نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}}

 نداء الحق لامة الاسلام {{فاعتبروا يا أولي الأبصار}

Translate

الاثنين، 6 فبراير 2023

العبر في خبر من غبر للذهبي من الجزء الاول الي/الجزء الثالث ثم الذيل الال والثاني

العبر في خبر من غبر للذهبي من الجزء الاول الي/الجزء الثالث ثم الذيل الال والثاني  

المحتويات

 
  1. المقدمة
  2. سنة سبعة وأربعين وخمسمائة
  3. سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
  4. سنة تسع وأربعين وخمسمائة
  5. سنة خمسين وخمسمائة
  6. سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
  7. سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
  8. سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
  9. سنة أربع وخمسين وخمسمائة
  10. سنة خمس وخمسين وخمسمائة
  11. سنة ست وخمسين وخمسمائة
  12. سنة سبع وخمسين وخمسمائة
  13. سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
  14. سنة تسع وخمسين وخمسمائة
  15. سنة ستين وخمسمائة
  16. سنة إحدى وستين وخمسمائة
  17. سنة اثنتين وستين وخمسمائة
  18. سنة ثلاث وستين وخمسمائة
  19. سنة أربع وستين وخمسمائة
  20. سنة خمس وستين وخمسمائة
  21. سنة ست وستين وخمسمائة
  22. سنة سبع وستين وخمسمائة
  23. سنة ثمان وستين وخمسمائة
  24. سنة تسع وستين وخمسمائة
  25. سنة سبعين وخمسمائة
  26. سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
  27. سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
  28. سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
  29. سنة أربع وسبعين وخمسمائة
  30. سنة خمس وسبعين وخمسمائة
  31. سنة ست وسبعين وخمسمائة
  32. سنة سبع وسبعين وخمسمائة
  33. سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
  34. سنة تسع وسبعين وخمسمائة
  35. سنة ثمانين وخمسمائة
  36. سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
  37. سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة
  38. سنة ثلاث وثمانون وخمسمائة
  39. سنة أربع وثمانين وخمسمائة
  40. سنة خمس وثمانين وخمسمائة
  41. سنة ست وثمانين وخمسمائة
  42. سنة سبع وثمانين وخمسمائة
  43. سنة ثمان وثمانين وخمسمائة
  44. سنة تسع وثمانين وخمسمائة
  45. سنة تسعين وخمسمائة
  46. سنة إحدى وتسعين وخمسمائة
  47. سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة
  48. سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة
  49. سنة أربع وتسعين وخمسمائة
  50. سنة خمس وتسعين وخمسمائة
  51. سنة ست وتسعين وخمسمائة
  52. سنة سبع وتسعين وخمسمائة
  53. سنة ثمان وتسعين وخمسمائة
  54. سنة تسع وتسعين وخمسمائة
  55. سنة ستمائة
  56. سنة إحدى وستمائة
  57. سنة اثنتين وستمائة
  58. سنة ثلاث وستمائة
  59. سنة أربع وستمائة
  60. سنة خمس وستمائة
  61. سنة ست وستمائة
  62. سنة سبع وستمائة
  63. سنة ثمان وستمائة
  64. سنة تسع وستمائة
  65. سنة عشر وستمائة
  66. سنة إحدى عشرة وستمائة
  67. سنة اثنتي عشرة وستمائة
  68. سنة ثلاث عشرة وستمائة
  69. سنة أربع عشرة وستمائة.
  70. سنة خمس عشرة وستمائة
  71. سنة ست عشرة وستمائة
  72. سنة سبع عشرة وستمائة
  73. سنة ثمان عشرة وستمائة
  74. سنة تسع عشر وستمائة
  75. سنة عشرين وستمائة
  76. سنة إحدى وعشرين وستمائة
  77. سنة اثنتين وعشرين وستمائة
  78. سنة ثلاث وعشرين وستمائة
  79. سنة أربع وعشرين وستمائة
  80. سنة خمس وعشرين وستمائة
  81. سنة ست وعشرين وستمائة
  82. سنة سبع وعشرين وستمائة.
  83. سنة ثمان وعشرين وستمائة
  84. سنة تسع وعشرين وستمائة
  85. سنة ثلاثين وستمائة
  86. سنة إحدى وثلاثين وستمائة
  87. سنة اثنتين وثلاثين وستمائة
  88. سنة ثلاث وثلاثين وستمائة
  89. سنة أربع وثلاثين وستمائة
  90. سنة خمس وثلاثين وستمائة
  91. سنة ست وثلاثين وستمائة
  92. سنة سبع وثلاثين وستمائة
  93. سنة ثمان وثلاثين وستمائة
  94. سنة تسع وثلاثين وستمائة
  95. سنة أربعين وستمائة
  96. سنة إحدى وأربعين وستمائة
  97. سنة اثنتين وأربعين وستمائة
  98. سنة ثلاث وأربعين وستمائة
  99. سنة أربع وأربعين وستمائة
  100. سنة خمس وأربعين وستمائة
  101. سنة ست وأربعين وستمائة
  102. سنة سبع وأربعين وستمائة
  103. سنة ثمان وأربعين وستمائة
  104. سنة تسع وأربعين وستمائة
  105. سنة خمسين وستمائة
  106. سنة إحدى وخمسين وستمائة
  107. سنة اثنتين وخمسين وستمائة
  108. سنة ثلاث وخمسين وستمائة
  109. سنة أربع وخمسين وستمائة
  110. سنة خمس وخمسين وستمائة
  111. سنة ست وخمسين وستمائة
  112. سنة سبع وخمسين وستمائة
  113. سنة ثمان وخمسين وستمائة
  114. سنة تسع وخمسين وستمائة
  115. سنة ستين وستمائة
  116. سنة إحدى وستين وستمائة
  117. سنة اثنتين وستين وستمائة
  118. سنة ثلاث وستين وستمائة
  119. سنة أربع وستين وستمائة
  120. سنة خمس وستين وستمائة
  121. سنة ست وستين وستمائة
  122. سنة سبع وستين وستمائة
  123. سنة ثمان وستين وستمائة
  124. سنة تسع وستين وستمائة
  125. سنة سبعين وستمائة
  126. سنة إحدى وسبعين وستمائة
  127. سنة اثنتين وسبعين وستمائة
  128. سنة ثلاث وسبعين وستمائة
  129. سنة أربع وسبعين وستمائة
  130. سنة خمس وسبعين وستمائة
  131. سنة ست وسبعين وستمائة
  132. سنة سبع وسبعين وستمائة
  133. سنة ثمان وسبعين وستمائة
  134. سنة تسع وسبعين وستمائة
  135. سنة ثمانين وستمائة
  136. سنة إحدى وثمانين وستمائة
  137. سنة اثنتين وثمانين وستمائة
  138. سنة ثلاث وثمانين وستمائة
  139. سنة أربع وثمانين وستمائة
  140. سنة خمس وثمانين وستمائة
  141. سنة ست وثمانين وستمائة
  142. سنة سبع وثمانين وستمائة
  143. سنة ثمان وثمانين وستمائة
  144. سنة تسع وثمانين وستمائة
  145. سنة تسعين وستمائة
  146. سنة إحدى وتسعين وستمائة
  147. سنة اثنتين وتسعين وستمائة
  148. سنة ثلاث وتسعين وستمائة
  149. سنة أربع وتسعين وستمائة
  150. سنة خمس وتسعين وستمائة
  151. سنة ست وتسعين وستمائة
  152. سنة سبع وتسعين وستمائة
  153. سنة ثمان وتسعين وستمائة
  154. سنة تسع وتسعين وستمائة
  155. سنة سبعمائة
  156. العبر في خبر من غبر/الجزء الثالث
  157. < العبر في خبر من غبر
  158. العبر في خبر من غبر
  159. للذهبي

((( الجزء الثاني الجزء الثالث: من سنة 547 

إلى سنة 700 ذيول العبر في خبر من غبر )))

 

سنة سبعة وأربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد سعيد الداني المغربي الأستاذ. أخذ القراءات عن أبي داود، وابن الدش، وابن السيار، وأبي الحسن بن شفيع. وسمع من أبي علي الصدفي، وتصدر للإقراء مدة، ولتعليم العربية، وكان مشاركا في علوم جمة، صاحب تحقيق وإتقان، أنيق الوراقة. ولي خطابة بلده ومات في المحرم عن خمس وسبعين سنة.

والأرموي القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الفقيه الشافعي. ولد ببغداد سنة تسع وخمسين، وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وابن المأمون، وابن المهتدي، ومحمد بن علي الخياط. وتفرد بالرواية عنهم. وكان ثقة صالحا. تفقه على الشيخ أبي إسحاق. وانتهى إليه علو الإسناد بالعراق. توفي في رجب وقد ولي قضاء دير العاقول في شبيبته، وكان يشهد في الآخر.

ومحمد بن منصور الحرضي النيسابوري. شيخ صالح سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار. ومات في شعبان.

والسلطان مسعود غياث الدين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن طغر بيك السلجوقي. رباه بالموصل الأمير مودود، ثم اقسنقر البرسقي، ثم جوش بك. فلما هلك أخوه السلطان محمود طعمة جوش بك في السلطنة. فجمع وحشد، والتقى أخاه، فانكسر مسعود. ثم تنقلت به الأحوال واستقل بالملك سنة ثمان وعشرين. وامتدت أيامه، وكان منهمكا في اللهو واللعب، كثير المزاح، لين العريكة. سعيدا في دنياه سامحه الله تعالى. عاش خمسا وأربعين سنة. ومات في جمادى الآخرة. وكان قد آذى المقتفي في الآخر فقنت عليه شهرا فمات.

سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

فيها خرجت الغز على أهل خراسان، وهم تركمان ما وراء النهر. فالتقاهم سنجر، فاستتباحوا عسكره قتلا وأسرا. ثم هجموا بنيسابور فقتلوا فيها قتلا زريعا، ثم أخذوا بلخ، وأسروا السلطان سنجر، وقالوا: أنت سلطاننا، ونحن أجنادك. ولو أمنا إليك لمكناك من الأمور وبقي في أيديهم مدة، وأسماء مقدميهم: دينار، وبختيار، وطوطي، وأرسلان، وجعفر، ومحمود. وكانوا نحو مائة ألف خركاه. فلما مكت الخطا ما وراء النهر طردوا عنها هؤلاء الغز. فنزلوا بنواحي بلخ، ثم ثاروا وعملوا بخراسان مالا تعمله الكفار من القتل والسبي والخراب والمصادرة والعذاب، ولم يسلم سوى هراة. ولقد أحصي في محلتين من نيسابور خمسة عشر ألف قتيل. ثم تجمع عسكر خراسان فواقعوا الغز غير مرة في أكثرها كان النصر للغز. ثم استولى على نيسابور ورستاقها أيبه الملقب بالمؤيد مملوك السلطان سنجر وجرت أمور طويلة.

وفيها أخذت الفرنج عسقلان بعد عدة حصارات. وكان المصريون يمدونهم بالرجال والذخائر. وفي هذه المرة اختلف عساكرها وقتل منها جماعة. فاغتنم الفرنج غفلتهم، وركبوا الأسوار. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها سار المقتفي بجيشه إلى تكريت، ثم سار إلى واسط لدفع ملكشاه عنها.

وفيها استولى غياث الدين الغوري على هراة، وكانت لسنجر. وغزا أخوه شهاب الدين بلاد الهند، فهزموه. ثم غزاهم فظفر وافتتح بلاد واسعة ومملكة كبيرة.

وفيها توفي ابن الطلاية أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي، الوراق الزاهد العابد. سمع من عبد العزيز الأنماطي وغيره. وانفرد بالجزء التاسع من المخلصيات حتى أضيف إليه. وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية وتشاغل عنه بالصلاة، وما زاده على أن قال: يا مسعود اعدل وادع لي. الله أكبر. وأحرم بالصلاة. فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب. نقلها أبو المظفر سبط ابن الجوزي عن جماعة.

والرفاء أبو الحسين أحمد بن منير الاطرابلسي الشاعر المشهور. كان رافضيا هجاء فائق النظم. له ديوان. وكان معارضا للقيسراني في زمانه كجرير والفرزدق في زمانهما.

ورجار الفرنجي صاحب صقلية. هلك في ذي القعدة بالخوانيق. وامتدت أيامه.

وأبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي محدث بغداد. كان خيرا متواضعا متقنا مكثرا صاحب حديث وإفادة. روى عن أبي نصر الزينبي وعاصم بن الحسن وخلق. توفي في المحرم عن أربع وثمانين سنة.

والكروخي أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي. الرجل الصالح راوي جامع الترمذي كان ورعا ثقة، كتب من الجامع نسخة ووقفها. وكان يعيش من النسخ. حدث ببغداد ومكة. وعاش ستا وثمانين سنة وتوفي في ذي الحجة.

وأبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد. درس بالصادرية، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة، وقام عليه الحنابله لأنه تكلم فيهم. وكان يلقب برهان الدين. وكان زاهدا معرضا عن الدنيا. وهو الذي قام في إبطال "حي على خير العمل" من حلب. وكان معظما مفخما في الدولة. درس أيضا بمسجد خاتون. ومدرسته داخل الصدرية.

والملك العادل علي بن السلار الكردي ثم المصري وزير الظافر. أقبل من ولاية الإسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر فدخل فحكم ففر الوزير نجم الدين سليم بن مصال. وجمع العساكر وجاء فجهز ابن السلار جيشالحربه فالتقوا بدلاص. فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين. وكان ابن السلار سنيا شافعيا شجاعا مقداما. بنى للسلفي مدرسة معروفة لكه جبار ظالم شديد البأس صعب المراس. وكان زوج أم عباس بن باديس. فقتله نصر بن عباس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم وولي عباس الملك.

والشهرستاني الأفضل محمد بن عبد الكريم المتكلم صاحب التصانيف. أخذ علم النظر والأصول عن أبي القاسم الأنصاري، وأبي نصر بن القشيري. ووعظ ببغداد، وظهر له القبول التام. وقد اتهم بمذهب الباطنية. توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن المديني.

وأبو طاهر السنجي محمد بن محمد بن عبد الله المروزي الحافظ خطيب مرو. تفقه على أبي المظفر السمعاني، وعبد الرحمن البزاز، وسمع من طائفة، ولقي ببغداد ثابت بن بندار وطبقته. ورحل مع أبي بكر بن السمعاني. وكان ذا معرفة وفهم مع الثقة والفضل والتعفف. توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة.

وأبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي الخطيب، شيخ الصوفية ببلده، وآخر من روى عن محمد بن أبي عمران كتاب البخاري. عاش ستا وثمانين سنة.

وأبو عبد الله القيسراني محمد بن نصر بن صغير بن خالد الأديب، حامل لواء الشعر في عصره. تولى إدارة الساعات التي بدمشق مدة ثم سكن حلب. وكان عارفا بالهيئة والنجوم والهندسة والحساب. مدح الملوك والكبار وعاش سبعين سنة. ومات بدمشق.

ومحمد بن يحيى العلامة أبو أسعد النيسابوري محيي الدين شيخ الشافعية وصاحب الغزالي وأبي المظفر أحمد بن محمد الخوافي. انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان، وقصده الفقهاء من البلاد.، وصنف التصانيف ودرس بنظامية بلده. توفي في رمضان شهيدا على يد الغز قبحهم الله عن اثنتين وسبعين سنة.

ونصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ثم الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة. وكان شيخا مباركا. توفي في ربيع الأول.

وهبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب. مات ببغداد في صفر. سمع من أبي الحسين بن النقور. وكان حشريا مذموما.

وأبو الحسين المقدسي الزاهد صاحب الأحوال والكرامات، دوّن الشيخ الضياء سيرته في جزء. وقبره بحلب يزار.

سنة تسع وأربعين وخمسمائة

فيها زاد تمكن المقتفي ولا سيما بموت السلطان مسعود، وعرض عسكره فكانوا ستة آلاف. فأنفق فيهم ثلاث مائة ألف دينار وجهزهم مع الوزير ابن هبيرة. وكان مسعود بلال والبقش قد حضا السلطان محمد شاه على قصد العراق، واستأذناه في التقدم فأذن لهما. فجمعا التركمان وجاؤوا. فسار لحربهم المقتفي ونازلهم أياما. ثم عملوا المصاف في رجب. فانهزمت مسيرة المقتفي، فحمل بنفسه ورفع الطرحة وحذف السيف وصاح: يال مضر: كذب الشيطان وفر. فوقعت الهزيمة على التركمان وأخذ لهم فيما قيل أربع مائة ألف رأس غنم، وأسرت أولادهم. ثم مالوا على واسط، فسار ابن هبيرة بالعساكر وهزمهم، ورد منصورا، فلقبه المقتفي سلطان العراق ملك الجيوش.

وفيها جاءت الأخبار بأن السلطان محمد شاه على قصد بغداد. فاستعرض المقتفي جيشه فزادوا على اثني عشر ألف فارس. فمات البقش وضعف عزم محمد شاه. فخامر عليه جماعة أمراء ولجأوا إلى الخليفة، وجاءت الأخبار بما فيه السلطان سنجر من الذل: له اسم السلطنة، رواتبه من الغز راتب سائس، وأنه يبكي على نفسه.

وفيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص. فلم يتم، وأعطاه بالس. فغضب وسار إلى بغداد وبنى بها دارا فاخرة وبقي بها مدة. وكانت الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوابهم استعرضوا من بدمشق من الرقيق، فمن أحب المقام تركوه ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرا. وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كل سنة فلطف الله. واستمال نور الدين أحداث دمشق، فلما جاء ونازلهم استنجد أبق بالفرنج. وسلم إليه الناس البلد من شرقيه، وحاصر أبق في القلعة. ثم نزل بعد أيام. وبعث المقتفي عهدا بالسلطنة لنور الدين وأمره بالمسير إلى مصر. وكان مشغولا بحرب الفرنج.

وفيها توفي الظاهر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي. بقي في الولاية خمسة أعوام، ووزر له ابن مصال، ثم ابن السلار، ثم عباس. ثم إن عباسا وابنه نصرا قتلا الظافر غيلة في دارهما وجحداه في شعبان، وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيرا. وكان الظافر شابا لعابا منهمكا في الملاهي والقصف. فدعاه نصر إليه وكان يحب نصرا. فجاءه متنكرا معه خويدم، فقتله وطمره. وكان من أحسن أهل زمانه، عاش اثنتين وعشرين سنة.

وأبو البركات عبد الله بن محمد بن فضل الفراوي صفي الدين النيسابوري. سمع من جده ومن جده لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن عبد الله الصرام وطبقتهم. وكان رأسا في معرفة الشروط. حدث بمسند أبي عوانة. ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغز وله خمس وسبعن سنة.

وعبد الخالق بن زاهر بن طاهر، أبو منصور الشحامي الشروطي المستملي. سمع من جده وأبي بكر بن خلف وطبقتهما. وهلك في العقوبة والمطالبة في فتنة الغز، وله أربع وسبعون سنة. وكان يملي ويستملي في الآخر.

وأبو سعيد محمد بن جامع النيسابوري الصوفي خياط الصوف. شيخ صالح صاحب أصول. سمع فاطمة بنت الدقاق وأبا بكر بن خلف.

وأبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي. سمع أبا القاسم المصيصي. وصحب الفقيه نصر المقدسي مدة.

وأبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي الملقب بالشيرازي. أحد الذين جاوزوا المائة. سمع بيبي الهرثمية. وصحب شيخ الإسلام.

وأبو المعمر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ سمع أبا عبد الله النعالي فمن بعده. وله معجم في مجلد. وكان سريع القراءة معنيا بالرواية.

والمظفر بن علي بن محمد بن محمد بن جهير الوزير بن الوزير، أبو نصر بن أبي القاسم. ولي وزارة المقتفي سبع سنين، وعزل سنة اثنتين وأربعين. توفي في ذي الحجة عن نيف وستين سنة.

ومؤيد الدولة ابن الصوفي الدمشقي وزير صاحب دمشق أبق. كان ظالما عسوفا، فسر الناس بموته، ودفن بداره بدمشق.

وأبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفر الهمداني، ويعرف بالشخص العزيز. سمع أبا الحسين بن النقور وعبد الوهاب بن منده. وتفرد في زمانه، وقصده الطلبة. ومنهم من قال: توفي سنة خمسين.

سنة خمسين وخمسمائة

فيها توجه المقتفي إلى الكوفة واجتاز بسوقها إلى الجامع.

وفيها عسكر طلائع بن زريك بالصعيد وأقبل ليأخذ القاهرة. فانهزم منه عباس وابنه الذي قتل الظافر. ودخل طلائع القاهرة بأعلام مسودة وثياب سود، مظهرا للحزن، وفي الأعلام شعور نساء القصر كن بعثن إليه بها في طي الكتب حزنا على الظافر.

وفيها توفي الأقليشي أبو العباس أحمد بن معد بن عيسى التجيبي الأندلسي الداني. سمع أبا الوليد بن الدباغ وطائفة، وبمكة من الكروخي. وكان زاهدا عارفا متفننا صاحب نصانيف. وله شعر في الزهد.

وأبو عثمان العصائدي إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري. روى عن طاهر بن محمد الشحامي وطائفة. وكان ذا رأي وعقل. عمر تسعين سنة.

وسعيد بن بن البناء أبو القاسم ابن الشيخ أبي غالب أحمد بن الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد البغدادي الحنبلي. سمع ابن البسري وأبا نصر الزينبي. وعاش ثلاثا وثمانين سنة. توفي في ذي الحجة.

وأبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب. سمع رزق الله التميمي والحميدي، ومات في صفر.

ومحمد بن ناصر بن محمد بن علي، الحافظ أبو الفضل البغدادي محدث العراق. ولد سنة سبع وستين وأربع مائة، وسمع علي بن البسري، وأبا طاهر بن أبي الصقر، والبانياسي وطبقتهم، وأجاز له من خراسان أبو صالح المؤذن والفضل بن المحب وأبو القاسم بن عليك وطبقتهم. وعني بالحديث بعد أن برع في اللغة وتحول من مذهب الشافعي إلى الحنابلة. قال ابن النجار: كان ثقة ثبتا حسن الطريقة متديتا فقيرا متعففا نظيفا نزها. وقف كتبه. وخلف ثيابا خلقة وثلاثة دنانير، ولم يعقب. وقال فيه أبو موسى المديني الحافظ: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد. توفي في ثامن عشر شعبان رحمه الله.

