسابوري وجماعة.

وأبو الحسن الواحدي المفسر، علي بن أحمد النيسابوري، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم. روى في كتبه عن ابن محمش، وأبي بكر الحيري وطائفة، وكان رأسا في اللغة والعربية، توفي في جمادى الآخرة، وكان من أنباء السبعين.

وابن عليك، أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري. روى عن أبي نعيم الإسفراييني وجماعة. وقال ابن نقطة: حدث عن أبي الحسين الخفاف.، مات في رجب بتفليس.

وأبو بكر الصفار، محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري الشافعي، أحد الكبار المفتيين تفقه على أبي محمد الجويني، وجلس بعده في حلقته، وروى عن أبي نعيم الإسفراييني وطائفة.، توفي في ربيع الآخر.

وأبو القاسم المهرواني، يوسف بن محمد الهمذاني الصوفي العبد الصالح، الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء. روى عن أبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي، ومات في ذي الحجة.

ويوسف بن محمد بن يوسف، أبو القاسم الخطيب، محدث همذان وزاهدها. روى عن أبي بكر بن لال، وأبي أحمد الفرضي، وأبي عمر بن مهدي وطبقتهم. وجمع ورحل.، وعاش سبعا وثمانين سنة.

سنة تسع وستين وأربعمائة

فيها سار أتسز صاحب الشام، فقصد مصر وحاصرها، ولم يبق إلا أن يملكها، فاجتمع الخلق وتضرعوا إلى الله مما هم فيه، فترحل عنهم شبه المنهزم من غير سبب، وأتى القدس، فعصوا عليه، فقاتلهم. ثم دخل البلد عنوة، وعمل كل قبيح، وذبح القاضي والشهود، وقتل بها نحوا من ثلاثة آلاف نفس.

وفيها كانت فتنة أبي نصر بن القشيري ببغداد، قدم فوعظ بالنظامية وحاب في الوعظ الاعتقاد، ونصر الأشاعرة، وحط على الحنابلة، فهاجت أحداث السنة، وقصدوا النظامية، وحميت الفتنة، وقتل بها نحوا من ثلاثة آلاف نفس.

وفيها كانت فتنة أبي نصر بن القشيري ببغداد، قدم فوعظ بالنظامية، وحاب في الوعظ الاعتقاد، ونصر الأشاعرة، وحط على الحنابلة، فهاجت أحداث السنة، وقصدوا النظامية، وحميت الفتنة، وقتل جماعة، نعوذ بالله من الفتن.

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي، أحد رؤساء دمشق وعدولها. روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان، وجماعة. وسمع بمكة من ابن جهضم، توفي في ربيع الأول، في عشر التسعين.

وحاتم بن محمد بن الطرابلسي، أبو القاسم التميمي القرطبي، المحدث المتقن، مسند الأندلس، في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن عمر بن نابل، وأبي المطرف بن فطيس وطبقتهما. ورحل فأكثر عن أبي الحسن القابسي، وسمع بمكة من ابن فراس العبقسي، وكان فقيها مفتيا، قيل إنه دعي إلى قضاء قرطبة فأبى.

وحيان بن خلف بن حسين بن حيان، أبو مروان القرطبي الأديب، مؤرخ الأندلس ومسندها، توفي في ربيع الأول، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع من عمر بن نابل وغيره، وله كتاب المتين في تاريخ الأندلس، ستون مجلدا، وكتاب المقتبس في عشر مجلدات، وقد رئي في النوم، فسئل عن التاريخ الذي عمله فقال: لقد ندمت عليه، إلا أن الله تعالى أقالني وغفر لي بلطفه.

وحيدرة بن علي الأنطاكي، أبو المنجا المعبر حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة. قال ابن الأكفاني: كان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وزيادة.

وأبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري الجوهري النحوي، صاحب التصانيف، دخل بغداد تاجرا في الجوهر، وأخذ عن علمائها، وخدم بمصر في ديوان الإنشاء، ثم تزهد بآخره، ثم سقط من السطح فمات.

وكركان الزاهد القدوة، أبو القاسم عبد الله بن علي الطوسي، شيخ الصوفية، وصاحب الدويرة والأصحاب. روى عن حمزة المهلبي وجماعة، ومات في ربيع الأول.

وأبو محمد الصريقيني، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هزارمرد المحدث، خطيب صريفين، توفي في جمادى الآخرة، عن خمس وثمانين سنة. روى عن أبي القاسم بن حبابة، وأبي حفص الكتابي وطائفة، وكان ثقة.

سنة سبعين وأربعمائة

وفيها كانت فتنة هائلة ببغداد، بسبب الاعتقاد، ووقع النهب في البلد، واشتد الخطب، وركب العسكر، وقتلوا جماعة، حتى فتر الأمر.

وفيها توفي أبو صالح المؤذن، أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الحافظ، محدث خراسان في زمانه. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، والحاكم، وخلق. ورحل إلى أصبهان وبغداد ودمشق، في حدود الثلاثين وأربعمائة، وله ألف حديث، عن ألف شيخ، وثقه الخطيب وغيره، ومات في رمضان، عن اثنتين وثمانين سنة. وله تصانيف ومسودات.

وأبو الحسين بن النقور، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزاز، المحدث الصدوق. روى عن علي الحربي وأبي القاسم بن حبابة وطائفة، وكان يأخذ على نسخة طالوت دينارا، أفتاه بذلك الشيخ أبو إسحاق، لأن الطلبة كانوا يفوتونه الكسب لعياله. مات في رجب، عن تسعين سنة.

وأبو نصر بن طلاب الخطيب، الحسين بن أحمد بن محمد القرشي مولاهم الدمشقي، خطيب دمشق. روى عن ابن جميع معجمه وعن أبي بكر بن أبي الحديد. وكان صاحب مال وأملاك، وفيه عدالة وديانة. توفي في صفر، وله إحدى وتسعون سنة.

وعبد الله بن الخلال، أبو القاسم بن الحافظ أبي محمد الحسن بن محمد البغدادي، سمعه أبوه من أبي حفص الكتاني والمخلص، ومات في صفر، عن خمس وثمانين سنة. قال الخطيب: كان صدوقا.

وأبو جعفر بن أبي موسى الهاشيم، شيخ الحنابلة، عبد الخالق بن عيسى ابن أحمد، وكان ورعا زاهدا، علامة كثير الفنون، رأسا في الفقه، شديدا على المبتدعة، نافذ الكلمة. روى عن أبي القاسم بن بشران، وقد أخذ في فتنة ابن القشيري وحبس أياما، ومات في صفر، عن تسع وخمسين سنة.

وأبو القاسم عبد الرحمن بن مندة الأصبهاني الحافظ، صاحب التصانيف، ولد الحافظ الكبير الجوال، أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد العبدي، كان ذا سمت ووقار، وله أصحاب وأتباع، وفيه تستن مفرط، أوقع بعض العلماء في الكلام، في معتقده، وتوهموا فيه التجسيم، وهو برئ منه فيما علمت، ولكن لو قصر من شأنه لكان أولى به، أجاز له زاهر بن أحمد السرخسي، وروى الكثير عن أبيه وأبي جعفر الأبهري وطبقتهما وسمع بنيسابور من أصحاب الأصم، وبمكة من ابن جهضم، وبهمذان والدينور وشيراز وبغداد.، وعاش تسعا وثمانين سنة.

سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

فيها دخل تاج الدولة تتش، أخو السلطان ملكشاه إلى الشام، من جهة أخيه، وأخذ حلب ودمشق، وكان عسكره التركمان، وكان أقسيس -ويقال أتسز وأطسز الخوارزمي- قد جاءت المصريون لحربه، فاستنجد بتتش عندما أخذ حلب، فسار إليه، وفر المصريون، فخرج أقسيس إلى خدمة تتش، فأظهر الغضب لكونه ما تلقاه إلى بعيد، وقبض عليه وقتله في الحال، وأحسن سيرته في الشاميين، وكان الناس في جور وضر مع أتسز، نزل جنده في بيوت الناس، وصادر الناس وعذبهم في الشمس.

وفيها توفي أبو علي بن البنا، الفقيه، الحسن بن أحمد البغدادي الحنبلي، صاحب التواليف والتخاريج. روى عن هلال الحفار وطبقته، وقرأ القراءات على الحمامي، وتفقه ودرس وأفتى ووعظ، وكان ناصرا للسنة.

وأبو علي الوخشي، الحسن بن علي بن محمد البلخي الحافظ الكبير، رحل وطوف، وجمع وصنف، وعاش ستا وثمانين سنة. روى عن تمام الرازي، وأبي عمر بن مهدي وطبقتهما، بالشام والعراق ومصر وخراسان، وكان ثقة.

وأبو القاسم الزنجاني، سعد بن علي، الحافظ القدوة الزاهد، نزيل الحرم، جار بيت الله. روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وعبد الرحمن بن ياسر الجوبري، وخلق. سئل محمد بن طاهر المقدسي، عن أفضل من رأى؟ فقال: سعد الزنجاني، وشيخ الإسلام الأنصاري، فقيل: أيهما أفضل؟ فقال: الأنصاري كان متفننا، وأما الزنجاني، فكان أعرف بالحديث منه، وسئل إسماعيل التيمي عن سعد، فقال: إمام كبير، عارف بالسنة. وقال غيره: توفي في أول سنة إحدى وسبعين، أو في آخر سنة سبعين، عن تسعين سنة.

وعبد الباقي بن محمد بن غالب، أبو منصور الأزجي العطار، وكيل القائم والمقتدي، صدوق جليل. روى عن المخلص وغيره، توفي في ربيع الآخر.

وعبد العزيز بن علي، أبو القاسم الأنماطي، ابن بنت السكري. روى عن المخلص. قال عبد الوهاب: الأنماطي ثقة، ومات في رجب. قلت: آخر من روى عنه ابن الطلاية الزاهد.

وعبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، أبو بكر النحوي اللعلامة، صاحب التصانيف، منها المغني في شرح الإيضاح ثلاثون مجلدا، وكان شافعيا أشعريا. ومنهم من يقول: توفي سنة أربع وسبعين.

وأبو عاصم الفضيلي الفقيه، واسمه الفضيل بن يحى الهروي، شيخ أبي الوقت، في جمادى الأولى، وله ثمان وثمانون سنة.

وأبو الفضل القومساني، محمد بن عثمان بن زيرك، شيخ عصره بهمذان، فضلا وعلما وجلالة وزهادة وتفننا في العلوم، عن بضع وسبعين سنة. روى عن الحسين بن فتحويه الثقفي وعلي بن أحمد بن عبدان وجماعة.

ومحمد بن أبي عمران، أبو الخير بن موسى المروزي الصفار، آخر أصحاب الكشميهني، ومن به ختم سماع البخاري عاليا. ضعفه ابن طاهر.

سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة

فيها توفي أبو علي، الحسن بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي المكي الحناط المعدل. روى عن أحمد بن فراس العبقسي، وعبيد الله بن أحمد السقطي، توفي في ذي القعدة.

ومحمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد، أبو عبد الله الفرسي ثم الهروي، راوي جزء أبي الجهم وغير ذلك، عن أبي محمد الشريحي، في شوال.

وأبو منصور العكبري، محمد بن أحمد الأخباري النديم، عن تسعين سنة. صدوق. روى عن محمد بن عبد الله الجعفي، وهلال الحفار وطائفة. توفي في شهر رمضان.

وهياج بن عبيد الزاهد القدوة، أبو محمد الحطيني، قال هبة الله الشيرازي: أما هياج الزاهد الفقيه، فما رأت عيناي مثله في الزهد والورع. وقال ابن طاهر: بلغ في زهده أنه يواصل ثلاثة أيام لكي يفطر على ماء زمزم، فإذا كان اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله.، وكان قد نيف على الثمانين، وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه، ويدرس عدة دروس لأصحابه، وكان يزور النبي ﷺ في كل من مكة، فيمشي حافيا ذاهبا وراجعا. روى عن أبي ذر الهروي وطائفة.

سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة

فيها توفي أبو القاسم، الفضل بن عبد الله بن المحب الواعظ النيسابوري آخر أصحاب أبي الحسين الخفاف موتا، وروى عن العلوي وغيره.

وأبو الفتيان بن حيوس، الأمير مصطفى الدولة، محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي، شاعر أهل الشام، له ديوان كبير. وقد روى عن خاله أبي نصر بن الجندي، توفي في شعبان بحلب، عن ثمانين سنة.

سنة أربع وسبعين وأربعمائة

فيها سار تتش السلجوقي غازيا في دمشق، فافتتح طرسوس.

وفيها توفي أبو الوليد الباجي، سليمان بن خلف التجيبي القرطبي بالمرية، في رجب، عن إحدى وسبعين سنة. روى عن يونس بن عبد الله بن مغيث، ومكي بن أبي طالب، وجاور ثلاثة أعوام، ولزم أباذر الهروي، وكان يمضي معه إلى السراة، ثم رحل إلى بغداد وإلى دمشق، وروى عن عبد الرحمن بن الطبيز وطبقته بدمشق، وابن غيلان وطبقته ببغداد، وتفقه على أبي الطيب الطبري وجماعة، وأخذ علم الكلام بالموصل، عن أبي جعفر السمناني، وسمع الكثير، وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر، ورد إلى وطنه، بعد ثلاث عشرة سنة. بعلم جم، مع الفقر والقناعة، وكان يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، ثم فتحت عليه الدنيا، وأجزلت صلاته، وولي قضاء أماكن، وصنف التصانيف الكثيرة. قال أبو علي بن سكرة: ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه.

وأبو القاسم بن البسري، علي بن أحمد البغدادي البندار. قال أبو سعد السمعاني: كان صالحا ثقة فهما عالما. سمع المخلص وجماعة، وأجاز له ابن بطة، ونصر المرجي، وكان متولضعا حسن الأخلاق، ذا هيئة ورواء، توفي في سادس رمضان.

وأبو بكر محمد بن المزكي المحدث، من كبار الطلبة، كتب عن خمسمائة نفس، وأكثر عن أبيه، وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم. وروى عنه الخطيب، مع تقدمه، توفي في رجب.

سنة خمس وسبعين وأربعمائة

فيها قدم الشريف أبو القاسم البكري الواعظ، من عند نظام الملك إلى بغداد فوعظ بالنظامية ونبز الحنابلة بالتجسيم فسبوه وتعرضوا له وكبس دور بني الفراء، وأخذ كتاب القاضي أبي يعلي في إبطال التأويل فكان يقرأ بين يديه، وهو على المنبر، فيشنع به ويبشع شأنه.

وفيها توفي محدث أصبهان ومسندها، عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة، أبو عمرو العبدي الأصبهاني، الثقة المكثر. سمع أباه وابن خرشيذ قوله، وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.

ومحمد بن أحمد بن علي السمسار، أبو بكر الأصبهاني. روى عن إبراهيم بن خرشيذ قوله، وجماعة، ومات في شوال، وله مائة سنة. روى عنه خلق كثير.

والمطهر بن عبد الواحد، أبو الفضل البزاني الأصبهاني توفي فيها، أو في حدودها. روى ع ابن المرزبان الأبهري، جزء لوين، وعن ابن مندة، وابن خرشيذ قوله.

سنة ست وسبعين وأربعمائة

فيها عزم أهل حران، وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي، على تسليم حران إلى جنق أمير التركمان، لكونه سنيا، وعصوا على مسلم بن قريش صاحب الموصل، لكونه رافضيا، ولكونه مشغولا بمحاصرة دمشق مع المصريين، كانوا يحاصرون بها، تاج الدولة تتش، وأسرع إلى حران ورماها بالمجانيق، وأخذها، وذبح القاضي وولديه رحمهم الله.

وفيها توفي الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشافعي، جمال الدين، أحد الأعلام، وله ثلاث وثمانون سنة. تفقه بشيراز، وقدم بغداد، وله اثنتان وعشرون سنة. فاستوطنها ولزم القاضي أبا الطيب، إلى أن صار معيده في حلقته، وكان أنظر أهل زمانه، وأفصحهم وأورعهم، وأكثرهم تواضعا وبشرا، وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدنيا. روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني، ورحل إليه الفقهاء من الأقطار، وتخرج به أئمة كبار، ولم يحج ولا وجب عليه، لأنه كان فقيرا متعففا قانعا باليسير، درس بالنظامية، وله شعر حسن، توفي في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة.

وطاهر بن الحسين، أبو الوفا القواس الحنبلي الزاهد، ببغداد عن ست وثمانين سنة. روى عن هلال الحفار وجماعة، وكان إماما في الفقه والورع.

والإبراهيمي عبد الله بن عطاء الهروي الحافظ، وهو ضعيف، يروي عن أبي عمر المليحي وأقرانه.

وعبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الفقيه، أبو الفتح البغدادي ثم الحراني الخزاز الحنبلي قاضي حران وصاحب القاضي أبي يعلى. وروى عن أبي بكر البرقاني وجماعة. قتله كما ذكرنا صاحب الموصل مسلم بن قريش كما ذكرنا.

والبكري، أبو بكر المغربي الواعظ، من دعاة الأشعرية. وفد على نظام الملك بخراسان، فنفق عليه، وكتب له سجلا أن يجلس بجوامع بغداد، فقدم وجلس ووعظ، ونال من الحنابلة سبا وتكفيرا، ونالوا منه ولم تطل مدته، ومات في هذا العام.

وأبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر اللخمي الأنباري الخطيب، في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. سمع بالحجاز والشام ومصر، وأكبر شيخ له عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي.

ومقرئ الأندلس في زمانه، أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي المقرئ، مصنف كتاب الكافي وكتاب التذكير، وله أربع وثمانون سنة. وقد حج وسمع من أبي ذر الهروي وجماعة.

سنة سبع وسبعين وأربعمائة

فيها سار سليمان بن قتلمش السلجوقي، صاحب قونية وأقصرى، بجيوشه إلى الشام، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد النصارى من مائة وعشرين سنة. وكان ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها نائبا فأساء إلى أهلها وإلى الجند في إقامته بها، فلما دخل الروم اتفق ولده والنائب المذكور على تسليمها إلى صاحب قونية سليمان فكاتبوه فأسرع في البحر، ثم طلع وسار إليها في جبال وعرة، فأتاها بغتة ونصب السلالم ودخلها، وقتل جماعة، وعفا عن الرعية، وأخذ منها أموالا لا تحصى، ثم بعث إلى نسيبه السلطان ملكشاه يبشره بالفتح، وكان صاحب الموصل مسلم، يأخذ القطيعة من أنطاكية، فطلب العادة من سليمان، فقال إنما كان ذلك المال جزية، وأنا بحمد الله فمؤمن، فنهب مسلم بلاد أنطاكية، ثم تمت وقعة بين سليمان ومسلم في صفر من العام الآتي، قتل فيها مسلم.

وفيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد ابن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو القاسم. صدر عالم نبيل وافر الحشمة، له يد في النظم والنثر. روى عن حمزة السهمي وجماعة، وعاش سبعين سنة. روى الكامل لابن عدي.

وبيبى بنت عبد الصمد بن علي، أم الفضل، وأم عربي الهرثمية الهروية، لها جزء مشهور بها، ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح، توفيت في هذه السنة أو في التي بعدها، وقد استكملت تسعين سنة.

وأبو سعد، عبد الله بن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، أكبر الأخوة، في ذي القعدة، وله أربع وستون سنة. روى عن القاضي أبي بكر الحيري وجماعة. وعاشت أمه فاطمة بنت أبي علي الدقاق بعده أربعة أعوام.

وعبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي كلام، آخر أصحاب عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي موتا، وهو من كبار شيوخ أبي الوقت.

وأبو نصر بن الصباغ، الفقيه عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي، أحد الأئمة، ومؤلف الشامل كان نظيرا للشيخ أبي إسحاق ومنهم من يقدمه على أبي اسحاق في نقل المذهب وكان ثبتا حجة دينا خيرا، ولي النظامية بعد أبي إسحاق، ثم كف بصره. وروى عن محمد بن الحسين القطان، وأبي علي بن شاذان، وكان مولده في سنة أربعمائة، توفي في جمادى الأولى، ببغداد، ودفن في داره.

وأبو علي الفارمذي، الفضل بن محمد الزاهد، شيخ خراسان: قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير، التي لم يسبق إليها، في عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح استعارته ورقة ألفاظه. دخل نيسابور، وصحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ. إلى أن قال: وحصل له عند نظام الملك قبول خارج عن الحد. روى عن أبي عبد الله بن باكويه وجماعة، وعاش سبعين سنة. توفي في ربيع الآخر.

ومحمد بن عمار، أبو بكر المهري، ذو الوزارتين، شاعر الأندلس، كان هو وابن زيدون القرطبي، كفرسي رهان، وكان ابن عمار قد اشتمل عليه المعتمد، وبلغ الغاية، إلى أن استوزره، ثم جعله نائبا على مرسية، فخرج عليه، ثم ظفر به المعتمد فقتله.

ومسعود بن ناصر السجزي، أبو سعيد الركاب الحافظ، رحل وصنف وحدث عن أبي حسان المزكي، وعلي بن بشرى الليثي وطبقتهما، ورحل إلى بغداد وأصبهان. قال الدقاق: لم أر أجود إتقانا ولا أحسن ضبطا منه، توفي بنيسابور، في جمادى الأولى.

سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

فيها أخذ الأذفنش لعنه الله، مدينة طليلطلة، من الأندلس، بعد حصار سبع سنين، فطغى وتمرد، وحملت إليه الضريبة، ملوك الأندلس، حتى المعتمد بن عباد، ثم استعان المعتمد على حربه، بالملثمين، وأدخلهم الأندلس.

وفيها قدم أمير الجيوش، فحاصر تتش بدمشق، فلم يقدر عليها، ورد.

وفيها ثارت الفتنة ببغداد بين الرافضة والناس، واقتتلوا وأحرقت أماكن.

وفيها توفي أبو العباس العذري، أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الأندلسي الدلائي -ودلاية من عمل المرية- كان حافظا محدثا متقنا، مات في شعبان وله خمس وثمانون سنة ثمان وأربعمائة مع أبويه فجاوزوا ثمانية أعوام، وصحب هو أباذر، فتخرج به، وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة، ومن جلالته، أن إمامي الأندلس: ابن عبد البر، وابن حزم، رويا عنه. وله كتاب دلائل النبوة.

وأبو سعد المتولي، عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، شيخ الشافعية، وتلميذ القاضي حسين، وهو صاحب التتمة تمم به الإبانة لشيخه أبي القاسم الفوراني، وقد درس أياما بالنظامية، بعد الشيخ أبي إسحاق، ثم صرف بابن الصباغ، ثم وليها بعد ابن الصباغ، ومات كهلا.

وأبو معشر الطبري، عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان المقرئ، نزيل مكة، وصاحب كتاب التلخيص وغيره، قرأ بحران على أبي القاسم الزيدي، وبمكة على الكارزيني، وبمصر أيضا على جماعة. وروى عن أبي عبد الله ابن نظيف، وجلس للإقراء مدة بمكة.

وإمام الحرمين، أبو المعالي الجويني، عبد الملك بن أبي محمد بن عبد الله بن يوسف، الفقيه الشافعي ضياء الدين، أحد الأئمة الأعلام، عاش ستين سنة. وتفقه على والده، وجور بمكة في شبيبته أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، وكان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم، توفي في ربيع الآخر بنيسابور، وكان له نحو من أربعمائة تلميذ، رحمه الله.

وأبو علي بن الوليد الكرخي، وله اثنتان وثمانون سنة. أخذ عن أبي الحسين البصري وغيره، وبه انحرف ابن عقيل عن السنة قليلا، وكان ذا زهد وورع وقناعة وتعبد، وله عدة تصانيف، ولما افتقر، جعل ينقص داره، ويبيع خشبها، ويتقوت به، وكانت من حسان الدور ببغداد.

وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، محمد بن علي بن محمد الحنفي، تفقه بخراسان ثم ببغداد، على القدوري، وسمع من الصوري وجماعة، وعاش ثمانين سنة. وكان نظير القاضي أبي يوسف، في الجاه والحشمة والسؤدد، وبقي في القضاء دهرا، ودفن في القبة، إلى جانب الإمام أبي حنيفة رحمهما الله.

ومسلم، الملك شرف الدولة، أبو المكارم بن الملك أبي المعالي، قريش بن بدران بن مقلد العقيلي، صاحب الجزيرة وحلب، وكان رافضيا، اتسعت ممالكه، ودانت له العرب، وطمع في الاستيلاء على بغداد، عند موت طغرلبك، وكان شجاعا فاتكا مهيبا، داهية ماكرا، التقى هو والملك سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب الروم على باب أنطاكية، فقتل في المصاف.

سنة تسع وسبعين وأربعمائة

فيها التقي تتش وسليمان بن قتلمش، فقتل سليمان، وسارتتش، فنازل حلب، وخافه أخوه تتش فهرب.

وفيها وقعة الزلاقة، وذلك أن الإذقونش جمع الجيوش، فاجتمع المعتمد ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين والمطوعة، فأتوا الزلاقة من عمل بطليوس، فالتقى الجمعان، فوقعت الهزيمة على الملاعين، وكانت ملحمة عظيمة في أول جمعة من رمضان. وجرح المعتمد عدة جراحات سليمة، وطابت الأندلس للمسلمين، فعمل أميرهم ابن تاشفين على تملكها.