وأبو الكرم الشهرزوري المبارك بن الحسن البغدادي شيخ المقرئين ومصنف المصباح في العشرة. كان صالحا خيرا، قرأ عليه خلق كثير. أجاز له أبو الغنائم بن المأمون والصريفيني وطائفة. وسمع من إسماعيل بن مسعدة ورزق الله التميمي. وقرأ القراءات على عبد السيد بن عتاب، وعبد القاهر العباسي وطائفة. وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات. وتوفي في ذي الحجة.

ومجلي بن جميع قاضي القضاة بالديار المصرية أبو المعالي القرشي المخزومي الشافعي. ولي بتفويض العادل ابن السلار، وله كتاب الذخائر في المذهب من المصنفات المعتبرة. توفي في ذي القعدة.

سنة إحدى وخمسين وخمسمائة

كان السلطان سليمان شاه بن محمد ملكشاه السلجوقي قد قدم بغداد في آخر سنة خمسين. فتلقاه الوزير عون الدين. ولم يترجل أحد منهما للآخر، ولم يحتفل لمجيئه، لتمكن الخليفة وقوة دولته وكثرة جيوشه وهيبته. فاستدعي في نصف المحرم إلى باب الخليفة المقتفي وحلف وقلد السلطنة. وذكر في الخطبة بعد السلطان سنجر. وقرر أنه ليس له في العراق شيء إلا ما يفتحه من خراسان. فقدم للمقتفي عشرين ألف دينار له ومايتي كر. ثم سار المقتفي وفي خدمته سليمان شاه إلى حلوان، ثم بعث المقتفي مع سليمان شاه جيشا.

وفي رمضان هرب سنجر من يد الغز وطلع إلى قلعة ترمذ وانكسرت سورة العز بموت كبيرهم علي بك وتسربت الأجناد إلى خدمة سنجر الغز أكثر من ثلاث سنين. وكان خوارزم شاه أتسز والخاقان محمود ابن أخت سنجر يحاربان الغز والحرب سجال بينهم.

وفيها عمل سليمان شاه مصافا مع محمد شاه. فانكسر سليمان شاه. ووصل المنهزمون بغداد وتشتت سليمان شاه. فنزل صاحب الموصل فأسره وقصد محمد شاه بغداد وانجفل أهلها.

وفيها توفي أبو القاسم الحمامي إسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم الأصبهاني الصوفي مسند أصبهان وله أكثر من مائة. سمع سنة تسع وخمسين وأربع مائة من أبي مسلم بن مهر بزد وتفرد بالسماع من جماعة. سمع منه السلفي. وقال يوسف بن أحمد الحافظ: انبأ الشيخ المعمر الممتع بالعقل والسمع والبصر وقد جاوز المائة أبو القاسم الصوفي. قلت: مات في سابع صفر.

وأبو القاسم بن البُن الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي. تفقه على نصر المقدسي وسمع من أبي القاسم المصيصي والحسن بن أبي الحديد وجماعة. وتوفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة.

وأبو بكر عتيق بن أحمد الأزدي الأندلسي الأوريولي حج فسمع بمكة من طراد الزينبي. وهو آخر من حدث عنه بالمغرب. توفي بأوريوله وله أربع وثمانون سنة.

وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه اليزدي الشافعي المقرئ الزاهد نزيل بغداد. وقرأ بأصبهان على أبي الفتح الحداد وأبي سعد المطرز وغيرهما. وسمع من ابن مردويه وسمع النسائي من الدوني. وببغداد من أبي القاسم الربعي وأبي الحسين بن الطيوري. وبرع في القراءات والمذهب. وصنف في القراءات والفقه والزهد. وكان رأسا في الزهد والورع. توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين رحمه الله.

وأبو عبد الله بن الرطبي محمد بن عبيد الله بن سلامة الكرخي كرخ جدان المعدل. روى عن أبي القاسم بن البسري وأبي نصر الزيني. توفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة.

وأبو البيان نبا بن محمد بن محفوظ القرشي الشافعي اللغوي الدمشقي الزاهد. ويعرف بابن الحوراني. سمع أبا الحسن علي بن الموازيني وغيره وكان صالحا تقيا ملازما للعلم والمطالعة كثير العبادة والمراقبة كبير الشأن بعيد الصيت صاحب أحوال ومقامات ملازما للسنة والأمر. له تواليف ومجاميع ورد على المتكلمين وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة وأصحاب ومريدون وفقراء بهديه يقتدون. كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما وناهيك

سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة

فيها [حاصر] بغداد محمد شاه ابن السلطان محمود وزين الدين علي كوجك. واختلف عسكر المقتفي عليه وقاتلت العامة ونهب الجانب الغربي واشتد الخطب واقتتلوا في السفن أشد قتال. وفرق المقتفي الأموال والسلاح والغلة الكثيرة ونهض أتم نهوض، حتى إنه من جملة ما عمل له بعض الزجاجين ثماني عشرة ألف قارورة للنفط. ودام الحصار نحوا من شهرين وقتل خلق من الفريقين وجاءت الأخبار بأخذ همذان وهي لمحمد شاه. فقلق لذلك وقلت عليهم الميرة وجرت أمور طويلة. ثم ترحلوا خائبين.

وفيها خرجت الإسماعيلية على حجاج خراسان فقتلوا وسبوا واستباحوا الركب. وصبح الضعفاء والجرحى إسماعيلي شيخ ينادي: يا مسلمين ذهبت الملاحدة فأبشروا ومن هو عطشان سقيته. فبقي إذا كلمه أحد أجهز عليه،. فهلكوا إلى رحمة الله كلهم.

واشتد القحط بخراسان وتخربت بأيدي الغز ومات سلطانها سنجر وغلب كل أمير على بلد واقتتلوا وتعثرت الرعية الذين نجوا من القتل وخرج المقتفي بعد الحصار فتصيد أياما ورجع.

وفيها هزم نور الدين الفرنج على صفد. وكانت وقعة عظيمة.

وجاءت الزلزلة العظيمة بالشام فهلك بحلب تحت الردم نحو الخمس مائة وخرجت أكثر حماة، ولم ينج من أهل شيزر إلا خادم. وامرأة ثم عمرها نور الدين.

وفيها أخذ نور الدين من الفرنج غزة وبانياس.

وفيها انقرضت دولة الملثمين بالأندلس، لم يبق لهم إلا جزيرة ميورقة.

وفيها توفي أبو علي الخراز أحمد بن أحمد بن علي الحريمي. سمع أبا الغنائم محمد بن علي الدقاق ومالكا البانياسي. توفي في ذي الحجة.

وشمس الملوك إبراهيم بن رضوان بن تتش السلجوقي. تملك حلب مديدة ثم أخذها منه زنكي وعوضه نصيبين فتملكها إلى أن مات في شعبان وطالت أيامه بها وخلف ذرية فحملوا.

وسنجر السلطان الأعظم معز الدين أبو الحارث ولد السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جعفر بيك السجوقي، صاحب خراسان وأجل ملوك العصر وأعرقهم نسبا وأقدمهم ملكا وأكثرهم جيشا. واسمه بالعربي أحمد بن الحسن بن محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق.

خطب له بالعراق والشام والجزيرة وأذربيجان وأران والحرمين وخراسان وما وراء النهر وغزنه. وعاش ثلاثا وسبعين سنة. قال ابن خلكان: أول ما ناب في المملكة عن أخيه بركياروق سنة تسعين وأربع مائة. ثم استقل بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمس مائة. ولقب حينئذ بالسلطان. وكان قبل ذلك يلقب بالملك المظفر. وكان وقورا مهيبا ذا حياء وكرم وشفقة على الرعية. وكان مع كرمه المفرط من أكثر الناس مالا. اجتمع في خزائنه من الجوهر ألف رطل وثلاثون رطلا وهذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك فيما نعلم. توفي في ربيع الأول ودفن في قبة بناها وسماها دار الآخرة. وقد تضعضع ملكه في أواخر أيامه وقهرته الغز ورأى الهوان. ثم من الله عليه وخلص كما تقدم.

وعبد الصبور بن عبد السلام أبو صابر الهروي التاجر. روى جامع الترمذي ببغداد عن أبي عامر الأزدي. وكان صالحا خيرا.

وعبد الملك بن مسرة أبو مروان اليحصبي الشنتمري ثم القرطبي أحد الأعلام. قال ابن بشكوال: كان ممن جمع الله له الحديث والفقه مع الأدب البارع والخط الحسن والفضل والدين والورع والتواضع. أخذ الموطأ عن أبي عبد الله الطلاع سماعا وصحب أبا بكر بم مفوز وتوفي في شعبان.

وعثمان بن علي البيكندي أبو عمر مسند بخارى. كان إماما عالما ورعا عابدا متعففا تفرد بالرواية عن أبي المظفر عبد الكريم الأندقي. وسمع من عبد الواحد الزبيري المعمر وطائفة. ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.

وعمر بن عبد الله الحربي المقرئ أبو حفص سمع الكثير وصدر الدين أبو بكر الخجندي محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت رئيس أصبهان وعالمها. قال ابن السمعاني: كان صدر العراق في زمانه على الإطلاق إماما مناظرا واعظا جواد مهيبا. كان السلطان محمود يصدر عن رأيه وكان بالوزراء اشبه منه بالعلماء. درس ببغداد بالنظامية وكان يعظ وحوله السيوف. مات فجأة بقرية بين همزان ولكرج في شوال وقد روى عن أبي علي الحداد.

وأبو بكر بن الزاغوني محمد بن عبيد الله بن نصر البغدادي المجلد. سمع أبا القاسم بن البسري وأبا نصر الزينبي والكبار. وصار مسند العراق. وكان صالحا مرضيا إليه المنتهى في التجليد. اصطفاه الخليفة لتجليد خزانة كتبه. توفي في ربيع الأخر وله أربع وثمانون سنة.

وأبو الحسن بن الخل الفقيه الشافعي محمد بن المبارك بن محمد العكبري. أتقن المذهب على أبي بكر الشاشي المستظهري ودرس وأفتي وصنف وأقرأ. له مصنف في شرح التنبيه ومصنف الأصول روى عن النعالي وابن البطر وطائفة. ومات في المحرم عن سبع وسبعين سنة.

ونصر بن نصر علي أبو القاسم العكبري الواعظ. روى عن أبي القاسم ابن اليسري وطائفة. توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة

فيها اتفق السلطان ملك شاه وأخوه محمد شاه. وسار محمد فأخذ خوزستان.

وفيها زار المقتفي مشهد الحسين ودخل واسط. وفيها خرج إلى المدائن وكان يركب في تجمل عظيم وأبهة تامة.

وفيها قال ابن الأثير: نزل ألف وسبع مائة من الإسماعيلية على زوق كبير التركمان فجازوه فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف فلم ينج منهم إلا تسعة أنفس. فلله الحمد.

وفيها تمت عدة وقعات بين عسكر خراسان وبين الغز وقتل خلق.

وفيها توفي مسند الدنيا أبو الوقت عبد الأول بن شعيب بن عيسى بن شعيب السجزي ثم الهروي الماليني الصوفي الزاهد. سمع الصحيح ومسندي الدارمي وعبد بن حميد من جمال الإسلام الداودي في سنة خمس وستين وأربع مائة. وسمع من أبي عاصم الفضيلي ومحمد بن أبي مسعود الفارسي وطائفة. وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه. وعمر إلى هذا الوقت وقدم بغداد فازدحم الخلق عليه وكان خيرا متواضعا متوددا حسن السمت متين الديانة محبا للرواية. توفي في سادس ذي القعدة ببغداد وله خمس وتسعون سنة.

وكوتاه الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني. توفي في شعبان عن سبع وسبعين سنة وحدث عن رزق الله التميمي وأبي بكر بن ماجه الأبهري وخلق. قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه مع طريقته وتواضعه، حدثنا لفظا وحفظا على منبر وعظه. وقال غيره: كان جيد المعرفة حسن الحفاظ ذا عفة وقناعة وإكرام للغرباء.

وعلي بن عساكر بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الخشاب. صحب الفقيه نصر المقدسي مدة وسمع منه سنة سبعين وأربع مائة. ثم سمع بدمشق من أبي عبد الله بن أبي الحديد. توفي في سن أبي الوقت صحيح الذهن والجسم. توفي في شوال.

والعلامة أبو حفص الصفار عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري. روى عن أبي بكر بن خلف وأبي المظفر موسى بن عمران وطائفة. ولقبه عصام الدين. وكان من كبار الشافعية يذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه بالأصول. قال ابن السمعاني: إمام بارع مبرز جامع لأنواع من العلوم الشرعية سديد السيرة مكثر. مات يوم عيد الضحى.

سنة أربع وخمسين وخمسمائة

فيها نهبت الغز نيسابور مرة ثالثة.

وفيها سار المقتفي إلى واسط فرماه الفرس وشج جبينه بقبيعة سيفه.

وفيها سار عبد المؤمن في مائة ألف فنازل المهدية برا وبحرا فأخذها من الفرنج بالأمان. ولكن ركبوا البحر وكان شتاء فغرق أكثرهم.

وفيها قتل بعض أصحاب نقيب العلوية بنيسابور فحمى رئيس الشافعية مؤيد الدين القاتل فقصد لنقيب الشافعية فاقتتلوا بالبلد وقتل جماعة وأحرق النقيب سوق العطارين وسكة معاد. فحشد المؤيد والتقى الفريقان واشتد الحرب وعظم الخطب وندرت الرؤوس عن كواهلها وأحرقت المدارس والأسواق واستحر القتل بالشافعية وهرب المؤيد وكاد يخرب البلد وعصى العلوي بالبلد وتعثرت الرعية وتمنوا الموت. وجاء المؤيد أبيه القائد فشد من الشافعية فبالغ القوم في أخذ الثأر وحرقوا مدرسة الحنفية.

وفيها أقبلت الروم في جموع عظيمة وقصدوا الشام. فالتقاهم المسلمون فانتصروا، ولله الحمد، وأسر ابن أخت ملك الروم.

وفيها توفي ابن قفرجل أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي البغدادي الذهبي القطان. روى عن عاصم بن الحسن وجماعة.

وأبو جعفر العباسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي نقيب الهاشميين بمكة. روى عن أبي علي الشافعي وحدث ببغداد وأصبهان. وكان صالحا متواضعا فاضلا مسندا. توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وثلاثة أشهر. وسماعه في الخامسة من أبي علي.

وأبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي الشامي. مؤلف رسالة البرهان التي رواها عنه ابن الزبيدي. كان صالحا عابدا صاحب سنة وحديث. روى عن أبي سعد بن الطيوري وأبي طالب اليوسفي وأبي القاسم الحصين. توفي في ذي الحجة وقد شاخ.

والحسن بن جعفر بن المتوكل أبو علي الهاشمي العباسي. سمع أبا غالب بن الباقلاني وغيره. وكان أديبا شاعرا صالحا جمع سيرة المرشد وسيرة المقتفي. وتوفي في جمادى الآخرة.

ومحمد شاه بن السلطان محمود بن ملكشاه أخو ملكشاه السلجوقي. توفي بعلة السل وله ثلاث وثلاثون سنة. وكان كريما عاقلا. وهو الذي حاصر بغداد من قريب. واختلف الأمراء من بعده فطائفة لحقت بأخيه ملكشاه وطائفة لحقت بسليمان شاه.

سنة خمس وخمسين وخمسمائة

فيها تملك سليمان شاه همذان. وذهب ملكشاه إلى أصبهان فمات بها.

وتوفي المقتفي وعقدت البيعة يومئذ للمستنجد بالله ولده. فأول من بايعه أخوه الكبير ثم ابن هبيرة وقاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني.

وفيها توفي الفائز صاحب مصر وأقيم بعده العاضد.

وفيها قبضت الأمراء على سليمان شاه وخطبوا لأرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه، بقيام زوج أمه إلدكز صاحب أران وأذربيجان.

وفيها توفي العميد بن القلانسي صاحب التاريخ أبو يعلي حمزة بن أسد التميمي الدمشقي الكاتب. حدث عن سهل بن بشر الإسفراييني. وولي رئاسة البلد مرتين. وكان يسمى أيضا المسلم. توفي في ربيع الأول عن بضع وثمانين سنة.

وأبو يعلي بن الحبوبي حمزة بن علي بن هبة الله الثعلبي الدمشقي البزبز. سمع أبا القاسم المصيصي ونصر المقدسي. مات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة. وكان لا بأس به.

وخسرو شاه سلطان غزنة. تملك بعد أبيه بهرام شاه بن مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين. وكان عادلا سائسا مقربا للعلماء. وكانت دولته تسع سنين. وتملك بعده ولده ملكشاه.

وأبو جعفر الثقفي قاضي العراق عبد الواحد بن أحمد ابن محمد وقد ناهز الثمانين. ولي قضاة الكوفة مدة وسمع من أبي النرسي. ثم ولاه المستنجد في هذا العام قضاء القضاة. فتوفي في آخر العام وقد ناهز الثمانين. وولي بعده ابنه جعفر.

والفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل بن الحافظ عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي. أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه وله خمس سنين. فحمله الوزير عباس على كتفه وقال: يا أمراء: هذا ولد مولاكم وقد قتل مولاكم أخواه فقتلتهما كما ترون، فبايعوا هذا الطفل. فقالوا: سمعنا وأطعنا. وضجوا ضجة واحدة. ففزع الصبي وبال واختل عقله فيما قيل من تلك الصيحة. وصار يتحرك ويصرع. وتوفي في رجب من هذه السنة وكان الحل والربط لعباس. فلما هرب عباس وقتل كان الأمر للصالح طلائع بن رزيك.

والمقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القائم العباسي أمير المؤمنين. كان عالما فاضلا دينا حليما شجاعا مهيبا خليقا للإمارة كامل السؤدد. وكان لا يجري في دولته أمر وإن صغر إلا بتوقيعه. وكتب في أيام خلافته ثلاث ربعات. ووزر له علي بن طراد ثم أبو نصر بن جهير ثم علي بن صدقة ثم ابن هبيرة وحجبه أبو المعالي بن الصاحب ثم جماعة بعده. وكان آدم اللون بوجهه أثر جدري مليح الشيبة عظيم الهيبة ابن حبشية. كانت دولته خمسا وعشرين سنة. توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة. وقد جدد باب الكعبة. واتخذ لنفسه من العقيق تابوتا دفن فيه.

وأبو المظفر التريكي محمد بن أحمد بن علي العباسي خطيب جامع المهدي. روى عن أبي نصر الزيني وعاصم بن الحسن وعاش خمسا وثمانين سنة. توفي في نصف ذي القعدة.

وأبو الفتوح الطائي محمد بن أبي جعفر محمد بن علي الهمذاني صاحب الأربعين سمع فيد بن عبد الرحمن الشعراني وإسماعيل بن الحسن الفرائضي وطائفة بخراسان والعراق والجبال توفي في شوال عن خمس وثمانين.

سنة ست وخمسين وخمسمائة

فيها ركب المستنجد بالله إلى الصيد مرتين.

وفيها توفي أبو حكيم النهراوني إبراهيم بن دينار الحنبلي الزاهد الفرضي أحد من كان يضرب به المثل في الحلم والتواضع. أنشأ مدرسة بباب الأزج. وقد اجتهد جماعة على إغضابه فلم يقدروا. وكان بصيرا بالمذهب.

وعلاء الدين الحسين بن الحسين الغوري سلطان الغور. تملك بعده ولده سيف الدين محمد.

وسليمان شاه ابن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي. وكان أهوج أخرق فاسقا بل زنديقا يشرب الخمر في نهار رمضان. قبض عليه الأمراء في العام الماضي ثم خنق في ربيع الآخر من هذه السنة.

وطلائع بن رزيك الأرمني ثم المصري الملك الصالح وزير الديار المصرية. غلب على الأمور في سنة تسع وأربعين. وكان أديبا شاعرا فاضلا رافضيا جوادا ممدحا. ولما بايع العاضد زوجه بابنته. ونقض أرزاق الأمراء فعملوا عليه بإشارة العاضد وقتلوه في الدهليز في رمضان. وكان في نصر التشييع كالسكة المحماة. كان يجمع الفقهاء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر وله مصنف في ذلك.

وأبو الفتح بن الصابوني عبد الوهاب بن محمد المالكي المقرئ الخفاف من قرية المالكية. روى عن النعالي وابن البطر وطبقتهما. وكتب وحصل وجمع أربعين حديثا. وقرأ القراءات على ابن بدران الحلواني وغيره. وتصدر للإقراء. وكان قيما بالفن. توفي في صفر عن أربع وسبعين سنة.

والوزير جلال الدين أبو الرضا محمد بن أحمد بن صدفة. وزر للراشد بالله. وكان في خير ودين. توفي في شعبان عن ثمان وخمسين سنة.

وابن المادح أبو محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي البغدادي. روى عن أبي نصر الزينبي وجماعة وتوفي في ذي القعدة.

والخاقان محمود بن محمد التركي سلطان ما وراء النهر وابن بنت السلطان ملكشاه السلجوقي. سار بالغز في وسط السنة وحاصر نيسابور شهرين. وكان كالمقهور مع الغز فهرب منهم إلى صاحب نيسابور المؤيد ثم خلاه المؤيد قليلا وسمله وحبسه

سنة سبع وخمسين وخمسمائة

فيها كان مصاف هائل بين جيوش أذربيجان وبين الكرج. فنصر الله الإسلام. وكانت الغنيمة تتجاوز الوصف.

وفيها حج الركب العراقي وحيل بينهم وبين البيت إلا شرذمة يسيرة ورد الناس بلا طواف.

وفيها توفي أبو يعلي حمزة بن أحمد بن فارس بن كروس السلمي الدمشقي. روى عن نصر المقدسي ومكي الرميلي وجماعة. وكان شيخا مباركا حسن السمت. توفي في صفر عن أربع وثمانين سنة. تفرد برواية الموطأ.

وزمرد الخاتون المحترمة صفوة الملوك بنت الأمير جاولي أخت دقاق صاحب دمشق لأمه وزوجة تاج الملوك بوري وأم ولديه شمس الملوك إسماعيل ومحمود. سمعت من أبي الحسن بن قبيس واستنسخت الكتب وحفظت القرآن، وبنت الخاتونية بصنعاء دمشق. ثم تزوجها أتابك زنكي فبقيت معه تسع سنين. فلما قتل حجت وجاورت بالمدينة ودفنت بالبقيع. أما خاتون بنت أنر زوجة الملك نور الدين فتأخرت ولها مدرسة بدمشق وخانقاه معروفة على نهر باناس.

وأبو مروان عبد الملك بن زهر بن عبد الملك الإشبيلي طبيب عبد المؤمن وصاحب التصانيف. أخذ عن والده وبرع في الصناعة.

والشيخ عدي بن مسافر بن إسماعيل الشامي ثم الهكاري الزاهد قطب المشايخ وبركة الوقت وصاحب الأحوال والكرامات. صحب الشيخ عقيلا المنبجي والشيخ حماد الدباس وعاش تسعين سنة. ولأصحابه فيه عقيدة تتجاوز الحد.

وهبة الله بن أحمد الشبلي أبو المظفر القصار المؤذن. توفي في سلخ السنة عن ثمان وثمانين سنة وبه ختم السماع من أبي نصر الزينبي.

وهبة الله بن أحمد أبو بكر الحفار. روى عن رزق الله التميمي. وتوفي في شوال. وكلاهما ببغداد.

سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

فيها غزا نور الدين ونزل تحت حصن الأكراد وكبست الفرنج جيشه فوقعت الهزيمة. وركب نور الدين فرسا ونجا. ونزل على بحيرة حمص وحلف لا يستظل بسقف أو يأخذ بالثأر. ثم لم شعث العسكر.

وفيها سار جيش المستنجد فالتقوا آل دبيس الأسديين أصحاب الحلة فالتقوهم فخذلت بنو أسد وقتل من العرب نحو أربعة آلاف وقطع دابرهم فلم يقم لهم بعدها قائمة.

وفيها توفي الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد والد الشيخ أبي عمر والشيخ الموفق وله سبع وستون سنة. وكان خطيب جماعيل ففر بدينه من الفرنج فهاجر إلى الله ونزل هو وآله بمسجد أبي صالح الذي بظاهر باب شرقي سنتين. ثم صعد إلى الجبل وبنى الدير ونزل هو وآله بسفح قاسيون. وكانوا يعرفون بالصالحية لنزولهم بمسجد أبي صالح ومن ثم قيل جبل الصالحية. وكان زاهدا صالحا قانتا لله صاحب جد وصدق وحرص على الخير. رحمة الله عليه.

وشهردار ابن الحافظ شيرويه بن شهردار الديلمي، المحدث أبو منصور الديلمي. قال ابن السمعاني: كان حافظا عارفا بالحديث فهما بالحديث فهما عارفا بالأدب ظريفا. سمع أباه وعبدوس بن عبد الله ومكي السلار وطائفة وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي. وعاش خمسا وسبعين سنة.

وعبد المؤمن بن علي القيسي الكومي التلمساني صاحب المغرب والأندلس. وكان أبوه صانعا في الفخار فصار أمره إلى ما صار. وكان أبيض مليحا ذا جسم وعمم يعلوه حمرة أسود الشعر معتدل القامة وضيئا جهوري الصوت فصيحا عذب المنطق لا يراه أحد إلا أحبه بديهة. وكان في الآخر شيخا أنقى. وقد سقت أخباره في تاريخي الكبير. مات غازيا بمدينة سلا في جمادى الآخرة. وكان ملكا عادلا سائسا عظيم الهيبة عالي الهمة كثير المحاسن متين الديانة قليل المثل. كان يقرأ كل يوم سبعا ويجتنب لبس الحرير ويصوم الاثنين والخميس ويهتم بالجهاد والنظر في الأمور كأنما خلق للملك.

وسديد الدولة بن الأنباري صاحب ديوان الإنشاء ببغداد وهو محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم الشيباني الكاتب البليغ: أقام في الإنشاء خمسين سنة. وناب في الوزارة ونفذ رسولا. وكان ذا رأي وحزم وعقل. عاش نيفا وثمانين سنة.

والجواد جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي الأصبهاني وزير صاحب الموصل أتابك زنكي. كان رئيسا نبيلا مفخما دمث الأخلاق سمحا كريما مفضالا متبوعا في أفعال البر والقرب مبالغا في ذلك. وقد وزر أيضا لولد زنكي سيف الدين غازي ثم لأخيه قطب الدين مدة ثم قبض عليه في هذه السنة وحبسه. ومات في العام الآتي فنقل ودفن بالبقيع. ولقد حكى ابن الأثير في ترجمة الجواد مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها في الأعمار.

سنة تسع وخمسين وخمسمائة

فيها كسر نور الدين الفرنج وأسر الابرنس.

وذلك أن صاحب ماردين نجم الدين نازل حارم فنجدتها الفرنج واجتمع عليها طائفة من ملوكهم وعلى الكل بيمند صاحب أنطاكية. ففر صاحب ماردين. وقصدهم نور الدين فالتقاهم. فانهزمت ميمنته وتبعتهم فرسان الفرنج فمالت ميسرته على رجالة الفرنج فحصدتهم فلما ردت فرسانهم ردت خلفهم الميمنة ومن بين أيديهم الميسرة. فأحاط به المسلمون وحمي الحرب واستحر القتل بالفرنج والأسر فأسر صاحب أنطاكية وصاحب طرابلس ومقدم الروم الدوك. وزادت عدة القتلى على عشرة آلاف وتسلم نور الدين قلعة حارم وفي آخر السنة قلعة بانياس.

وفيها سار ملك القسطنطينية بجيوشه وقصد بلاد الإسلام. فلما قاربوا مملكة قلج أرسلان جعل التركمان يبيتونهم ويغيرون عليهم في الليل حتى قتلوا منهم نحو العشرة آلاف فردوا بذلة. وطمع فيهم المسلمون وأخذوا لهم عدة حصون. ولله الحمد.

وفيها سار جيش نور الدين مع مقدم عسكره أسد الدين شيركوه فدخلوا مصر وقتل الملك المنصور ضرغام الذي كان قد قهر شاور السعدي. ثم تمكن شاور وخاف من عسكر الشام فاستنجد بالفرنج فنجدوه من القدس وما يليه. فدخل العسكر بلبيس وحصرهم الفرنج ثلاثة أشهر. فلما جاءهم الصريخ بما تم على دين الصليب بوقعة حارم صالحوا أسد الدين وردوا.

وفيها توفي أبو أسعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني بقية شيوخ نيسابور. روى عن أبي بكر بن خلف وموسى بن عمران وأبي سهل عبد الملك الدشتى وتفرد عنهم. عاش تسعا وسبعين سنة.

والسيد أبو الحسن علي بن حمزة العلوي الموسوي مسند هراة. سمع أبا عبد الله العمري ونجيب بن ميمون وأبا عامر الأزدي وطائفة وعاش نيفا وتسعين سنة.

وأبو الخير الباغبان محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني المقدر. سمع عبد الوهاب بن منده والمطهر البزاني وجماعة. وكان ثقة مكثرا. توفي في شوال.

ونصر بن خلف السلطان أبو الفضل صاحب سجستان. عمر مائة سنة. ملك منها ثمانين سنة. وكان عادلا حسن السيرة مطيعا للسلطان سنجر.

سنة ستين وخمسمائة

فيها وقعت فتنة هائلة بأصبهان بين صدر الدين عبد اللطيف بن الخجندي وبين غيره من أصحاب المذاهب سببها التعصب للمذاهب. فخرجوا إلى القتال وبقي الشر والقتل ثمانية أيام، قتل خلق كثير وأحرقت أماكن كثيرة.

وفيها توفي أبو العباس بن الحطئة أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي الفاسي المقرئ الصالح الناسخ. ولد سنة ثمان وسبعين وحج وقرأ القراءات على ابن الفحام وبرع فيها. وكان لأهل مصر فيه اعتقاد كبير رحمه الله توفي في المحرم وقبره بالقرافة.

وأمير ميران أخو السلطان نور الدين. أصابه سهم في عينه على حصار بانياس فمات منه بدمشق.

وأبو الندى حسان بن تميم الزيات. رجل حاج صالح. روى عن نصر المقدسي وتوفي في رجب عن بضع وثمانين سنة. روت عنه كريمة.

وأبو المظفر الفلكي سعيد بن سهل الوزير النيسابوري ثم الخوارزمي وزير خوارزمشاه. روى مجالس عن علي بن أحمد المديني ونص الله الخشنامي. وحج وتزهد وأقام بدمشق بالسميساطية. وكان صالحا متواضعا توفي في شوال.

وحذيفة بن سعد أبو المعمر بن الطاهر الأزجي الوزان. روى عن أبي الفضل بن خيرون وجماعة. توفي في رجب.

ورستم بن علي بن شهريار صاحب مازندران. استولى في العام الماضي على بسطام وقومس واتسعت مملكته ومات في ربيع الأول وتملك بعده ابنه علاء الدين حسن.

وعلي بن أحمد أبو الحسن اللباد الأصبهاني. سمع أبا بكر بن ماجه ورزق الله التميمي وطائفة. وأجاز له أبو بكر بن خلف. توفي في شوال.

وأبو القاسم بن البزري عمر بن محمد الشافعي فقيه أهل الجزيرة. تفقه ببغداد على الغزالي وإلكيا الهراسي. وصار أحفظ أهل زمانه للمذهب. وله مصنف كبير على إشكالات المهذب وكان ينعت بزين الدين جمال الإسلام. عاش تسعا وثمانين سنة.

وأبو عبد الله الحراتي محمد بن عبد الله بن العباس العدل ببغداد. سمع رزق الله التميمي وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري وطراد بن محمد. وكان أديبا فاضلا ظريفا. توفي في جمادى الأولى.

والقاضي أبو يعلي الصغير محمد بن أبي خازم محمد ابن القاضي الكبير أبي يعلي بن الفراء البغدادي الحنبلي. شيخ المذهب. تفقه على أبيه وعمه أبي الحسين. وكان مناظرافصيحا مفوها ذكيا. ولي قضاء واسط مدة ثم عزل منها. فلزم منزله. وأضر بآخره. توفي في ربيع الآخر وله ست وستون سنة.

وأبو طالب العلوي الشريف محمد بن محمد بن محمد بن أبي زيد الحسني البصري نقيب الطالبيين بالبصرة. روى عن أبي علي التستري وجعفر العباداني وجماعة. واستقدمه ابن هبيرة لسماع السنن فروى الكتاب بالإجازة سوى الجزء الأول فبالسماع من التستري. وأما ابن الحصري فروى عنه الكتاب عن التستري سماعا، وهذا لم يتابعه عليه أحد. توفي في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة.

وأبو الحسن بن التلميذ أمين الدولة هبة الله بن صاعد النصراني البغدادي شيخ قومه وقسيسهم، لعنهم الله، وشيخ الطب وجالينوس العصر وصاحب التصانيف. مات في ربيع الأول وله أربع وتسعون سنة.

وياغي أرسلان بن الداشمند صاحب ملطية. جرى بينه وبين جاره قلج أرسلان حروب عديدة. ثم مات وولى بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد فصالح قلج أرسلان.

والوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد الشيباني وزير المقتفي وابنه. ولد سنة تسع وتسعين وأربع مائة بالسواد ودخل بغداد شابا فطلب العلم وتققه وسمع الحديث وقرأ القراءات وشارك في الفنون وصار من فضلاء زمانه. ثم احتاج فدخل في الكتابة وولي مشارفة الخزانة. ثم ترقى وولي ديوان الخاص. ثم استوزره المقتفي فبقي وزيرا إلى أن مات. وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعروفه. روى عن أبي عثمان بن ملة وجماعة. ولما ولاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير وحلف أنه لا يلبسها. وذا شي لا يفعله قضاة زماننا ولا خطباؤه. كان مجلسه معمورا بالعلماء والفقهاء والبحث وسماع الحديث. شرح صحيحي البخاري ومسلم وألف كتاب العبادات في مذهب أحمد. ومات شهيدا مسموما في جمادى الأولى ووزر بعده شرف الدين أبو جعفر بن البلدي.

سنة إحدى وستين وخمسمائة

فيها ظهر ببغداد الرفض والسب وعظم الخطب.

وفيها خرجت الكرج في أرمينية وأذربيجان فقتلوا وسبوا.

وفيها أخذ نور الدين من الفرنج حصن المنيطرة.

وفيها توفي الرسمي الإمام أبو عبد الله الحسن بن العباس الأصبهاني الفقيه الشافعي مسند أصبهان. سمع أبا عمرو بن مندة ومحمود الكوسج وطائفة. وتفرد ورحل إليه. وكان زاهدا ورعا خاشعا بكاء فقيها مفتيا محققا تفقه به جماعة. توفي في غرة صفر وقد استكمل ثلاثا وتسعين سنة رحمه الله.

وعبد الله بن رفاعة بن غدير الفقيه أبو محمد السعدي المصري الشافعي الفرضي صاحب القاضي الخلعي. توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة كاملة. وقد ولي القضاء بمصر ثم وأبو محمد الأشيري عبد الله بن محمد المغربي الصنهاجي الفقيه الحافظ. روى عن أبي الحسن الجذامي والقاضي عياض. وكان عالما بالحديث وطرقه وبالنحو واللغة والنسب كثير الفضائل. وقبره بظاهر بعلبك.

وأبو طالب بن العجمي عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الفقيه الشافعي. تفقه ببغداد على الشاشي وأسعد الميهني. وسمع من ابن بيان وله بحلب مدرسة كبيرة. عاش إحدى وثمانين سنة ومات في شعبان.

والشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست أبومحمد الجيلي الزاهد شيخ العصر وقدوة العارفين صاحب المقامات والكرامات ومدرس الحنابلة محيي الدين. انتهى إليه التقدم في الوعظ والكلام على الخواطر. ولد بجيلان سنة إحدى وسبعين وأربع مائة وقدم بغداد شابا فتفقه على أبي سعد المخرمي وسمع من أبي غالب بن الباقلاني وجعفر السراج وطائفة. وصحب الشيخ حمادا الدباس. قال الشيخ الموفق: أقمنا عنده في مدرسته شهرا وتسعة أيام، ثم مات وصلينا عليه. قال: ولم أسمع عن أحد يحكي عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عنه ولا رأيت أحدا يعظم من أجل الين أكثر منه. قلت: عاش تسعين سنة.

سنة اثنتين وستين وخمسمائة

فيها سار أسد الدين شيركوه المسير الثاني إلى مصر يمعظم جيش نور الدين. فنازل الجيزة شهرين واستنجد وزير مصر شاور بالفرنج فدخلوا في النيل من دمياط والتقوا فنصر أسد الدين وقتل ألوف من الفرنج. قال ابن الأثير: هذا من أعجب ما أرخ أن ألفي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج. قلت: ثم استولى أسد الدين على الصعيد وتقوى بخراجها. وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى استراشوا ثم قصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدين. فحاصروه أربعة أشهر ثم كر أسد الدين منجدا له فترحلت الملاعين بعد أن استقر لهم بالقاهرة شحنة وقطيعة مائة ألف دينار في العام. وصالح شاور أسد الدين على خمسين ألف دينار أخذها ونزل إلى الشام.

وفيها قدم قطب الدين صاحب الموصل على أخيه نور الدين فغزوا الفرنج وأخذوا غير حصن.

وفيها احترقت اللبادين حريقا عظيما صار تاريخا وأقامت النار تعمل أياما. وصار أصلها من دكان طباخ وذهب للناس ما لا يحصى.

وفيها توفي خطيب دمشق أبو البركان الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الدمشقي الفقيه الشافعي. درس بالغزالية والمجاهدية. وبنى له نور الدين مدرسته التي عند باب الفرج فدرس بها وتعرف الأن بالعمادية. قرأ على أبي الوحش سبيع صاحب الأهوازي وسمع من أبي الحسن بن الموازيني توفي في ذي القعدة.

وعبد الجليل بن أبي سعد الهروي أبو محمد المعدل مسند هراة. تفرد بالرواية عن بيبي الهرثمية وعبد الرحمن كلار وعاش اثنتين وتسعين سنة. وهو أكبر شيخ للحافظ عبد القادر الرهاوي.

والحافظ أبو سعد السمعاني تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي محدث المشرق وصاحب التصانيف الكثيرة والرحلة الواسعة. عاش ستا وخمسين سنة. سمع حضورا من الشيروي وأبي منصور الكراعي. ثم رحل بنفسه وله ثلاث وعشرون فسمع من الفراوي وطبقته بنيسابور وهراة وبغداد وأصبهان ودمشق. وله معجم شيوخه في عشر مجلدات. وكان حافظا ثقة مكثرا واسع العلم كثير الفضائل ظريفا لطيفا متجملا نظيفا نبيلا شريفا. توفي في غزة ربيع الأول بمرو.

وأبو شجاع البسطامي عمر بن محمد بن عبد الله الحافظ المفسر الواعظ المفتي الأديب المتفنن وله سبع وثمانون سنة. سمع أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وجماعة وانتهت إليه مشيخة بلخ وتفقه عليه جماعة مع الدين والورع. تفرد برواية الشمائل ومسند الهيثم بن كليب.

وقينس بن محمد أبو عاصم السويقي الأصبهاني المؤذن الصوفي. رحل وسمع ببغداد من أبي وابن اللحاس أبو المعالي محمد بن محمد بن الجبان الحريمي العطار. سمع من طراد وطائفة. وهو آخر من روى بالإجازة عن أبي القاسم بن البسري. وكان صالحا ثقة ظريفا لطيفا. توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة.

وأبو طالب بن خضير المبارك بن علي البغدادي الصيرفي المحدث. كتب الكثير عن أبي الحسن بن العلاف وطبقته وبدمشق عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة. وعاش ثمانين سنة توفي في ذي الحجة.

ومسعود الثقفي الرئيس المعمر أبو الفرج بن الحسن ابن الرئيس المعتمد أبي عبد الله القاسم بن الفضل الأصبهاني مسند العصر ورحلة الآفاق. توفي في رجب وله مائة سنة. أجاز له عبد الصمد بن المأمون وأبو بكر الخطيب وسمع من جده وعبد الوهاب بن منده وطبقتهما.

وهبة الله بن الحسن بن هلال أبو القاسم البغدادي الدقاق مسند العراق. سمع عاصم بن الحسن وأبا الحسن الأنباري وعمر نحوا من تسعين سنة. توفي في المحرم. وكان شيخا لا بأس به متدينا.

سنة ثلاث وستين وخمسمائة

فيها أعطى نور الدين لنائبه أسد الدين حمص وأعمالها فبقيت بيد أولاده مائة سنة.

وفيها توفي أبو المعالي الباجسرائي التاني أحمد بن عبد الغني بن محمد بن حنيفة. روى عن ابن البطر وطائفة. توفي في رمضان وكان ثقة.

وأبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي. روى عن النعالي وطراد وطائفة. وكان ثقة متوددا. توفي في ذي الحجة. وله ثلاث وثمانون سنة.

وقاضي القضاة أبو البركات جعفر ابن قاضي القضاة أبي جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي. ولي قضاء العراق سبع سنين. ولما مات ابن هبيرة ناب في الوزارة مضافا إلى القضاء، فاستفظع ذلك. وقد روى عن ابن الحصين وعاش ستا وأربعين سنة. توفي في جمادى الآخرة.

وشاكر بن علي أبو الفضل الأسواري الأصبهاني. سمع أبا الفتح السوذرجاني وأبا مطيع وجماعة. توفي في أواخر رمضان.

وأبو محمد الطامذي عبد الله بن علي الأصبهاني المقرئ. عالم زاهد معمر. روى عن طراد وجعفر بن محمد العباداني والكبار. توفي في شعبان.

وأبو النجيب السهروردي عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه الصوفي القدوة الواعظ العارف الفقيه الشافعي أحد الأعلام. قدم بغداد وسمع أبا علي بن نبهان وجماعة. وكان إماما في الشافعية وعلما في الصوفية. توفي في جمادى الآخرة ودفن بمدرسته وله ثلاث وسبعون سنة.

وزين الدين صاحب إربل على كوجك بن بكتكين التركماني الفارس المشهور والبطل المذكور. ولقب بكوجك وهو بالعربي اللطيف القد والقصير. وكان مع ذلك معروفا بالقوة المفرطة والشهامة. وهو ممن حاصر المقتفي وخرج عليه ثم حسنت طاعته. وكان جوادا معطاء فيه عدل وحسن سيرة. يقال إنه جاوز المائة. توفي في ذي الحجة.

وأبو الحسن تاج القراء علي بن عبد الرحمن الطوسي ثم البغدادي. روى عن أبي عبد الله البانياسي ويحيى السيبي وجماعة. وكان صوفيا كبيرا. توفي في صفر عن سن عالية.

وأبو الحسن بن الصابي محمد بن إسحاق بن محمد بن هلال بن المحسن البغدادي. من بيت كتابة وأدب. سمع النعالي وغيره. وكان ثقة. توفي في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة.

والشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن الحسيني المصري شيخ الإقراء. قرأ علي أبي الحسن الحصيني وأبي الحسين الخشاب. وتصدر للإقراء وحدث عن محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي. توفي يوم عيد الفطر وله إحدى وثمانون سنة.

والجياني أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن ياسر الأنصاري الأندلسي. تفقه بدمشق على نصر الله المصيصي وأدب بها. قال ابن عساكر: ثم زاملني إلى بغداد. وسمع من ابن الحصين وسمع بمرو من أبي منصور الكراعي وبنيسابور من سهل المسجدي وطائفة. ثم سكن في الآخر حلب. وكان ذا معرفة جيدة بالحديث.