وفيها لما افتتح ملكشاه حلب والجزيرة، قدم بغداد، وهو أول قدومه إليها، ثم خرج وتصيد، وعمل منارة القرون، من كثرة وحش صاد، ثم رد إلى أصبهان، وزوج أخته زليخا، محمد بن مسلم بن قريش العقيلي، وأقطعه الرحبة، وحران، والرقة، وسروج.

وفيها أعيدت الخطبة العباسية بالحرمين وقطعت خطبة العبيديين.

وفيها توفي أبو سعد النيسابوري، شيخ الشيوخ ببغداد، أحمد بن محمد ابن دوست، وكان كثير الحرمة في الدولة، له رباط مشهور ومريدون، وكان نظام الملك يعظمه.

وإسماعيل بن زاهر النوقاني النيسابوري الشافعي، أبو القاسم الفقيه، وله اثنتان وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي، وعبد الله بن يوسف، وابن محمش وطائفة، ولقي ببغداد، أبا الحسين بن بشران وطبقته، وأملى وأفاد.

وطاهر بن محمد بن محمد، أبو عبد الرحمن الشحامي المستملي، والد زاهر. روى عن أبي بكر الحيري وطائفة، وكان فقيها صالحا، ومحدثا عارفا، له بصر تام بالشروط، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة.

وأبو علي التستري، علي بن أحمد بن علي البصري السقطي، راوي السنن، عن أبي عمر الهاشمي.

وأبو الحسن علي بن فضال المجاشعي القيرواني، صاحب المصنفات في العربية والتفسير، توفي في شهر ربيع الأول، وكان من أوعية العلم، تنقل بخراسان، وصحب نظام الملك.

وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام النيسابوري، الرجل الصالح. روى عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي وطبقتهما. توفي في شعبان.

ومسند العراق، أبو نصر الزينبي، محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي، آخر أصحاب المخلص، ومحمد بن عمر الوراق، توفي في جمادى الآخرة، وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر، وكان ثقة خيرا.

سنة ثمانين وأربعمائة

فيها عرس المقتدي بالله على ابنة السلطان وكان وقتا مشهودا فأنفق فيه الخليفة أموالا كثيرة وخلع على سائر الأمراء ومد سماطا هائلا.

وفيها توفي مقرئ الأندلس عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي أخذ القراءات عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عبد الله محمد بن سفيان ومكي وجماعة.

وفاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدقاق الزاهدة زوجة القشيري وكانت كبيرة القدر عالية الإسناد من عوابد زمانها رحمها الله روت عن أبي نعيم الإسفراييني والعلوي والحاكم وطائفة وتوفيت في ذي القعدة عن تسعين سنة.

وفاطمة بنت الحسن بن علي الأقرع أم الفضل البغدادية الكاتبة التي جودوا على خطها وكانت تنقل طريقة ابن البواب، حكت أنها كتبت ورقة للوزير الكندري فأعطاها ألف دينار وقد روت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي.

والسيد المرتضى ذو الشرفين أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الحافظ قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي ابن شاذان وخلق وتخرج بالخطيب ولازمه وصنف التصانيف حدث بسمرقند وبأصبهان وبغداد وكان متمولا معظما وافر الحشمة، كان يفرق في العام نحو العشرة آلاف دينار ويقول: هذه زكاة مالي

سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

فيها توفي أبو بكر الغورجي، أحمد بن عبد الصمد الهروي، راوي جامع الترمذي عن الجراحي في ذي الحجة.

وأبو إسحاق الطيان، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني القفال، صاحب إبراهيم بن خرشيذ قوله، في صفر.

وأبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام، عبد الله بن محمد بن علي بن مت الهروي الصوفي القدوة الحافظ، أحد الأعلام، في ذي الحجة، وله ثمانون سنة وأشهر. سمع من عبد الجبار الجراحي، وأبي منصور محمد بن محمد ابن الأزدي، وخلق كثير، وبنيسابور من أبي سعيد الصيرفي، وأحمد السليطي، صاحبي الأصم، وكان جذعا في أعين المبتدعة، وسيفا على الجهمية، وقد امتحن مرات، وصنف عدة مصنفات، وكان شيخ خراسان في زمانه غير مدافع! وعثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي، أبو عمر المزكي، بنيسابور، في صفر. روى عن أبي نعيم الإسفراييني والحاكم.

وابن ماجة الأبهري، أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الأصبهاني - وأبهر أصبهان قرية، وأما أبهر زنجان فمدينة - عاش خمسا وتسعين سنة. وتفرد في الدنيا بجزء لوين، عن ابن المرزبان الأبهري.

سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة

فيها سار السلطان ملكشاه بجيوشه من أصبهان، وعبر النهر، فملك سمرقند بعد قتال وحصار، وسار نحو كاشغر، فدخل ملكها في الطاعة، فرجع إلى خراسان، ونكث أهل سمرقند، فكر راجعا إلى سمرقند، وجرت أمور طويلة.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد، أبو نصر الحنفي، رئيس نيسابور وقاضيها وكبيرها. روى عن جده، والقاضي أبي بكر الحيري وطائفة. وكان يقال له شيخ الإسلام، وكان مبالغا في التعصب في المذهب، فأغرى بعضا ببعض، حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف في دولة طغرلبك، فلما مات طغرلبك، خمد هذا ولزم بيته مدة، ثم ولي القضاء.

وأبو إسحاق الحبال، الحافظ إبراهيم بن سعيد النعماني مولاهم المصري، عن تسعين سنة. سمع أحمد بن ثرثال، والحافظ عبد الغني، ومنير بن أحمد وطبقتهم. وكان يتجر في الكتب، وكانت بنو عبيد قد منعوه من التحديث في أواخر عمره، وكان ثقة حجة صالحا ورعا كبير القدر.

والحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد، أبو عبد الله السلمي الدمشقي الخطيب، نائب الحكم بدمشق. روى عن عبد الرحمن بن الطبيز وطائفة، وعاش ستا وستين سنة.

والقاضي أبو منصور بن شكرويه، محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني، توفي في شعبان، وله تسع وثمانون سنة. وهو آخر من روى عن أبي علي البغدادي، وابن خرشيذ قوله، ورحل وأخذ بالبصرة، عن أبي عمر القاسمي بعض السنن أو كله، وفيه ضعف.

وأبو الخير، محمد بن أحمد بن عبد الله بن ورا الأصبهاني. روى عن عثمان البرجي وطبقته، وكان واعظا زاهدا، أم مدة بجامع أصبهان.

والطبسي، محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث، مؤلف كتاب بستان العارفين روى عن الحاكم وطائفة، توفي في رمضان، وكان صوفيا عابدا ثقة صاحب حديث.

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة

فيها كانت فتنة هائلة، لم يسمع بمثلها بين السنة والرافضة، وقتل بينهم عدد كثير، وعجز والي البلد، واستظهرت السنة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة، واستكانت الشيعة وذلوا، ولزموا التقية، وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ: خير الناس بعد رسول الله ﷺ، أبو بكر فاشتد البلاء على غوغائهم، وخرجوا عن عقولهم، واشتدوا فنهبوا شارع ابن أبي عوف، ثم جرت أمور مزعجة، وعاد القتال، حتى بعث صدقة بن مزيد عسكرا تتبعوا المفسدين، إلى أن فتر الشر قليلا.

وفيها توفي خواهرزاده الحنفي، شيخ الطائفة بما وراء النهر، وهو أبو بكر بن محمد بن الحسين البخاري القديدي. روى عن منصور الكاغدي وطائفة، وبرع في المذهب، وفاق الأقران، وطريقته أبسسط الأصحاب وكان يحفظها، توفي في جمادى الأولى ببخارى.

وعاصم بن الحسن، أبو الحسين العاصمي الكرخي الشاعر المشهور. روى عن ابن المتيم، وأبي عمر بن مهدي، وكان شاعرا محسنا ظريفا، صاحب ملح ونوادر، مع الصلاح والعفة والصدق، مرض في أواخر عمره، فغسل ديوان شعره، ومات في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة.

وأبو نصر الترياقي، عبد العزيز بن محمد الهروي، راوي الترمذي، سوى آخر جزء منه، عن الجراحي، ثقة أديب، عاش أربعا وتسعين سنة. وترياق من قرى هراة.

والتفليسي، أبو بكر محمد بن إسماعيل بن بن محمد النيسابوري المولد، الصوفي المقرئ. روى عن حمزة المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وطائفة، ومات في شوال.

ومحمد بن ثابت الخجندي، العلامة أبو بكر الشافعي الواعظ، نزيل أصبهان، ومدرس نظاميتها، وشيخ الشافعية بها ورئيسها، وكان إليه المنتهى في الوعظ، توفي في ذي القعدة.

وأبو نصر محمد بن سهل السراج الشاذياخي، آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني. روى عن جماعة، وكان ظريفا نظيفا لطيفا، توفي في صفر، عن تسعين سنة.

وأبو الغنائم بن أبي عثمان محمد بن علي بن حسن الدقاق، بغدادي متميز صدوق. روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة.

وفخر الدولة بن جهير الوزير، أبو نصر محمد بن محمد بن جهير التغلبي، ولي نظر حلب ثم وزر لصاحب ميافارقين، ثم وزر للقائم بأمر الله مدة، ثم ولاه ملكشاه نيابة ديار بكر، توفي بالموصل، في ثامن صفر، وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم.

سنة أربع وثمانين وأربعمائة

فيها استولى يوسف بن تاشفين أمير المسلمين على الأندلس، وقبض على المعتمد بن عباد، وأخذ كل شيء يملكه، وترك أولاده فقراء.

وفيها استولت الفرنج على جزيرة صقلية.

وفيها توفي أبو الحسن أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني، يوم عرفة، وله تسعون سنة. روى عن جده أبي بكر بن أبي علي، وعثمان البرجي وطبقتهما، وكان ثقة.

وأبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري الشاطبي، تلميذ أبي مر بن عبد البر وكان من أئمة هذا الشأن، مع الورع والتقى والاستبحار في العلم، توفي في شعبان، وله خمس وخمسون سنة. وكان أخوه عبد الله، زاهدا أهل الأندلس.

وعبد الملك بن علي بن شغبة، أبو القاسم الأنصاري البصري الحافظ الزاهد، استشهد بالبصرة، وكان يروي جملة من سنن أبي داود، عن أبي عمر الهاشمي أملى عدة مجالس، وكان من العبادة والخشوع بمحل.

وأبو نصر الكركانجي، محمد بن أحمد بن علي، شيخ المقرئين لمرو، ومسند الآفاق، في ذي الحجة، وله أربع وتسعون سنة. وكان إماما في علوم القرآن، كثير التصانيف، متين الديانة، انتهى إليه على الإسناد. قرأ ببغداد على أبي الحسن الحمامي، وبحران على الشريف الزيدي، وبمصر على إسماعيل بن عمر الحداد، وبدمشق والموصل وخراسان.

وفيها حدث أبو منصور المقومي، محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم القزويني، راوي سنن ابن ماجة، عن القاسم بن أبي المنذر، توفي فيها أو بعدها، عن بضع وثمانين سنة.

وفي رجب قاضي القضاة، أبو بكر الناصحي، محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري. روى عن أبي بكر الحيري وجماعة. قال عبد الغافر: هو أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظ وافر من الأدب والطب ولم تحمد سيرته في القضاء.

والمعتصم محمد بن معن بن محمد بن أحمد بن صمادح، أبو يحيى التجيبي الأندلسي، صاحب المرية، توفي وجيش ابن تاشفين، محاصرون له.

سنة خمس وثمانين وأربعمائة

فيها وقعة جيان بالأندلس، أقبل الإذفونش في جموع عظيمة، فالتقاه المسلمون فانهزموا. ثم تراجع الناس وثبتوا ونزل النصر، فانزم الملاعين. وقتل منهم خلق عظيم، وكان ملحمة كبرى.

وفي عاشر رمضان قتل نظام الملك.

وفيها أخذت خفاجة ركب العراق، وكان الحريق العظيم ببغداد، فاحترق من الناس عدد كثير، واحترق عدة أسواق كبار، من الظهر إلى العصر.

وفيها توفي أبو الفضل، جعفر بن يحيى الحكاك، محدث مكة، وكان متقنا، حجة صالحا. روى عن أبي ذر الهروي وطائفة، وعاش سبعين سنة.

ونظام الملك، الوزير أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، قوام الدين، كان من جلة الوزراء، ذكره أبو سعد السمعاني فقال: كعبة المجد، ومنبع الجود، كان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء، أنشأ المدارس بالأمصار، ورغب في العلم، وأملى وحدث، وعاش ثمانيا وسبعين سنة. أتاه شاب صوفي الشكل من الباطنية، ليلة عاشر رمضان، فناوله قصة، ثم ضربه بسكين في صدره، قضى عليه، فيقال إن ملكشاه، دس عليه هذا، فالله أعلم.

وأبو عبد الله بن المرابط، قاضي المرية وعالمها محمد بن خلف بن سعيد الأندلسي. روى عن المهلب بن أبي صفرة وجماعة، وصنف شرحا للبخاري، وكان رأسا في مذهب مالك، ارتحل الناس إليه، وتوفي في شوال.

وأبو بكر الشاشي، محمد بن علي بن حامد الفقيه، شيخ الشافعية، وصاحب الطريقة المشهورة، والمصنفات المليحة، درس مدة بغزنة ثم بهراة ونيسابور، وحدث عن منصور الكاغدي، وتفقه ببلاده على أبي بكر السنجي، وعاش نيفا وتسعين سنة. توفي بهراة.

ومحمد بن عيسى بن فرج، أبو عبد الله التجيبي المغامي الطليطلي، مقرئ الأندلس، أخذ عن أبي عمرو الداني، ومكي بن أبي طالب وجماعة. أقرأ الناس مدة.

وأبو عبد الله البانياسي، مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي واحترق في الحريق الذكور في جمادى الآخرة، له سبع وثمانون سنة. وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت المجبر، وسمع من جماعة.

والسلطان ملكشاه، أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان محمد ابن داود السلجوقي التركي، تملك بلاد ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وبلاد الروم، والجزيرة، والشام، والعراق، وخراسان، وغير ذلك. قال بعض المؤرخين: ملك من مدينة كاشغر الترك، إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر، إلى بحر الهند عرضا، وكان حسن السيرة، محسنا إلى الرعية، وكانوا يلقبونه بالسلطان العادل، وكان ذا غرام بالعمائر وبالصيد، مات في شوال، بعد وزيره النظام بشهر، فقيل إنه سم في في خلال، ونقل في تابوت، فدفن بأصبهان، في مدرسة كبيرة له.

سنة ست وثمانين وأربعمائة

لما علم تتش بدمشق موت أخيه، أنفق الأموال، وتوجه ليأخذ السلطنة، فسار معه من حلب، قسيم الدولة، آقسنقر، ودخل في طاعته باغبسان صاحب أنطاكية وبوزان صاحب الرها وحران، ثم سار فأخذ الرحبة، في أول سنة ست، ثم نازل نصيبين، فأخذها عنوة، وقتل بها خلقا ثم سار إلى الموصل، فالتقاه إبراهيم بن قريش العقيلي، في ثلاثين ألفا، وتعرف بوقعة المضيع، فانهزموا وأسر إبراهيم، فقتله صبرا، وأقر أخاه عليا على الموصل، لأنه ابن عمة تتش، ثم أرسل إلى بغداد يطلب تقليدا، وساعده كوهرابين، ثم سار فتملك ميافارقين، وديار بكر، وقصد أذربيجان، فغلب على بعضها، فبادر السلطان بركياروق بن ملكشاه ليدفع عمه تتش، فلما تقارب العسكران، قال قسيم الدولة آقسنقر لبوزان: إنما أطعنا هذا الرجل لننظر ما يكون من أولاد السلطان، والآن فقد قام ابنه هذا، فينبغي أن نكون معه على تتش، فخامرا إليه، فضعف تتش، ورد إلى الشام.

ولم يحج ركب العراق، وحج ركب الشام، فنهبهم صاحب مكة محمد بن أبي هاشم، ونهبتهم العربان عشر مرات. وتوصل من سلم في حال عجيبة.

ودخل السلطان بركياروق بغداد.

وفيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن، أبو الفضل الأصبهاني الحداد. روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ماشاذه، وعلي بن عبد كويه وطائفة، وروى الحلية ببغداد، توفي في جمادى الأولى.

وسليمان بن إبراهيم الحافظ، أبو مسعود الأصبهاني. قال السمعاني: جمع وصنف وخرج على الصحيحين، وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبي بكر بن مردويه وخلق، ولقي ببغداد أبا بكر المنقي وطبقته، وقد تكلم فيه، توفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة وشهرين.

وأبو الفضل الدقاق، عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن ذكرى البغدادي الكاتب. روى عن أبي الحسين بن بشران وغيره، وكان صالحا ثقة.

والشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي، عبد الواحد بن علي الواعظ الفقيه القدوة. سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار، وأبي عثمان الصابوني، وتفقه ببغداد زمانا، على القاضي أبي يعلى، ونشر بالشام مذهب أحمد، وتخرج به الأصحاب، وكان إماما عارفا بالفقه والأصول، صاحب حال وعبادة وتأله، وكان تتش صاحب الشام يعظمه، لأنه كاشفه مرة، توفي في ذي الحجة، وفي ذريته مدرسون وعلماء.

وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف البغدادي، الرجل الصالح. روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس، وأبي الفرج الغوري، وبه ختم حديثهما، وكان ثقة مأمونا خيرا.

وشيخ الإسلام الهكاري، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف الأموي، من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب، وكان صالحا زاهدا ربانيا، ذا وقار وهيبة وأتباع ومريدين، رحل في الحديث، وسمع من أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وأبي القاسم بن بشران وطائفة. قال ابن ناصر: توفي في أول السنة، وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في راويته. قلت: ولد سنة تسع وأربعمائة.

وأبو الحسن الأنباري، علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب، في شوال، عن أربع وتسعين سنة. وكان آخر من حدث عن أبي أحمد الفرضي، وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة، وتفقه لأبي حنيفة، وكان ثقة نبيلا، عالي الإسناد.

وأبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري، مسند خراسان، في ربيع الأول، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن أبي الحسن العلوي والحاكم، وكان من كبار الصوفية.

وأبو الفتح نصر بن الحسن التنكتي الشاشي، نزيل سمرقند، وله ثمانون سنة. روى صحيح مسلم عن عبد الغافر، وسمع بمصر من الطفال وجماعة، ودخل الأندلس للتجارة، فحدث بها، وكان ثقة.

وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، أبو القاسم الحافظ محدث جوال. سمع بخراسان والعراق وفارس واليمن ومصر والشام، وحدث عن أحمد ابن عبد الباقي بن طوق، وأبي جعفر بن المسلمة وطبقتهما، ومات كهلا، وكان صوفيا صالحا متقشفا.

سنة سبع وثمانين وأربعمائة

في أولها علّم المقتدي بالله على تقليد السلطان بركياروق، وخطب له ببغداد، ولقب ركب الدين، ومات الخليفة من الغد فجأة، ورجع قسيم الدولة آقسنقر، ببعض جيش بركياروق، فالتقاه تتش بقرب حلب، فانهزم الحلبيون، وأسر آقسنقر، فذبحه تتش صبرا، وساق فحاصر حلب، فافتتحها. وأسر بوزان وكربوقا، فذبح بوزان وبعث برأسه إلى أهل حران، فسلموا له البلد، ثم سار فأخذ الجزيرة وخلاط، وأذربيجان جميعها، وكثرت جيوشه، واستفحل شأنه، فقصده بركياروق، فكبس عسكر تتش بركياروق فانهزم، ونهبت خزائنه وأثقاله.

وفيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، مسند خراسان، أحمد بن علي بن عبد الله بن بن عمر بن خلف. روى عن الحاكم، وعبد الله بن يوسف وطائفة، قال عبد الغافر: هو شيخنا الأديب المحدث المتقن الصحيح السماع، ما رأينا شيخا أروع منه، ولا أشد إتقانا، توفي في ربيع الأول، وقد نيف على التسعين.

وآقسنقر، قسيم الدولة أبو الفتح مولى السلطان ملكشاه، وقيل هو لصيق به، وقيل اسم أبيه الترعان، لما افتتح ملكشاه حلب، استناب عليها آقسنقر في سنة ثمانين وأربعمائة، فأحسن السياسة وضبط الأمور، وتتبع المفسدين، حتى صار دخله من البلد كل يوم، ألفا وخمسمائة دينار. ذكرنا أنه أسر في المصاف ثم قتل في جمادى الأولى، ودفن بمشهد قريبا مدة، ثم نقله ولده الأتابك زنكي فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب.

وأبو نصر، الحسن بن أسد الفارقي الأديب، صاحب النظم والنثر، وله الكتاب المعروف في الألغاز، توثب بميافارقين على الإمرة، ونزل بقصر الإمرة، وحكم أياما، ثم ضعف وهرب، ثم قبض عليه وشنق.

والمقتدي بالله، أبو القاسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله بن الأمير إسحاق بن المقتدر العباسي، بويع بالخلافة بعد جده، في ثالث عشر شعبان، سنة سبع وستين، وله تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، ومات فجأة في ثامن عشر المحرم، عن تسع وثلاثين سنة. وبويع بعده ابنه المستظهر بالله أحمد، وقيل إن جاريته سمته، وكان دينا خيرا، أمر بنفي الحواظي والمغنيات من بغداد. وكانت الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة.

وأبو القاسم بن أبي العلاء المصيصي، علي بن محمد بن علي الفقيه الشافعي الدمشقي الفرضي، في جمادى الآخرة، وله سبع وثمانون سنة. روى عن أبي محمد بن أبي نصر ومحمد بن عبد الرحمن القطان والكبار، وأدرك ببغداد أبا الحسن الحمامي وببلد ابني الصياح وبمصر أبا عبد الله بن نظيف. وكان فقيها ثقة.

وابن ماكولا الحافظ الكبير، الأمير أبو نصر علي بن هبة الله بن علي ابن جعفر العجلي الجرباذقاني ثم البغدادي، النسابة، صاحب التصانيف، ولم يكن ببغداد بعد الخطيب أحفظ منه، ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ووزر أبوه للقائم وولي عمه الحسين، قضاء القضاة. سمع من أبي طالب بن غيلان وطبقته، قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء، إلا وأحالني على الكتاب، وقال: حتى أكشفه، وما راجعت ابن ماكولا إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب، وقال أبو سعد السمعاني: كان لبيبا عارفا، ونحوا مجودا، وشاعرا مبرزا. قلت: اختلف في وفاته على أقوال، قتله مماليكه بالأهواز وأخذوا ماله، في هذه السنة على بعض الأقوال.

وأبو عامر الأزدي القاضي محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلبي الهروي الفقيه الشافعي، راوي جامع الترمذي عن الجراحي قال أبو نصر الفامي: عديم النظير زهدا وصلاحا وعفة، ولد سنة أربعمائة، وتوفي في جمادى الآخرة، رحمه الله.

والمستنصر بالله، أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن العزيز بن المعز العبيدي الرافضي، صاحب مصر، وكانت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر،، وقد خطب له ببغداد، في سنة إحدى وخمسين، ومات في ذي الحجة، عن ثمان وستين سنة. وبويع بعده ابنه المستعلي.

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

فيها قامت الدولة على أحمد خان، صاحب سمرقند، وشهدوا عليه بالزندقة والانحلال، فأفتى الأئمة بقتله، فخنقوه، وملكوا ابن عمه.

وفيها التقي تتش وابن أخيه بركياروق بنواحي الري، فانهزم عسكر تتش، وقاتل هو حتى قتل، واستوثق الأمر لبركياروق، وكان رصوان بن تتش، قد سار إلى بغداد لينزل بها، فلما قارب هيت، جاءه نعي أبيه، فرد ودخل حلب، ثم قدم عليه من الوقعة أخوه دقاق، فأرسله متولي قلعة دمشق الخادم ساوتكين، فسار سرا من أخيه، وتملك دمشق، ثم توصل طغتكين، وبعض جيش تتش، فأكرمهم دقاق، وتزوج طغتكين بأم دقاق.

وفيها قدم الغزالي دمشق متزهدا وصنف الإحياء وأسمعه بدمشق. وأقام بها سنتين، ثم حج ورد إلى وطنه.

وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ، في رجب، عن اثنتين وثمانين سنة وشهر. روى عن أبي علي بن شاذان، والبرقاني وطبقتهما، وكتب ما لا يوصف، وكان ثقة ثبتا، صاحب حديث. قال أبو منصور بن خيرون، كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء، وقال السلفي: كان يحيى بن معين وقته: رحمه الله.