ونفيسة البزازة واسمها أيضا فاطمة بنت محمد بن علي البغدادية. روت على النعالي وطراد. وتوفيت في ذي الحجة.

والصائن أبو الحسين هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عساكر. الفقيه الشافعي. قرأ القراءات على جماعة منهم أبو الوحش سبيع. وسمع من النسيب وتفقه على جمال الإسلام وسمع ببغداد من ابن نبهان وعلق الخلاف على أسعد الميهني ودرس بالغزالية وأفتى وعني بفنون العلم. وكان ورعا خيرا كبير القدر. عرضت عليه خطابة البلد فامتنع. توفي في شعبان.

سنة أربع وستين وخمسمائة

فيها سار أسد الدين مسيره الثالث إلى مصر. وذلك أن الفرنج قصدت الديار المصرية وملكوا بلبيس واستباحوها. ثم حاصروا القاهرة. وأخذوا كل ما كان خارج السور. فبذل شاور لملك الفرنج مري ألف ألف دينار يعجل له بعضها. فأجاب. فحمل إليه مائة ألف دينار وكاتب نور الدين واستصرخ به وسود كتابه وجعل في طيه ذوائب نساء القصر. وواصل كتبه يستحثه، وكان بحلب. فساق إليه أسد من حمص. فأخذ بجمع العساكر ثم توجه في عسكر لجب فيقال كانوا سبعين ألفا من بين فارس وراجل. فتقهقر الفرنج ودخل القاهرة في ربيع الآخر وجلس في دست الملك وخلع عليه العاضد خلع السلطنة وعهد إليه بوزارته وقبض على شاور فأرسل إليه العاضد بطلب رأس شاور فقطع وأرسل إليه. فلم ينشب أسد الدين أن مات بعد شهرين. فقلد العاضد منصبه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين ولقبه بالملك الناصر.

ثم ثار عليه السودان فحاربهم وظفر بهم وقتل منهم خلقا عظيما.

وفيها توفي أبق الملك المظفر مجير الدين. صاحب دمشق قبل نور الدين وابن صاحبها جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري التركي ثم الدمشقي. ولد ببعلبك في إمرة أبيه عليها وولي دمشق بعد أبيه خمس عشرة سنة وملكوه وهو دون البلوغ. وكان المدبر لدولته أنر فلما مات أنر انبسطت يد أبق ودبر الأمور الوزير الرئيس أبو الفوارس المسيب بن علي الصوفي ثم غضب عليه وأبعده إلى صرخد واستوزر أخاه أبا البيان حيدرة مدة. ثم أقدم عطاء بن حفاظ من بعلبك وقدمه على العسكر وقتل حيدرة ثم قتل عطاء ولما انفصل عن دمشق توجه إلى بالس ثم إلى بغداد. قأقطعه المقتفي خبزا وأكرم مورده.

وشاور بن مجير بن نزار الهوازني السعدي أبو شجاع. ولاه ابن رزبك إمرة الصعيد فتمكن. وكان شهما شجاعا مقداما داهية. فحشد وجمع وتوثب على مملكة الديار المصرية وظفر بالعادل رزيك بن الصالح طلائع ابن رزيك وزير العاضد فقتله ووزر بعده. فلما خرج عليه ضرغام فر إلى الشام فأكرمه نور الدين وأعانه على عوده إلى منصبه. فاستعان بالفرنج على رفع أسد الدين عنه. وجرت له أمور طويلة.

وفي الآخر وثبت عليه جردبك النوري فقتله في جمادى الأولى، لأن أسد الدين تمارض فعاده شاور فقتلوه.

وشيركوه بن شاذي بن مروان الملك المنصور أسد الدين. قد ذكرنا من أخباره. توفي بالقاهرة فجأة في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة. ثم نقل إلى مدينة النبي ﷺ فدفن بها. وكان بطلا شجاعا شديد البأس ممن يضرب بشجاعته المثل. له صيت بعيد. توفي شهيدا بخانوق عظبم قتله في ليلة وكان كثيرا ما يعتريه. وورثه ولده الملك القاهر ناصر الدين محمد صاحب حمص.

وأبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المحدث مدرس الصادرية والمعينية. روى عن عبد الكريم بن حمزة وإسماعيل بن السمرقندي وطبقتهما. ورحل إلى بغداد وأصبهان وخرج لنفسه المعجم توفي في المحرم.

وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي شيخ المقرئين بالأندلس. ولد سنة إحدى وسبعين وأربع مائة. وقرأ القراءات على أبي داود ولازمه أكثر من عشر سنين. وكان زوج أمه فأكثر عنه. وهو أثبت الناس فيه. وروى الصحيحين وسنن أبي داود وغير ذلك. قال ابن الأبار: كان منقطع القرين في الفضل والزهد والورع مع العدالة والتواضع والإعراض عن الدنيا والتقلل منها صواما قواما كثير الصدقة. انتهت إليه الرئاسة في صناعة الإقراء عامة عمره لعلو روايته وإمامته في التجويد والإتقان. حدث عن جلة لا يحصون. توفي في رجب.

والقاضي زكي الدين أبو الحسن علي ابن القاضي المنتخب أبي المعالي محمد بن يحيى القرشين قاضي دمشق هو وأبوه وجده. استعفى من القضاء فأعفي. وسار يحج من بغداد وعاد إليها فتوفي بها وله سبع وخمسون سنة.

وأبو الفتح بن البطي الحاجب محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي مسند العراق وله سبع وثمانون سنة. أجاز له أبو نصر الزينبي وتفرد بذلك وبالرواية عن البانياسي وعاصم بن الحسن وعلي بن محمد بن محمد الأنباري والحميدي وخلق. وكان دينا عفيفا محبا للرواية صحيح الأصول. توفي في جمادى الأولى.

وأبو عبد الله الفارقي الزاهد محمد بن عبد الملك نزيل بغداد. كان يعظ ويذكر من غير كلفة. وللناس فيه اعتقاد عظيم. وكان صاحب أحوال ومجاهدات وكرامات ومقامات. عاش ثمانين سنة.

ومعمر بن عبد الواحد الحافظ أبو أحمد بن الفاخر القرشي العبشمي الأصبهاني المعدل. عاش سبعين سنة وسمع من أبي الفتح الحداد وأبي المحاسن الروياني وخلق. وببغداد من ابن الحصين. وعني بالحديث وجمعه. وعظ بأصبهان وآمل وقدم بغداد مرات فسمع أولاده. توفي في ذي القعدة بطريق الحجاز وكان ذا قبول ووجاهة.

سنة خمس وستين وخمسمائة

فيها جاءت الزلزلة العظمى بالشام. أطنب في وصفها العماد الكاتب وأبو المظفر بن الجوزي وغيرهما حتى قال بعضهم: هلك بحلب تحت الهدم ثمانون ألفا.

وفيها حاصرت الفرنج دمياط خمسين يوما ثم ترحلوا لأن نور الدين وصلاح الدين أجلبا عليهم وعلى بلادهم برا وبحرا. فعن صلاح الدين قال: ما رأيت أكرم من العاضد، أخرج إلي في هذه المرة ألف ألف دينار سوى الثياب وغيرها.

وفيها حاصر نور الدين سنجار ثم أخذها بالأمان. وتوجه إلى الموصل فبنى بها جامعا ورتب أمورها. ثم رجع فنازل الكرك ونصب عليها منجنيقين. ثم رحل عنها لحرب نجدة الفرنج فانهزموا منه.

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي ثم البغدادي. أحد العلماء المعدلين والفضلاء والمحدثين. سمع قاضي المارستان وطبقته وقرأ القراءات على سبط الخياط. وعني بالحديث أتم عناية. وكان يقتفي أثر ابن ناصر ويمشي خلفه. وقد لازمه مدة واستملى عليه. توفي في شعبان وله خمس وأربعون سنة. قال الشيخ الموفق: كان إماما في السنة ثقة حافظا مليح القراءة للحديث.

وأبو بكر بن النقور عبد الله بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزاز. ثقة محدث من أولاد الشيوخ. سمع العلاف وأبا الحسين بن الطيوري وطائفة. وطلب بنفسه مع الدبن والورع والتحري توفي في شعبان وله اثنتان وثمانون سنة.

وأبو المكارم عبد الواحد بن أبي طاهر محمد بن مسلم بن هلال الأزدي المعدل. أحضره أبوه أبو طاهر محمد بن المسلم بن الحسن بن هلال عند عبد الكريم الكفرطابي وهو في الرابعة في جزء خيثمة. ثم سمع من النسيب وغيره. وكان رئيسا جليلا كثير العبادة والبر. اسمه عبد الواحد. توفي في جمادى الآخرة. وأجاز له الفقيه نصر.

وفورجة أبو القاسم محمود بن عبد الكريم الأصبهاني التاجر. روى عن أبي بكر بن ماجه وسليمان الحافظ وأبي عبد الله الثقفي وغيرهم. توفي بأصبهان في صفر وبه ختم جزء لوين.

ومودود السلطان قطب الدين الأعرج صاحب الموصل وابن صاحبها أتابك زنكي. تملك بعد أخيه سيف الدين غازي فعدل وأحسن السيرة. توفي في شوال عن نيف وأربعين سنة. وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وكان محببا إلى الرعية.

سنة ست وستين وخمسمائة

فيها استخلف المتضيء أبو محمد الحسن بعد موت أبيه ونادى برفع الظلم والمكوس. قال ابن الجوزي: أظهر من العدل والكرم ما لم نره من الأعمار. واحتجب عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم. ولم يدخل عليه غير قايماز.

وفيها سار نور الدين وأبطل عن الجزيرة مكوسا وضرائب كثيرة.

وفيها أخذت الخزر مدينة دوين من بلاد أرمنية. وقتلوا من المسلمين نحوا من ثلاثين ألفا.

وفيها مات الوزير أبوجعفر بن البلدي لأن المستضيء استوزر أبا الفرج محمد بن عبد الله ابن رئيس الرؤساء. فانتقم من ابن البلدي وقتله وألقي في دجلة.

وأبو زرعة طاهر بن الحافظ محمد بن طاهر المقدسي ثم الهمذاني. ولد بالري سنة إحدى وثمانين وأربع مائة وسمع بها من المقومي وبالدون من عبد الرحمن بن محمد الدوني وبهمذان من عبدوس وبالكرج من السلارمكي وبساوة من الكامخي وروى الكثير وكان رجلا جيدا عريا من العلم. توفي بهمذان في ربيع.

وأبو مسعود الحاجي عبد الرحيم بن أبي الوفاء علي بن أحمد الأصبهاني الحافظ المعدل. سمع من جده غانم البرجي ورحل فسمع بنيسابور من الشيروي وببغداد من ابن الحصين. توفي في شوال في عشر الثمانين.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة المرسي نزيل شاطبة مكثر عن أبي علي الصدفي وإليه صارت عامة أصوله. وسمع أيضا من أبي محمد بن عتاب. وجمع فسمع من ابن غزال ورزين العبدري. قال ابن الأبار: كان عارفا يالأثر مشاركا في التفسير حافظا للفروع بصيرا باللغة والكلام فصيحا مفوها مع الوقار والسمت والصيام والخشوع ولي قضاء شاطبة وحدث وصنف. ومات في أول العام وله سبعون سنة.

ويحيى بن ثابت بن بندار أبوالقاسم البغدادي البقال. سمع من طراد والنعالي وجماعة. توفي في ربيع الأول وقد نيف على الثمانين.

والمستنجد بالله أبو المظفر بوسف بن المقتدي لأمر الله محمد بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي العباسي. خطب له أبوه بولاية العهد سنة سبع وأربعين واستخلف سنة خمس وخمسين. وعاش ثمانيا وأربعين سنة. وأمه طاوس الكرجية أدركت دولته. وله شعر وسط. وكان موصوفا بالعدل والديانة. أبطل المكوس وقام كل القيام على المفسدين. توفي في ثامن ربيع الآخر. حبس في حمام.

وابن الخلال القاضي الأديب موفق الدين يوسف بن محمد المصري صاحب ديوان الانشاء. توفي في جمادى الآخرة وقد شاخ. وولي بعده القاضي الفاضل.

سنة سبع وستين وخمسمائة

في أولها تجاسر صلاح الدين وقطع خطبة العاضد العبيدي وخطب للمستضيء أمير المؤمنين. فأعقب ذلك موت العاضد يوم عاشوراء. فجلس صلاح الدين للعزاء وبالغ في الحزن والبكاء. وتسلم القصر وما حوى. واحتيط على آل القصر في مكان أفراد لهم. وقرر لهم ما يكفيهم. ووصل إلى بغداد أبو سعد بن أبي عصرون رسولا بذلك. فغلقت بغداد فرحا وعملت القباب.

وكانت خطبة بني العباس قد قطعت من مصر من مائتي سنة وتسع سنين بخطبة بني عبيد. فقدم صندل المقتفوي بالخلع لنور الدين ولصلاح الدين. فلبس نور الدين الخلعة وهي فرجية وجبة وقباء وطوق ذهب وزنه ألف دينار وحصان بسرجه وسيفان ولواء وحصان آخر بحيث كتب بين يديه وقلد السيفين إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام.

وفيها سار نور الدين لحصار الكرك وطلب صلاح الدين فبعث يعتذر فلم يقبل عذره. وهم بالدخول إلى مصر وعزل صلاح الدين عنها. وبلغ صلاح الدين ذلك فجمع خواصه ووالده وخاله شهاب الدين الحارمي وجماعة أمراء وأطلعهم على أمره واستشارهم. فقال ابن أخيه تقي الدين عمر: إذا جاء قاتلناه. فتابعه غيره. فشتمهم أبوه نجم الدين أيوب واحتد وزيرهم وقال لابنه: أنا أبوك وهذا خالك، أفي هؤلاء من يريد لك من الخير مثلنا؟ فقال: لا. قال: والله لو رأيت أنا وهذا نور الدين لم يمكنا إلا أن ننزل ونقبل الأرض ولو أمرنا بضرب عنقك لفعلنا، فما ظنك بغيرنا، وهذه البلاد لنور الدين، ولو أراد عزلك فأي حاجة له في المجيء بل يطلبك بكتاب. وتفرقوا وكتب غير واحد من الأمراء بما تم فلما خلا نجم الدين بابنه قال: أنت جاهل تجمع هذا الجمع وتطلعهم على سرك، فلو قصدك نور الدين لم تر معك منهم أحدا، فاكتب إليه واخضع له. ففعل.

وفيها توفي أبو علي بن الرحبي أحمد بن محمد الحريمي العطار. روى عن النعالي وجماعة. ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة.

والعلامة أبو محمد بن الخشاب عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد البغدادي النحوي المحدث. ولد سنة اثنين وتسعين وأربع مائة. وسمع من علي بن الحسين الربعي وأبي النرسي. ثم طلب بنفسه وأكثر عن ابن الحصين وطبقته. وقرأ الكثير وكتبه بخطه المليح المتقن. وأخذ العربية عن أبي السعادات بن الشجري وابن الجواليقي. وأتقن العربية واللغة والهندسة وغير ذلك. وصنف التصانيف. وكان إليه المنتهى في حسن القراءة وسرعتها وفصاحتها مع الفهم والعذوبة. وانتهت إليه الإمامة في النحو. وكان ظريفا مزاحا قذرا وسخ الثياب يستقي في جرة مكسورة. وما تأهل قط ولا تسرى. توفي في رمضان.

وأبو محمد عبد الله بن منصور بن الموصلي البغدادي المعدل. سمع من النعالي وتفرد بديوان المتنبي عن أبي البركات الوكيل وعاش ثمانين سنة.

والعاضد لدين الله أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري الرافضي خاتمة خلفاء الباطنية. ولد في أول سنة ست وأربعين وخمس منة. وأقامه الصالح ابن رزيك بعد هلاك الفائز.

وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي في جموع من المغرب. فلما قرب غدر به أصحابه وقبضوا عليه وحملوه إلى العاضد فذبحه صبرا. ورد أن موت العاضد كان بإسهال مفرط. وقيل مات غما لما سمع بقطع خطبته. وقيل بل كان له خاتم مسموم فامتصه وخسر نفسه. وعاش إحدى وعشرين سنة.

وأبو الحسن بن النعمة علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري الأندلسي المريي ثم البلنسي. أحد الأعلام. توفي في رمضان وهو في عشر الثمانين. روى عن أبي علي بن سكرة وطبقته. وتصدر ببلنسية لإقراء القراءات والفقه والحديث والنحو. قال ابن الأبار: كان عالما حافظا للفقه والتفاسير ومعاني الآثار مقدما في علم اللسان فصيحا مفوها ورعا فاضلا معظما دمث الأخلاق. انتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى وصنف كتابا كبيرا في شرح سنن النسائي بلغ فيه الغاية. وكان خاتمة العلماء بشرق الأندلس.

والقاسم بن الفضل بن عبد الواحد بن الفضل أبو المطهر الأصبهاني الصيدلاني. روى عن رزق الله التميمي والقاسم بن الفضل الثقفي. توفي في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين.

وأبو المظفر محمد بن أسعد بن الحكيم العراقي الحنفي الواعظ. كان له القبول التام في الوعظ بدمشق. ودرس بالطرخانية والصادرية والمعينية. سمع أبا علي بن نبهان وجماعة. وروى المقامات عن الحريري. وصنف لها شرحا وصنف تفسير القرآن عاش نيفا وثمانين سنة.

وأبو عبد الله بن الفرس محمد بن عبد الرحيم الأنصاري الخزرجي الغرناطي. تفقه على أبيه وقرأ عليه القراءات وسمع أبا بكر بن عطية وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتاب وطبقته. وصار رأسا في الفقه وفي الحديث وفي القراءات. توفي في شوال ببلنسية وله ست وستون سنة.

وأبو حامد البروي الطوسي الفقيه الشافعي محمد بنن محمد تلميذ محمد ابن يحيى وصاحب التعليقة المشهورة في الخلاف. كان إليه المنتهى في معرفة الكلام والنظر والبلاغة والجدل بارعا في معرفة مذهب الأشعري. قدم بغداد وشغب على الحنابلة وأثار الفتنة ووعظ بالنظامية وبعد صيته. فأصبح ميتا. فيقال إن الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلو مسمومة. وقيل إن البروي قال: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية.

وأبو المكارم الباذرائي المبارك بن محمد المعمر الرجل الصالح. روى عن ابن البطر والطريثيثي. توفي في جمادى الآخرة.

ويحيى بن سعدون الإمام أبو بكر الأزدي القرطبي المقرئ النحوي نزيل الموصل وشيخها. قرأ القراءات على جماعة منهم ابن الفحام بالإسكندرية. وسمع بقرطبة من أبي محمد بن عتاب وبمصر من أبي صادق المديني وببغداد من ابن الحصين. وقد أخذ عن الزمخشري وبرع في العربية والقراءات وتصدر فيهما مدة. وكان ثقة ثبتا صاحب عبادة وورع وتبحر في العلوم. توفي يوم الفطر عن اثنتين وثمانين سنة.

سنة ثمان وستين وخمسمائة

فيها دخل قراقوش مملوك تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أخي السلطان صلاح الدين المغرب فنازل طرابلس المغرب مدة وافتتحها وكانت للفرنج.

وفيها التقى مليح بن لاون الأرمني فهزمهم. وكان نور الدين قد استخدم ابن لاون وأقطعه سيس وظهر له نصحه. وكان الكلب شديد النصح لنور الدين معينا له على الفرنج. ولما ليم نور الدين على إقطاعه سيس قال: أستعين به وأريح عسكري وأجعله سدا بيننا وبين صاحب القسطنطينية.

وفبها سار نور الدين فافتتح بهنسا ومرعش. ثم دخل الموصل ودان له صاحب الروم قلج أرسلان.

وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن شنيف الدارقزي المقرئ أسند من بقي في القراءات. لكنه لم يكن ماهرا بها. قرأ على ابن سوار وثابت ابن بندار. وعاش ستا وتسعين سنة.

وأرسلان خوارزم شاه بن اتسز خوارزم شاه بن محمد نوشتكين. رد من قتال الخطا فمرض ومات فتملك بعده ابنه محمود فغضب ابنه الأكبر خوارزم شاه علاء الدين تكش وقصد ملك الخطا فبعث معه جيشا. فهرب محمود واستولى هو على خوارزم. فالتجأ محمود إلى صاحب نيسابور المؤيد فنجده والتقيا فانهزم هؤلاء وأسر المؤيد وذبح بين يدي تكش صبرا وقتل أم أخيه. وذهب محمود إلى غياث الدين صاحب الغور فأكرمه.

وإلذكر ملك أذربيجان وهمذان. كان عاقلا جيد السيرة واسع الممالك عدد عسكره خمسون ألفا. وكان ابن امرأته أرسلان شاه بن طغرل السلجوقي هو السلطان وإلذكر أتابكة، لكنه كان من تحت حكمه. وولى بعده ابنه محمد البهلوان.

وأيوب بن شاذي الأمير نجم الدين الدويني والد الملوك صلاح الدين وسيف الدين وشمس الدولة وسيف الإسلام وشاهنشاه وتاج الملوك بوري وست الشام وربيعة خاتون وأخو الملك أسد الدين. شب به فرسه فحمل إلى داره ومات بعد أيام في ذي الحجة. وكان يلقب بالأجل الأفضل. دفن عند أخيه ثم نقلا سنة تسع وسبعين إلى المدينة النبوية. وأول ما ولى نجم الدين ولاية قلعة تكريت بعد أبيه لصاحبها الخادم بهروز نائب بغداد ثم غضب بهروز عليه بسبب أخيه أسد الدين. فقصدا أتابك زنكي فاستخدمهما. فلما ولي بعلبك استناب عليها نجم الدين فعمر بها الخانقاه. وكان دينا عاقلا كريما.

والمؤيد أبي به بن عبد الله السنجري صاحب نيسابور. قتل في هذا العام.

وجعفر بن عبد الله ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني أبو منصور. روى عن أبي مسلم السمناني وابن الطيوري. توفي في جمادى الآخرة.

وملك النجاة أبو نزار الحسن بن صافي البغدادي. كان نحويا بارعا وأصوليا متكلما وفصيحا متقعرا كثير العجب والتيه. قدم دمشق واشتغل بها وصنف في الفقه والنحو والكلام. وعاش وأبو جعفر الصيدلاني محمد بن الحسن الأصبهاني له أجازة من بيبي الهرثمية. تفرد بها. وسمع من شيخ الإسلام وطبقته بهراة ومن سليمان الحافظ وطبقته بأصبهان. توفي في ذي القعدة.

سنة تسع وستين وخمسمائة

فيها توفي نور الدين.

وثارت الفرنج ونزلوا على بانياس. فصالحهم أمراء دمشق وبذلوا لهم مالا وأسارى. فبعث صلاح الدين يوبخهم.

وفيها وعظ الشهاب الطوسي ببغداد فقال: ابن ملجم لم يكفر بقتل علي، فرجموه بالآجر. وهاشت الشيعة فلولا الغلمان لقتل. وأحرقوا منبره وهيئوا له للميعاد الآخر قوارير النفط ليحرقوه. ولامه نقيب النقباء فأساء الأدب. فنفوه من الحضرة. فدخل إلى مصر وارتفع بها شأنه وعظم.

وفيها توفي النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر الحسيني الأديب نقيب الطالبيين. روى عن أبي الحسين بن الطيوري وجماعة. وتوفي في جمادى الأولى.

وأبو إسحاق بن قرقول إبراهيم بن يوسف الوهراني الحمزي. وحمزة اسم قريته. سمع الكثير وعاش أربعا وستين سنة. وكان من أهل المغرب فقيها مناظرا متفننا حافظا للحديث بصيرا والحافظ أبو العلاء العطار الحسن بن أحمد الهمذاني المقرئ الأستاذ شيخ همذان وقارئها وحافظها. رحل وحمل القراءات والحديث عن الحداد. وقرأ بواسط على القلا نسي وببغداد على جماعة وسمع من ابن بيان وطبقته وبخراسان القراوي وطبقته. قال الحافظ عبد القادر: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف بل يتعذر وجود مثله في أعصار كثيرة. وأول سماعه من الدوني في سنة خمس وتسعين وأربع مائة. برع على حفاظ زمانه في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. وله التصانيف في الحديث والقراءات والرقائق. وله في ذلك مجلدات كبيرة منها كتاب زاد المسافر خمسون مجلدا. قال: وكان إماما في العربية، سمعت أن من جملة ما حفظ في اللغة كتاب الجمهرة. وخرج له تلامذة في العربية أئمة. منهم إنسان كان يحفظ كتاب الغريبين للهروي. ثم أخذ عبد القادر يصف مناقب أبي العلاء ودينه وكرمه وجلالته وأنه أخرج جميع ما ورثه وكان أبوه تاجرا وأنه سافر مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره ويبيت في المساجد ويأكل خبز الدخن إلى أن نشر الله ذكره في الآفاق. وقال ابن النجار: هو إمام في علوم القراءات والحديث والأدب والزهد والتمسك بالأثر. توفي في جمادى الأولى.

وأبو محمد الدهان سعيد بن المبارك البغدادي النحوي ناصح الدين. صاحب التصانيف الكثيرة. ألف شرحا للإفصاح في ثلاث وأربعين مجلدة وسكن الموصل وأضر بآخره. وكان سيبويه زمانه. تصدر للاشتعال خمسين سنة وعاش بضعا وسبعين سنة.

وعبد النبي بن المهدي اليمني الذي تغلب على اليمن ويلقب بالمهدي. وكان أبوه أيضا قد استولى على اليمن فظلم وغشم وذبح الأطفال. وكان باطنيا من دعاة المصريين. فهلك سنة ست وستين. وقام بعده الولد فاستباح الحرائر وتمرد على الله. فقتله شمس الدولة كما ذكرنا.

وأبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي نزيل فارس. سمع الموطأ من أبي عبد الله بن الطلاع. وقرأ القراءات عن أبي الحسن العبسي وسمع من حازم بن محمد والكبار. وحج سنة خمس مائة ولقي الكبار وعمر دهرا ولد سنة ست وسبعين وأربع مائة. وتصدر للإقراء مدة.

والفقيه عمارة بن علي بن زيدان أبو محمد الحكمي المذ حجي التميمي الشافعي القاضي نجم الدين نزيل مصر وشاعر العصر. قال ابن خانكان: كان شديد التعصب للسنة أديبا ماهرا لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدين فمدحه ثم أنه شرع في أمور وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين وإعادة دولتهم. فنقل أمرهم وكانوا ثمانية إلى صلاح الدين فشنقهم في رمضان. قلت: مات في الكهولة.

والسلطان نور الدين الملك العادل أبو القاسم محمود بن أتابك زنكي ابن أقسنقر التركي. تملك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة. وكان مولده في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مائة. وكان أجل ملوك زمانه وأعدلهم وأدينهم وأكثرهم جهادا وأسعدهم في دنياه وآخرته. هزم الفرنج غير مرة وأخافهم وجرعهم المر. وفي الجملة محاسنه أبين من الشمس وأحسن من القمر. وكان أسمر طويلا مليحا تركي اللحية نقي الخد شديد المهابة حسن التواضع طاهر اللسان كامل العقل والرأي سليما من التكبر خائفا من الله قل أن يوجد في الصلحاء الكبار مثله، فضلا عن الملوك. ختم الله له بالشهادة ونوله الحسنى إن شاء الله وزيادة، فمات بالخوانيق في حادي عشر شوال. وعهد بالملك إلى ولده الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة.

وهبة الله بن كامل المصري التنوخي قاضي القضاة وداعي الدعاة أبو القاسم قاضي الخليفة العاضد. كان أحد الثمانية الذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد. فشنقهم الملك صلاح الدين رحمه الله.

سنة سبعين وخمسمائة

فيها قدم صلاح الدين فأخذ دمشق ولا ضربة ولا طعنة.

وسار الصالح إسماعيل في حاشيته إلى حلب. ثم سار صلاح الدين فحاصر حمص بالمجانيق. ثم سار فأخذ حماة في جمادى الآخرة ثم سار فحاصر حلب وأساء العشيرة في حق آل نور الدين. ثم رد وتسلم حمص ثم عطف إلى بعلبك فتسلمها ثم كر فالتقى عز الدين مسعود بن مودود ابن صاحب الموصل وأخو صاحبها. فانهزم المواصلة على قرون حماة أسوأ هزيمة. ثم وقع الصلح. واستناب بدمشق أخاه سيف الإسلام. وكان بمصر أخوه العادل.

وفيها توفي أحمد بن المبارك المرقعاتي. روى عن جده لأمه ثابت بن بندار. وكان يبسط المرقعة للشيخ عبد القادر على الكرسي. توفي في صفر.

وخديجة بنت أحمد بن الحسن النهرواني. روت عن أبي عبد الله النعالي. وكانت صالحة. توفيت في رمضان.

وشملة التركماني. تملك بلاد فارس وجدد قلاعا وحارب الملوك ونهب المسلمين. وكان يخطب للخليفة. التقاه البهلوان بن إلدكز ومعه عسكرمن التركمان لهم ثأر على شملة فانهزم جيشه وأصابه سهم فأسر ومات. وكان ظالما جبارا فرح الناس بمصرعه. وكانت أيامه عشرين سنة.

وقايماز الملك قطب الدين المستنجدي. عظم في دولة مولاه وصار مقدم الجيش في دولة المستضيء واستبد بالأمور إلى أن هم بالخروج فسار بعسكره نحو الموصل. فمات في ذي الحجة وكان فيه كرم وقلة ظلم.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي اللبلي نزيل فارس ثم مراكش. روى عن ابن الطلاع وحازم بن محمد وسمع صحيح مسلم من أبي علي الغساني. قال ابن الأبار: كان من أهل الرواية والدراية. لازم مالك بن وهيب مدة.

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

فيها نقض صاحب الموصل. وسار السلطان سيف الدين غازي بن قطب الدين. فالتقاه صلاح الدين بنواحي حلب على تل السلطان. فانهزم غازي وجمعه وكانوا ستة آلاف وخمس مائة ولكن لم يقتل سوى رجل واحد. ثم سار صلاح الدين فأخذ منبج ثم نازل قلعة عزاز مدة. وقفز عليه الإسماعيلية فجرحوه في فخذه وأخذوا فقتلوا. وافتتح القلعة. ثم نازل حلب أشهرا، ثم وقع الصلح وترحل عنهم. وأطلق قلعة عزاز لولد نور الدين.

وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلدة أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي محدث الشام ثقة الدين. ولد في أول سنة تسع وتسعين وأربع مائة. وأسمع في سنة خمس وخمس مائة وبعدها من النسيب وأبي طاهر الحنلئي وطبقتهما. ثم عني بالحديث ورحل فيه إلى العراق وخراسان وأصبهان. وساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ في ذلك الذروة العليا. ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب.

وحفدة العطاري الإمام نجم الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد الطوسي الفقيه الشافعي الأصولي الواعظ تلميذ محيي السنة البغوي وراوي كتابيه شرح السنة ومعالم التنزيل. وقد دخل إلى بخارى وتفقه بها. ثم عاد إلى أذربيجان والجزيرة. وبعد صيته في الوعظ. قال ابن خلكان: توفي في ربيع الآخر. ثم قال: وقيل سنة ثلاث وسبعين.

سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

فيها أمر صلاح الدين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة في البر. وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاث مائة ذراع بالقاسمي. فلم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين. وأنفق عليه أموالا لا تحصى. وكان مشد بنائه قراقوش. وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل. ثم توجه إلى الإسكندرية وسمع الحديث من السلفي.

وفيها وقعة الكنز. جمع الكنز مقدم السودان خلقا. وجيش بالصعيد وسار إلى القاهرة في مائة ألف. فخرج لحربه نائب مصر سيف الدين أبو بكر العادل فالتقوا فانكسر الكنز وقتل في المصاف. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: قيل إنه قتل منهم ثمانون ألفا يعني من السودان.

وفيها توفي أبو محمد صالح بن المبارك بن الرخلة الكرخي المقرئ القزاز. سمع من النعالي وغيره. وتوفي في صفر.

والعثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي محدث الإسكندرية بعد السلفي في الرتبة. روى عن أبي القاسم بن الفحام والطرطوشي وخلق. ويعرف بابن أبي اليابس. وكان ثقة صالحا متعففا يقرئ النحو واللغة والحديث. وكان السلفي يؤذيه ويرميه بالكذب. فكان يقول: كل من بيني وبينه شيء فهو في حل إلا السلفي فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى. يقال: توفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة.

وعلي بن عساكر بن المرحب أبو الحسن البطائحي الضرير المقرئ الأستاذ. قرأ القراءات على أبي العز القلانسي وأبي عبد الله البارع وطائفة. وتصدر للإقراء وأتقن الفن وحدث عن أبي طالب بن يوسف وطائفة. توفي في شعبان.

ومحمد بن أحمد بن ماشاذه أبو بكر الأصبهاني المقرئ المحقق. قرأ القراءات وتفرد بالسماع من سليمان بن إبراهيم الحافظ. ومات في عشر المائة.

وأبو الفضل بن الشهرزوري قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم بن المظفر الموصلي الشافعي. ولد سنة إحدى وتسعين وأربع مائة. وتفقه ببغداد على أسعد الميهني. وسمع من نور الهدى الزينبي وبالموصل من جده لأمه على بن طوق. وولي قضاء بلده لأتابك زنكي. ثم وفد على نور الدين فبالغ في تبجيله وركن إليه وصار قاضيه ووزيره ومشيره ومن جلالته أن السلطان صلاح الدين لما أخذ دمشق وتمنعت عليه القلعة أياما مشى إلى دار القاضي كمال الدين. فانزعج وخرج لتلقيه. فدخل وجلس. وقال: طب نفسا فالأمر أمرك والبلد بلدك. توفي في سادس المحرم وهو من بيت قضاء وفقه.

وأبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار الكتاني الهروي الحنفي القاضي شرف الدين. كان بصيرا بالمذهب مناظرا دينا متواضعا. سمع الكثير من جده القاضي أبي العلاء والقاضي أبي عامر الأزدي ومحمد بن العميري والكبار. وتفرد في زمانه. وعاش سبعا وتسعين سنة. توفي في يوم عاشوراء. وهو آخر من روى جامع الترمذي عن أبي عامر.

سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

فيها وقعة الرملة. سار صلاح الدين من مصر فسبى وغنم ببلاد عسقلان. وسار إلى الرملة فالتقى الفرنج فحملوا على المسلمين فهزموهم. وبيّت السلطان وابن أخيه تقي الدين عمر. ودخل الليل واحتوت الفرنج على المعسكر بما فيه. وتمزق العسكر وعطشوا في الرمال واستشهد جماعة. وتحيز صلاح الدين ونجا ولله الحمد. وقتل ولد لتقي الدين عمر وله عشرون سنة. وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكاري. وكانت نوبة صعبة. ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم شعث الجيش.

وفيها توفي أرسلان شاه بن طغريل بن محمد بن ملكشاه السلجوقي سلطان أذربيجان. كان له السكة والخطبة. والقائم بدولته زوج أمه إلذكر. ثم ابنه البهلوان. فلما توفي خطبوا لولده طغريل الذي قتله خوارزم شاه.

والوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء الوزير أبي القاسم على بن المسلمة. روى عن ابن الحصين وجماعة وولى أستاذ دارية المقتفي ثم المستنجد ووزر للمستضيء. ولقب عضد الدين. وكان جوادا سريا معظما مهيبا. خرج للحج في محمل عظيم فوثب عليه واحد من الباطنية فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة.

وأبو محمد بن المأمون الأديب صاحب التاريخ هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي الأديب. روى عن قاضي المرستان. وشرح أيضا المقامات للحريري. توفي في ذي الحجة.

ولاحق بن علي بن كارة أخو دهبل البغدادي. روى عن أبي القاسم ابن بيان وغيره. وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة.

وأبو شاكر السقلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز. روى عن ثابت بن بندار والحسين بن البسري وجماعة. توفي في شعبان.

سنة أربع وسبعين وخمسمائة

فيها أخذ ابن قرايا الرافضي الذي ينشد في الأسواق ببغداد فوجدوا في بيته سب الصحابة. فقطعت يده ولسانه ورجمته العامة. فهرب وسبح فألحوا عليه بالآجر فغرق. فأخرجوه وأحرقوه. ثم وقع القبح على الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتى صاروا في ذلة اليهود. وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين سنة.

وفيها خرج نائب دمشق فرخشاه ابن أخي السلطان. فالتقى الفرنج فهزمهم. وقتل مقدمهم هنفري الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة.

وفيها أطلق السلطان حماة عند موت صاحبها خاله شهاب الدين الحارمي لابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه. وأطلق له أيضا المعرة ومنبج وفامية. فبعث إليها نوابه.

وفيها توفي أبو أحمد أسعد بن بلدرك الجبريلي البغدادي البواب المعمر في ربيع الأول عن مائة وأربع سنين. ولو سمع في صغره لبقي مسند العالم. سمع من أبي الخطاب الجراح وأبي الحسن بن العلاف.

والحيص بيص شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الشاعر المشهور وله ديوان معروف. كان وافر الأدب متضلعا من اللغة بصيرا بالفقه والمناظرة. توفي في شعبان.

وشهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ثم البغدادي الكاتبة المسندة فخر النساء. كانت دينة عابدة صالحة. سمعها أبوها الكثير وصارت مسندة العراق. روت عن طراد والنعالي وابن البطر وطائفة. وكانت ذا بر وخير. توفيت في رابع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة.

وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني آخر من بقي بأصبهان من أصحاب الرئيس الثقفي.

وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أخو عبد الحق. روى عن ابن بيان وجماعة. وكان خياطا دينا. توفي بمكة وله سبعون سنة.

وأبو الخطاب العليمي عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي التاجر السفار. طلب بنفسه وكتب الكثير في تجارته بالشام ومصر والعراق وماوراء النهر. روى عن نصب الله المصيصي وعبد الله بن الفراوي وطبقتهما. توفي في شوال عن أربع وخمسين سنة.

وأبو عبد الله بن المجاهد الزاهد القدوة محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي عن بضع وثمانين سنة. قرأ العربية ولزم أبا بكر بن العربي مدة. قال ابن الآبار: كان المشار إليه في زمانه بالصلاح والورع والعبادة إجابة الدعوة. وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم. آثاره مشهورة وكراماته معروفة مع الحظ الوافر من الفقه والقراءات.

ومحمد بن نسيم العيشوني. روى عن ابن العلاف وابن نبهان. وقع من سلم فمات في الحال في جمادى الآخرة.

سنة خمس وسبعين وخمسمائة

فيها نزل صلاح الدين على بانياس وأغارت سراياه على الفرنج ثم أخبر بمجيء الفرنج فبادر في الحال وكبسهم. فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل. فحملوا على المسلمين فبيتوا لهم ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا منهم مقدم الديوية فاستفك نفسه بألف أسير وبجملة من المال. وأما ملكهم فانهزم جريحا.

وفيها نزل قلج أرسلان صاحب الروم على حصن رعبان في عشرين ألفا. فنهض لنجدة الحصن تقي الدين صاحب حماة وسيف الذين المشطوب في ألف فارس. فكبسوا الروميين بغتة فركبوا خيولهم عريا ونجوا. وحوى تقي الدين الخيام بما فيها. ثم من على الأسراء بأموالهم وسرحهم.

وفيها مات المستضيء وبويع ابنه أحمد الناصر لدين الله في سلخ شوال.

وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء أبو الفتح بن الصائغ البغدادي الحنبلي. خدم أبا الخطاب الكلواذاني مدة. وحدث عن ابن بيان بحران.

وأبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي المقرئ. أخذ القراءات عن أبيه وأبي الحسن شريخ وطائفة وأقرأ بالإسكندرية والقاهرة واستملى عليه صلاح الدين وقربه واحترمه. وكان فقيها مفتيا محدثا مقرئا نسابة أخباريا بديع الخط. وقيل هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر توفي في رجب.

وتجني الوهابية أم عتب آخر من روى في الدنيا بالسماع عن طراد والنعالي. توفيت في شوال وآخر من حدث عنها ابن قميرة.

والمستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله بن يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العباسي. بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وسنين. ونهض بخلافته الوزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء فاستوزره. وكان ذا دين وحلم وأناة ورأفة ومعروف زائد. وأمه أرمنية. عاش خمسا وأربعين سنة. خلف ولدين: أحمد الناصر وهاشما. قال ابن الجوزي في المنتظم: أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا وفرق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس. وكان ليس للمال عنده وقع. قلت: كان يطلب ابن الجوزي ويأمر بعقد مجلس الوعظ ويجلس بحيث يسمع ولا يرى. وفي أيامه اختفى الرفض ببغداد ووهى. وأما بمصر والشام فتلاشى. وزالت دولة العبيديين أولي الرفض. وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن.

وأبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الشيخ الثقة عن إحدى وثمانين سنة. أسمعه أبوه الكثير من أبي القاسم الربعي وابن الطيوري وجعفر السراج وطائفة. ولم يحدث بما سمعه حضورا تورعا. وكان فقيرا صالحا متعففا كثير التلاوة جدا. توفي في جمادى الأولى.

وأبو الفضل عبد المحسن بن تريك الأزجي البيع. روى عن ابن بيان وجماعة. توفي يوم عرفة.

وأبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر القرشي الزبيري الدمشقي القاضي الحافظ. نزيل بغداد. سمع من أبي الدر ياقوت الرومي وطائفة بدمشق ومن أبي الوقت والناس ببغداد.

وصحب أبا وأبة هاشم الدوشابي عيسى بن أحمد الهاشمي العباسي البغدادي الهراس. روى عن الحسين بن البسري وغيره. توفي في رجب.

وأبو بكر بن خير واسمه محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الأشبيلي المقرئ الحافظ صاحب شريح. فاق الأقران في ضبط القراءات وسمع الكثير من أبي مروان الباجي وابن العربي وخلق. وبرع أيضا في الحديث واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة.

وأبو بكر الباقداري الضرير محمد بن أبي غالب الحافظ. سمع أبا محمد سبط الخياط فمن بعده. وبرع في الحديث حتى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله. قال ابن الدبيثي: انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه. وعليه كان المعتمد فيه. توفي كهلا في ذي الحجة.

وأبو عبد الله الوهراني المغربي محمد بن محرز ركن الدين وقيل جمال الدين الأديب الكاتب صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل الذي جمع أنواعا من المجون والأدب. مات في رجب بدمشق.

وأبو محمد بن الطباخ المبارك بن علي البغدادي الحنبلي المجاور بمكة. كان يكتب العبر ويؤم بحطيم الحنابلة. روى عن ابن الحصين وطبقته وكتب بخطه. سمع منه أبو سعد بن السمعاني وأبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركشاه الكاتب كان أديبا فاضلا مليح الإنشاء حسن الطريقة. كتب للأمير قايماز المستنجدي وروى المقامات عن الحريري مرارا. وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة. وتوفي في جمادى الأولى وله ست وثمانون سنة.

وأبو عمر بن عباد الأستاذ المقرئ المحقق يوسف بن عبد الله الأندلسي اللريي. قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصقيل وابن هذيل وسمع من طارق بن يعيش وخلق كثير وعني يصناعة الحديث وكتب العالي والنازل وبرع في معرفة الرجال وصنف التصانيف الكثيرة وعاش سيعين سنة.

سنة ست وسبعين وخمسمائة

فيها نزل صلاح الدين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه ثم رجع فوافاه القليد وخلع السلطنة بحمص من الناصر لدين الله فركب بها هناك. وكان يوما مشهودا.

وفيها ركب الناصر بأبهة الخلافة وعلى رأسه المظلة السوداء وعلى كريمته الطرحة. ثم ركب بعد أيام يتصيد.