وأمير الجيوش بدر الأرمني، ولي إمرة دمشق، في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، وانفصل بعد عام، ثم وليها والشام كله في سنة ثمان وخمسين، ثم صار إلى الديار المصرية، والمستنصر في غاية الضعف، فشد دولته، وتصرف في الممالك، وولي وزارة السيف والقلم، وامتدت أيامه، ولما أيس منه، ولي الأمر بعده الأفضل، توفي في ذي القعدة.

وتتش السلطان تاج الدولة، أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن مكائيل بن سلجوق التركي السلجوقي، كان شهما شجاعا مقداما فاتكأ، واسع الممالك، كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه، قتل بنواحي الري، وتملك بعده ابناه، بحلب ودمشق.

ورزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث، الإمام أبو محمد التميمي البغدادي، الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة، قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وتقدم في الفقه والتفسير وألأصول والعربية واللغة، وحدث عن أبي الحسن بن المتيم وأبي عمر بن مهدي والكبار، توفي في نصف جمادى الأول، عن ثمان وثمانين سنة. قال أبو علي ابن سكرة: قرأت عليه ختمة لقالون، وكان كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدعيني.

وأبو يوسف القزويني، عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار، شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير، الذي هو أزيد من ثلاثمائة مجلد، درس الكلام على القاضي عبد الجبار بالري، وسمع منه ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي، وتنقل في البلاد، ودخل مصر، وكان صاحب كتب كثيرة، وذكاء مفرط، وتبحر في المعارف، واطلاع كثير، إلا أنه كان داعية إلى الاعتزال، مات في ذي القعدة، وله خمس وتسعون سنة وأشهر.

وأبو الحسن الحصري المقرئ الشاعر، نزيل سبتة، علي بن عبد الغني الفهري، وكان مقرئا محققا، وشاعرا مفلقا، مدح ملوكا ووزراء.

والمعتمد على الله، أبو القاسم محمد بن المعتضد عباد بن القاضي محمد بن إسماعيل اللخمي الأندلسي، صاحب الأندلس، كان ملكا جليلا، وعالما ذكيا، وشاعرا محسنا، وبطلا شجاعا، وجوادا ممدحا، كان بابه محط الرحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من الرحال، وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس، من المدائن والحصون والمعاقل، مائة وثلاثين مسورا، وبقي في المملكة نيفا وعشرين سنة. وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين، لما قهره وغلب على ممالكه، وسجنه بأغمات، حتى مات في شوال، بعد أربع سنين من زوال ملكه، وخلع من ملكه عن ثمانمائة سربة، ومائة وثلاثة وسبعين ولدا، وكان راتبه في اليوم، ثمانمائة رطل لحم.

ومحمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس، آخر من روى الترمذي عن الجراحي، توفي ببغشور، في ذي القعدة، وكان من الفقهاء.

وقاضي القضاة الشامي، أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي، كان من أزهد القضاة وأورعهم، وأتقاهم لله، وأعرفهم بالمذهب ولد بحماة سنة أربعمائة، وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة، وولي بعد أبي عبد الله الدامغاني، وكان من أصحاب القاضي أب الطيب الطبري، لم يأخذ على القضاء رزقا، ولا غير ملبسه، كان له كارك في الشهر بدينار ونصف، يتقنع به قال أبو علي بن سكرة: أما العلم، فكان يقال: لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره. قلت: توفي في عاشر شعبان رحمه الله.

وأبو عبد الله الحميدي، محمد بن أبي نصر فتوح ابن عبد الله بن فتوح ابن حميد بن يصل الميورقي الأندلسي الحافظ العلامة مؤلف الجمع بين الصحيحين توفي في ذي الحجة، عن نحو سبعين سنة. وكان أحد أوعية العلم، صحب أبا محمد بن حزم مدة بالأندلس، وابن عبد البر، ورحل في حدود الخمسين، وسمع بالقيروان والحجاز ومصر والشام والعراق، وكتب عن خلق كثير، وكان ظاهري المذهب، دؤوبا على طلب العلم، كثير الاطلاع، ذكيا فطنا صينا ورعا أخباريا متفننا، كثير التصانيف، حجة ثقة رحمه الله.

ونجيب بن ميمون، أبو سهل الواسطي ثم الهروي. روى عن أبي علي الخالدي وجماعة، وعاش بضعا وتسعين سنة.

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

فيها حاصر كربوقا الموصل تسعة أشهر، وأخذها وفارقها صاحبها إبراهيم، فسار إلى الأمير صدقة ملك العرب.

وفيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرجي ثم البغدادي، في ربيع الآخر، وله ثلاث وسبعون سنة. تفرد بسنن سعيد بن منصور، عن أبي علي بن شاذان، وكان صالحا زاهدا، منقبضا عن الناس، ثقة حجة، حسن السيرة.

وأبو منصور الشيحي، عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي، المحدث التاجر السفار. روى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما، ولد سنة إحدى وعشرين، وسمع بدمشق ومصر والرحبة، وكتب وحصل الأصول.

وعبد الملك بن سراج، أبو مروان الأموي مولاهم القرطبي، لغوي الأندلس بلا مدافعة، توفي في ذي الحجة، عن تسعين سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكي بن أبي طالب وطائفة، وكان من أوعية العلم.

وأبو عبد الله الثقفي، القاسم بن الفضل بن أحمد، رئيس أصبهان ومسندها، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وابن محمش وطبقتهما، بأصبهان ونيسابور وبغداد والحجاز.

وأبو بكر بن الخاضبة، محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ، مفيد بغداد. روى عن أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة وطبقتهما، ورحل إلى الشام، وسمع من طائفة، وكان محببا إلى الناس كلهم، لدينه وتواضعه ومروءته، ومسارعته في قضاء حوائج الناس، مع الصق والورع والصيانة التامة وطيب القراءة. قال ابن طاهر: ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث منه. وقال أبو الحسن الفصيحي: ما رأيت في المحدثين أقوم باللغة من ابن الخاضبة، توفي في ربيع الأول، وشيعه خلائق.

وأبو عبد الله العميري، محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح، في المحرم، وله إحدى وتسعون سنة. وأول سماعه، سنة سبع وأربعمائة، وقد رحل إلى نيسابور وبغداد، وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته، وكان من أولياء الله تعالى، قال الدقاق: ليس له نظير بهراة. قال أبو النصر الفامي: توحد عن أقرانه بالعلم والزهد في الدنيا، وإتقان في الرواية، والتجرد من الدنيا.

وأبو المظفر السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي العلامة الحنفي، ثم الشافعي، برع على والده أبي منصور في المذهب، وسمع أبا غانم الكراعي وطائفة، ثم تحول شافعيا، وصنف التصانيف، وخرج له الأصحاب، توفي في ربيع الأول، عن ثلاث وستين سنة.

سنة تسعين وأربعمائة

فيها قتل أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب مرو وبلخ ونيسابور وترمذ، وكان جبارا عنيدا، قتله غلام له، وكان بركياروق، قد جهز الجيش مع أخيه سنجر لقتال عمه أرغون، فبلغهم قتله بالدامغان، فلقيهم بركياروق، وسار فتسلم نيسابور وغيرها بلا قتال، ثم تسلم بلخ وخطبوا له بسمر قند، ودانت له الممالك، واستخلف سنجر على خراسان، وكان حدثا، فرتب في خدمته من يسوس المملكة، واستعمل على خوارزم محمد بن أنشتكين، مولى الأمير ملكايل السلجوقي، ولقبه خوارزم شاه، وكان عادلا محبا للعلماء، وبعده ولي ابنه أتسز.

وفيها التقى الأخوان، دقاق ورضوان، ابنا تتش، بقنسرين، فانكسر دقاق، ونهب عسكره، ثم تصالحا على أن أن يقدم أخاه في الخطبة بدمشق.

وفيها أقام رضوان بحلب، دعوة العبيدين، وخطب للمستعلي برأي منجمه أسعد الباطني، ثم بعد شهر، أنكر عليه صاحب أنطاكية وغيره، فأعاد الخطبة العباسية.

وفيها خرجت الفرنج بجموعها ونازلت باغي سان بأنطاكية، ووصلوا إلى فامية وكفرطاب، واستباحوا تلك النواحي.

وفيها توفي أبو يعلى العبدي، أحمد بن محمد بن الحسن البصري الفقيه، ويعرف بابن الصواف، شيخ مالكية العراق، وله تسعون سنة. تفقه على القاضي علي بن هارون، وحدث عن البرقاني وطائفة، وكان علامة زاهدا مجدا في العبادة، عارفا بالحديث. قال بعضهم: كان إماما في عشرة أنواع من العلم، توفي في رمضان، بالبصرة.

وأبو نصر السمسار، عبد الرحمن بن محمد الأصبهاني، توفي في المحرم، وهو آخر من حدث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني.

وأبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن محمد بن عبدوس، رئيس همذان ومحدثها. أجاز له أبو بكر بن لال، وسمع محمد بن أحمد بن حمدويه الطوسي والحسين بن فتحويه، مات في جمادى الآخرة، عن خمس وتسعين سنة. روى عنه أبو زرعة.

والفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي النابلسي، أبو الفتح الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف، كان إماما علامة مفتيا محدثا حافظا زاهدا متبتلا ورعا كبير القدر عديم النظير. سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطبيز، وأبي الحسن بن السمسار وطائفة، وبغزة من محمد بن جعفر الميماسي، وبآمد وصور والقدس وآمل، وصنف. وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض له بنابلس، وهو بدمشق، فيخبز له كل ليلة قرصة في جانب الكانون. عاش أكثر من ثمانين سنة. وتوفي يوم عاشوراء.

ويحيى بن أحمد السيبي، أبو القاسم القصري المقرئ ببغداد، وله مائة وسنتان. قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي، وسمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا الحسين بن بشران وجماعة، ختم عليه خلق، وكان خيرا ثقة، توفي في ربيع الآخر، وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السن.

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

في جمادى الأولى، ملكت الفرنج أنطاكية بالسيف، ونجا صاحبها باغي سيان في ثلاثين فارسا، ثم ندم حتى غشي عليه من الغم، فأركبوه فلم يتماسك، فتركوه ونجوا، فعرفه أرمني حطاب، فقطع رأسه وحمله إلى ملك الفرنج، وعظم المصاب على المسلمين برواح أنطاكية وأهلها، ثم أخذت الفرنج المعرة وكفرطاب بالسيف، ثم تجمع عساكر الجزيرة والشام، فعملوا مع الفرنج مصافا فتخاذلوا وهزمتهم الفرنج.

وفيها توفي أبو العباس، أحمد بن عبد الغفار بن أشتة الأصبهان. روى عن علي بن ميلة، وأبي سعيد النقاش وطائفة، وعاش اثنتين وثمانين سنة.

وسهل بن بشر، أبو الفرج الإسفراييني، ثم الدمشقي الصوفي المحدث. سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة، وبمصر من الطفال وطبقته، ولد ببسطام، في سنة تسع وأربعمائة، ومات بدمشق في ربيع الأول.

وطراد بن محمد بن علي، النقيب الكامل، أبو الفوارس الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي، نقيب النقباء، ومسند العراق. روى عن هلال الحف؟ ار وابن رزقويه، وأبي نصر النرسي وجماعة، وأملى مجالس كثيرة، وازدحموا عليه، ورحلوا إليه، وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة، توفي في شوال، وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو الحسن الكرجي، مكي بن منصور بن محمد بن علان، الرئيس السلار، نائب الكرج ومعتمدها، توفي بأصبهان، في جمادي الأولى، عن بضع وتسعين سنة. رحل وسمع من الحيري، والصيرفي، وأبي الحسين بن بشران وجماعة. وكان محمود السيرة وافر الحرمة.

وهبة الله بن عبد الرزاق، أبو الحسن الأنصاري البغدادي، رئيس جليل خير، توفي في ربيع الآخر، عن تسع وثمانين سنة. روى عن هلال وجماعة، وهو آخر من حدث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي.

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها، وقويت شوكتهم، وأخذت الفرنج لعنهم الله بيت المقدس، بكرة يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، بعد حصار شهر ونصف. قال ابن الأثير: قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى، ما يزيد على سبعين ألفا.

وفيها ابتداء دولة محمد بن السلطان ملكشاه، وكان أخوه بركياروق أقطعه كنجه، فكبر وطلع شهما شجاعا مهيبا، فتسارعت إليه العساكر، فسار إلى الري فتملكها، فسار إلى خدمته سعد الدولة كوهرايين، فاحترمه وولاه نيابة بغداد، فجاء وأقام بها الخطبة لمحمد. ولقبوه غياث الدنيا والدين.

وفيها توفي أبو الحسين، أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي اليوسفي، ثقة جليل القدر. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة.

وأبو القاسم الخليلي، أحمد بن محمد الدهقان، عن مائة سنة وسنة، وسنة، حدث ببلخ بمسند الهيثم بن كليب، عن أبي القاسم الخزاعي عنه، توفي في صفر.

وأبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف، نزيل نيسابور. قال السمعاني: عديم النظير في فنه، بهي المنظر، سليم النفس، عامل بعلمه، نفاع للخلق، فقيه النفس، قوي الحفظ، تفقه ببغداد على أبي الطيب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان، توفي في ذي القعدة، وله إحدى وتسعون سنة.

والخلعي القاضي، أبو الحسن علي بن الحسن المصري، الفقيه الشافعي، وله ثمان وثمانون سنة. سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبا سعد الماليني وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد بمصر، قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوما واستعفى، وانزوى بالقرافة، توفي في ذي الحجة. قلت: وكان يوصف بدين وعبادة.

وأبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزاز، ببغداد، وتوفي يوم عرفة، عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن أبي علي بن شاذان والحرفي.

ومكي بن عبد السلام، وأبو القاسم بن الرميلي المقدسي الحافظ، أحد من استشهد بالقدس، رحل وجمع وغني بهذا الشأن، وكان ثقة متحريا. روى عن محمد بن يحيى بن سلوان المازني، وأبي عثمان بن ورقا، وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهم. وعاش ستين سنة.

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

فيها قدم السلطان بركياروق بغداد، وفي خدمته صاحب الحلة، صدقة بن مزيد فأعيدت خطبته، ولم يؤاخذ كوهرايين، ثم سار بالعساكر، فالتقى هو وأخوه محمد، فانهزم جيش بركياروق، وسار في خمسين فارسا، فدخل خراسان، فالتقاه أخوه سنجر، فانهزم الجمعان، وذلك من أغرب الاتفاق، فسار بركياروق إلى جراجان، ثم دخل البرية، وطلب أصبهان، فسبقه أخوه محمد إليها.

وفيها لقي كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية، وسيواس الفرنج، بقرب ملطية، فكسرهم اسر ملكهم بيمند، ووصل في البحر سبعة قوامص، فأخذوا قلعة أنكورية، وقتلوا أهلها. قال ابن الأثير: فالتقاهم ابن الدانشمند، فلم يفلت أحد من الفرنج، سوى ثلاثة آلاف، هربوا في الليل، قال: وكانوا ثلاثمائة ألف.

وفيها توفي العباداني، أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري. روى عن أبي عمر الهاشمي أجزاء ومجالس، وكان شيخا صالحا أميا معمرا.

والنعالي، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي، رجل عامي من أولاد المحدثين، عمر دهرا، وانفرد بأشياء. روى عن أبي عمر بن مهدي وأبي سعد الماليني وطائفة. توفي في صفر.

وسليمان بن عبد الله بن الفتى، أبو عبد الله النهراوني النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، من ذلك كتاب القانون في اللغة، عشر مجلدات، وكتاب في التفسير تخرج به أهل أصبهان، وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره، وهو والد الحسن، مدرس النظامية.

وعبد الله بن جابر بن ياسين، أبو محمد الحنائي الحنبلي، تفقه على القاضي أبي يعلى، وروى عن أبي علي بن شاذان، وكان ثقة نبيلا.

وعبد القاهر بن عبد السلام، أبو الفضل العباسي النقيب المكي المقرئ، أخذ القرءات عن أبي عبد الله الكاريني، وتصدر للإقراء ببغداد.

وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل السلمي الكفرطابي، ثم الدمشقي البزاز. روى جزءا عن عبد الرحمن بن أبي نصر.

وعميد الدولة، أبو منصور محمود بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، الوزير، وزر للمقتدي بالله، سنة اثنتين وسبعين، ثم عزل بعد خمس سنين، بالوزير أبي شجاع، ثم وزر سنة أربع وثمانين، وإلى أن مات. وكان رئيسا كافيا شجاعا مهيبا فصيحا مفوها أحمق، صودر قبل موته، وحبس، ثم قتل سرا.

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

فيها التقى الأخوان، بركياروق ومحمد، فانهزم محمد، وأسر وزيره مؤيد الملك وذبح، ووصل محمد إلى جرجان، فبعث له أخوه سنجر أموالا وكسوة، ثم تعاهدا، وأما بركياروق، فصار في مائة ألف، فأذن لعسكره في التفرق للغلاء، وبقي في عسكر قليل، فقصده أخواه، ففر إلى همذان، ونقصت بذلك حرمته، ثم فر إلى خوزستان، وهو في خمسة آلاف ضعفاء جياع، فدخل بغداد وتمرض، ومد جنده أيديهم إلى أموال الرعية، فوصل سنجر ومحمد إلى بغداد، فتقهقر بركياروق إلى واسط، وهو مريض، وأكثر من معه مجمعة، وفي هذا الوقت كثرت الباطنية بالعراق والجبل، وزعيمهم الحسن بن الصباح، فملكوا القلاع، وقطعوا السبل، وأهم الناس شأنهم، واستفحل أمرهم، لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم.

وفيها حاصر كندفري - الذي أخذ القدس - عكا، فأصابه سهم قتله، فسار أخوه بغدوين، إلى القدس، فاتفق دقاق بن تتش صاحب دمشق وجناح الدولة صاحب حمص، وكسروا الفرنج.

وفيها أخذت الفرنج حيفا وأرسوف بالأمان، وأخذت سروج بالسيف، ثم أخذوا قيسارية بالسبف.

وفيها توفي أبو الفضل، أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي. روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر، وجماعة، ولكنه رافضي معتزلي.، وله كتب موقوفة بجامع دمشق.

وأبو الفرج الزاز، شيخ الشافعية بخراسان، عبد الرحمن بن أحمد السرخسي، ثم المروزي، تلميذ القاضي حسين، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب.، وورعه إليه المنتهى.، عاش نيفا وستين سنة.

وعبد الواحد بن الأستاذ أبي القاسم القشيري، أبو سعيد. وكان صالحا عالما كثير الفضل. روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة، وسماعه حضور في الرابعة، من الطرازي. توفي في جمادى الآخرة.

وأبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأخرم النيسابوري المؤذن الزاهد، أملى مجالس عن أبي زكريا المزكي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري، وتوفي في المحرم.

وعزيري بن عبد الملك، أبو المعالي الجيلي القاضي شيذلة، شيخ الوعاظ بالعراق، مؤلف كتاب مصارع العشاق توفي في صفر.

ونصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر، أبو الخطاب البزاز، مسند بغداد. روى عن أبي محمد بن البيع، وابن رزقويه وطائفة، توفي في ربيع ألأول عن ست وتسعين سنة. وكان صحيح السماع. انفرد بالرواية عن جماعة.

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

فيها تم مصاف ثالث، بين بركياروق وأخيه محمد، وكان سنجر قد رد إلى خراسان فالتقيا، ومع كل واحد أربعة آلاف، ولم يجر بينهما كبير قتال وتصالحا، ثم جرى بينهما مصاف رابع بعد شهرين، فانهزم محمد، ونهبت خزائنه، ولكن لم يقتل غير رجل واحد، وسار فدخل أصبهان، في سبعين فارسا، فحصنها، فنازله بركياروق، واشتد القحط إلى الغاية، وتعثر الناس، ثم خرج محمد في مائة وخمسين فارسا، فنجا وقاتل أهل البلد، حتى عجز بركياروق، وترحل عنهم إلى همذان.

وفيها نازلت الفرنج أطرابلس.

وفيها توفي المستعلي بالله، أبو القاسم أحمد بن المستنصر بالله، معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور العبيدي صاحب مصر، ولي الأمر بعد أبيه ثمان سنين، ومات في صفر، وله تسع وعشرون سنة. وفي أيامه انقطعت دولته من الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج ولم يكن له مع الأفضل حل ولا ربط، بل كان الأفضل أمير الجيوش، هو الكل، وفي أيامه هرب أخوه نزار، الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة الألموت، فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها، وساعده قاضيها ابن عمار، ومتوليها أفتكين، فنازلهم الأفضل، فبرز لحربه أفتكين وهزمه، ثم نازلهم ثانيا وظفر بهم، ورجع إلى القاهرة بأفتكين ونزار، فذبح أفتكين، وبنى على نزار حائطا فهلك.

وأبو العلاء صاعد بن سيار الكناني، قاضي القضاة بهراة. روى عن أبي سعيد الصيرفي والطرازي وطائفة.

وسعيد بن هبة الله أبو الحسن، شيخ الأطباء بالعراق، وكان صاحب تصانيف في الفلسفة والطب والمنطق، وله عدة أصحاب.

وعبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي الفقيه. قال السمعاني: عمر مائة وثلاثين سنة. وكتب إملاء عن أبي ذر عمار بن محمد، صاحب يحيى بن محمد ابن صاعد، زرت قبره بوركة، على فرسخين من بخارى. قلت: ما كان في الدنيا له نظير في علو الإسناد، ولم يضعفه أحد.

وأبو عبد الله الكامخي، محمد بن أحمد بن محمد الساوي. روى عن أبي بكر الحيري، وهبة الله اللالكائي وطائفة. توفي فيها ظنا.

وأبو ياسر الخياط، محمد بن عبد العزيز البغدادي. رجل خير. روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة. وتوفي في جمادى الآخرة.

سنة ست وتسعين وأربعمائة

فيها كان المصاف الخامس على باب خوي، بين الأخوين، فانهزم محمد إلى ناحية خلاط.

وفيها سار دقاق صاحب دمشق، فأخذ الرحبة، وتسلم حمص بعد موت صاحبها جناح الدولة المتوفي عام أول.

وفيها حصرت المصريون يافا وبها الفرنج، فالتقوهم. انكسرت الفرنج، وقتل منهم خلق وأسر خلق.

وفيها توفي ابن سوار، مقرئ العراق، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن سوار، مصنف المستنير في القراءات كان ثقة مجودا، أقرأ خلقا، وسمع الكثير، وحدث عن ابن غيلان وطبقته.

وأبو داود سليمان بن نجاح الأندلسي، مولى المؤيد بالله الأموي، مقرئ الأندلس، وصاحب أبي عمرو الداني، وهو أنبل أصحابه وأعلمهم، أكثرهم تصانيف، توفي في رمضان، عن ثلاث وثمانين سنة.

وأبو الحسن بن الروش، علي بن عبد الرحمن الشاطبي المقرئ، قرأ القراءات على أبي عمرو الداني، وسمع من ابن عبد البر، توفي في شع بان.

وأبو الحسين بن البيار، يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي، قرأ على أبي عمرو الداني، ومكي. قال ابن بشكوال: لقي بمصر القاضي عبد الوهاب، وأخذ عنه كتابه التلقين وأقرأ الناس وعمر وأسن، وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب، توفي في المحرم، وقد اختلط في آخر عمره، وعاش تسعين سنة.

وأبو العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي العلاء المعدل، وجماعة.

والفانيذي، أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، توفي في شوال.

وأبو ياسر، محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدث، كتب الكثير وتعب، وكان قارئ أهل بغداد، بعد ابن الخاضبة. روى عن أبي محمد الجوهري وخلق.

وأبو البركات محمد بن المنذر بن طيبان - لا طبيان - الكرخي المؤدب، كذبه ابن ناصر. وقد روى عن عبد الملك بن بشران، ومات في صفر.

سنة سبع وتسعين وأربعمائة

فيها اصطلح بنو ملكشاه، وكان يخطب بخراسان كلها لسنجر، ويسمى أخوه محمد في الخطبة، واستقر بركياروق على الري وطبرستان وفارس والجزيرة والحرمين، وخطب له بهذه البلاد، واستقر محمد على العراق وأذربيجان وأرمينية وأصبهان.

وفيها أخذت الفرنج جبيل صلحا، ونكثوا وأخذوا عكا بالسيف، وهرب متوليها زهر الدولة بنا الجيوشى في البحر، ونازلت الفرنج حران، فالتقاهم سقمان، ومعه عشرة آلاف، فانهزموا وتبعتهم الفرنج فرسخين، ثم نزل النصر، وكر المسلمون، فقتلوهم كيف شاءوا، وكان فتحا عظيما.

وفيها توفي أبو ياسر، أحمد بن بندار البقال، أخو ثابت. روى عن بشرى الفاتني وطائفة، ومات في رجب.

وأبو بكر الطريثيثي، أحمد بن علي بن حسين بن زكريا، ويعرف بابن زهيرا الصوفي البغدادي، من أعيان الصوفية ومشاهيرهم. روى عن أبي الفضل القطان. واللالكائي وطائفة، وهو ضعيف، عاش ستا وثمانين سنة.

وأبو علي الجاجرمي، إسماعيل بن علي النيسابوري الزاهد القدوة الواعظ، وله إحدى وتسعون سنة. روى عن أبي عبد الله بن باكويه وعدة.