وفيها توفي أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير مسند الدنيا ومعمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الأصبهاني الجرواني. وجروان محلة بأصبهان وسلفة لقب جده أحمد ومعناه غليظ الشفة. سمع من أبي عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الغفار بن اشته ومكي السلار وخلق كثير بأصبهان خرج عنهم في معجم وحدث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين. قال: وكنت ابن سبع عشرة سنة أكثر أو أقل ورحل سنة ثلاث فأدرك أبا الخطاب بن البطر ببغداد وعمل معجما لشيوخ بغداد. ثم حج وسمع بالكوفة والحرمين والبصرة وهمذان وأذربيجان والري والدينور وقزوين وزنجان والشام ومصر فأكثر وأطاب وتفقه فأتقن مذهب الشافعي وبرع في الأدب وجود القرآن بالروايات واسوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة مكبا على الاشتغال والمطالعة والنسخ وتحصيل الكتب. وقد أفردت أخباره في جزء. وجاوز المائة بلا ريب. وإنما النزاع في مقدار الزيادة. ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه. ولا أعلم أحدا مثله في هذا ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر رحمه الله.

وشمس الدولة الملك المعظم تورانشاه بن أيوب بن شاذي وكان أسن من أخيه صلاح الدين. وكان يحترمه ويتأدب معه. سيره فغزا النوبة فسبى وغنم ثم بعثه فافتتح اليمن وكانت بيد الخوارج الباطنية. وأقام بها ثلاث سنين. ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها فقدم وناب بدمشق لأخيه. ثم تحول إلى مصر فتوفي بالإسكندرية في صفر فنقل إلى الشام ودفنته أخته.

وأبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدمشقي. ولد سنة تسع وتسعين وعني به أبوه فأسمعه الكثير من النسيب وأبي طاهر الحنائي وطبقتهما. ولعب في شبابه وباع أصول أبيه بالهوان. توفي في رجب على طريقة حسنة.

وأبو المفاخر المأموني راوي صحيح مسلم بمصر سعيد بن الحسين ابن سعيد العباسي. روى الحديث هو وابنه وحفيده وناقلته.

وأبو الفهم بن أبي العجائز الأزدي الدمشقي واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد. وهو راوي حديث سخنام عن أبي طاهر الحنائي.

وأبو الحسن بن العصار النحوي علي بن عبد الرحيم السلمي الرقي ثم البغدادي. كان علامة في اللغة حجة في العربية. أخذ عن ابن الجواليقي. وكتب الكثير بخطه الأنيق وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره وخلف مالا طائلا وإليه انتهى علم اللغة. توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة.

وغازي السلطان سيف الدين صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدين مودود بن أتابك زنكي التركي الأتابكي. توفي في صفر بعلة السل وله ثلاثون سنة وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم. ومحمد بن محمد بن مواهب أبو العز بن الخراساني البغدادي الأديب صاحب العروض والنوادر وديوان الشعر الذي هو في مجلدات. كان صاحب ظرف ومجون وذكاء مفرط وتفنن في الأدب. روى عن أبي الحسين بن الطيوري وأبي سعد بن خشيش وجماعة. وتغير ذهنه قبل موته بقليل. توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة.

سنة سبع وسبعين وخمسمائة

فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح إسماعيل ابن السلطان نور الدين محمود بن زنكي. ختنه أبوه وعمل وقتا باهرا وزينت دمشق ثم مات أبوه بعد ختانه بأيام وأوصى له بالسلطنة فلم يتم وبقيت له حلب. وكان شابا أديبا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية بحيث أنهم قاتلوا عن حلب صلاح الدين قتال الموت وما تركوا شيئا من مجهودهم. ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المأتم وبالغوا في النوح والبكاء وفرشوا الرماد في الطرق. وكان له تسع عشرة سنة وأوصى بحلب لابن عمه عز الدين مسعود بن مودود فجأء وتملكها.

والكمال ابن الأنباري النحوي العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله. تفقه بالنظامية على بن الرزاز وأخذ النحو عن ابن الشجري واللغة عن ابن الجواليقي. وبرع في الأدب حتى صار شيخ العراق. توفي في شعبان وله أربع وستون سنة. وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا الدنيا له مائة وثلاثون مصنفا في الفقه والأصول والزهد وأكثرها في فنون العربية فرحمه الله.

وشيخ الشيوخ أبو الفتح عمر بن علي بن الزاهد محمد بن علي بن حمويه الجويني الصوفي وله أربع وستون سنة. روى عن جده والفراوي وطائفة. وولاه نور الدين مشيخة الشيوخ بالشام وكان وافر الحرمة.

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

فيها سار صلاح الدين فافتتح حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة والبيرة. ونازل الموصل فحاصرها وتحير من حصانتها. ثم جاءه رسول الخليفة يأمره بالترحل عنها. فرحل ورجع فأخذ حلب من عز الدين مسعود الأتابكي وعوضه بسنجار.

وفيها لبس لباس الفتوة الناصر لدين الله من شيخ الفتوة عبد الجبار ولهج بذلك وبقي يلبس الملوك. وإنما كمال المروة ترك لبس الفتوة.

وفيها بعث صلاح الدين أخاه سبف الإسلام طغتكين على مملكة اليمن فدخلها وتسلمها من نواب أخيه.

وفيها مات نائب دمشق فرخشاه وولي بعده شمس الدين محمد بن المقدم.

وفيها توفي أحمد بن الرفاعي الزاهد القدوة أبو العباس بن علي بن أحمد. وكان أبوه قد نزل البطائح بالعراق بقرية أم عبيدة فتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد. فولد له الشيخ أحمد في سنة خمس مائة. وتفقه قليلا على مذهب الشافعي. وكان إليه المنتهى في التواضع والقناعة ولين الكلمة والذل والانكسار والإزراء على نفسه وسلامة الباطن. ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء. وقد كثر الزغل فيهم وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات. وهذا ما عرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه. فنعوذ بالله من الشيطان.

وأبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس الدمشقي المقرئ. آخر من قرأ على أبي الوحش سبيع وآخر من سمع على الشريف النسيب. توفي في شوال وله ست وثمانون سنة.

وأبو القاسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود أبو القاسم الأنصاري القرطبي الحافظ محدث الأندلس ومؤرخها ومسندها وله أربع وثمانون سنة. سمع أبا محمد بن عتاب وأبا بحر بن العاص وطبقتهما. وأجاز له أبو علي الصدفي. وله عدة تصانيف. توفي في ثامن رمضان.

وخطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد عبد القاهر الطوسي ثم البغدادي. ولد في صفر سنة سبع وثمانين وسمع حضورا من طراد والنعالي وغيرهما. وسمع من ابن البطر وابي بكر الطريثيثي وخلق. وكان ثقة في نفسه. توفي في رمضان. قال ابن النجار: كان قرا الفقه والأصول على الكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي والأدب على أبي زكريا التبريزي وولي خطابة الموصل زمانا وتفرد في الدنيا وقصده الرحالون.

وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن علي بن حمنيس البغدادي السراج. سمع أبا الحسن بن العلاف وأبا سعد بن خشيش وجماعة. قال ابن الأخضر: كان لايحسن يصلي ولا أن يقول التحيات. قلت: توفي في رجب.

وفروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي عز الدين صاحب بعلبك وأبو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدين. كان ذا معروف وبر وتواضع وأدب. وكان للتاج الكندي به اختصاص. توفي بدمشق ودفن بقبته التي بمدرسته على الشرف الشمالي في جمادى الأولى وهو أخو صاحب حماة تقي الدين.

والقطب النيسابوري الفقيه العلامة أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود الطرثيثي الشافعي. ولد سنة خمس وخمس مائة وتفقه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي وتأدب على أبيه وسمع من هبة الله السيدي وجماعة. وبرع في الوعظ وحصل له القبول ببغداد ثم قدم دمشق سنة أربعين. وأقبلوا عليه. ودرس بالمجاهدية والغزالية. ثم خرج إلى حلب ودرس بالمدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين. ثم ذهب إلى همذان فدرس بها. ثم عاد بعد مدة إلى دمشق ودرس بالغزالية. وانتهت إليه رئاسة المذهب بدمشق. وكان حسن الأخلاق قليل التصنع مات في سلخ رمضان. ودفن يوم العيد بتربته.

وأبو محمد بن الشيرازي هبة الله بن محمد بن هبة الله بن مميل البغدادي المعدل الصوفي الواعظ. سمع أبا علي بن نبهان وغيره. وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمس مائة وهو شاب. فسكنها وأم بمشهد علي وفوض إليه عقد الأنكحة. توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثمانين. وأم بعده بالمشهد ابنه القاضي شمس الدين أبو نصر محمد.

وأبو الفضل وفاء بن أسعد التركي الخباز. روى عن أبي القاسم بن بيان وجماعة. توفي في ربيع الآخر وكان شيخا صالحا.

سنة تسع وسبعين وخمسمائة

في أولها نازل صلاح الدين حلب وبها عماد الدين مسعود فاقتتلوا ثم وقع الصلح فقتل عليها جماعة.

وفيها توفي بوري تاج الملوك مجد الدين أخو السلطان صلاح الدين وله ثلاث وعشرون سنة.

وتقية بنت غيث بن علي الأرمنازي الشاعرة المحسنة. لها شعر سائر. وكانت امرأة برزة جلدة. مدحت تقي الدين عمر صاحب حماة والكبار. وعاشت أربعا وسبعين سنة. ولها ابن محدث معروف.

وأبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح الأصبهاني مسند أصبهان. سمع أبا مطيع المصري وأحمد بن عبد الله الشوذرجاني وانفرد بالرواية عن جماعة. توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة وكان رجلا صالحا.

والأبله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار البغدادي. شاب ظريف وشاعر مفلق بزي الجند. وقيل له الأبله بالضد. توفي في جمادى الأخرة.

ومحمد بن جعفر بن عقيل أبو العلاء البصري ثم البغدادي المقرئ. قرأ القراءات على أبي الخير الغسال وسمع من ابن بيان وأبي النرسي وعاش ثلاثا وتسعين سنة.

وأبو طالب الكتاني محمد بن أحمد بن علي الواسطي المحتسب. توفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة. سمع من محمد بن علي بن أبي الصقر الشاعر وأبي نعيم الجماري وطائفة. وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي والباقلاتي وجماعة. ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن العلاف وكان ثقة دينا.

ويونس بن محمد بن منعة الإمام رضي الدين الموصلي الشافعي والد العلامة كمال الدين موسى وعماد الدين محمد. تفقه على الحسين بن نصر بن خميس وببغداد على أبي منصور الرزاز. ودرس وأفتى وناظر وتفقه به جماعة. توفي في المحرم وله ثمان وستون سنة.

سنة ثمانين وخمسمائة

فيها نازل صلاح الدين الكرك. ونصب عليها المجانيق. فجاءتها نجدات الفرنج وطلبوا وأجلبوا. فرأى أن حصارها يطول. فسار وهجم على نابلس فنهب وسبى.

وفيها توفي إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق الملك قطب الدين صاحب ماردين التركماني. وليها بعد أبيه مدة. وكان موصوفا بالشجاعة والعدل. توفي في جمادى الآخرة.

ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر أبو عبد الله القرشي الدمشقي الشروطي المعدل. توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة. وكان ثقة صاحب حديث. سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة. ورحل فسمع من هبة الله بن الطبر وفاضي المرستان. وكتب الكثير وأفاد. وكان شروطي البلد.

والسلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي أبو يعقوب صاحب المغرب. كان أبوه قد جعل الأمر بعده لولده محمد وكان طياشا شريبا للخمر فخلعه الموحدون بعد شهر ونصف. واتفقوا على بيعة أبي يعقوب. وكان أبيض مشربا بحمرة أسود الشعر مستدير الوجه أعين أفوه حلو الكلام مليح المفاكهة يصيرا باللغة وأيام الناس قوي المشاركة في الحديث والقرآن وغير ذلك. وقيل إنه كان يحفظ أحد الصحيحين. وكان شيخا جوادا هماما له همة في أيام خلافته في الفلسفة. وكان لا يكاد يفارق محمد بن طفيل الفيلسوف. وأما الممالك فافتتح ما لم يتهيأ لأبيه من الأندلس وغيرها. وهادن ملك صقلية على جزية يحملها وكان يملي أحاديث الجهاد بنفسه على الموحدين. وتجهز لغزو النصارى واستنفر الخلق في سنة تسع وسبعين ودخل الأندلس فنازل مدينة سنترين وهي لابن الدنق الفرنجي مدة ثم تكلموا في الرحيل. فتسابق الجيش حتى بقي أبو يعقوب في قل من الناس. فانتهزت الملاعين الفرصة وخرجوا فحملوا على الناس فهزموهم. وأحاطت الفرنج بالمخيم فقتل على بابه طائفة من أعيان الجند وخلص إلى أبي يعقوب فطعن في بطنه. ومات بعد أيام يسيرة في رجب وبايعوا ولده يعقوب.

سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

فيها نازل صلاح الدين الموصل. وكانت قد سارت إلى خدمته ابنة الملك نور الدين محمود زوجة عز الدين صاحب البلد وخضعت له فردها خائبة. وحصر الموصل. فبذل أهلها نفوسهم وقاتلوا أشد قتال. فندم وترحل عنهم لحصانتها. ثم نزل على ميافارقين فأخذها بالأمان ثم رد إلى الموصل وحاصرها أيضا ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له وأن يكون صاحبها طوعه وأن يكون لصلاح الدين شهرزور وحصنوها ثم رحل فمرض واشتد مرضه بحران حتى أرجفوا بموته وسقط شعر لحيته ورأسه.

وفيها هاجت الفتنة العظيمة بين التركمان وبين الأكراد بالجزيرة وأذربيجان وغلب من أجلها وتمادى تطاولها. وقتل من الفريقين خلق لا يحصون وتقطعت السبل.

وفيها استولى ابن غانية الملثم على أكثر بلاد إفريقية وخطب للناصر العباسي وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة.

وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف بن إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري الإسكندراني المالكي في شعبان وله ست وتسعون سنة. تفقه على أبي بكر الطرطوشي وسمع منه ومن أبي عبد الله الرازي وبرع في المذهب وتخرج به الأصحاب وقصده السلطان صلاح الدين وسمع منه الموطأ.

ومحمد البهلوان بن إلذكر الأتابك شمس الدين صاحب أذربيجان وعراق العجم. توفي في آخر السنة وقام بعده أخوه قزل. وكان السلطان طغرل السلجوقي من تحت حكم البهلوان كما كان أرسلان شاه من تحت حكم أبيه الذكر. ويقال كان للبهلوان خمسة آلاف مملوك.

والشيخ حياة بن قيس الحراني الزاهد القدوة شيخ أهل حران وصالحهم المشهور. توفي في سلخ جمادى الأولى وله ثمانون سنة. وكان صاحب زاوية وأتباع. زاره نور الدين ثم صلاح الدين.

وأبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعري ثم الدمشقي صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النورية. عاش خمسا وثمانين سنة.

والمهذب بن الدهان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي ذو الفنون. توفي بحمص في شعبان. وكان مدرسا بها.

وعبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الإشبيلي الحافظ ويعرف بابن الخراط. أحد الأعلام ومؤلف الأحكام الكبرى والصغرى والجمع بين الصحيحين وكتاب الغريبين في اللغة وكتاب الجمع بين الكتب الستة وغير ذلك روى عن أبي الحسن شريح وجماعة نزل بجاية وولي خطابتها وبها. توفي بعد محنة لحقته من الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة. وكان مع جلالته في العلم قانعا متعففا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السنة.

والسهيلي أبو زيد وأبو القاسم وأبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلامة الأندلسي المالقي النحوي الحافظ العلم صاحب التصانيف. أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى وجماعة وروى عن أبين العربي والكبار وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر وتصدر للإفادة. توفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الإسكندرية أبو الطاهر بن عوف وعاش اثنتين وسبعين سنة.

وعبد الرزاق بن نصر المسلم الدمشقي النجار. روى عن أبي طاهر بن الحنائي وأبي الحسن بن الموازيني وجماعة توفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.

وابن شاتيل أبو الفتح عبيد الله بن غبد الله بن محمد بن نجا الدباس مسند بغداد. سمع الحسين بن البسري وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة. تفرد بالرواية عن بعضهم. ووهم من قال: إنه سمع من ابن البطر. توفي في رجب عن تسعين سنة.

وعصمة الدين الخاتون بنت الأمير معين الدين أنر زوجة نور الدين ثم صلاح الدين. وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية والخانكاه التي بظاهر دمشق. توفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها التي هي تجاه قبة جركس بالجبل.

والميانشي أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي شيخ الحرم. تناول من أبي عبد الله الرازي سداسياته وسمع من جماعة وله كراس في علم الحديث. توفي بمكة.

والبانياسي أبو المجد الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدين الدمشقي. روى عن أبي القاسم الكلابي وأبي الحسن بن الموازيني. توفي في شوال وله ست وثمانون سنة.

وصاحب حمص الملك ناصر الدين محمد بن الملك أسد الدين شيركوه وابن عم السلطان صلاح الدين. كان فارسا شجاعا جريئا متطلعا إلى السلطنة. قيل إنه قتله الخمر وقيل بل سقي السم. مات يوم عرفة.

وأبو سعد الصائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني المحدث. روى عن غانم البرجي والحداد وخلق.

وأبو موسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد بن غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم. ولم يخلف بعده مثله. مات في جمادى الأولى. وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى.

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

قال العماد الكاتب: أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك ملوك الأعاجم والروم. فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والأزواد وتهيأوا. فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون لمثل ريح عاد ونحن جلوس عند السلطان والشموع توقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثل ركودها. وقال محمد بن القادسي: فرش الرماد في أسواق بغداد وعلقت المسوح يوم عاشوراء وناح أهل الكرخ وتعدى الأمر إلى سب الصحابة. وكانوا يصيحون: ما بقي كتمان. وكان ذلك منسوبا إلى مجد الدين بن الصاحب أستاذ الدار. وقال غيره: تمت فتنة ببغداد قتل فيها خلق من الرافضة والسنة.

وفيها توفي العلامة عبد الله بن بري أبو محمد المقدسي ثم المصري النحوي صاحب التصانيف وله ثلاث وثمانون سنة. روى عن أبي صادق المديني وطائفة وانتهى إليه علم العربية في زمانه. وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحره ومع ذلك فله حكايات في التغفل وسذاجة الطبع. كان يلبس الثياب الفاخرة ويأخذ في كمه العنب مع الحطب والبيض فيقطر على رجله ماء العنب فيرفع رأسه ويقول: العجب أنها تمطر مع الصحو. وكان يتحدث ملحونا ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب. وهو شيخ الجزولي.

سنة ثلاث وثمانون وخمسمائة

فيها افتتح صلاح الدين بالشام فتحا مبينا ورزق رزقا متينا وهزم الفرنج وأسر ملوكهم وكانوا أربعين ألفا. ونازل القدس وأخذه ثم عكا فأخذها ثم جال وافتتح عدة حصون ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلا الله.

وفيها قتل ابن الصاحب ولله الحمد ببغداد فذلت الرافضة.

وفيها قويت نفس السلطان طغريل بن أرسلان بن طغريل بن محمد بن ملكشاه السلجوقي وامتدت يده وحكم بأذربيجان بعد موت أبي بكر البهلوان بن إلذكر. فأرسل إلى بغداد يأمر بأن يعمر له دار السلطان وأن يخطبوا له. فأمر الناصر بالدار فهدمت وأخرج رسوله بلا جواب.

وفيها توفي عبد الجبار بن يوسف البغدادي شيخ الفتوة وحامل لوائها. وكان قد علا شأنه بكون الخليفة الناصر تفتى إليه. توفي حاجا بمكة.

وعبد المغيث بن زهير أبو العز الحربي محدث بغداد وصالحها وأحد من عني بالأثر والسنة. سمع ابن الحصين وطبقته وتوفي في المحرم عن ثلاث وثمانين سنة. وكان ثقة سنيا مفتيا صاحب طريقة حميدة. تبادر وصنف جزءا في فضايل يزيد أتى فيه بالموضوعات.

وابن الدامغاني قاضي القضاة أبو الحسن علي بن أحمد ابن قاضي القضاة علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي وله سبعون سنة. وكان ساكنا وقورا محتشما. حدث عن ابن الحصين وطائفة. وولي القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي ثم عزل عند موت المقتفي فبقي معزولا إلى سنة سبعين ثم ولي إلى أن مات.

وابن المقدم الأمير الكبير شمس الدين محمد بن عبد الملك. كان من أعيان أمراء الدولتين. وهو الذي سلم سنجار إلى نور الدين ثم تملك بعلبك. وعصى على صلاح الدين مدة فحاصره ثم صالحه. وناب له بدمشق. وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا. شهد في هذا العام الفتوحات. وحج فلما حل بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدين وضرب الكوسات. فأنكر عليه أمير ركب العراق طاشتكين فلم يلتفت إليه وركب في طلبه وركب طاشكتين. فالتقوا وقتل جماعة من الفريقين. وأصاب ابن المقدم سهم في عينه فخر صريعا. وأخذ طاشكتين ابن المقدم فمات من الغد بمنى.

ومخلوف بن علي بن جارة أبو القاسم المغربي ثم الاسكندراني المالكي. أحد الأئمة الكبار. تفقه به أهل الثغر زمانا.

وأبو السعادات القزاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد بن زريق الشيباني الحريمي مسند بغداد. سمع جده أبا غالب القزاز وأبا القاسم الربعي وأبا الحسين بن الطيوري وطائفة. توفي وأبو الفتح بن المني ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النهراوي ثم الحنبلي فقيه العراق وشيخ الحنابلة. روى عن أبي الحسن بن الزاغوني وطبقته. وتفقه على أبي يكر الدينوري. وكان ورعا زاهدا متعبدا على منهاج السلف. تخرج به أئمة. وتوفي في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلف مثله.

ومجد الدين ابن الصاحب هبة الله بن علي. ولي استاذ دارية المستضيء. ولما ولي الناصر رفع منزلته وبسط يده. وكان رافضيا سبابا. تمكن وأحيا شعار الإمامية وعمل كل قبيح إلى أن طلب إلى الديوان فقتل وأخذت حواصله. فمن ذلك ألف ألف دينار. وعاش إحدى وأربعين سنة.

سنة أربع وثمانين وخمسمائة

دخلت وصلاح الدين يصول ويجول بجنوده على الفرنج حتى دوخ بلادهم وبث سراياه. وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان سلموها لفرط القحط.

وفيها سار عسكر بغداد وعليهم الوزير جلال الدين بن يونس. فالتقوا السلطان طغريل بن رسلان السلجوقي. فهزمهم ورجعوا بسوء الحال وقبض طغريل على الوزير. وكان المصاف بهمذان. ثم خلص الوزير وتوصل إلى بغداد واختفى بداره.

وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر الكناني الشيزري أحد الأبطال المشهورين والشعراء المبرزين. وله عدة تصانيف في الأدب والأخبار والنظم والنثر. وفيه تشيع. عمر ستا وتسعين سنة.

وعبد الرحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القاسم الأنصاري المريي نزيل مرسية. عاش ثمانين سنة. قرأ القراءات على جماعة. ورحل بعد ذلك فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار. وكان من أئمة الحديث والقراءات والنحو واللغة. ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة. واشتهر ذكره وبعد وصيته. وكانت الرحلة إليه في زمانه. وقد صنف كتاب المغازي في عدة مجلدات.

وعمر بن بكر بن محمد بن علي القاضي عماد الدين ابن الإمام شمس الأئمة الجابري الزرنجري شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر ومن انتهت إليه رئاسة الفقه. توفي في شوال عن نحو ستين سنة.

والتاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي الخراساني الصوفي الرحال الأديب عن اثنتين وثمانين سنة. سمع من أبي الوقت وطبقته. وأملى بمصر مجالس وعني بهذا الشأن وكتب وسعى وجمع فأوعى وصنف شرحا طويلا للمقامات. قال يوسف بن خليل الحافظ: لم يكن في نقله بثقة. وقال ابن النجار: كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب. وكان من أظرف المشايخ وأجملهم.

وأبو الفتح بن التعاويذي الشاعر الذي سار نظمه في الآفاق وتقدم على شعراء العراق. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.

وابن صدقة الحراني أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة التاجر السفار. راوي صحيح مسلم عن الفراوي. شيخ صالح صدوق كثير الأسفار. سمع في كهولته الكتاب المذكور. وعمر سبعا وتسعين سنة. توفي في ربيع الأول بدمشق له أوقاف وبر.

وأبو بكر الحازمي الحافظ محمد بن موسى الهمذاني سمع من أبي الوقت ومن أبي زرعة ومعمر بن الفاخر. ورحل سنة نيف وسبعين إلى العراق وأصبهان والجزيرة والنواحي. وصنف التصاتيف. وكان إماما ذكيا ثاقب الذهن فقيها بارعا ومحدثا ماهرا بصيرا بالرجال والعلل متبحرا في علم السنن ذا زهد وتعبد وتأله وانقباض عن الناس. توفي في جمادى الأولى شابا عن خمس وثلاثين سنة.

ويحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الأصبهاني الصوفي. حضر في أول عمره على الحداد وجماعة وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وفاطمة الجوزدانية. وجده لأمه أبي القاسم صاحب الترغيب والترهيب وروى الكثير بأصبهان والموصل وحلب ودمشق. توفي بنواحي همذان وله سبعون سنة.

سنة خمس وثمانين وخمسمائة

في أول شعبان التقى صلاح الدين الفرنج. وفي وسطه التقى الفرنج أيضا، فانهزم المسلمون واستشهد جماعة. ثم ثبت السلطان والأبطال وكروا على الملاعين ووضعوا فيهم السيف. وجافت الأرض من كثرة القتلى.

ونازلت الفرنج عكا فساق صلاح الدين وضايقهم وبقوا محاصرين محصورين. والتقاهم المسلمون مرات وطال الأمر وعظم الخطب وبقي الحصار والحالة هذه عشرين شهرا أو أكثر. وجاء الفرنج في البحر والبر وملأوا السهل والوعر حتى قيل إن عدة من جاء منهم أو نجدهم بلغت ستة مائة ألف.

وفيها توفي أبو العباس الترك أحمد بن أبي منصور أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني شيخ صوفية بلده ومسندها. سمع أبا مطيع وعبد الرحمن الدوني وببغداد أبا علي بن نبهان. توفي في شعبان في عشر منه.

وابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسن علي بن الحسن السلمي. سمع من جده ورحل إلى بغداد في الكهولة. فسمع من أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وكان صالحا خيرا محدثا فهما. توفي في المحرم وهو في عشر التسعين.

وابن أبي عصرون قاضي القضاة فقيه الشام شرف الدين أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المظفر بن علي بن أبي عصرون التميمي الحديثي ثم الموصلي أحد الأعلام. تفقه بالموصل وسمع بها من أبي الحسن ابنه طوق ثم رحل إلى بغداد فقرأ القرآن على عبد الله البارع وسبط الخياط. وسمع من ابن الحصين وطائفة. ودرس النحو الأصلين ودخل واسطا فتفقه بها ورجع إلى الموصل بعلوم جمة. فدرس بها وأفتى. ثم سكن سنجار مدة ثم قدم حلب ودرس بها. وأقبل عليه نور الدين فقدم معه عندما افتتح دمشق. ودرس بالغزالية. ثم رد وولي قضاء سنجار وحران مدة. ثم قدم دمشق وولي القضاء لصلاح الدين سنة ثلاث وسبعين. وله مصنفات كثيرة. أضر في آخر عمره وتوفي في رمضان وله ثلاث وتسعون سنة.

وأبو طالب الكرخي صاحب ابن الخل. واسمه المبارك بن المبارك ابن المبارك شيخ الشافعية في وقته ببغداد وصاحب الخط المنسوب ومؤدب أولاد الناصر لدين الله. درس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني. وتفقه به جماعة. وحدث عن ابن الحصين. وكان رب علم وعمل ونسك وورع كان أبوه مغنيا فتشاغل بضرب العود حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد ثم أنف من ذلك فجود الكتابة حتى زاد بعضهم وقال: هو أكتب من ابن البواب. ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية.

سنة ست وثمانين وخمسمائة

دخلت والفرنج محدقون بعكا والسلطان في مقاتلتهم والحرب سجال فتارة يظهر هؤلاء وتارة يظهر هؤلاء. وقدمت عساكر الأطراف مددا لصلاح الدين. وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة. وفرغت السنة والناس كذلك.

وفيها توفي أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ الحافظ الكبير ابن صصرى التغلبي الدمشقي. سمع من جده ونصر الله المصيصي وطبقتهما. ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرج به. ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطي وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة وبأصبهان من ابن ماشاذ وطبقته وبالحيرة والنواحي. وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف مع الثقة والجلالة والكرم والرئاسة. عاش تسع وأربعن سنة.

وأبو عبد الله بن زرقون محمد بن سعيد بن أحمد الإشبيلي المالكي المقرئ المحدث. ولد سنة اثنتين وخمس مائة فأجاز له فيها أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني وسمع بمراكش من موسى بن أبي تليد وتفرد بالرواية عن جماعة. ولي قضاء سبتة. وكان فقيها مبرزا عالما سريا بصيرا بالحديث. توفي في رجب.

وأبو بكر بن الجد محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي الحافظ النحوي. بحث كتاب سيبويه على أبي الحسن بن الأخضر وسمع صحيح مسلم من أبي القاسم الهوزني ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتاب وطائفة وبرع في سنة إحدى وعشرين وخمس مائة وعظم جاهه وحرمته. توفي في شوال وله تسعون سنة.

ومحيي الدين قاضي القضاة أبو حامد محمد ابن قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشهرزوري الشافعي. تفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز وناب بدمشق عن أبيه. ثم ولي قضاء حلب ثم الموصل وتمكن من صاحبها عز الدين مسعود إلى الغاية. قال ابن خلكان: قيل إنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء والأدباء والشعراء والمحاويج. ويحكى عنه رئاسة ضخمة ومكارم كثيرة. توفي في جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة.

ومحمد بن المبارك بن الحسين أبو عبد الله بن أبي السعود الحلاوي الحربي المقرئ. روى بالإجازة عن أبي الحسين ابن الطيوري وجماعة ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السراج وغيره. وعاش ثلاثا وتسعين سنة.

ومسعود بن علي بن النادر أبو الفضل البغدادي قرأ على أبي بكر المزرفي وسبط الخياط. وكتب عن قاضي المرستان فمن بعده فأكثر. ونسخ مائة وإحدى وعشرين ختمة. وعاش ستين سنة وتوفي في المحرم.

وابن الكيال أبو الفتح نصر الله بن علي الفقيه الحنفي. مقرئ واسط. أخذ العشرة عن علي بن علي بن شيران وأبي عبد الله البارع وأخذ العربية عن ابن السجزي وابن الجواليقي وتفقه ودرس وناظر وولي قضاء واسط. توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وحدث عن ابن الحصين.

وزين الدين يوسف بن زين الدين على كوجك صاحب إربل وابن صاحبها وأخو صاحبها مظفر الدين مات مرابطا على عكا.

سنة سبع وثمانين وخمسمائة

اشتدت مضايقة الفرنج لعكا والحرب بينهم وبين السلطان مستمر. فرمي المسلمون بحجر ثقيل وهو مجيء ملك الأنكلتير في جمادى الأولى وكان رجل الفرنج دهاء ومكرا وشجاعة. فراسل صلاح الدين أهل عكا أن اخرجوا على حمية وسيروا مع الساحل وأنا أحمل بالجيش وأكشف عنكم. فما تمكنوا من هذا. ثم قلت الأقوات على المسلمين بها فسلموها بالأمان. فغدرت الفرنج ببعضهم.

ووفيها توفي الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الدمشقي الخرقي الشافعي. روى عن ابن الموازيني وعبد الكريم بن حمزة وجماعة. وكان فقيها متعبدا يتلو كل يوم وليلة ختمة. أعاد مدة بالأمينية. توفي في ذي القعدة وسنه ثمان وثمانون سنة والفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور الشاطبي الكاتب. وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكرة. وسمع أيضا من جماعة. وكان منشئا بليغا مفوها شاعرا توفي في صفر.

وأبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي النيسابوري مسند خراسان. سمع من جده وأبي بكر الشيروي وجماعة. وتفرد في عصره. توفي في آواخر شعبان عن سن عالية.

وتقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك الظفر صاحب حماة أحد الأبطال الموصوفين كان عمه صلاح الدين يحبه ويعتمد عليه وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدين فإنه كان نائبه على مصر. توفي وهو محاصر منازكرد في رمضان. فنقل ودفن بحماة. وتملك حماة بعده ابنه المنصور محمد.

وقزل أرسلان بن إلذكر ملك أذربيجان وأران وهمذان وأصبهان والري بعد أخيه البهلوان محمد. قتل غيلة على فراشه في شعبان.

ونجم الدين الخبوشاني محمد بن الموفق الصوفي الزاهد الفقيه الشافعي. تفقه على ابن يحيى. وكان يستحضر كتاب المحيط ويحفظه. ألف كتاب تحقيق المحيط في ستة عشر مجلدا. روى عن هبة الرحمن القشيري وقدم مصر وسكن بتربة الشافعي ودرس وأفتى وكان صلاح الدين يعتقد فيه ويبالغ في احترامه. وعمر له مدرسة الشافعي. وكان كالسكة المحماة في الذم لبني عبيد. ولما تهيب صلاح الدين من الإقدام على قطع خطبة العاضد، وقف الخبوشاني قدام المنبر وأمر الخطيب أن يخطب الخطبة لبني العباس. ففعل ولم يتم إلا الخير. ثم عمد إلى قبر أبي الكيزان الظاهري وكان من غلاة السنة وأهل الأثر فنبشه وقال: لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد، يعني هو والشافعي. فثارت حنابلة مصر عليه وقويت الفتنة وصار بينهم حملات حربية. وقد سقت فوائد من أخباره في تاريخي الكبير. توفي في ذي القعدة في عشر الثمانين.

والسهروردي الفيلسوف المقتول، شهاب الدين يحيى بن محمد بن حبش بن أميرك أحد أذكياء بني آدم. وكان رأسا في معرفة علوم الأوائل بارعا في علم الكلام فصيحا مناظرا محجاجا متزهدا زهد مردكة وفراغ، مزدريا للعلماء ومستهزئا رقيق الدين. قدم حلب واشتهر اسمه. فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدين مجلسا فبان فضله وبهر علمه فارتبط عليه الظاهر واختص به وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال فعملوا محضرا بكفره وسيروه إلى صلاح الدين وخوفوه من أن يفسد عقيدة ولده. فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة. فخيره الظاهر فاختار أن يموت جوعا لأنه كان له عادة بالرياضيات. فمنع من الطعام حتى تلف. وعاش ستا وثلاثين سنة. قال السيف الآمدي: رأيته كثير العلم قليل العقل،. قال: لا بد أن أملك الأرض. وقال ابن خلكان: حبسه الظاهر ثم خنقه في خامس رجب سنة سبع. قلت: كان زري اللباس وفي رجله زربول كأنه خربندج. وسائر تصانيفه فلسفة وإلحاد. قال ابن خلكان: كان يتهم بالانحلال والتعطيل.

سنة ثمان وثمانين وخمسمائة

فيها سار شهاب الدين الغوري صاحب غزنة بجيوشه فالتقى ملك الهند لعنهم الله فانتصر المسلمون واستحر القتل بالهنود وأسر ملكهم وغنم المسلمون ما لا يوصف من ذلك أربعة عشر فيلا. وافتتحوا في الحرارة قلعة جهير وأعمالها.

وفيها التقى المسلمون بالشام الفرنج غير مرة كلها للمسلمين إلاواحدة كان الملك العادل مقدمها ردهم العدو فهزموهم.

وفيها أخذ صلاح الدين يافا بالسيف ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر.

وفيها توفي الخبزوي أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشروطي الفرضي من أعيان المحدثين بدمشق وبها ولد. تفقه على جمال الإسلام ابن المسلم وغيره وسمع من هبة الله بن الأكفاني وطبقته ورحل إلى بغداد فسمع أبا علي الحسن بن محمد الباقرجي وأبا الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني والكبار وكتب الكثير وكان بصيرا بعقد الوثائق والسجلات. توفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة.

وموفق الدين خالد ابن الأديب البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقاء الكاتب. صاحب الخط المنسوب. كان صدرا نبيلا وافر الحشمة. وزر للسلطان نور الدين وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة. توفي بحلب.

وأبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبة البغدادي الطحان. روى عن ابن الحصين وزاهر. وقدم حران فروى بها المسند. وكان فقيرا صبورا. توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة. وحبة بباء موحدة.

والمشطوب الأمير مقدم الجيوش سيف الدين علي با أحمد ابن صاحب قلاع الهكارية أبي الهيجاء الهكاري نائب عكا لما أخذت الفرنج عكا أسروه. ثم اشتري بمبلغ عظيم. وقيل إن خبزه كان يعمل في السنة ثلاث مائة ألف دينار. ثم أقطعه صلاح الدين القدس فتوفي بها في شوال. وكان ابنه عماد الدين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر.

وقلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التركي السلجوقي صاحب الروم وحمو الناصر لدين الله. امتدت أيامه وشاخ وقوي عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته. وهي قونية وأقسر وسيواس وملطية. وعاش سلطانا اكثر من ثلاثين سنة. وتملك بعده ابنه غياث الدين كيخسروا.

وابن مجبر الشاعر أبو بكر يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الإشبيلي شاعر الأندلس في عصره. وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن.

سنة تسع وثمانين وخمسمائة

فيها توفي بكتمر السلطان سيف الدين صاحب خلاط. توفي في جمادى الأولى. وكان فيه دين وإحسان إلى الرعية وله همة عالية. ضرب لنفسه الطبل في أوقات الصلوات الخمس. قتله بعض الإسماعيلية.

وصاحب مكة داود بن عيسى بن فليتة بن قاسم بن محمد بن أبي هاشم العلوي الحسني. وكانت مكة تكون له تارة ولأخيه مكثر تارة.

ومحمود سلطان شاه أخو الملك علاء الدين خوارزمشاه بن أرسلان بن اتسز بن محمد الخوارزمي. تملك بعد أبيه سنة ثمان وستين. ثم قوى عليه أخوه وحاربه وتنقلت به الأحوال ثم وثب على مدينة مرو وكان نظيرا لأخيه في الجلالة والشجاعة. دفع الغزو عن مرو ثم تجمعوا له وحاربوه وقتلوا رجاله ونهبوا خزانته فاستعان على حربهم بالخطا. وجاء بجيش عرمرم واستولى على مملكة مرو وسرخس ونسا وأبيورد. وردت الخطا بمكاسب عظيمة من أموال المسلمين. ثم أغار على بلاد الغوري وظلم وعسف. ثم التقى هو والغورية فهزموه. ووصل إلى مرو في عشرين فارسا. وجرت له أمور طويلة. توفي في سلخ رمضان.

وسنان بن سلمان أبو الحسن البصري الإسماعيلي الباطني صاحب الدعوة وصاحب حصون الإسماعيلية. كان أديبا متفننا متكلما عارفا بالفلسفة أخباريا شاعرا ماكرا من شياطين الإنس.

وأبو منصور عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب البغدادي. روى عن أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان. ومات في ربيع الأول وقد قارب التسعين.

والخضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المالكي. روى عن محمد بن أحمد الرازي وغيره.

وصاحب الموصل السلطان عز الدين مسعود بن مودود ابن أتابك زنكي بن آقسنقر. قال ابن الأثير: بقي عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين وبالتلاوة ورزق خاتمة خير. وكان كثير الخير والإحسان يزور الصالحين ويقربهم ويشفعهم. وفيه حلم وحياء ودين. قلت: دفن في مدرسته بالموصل. وتملك بعده ولده نور الدين.

وصلاح الدين السلطان الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل التكريتي المولد. ولد في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة إذ أبوه شحنة تكريت. ملك البلاد ودانت له العباد وأكثر من الغزو وأطاب وكسر الفرنج مرات. وكان خليقا للملك شديد الهيبة محببا إلى الأمة عالي الهمة كامل السؤدد جم المناقب. ولي السلطنة عشرين سنة. وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين في صفر وارتفعت الأصوات بالبلد بالبكاء وعظم الضجيج حتى إن العاقل يتخيل أن الدنيا كلها تصيح صوتا واحدا. وكان أمرا عجيبا.

سنة تسعين وخمسمائة

فيها سار بنارس أكبر ملوك الهند وقصد الإسلام فطلبه شهاب الدين الغوري فالتقى الجمعان على نهر ماحون. كذا قال ابن الأثير: وكان مع الهندي سبع مائة فيل ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس. فصبر الفريقان وكان النصر لشهاب الدين وكثر القتل في الهنود حتى جافت منهم الأرض. وأخذ شهاب الدين تسعين فيلا وقتل بنارس ملك الهند. وكان قد شد أسنانه بالذهب فما عرف إلا بذلك. ودخل شهاب الدين بلاد بنارس وأخذ من خزانته ألفا وأربع مائة حمل وعاد إلى غزنة. ومن جملة الفيلة فيل أبيض. حدثني بذلك من رآه.

وفيها حارب علاء الدين خوارزم شاه بأمر الخليفة السلطان طغريل. فالتقاه وهزم جيشه وقتل طغريل وحمل رأسه على رمح إلى بغداد ومعه قاتله شاب تركي أمير.

وفيها توفي القزويني العلامة رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني الفقيه الشافعي الواعظ. ولد سنة اثنتي عشرة وخمس مائة وتفقه على الفقيه ملكدار العمركي ثم بنيسابور على محمد بن يحيى حتى فاق الأقران وسمع من الفراوي وزاهر وخلق. ثم قدم بغداد قبل ستين ودرس بها ووعظ ثم قدمها قبل السبعين ودرس بالنظامية. وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ وروى كتبا كبارا ونفق كلامه على الناس لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثرة محفوظاته. وكان صاحب قدم راسخة في العبادة عديم النظير كبير الشأن. رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحرم رحمه الله عليه.

وطغريل شاه بن أرسلان شاه بن طغريل بن محمد بن ملكشاه السلجوقي السلطان أذربيجان. طلب السلطنة من الخليفة وأن يأتي بغداد ويكون على قاعدة الملوك السلجوقية. فمنعه الخليفة فأظهر العصيان فانتدب لحربه علاء الدين الخوارزمي وقتله. وكان شابا مليحا موصوفا بالشجاعة.

وعبد الخالق بن فيروز الجوهري الهمذاني الواعظ. أكثر الترحال وروى عن زاهر والفراوي وطائفة. ولم يكن ثقة ولا مأمونا.

وعبد الوهاب بن علي القرشي الزبيري الدمشقي الشروطي، ويعرف بالحبقبق، والد كريمة. روى عن جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وجماعة وتوفي في صفر.

والشاطبي أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف الرعيني الأندلسي المقرئ الضرير أحد الأئمة الأعلام. وأما السخاوي فقال: أبو القاسم. ولم يذكر له اسما سوى الكنية،. والأول أصح. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة وقرأ القراءات على ابن العاص النفزي ببلده ثم ارتحل إلى بلنسية فعرض القراءات على ابن هذيل وسمع الحديث من طائفة ثم رحل وسمع من السلفي. وكان إماما علامة محققا ذكيا كثير الفنون واسع المحفوظ. له القصيدتان اللتان قد سارت بهما الركبان وخضع لبراعة نظمهما فحول الشعراء وأئمة القراء والبلغاء. وكان ثقة في نفسه زاهدا ورعا قانتا لله منقبضا عن الناس كبير القدر. نزل القاهرة وتصدر للإقراء بالمدرسة الفاضلية فشاع أمره وبعد صيته وانتهت إليه الرئاسة في الإقراء إلى أن توفي في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة.