وأبو عبد الله بن البسري، الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن البندار البغدادي، توفي في جمادى الآخرة، وله ثمان وثمانون سنة. قال السلفي: لم يرو لنا عن عبد الله بن يحى السكري سواه.

ودقاق، شمس الملوك، أبو نصر بن تاج الدولة تتش ابن السلطان ألب أرسلان السلجوقي، صاحب دمشق، ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين، ومرض مدة، ومات في رمضان، وقيل سموه في عنب، ودفن بخانكاة الطواويس وأقام أتابكه طغتكين في السلطنة ولدا طفلا لدقاق، وقيل بل أقدم طغتكين ألتاش أخاد قاق - وكان مسجونا ببعلبك - وسلطنة، فبقي ثلاثة أشهر، وتحيل من طغتكين، فذهب بجهله إلى بغدوين صاحب القدس، لكي ينصره، فلم يلو عليه، فتوجه إلى الشرق، وهلك.

وأبو ياسر الطباخ، طاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي، المواقيتي. روى عن عبد الملك بن بشران وغيره، وتوفي في رجب.

وأبو مسلم السمناني، عبد الرحمن بن عمر، شيخ بغدادي. روى عن أبي علي بن شاذان، ومات في المحرم.

وأبو الخطاب بن الجراح، علي بن عبد الرحمن بن هارون البغدادي، الشافعي المقرئ الكاتب الرئيس. روى عن عبد الملك بن بشران، وكان لغوي زمانه، له منظومة في القراءات، توفي في ذي الحجة، وقد قارب التسعين.

وأبو مكتوم، عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي، ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة، وروى عن أبيه صحيح البخاري وعن أبي عبد الله الصنعاني، جملة من تواليف عبد الرزاق.

وأبو مطيع، محمد بن عبد الواحد المديني المصري الأصل الصحاف الناسخ والصحاف الناسخ عاش بضعا وتسعين سنة. وانتهى إليه علو الإسناد بأصبهان. روى عن أبي بكر بم مردويه، والنقاش وابن عقيل البارودي وطائفة.

وأبو عبد الله بن الطلاع، محمد بن فرح، مولى محمد بن يحيى بن الطلاع القرطبي المالكي، مفتي الأندلس ومسندها، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن يونس بن مغيث، ومكي القيسي وخلق، وكان رأسا في العلم والعمل، قوالا بالحق. رحل الناس إليه من الأقطار، لسماع الموطأ والمدونة.

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

فيها توفي بركياروق، واستولى أخوه محمد بن ملكشاه على ممالكه.

وفيها التقى رضوان بن تتش والفرنج، فانكسر المسلمون وأصيبوا، وأخذت الفرنج حصن أرتاح.

وفيها قدم المصريون في خمسة آلاف، ونجدهم طغتكين بألفين، فالتقوا بقرب عسقلان، وثبت الجمعان، حتى قتل من المسلمين فوق الألف، ومن الفرنج مثلهم، ثم تحاجزوا وتوادعوا الحرب.

وفيها توفي الحافظ أبو علي البرداني، أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي، عن اثنتين وسبعين سنة. في شوال. روى عن ابن غيلان، وأبي الحسن القزويني وطبقتهما. وكان بصيرا بالحديث، محققا حجة.

وأبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني. روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة، وكان ثقة نبيلا، حدث قديما.

وبركياروق، السلطان ركن الدين أبو المظفر بن السلطان ملكشاه السلجوقي، تملك بعد أبيه، وجرت له حروب وفتن مع أخيه على السلطنة، وعاش ستا وعشرين سنة. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة. وكان ملازما للشرب، مات ببروجرد، في ربيع الأول بالسل.

وثابت بن بندار، أبو المعالي البقال المقرئ ببغداد. روى عن أبي علي بن شاذان وطبقته، وهو ثقة فاضل، توفي في جمادى الآخرة.

وأبو عبد الله الطبري، الحسين بن علي الفقيه الشافعي، محدث مكة، في شعبان، واه ثمانون سنة. روى صحيح مسلم عن عبد الغافر بن محمد، وكان فقيها مفتيا تفقه على ناصر بن الحسين العمري، وجرت له فتن وخطوب مع هياج بن عبيد وأهل السنة، وكان عارفا بمذهب الأشعري.

وأبو علي الغساني، الحسين بن محمد الجياني الأندلسي الحافظ، أحد أركان الحديث بقرطبة. روى عن حكم الجذامي، وحاتم بن محمد، وابن عبد البر وطبقتهم وكان كامل الأدوات في الحديث علامة في اللغة والشعر والنسب، حسن التصنيف، توفي في شعبان، عن اثنتين وسبعين سنة. وأصابته في الآخر زمانه.

وسقمان بن أرتق بن أكسب التركماني، صاحب ماردين، وجد ملوكها، كان أميرا جليلا فارسا موصوفا، حضر عدة حروب، توفي بالشام.

ومحمد بن أحمد بن محمد بن قيداس، أبو طاهر التوثي الحطاب. سمع أبا علي بن شاذان، والحرفي، وأجاز له أبو الحسين بن بشران، توفي في المحرم.

ومحمد بن عبد السلام، الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز، بغدادي جليل صالح. روى عن البرقاني، وابن شاذان، وتوفي في ربيع الآخر.

ونصر الله بن أحمد بن عثمان أبو علي الخشنامي، النيشابوري، ثقة صالح، عالي الإسناد. روى عن أبي عبد الرحمن السلمي والحيري وطائفة.

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

فيها ظهر بنهاوند رجل ادعى النبوة، وكان ساحرا صاحب مخاريق.، فتبعه خلق، وكثرت عليهم الأموال، وكان لا يدخر شيئا.، فأخذ وقتل، ولله الحمد.

وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين، فأسر وقتل، وزينت دمشق.

وفيها أخذت الفرنج حصن فامية، وأما طرابلس، ففتحت الحصار، والمسلمون يخرجون منها، وينالون من الفرنج، فمرض ملكهم صنجيل ومات، وحمل فدفن بالقدس، وأقامت الفرنج غيره.

وفيها مات أبو القاسم عبد الله بن علي بن إسحاق الطوسي، أخو نظام الملك. سمع أبا حسان المزكي، وأبا جفص بن مسرور، وعاش خمسا وثمانين سنة.

وأبو منصور الخياط، محمد بن أحمد بن علي البغدادي الزاهد، أحد القراء ببغداد. روى عن عبد الملك بن بشران وجماعة، وكان عبدا صالحا قانتا لله، صاحب أوراد واجتهاد. قال ابن ناصر: كانت له كرامات، توفي في المحرم، وقال غيره: ولد سنة إحدى وأربعمائة. رحمه الله.

وأبو البركات بن الوكيل، محمد بن عبد الله بن يحيى الخياز الدباس الكرخي، قرأ بالروايات على أبي العلا الواسطي، والحسن بن الصقر وجماعة، وتفقه على أبي الطيب الطبري، وسمع من عبد الملك بن بشران، وكان يتهم بالاعتزال، ثم تاب وأناب، توفي في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة.

وأبو البقاء الحبال، المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخزاز. روى عن جناح بن نذير المحاربي وجماعة، توفي في جمادى الآخرة بالكوفة.

سنة خمسمائة

فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية، وأخذ قلعتهم بأصبهان، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش، وكان قد تمكها اثنتي عشرة سنة. وهي من بناء ملكشاه، بناها على رأس جبل، وغرم عليها ألفي ألف دينار.

وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش، صاحب قونية ووجد وقد انتفخ.

وفيها توفي أبو افتح الحداد، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأصبهاني التاجر، وكان ورعا دينا كثير الصدقات، توفي في ذي القعدة، عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن أبي سعيد النقاش وخلق، وأجاز له من مر، وإسماعيل بن ينال المحبوبي.

وأبو المظفر الخوافي، أحمد بن محمد بن مظفر الشافعي، العلامة، عالم أهل طوس، ورفيق الغزالي ونظيره، وكان عجيبا في المناظرة، رشيق العبارة، برع عند إمام الحرمين ودرس في أيامه.

وجعفر بن أحمد بن حسين، أبو محمد البغدادي المقرئ السراج الأديب. روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة، وكان ثقة بارعا أخباريا علامة، كثير الشعر، حسن التصانيف، توفي في صفر.

وأبو غالب الباقلاني، محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغدادي الفامي، الرجل الصالح. روى عن ابن شاذان والبرقاني وطائفة، توفي في ربيع الآخر، عن ثمانين سنة.

وأبو الحسين بن الطيوري، المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي المحدث. سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده. قال ابن السمعاني: كان مكثرا صالحا أمينا صدوقا، صحيح الأصول صينا وقور كثير الكتابة وقال غيره: توفي في ذي القعدة، عن تسع وثمانين سنة. وكان عنده ألف جزء بخط الدارقطني.

والمبارك بن فاخر أبو الكرم الدباس الأديب، من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد، وله مصنفات. روى عن القاضي أبي الطيب الطبري، وأخذ العربية عن عبد الواحد بن برهان، رماه ابن ناصر بالكذب في الرواية، توفي في ذي القعدة، عن سبعين سنة.

ويوسف بن تاشفين أمير المسلمين، سلطان المغرب، أبو يعقوب اللمتوني البربري الملثم، توفي في ثالث المحرم، عن تسعين سنة. وكان أكبر ملوك الدنيا في عصره، ودولته بضع وثلاثون سنة. وكان بطلا شجاعا عادلا، عديم الرفاهية، قشب العيش على قاعدة البربر، اختط مراكش وأنشأها في سرح، وصيرها دار الإمارة، وكثرت جيوشه وبعد صيته وتملك الأندلس، ودانت له الأمم، وفي آخر أيامه، بعث رسولا إلى العراق، يطلب عهدا من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، وأقيمت الخطبة العباسية بممالكه، وعهد بالأمر من بعده إلى ابنه علي، الذي خرج عليه ابن تومرت.

سنة إحدى وخمسمائة

فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور ابن دبيس أمير العرب وبين السلطان محمد، فقتل صدقة في المصاف.

وفيها كان الحصار على صور وعلى طرابلس والشام في ضر مع الفرنج.

وفيها توفي تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو يحيى الحميري صاحب القيروان. ملك بعد أبيه وكان حسن السيرة محبا للعلماء، مقصدا للشعراء، كامل الشجاعة، وافر الهيبة. عاش تسعا وسبعين سنة. وامتدت أيامه، وكانت دولته ستا وخمسين سنة. وخلف أكثر من مائة ولد، وتملك بعده ابنه يحيى.

وأبو علي التككي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي، في رمضان. روى عن أبي علي بن شاذان.

وصدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد، الأمير سيف الدولة ابن بهاء الدولة الأسدي الناشري، ملك العرب وصاحب الحلة السيفية اختطها سنة خمس وتسعين وأربع مائة ووقع بينه وبين السلطان فالتقيا، فقتل صدقة يوم الجمعة سلخ حمادي الآخرة، وقتل معه ثلاثة آلاف فارس، وأسر ابنه دبيس، وصاحب جيشه سعيد بن حميد. وكان صدقة شيعيا، له محاسن ومكارم وحلم وجود. ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة. ومات جده سنة ثلاث وسبعين وأربع مائة.

والدوني أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الصوفي، الرجل الصالح، راوي السنن عن أبي نصر الكسار، وكان زاهدا عابدا، سفياني المذهب. توفي في رجب. والدون قرية على يوم من همذان.

وأبو سعد الأسدي، محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي المؤدب. روى عن أبي علي بن شاذان، ضعفه ابن ناصر.

وأبو الفرج القزويني محمد ابن العلامة أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري. فقيه صالح. استملى عليه السلفي مجلسا مشهورا. توفي في المحرم.

سنة اثنتين وخمسمائة

فيها حاصر جاولي الموصل، وبها زنكي بن جكرمش. فنجده السلطان قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش صاحب الروم. ففر جاولي ودخل قلج الموصل، وحلفوا له. ثم التقى جاولي وقلج أرسلان في ذي القعدة، فحمل قلج أرسلان بنفسه، وضرب يد حامل العلم بأبانها، ثم ضرب جاولي بالسيف فقطع الكزاغند، فحمل أصحاب جاولي على الروميين فهزموهم، وبقي قلج أرسلان في الوسط فهمز فرسه ودخل الخابور. فدخل به الفرس في ماء عميق غرقه وطفا بعد أيام فدفن. وساق جاولي فأخذ الموصل وظلم وغشم.

وفيها التقى طغتكين أتابك دمشق، وابن أخت بغدوين بطبرية، فأسره طغتكين وذبحه، وبعث بالأسرى إلى بغداد. ثم عقد بغدوين وطغتكين الهدنة أربع سنين.

وفيها أخذت الفرج حصن عرقة.

وفيها تزوج المستظهر بالله بأخت السلطان محمد.

وفيها ظهرت الإسماعيلية بالشام وملكوا شيزر بحيلة. فجاء عسكرها من الصيد فأصعدهم الذرية في الجبال واقتتلوا بالسكاكين. فخذلت الباطنية وأخذتهم السيوف فلم ينج منهم أحد، وكانوا مائة.

وفيها قتلت الباطنية بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي.

وقتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري، وقيل النيسابوري، الحنفي المفتي، أحد الأئمة، عن خمس وخمسين سنة.

وقتلت بجامع آمل يوم الجمعة في المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، شيخ الشافعية، وصاحب التصانيف وشافعي الوقت. أملى مجالس عن أبي غانم الكراعي، وأبي حفص بن مسرور وطبقتهما وعاش سبعا وثمانين سنة.

وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس.

وفيها توفي أبو القاسم الربعي علي بن الحسين، الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد. روى عن أبي الحسن بن مخلد البزاز وابن بشران. توفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة.

ومحمد بن عبد الكريم بن خشيش، أبو سعد البغدادي، في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة ببغداد. روى عن ابن شاذان.

وأبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة، يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف. أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري. وسمع من سليم بن أيوب بصور. وكان شيخ بغداد في الأدب. توفي في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسمائة

في ذي الحجة أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين، وكان المدد يأتيها من مصر في البحر. وفيها أخذوا بانياس وجبيل.

وفيها أخذ تنكر ابن صاحب أنطاكية طرسوس وحصن الأكراد.

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار ببغداد. روى عن الحرفي وابن شاذان. ضعفه شجاع الذهلي. وتوفي في صفر عن اثنتين وتسعين سنة.

وأبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الدهستاني الرؤاسي الحافظ. طوف خراسان والعراق والشام ومصر، وكتب ما لا يوصف، وروى عن أبي عثمان الصابوني وطبقته. توفي بسرخس.

وأبو سعد المطرز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني في شوال، عن نيف وتسعين سنة.. سمع الحسين الحسين بن إبراهيم الجمال، وأبا علي غلام محسن، وابن عبد كويه. وهو أكبر شيخ للحافظ أبو موسى المديني. سمع منه حضورا.

سنة أربع وخمسمائة

فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف، ثم أخذوا صيدا بالأمان. وأخذ صاحب أنطاكية حصن الأثارب وحصن ذردنا. وعظم المصاب، وتوجه خلق من المطوعة يستصرخون الدولة ببغداد على الجهاد واستغاثوا، وكسروا منبر جامع السلطان، وكثر الضجيج. فشرع السلطان في أهبة الغزو.

وفيها توفي إسماعيل بن أبي الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله. روى عن أبي حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي وطبقتهما. ورحل فأدرك أبا محمد الجوهري ببغداد، توفي في ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة.

وأبو يعلى حمزة بن محمد بن علي الزينبي البغدادي، أخو طراد الزينبي. توفي في رجب وله سبع وتسعون سنة. والعجب كيف لم يسمع من هلال الحفار. روى عن أبي العلاء محمد بن علي الواسطي وجماعة.

وإلكيا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبرستاني الهراسي الشافعي، عماد الدين شيخ الشافعية ببغداد. تفقه على إمام الحرمين. وكان فصيحا مليحا مهيبا نبيلا. قدم بغداد ودرس بالنظامية. وتخرج به الأصحاب. وعاش أربعا وخمسين سنة.

وأبو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصر، شيخ الإقراء. قرأ بالروايات على ابن نفيس، وأبي الطاهر إسماعيل بن خلف، وأبي الحسين الشيرازي وتصدر لقراء.

سنة خمس وخمسمائة

فيها جاءت عساكر العراق والجزيرة لغزو الفرنج، فنازلوا الرها فلم يقدروا، ثم ساروا وقطعوا الفرات، ونازلوا تل باشر خمسة وأربعين يوما فلم يصنعوا شيئا، واتفق موت مقدمهم واختلافهم. فردوا، وطمعت الفرنج في المسلمين، وتجمعوا مع بغدوين فحاصروا صور مدة طويلة.

وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين ابن تاشفين والأدفونش. ونصر المسلمون وقتلوا وأسروا وغنموا ما لا يعبر عنه، وذلت الفرنج.

وفيها توفي أبو محمد بن الآبنوسي عبد الله بن علي البغدادي الوكيل المحدث أخو الفقيه أحمد بن علي. سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري. توفي في جمادى الأولى.

وأبو الحسن بن العلاف علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي الحاجب، مسند العراق، وآخر من حدث عن الحمامي. وكان يقول: ولدت في المحرم سنة ست وأربع مائة، وسمعت من أبي الحسين بن بشران. توفي في المحرم عن مائة إلا سنة. وكان أبوه واعظا مشهورا.

وأبو حامد الغزالي زين الدين حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي، أحد الأعلام. تلميذ لإمام الحرمين، ثم ولاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد. وخرج له الأصحاب، وصنف التصانيف، مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار من العلم. وفي الجملة ما رأى الرجل مثل نفسه. توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطابران قصبة بلاد طوس، وله خمس وخمسون سنة. والغزالي هو الغزال؛ وكذا العطاري وهو العطار والخبازي على لغة أهل خراسان.

سنة ست وخمسمائة

وفيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني العدل. روى عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة وجماعة، أو توفي في العام الآتي.

وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السنجبستي الفرائضي توفي في صفر بسنجبست، وهي على مرحلة من نيسابور. روى عن أبي أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي، وعاش خمسا وتسعين سنة.

والفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوري الصوفي العدل. روى عن أبي حسان المزكي، وعبد الرحمن النصروي وطائفة. وعاش خمسا وثمانين سنة. وهو أخو عبيد القشيري.

وأبو سعد المعمر بن علي بن أبي عمامة البغدادي الحنبلي الواعظ المفتي. كان يبكي الحاضرين ويضحكهم، وله قبول زائد وسرعة جواب وحدة خاطر وسعة دائرة. روى عن ابن غيلان، وأبي محمد الخلال. توفي في ربيع الأول.

سنة سبع وخمسمائة

في المحرم التقى عسكر دمشق والجزيرة وعسكر الفرنج بأرض طبرية، وكانت وقعة مشهورة. فقتلهم المسلمون قتلا ذريعا وأسروهم. وممن أسر ملكهم بغدوين صاحب القدس، لكن لم يعرف، فبذل شيئا للذي أسره فأطلقه. ثم أنجدتهم عساكر انطاكية وطرابلس، وردت المنهزمين فعقب لهم المسلمون، وانحاز الملاعين إلى جبل، ورابط الناس بإزائهم يرمونهم، فأقاموا كذلك ستة وعشرين يوما. ثم سار المسلمون للغلا فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم ما بين القدس إلى عكا. وردت عساكر الموصل، وتخلف مقدمهم مودود عند طغتكين بدمشق وأمر العساكر بالقدوم بالربيع فوثب على مودود باطني يوم جمعة فقتله، وقتلوا الباطني. ودفن مودود عند دقاق بخانكاه الطواويس ثم نقل إلى أصبهان.

وفيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران، ويعرف بخالوه. ثقة زاهد متعبد. ورى عن القاضي أبي الطيب الطبري وطائفة.

ورضوان صاحب حلب ابن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي. ومنه أخذت الفرنج انطاكية. وملكوا بعده ابنه ألب أرسلان الأخرس.

وشجاع بن فارس أبو غالب الذهلي السهروردي ثم البغدادي الحافظ، وله سبع وسبعون سنة. نسخ ما لا يدخل تحت الحصر من التفسير والحديث والفقه لنفسه وللناس، حتى إنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات. روى عن ابن غيلان وعبد العزيز الأزجي، وخلق توفي في جمادى الأولى.

والشاشي المعروف بالمستظهري، فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين. شيخ الشافعية. ولد بميافارقين سنة تسع وعشرين، وتفقه على محمد بن ببيان الكازروني، ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحاق، وابن الصباغ. وصنف وأفتى، وولي تدريس النظامية، وتوفي في شوال، ودفن عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي.

ومحمد بن طاهر المقدسي الحافظ أبو الفضل، ذو الرحلة الواسعة والتصانيف والتعاليق. عاش ستين سنة. وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء، وببغداد من أبي محمد الصريفيني، وبنيسابور من الفضل بن المحب، وبهراة من بيبى، وبأصبهان وشيراز والري ودمشق ومصر من هذه الطبقة. وكان من أسرع الناس كتابة وأذكاهم وأعرفهم بالحديث. والله يرحمه ويسامحه. قال إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر. وقال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت البخاري ومسلم وسنن أبي داود وابن ماجه سبع مرات بالوراقة. توفي ببغداد في ربيع الأول.

وأبو المظفر الأبيوردي محمد بن أبي العباس الأموي المعاوي اللغوي الشاعر الأخباري النسابة، صاحب التصانيف والفصاحة والبلاغة. وكان رئيسا عالي الهمة، ذا بأو وتيه وصلف. توفي بأصبهان مسموما.

وابن اللبانة أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي الأديب. من جلة الأدباء وفحول الشعراء. له تصانيف عديدة في الآداب. وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد.

والمؤتمن بن أحمد بن علي أبو نصر الربعي البغدادي الحافظ، ويعرف.

بالساجي. حافظ محقق، واسع الرحلة، كثير الكتابة، متين الورع والديانة. روى عن أبي الحسين بن النقور، وأبي بكر الخطيب وطبقتهما، بالشام والعراق وأصبهان وخراسان. وتفقه وكتب الشامل عن مؤلفه ابن الصباغ. توفي في صفر عن اثنتين وستين سنة. وكان قانعا متعففا.

سنة ثمان وخمسمائة

فيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصاف طبرية الذي مر.

وفيها مات أحمديل صاحب مراغة. وكان شجاعا جوادا. وعسكره خمسة آلاف. فتكت به الباطنية.

وفيها توفي أحمد بن محمد بن غلبون، أبو عبد الله الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي، وله تسعون سنة. سمّعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي وطائفة. وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث وأبو عمر الطلنمكي وأبو ذر الهروي والكبار. وكان صالحا خيرا عالي الإسناد منفردا.

وألب أرسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان ابن تتش، السلجوقي التركي. تملك وله ست عشرة سنة. فقتل أخويه بتدبير الباب لؤلؤ، وقتل جماعة من الباطنية. وكانوا قد كثروا في دولة أبيه. ثم قدم دمشق ونزل بقلعتها، ثم رجع وفي خدمته طغتكين. وكان سييء السيرة فاسقا. فصله البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين. ثم قتل البابا سنة عشرة.

وأبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ الضرير. ويعرف بابن قيراط. قرأ لابن عامر على الأهوازي ورشأ، وروى الحديث عنهما وعن عبد الوهاب بن برهان. وكان يقرئ من السحر إلى الظهر. توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة.

والنسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الأجزاء العشرين التي خرجها له الخطيب. توفي ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة. قرأ على الأهوازي، وروى عنه وعن سليم، ورشأ، وخلق. وكان ثقة نبيلا محتشما مهيبا سيدا شريفا، صاحب حديث وسنة.

ومسعود السلطان علاء الدولة، صاحب الهند وغزنة، ولد السلطان إبراهيم ابن السلطان مسعود ابن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين. مات في شوال، وتملك بعده ولده أرسلان شاه وهو ابن عمة السلطان ملك شاه.

سنة تسع وخمسمائة

فيها قدم عسكر السلطان محمد الشام وعليهم برسق للانتقام من طغتكين لا للجهاد. فنهبوا حماة وهي لطغتكين. فاستعان بالفرنج فأعانوه. ثم سار برسق فأخذ كفر طاب وهي للفرنج. وساروا إلى المعرة، فساق صاحب أنطاكية فكبس العسكر وكسرهم، ورجع من سلم مع برسق منهزمين نعوذ بالله من الخذلان. واستضرت الفرنج على أهل الشام.

وفيها توفي ابن مسلمة أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ المحتسب صاحب تلك المجالس. قال ابن ناصر: وضع حديثا وكان يخلط. قلت: روى عن ابن ريذة وجماعة.

وأبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الحافظ صاحب كتاب الفردوس وتاريخ همذان وغير ذلك. توفي في رجب عن أربع وسبعين سنة. وغيره أتقن منه. سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملي وطبقته، ورحل فسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري، وكان صلبا في السنة.

وغيث بن علي أبو الفرج الصوري الأرمناري خطيب صور ومحدثها. روى عن أبي بكر الخطيب، ورحل إلى دمشق ومصر، وعاش ستا وستين سنة.

والشريف أبو يعلى بن الهبارية محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور الهجاء.

وأبو البركات بن السقطي هبة الله بن المبارك البغدادي، أحد المحدثين الضعفاء. له معجم في مجلد. كذبه ابن ناصر.

ويحيى بن تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية. نشر العدل وافتتح عدة قلاع لم يتهيأ لأبيه فتحها. وكان جوادا ممدحا عالما كثير المطالعة. توفي فجأة يوم الأضحى، وخلف ثلاثين ابنا، فملك بعده ابنه علي ستة أعوام ومات. فملكوا بعده ابنه الحسن بن علي وهو مراهق. فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، فخاف وفر من المهدية والتجأ إلى عبد المؤمن.

سنة عشر وخمسمائة

فيها حاصر علي بن باديس مدينة تونس، وضيق على صاحبها أحمد ابن خراسان فصالحه على ما أراد.

وفيها كبس طغتكين الفرنج بالبقاع. فقتل وأسر، وكانوا قد جاءوا يعيشون في البقاع، وعليهم بدران بن صنجيل صاحب طرابلس فردوا بأسوأ حال ولله الحمد.

وفيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي الحافظ. رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري وطبقته. وكان عالما فاضلا شاعرا.

وأبو بكر الشيروي عبد الغفار بن محمد بن حسين بن علي بن شيرويه النيسابوري التاجر، مسند خراسان، وآخر من حدث عن الحيري والصيرفي صاحبي الأصم. توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة. قال السمعاني: كان صالحا عابدا رحل إليه من البلاد.

وأبو القاسم الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان، مسند العراق، وآخر من حدث عن ابن مخلد وطلحة الكتاني والحرفي. توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة.

والغسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المقرئ الأديب شيخ الإقراء ببغداد. قرأ على أبي بكر محمد بن علي الخياط وجماعة، وبواسط على غلام الهراس. وحدث عن أبي محمد الخلال وجماعة. ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة.

وأبو الخطاب محمود بن أحمد الكلواذاني، ثم الأزجي شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف. كان إماما علامة، ورعا صالحا، وافر العقل، غزير العلم، حسن المحاضرة، جيد النظم تفقه على القاضي أبي يعلى، وحدث عن الجوهري، وتخرج به أئمة. توفي في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة.

والحنائي أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي، من بيت الحديث والعدالة. سمع أباه أبا القاسم، ومحمدا وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر، وابن سعدان وطائفة: توفي في جمادى الآخرة ع سبع وسبعين سنة.

وأبي النرسي أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ. روى عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة. وعن أبي إسحاق البرمكي وطبقته ببغداد. وناب في خطابة الكوفة. وكان يقول: ما بالكوفة من أهل السنة والحديث إلا أنا. وقال ابن ناصر: كان حافظا متقنا ما رأينا مثله. كان يتهجد ويقوم الليل. وكان أبو عامر العبدري يثني عليه ويقول: ختم به هذا الشأن. توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة. ولقب أبيا لجودة قراءته. وكان ينسخ ويتعفف.

وأبو بكر السمعاني محمد ابن العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الحافظ، والد الحافظ أبي سعد. كان بارعا في الحديث ومعرفته والفقه ودقائقه، والأدب وفنونه، والتاريخ، والوعظ. روى عن محمد بن أبي عمران الصفار، ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته، وبنيسابور من نصر الله الخشنامي وطبقته، وبأصبهان والكوفة والحجاز، وأملى الكثير وتقدم على أقرانه، وعاش ثلاثا وأربعين سنة.

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

فيها غرفت سنجار وانهدم سورها، وهلك خلق، وجر السيل باب المدينة مسيرة مرحلة، فطمة السيل ثم انكشف بعد سنين. وسلم طفل في سرير تعلق بزيتونة ثم عاش وكبر.

وفيها ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد.

فتوفي السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن طغربك بن ميكائيل بن سلجوق التركي، غياث الدين، أبو شجاع. كان فارسا شجاعا فحلا ذا بر ومعروف. استقل بالملك بعد موت أخيه بركياروق وقد تمت لهما حروب عديدة. وخفق محمد أربعة قد ولوا السلطنة: محمود ومسعود وطغريك وسليمان. ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية. وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة ففرق الأموال. وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل وعاش ثمانيا وثلاثين سنة. سامحه الله.

وفيها توفي أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي، راوي سنن الدارقطني عن أبي بكر بن بشران، عنه. وكان رئيسا وافر الجلالة. توفي في شوال عن ست وسبعين سنة.

وأبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي - وبرج من قرى أصبهان - سمع أبا نعيم الحافظ، وأجاز له أبو علي بن شاذان، والحسين الجمال. توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة. وكان صدوقا.

وأبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي مسند العراق. روى عن ابن شاذان، وبشرى الفاتني، وابن دوما، وهو آخر أصحابهم. قال ابن ناصر: فيه تشيع، وسماعه صحيح. بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم، وذلك من أول سنة إحدى عشرة. قلت: توفي بعد ذلك بتسعة أشهر في شوال. وله سنة كاملة، وله شعر وأدب.

وأبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ ابن عبد الله محمد ابن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني، صاحب التاريخ. روى عن ابن ريذه، وأبي طاهر بن عبد الرحيم وطائفة. ثم رحل إلى نيسابور فسمع من البيهقي وطبقته، ودخل بغداد حاجا في الشيخوخة فأملى بها. قال السمعاني: جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، حافظ ثقة، فاضل، مكثر، صدوق كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد من التكلف، أوحد بيته في عصره. صنف تاريخ أصبهان. توفي في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة. وآخر أصحابه الطرسوسي.

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

في الثالث والعشرين من ربيع الآخر توفي الإمام المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير محمد بن القائم العباسي، وله اثنتان وأربعون سنة. وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر. وكان قوي الكتابة جيد الأدب والفضيلة، كريم الأخلاق، مسارعا في أعمال البر. توفي بالخوانيق، وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة، وصلى عليه ابنه المسترشد بالله الفضل. وخلف جماعة أولاد.

وتوفيت جدته أرجوان بعده بيسير. وهي سرية محمد الذخيرة.

وشمس الأئمة أبو الفضل بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزرنجري، الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار، ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة. ولد سنة سبع وعشرين وأربع مائة، وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السرخسي، وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني. وسمع من أبيه ومن أبي مسعود البجلي وطائفة. وروى البخاري عن أبي سهل الأبيوردي عن ابن حاجب الكشاني. توفي في شعبان.

ونور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي أخو طراد. توفي في صفر، وله اثنتان وتسعون سنة. وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق. روى عن ابن غيلان وطبقته. وحدث بالصحيح غير مرة عن كريمة المروزية. وكان صدرا نبيلا علامة.

وأبو القاسم الأنصاري العلامة سلمان بن ناصر النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين، وصاحب التصانيف. وكان صوفيا زاهدا من أصحاب القشيري. روى الحديث عن أبي الحسن عبد الغافر الفارسي وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.

وعبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري التاجر مسند نيسابور. روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن النصروي وطائفة. ودخل المغرب للتجارة وحدث هناك. توفي في شعبان وله خمس وتسعون سنة.

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

فيها كانت وقعة هائلة بخراسان بين سنجر وبين ابن أخيه محمود بن محمد. فانكسر محمود، ثم وقع الاتفاق وتزوج بابنة سنجر.

وفيها اجتمع طغتكين صاحب دمشق وإيل غازي على حرب الفرنج. فبرز صاحب أنطاكية في عشرين ألفا فالتقوا بنواحي حلب، فانهزم الملعون واستبيح عسكره. ولله الحمد.

وفيها كانت الفتنة بين صاحب مصر الآمر وأتابكه الأفضل ابن أمير الجيوش. وتمت لهما خطوب، ودس على الأمير من سمه مرارا فلم يمكن.

وفيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه السلام وإسحاق ويعقوب، ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم، وعندهم في تلك المغار قناديل من ذهب وفضة. قاله حمزة بن القلانسي في تاريخه.

وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على أربع مائة مجلد. وكان إماما مبرزا كثير العلوم خارق الذكاء مكبا على الاشتغال والتصنيف، عديم النظير. روى عن أبي محمد الجوهري، وتفقه على القاضي أبي يعلى وغيره، وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد وأبي القاسم بن التبان. قال السلفي: ما رأيت مثله، وما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته. توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وثمانون سنة.

وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي، ولي القضاء بضعا وعشرين سنة. وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة. روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة. وتفقه على والده. توفي في المحرم عن أربع وستين سنة.

وأبو الفضل بن الموازيني محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي العابد أخو أبي الحسن. روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة.

وأبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي المحدث النحوي، أحد الفضلاء. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق، وكان ينسخ بالأجرة. وفيه زهد وورع تام.

وخوروست أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد. روى عن أبي الحسين بن فاذشاه، وابن ريذة، توفي في جمادى الأولى.

ومحمد بن عبد الباقي، أبو عبد الله الدوري السمسار الصالح روى هن الجوهري وأبي طالب العشاري ومات في صفر عن تسع وسبعين سنة.

وأبو سعد المخرمي المبارك بن علي الحنبلي. من كبار أئمة المذهب. تفقه على الشريف أبي جعفر بن أبي موسى. وروى عن القاضي أبي يعلى وجماعة، وأقرأ الفقه.

سنة أربع عشرة وخمسمائة

فيها خرجت الكرج والخزر فالتقاهم المسلمون في ثلاثين ألفا عليهم دبيس بن صدقة وإيلغازي. فانكسر المسلمون وتبعهم الكفار يأسرون ويقتلون، فيقال قتل أكثرهم. ونجا دبيس وطغريل أخو السلطان محمود. ثم نازلت الكرج تفليس وأخذوها بالسيف بعد حصار سنة. ولا كشف عنها أحد وفيها كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه مسعود صاحب أذربيجان والموصل وله يومئذ إحدى عشرة سنة. فالتفوا عند عقبة أسد آباذ. فانهزم مسعود وأسر وزيره الطغرائي فقتل.

وفي هذا الوقت كان ظهور ابن تومرت بالمغرب.

وفيها توفي أبو علي بن بليمة الحسن بن خلف القيرواني المقرئ مؤلف تلخيص العبارات من القراءات توفي في رجب بالأسكندرية. وهو في عشر التسعين. قرأ على جماعة منهم أبو العباس أحمد بن نفيس.

والطغرائي الوزير مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني، صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملكشاه، واتصل بابنه مسعود، ثم أخذ الطغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود في ربيع ألأول،، وقد نيف عل الستين. وكان من أفراد الدهر، وحامل لواء النظم والنثر. وهو صاحب لامية العجم.

وأبو علي بن سكرة، الحافظ الكبير حسين بن محمد بن فيره الصدفي السرقسطي الأندلسي. سمع من أبي العباس بن دلهاث وطائفة. وحج سنة إحدى وثمانين. فدخل على الحبال. وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته. وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي بكر الشاشي المستظهري. وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسي. ورد إلى بلاده بعلم جم. وبرع في الحديث وفنونه، وصنف التصانيف وقد أكره على القضاء فوليه، ثم اختفى حتى أعفي. واستشهد في مصاف قتندة في ربيع الأول وهو من أبناء الستين وأصيب المسلمون يومئذ.

وأبو نصر عبد الرحيم بن الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري. وكان إماما مناظرا مفسرا أديبا علامة متكلما، وهو الذي كان أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة. ثم فتر أمره. وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته. وآخر من روى عنه بسبطه أبو سعد بن الصفار. توفي في جمادى الآخرة وهو في عشر الثمانين، وأصابه فالج وهو في آخر عمره.

وأبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المريي المقرئ، تلميذ عبد الله بن سهل. تصدر للإقراء مدة. وحدث، عن ابن عبد البر وجماعة. وفي روايته عن ابن عبد البر كلام. توفي في عشر التسعين.

وأبو الحسن بن الموازيني علي بن الحسن السلمي، أخو محمد. روى عن ابن سعدان، وابن عبد الرحمن بن أبي نصر وطائفة، وعاش أربعا وثمانين سنة.

ومحمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر، راوي المعجم الكبير عن ابن فاذشاه، عن مؤلفه الطبراني، وله ثلاث وتسعون سنة. توفي في ذي القعدة. قال السلفي: كان صالحا.

سنة خمس عشرة وخمسمائة

فيها احترقت دار السلطنة ببغداد، وذهب ما قيمته ألف ألف دينار.

وفيها توفي أبو علي الحداد الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني المقرئ المجود مسند الوقت. توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة. وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية. حمل الكثير عن أبي نعيم، وكان خيرا صالحا ثقة.

والأفضل أمير الجيوش شاهنشاه أبو القاسم ابن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني. كان في الحقيقة هو صاحب الدار المصرية. ولي بعد موت أبيه وامتدت أيامه. وكان شهما مهيبا بعيد الغور فحل الرأي. ولى وزارة السيف والقلم للمستعلي، ثم للآمر. وكانا معه صورة بلا معنى. وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم، وأمات شعار دعوة الباطنية، فمقتوه لذلك. وكان مولده بعكا سنة ثمان وخمسين وأربع مائة. وخلف من الأموال ما يستحى من ذكره. وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه. وحمل بآخر رمق، وقيل إن الآمر دسهم عليه بتدبير أبي عبد الله البطائحي الذي وزر بعده ولقب بالمأمون.

وأبو القاسم بن القطاع السعدي الصقلي صاحب اللغة. واسمه علي بن جعفر بن علي. ولد بصقلية، وأخذ بها عن ابن عبد البر اللغوي، وبرع في العربية، وصنف التصانيف، ومات بها وله اثنتان وثمانون سنة. وفي روايته للصحاح مقال.

وأبو علي بن المهدي محمد بن محمد بن عبد العزيز الخطيب. روى عن ابن غيلان والعتيقي وجماعة. وكان صدوقا نبيلا ظريفا. توفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة.

وهزار سب بن عوض، أبو الخير الهروي الحافظ. توفي في ربيع الأول. وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغه. وحرص على الطلب. سمع من طراد ومن بعده. ومات قبل أوان الرواية.

سنة ست عشرة وخمسمائة

فيها توفي إيل غازي بن أرتق بن أكسب نجم الدين التركماني صاحب ماردين. وليها بعد أخيه سقمان. وكان من أمراء تتش صاحب الشام. وكان إيلغازي قد استولى على حلب بعد موت أولاد تتش، واستولى على ميافارقين. وكان فارسا شجاعا كثير الغزو كثير العطاء. ولي بعده ماردين ابنه حسام الدين تمرتاش.

والباقرجي أبو علي الحسن بن محمد بن إسحاق. روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي، وخلق. توفي في رجب.

والبغوي محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن الفراء الشافعي المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان. روى عن أبي عمر المليحي، وأبي الحسن الداودي وطبقتهما. وكان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده، فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت. وكان أبه يصنع الفراء. توفي ركن الدين محيي السنة بمروالروذ في شوال، ودفن عند شيخه القاضي حسين.

وأبو محمد بن السمرقندي الحافظ عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث، أخو إسماعيل. ولد بدمشق وسمع بها من أبي بكر الخطيب، وابن طلاب وجماعة، وببغداد من أبي الحسين بن النقور. ورحل إلى نيسابور وأصبهان، وعني بالحديث، وخرج لنفسه معجما في مجلد، وعاش اثنتين وسبعين سنة.

وأبو القاسم بن الفحام الصقلي عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف، مصنف التجريد في القراءات كان أسند من بقي بالديار المصرية من القراءات قرأ على ابن نفيس وطبقته، ونيف على التسعين. توفي في ذي القعدة.

وأبو طالب اليوسفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي، في ذي الحجة، وهو في عشر التسعين. روى الكتب الكبار عن ابن المذهب والبرمكي. وكان ثقة عدلا رضيا عابدا.

وأبو طالب السميرمي علي بن أحمد الوزير. وزر ببغداد للسلطان محمود، فظلم وفسق وتجبر ومرق، حتى قتل على يد الباطنية.

وأبو محمد الحريري صاحب المقامات، القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الأديب، حامل لواء البلاغة، وفارس النظم والنثر. كان من رؤساء بلده. روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسن وغيره، وعاش سبين سنة. توفي في رجب، وخلف ولدين: النجم عبد الله وضياء الإسلام عبيد الله قاضي البصرة.

والدقاق أبو عبد الله محمد بن عبد بن عبد الواحد الأصبهاني الحافظ الرحال عن ثمانين سنة. روى عن عبد الله بن شبيب الخطيب والباطرقاني وعبد الرحمن بن أحمد الرازي. وعني بهذا الفن، وكتب عمن دب ودرج وكان محدثا أثريا فقيرا متقللا. توفي في شوال.

سنة سبع عشرة وخمسمائة

في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الأسدي. وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد. وجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل، فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم. وقتل من جيش الخليفة نحو العشر ين، وعاد مؤيدا منصورا. وذهب دبيس فعاث ونهب، وقتل بنواحي البصرة.

وفيها توفي ابن الطيوري أبو سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد، في رجب، عن ثلاث وثمانين سنة. وكان صالحا. أكثر بإفادة أخيه المبارك. وروى عن ابن غيلان والخلال، وأجاز له الصوري وأبو علي الأهوازي.

وابن الخياط الشاعر المشهور أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي التغلبي، الكاتب الدمشقي. ويعرف بابن سني الدولة، الطابلسي. عاش سبعا وستين سنة. وكتب أولا لبعض الأمراء ثم مدح الملوك والكبار، وبلغ في النظم الذروة العليا. أخذ يجلب عن أبي الفتيان محمد بن حيوس، وعنه أخذ ابن القيسراني. قال السلفي: كان شاعر الشام في زمانه. قد اخترت من شعره مجلدة لطيفة فسمعتها منه. قال ابن القيسراني: وقع الوزير هبة الله بن بديع لابن الخياط مرة بألف دينار. توفي في رمضان بدمشق.

وحمزة بن العباس العلوي أبو محمد الأصبهاني الصوفي. روى عن أبي طاهر بن عبد الرحيم. توفي في جمادى الأولى.

وظريف بن محمد بن عبد العزيز أبو الحسن الحيري النيسابوري. روى عن أبي حفص بن مسرور وطائفة. وكان ثقة من أولاد المحدثين. توفي في ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة.

وأبو محمد الشنتريني عبد الله بن محمد بن سارة البكري، الشاعر المفلق اللغوي. له ديوان معروف.

وأبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني، الحافظ، مؤلف أطراف الصحيحين. كان عجبا في الإحسان إلى الرحالة وإفادتهم، مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة. روى عن عبد الله بن منده. ولقي بنيسابور أبا المظفر موسى بن عمران وطبقته، وبهراة العميري، وببغداد النعالي. توفي في جمادى الأولى عن أربع وخمسين سنة.

وأبو الغنائم بن المهتدي بالله محمد بن أحمد بن محمد الهاشمي الخطيب. روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وأبو الحسن الزعفراني محمد بن مرزوق البغدادي الحافظ التاجر. أكثر من ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب. وسمع بدمشق ومصر وأصبهان. توفي في صفر عن خمس وسبعين سنة. وكان متقنا ضابطا بفهم ويذاكر.

وأبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري. روى عن ابن حمصة، وأبي الحسن الطفال، وعلي بن محمد الفارسي، وعدة. وكان أسند من بقي بمصر، مع الثقة والخير. توفي في ذي القعدة عن سن عالية.

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

فيها كسر بلك بن بهرام بن أرتق صاحب حلب الفرنج. ثم نازل منبج فجاءه سهم فقتله. فحمله ابن عمه تمرتاش صاحب ماردين إلى ظاهر حلب، وتسلم حلب، وأقام بها ناسا، ورد إلى ماردين فراحت حلب منه.

وفيها أخذت الفرنج صور بالأمان. وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وست مائة.

وفيها توفي داود ملك الكرج الذي أخذ تفليس من قريب. وكان عادلا في الرعية. يحضر يوم الجمعة ويسمع الخطبة ويحترم المسلمين.

والحسين بن الصباح، صاحب الألموت وزعيم الإسماعيلية. وكان داهية ماكرا زنديقا من شياطين الإنس.

وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه. قال السلفي: كان من أفقه الفقهاء بمصر، عليه تفقه أكثرهم. قلت: أخذ عن نصر المقدسي، وسمع من أبي بكر الخطيب وجماعة. وعاش ستا وسبعين سنة. توفي في هذه السنة أو في التي تليها.

وأبو طاهر الشيخ عبد الواحد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الذهبي آخر أصحاب أبو نعيم توفي في ربيع الأول.

وأبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الغرناطي الحافظ. توفي في جمادى الآخرة بغرناطة عن سبع وسبعين سنة. روى عن الأندلسيين، ورحل سنة تسع وستين، وسمع الصحيحين بمكة. قال ابن بشكوال: كان حافظا للحديث وطرقه وعلله عارفا بأسماء رجاله ونقلته، ذاكرا لمتونه ومعانيه. قرأت بخط بعض أصحابي أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة. وكان أديبا لغويا دينا فاضلا. أخذ الناس عنه كثيرا.

سنة تسع عشرة وخمسمائة

فيها سار الخليفة لمحاربة دبيس، فخارت قوى دبيس وطلب العفو وذل. وكان معه طغرلبك بن السلطان محمد فمرض ثم سار هو ودبيس إلى خراسان فاستجارا بسنجر فأجارهما. ثم قبض على دبيس خدمة للخليفة.

وفيها توفي أبو الحسن بن الفراء الموصلي ثم المصري علي بن الحسين بن عمر راوي المجالسة عن عبد العزيز بن الضراب. وقد روى عن كريمة وطائفة، وانتخب عليه السلفي مائة جزء. مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة.

وابن عبدون الهذلي التونسي أبو الحسن علي بن عبد الجبار. لغوي المغرب.

وأبو عبد الله بن البطائحي المأمون وزير الديار المصرية للآمر. كان أبوه جاسوسا للمصريين، فمات وربي محمد هذا يتيما. فصار يحمل في السوق. فدخل مع الحمالين إلى دار أمير الجيوش فرآه شابا ظريفا فأعجبه. فاستخدمه مع الفراشين، ثم تقدم عنده، ثم آل أمره إلى أن ولي الأمر بعده. ثم إنه مالا أخا الآمر على قتل الآمر، فأحسن الآمر بذلك فأخذه وصلبه. وكانت أيامه ثلاث سنين.

وأبو البركات بن البخاري يعني المبخر البغدادي المعدل، هبة الله ابن محمد بن علي. توفي في رجب عن خمس وثمانين سنة. روى عن ابن غيلان وابن المذهب والتنوخي.

سنة عشرين وخمسمائة

يوم الأضحى خطب المسترشد بالله، فصعد المنبر ووقف ابنه ولي العهد الراشد بالله دونه، بيده سيف مشهور. وكان المكبرون خطباء الجوامع. ونزل فنحر بيده بدنة، وكان يوما مشهودا لا عهد للإسلام بمثله منذ دهر.

وفيها توفي أبو الفتوح الغزالي أحمد بن محمد الطوسي الواعظ. شيخ مشهور فصيح مفوه صاحب قبول تام لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه. وهو أخو الشيخ أبي حام. وعظ مرة عند السلطان محمود فأعطاه ألف دينار، ولكنه كان رقيق الديانة متكلما في عقيدته. حضر يوسف الهمذاني في الزاهد عنه، فسئل عنه فقال: مدد كلامه شيطاني لا رباني، ذهب دينه والدنيا لا تبقى له. قلت: توفي بقزوين.

وآقسنقر البرسقي قسيم الدولة. ولي إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود، ثم ولي بغداد، ثم سار إلى الموصل، ثم كاتبه الحلبيون فتملك حلب ودفع عنها الفرنج. قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة، وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة. وكان دينا عادلا عالي الهمة. قتل خلقا من الإسماعيلية.

وأبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي، محدث قرطبة. روى عن ابن عبد البر، وأبي العباس العذري، وأبي الوليد الباجي. وكان من جلة العلماء. عاش ثمانين سنة.

وصاعد بن سيار، أبو العلاء الإسحاقي الهروي الدهان. قرأ عليه ابن ناصر ببغداد جامع الترمذي عن أبي عامر الأزدي. قال السمعاني: كان حافظا متقنا، كتب الكثير. وجمع الأبواب وعرف الرجال.

وأبو محمد بن عتاب عبد الرحمن بن محمد بن عتاب القرطبي، مسند الأندلس. أكثر عن أبيه، وعن حاتم الطرابلسي، وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار. وكان عارفا بالقراءات واقفا على كثير من التفسير واللغة والعربية والفقه، مع الحلم والتواضع والزهد. وكانت الرحلة إليه. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.

وأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي، قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها. روى عن أبي علي الغساني، وأبي مروان بن سراج وخلق. كان من أوعية العلم. له تصانيف مشهورة، عاش سبعين سنة.

وأبو عبد الله محمد بن بركان بن هلال الصعيدي المصري النحوي اللغوي، البحر الحبر، وله مائة سنة وثلاثة أشهر. توفي في ربيع الآخر. روى عن عبد العزيز بن الضراب والقضاعي، وسمع البخاري من كريمة بمكة.

وأبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري الأندلسي المالكي نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. أخذ عن أبي الوليد الباجي، ورحل فأخذ السنن عن أبي علي التستري، وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته، وتفقه على أبي بكرالشاشي. قال ابن بشكوال: كان إماما عالما زاهدا ورعا دينا متواضعا متقشفا متقلالا من الدنيا راضيا باليسير. قلت: عاش سبعين سنة. وتوفي في جمادى الأولى.

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

فيها أقبل السلطان محمود بن محمد ملكشاه في جيشه محاربا للمسترشد بالله وتحول أهل بغداد كلهم إلى الجانب الغربي، ونزل محمود والعسكر بالجانب الشرقي، وتراموا بالنشاب، وترددت الرسل في الصلح، فلم يقبل الخليفة فهدمت دور الخلافة. فغضب الخليفة وخرج من المخيم، والوزير ابن صدقة بين يديه، فقدموا السفن في دفعة واحدة، وعبر عسكر الخليفة، وألبسوا الملاحين السلاح، وسبح العيارون، وصاح المسترشد: يال بني هاشم: فتحركت النفوس معه. هذا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب، فلما رأوا الجد ذلوا وولوا الأدبار، ومل فيهم السيف اسر منهم خلق، وقتل جماعة أمراء. ودخل الخليفة إلى داره. وكان معه يومئذ قريب من الثلاثين ألف مقاتل بالعوام. ثم وقع الصلح.

وفيها ورد الخبر بأن سنجر صاحب خراسان قتل من الباطنية اثني عشر ألفا.

ومرض السلطان محمود وتعلل بعد الصلح. فرحل إلى همذان وولي بغداد الأمير عماد الدين زنكي بن آقسنقر. ثم صرف بعد أشهر، وفوض إليه الموصل. فسار إليها لموت متوليها مسعود بن آقسنقر البرسقي.

وفيها توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي. شريف صالح خير. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وعاش ثمانين سنة. ختم التراويح ليلة وعشرين ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات.

وأبو الحسن الدينوري علي بن عبد الواحد. روى عن القرويني وأبي محمد الخلال وجماعة. وهو أقدم شيخ لابن الجوزي، توفي في جمادى الآخرة.

وأبو الحسن بن الفاعوس علي بن المبارك البغدادي! الحنبلي الزاهد الإسكاف. كان يقص يوم الجمعة، وللناس فيه عقيدة لصلاحه وتقشفه وإخلاصه. روى عن القاضي أبي يعلى وغيره.

وأبو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي، مقرئ العراق وصاحب التصانيف في القراءات. أخذ عن أبي علي غلام الهراس، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة. وفيه ضعف وكلام. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

في أولها تمللك حلب عماد الدين زنكي.

وفيها سار السلطان محمود إلى خدمة عمه سنجر فأطلق له دبيس بن صدقة وقال: إعزل زنكي عن الموصل والشام وول دبيسا، واسأل الخليفة أن يصفح عنه. فأخذه ورجع.

وفيها توفي طغتكين ابن أتابك، وأبو منصور ظهير الدين. وكان من أمراء تتش السلجوقي بدمشق. فزوجه بأم ولده دقاق. ثم إنه صار أتابك دقاق، ثم تملك دمشق. وكان شهما مهيبا مدبرا سائسا، له مواقف مشهورة مع الفرنج. توفي في صفر، ودفن بتربته قبلي المصلى. وملك بعده ابنه تاج الملوك بوري، فعدل ثم ظلم.

وأبو محمد الشنتريني ثم الإشبيلي الحافظ عبد الله بن أحمد. روى الصحيح عن ابن منظور عن أبي ذر، وسمع من حاتم بن محمد وجماعة. قال ابن بشكوال: كان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، وبالجرح والتعديل، ثقة، كتب الكثير، واختص بأبي علي الغساني، وله تصانيف في الرجال، توفي في صفر. قلت: عاش ثمانيا وسبعين سنة.

وابن صدقة الوزير أبو علي الحسن بن علي بن صدقة، جلال الدين وزير المسترشد. كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل، توفي في رجب.

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

فيها ولي الوزارة علي بن طراد للمسترشد بالله وصممم الخليفة على أن لا يولي دبيسا شيئا، وأصلح زنكي نفسه بأن يحمل للسلطان في السنة مائة ألف دينار وخيلا وثيابا فأقره.

وفيها في رمضان هجم دبيس بنواحي بغداد ودخل الحلة، وبعث إلى المسترشد يقول: إن رضيت عني رددت أضعاف ما ذهب من الأموال. فقصه عسكر محمود، دخل البرية بعد أن أخذ من العراق نحو خمس مائة ألف دينار.

وفيها أخذ زنكي حماة من بوري بن طغتكين وأسر صاحبها سونج بن بوري. ثم نازل حمص فلم يقدر عليها. فأخذ مع سونج ورد إلى الموصل. فاشتري بوري بن طغتكين ولده سونج منه بخمسين ألف دينار، ثم لم يتم ذلك. فمقت الناس زنكي على غدره وعسفه.

وفيها قتل بدمشق نحو سنة آلاف ممن كان يرمى بعقيدة الإسماعيلية. وكان قد دخل الشام بهرام الأسدآباذي وأضل خلقا، ثم إن طغتكين ولاه بانياس فكانت سبة من سبات طغتكين. وأقام بهرام له داعيا بدمشق فكثر أتباعه بدمشق، وملك هو عدة حصون بالشام. منها القدموس. وكان بوادي التيم طوائف من الدرزية والنصيرية والمجوس قد استغواهم الضحاك فحاربهم بهرام فهزموه، وكان المزدغاني وزير دمشق يعينهم، ثم راسل الفرنج ليسلم إليهم دمشق فيما قيل ويعوضوه بصور، وقرر مع الباطنية بدمشق أن يغلقوا أبواب الجامع والناس في الصلاة. ووعد الفرنج أن يهجموا على البلد ساعتئذ. فقتله بوري وعلق رأسه، وبذل السيف في الباطنية الإسماعيلية بدمشق في نصف رمضان يوم الجمعة. فسلم بهرام بانياس للفرنج، وجاءت الفرنج فنازلت دمشق. وسار عبد الوهاب بن الحنبلي في طائفة يستصرخ أهل بغداد على الفرنج، فوعدوا بالإنجاد، ثم تناخى عسكر دمشق والعرب والتركمان فبيتوا الفرنج فقتلوا وأسروا ولله الحمد.

وفيها توفي جعفر بن عبد الواحد أبو الفضل الثقفي الأصبهاني الرئيس. روى عن ابن مندة وطائفة، وعاش تسعا وثمانين سنة.

والمزدغاني الوزير كمال الدين طاهر بن سعد، وزير تاج الملوك بوري بن طغتكين. مر أنه قتل وعلق رأسه على القلعة.

وأبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي. سمع الكتب من جده، ومن أبي يعلى الصابوني وجماعة. وحدث ببغداد. وكان قليل الفصيلة. توفي في جمادى الأولى وله أربع وسبعون سنة.

ويوسف بن عبد العزيز أبو الحجاج الميورقي الفقيه العلامة نزيل الإسكندرية، وأحد الأئمة الكبار. تفقه ببغداد على ألكيا الهراسي، وأحكم ألأصول والفروع. وروى البخاري عن واحد عن أبي ذر، ومسلما عن أبي عبد الله الطبري. وله تعليقة في الخلاف. توفي في آخر السنة. قال السلفي: حدث بالترمذي وخلط في إسناده.

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

فيها التقى زنكي الفرنج بنواحي حلب وثبت الجمعان ثباتا كليا، ثم ولت الفرنج، ووضع السيف فيهم، وأسر خلقا. وافتتح زنكي حصن الأثارب عنوة، وكان له في أيديهم سنوات فخربه، ونازل حصن حارم فمنها ذلت الفرنج مع ما جرى منذ أشهر من كسرتهم على دمشق.

وفيها وزر بدمشق الرئيس مفرج بن الصوفي.

وفيها أخذ السلطان محمود قلة الألموت.

وفيها ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة من أطفال.

وفيها توفي أبو إسحاق الغزي إبراهيم بن عثمان شاعر العصر وحامل لواء القريض. وشعره كثير سائر متنقل في بلد الجبال وخراسان. وتوفي بناحية بلخ، وله ثلاث وثمانون سنة.

والإخشيذ إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السراج التاجر. قرأ القرآن على جماعة، وروى الكثير عن ابن عبد الرحيم وأبي القاسم بن أبي بكر الذكواني وطائفة. وعمر ثمانيا وثمانين سنة.

والبارع وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدباس المقرئ الأديب الشاعر. وهو من ذرية القاسم بن عبد الله وزير المعتضد. توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن علي الخياط وغيره، وروى عن أبي جعفر بن المسلمة، وله مصنفات وشعر فائق.

وابن الغزال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل المصري المجاور.

شيخ صالح مقرئ. قد سمع السلفي في سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة من إسماعيل الحافظ عنه، وسمع القضاعي وكريمة. وعمر دهرا.

وفاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الأصبهانية. سمعت من ابن ريذة معجمي الطبراني سنة خمس وثلاثين، وعاشت تسعا وتسعين سنة. توفيت في شعبان.

وأبو الأغر قراتكين بن ألأسعد الزجي. روى عن الجوهري. وكان عاميا. توفي في رجب ببغداد.

وأبو عامر العبدري محمد بن سعدون بن مرجا الميورقي، الحافظ الفقيه الظاهر نزيل بغداد. أدرك أبا عبد الله البانياسي والحميدي، وهذه الطبقة. قال ابن عساكر: كان فقيها على مذهب داود. وكان أحفظ شيخ لقيته. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهما عاليا متعففا مع فقرة. وقال السلفي: كان من أعيان علماء الإسلام، متصرفا في فنون من العلوم. وقال ابن عساكر: بلغني أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله ليس كمثله شيء أي في الإلهية. فأما في الصورة فمثلنا. ثم يحتج بقوله لستن كأحد من النساء إن اتقيتن أي في الحرمة.

ومحمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، المدعي أنه علوي حسني وأنه المهدي. رحل إلى المشرق ولقي الغزالي وطائفة. وحصل فنا من العلم والأصول والكلام. وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة، زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا عميق الفكر بعيد الغور، فصيحا مهيبا، لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد. ولكن جره إقدامه وجرأته إلى حب الرئاسة والظهور وارتكاب المحظور ودعوى الكذب والزور من أنه حسني، وهو هرغي بربري، وأنه إمام معصوم، وهو بالإجماع مخصوم. فبدأ أولا بالإنكار بمكة، فآذوه، فقدم مصر وأنكر، فطردوه. فأقام بالثغر مدة فنفوه، وركب البحر فشرع ينكر على أهل المركب ويأمر وينهى ويلزمهم بالصلاة. وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر. فنزل بالمهدية في غرفة، فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلا غيرة بيده ولسانه. فاشتهر، وصار له زبون وشباب يقرأون عليه في الأصول. فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له. فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء. فتحول إلى بجاية وأنكر بها. فأخرجوه، فلقي بقرية ملالة عبد المؤمن ابن علي شابا مختطا مليحا. فربطه عليه وأفضى إليه بسره وأفاده جملة من العل: وصار معه نحو خمسة أنفس. فدخل مراكش وأنكر كعادته، فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدا للذريعة، وخوفا من الغائلة. وكانوا بمسجد داثر بظاهر مراكش. فأحضرهم وعقد لهم مجلسا حافلا، فواجهه ابن تومرت بالحق المحض ولم يحابه، ووبخه ببيع الخمر جهارا وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين، وبنحو ذلك من الذنوب. وخاطبه بكيفية ووعظ. فذرفت عينا الملك وأطرق، فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء وفهموا مرام ابن تومرت. فقيل للملك: إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينار وإلا أنفقت عليهم خزانتك. فهون الوزير أمرهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فصرفه الملك وطلب منه الدعاء واشتهر اسمه وتطالعت النفوس إليه. وسار إلى أغمات، وانقطع بجبل تينمل، وتسارع إليه أهل الجبل يتبركون به. فأخذ يستميل الشباب الأغتام والجهلة الشجعان، ويلقي إليهم ما في نفسه، وطالت المدة، وأصحابه يكثرون وهو يأخذهم بالديانة والتقوى ويحضهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق. وورد أنه كان حاذقا في ضرب الرمل، قد وقع بجفر فيما قيل واتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطفت الصحفة منه فقال له المعبر هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر. وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها. وكان أهل المغرب على طريقة السلف ينافرون الكلام وأهله. ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهدي ويشوق إليه، ويروي الأحاديث التي وردت فيه. فتلهفوا على لقائه. ثم روى ظمأهم وقال: أنا هو. وساق لهم نسبا ادعاه، وصرح بالعصمة. وكان عل طريقة مثلى لا ينكر معها العصمة. فبادروا إلى متابعته، وصنف لهم تصانيف مختصرات. وقوي أمره في سنة خمس عشرة وخمس مائة. فلما كان في سنة سبع عشرة جهز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينمل والسوس وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين من المرابطين، فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم: فإن أجابوكم وإلا فقاتلوهم. وقدم عليهم عبد المؤمن. فالتقاهم الزبير ولد أمير المسلمين. فانهزمت المصامدة ونجا عبد المؤمن. ثم التقوهم مرة أخرى فنصرت المصامدة واستفحل أمرهم، وأخذوا في شن الإغارات على بلاد ابن تاشفين، وكثر الداخلون في دعوتهم، وانضم إليهم كل مفسد ومريب، واتسعت عليهم الدنيا، وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر، لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة وبأنه المهدي وبتسرعه في الدماء. وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق، فيفتنون به. وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر مهيبا طويل الصمت حسن الخشوع والسمت. وقبره مشهور معظم. ولم يملك شيئا من المدائن إنما مهد الأمور وقرر القواعد فبغته الموت. وكانت الفتوحات والممالك لعبد المؤمن. وقد طولت ترجمة هذين في تاريخي الكبير. والله أعلم.

والآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلي بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر بن الحاكم العبيدي الرافضي صاحب مصر. كان فاسقا مستهترا ظالما، امتدت دولته. ولما كبر وتمكن قتل وزيره الأفضل، وأقام في الوزارة البطائحي المأمون، ثم صادره وقتله. ولي الخلافة سنة خمس وتسعين وهو ابن خمس سنين. فانظر إلى هذه الخلافة الباطلة من وجوه: أحدها السن. الثاني: عدم النسب فإن جدهم دعي في بني فاطمة بلا خلاف. الثالث: أنهم خوارج على الإمام. الرابع خبث المعتقد الدائر بين الرفض والزندقة. الخامس: تظاهره بالفسق. وكانت أيامه ثلاثين سنة. خرج في ذي القعدة إلى الجيزة فكمن له قوم بالسلاح، فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف. ولم يعقب. وبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد المجيد ابن الأمير محمد بن المستنصر، فبقي إلى عام أربعمة وأربعين، وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العينين عاقلا ماكرا مليح الخط. ولقد ابتهج الناس بقتله لعسفه وظلمه وجوره وسفكه الدماء وإدمانه الفواحش.

وأبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الحافظ، وله ثمانون سنة. سمع أباه، وأبا القاسم الحنائي، وأبا بكر الخطيب وطبقتهم. ولزم أبا محمد الكتاني مدة. وكان ثقة فهما شديد العناية بالحديث والتاريخ، كتب الكثير وكان من كبار العدول، توفي في سادس المحرم.

وأبو سعد المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري. روى عن عبد الغافر الفارسي وأبي عثمان الصابوني وطائفة. وعاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان ثقة جليلا خيرا. وتوفي في جمادى الأولى.

سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو مسعود بن المجلي أحمد بن علي البغدادي البزاز. شيخ مبارك عامي. روى عن القاضي أبي يعلى وابن المسلمة وطبقتهما.

وأبو المواهب بن ملوك الوراق، أحمد بن محمد بن عبد الملك البغدادي، عن خمس وثمانين سنة. وكان صالحا خيرا. روى عن القاضي أبي الطيب الطبري والجوهري.

وأبو نصر الطوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه، نزيل الموصل. تفقه على الشيخ أبي إسحاق، وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة.

والشيخ حماد بن مسلم الدباس أبو عبد الله الرحبي، الزاهد القدوة، نشأ ببغداد، وكان له معمل للدبس. وكان أميا لا يكتب. له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات. دونوا كلامه في مجلدات. وكان شيخ العارفين في زمانه. وكان ابن عقيل يحط عليه ويؤذيه. وهو شيخ الشيخ عبد القادر. توفي في رمضان.

وأبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإيادي الإشبيلي، طبيب الأندلس، وصاحب التصانيف. أخذ عن أبيه. وحدث عن أبي علي الغساني وجماعة. ونال دنيا عريضة ورئاسة كبيرة. وله شعر رائق. نكب في الآخر من الدولة.

وعين القضاة الهمذاني أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي، الفقيه العلامة الأديب، وأحد من كان يضرب به المثل في الذكاء. دخل في التصوف ودقائقه وتعانى إشارات القوم حتى ارتبط عليه الخلق، ثم صلب بهمذان على تلك الألفاظ الكفرية. نسأل الله العفو.

وأبو عبد الله الرازي صاحب السداسيات والمشيخة، محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد المعروف ابن الحطاب، مسند الديار المصرية، وأحد عدول الإسكندرية. توفي في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة. سمعه أبوه الكثير من مشيخة مصر: ابن حمصة والطفال وأبي القاسم الفارسي وطبقتهم.

وأبو غالب الماوردي محمد بن الحسن بن علي البصري، في رمضان ببغداد، وله خمس وسبعون سنة. روى عن أبي علي التستري، وأبي الحسين بن النقور وطبقتهما. وكان ناسخا فاضلا صالحا. دخل إلى أصبهان والكوفة وكتب الكثير وخرج المشيخة.

والسلطان محمود ابن السطان محمد بن ملكشاه، مغيث الدين السلجوقي. ولي بعد أبيه سنة اثنتي عشرة، وخطب له ببغداد وغيرها، ولعمه سنجر معا. وكان له معرفة بالنحو والشعر والتاريخ. توفي بهمذان، وولي بعده طغريل سنتين، ثم مسعود. وكان قد حلفهم لابنه داود بن محمود فلم يتم له أمر.

وأبو القاسم بن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني البغدادي الكاتب الأزرق مسند العراق. ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين. وسمع من ابن غيلان وابن المذهب والحسن بن المقتدي، والتنوخي. وهو آخر من حدث عنهم. وكان دينا صحيح السماع، توفي في رابع عشر شوال.

ويحيى بن المسرف بن علي أبو جعفر المصري التمار. روى عن أبي العباس بن نفيس. وكان صالحا من أولاد المحدثين. توفي في رمضان.

سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها كانت الوقعة بناحية الدينور بين السلطان سنجر وبين ابني أخيه سلجوق ومسعود. قال ابن الجوزي: كان مع سنجر مائة وستون ألفا، ومع مسعود ثلاثون ألفا. وبلغت القتلى أربعين ألفا. وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدين. وقتل قراجا أتابك سلجوق.

وجاء مسعود لما رأى القلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه وأعاده إلى كنجة وقرر سلطنة بغداد لطغربل ورد إلى خراسان وفيها التقى المسترشد بالله زنكي ودبيسا وكانا في سبعة آلاف قدما ليأخذا سلطنة بغداد. وشهر المسترشد يومئذ السيف. وحمل بنفسه، وكان في ألفين. فانهزم وزنكي وقتل من عسكرهما خلق.

وفيها كانت وقعة على همذان بين طغريل السلطان وبين حاشية أخيه محمدو، ومعهم ابن أستاذهم داود صبي أمرد. فانهزموا.

وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري. سجن بعد قتل أبيه مدة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ. فأخرجوا الأكمل وولي وزارة السيف والقلم. وكان شهما هيبا عالي الهمة كأبيه وجده. فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور، وأخذ أكثر ما في القصر، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية،، لأنه كان سنيا كأبيه، لكنه أظهر التمسك بالإمام المنتظر، وأبطل من الأذان " حي على خير العمل " وغير قواعد القوم. فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه. فركب للعب الكرة في المحرم، فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة، وأخرجوا الحافظ، ونزل إلى دار الأكمل، واستولى على خزائنه، واستوزر يانس مولاه. فهلك بعد عام.

وأبو العز بن كادش أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي العكبري، قي جمادى الأولى، عن تسعين سنة. وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي. وروى عن الجوهري والعشاري والقاضي أبي الطيب. وكان قد طلب الحديث بنفسه، وله فهم. قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلصا.

وبوري تاج الملوك صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي. وكانت دولته أربع سنين. قفز عليه الباطنية فجرح وتعلل أشهرا، ومات في رجب، وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل. وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما. سد مسد أبيه، وعاش ستا وأربعين سنة.

وعبد الله بن أبي جعفر المرسي العلامة أبو محمد المالكي. انتهت إليه رئاسة المالكية. توفي في رمضان. وقد روى عن أبي حاتم بن محمد، وابن عبد البر، والكبار، وسمع بمكة صحيح مسلم من أبي عبد الله الطبري.

وعبد الكريم بم حمزة، أبو محمد السلمي الدمشقي الحداد، مسند الشام. روى عن أبي القاسم الحنائي، والخطيب، وأبو الحسين بن مكي. وكان ثقة. توفي في ذي القعدة.

والقاضي أبو الحسين بن الفراء محمد ابن القاضي أبي يعلى محمد ابن الحسين البغدادي الحنبلي، وله أربع وسبعون سنة. سمع أباه، وعبد الصمد ابن المأمون وطبقتهما. وكان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه، صلبا في السنة، كثير الحط على الأشاعرة. استشهد ليلة عاشوراء، وأخذ ماله ثم قتل قاتله. ألف طبقات الحنابلة.

سنة سبع وعشرين وخمسمائة

فيها قدمت التركمان فأغاروا على أعمال طرابلس، فالتقاهم فرنج طرابلس، فهزمتهم التركمان. ثم وقع الخلف بين ملوك الفرنج بالشام وتحاربوا.

وفيها واقع عسكر حلب الفرنج وقتلوا منهم نحو الألف.

وفيها سار المسترشد بالله في اثني عشر ألفا إلى الموصل، فحاصرها ثمانين يوما، وبها زنكي، ثم ترحل خوفا على بغداد من دبيس والسلطان مسعود.

وفيها أخذ شمس الملوك إسماعيل حصن بانياس من الفرنج بالسيف وقلعتها بالأمان.

وفيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي مسند العراق، وله اثنتان وثمانون سنة. مات في صفر. سمع الجوهري وأبا يعلى بن الفراء وطائفة. وله مشيخة مروية.

وأبو العباس بن الرطبي أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد الكرخي. برع في المذهب وغوامضه على الشيخين أبي إسحاق وابن الصباغ، حتى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة، ثم علم أولاد الخليفة.

وأسعد الميهني العلامة مجد الدين أبو الفتح شيخ الشافعية في عصره وعالمهم، وأبو سعيد صاحب التعليقة. تفقه بمر وغزنة، وشاع فضله وبعد صيته، وولي نظامية بغداد مرتين. وخرج له عدة تلامذة. وكان ذكاء. تفقه على أبي المظفر بن السمعاني والموفق الهروي. وكان يرجع إلى دين وخوف.

وأبو نصر اليونارتي الحسن بن محمد بن إبراهيم الحافظ. ويونارت قرية على باب أصبهان. سمع أبا بكر بن ماجه، وأبا بكر بن خلف الشيرازي وطبقتهما. ورحل إلى هراة وبلخ وبغداد. وعني بهذا الشأن. وكان جيد العرفة. توفي في شوال وقد جاوز الستين.

وابن الزاغواني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر البغدادي شيخ القراءات، وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن ابن المسلمة والصريفيني، وقرأ القراءات، وبرع في المذهب والأصول والوعظ. وصنف التصانيف واشتهر اسمه، توفي في المحرم وشيعته أمم.

ومحمد بن أحم بن صاعد، أبو سعيد النيسابوري الصاعدي، وله ثلاث وثمانون سنة. وكان رئيس نيسابور وقاضيها وعالمها وصدرها. روى عن أبي الحسن عبد الغافر وابن مسرور.

وأبو بكر المزرفي محمد بن الحسين الفرضي الحنبلي ببغداد، وله ثمان وثمانون سنة. قرأ القراءات على أصحاب الحمامي، وسمع أبا جعفر بن المسلمة وطائفة. مات ساجدا في أول يوم من السنة.

وأبو خازم بن الفراء الحنبلي محمد ابن القاضي أبي يعلى. ولد سنة سبع وخمسين، ومات أبوه وله سنة. فسمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وبرع في المذهب والأصول والخلاف، وفاق أهل زمانه بالزهد والديانة، صنف كتاب التبصرة في الخلاف ورؤوس المسائل وشرح مختصر الخرقي وغير ذلك.

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فيها جاء الحمل من صاحب الموصل زنكي ورضي عنه الخليفة.

وفيها قدم رسول السلطان سنجر فأكرم، وأرسل إليه المسترشد بالله خلفه عظيمة الحظر بمائة وعشرين ألف دينار ثم عرض المسترشد جيشه فبلغوا خمسة عشر ألفا في عدد وزينة لم ير مثلها. وجدد المسترشد قواعد الخلافة وأحي رميمها ونشر عظامها وهابته الملوك.

وفيها توفي الشيخ أبو الوفاء أحمد بن علي الشريازي الزاهد الكبير صاحب الرباط والأصحاب والمريدين ببغداد. وكان يحضر السماع.

وأبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي، صاحب الفلسفة. وكان ماهرا في علوم ألأوائل: الطبيعي والرياضي والإلهي، كثير التصانيف، بديع النظم. عاش ثمانيا وستين سنة. وكان رأسا في معرفة الهيئة والنجوم والموسيقى. تنقل في البلاد ومات غريبا.

وأبو علي الفارقي الحسن بن إبراهيم شيخ الشافعية. ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، وتفقه على محمد بن بيان الكازوني، ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحاق وحفظ عليه المهذب وتفقه على ابن الصباغ، وحفظ عليه الشامل. وكان ورعا زاهدا، صاحب حق، مجودا لحفظ الكتابين يكرر عليهما. وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة، وولي قضاء واسط مدة. وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة. وعليه تفقه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون.

وأبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي الشروطي. روى عن الخطيب وابن المسلمة، وتوفي في ذي الحجة.

سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فيها بعث المسترشد إلى مسعود بالخلع والتاج، ثم نفذ إليه جاولي شحنة بغداد مستحثا له على الخروج من بغداد، وأمره إن ماطل أن يرمي مخيمه. ثم أحس المسترشد من مسعود الشر، فأخرج السرادق وبرزت الأمراء. وجاء الخبر بموت طغريل، فساق مسعود إلى همذان، فاختلف عليه الجيش، وجاء منهم جماعة إلى الخليفة فأخبروا بخبث نيته.

وفيها أخذ زنكي المعرة من الفرنج، وبقيت في أيديهم سبعا وثلاثين سنة.

ثم إن الأخبار تواترت بأن مسعودا قد حشد وجمع وعلى خيالته دبيس. فطلب المسترشد زنكي وهو محاصر دمشق ليقدم، فنفذ مسعود خمسة آلاف فكبسوا مقدمة المسترشد وأخذوا خيلهم وأمتعتهم. فروا إلى بغداد بأسوإ حال، ثم جبرهم الخليفة، وسار في سبعة آلاف. وكان مسعود بهمذان في بضعة عشر ألفا، فالتقوا في رمضان، فانهزم عسكر الخليفة وأحيط به وبخواصه، وأخذت خزائنه، وكان معه على البغال آلاف ألف دينار، ولم يقتل سوى خمسة أنفس، وحصل المسترشد في أسر مسعود، وأقام أهل بغداد يوم العيد عليه شبه المأتم، وهاشوا على شحنة مسعود. ثم أمر الأجناد والعامة فقتل مائة وخمسون نفسا. وأشرفت بغداد على النهب. ثم أمر الشحنة فنودي: سلطانكم جاثي بين يدي الخليفة، وعلى كتفه الغاشية. فسكنوا.

وأما مسعود فسار ومعه الخليفة معتقلا إلى مراغة، وبها داود بن محمود. فأرسل سنجر يهدد مسعودا ويخوفه وأمره أن يتلافى الأمر وأن يعيد المسترشد إلى دسته، ويمشي في ركابه. فسارع إلى ذلك. واتفق أن مسعودا ركب في جيشه ليلقى بظاهر مراغة. وجلس السلطان للعزاء، ووقع البكاء والنوح. وجاء الخبر إلى ولده الراشد فيايعوه ببغداد طول الليل، وأقام عليه البغداديون مأتما ما سمع بمثله قط. وكانت خلافة المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد القائم الهاشيم العباسي سبع عشرة سنة ونصف سنة. استحلف بعد أبيه وسن إذ ذاك سبع وعشرون سنة. واستشهد في سابع عشر ذي القعدة وله خمس وأربعون سنة. وقيل إن الباطنية جهزهم عليه مسعود. ولم يل الخلافة بعد المعتضد بالله أشهم منه. كان بطلا شجاعا مقداما شديد الهيبة، ذا رأي ويقظة وهمة عالية. وقد روى عن أبي القاسم بن بيان الرزاز.

وشمس الملوك أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين. ولي دمشق بعد أبيه. وكان وافر الحرمة موصوفا بالشجاعة كثير الإغارة على الفرنج. أخذ منهم عدة حصون، وحاصر أخاه ببعلبك مدة، لكنه كان ظالما مصادرا جبارا مسودنا. فرتبت أمه زمرد خاتون من وثب عليه فيقلعة دمشق في ربيع الأول. وكانت دولته نحو ثلاث سنين، وترتب بعده في الملك أخوه محمود، وصار أتابكه معين الدين أنر الطغتكيني فبقي أربع سنين وقتله غلمانه.

والحسن ابن الحافظ لدين الله عبد المجيد العبيدي المصري، ولي عهد أبيه ووزيره. ولي ثلاثة أعوام، فظلم وغشم وفتك، حتى إنه قتل في ليلة أربعين أميرا. فخافه أبوه وجهز لحربه جماعة، فالتقاهم واختبطت مصر، ثم دس عليه أبوه من سقاه السم فهلك.

ودبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأغر ولد الأمير سيف الدولة الأسدي، صاحب الحلة. كان فارسا مقداما جوادا ممدحا أديبا كثير الحروب والفتن. خرج على المسترشد بالله غير مرة، ودخل خراسان والشام والجزيرة، واستولى على كثير من العراق. وكان مسعر حرب وجمرة بلاء. قتله السلطان مسعود بمراغة في ذي الحجة. وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد. فلله الحمد على قتله.

وظافر بن القاسم الحداد الجذامي الإسكندري الشاعر المحسن، صاحب الديوان.

وأبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي الحافظ الأديب صاحب تاريخ نيسابور ومصنف مجمع الغرائب ومصنف المفهم في شرح مسلم، وكان إماما في الحديث وفي اللغة والأدب والبلاغة. عاش ثمانيا وسبعين سنة. وأكثر الأسفار، وحدث عن جده لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته. وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون.

وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التجيبي القرطبي المالكي محمد بن أحمد بن خلف. روى عن أبي علي الغساني وطائفة. وكان من جلة العلماء وكبارهم، متبحر في العلوم والآداب. ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه، مع الدين والخشوع. قتل ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة عن إحدى وسبعين سنة.

سنة ثلاثين وخمسمائة

فيها جاء أمير من جهة السلطان مسعود يطلب من الراشد بالله سبع مائة ألف دينار. فاستشار الأعيان فأشاروا عليه بالتجنيد. فرد على مسعود بقوة نفس. وأخذ يتهيأ. فانزعج أهل بغداد وعلقوا السلاح. ثم إن الراشد قبض على إقبال الخادم وأخذت حواصله، فتألم العسكر لذلك وشغبوا، ووقع النهب. ثم جاء زنكي وسأل في إقبال سؤالا تحته إلزام. فأطلق له. ثم قبض الراشد على أستاذ داره، ثم خرج بالعساكر، فجاء عسكر مسعود فنازلوا بغداد، وقاتلهم الناس وخامر جماعة أمراء إلى الراشد. ثم بعد أيام وصل رسول مسعود يطلب من الراشد الصلح فقرئت مكاتبته على الأمراء فأبوا إلا القتال. فأقبل مسعود في خمسة آلاف راكب، ودام الحصار، واضطرب عسكر الخليفة، والقصة فيها طول. ثم كاتب مسعود زنكي ووعده، ومناه وكتب إلى أمراء زنكي: إنكم إن قتلتم زنكي أعطيتم بلاده. وعرف زنكي فرحل هو والراشد ونزل بغداد. فدخلها مسعود فأظهر القول واجتمع إليه الأعيان والعلماء وحطوا على الراشد. وبالغ في ذلك علي بن طراد، وقيل بل أخرج مسعود خط الراشد يقول إني متى جندت انعزلت ثم نهض علي بن طراد بأعباء القضية واجتمع بالقضاة والمفتين وخوفهم وأرهبهم إن لم يخلعوا الراشد. وكتب محضرا فيه: إن أبا جعفر بن المسترشد بدا منه سوء فعال وسفك دماء، وفعل ما لا يجوز أن يكون معه إماما. وشهد بذلك جماعة. ثم حكم ابن الكرجي وهو قاض بخلعه في ذي القعدة. وأحضروا محمد بن المستظهر فبايعوه ولقبوه المقتفي لأمر الله. ثم أخذ مسعود جميع ما في دار الخلافة حتى لم يدع في دار الخلافة سوى أربعة أفراس. فقيل إنهم بايعوه على أن لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر. وبايعه مسعود يوم عرفة.

وفيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل فأسروا وسبوا وغنموا، وشرع أمر الفرنج يتضعضع.

وفيها توفي نصر البئار إبراهيم بن الفضل الأصبهاني الحافظ. روى عن أبي الحسين بن النقور وخلق. قال ابن السمعاني: رحل وسمع، وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوف مثله، أو جمع الأبواب كجمعه إلا أن الإدبار لحقه في آخر الأمر. وكان يقف في سوق أصبهان ويروي من حفظه بسنده. وسمعت أنه يضع في الحال. وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: اشكر الله كيف ما لحقته. وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرات.

وسلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة، وناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى.

وعلي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني، أبو الحسن المالكي النحوي الزاهد شيخ دمشق ومحدثها. روى عن أبي القاسم السميساطي وأبي بكر الخطيب وعدة. قال السلفي: لم يكن في وقته مثله بدمشق. كان زاهدا عابدا ثقة. وقال ابن عساكر: كان متحرزا متيقظا منقطعا في بيته بدرب النقاشة أو بيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع، مفتيا يقرئ الفرائض والنحو.

وأبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكى، راوي مسند الروياني عن أبي الفضل الرازي توفي في ذي القعدة.

وأبو عبد الله محمد بن حمويه الجويني، الزاهد، شيخ الصوفية بخراسان. له مصنف في التصوف. وكان زاهدا قدوة عارفا بعيد الصيت. روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة، وعاش اثنتين وثمانين سنة. وهو جد بني حمويه.

وأبو بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني مسند أصبهان في زمانه، وآخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب. كان صالحا صحيح السماع. توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة. وآخر أصحابه عين الشمس.

وأبو عبد الله الفراوي، محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي النيسابوري فقيه الحرم. راوي صحيح مسلم عن الفارسي. روى عن الكبار ولقي ببغداد أبا نصر الزينبي، وتفرد بكتب كبار، وصار مسند خراسان. وكان شافعيا مفتيا مناظرا. صحب إمام الحرمين مدة، وعاش تسعين سنة. توفي في شوال.

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

فيها دفع زنكي الراشد المخلوع عن الموصل، فسار نحو أذربيجان، وتسلل الناس عنه، وبقي حائرا. فنفذ مسعود ألفي فارس ليأخذوه، ففاتهم، وجاء إلى مراغة. فبكى عند قبر أبيه، وحثا على رأسه التراب. فرق له أهل مراغة، وقام معه داود بن السلطان ولد محمود. فالتقى داود ومسعود فقتل خلق من جيش مسعود. وصادر مسعود الرعية ببغداد وعسف.

وفيها سار عسكر دمشق، فالتقوا فرنج طرابلس فكسروهم ولله الحمد.

وفيها هزم الأتابك زنكي الفرنج بالشام، وأخذ منهم قلعة بعرين ثم سار إلى بعلبك فتملكها.

وفيها توفي إسماعيل بن أبي القاسم القارئ، أبو محمد النيسابوري روى عن أبي الحسن عبد الغافر، وأبي حفص بن مسرور. وكان صوفيا صالحا ممن خدم أبا القاسم القشيري. ومات في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد روى صحيح مسلم كله.

وتميم بن أبي سعيد أبو القاسم الجرجاني. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي سعد الكنجروذي والكبار. وكان مسند هراة في زمانه. توفي ي هذه السنة أو في التي قبلها.

وطاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الاسفراييني الدمشقي الصائغ، عن إحدى وثمانين سنة. سمع أباه وأبا بكر الخطيب، وأبا القاسم الحنائي وطائفة. وكان ضعيفا. قال ابن عساكر: حك اسم أخيه وكتب بدله اسمه.

وأبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الحافظ الصدوق. رحل وروى عن ابن النقور، وأبي صالح المؤذن، والفضل بن المحب وطبقتهم، بخراسان والعراق والحجاز والنواحي. قال ابن السمعاني: ما أعرف أن في عصره أحدا سمع أكثر منه. توفي في ذي القعدة.

وأبو القاسم بن الطبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي المقرئ. قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الخياط، وهو آخر أصحابه، وسمع من أبي إسحاق البرمكي وجماعة. وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه. توفي في جمادى الآخرة عن ست وتسعين سنة.

وأبو عبد الله يحيى ين الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي. روى عن أبي الحسين بن الآبنوسي، وعبد الصمد بن المأمون. وكان ذا علم وصلاح. توفي في ربيع الأول.

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

فيها قويت شوكة الراشد بالله وكثرت جموعه فلم ينشب أن قتل.

وفيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ. قال ابن السمعاني: ثقة حافظ، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه. سمع أبا القاسم بن منده، وأبا الحسين بن النقور، والفضل بن المحب وطبقتهم. وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل التيمي الحافظ. توفي في رمضان. قلت: عاش ثلاثا وثمانين سنة.

وأحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ بقي ابن مخلد، أبو القاسم القرطبي المالكي. أحد الأئمة. روى عن أبيه، وابن الطلاع. وأجاز له أبو العباس بن دلهاث. توفي في سلخ العام عن سبع وثمانين سنة.

والفقيه أبو بكر الدينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد الحنبلي. من أئمة الحنابلة ببغداد. تفقه على أبي الخطاب. وروى عن رزق الله.

وإسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن الفقيه، أبو سعد النيسابوري الشافعي. روى عن أبيه، وأبي حامد الأزهري وطائفة. وتفقه على إمام الحرمين، وبرع في الفقه، ونال جاها ورئاسة عند سلطان كرمان. توفي ليلة الفطر وله نيف وثمانون سنة.

وسعيد بن أبي الرجاء محمد بن بكر، أبو الفج الأصبهاني الصيرفي الخلال السمسار. توفي في صفر عن سن عالية. فإنه سمع سنة ست وأربعين من أحمد ابن محمد بن النعمان القصاص. وروى مسند أحمد بن منيع ومسند العدني ومسند أبي يعلى وأشياء كثيرة، وكان صالحا ثقة.

وعبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن، أبو المظفر القشيري النيسابوري، آخر أولاد الشيخ وفاة. عاش سبعا وثمانين سنة. وحدث عن سعيد البحيري والبيهقي والكبار. وأدرك ببغداد أبا الحسين بن النقور وجماعة.

وأبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب الأندلسي، أحد الأئمة. أجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأكثر عن أبي العباس ابن دلهاث العذري، وصنف تفسيرا وكتابا في الأصول. وعمر إحدى وتسعين سنة.

وعلي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين، والد عبد الوهاب بن سكينة. روى الجعديات عن الصريفيني. وكان خيرا زاهدا، يصوم صوم داود. وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد. عاش أربعا وثمانين سنة.

وفاطمة بنت علي بن المظفر بن زعبل، أم الخير البغدادية الأصل النيسابورية المقرئة. روت صحيح مسلم وغريب الخطابي عن أبي الحسن الفارسي. وعاشت سبعا وتسعين سنة. وكانت تلقن النساء. وقيل توفيت في العام المقبل.

وأبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك الفقيه الشافعي، شيخ الكرج وعالمها ومفتيها. قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه مفت محدث أديب. أفنى عمره في طلب العلم ونشره. وروى عن مكي السلار وجماعة. قلت: له قصيدة مشهور في السنة. توفي في شعبان في عشر الثمانين.

والراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي. خطب له بولاية العهد أكثر أيام والده، وبويع بعده. وكان شابا أبيض مليحا تام الشكل، شديد البطش، شجاع النفس، حسن السيرة، جوادا كريما شاعرا فصيحا، لم تطل دولته. خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان، فخلعوه لذنوب ملفقة، فدخل مراغة وعسكر منها، وسار إلى أصبهان معه السلطان داود بن محمود، فحاصرها وتمرض هناك. فوثب عليه جماعة من الباطنية. قتلوه وقتلوا. وقيل قتلوه صائما يوم سادس وعشرين رمضان، وله ثلاثون سنة. وخلف نيفا وعشرين ابنا. وقد غزا أهل همذان وعبرها في أيام عزله، وظلم وعسف وقتل كغيره.

ونوشروان بن محمد بن خالد الوزير، أبو نصر القاشاني. وزر للمسترشد والسلطان محمود. وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم، وفيه دين وحلم وجود مع تشيع قليل. توفي في رمضان وقد شاخ.

وأبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله ابن مغيث القرطبي العلامة، أحد الأئمة بالأندلس. كان رأسا في الفقه وفي الحديث، وفي الأنساب والأخبار، وفي علو الإسناد. روى عن أبي عمر بن الحذاء، وحاتم بن محمد، والكبار. وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة.

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

قال أبو الفرج بن الجوزي: فيها كانت زلزلة عظيمة بجنزة أتت على مائة ألف وثلاثين ألفا أهلكتهم. فسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: جاء الخبر إنه خسف بجنزة وصار مكان البلد ماء أسود. وأما ابن الأثير فذكر ذلك في سنة أربع الآتية وأن الذين هلكوا مائتا ألف وثلاثون ألفا.

وفيها اختلف السلطان سنجر وخوارزم شاه أتسز. فالتقيا، فانهزم خوارزم شاه وقتل ولده. وملك سنجر البلد. وأقام بها نائبا. فلما رجع جاء إليها خوارزم شاه فهرب النائب منه.

وفيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي. روى عن جماعة وانفرد بالإجازة عن أبي عمرو الداني.

وزاهر بن طاهر أبو القاسم الشحامي النيسابوري، المحدث المستملي الشروطي. مسند خراسان. روى عن أبي سعد الكنجروذي والبيهقي وطبقتهما. ورحل في الحديث أولا وآخرا. وخرج التخاريج، وأملى نحوا من ألف مجلس. ولكنه كان يخل بالصلوات، فتركه جماعة لذلك. توفي في ربيع الآخر.

وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم السلمي الدمشقي الشافعي مدرس الغزالية وألأمينية، ومفتي الشام في عصره. صنف في الفقه والتفسير، وتصدر للإشغال والرواية. فحدث عن أبي نصر بن طلاب، وعبد العزيز الكتاني وطائفة. وأول ما درس بمدرسة أمين الدولة سنة أربع عشرة وخمس مائة.

ومحمود بن بوري بن طغتكين، الملك شهاب الدين، صاحب دمشق. ولي بعد تل أخيه شمس الملوك إسماعيل. وكان أمه زمرد هي الكل. فلما تزوج بها الأتابك زنكي وسار إلى حلب قام بتدبير المملكة معين الدين أنر الطغتكيني، فوثب عليه جماعة من المماليك فقتلوه في شوال وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملكوه.

وهبة الله بن سهل السيدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري. فقيه صالح متعبد عالي الإسناد. روى عن أبي حفص بن مسرور، وأبي يعلى الصابوني والكبار. توفي في صفر.

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

فيها حاصر دمشق زنكي.

وفيها توفي أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل. روى عن أبي المليحي ومحلم الضبي. توفي في صفر.

ومحمد بن بوري بن طغتكين صاحب دمشق جمال الدين، كان ظالما سيء السيرة. ولي دمشق عشرة أشهر. ومات في شعبان. وأقيم بعده ابنه أبق، صبي مراهق.

ويحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي الزكي، أبو الفضل القرشي الدمشقي قاضي دمشق وأبو قضاتها سمع من عبد العزيز الكتاني وطائفة، ولزم الفقيه نصر المقدسي مدة. توفي في ربيع الأول.

ويحيى بن بطريق الطرسوسي ثم الدمشقي. روى عن أبي بكر الخطيب وأبي الحسين محمد بن مكي، توفي في رمضان.

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فيها ألح زنكي على دمشق بالحصار، وخرب قرى المرج، وعاث بحوران، ثم التقاه عسكر دمشق وقتل جماعة، ثم ترحل إلى الشرق.

وفيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ الكبير، قوام السنة أبو القاسم التيمي الطلحي الأصبهاني. روى عن أبي عمرو بن منده وطبقته، بأصبهان، وأبي نصر الزيني ببغداد، ومحمد بن سهل السراج بنيسابور. ذكره أبو موسى المديني فقال: أبو القاسم إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه. أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين، ثم فلج بعد مدة، وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى سنة خمس. وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربع مائة. وقال ابن السمعاني: هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر. وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، وأملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس. وقال أبو عامر العبدري: ما رأيت شابا ولا شيخا قط مثل إسماعيل التيمي، ذاكرته فرأيته حافظا للحديث عارفا بكل علم متفننا. وقال أبو موسى: صنف شيخنا إسماعيل التفسير في ثلاثين مجلدة كبار، وسماه الجامع. وله الإيضاح في التفسير أربع مجلدات. والموضح في التفسير ثلاث مجلدات. وله المعتمد في التفسير عشر مجلدات. وتفسير بالعجمي عدة مجلدات، رحمه الله.

ورزين بن معاوية أوب الحسن العبدري الأندلسي السرقطسي مصنف تجريد الصحاح. روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذر، وكتاب مسلم عن الحسين الطبري. وجاور بمكة دهرا. وتوفي في المحرم.

وأبو منصور القزاز عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي، ويعرف بابن زريق. روى عن الخطيب وأبي جعفر بن المسلمة، والكبار. وكان صالحا كثير الرواية. توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة.

وعبد الوهاب بن شاه، أبو الفتوح الشاذياخي النيسابوري التاجر. سمع من القشيري رسالته ومن أبي سهل الحفصي صحيح البخاري، ومن طائفة. توفي في شوال.

وأبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي العكبري الشافعي المقرئ. روى عن أبي جعفر بن المسلمة وأبي بكر الخطيب وطائفة. توفي في صفر.

وتوفي أخوه عبد الجبار بعده بثلاثة أشهر. وروى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة. وكان الأصغر.

ومحمد بن عبد الباقي بن محمد، القاضي أبو بكر الأنصاري البغدادي الحنبلي. البزاز، مسند العراق، ويعرف بقاضي المارستان. حضر أبا إسحاق البرمكي، وسمع من علي بن عيسى الباقلاني، وأبي محمد الجوهري، وأبي الطيب الطبري وطائفة. وتفقه على القاضي أبي يعلى، وبرع في الحساب والهندسة، وشارك في علوم كثيرة، وانتهى إليه علو الإسناد في زمانه. توفي في رجب، وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر. قال ابن السمعاني: ما رأيت أجمع للفنون منه، نظر في كل علم. وسمعته يقول: تبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه.

ويوسف بن أيوب أبو يعقوب الهمذاني الزاهد شيخ الصوفية بمرو، وبقية مشايخ الطريق العاملين. تفقه على الشيخ أبي إسحاق فأحكم مذهب الشافعي، وبرع في المناظرة، ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه. وروى عن الخطيب وابن المسلمة والكبار. وسمع بأصبهان وبخارى وسمرقند. ووعظ وخوف، وانتفع به الخلق. وكان صاحب أحوال وكرامات توفي في ربيع الأول عن أربع وتسعين سنة.

سنة ست وثلاثين وخمسمائة

فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين الترك الكفرة بما وراء النهر أصيب فيها المسلمون، وأفلت سنجر في نفر يسير، بحيث أنه وصل بلخ في ستة أنفس، وأسرت زوجته وبنته. وقتل في جيشه مائة ألف أو أكثر. وقيل إنه أحصي من القتلى أحد عشر ألف صاحب عمامة، وأربعة آلاف امرأة. وكانت الترك في ثلاث مائة ألف فارس.

وأبو سعد الزوزني أحمد بن محمد الشيخ أبي الحسن علي بن محمود بن ماخوة الصوفي. روى عن القاضي أبي يعلى الفراء، وأبي جعفر بن المسلمة والكبار. توفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة. قال ابن ناصر: كان متسمحا، فرأيته في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأنا في الجنة.

وأبو العباس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي الصوفي الزاهد. قال ابن بشكوال: كان مشاركا في أشياء من العلم، ذا عناية بالقراءات، وجمع الروايات والطرق وحملتها وكان متناهيا في الفضل والدين منقطعا إلى الخير. وكان العباد وأهل الزهد يقصدونه ويألفونه. قلت: لما كثر أتباعه توهم السلطان وخاف أن يخرج عليه. فطلبه، فأحضر إلى مراكش فتوفي في الطريق قبل أن يصل. وقيل: توفي بمراكش في صفر، وله ثمان وسبعون سنة. وكان من أهل المرية.

وإسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القاسم بن السمرقندي الحافظ ولد بدمشق سنة أربع وخمسين، وسمع بها من الخطيب وعبد الدائم الهلالي، وابن طلاب، والكبار، وببغداد من الصريفيني فمن بعده. قال أبو العلاء الهمداني: ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق. توفي في ذي القعدة.

وعبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري الشافعي المفتي، إمام جامع نيسابور. تفقه على إمام الحرمين وسمع البيهقي والقشيري وجماعة. توفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة.

وابن برجان، وهو أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي، العارف شيخ الصوفية ومؤلف شرح الأسماء الحسنى توفي غريبا بمراكش. قال ابن الأبار: كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقق بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد والاجتهاد في العبادة. وقبره بإزاء قبر ابن العريف.

وشرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد ابن محمد الأنصاري الشيرازي، ثم الدمشقي. الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ورئيسهم. وهو واقف المدرسة الحنبلية بدمشق. توفي في صفر، وكان ذا حرمة وحشمة وقبول وجلالة ببلده.

وأبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدث، مصنف المعلم في شرح مسلم كان من كبار أئمة زمانه. توفي في ربيع الأول وله ثلاث وثمانون سنة. مازر بفتح الزاي وكسرها بليدة بجزيرة صقلية.

وهبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاوس، أبو محمد البغدادي، إمام جامع دمشق. ثقة مقرئ محقق. ختم عليه خلق. وله اعتناء بالحديث. روى عن أبي العباس بن قبيس، وأبي عبد الله ابن أبي الحديد، وببغداد من البانياسي وطائفة، وبأصبهان من ابن شكرويه وطائفة وهو آخر أصحاب ابن أبي لقمة.

ويحيى بن علي، أبو محمد بن الطراح المدبر. روى عن عبد الصمد بن المأمون وأقرانه. وكان صالحا ساكنا. توفي في رمضان.

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمد، واستولى على مملكته مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية.

والحسين بن علي سبط الخياط البغدادي المقرئ أبو عبد الله. قال ابن السمعاني: شيخ صالح دين حسن الإقراء. يأكل من كد يده. سمع الصريفيني وابن المأمون والكبار.

وأبو الفتح بن البيضاوي، القاضي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه. سمع أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وكان متحريا في أحكامه. توفي جمادى الأولى ببغداد.

وعلي بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين صاحب المغرب. كان يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم، وذم للكلام وأهله. ولما وصلت إليه كتب أبي حامد أمر بإحراقها وشدد في ذلك، ولكنه كان مستضعفا مع رؤوس أمرائه، فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته. فتغافل وعكف على العبادة. وتوثب عليه ابن تومرت، ثم صاحبه عبد المؤمن. توفي في رجب عن إحدى وستين سنة. وتملك بعده ابنه تاشفين.

وعمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي السمرقندي الحنفي الحافظ، ذو الفنون. يقال له مائة مصنف. روى عن إسماعي بن محمد النوحي فمن بعده، وله أوهام كثيرة.

وكوخان سلطان الترك والخطا الذي هزم المسلمين وفعل الأفاعيل في السنة الماضية، واستولى على سمرقند وغيرها. هلك في رجب ولم يمهله الله. وكان ذا عدل على كفره، تملك بعده بنته مديدة، وهلكت فولي بعدها أمها.

ومحمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز، القاضي المنتخب، أبو المعالي القرشي الدمشقي الشافعي قاضي دمشق، وابن قاضيها، القاضي الزكي. سمع أبا القاسم بن أبي العلاء وطائفة، وسمع بمصر من الخلعي، وتفقه على نصر المقدسي وغيره. توفي في ربيع الأول عن سبعين سنة.

ومفلح بن أحمد أبو الفتح الرومي. ثم البغدادي الوراق. سمع من أبي بكر الخطيب والصريفيني وجماعة. توفي في المحرم.

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

فيها حاصر سنجر مدينة خوارزم. وكاد أن يأخذها خوارزم شاه أتسز وبذل الطاعة.

وفيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفار المقرئ. روى عن ابن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون.

وأبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ، مفيد بغداد. سمع الصريفيني وطبقته ومن بعده. قال أبو سعد: حافظ متقن كثير السماع واسع الرواية دائم المبشر سريع الدمعة، جمع وخرج، لعله ما بقي جزء عال أو نازل إلا قرأه وحصل به نسخة. ولم يتزوج قط. توفي في المحرم وله ست وسبعون سنة.

وعلي بن طراد بن محمد الوزير الكبير أبو القاسم الزينبي العباسي. وزر للمسترشد والمقتفي، وسمع من عمه أبي نصر الزينبي وأبي القاسم بن البسري. وكان صدرا نبيلا كامل السؤدد، بعيد الغور، دقيق النظر، ذا رأي ودهاء وإقدام. نهض بأعباء بيعة المقتفي وخلع الراشد في نهار واحد. وكان الناس يتعجبون من ذلك. ولما تغير عليه المقتفي وهم بالقبض عليه احتمى منه بدار السلطان مسعود، ثم خلص ولزم داره، واشتغل بالعبادة والخير، إلى أن مات في رمضان. وكان يضرب المثل بحسنه في صباه.

وأبو الفتوح الإسفراييني محمد بن الفضل بن محمد، ويعرف أيضا بابن المعتمد، الواعظ المتكلم. روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني. ووعظ ببغداد. وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري، وبالغ في ذلك حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية. فأخرج من بغداد، فغاب مدة ثم قدم وأخذ يثير الفتنة ويبث اعتقاده. ويذم الحنابلة. فأخرج من بغداد وألزم بالإ قامة ببلده. فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة. وكان رأسا في الوعظ، أوحد في مذهب الأشعري. له تصانيف في الأصول والتصوف. قال ابن عساكر: أجرأ من رأيته لسانا وجنانا، أسرعهم جوابا، وأسلسهم خطابا، لازمت حضور مجلسه فما رأيت مثله واعظا ولا مذكرا. وقال أبو طالب بن الحديثي القاضي: كنت جالسا فمر أبو الفتوح وحوله جم غفير وفيهم من يصيح يقول: لا بحرف ولا بصوت بل عبارة. فرجمه العوام، وكان هناك كلب ميت فتراجموا به، وصار من ذاك فتنة كبيرة.

وأبو القاسم الزمخشري محمود بن عمر الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلي، صاحب الكشاف والمفصل. عاش إحدى وسبعين سنة. وسمع ببغداد من ابن البطر، وصنف عدة تصانيف. وسقطت رجله فكان يمشي في جاون خشب. وكان داعية إلى الاعتزال كثير الفضائل.

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

فيها حج بالناس من العراق نظر الخادم بعد انقطاع الركب مدة فنهبوا في مكة.

وفيها أخذ زنكي الرها من الفرنج.

وفيها توفي أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور. تفرد بأمالي ابن سمعون عن خديجة الشاهجانية، وسمع أيضا من الخطيب وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وتاشفين صاحب المغرب أمير المسلمين ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم. ولي بعد أبيه سنتين وأشهرا، فكانت دولته في ضعف وسفال وزوال مع وجود عبد المؤمن. فتحصن بمدينة وهران. فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران فبيته أصحاب عبد المؤمن. فلما أيقن الشاب بالهلكة ركض فرسه فتردى به إلى البحر فتحطم وتلف، ولم يبق لعبد المؤمن منازع وتوجه فأخذ تلمسان.

وأبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد بن عمر البغدادي شيخ الشافعية ومدرس النظامية. تفقه على الغزالي، وأسعد الميهني وإلكيا الهراسي، وأبي بكر الشاشي، وأبي سعد المتولي. وروى عن رزق الله التميمي. توفي في ذي الحجة عن سبع وسبعين سنة.

وأبو الحسن شريح بن محمد شريح الرعيني الإشبيلي خطيب إشبيلية ومقرئها ومسندها. روى عن أبيه وأبي عبد الله بن منظور، وأجاز له ابن حزم. وقرأ القراءات على أبيه، وبرع فيها. رحل الناس إليه من الأقطار للحديث والقراءات. ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة.

وعلي بن هبة الله بن عبد السلام، أبو الحسن الكاتب البغدادي. سمع الكثير بنفسه، وكتب وجمع، وحد؟ ث عن الصريفيني وابن النقور. توفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة.

وأبو البركات عمر عمر بن إبراهيم بن محمد العلوي الزيدي الكوفي الحنفي النحوي. أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وسمع من أبي بكر الخطيب، وخلق. وسكن الشام مدة، وله مصنفات في العربية. وكان يقول: أفتي برأي أبي حنيفة ظاهرا، وبمذهب زيد بن علي جدي تدينا. وقال أبي النرسي: كان جاروديا لا يرى الغسل من الجنابة. قلت: وقد اتهم بالرفض والقدر والتجهم.، توفي في شعبان وله سبع وتسعون سنة. وشيعه نحو ثلاثين ألفا. وكان مسند الكوفة.

وفاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان. روت عن أبي الفضل الرازي وسبط بحرويه وأحمد بن محمود الثقفي. وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار. توفيت في رمضان ولها أربع وتسعون سنة.

وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري راوي السنن الكبير عن البيهقي، وراوي البخاري عن العيار. توفي جمادى الآخرة وله إحدى وتسعون سنة.

وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس مصنف المفتاح والموضح في القراءات. أدرك أصحاب أبي الحسن الحمامي، وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة والخطيب والكبار. وتفرد بإجازة أبي محمد الجوهري. توفي في رجب وله خمس وثمانون سنة.

والمبارك بن علي أبو المكارم السمذي البغدادي. سمع الصريفيني وطائفة. ومات يوم عاشوراء.

سنة أربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن محمد بن أبي سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني. ولد سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وسمع من عبد الرحمن وعبد الوهاب ابني منده وطبقتهما، وببغداد عن عاصم بن الحسن. قال أبو سعد السمعاني، حافظ دين خير يحفظ صحيح مسلم. وكان يملي من حفظه. قلت: حج مرات. ومات في ربيع الآخر بنهاوند، ونقل إلى أصبهان.

وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري. روى عن القشيري وأحمد بن منصور المغربي. توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة.

وأبو منصور بن الجواليقي موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر البغدادي النحوي اللغوي. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وأخذ الأدب عن أبي زكريا التبريزي. وصنف التصانيف، وانتهى إليه علم اللغة، وأم بالخليفة المقتفي وعلمه الأدب. وكان غزير العقل متواضعا مهيبا، عاش أربعا وسبعين سنة. وتوفي في المحرم، ووهم من قال توفي سنة إحدى وأربعين.

سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

فيها حاصر زنكي قلعة جعبر. فوثب عليه ثلاثة من غلمانه فقتلوه وتملك الموصل بعده ابنه غازي. وتملك حلب وغيرها ابنه الآخر نور الدين محمود.

وفيها أخذت الفرنج طرابلس المغرب بالسيف ثم عمروها.

وفيها توفي أبو البركات إسماعيل بن الشيخ أبي سعد أحمد بن محمد النيسابوي ثم البغدادي شيخ الشيوخ، وله ست وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن البسري وطائفة. وكان مهيبا جليل القدر وقورا متصوفا.

وحنبل بن علي أبو جعفر البخاري الصوفي رحل وسمع من شيخ الإسلام بهراة، وصحبه، وببغداد من أبي عبد الله النعالي، توفي بهراة في شوال.

وزنكي الأتابك عماد الدين صاحب الموصل وحلب، ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة أقسنقر التركي. ولي شحنكية بغداد في آخر دولة المستظهر بالله، ثم نقل إلى الموصل، وسلم إليه السلطان محمود ولده فرخشاه الملقب بالخفاجي ليربيه، ولهذا قيل له أتابك. وكان فارسا شجاعا ميمون النقيبة، شديد البأس، قوي المراس، عظيم الهيبة، فيه ظلم وزعارة. ملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك والمعرة. قتله بعض غلمانه وهو نائه وهربوا إلى قلعة جعبر. ففتح لهم صاحبها علي بن مالك العقيلي. وكان سامحه الله حسن الصورة أسمر مليح العينين قد وخطه الشيب. وجاوز الستين. قتل في ربيع الآخر.

وأبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي البلنسي المحدث. رحل إلى المشرق، وسافر في التجارة إلى الصين. وكان فقيها عالما متقنا. سمع أبا عبد الله النعالي، وطراد بن محمد وطائفة، وسكن أصبهان مدة، ثم بغداد، وتفقه على الغزالي. توفي في المحرم.

وسبط الخياط الإمام أبو محمد عبد الله بن علي البغدادي المقرئ النحوي، شيخ المقرئين بالعراق، وصاحب التصانيف. ولد سنة أربع وستين وأربع مائة، وسمع من أبي الحسين بن النقور وطائفة. وقرأ القرآن على جده الزاهد أبي منصور، والشريف عبد القاهر وطائفة. وبرع في العربية على ابن فاخر. وأم بمسجد ابن جردة بضعا وخمسين سنة. وقرأ عليه خلق. وكان من أندى الناس صوت بالقرآن. توفي في ربيع الآخر. وكان الجمع في جنازته يفوق الإحصاء.

وأبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي أخو زاهر. توفي في جمادى الآخرة، عن ست وثمانين سنة. سمع القشيري، وأبا حامد الأزهري، ويعقوب الصيرفي وطبقتهم وطائفة بهراة، وببغداد، والحجاز. وأملى مدة. وكان خيرا متواضعا متعبدا لا كأخيه. وقد تفرد في عصره.

سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

فيها غزا نور الدين محمود بن زنكي فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب.

وفيها كان الغلاء المفرط بل وقبلها سنوات بإفريقية حتى أكلوا لحوم الآدميين.

وفيها توفي أبو الحسن بن الآبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي الشافعي الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسرى وطبقته. وتفقه وبرع، قرأ الكلام والاعتزال. ثم لطف الله به وتحول سنيا. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.

والبطروجي أبو جعفر بن عبد الرحمن الأندلسي أحد الأئمة. روى عن أبي عبد الله الطلاعي وأبي على الغساني وطبقتهما. وكان إماما حافلا بصيرا بمذهب مالك. ودقائقه، إماما في الحديث ومعرفة رجاله وعلله. له مصنفات مشهورة. ولم يكن في وقته بالأندلس مثله. ولكنه كان قليل العربية، رث الهيئة، خاملا. توفي في المحرم.

وأبو بكر الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال. روى عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، والصريفيني. وكان خيرا صحيح السماع. توفي في صفر.

ودعوان بن علي أبو محمد، مقرئ بغداد بعد سبط الخياط. قرأ القراءات على ابن سوار، وعبد القاهر العباسي. وسمع من رزق الله وطائفة. توفي في ذي القعدة.

وعلي بن عبد السيد، أبو القاسم ابن العلامة أبي نصر بن الصباغ الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب السبعة لابن مجاهد، وعدة أجزاء. وكان صالحا حسن الطريقة. توفي في جمادي الأولى.

وعمر بن ظفر، أبو حفص المغازلي، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم بن البسري فمن بعده. وأقرأ القرآن مدة، وكتب الكثير. توفي في شعبان.

وأبو عبد الله الجلابي القاضي محمد بن علي بن محمد بن الطيب الواسطي المغازلي. سمع من محمد بن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني وطائفة. وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته. وكان ينوب في الحكم بواسط.

وأبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي ثم اللاذقي ثم الدمشقي، الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري. سمع من أبي بكر الخطيب بصور وتفقه على الفقيه نصر المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله وعاصم، وبأصبهان من ابن شكرويه. ودرس بالغزالية. ووقف وقوفا، وأفتى واشتغل، وصار شيخ دمشق في وقته. توفي في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة. وآخر أصحابه ابن أبي لقمة.

وأبو السعادات بن الشجري هبة الله بن علي العلوي البغدادي النحوي، صاحب التصانيف. توفي في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد سمع في الكهولة من أبي الحسين بن الطيوري وغيره.

سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

في ربيع الأول نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل. فخرج المسلمون من دمشق للمصاف فكانوا مائة وثلاثين ألف راجل، وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين. ثم بروزا في اليوم الثاني فاستشهد جماعة، وقتل من الفرنج عدد كثير. فلما كان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرع إلى الله. وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع. وضج النساء والأطفال مكشفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج وفي عنقه صليب وفي يده صليب وقال: أنا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق. فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد. فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا حماره، وأحرقوا الصلبان. ووصلت النجدة فانهزمت الفرنج وأصيب منهم خلق. وسبب هزيمتهم أن مقدم الجيش معين الدين أنر أرسل يقول للفرنج الغرباء: إن صاحب الشرق قد حضر، فإن رحلتم وإلا سلمت دمشق إليه، وحينئذ تندمون. وأرسل إلى فرنج الشام يقول: بأي عقل تساعدون هؤلاء الغرباء علينا وأنتم تعلمون أنهم إن ملكوا أخذوا بلادكم، وأنا إن ملكت سلمت البلد إلى أولاد زنكي فلا يبقى لكم معه ملك. فأجابوه إلى التخلي عن ملك الألمان وبذل لهم حصن بانياس فاجتمعوا بملك الألمان وخوفوه من عساكر الشرق. فترحل في البحر من عكا وبلاده وراء القسطنطينية.

وفيها سارت بعض العساكر محاربين منابذين للسلطان مسعود، ومعهم محمد شاه ابن السلطان محمود، ونازلوا بغداد، وعاثوا ونهبوا وسبوا البنات. فعسكر المقتفي وقاتلت العامة، وبقي الحصار أياما. ثم برز الناس بالعدة التامة فتقهقر لهم العسكر فتبعوهم. فخرج كمين للعسكر فانهزمت العامة، وقتل منهم يومئذ نحو الخمس مائة. ثم تلافت الأمراء القضية ورموا نفوسهم تحت التاج، واعتذروا فلم يجابوا إلى ثاني يوم. وترحلوا. وأما السواد فخرب ودخل أهله في جوع وعرى يستعطفون.

وفيها كان شدة القحط بإفريقية. فانتهز رجار صاحب صقلية الفرصة وأقبل في مائتين وخمسين مركبا. فهرب منه صاحب المهدية فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وانتهبها ساعتين، وأمنهم. وصار للفرنج من أطرابلس المغرب إلى قريب تونس. وأما صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم الباديسي فإنه عزم على الالتجاء إلى عبد المؤمن. والحسن هو التاسع من ملوك بني زيري بالقيروان.

وفيها توفي أبو تمام أحمد بن أبي العز محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشمي العباسي البغدادي السفار نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره. وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضع وتسعين سنة.

وأبو إسحاق الغنوي إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقي، الصوفي الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقه على الغزالي وغيره. وكان ذا سمت ووقار وعبادة، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة.

وقاضي العراق أبو الحسن الزينبي علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العباسي الحنفي. سمع من أبيه وعمه طراد. وكان ذا عقل ووقار ورزانة وعلم وشهامة ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخم، ثم مرض ومات يوم الأضحى.

والمبارك بن كامل الخفاف أبو بكر الظفري، محدث بغداد ومفيدها. أخذ عمن دب ودرج، وأفنى عمره في هذا الشأن، فلم يمهر فيه. سمع أبا القاسم بن بيان وطبقته، وعاش ثلاثا وخمسين سنة. وكان فقيرا متعففا.

وأبو الدر ياقوت الرومي التاجر، عتيق ابن البخاري، حدث بدمشق ومصر وبغداد عن الصريفيني بمجالس المخلص وغير ذلك. وتوفي بدمشق في شعبان.

وأبو الحجاج الفندلاوي يوسف بن دوباس المغربي المالكي. كان فقيها عالما صالحا حلو المجالسة، شديد التعصب للأشعرية، صاحب تحرق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلا غير مدبر بالنيرب أول يوم جاءت الفرنج وقبره يزار بمقبرة باب الصغير.

سنة أربع وأربعين وخمسمائة

فيها كسر الملك نور الدين الفرنج. وكانت وقعة ميمونة قتل فيها ألف وخمس مائة من الفرنج منهم صاحب أنطاكية وأسر مثلهم. وسار فافتتح حصن فامية، وكان أهل حماة وحمص منه في ضر. ثم أسر جوسلين صاحب عين تاب وتل باشر وعزاز والبيرة وبهسنة والراوندان ومرعش. وأعطي نور الدين التركماني الذي أسره عشرة آلاف دينار واستولى على أكثر بلاده.

وفيها استوزر المقتفي عون الدين أبا المظفر بن هبيرة.

وفيها توفي القاضي أبو بكر الأرجاني أحمد بن الحسين ناصح الدين قاضي تستر وحامل لواء الشعر بالمشرق. وله ديوان مشهور. روى عن ابن ماجه الأبهري. وتوفي في ربيع الأول وقد شاخ. وأرجان مشدد بلد صغير في عمل الأهواز.

وأبو المحاسن أسعد بن علي بن الموفق الهروي الحنفي، العبد الصالح، راوي الصحيح والدارمي، وعبد، عن الداودي. عاش خمسا وثمانين سنة.

والأمير معين الدي أنر بن عبد الله الطغتكيني مقدم عسكر دمشق ومدبر الدولة. كان عاقلا سائسا مدبرا حسن الديانة ظاهر الشجاعة كثير الصدقات. وهو مدفون بقبته التي بين دار البطيخ والشامية. توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد.

والحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي صاحب مصر. بويع مصرع ابن عمه الآمر. فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وضيق عليه. وكان يعتريه القولنج، فعمل له شيرماه الديلمي طبلا مركبا من المعادن السبعة إذا ضربه ذو القولنج خرج منه ريح متتابعة واستراح. مات في جمادي الأولى. وكانت دولته عشرين سنة إلا خمسة أشهر. وقام بعده ابنه الظافر.

والقاضي عياض بن موسى بن عياض، العلامة أبو الفضل اليحصبي السبتي المالكي أحد الأعلام. ولد سنة ست وسبعين وأربع مائة وأجاز له أبو علي الغساني، وسمع من أبي علي بن سكراة، وأبي محمد بن عتاب وطبقتهما. ولي قضاء سبتة مدة، ثم قضاء غرناطة، وصنف التصانيف البديعة. توفي بمراكش في جمادي الآخرة.

وغازي السلطان سيف الدين صاحب الموصل، وابن احبها زنكي ابن آقسنقر. كان فيه دين وخير وشجاعة وإقدام. توفي في جمادي الآخرة، وقد نيف على الأربعين. وتملك بعده أخوه قطب الدين مودود.

سنة خمس وأربعين وخمسمائة

فيها أخذت العربان ركب العراق، وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار. وتمزق الناس، ومات خلق جوعا وعطشا.

وفيها نازل نور الدين دمشق وضايقها. ثم خرج إليه صاحبها مجير الدين أبق ووزيره ابن الصوفي فخلع عليهما. ورد إلى حلب ونفوس الناس قد أحبته لما رأوا من دينه.

وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسن بن علي الشحامي النيسابوري. روى عن الفضل بن المحب وجماعة. توفي بمرو في شعبان.

وأبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدينوري ثم البغدادي البيع. سمع أبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن وجماعة. وتوفي في المحرم وله سبعون سنة.

والمبارك بن أحمد بن بركة الكندي البغدادي الخباز، شيخ فقير يخبز بيده ويبيعه. سمع أبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن وطائفة. توفي في شوال.

سنة ست وأربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو النصر الفامي عبد الرحمن بن عبد الجبار الحافظ محدث هراة، وله أربع وسبعون سنة. كان خيرا متواضعا صالحا فاضلا. سمع شيخ الإسلام ونجيب بن ميمون وطبقتهما.

وعمر بن علي أبو سعد المحمودي البلخي. توفي في رمضان عن تسعين سنة. سمع أبا علي الوحشي، وهو آخر من حدث عنه.

والقاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ، أحد الأعلام وعالم أهل الأندلس ومسندهم. ولد سنة ثمان وستين وأربع مائة، ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين، ودخل الشام فسمع من الفقيه نصر المقدسي وأبي الفضل بن الفرات، وببغداد من أبي طلحة النعالي وطراد، وبمصر من الخلعي، وتفقه على الغزالي وأبي بكر الشاشي وأبي الوليد الطرطوشي. وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها، مع الذكاء المفرط. ولي قضاء أشبيلية مدة، وصرف فأقبل على نشر العلم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول. توفي بفاس في ربيع الآخر.

وتوشتكين الرضواني مولى ابن رضوان المراتبي. شيخ صالح متودد. روى عن علي بن البسري وعاصم، وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة.

وأبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن الشيخ أبي القاسم القشيري النيسابوري، خطيب نيسابور ومسندها. سمع من جده حضورا ومن جدته فاطمة بنت الدقاق، ويعقوب بن أحمد الصيرفي وطائفة. وروى الكتب الكبار كالبخاري ومسند أبي عوانة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.

وأبو الوليد بن الدباغ يوسف بن عبد العزيز اللخمي الأندي ثم الدش المرسي الحافظ تلميذ أبي علي بن سكرة. كان إماما مفتيا رأسا في الحديث وطرقه ورجاله. وعاش خمسا وستين سنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7وج8.كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم{والاخير}

ج7وج8 .كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم   ...