وابن الفخار أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي الحافظ صاحب أبي بكر بن العربي. أكثر عنه وعن شريح وخلق. وكان إماما معروفا بسرد المتون والأسانيد عارفا بالرجال واللغة ورعا جليل القدر. طلبه السلطان ليسمع منه بمراكش فمات بها في شعبان وله ثمانون سنة.

ومحمد بن عبد الملك بن بونة العبدري المالقي بن البيطار نزيل غرناطة وآخر من روى بالإجازة عن أبي علي بن سكرة. سمع أبا محمد بن عتاب وأبا بحر بن العاص وعاش أربعا وثمانين سنة.

وفخر الدين بن الدهان محمد بن علي بن شعيب البغدادي الفرضي الحاسب الأديب النحوي الشاعر. جال في الجزيرة والشام ومصر وصنف الفرائض على شكل المنبر. فكان أول من اخترع ذلك. وألف تاريخا وألف كتاب غريب الحديث في مجلدات. وصنف في النجوم والزيج. وكان أحد الأذكياء. مات فجأة بالحلة.

وممن كان في هذا العصر:

أبو مدين الأندلسي الزاهد العارف شيخ أهل المغرب شعيب بن الحسين. سكن تلمسان. وكان من أهل العمل وله اجتهاد منقطع القرين في العبادة والنسك. بعيد الصيت.

وأبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء العباسي الهمذاني العطار مسند همذان. حدث سنة خمس وثمانين عن أبي غالب العدل وفيد الشعراني.

وجاكير الزاهد القدوة أحدشيوخ العراق واسمه محمد بن رستم الكردي الحنبلي. له أصحاب وأتباع وأحوال وكرامات.

سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

فيها كانت وقعة الزلاقة بالأندلس بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين الفنش المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس. فدخل يعقوب وعدي من زقاق سبتة في مائة ألف وأما المطوعة فقل ما شئت. وأقبل الفنش في مائتي ألف وأربعين ألفا. فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة وغيره مائة ألف وستة وأربعون ألفا وأسر ثلاثون ألفا وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها حتى أبيع السيف بنصف درهم والحصان بخمسة دراهم والحمار بدرهم. وذلك في تاسع شعبان. فهؤلاء جاهدوا.

وأما آل أيوب فسار الملك العزيز ولد صلاح الدين من مصر فنزل بحوران ليأخذ دمشق من أخيه الأفضل. فنجد الأفضل عمه العادل. فرد العزيز وتبعاه فدخل القاضي الفاضل في الصلح وأقام العادل بمصر فعمل نيابة السلطنة ورد الأفضل.

وفيها توفي ذاكر بن كامل الخفاف البغدادي أخو المبارك. سمعه أخوه من أبي علي الباقرجي وأبي علي بن المهدي وابي سعد بن الطيوري والكبار وكان صالحا خيرا صواما توفي في رجب.

وأبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي المصري الفقيه النحوي. قرأ القراءات على ابن الحطئة وسمع من جماعة وتصدر بجامع مصر وتوفي في ربيع الآخر. وآخر أصحابه الكمال الضرير.

وأبو محمد بن عبيد الله الحجري الأندلسي الحافظ الزاهد القدوة أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن علي عبد الله بن عبيد الله المريي. ولد سنة خمس وخمس مائة. قرأ الصحيح للبخاري عن شريح وسمع فأكثر عن أبي الحسن بن مغيث وابن العربي والكبار وتفنن في العلوم وبرع في الحديث وطال عمره وشاع ذكره. وكان قد سكن سبتة فاستدعاه السلطان إلى مراكش ليسمع منه. توفي في أول صفر.

سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

فيها قدم العزيز دمشق مرة ثالثة ومعه عمه العادل فحاصرا دمشق مدة ثم خامر جند الأفضل عليه ففتحوا لهما فدخلا في رجب وزال ملك الأفضل وأنزل في صرخد ورد العزيز وبقي العادل بدمشق وخطب بها للعزيز قليلا. وكانت دار الأمير أسامة بجنب تربة صلاح الدين فأمر العزيز القاضي محيي الدين بن الزكي أن يبنيها له مدرسة ففعل.

وفيها سار خوارزم شاه علاء الدين فوصل إلى همذان وطلب السلطنة من الخليفة وأن يجبيء بغداد همذان وطلب السلطنة من الخليفة وأن يجبيء بغداد ويكون سلطانا بها مع الناصر. فانزعج الناصر والرعية وغلت الأسعار.

وفيها التقى يعقوب صاحب المغرب والفنش فهزمه أيضا يعقوب ولله الحمد. وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره وضربها بالمجانيق. فخرجت والدة الفنش وحريمه وبكين بين يدي يعقوب فرق لهن ومن عليهن. ولولا ابن غانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لافتتح يعقوب عدة مدائن.

وفيها توفي أحمد بن طارق أبو الرضا الكركي ثم البغدادي التاجر المحدث. سمع من ابن ناصر وأبي الفضل الأرموي وطبقتهما فأكثر. ورحل إلى دمشق ومصر وهو من كرك نوح. وكان شيعيا جلدا.

والشيخ السديد شيخ الطب بالديار المصرية شرف الدين عبد الله بن علي. أخذ الصناعة عن الموفق بن العين زربي. وخدم العاضد صاحب مصر ونال الحرمة والجاه العريض. وعمر دهرا. أخذ عنه نفيس الدين بن الزبير. وحكي بعضهم أن الشيخ السديد حصل له في يوم واحد ثلاثون ألف دينار. وحكي عنه ابن الزبير تلميذه أنه طهر ولدي الحافظ لدين الله فحصل له من الذهب نحو خمسين ألف دينار.

وعبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد الصابوني المالكي الخفاف الحنبلي أبو محمد الضرير. سمعه أبوه من أبي علي الباقرحي وعلى بن عبد الواحد الدبنوري وطائفة. توفي في ذي الحجة.

وأبو الغنائم بن المعلم شاعر العراق محمد بن علي بن فارس الواسطي. توفي في رجب وقد نيف على التسعين.

وابن القصاب الوزير الكبير مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي المنشئ البليغ. وزر وسار بالعساكر ففتح همذان وأصبهان وحاصر الري وصارت له هيبة وعظمة في النفوس. توفي بظاهر همذان في شعبان وقد نيف على السبعين ورد العسكر. فلما جاء خوارزم شاه بيته وحز رأسه وطوف به بخراسان.

والمجير الإمام أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأذكياء والمناظرين تفقه على أبي منصور بن الرزاز وأخذ علم النظر عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الإسفراييني وصار المشار إليه في زمانه والمقدم على أقرانه. حدث عن ابن الحصين وجماعة. ودرس بالنظامية. وكان ذكيا طوالا نبيلا غواصا على المعاني. قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ. ثم توجه إلى شيراز وبني له ملكها مدرسة ثم أحضره ابن القصاب وقدمه.

ويوسف بن معالي الأطرابلسي ثم الدمشقي الكتاني البزاز المقرئ. روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة. توفي في شعبان.

سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

في شوال افتتح العادل يافا عنوة. وكان لها مدة في يد الفرنج.

وفيها أخذت الفرنج من المسلمين بيروت. وهرب أميرها عز الدين سامة إلى صيدا.

وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شاذي أرسله أخوه صلاح الدين فتملك اليمن. وكان بها نواب أخيهما شمس الدولة. أنشأها في شوال وتملك بعده ابنه إسماعيل الذي سفك الدماء وظلم وعسف وادعى أنه أموي.

وأبو بكر بن الباقلاني مقرئ العراق عبد الله بن منصور بن عمران الربعي الواسطي تلميذ أبي العز القلانسي وآخر أصحابه. روى الحديث عن خميس الجوزي وأبي عبد الله البارع وطائفة. توفي في سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر.

والجلال عبيد الله بن يونس البغدادي الوزير. تفقه وقرأ الأصول والكلام وقرأ القراءات على أبي العلاء العطار وسمع من أبي الوقت وصنف كتابا في الكلام والمقالات ثم توكل لأم الخليفة ثم توفي وعظم قدره وولي وزارة الناصر لدين الله والتقى طغريل فانكسر عسكر الخليفة وجرت لابن يونس أمور ونجا. وقدم بغداد فاختفى. ثم ظهر وولي الأستاذ دارية ثم حبس حتى مات.

وقاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن النجاري البغدادي الشافعي. سمع من أبي الوقت وولي القضاء سنة اثنتين وثمانين ثم عزل ثم أعيد سنة تسع وثمانين.

ومحمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو المعمر الحسيني الزيدي الكوفي. سمع من جده. وهو آخر من حدث عن أبي النرسي. وكان رافضيا.

وناصر بن محمد الزيرج أبو الفتح الأصبهاني القطان. روى الكثير عن جعفر الثقفي وإسماعيل بن الفضل الإخشيد وخلق. توفي في ذي الحجة. أكثر عنه الحافظ ابن خليل.

ويحيى بن أسعد بن بوش أبو القاسم الأزجي الحنبلي الخباز. سمع الكثير من أبي طالب اليوسفي وأبي سعد بن الطيوري وأبي علي الباقرجي وطائفة. وكان عاميا. مات شهيدا. غص بلقمة فمات في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة. له إجازة من ابن بيان.

سنة أربع وتسعين وخمسمائة

فيها استولى علاء الدين خوارزم شاه تكش على بخارا. وكانت لصاحب الخطا لعنه الله. وجرى له معه حروب وخطوب. ثم انتصر تكش. وقتل خلق من الخطا.

وفيها نازل العادل ماردين وحاصرها أشهرا.

وفيها توفي أبو علي الفارسي الزاهد واسمه الحسن بن مسلم زاهد العراق في زمانه. تفقه وسمع من أبي البدر الكرخي. وكان متبتلا في العبادة كثير البكاء دائم المراقبة. يقال إنه من الأبدال. زاره الخليفة الناصر غير مرة. توفي في المحرم وقد بلغ التسعين.

وصاحب سنجار الملك عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي. تملك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل. فسار السلطان صلاح الدين ونازله ثم أخذ منه حلب وعوضه بسنجار فملكها إلى هذا الوقت ونجد صلاح الدين على عكا. وكان عادلا متواضعا موصوفا بالبخل. وتملك بعده ابنه قطب الدين محمد.

وأبو الفضائل الكاغدي الخطيب عبد الرحيم ابن محمد الأصبهاني المعدل. روى عن أبي علي الحداد وعدة. توفي في ذي القعدة.

وعلي بن سعيد بن فاذشاه أبو طاهر الأصبهاني. روى عن الحداد أيضا. ومات في شهر ربيع الأول.

وقوام الدين بن زبادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم البغدادي. صاحب ديوان الإنشاء ببغداد ومن انتهى إليه رئاسة الترسل مع معرفته بالفقه والأصول والكلام والنحو والشعر. أخذ عن ابن الجواليقي وحدث عن علي بن الصباغ والقاضي الأرجاني. وولي نظر واسط. ثم ولي حجابة الحجاب. ثم الأستاذ دارية وغير ذلك. توفي في ذي الحجة.

سنة خمس وتسعين وخمسمائة

فيها بعث الخليفة خلع السلطنة إلى خوارزم شاه.

وفيها أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقاه الناس وبقي في المطمورة خمس سنين.

وفيها كانت فتنة الفخر الرازي صاحب التصانيف. وذلك أنه قدم هراة ونال إكراما عظيما من الدولة. فاشتد ذلك على الكرامية. فاجتمع يوما هو والقاضي الزاهد مجد الدين ابن القدوة فتناظرا، ثم استطال فخر الدين على ابن القدوة وشتمه وأهانه. فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدين فوعظ الناس وقال: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} أيها الناس، لا نقول إلا ما صح عن رسول الله ﷺ، وأما قول أرسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها، فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله؟ وبكى فأبكى الناس. وضجت الكرامية وثاروا من كل ناحية وحميت الفتنة. فأرسل السلطان الجند وسكنهم. وأمر الرازي بالخروج.

وفيها كانت بدمشق الحافظ عبد الغني. وكان أمارا بالمعروف داعية إلى السنة. فقامت عليه الأشعرية وأفتوا بقتله. فأخرج من دمشق طريدا.

وفيها مات العزيز صاحب مصر وأقيم ولده علي. فاختلف الأمراء وكاتب بعضهم الأفضل. فسار من صرخا إلى مصر وعمل نيابة السلطنة. ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه. فأحرق العادل الحواضر والنيرب ووقع الحصار. ثم دخل الأفضل من باب السلامة وفرحت به العامة. وحوصرت القلعة مدة.

وفيها توفي عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار الزاهد. روى عن ابن الحصين وجماعة. قال ابن النجار: كان يشبه الصحابة، ما رأيت مثله. توفي في ذي القعدة.

والملك العزيز أبو الفتح عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر. توفي في المحرم عن ثمان وعشرين سنة. وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة. بلغ من كرمه أنه لم يبق له خزانة وبلغ من عفته أنه كان له غلام بألف دينار فحل لباسه ثم وفق فتركه وأسرع إلى سرية له فافتضها. وخرج وأمر الغلام بالتستر وأقيم بعده ابنه وهو مراهق.

وابن رشد الحفيد. هو العلامة أبو الوليد محمد بن أحمد بن العلامة المفتي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي. أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين. تفقه وبرع وسمع الحديث وأتقن الطب. ثم أقبل على الكلام والفلسفة حتى صار يضرب به المثل فيها. وصنف التصانيف مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلا ونهارا. وتواليفه كثيرة في الفقه والطب والمنطق الرياضي والطبيعي والإلهي. توفي في صفر بمراكش.

وأبو جعفر الطرطوسي محمد بن إسماعيل الأصبهاني الحنبلي. سمع أبا علي الحداد ويحيى بن منده وابن طاهر ومحمود بن اسماعيل وطائفة. وتفرد في عصره. توفي في جمادى الآخرة عن أربع وتسعين سنة.

وأبو بكر بن زهر محمد بن عبد الملك بن زهر الأيادي الإشبيلي شيخ الطب وجالينوس العصر. ولد سنة سبع وخمس مائة. وأخذ الصناعة عن جده أبي العلاء زهر بن عبد الملك. وبرع ونال تقدما وحظوة عند السلاطين وحمل الناس عنه تصانيفه. وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم. قيل إنه حفظ صحيح البخاري كله وحفظ شعر ذي الرمة وبرع في اللغة. توفي بمراكش في ذي الحجة.

والجمال أبو الحسن مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخياط. روى عن الحداد ومحمود الصيرفي وحضر غانما البرجي وأجاز له عبد الغفار الشيروي توفي في شوال.

ومنصور بن أبي الحسن الطبري أبو الفضل الصوفي الواعظ. تفقه وتفنن وسمع من زاهر الشحامي وعبد الجبار الخواري وجماعة. وهو ضعيف في روايته لمسلم عن الفراوي. توفي بدمشق في ربيع الآخر.

وجمال الدين بن فضلان العلامة أبو القاسم يحيى بن علي البغدادي الشافعي. عاش ثمانين سنة. وروى عن أبي غالب ابن البنا. وكان من أئمة علم الخلاف والجدل مشارا إليه في ذلك. ارتحل إلى محمد بن يحيى صاحب الغزالي مرتين. وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل. توفي في شعبان.

والمنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الملقب بأمير المؤمنين. بويع سنة ثمانين بعد أبيه وسنة اثنتان وثلاثون سنة. وكان صافي اللون جميلا أعين أفوه أقنى أكحل مستدير اللحية ضخما جهوري الصوت جزل الألفاظ كثير الإصابة بالظن والفراسة خبيرا ذكيا شجاعا محبا للعلوم كثير الجهاد ميمون النقيبة ظاهري المذهب معاديا لكتب الفقه والرأي. أباد منها شيئا كثيرا بالحريق. وحمل الناس على التشاغل بالأثر.

سنة ست وتسعين وخمسمائة

فيها تسلطن علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش بعد موت أبيه علاء الدين..

وفيها كانت دمشق محاصرة وبها العادل وعليها الأفضل والظاهر ابن صلاح الدين وعساكرهما نازلة قد خندقوا عليهم من أرض اللوان إلى يلدا خوفا من كبسة عسكر العادل. ثم ترضوا عنها ورد الظاهر إلى حلب وسار الأفضل إلى مصر. فساق وراءه وأدركه عند الغرابي. ثم تقدم عليه وسبقه إلى مصر. فرجع الأفضل منحوسا إلى صرخد وغلب العادل على مصر وقال: هذا صبي. وقطع خطبته. ثم أحضر ولده الكامل وسلطنه على الديار المصرية في أواخر السنة فلم ينطق أحد من الأمراء. وسهل له ذلك اشتغال أهل مصر بالقحط، فإن فيها كسر النيل من ثلاثة عشر ذراعا إلا ثلاثة أصابع واشتد الغلاء وعدمت الأقوات وشرع الوباء وعظم الخطب إلى أن آل بهم الأمر إلى أكل الآدميين الموتى.

وفيها توفي أبو جعفر القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلاسة وأبو إمامها. ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة. وسمع بها من أبي الوليد الدباغ وقرأ القراءات على أبي بكر بن صيف ثم حج وقرأ القراءات بالموصل على ابن سعدون القرطبي ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ بن عساكر وكتب الكثير وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات.

وأبو إسحاق العراقي العلامة إبراهيم بن منصور المصري الخطيب. شيخ الشافعية بمصر. شرح كتاب المهذب ولقب بالعراقي لاشتغاله ببغداد.

وإسماعيل بن صالح بن ياسين أبو الطاهر الشارعي المقرئ الصالحي. روى عن أبي عبد الله الرازي مشيخته وسداسياته توفي في ذي الحجة.

وأبو سعيد الراراني خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الأصبهاني الصوفي. ولد سنة خمس مائة وروى عن الحداد ومحمود الصيرفي وطائفة. توفي في ربيع الآخر. تفرد بعدة أجزاء.

وعلاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان ابن المز بن محمد بن نوشتكين سلطان الوقت. ملك من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد. وكان جيشه مائة ألف فارس. وهو الذي أزال دولة بني سلجوق. وكان حاذقا يلعب بالعود. ذهبت عينه في بعض حروبه. وكان شجاعا فارسا عالي الهمة. تغيرت نيته للخليفة وعزم على قصد العراق. وسار فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان وحمل إلى خوارزم. وقيل كان عنده ادب ومعرفة بمذهب أبي حنيفة. مات بالخوانيق. وقام بعده ولده قطب الدين محمد. ولقبوه بلقب أبيه.

ومجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهيل الكلابي الحلبي الشافعي الفرضي مدرس مدرسة صلاح الدين بالقدس وله أربع وستون سنة. وهو أحد من قام على السهروردي الفيلسوف وأفتى بقتله.

والقاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محيي الدين صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة. ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة وقيل إن مسودات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلدة. وقيل إن كتبه بلغت مائة ألف مجلد. وكان له حدبة يخفيها بالطيلسان وله آثار جميلة وأفعال حميدة وديانة متينة وأوراد كثيرة. وكان كثير الأموال يدخله في السنة من مغله ورزقه خمسون ألف دينار. توفي في سابع ربيع الآخر.

وعبد اللطيف بن أبي البركات إسماعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي شيخ الشيوخ. كان صوفيا عاميا. روى عن قاضي المرستان وابن السمر قندي. حج وقدم دمشق فمات بها في ذي الحجة.

وابن كليب مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد الحراني ثم البغدادي الحنبلي التاجر. ولد في صفر سنة خمس مائة وسمع من ابن بيان وابن نبهان وابن بدران الحلواني وطائفة. وتوفي في ربيع الأول ممتعا بحواسه.

والأثير أبو الطاهر محمد بن محمد بن أبي الطاهر محمد بن بنان الأنباري ثم المصري الكاتب. روى عن أبي صادق مرشد المديني وغيره وروى ببغداد صحاح الجوهري عن أبي البركات العراقي. وعمر وزالت رئاسته. توفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة.

والشهاب الطوسي أبو الفتح محمد بن محمود نزيل مصر وشيخ الشافعية. توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة. درس وأفتى ووعظ وصنف وتخرج به الأصحاب وكان يركب بالغاشية والسيوف المسللة وبين يديه من ينادي: هذا ملك العلماء. وكان رئيسا معظما وافر الهيبة يحمق بظرافة ويتيه على الملوء بصنعة. وكان صاحب حرمة في القيام على الحنابلة ونصر الأشاعرة. توفي في ذي القعدة.

وابن زريق الحداد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي شيخ الإقراء. ولد سنة تسع وخمس مائة وقرأ على أبيه وعلي سبط الخياط وسمع من أبي علي الفارقي وأبي علي بن علي بن شيران. وأجاز له خميس الحوزي وطائفة توفي في رمضان.

سنة سبع وتسعين وخمسمائة

فيها كان الجوع والموت المفرط بالديار المصرية وجرت أمور تتجاوز الوصف ودام ذلك إلى نصف العام الآتي فلو قال القائل: مات ثلاثة أرباع أهل الإقليم لما أبعد.

والذي دخل تحت قلم الحشرية في مدة اثنين وعشرين شهرا مائة ألف وأحد عشر ألفا بالقاهرة. وهذا نزر في جنب ما هلك بمصر والحواضر وفي البيوت والطرق ولم يدفن. وكله نزر في جنب ما هلك بالإقليم. وقيل إن مصر كان بها تسع مائة منسج للحصر، فلم يبق إلا خمسة عشر منسجا. فقس على هذا. وبلغ الفروج مائة درهم ثم عدم الدجاج بالكلية لولا ما جلب من الشام. وأما أكل لحوم الآدميين فشاع وتواتر.

وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى التي عمت اكثر الدنيا. قال أبو شامة: مات بمصر خلق تحت الهدم. قال: ثم هدمت نابلس. وذكر خسفا عظيما إلى أن قال: من هلك في السنة فكان ألف ومائة ألف ألف.

وفيها كاتبت الأمراء بمصر الأفضل والظاهر وكرهوا العادل وتطيروا بكعبه. فاسرع الأفضل إلى حلب. فخرج معه أخوه واتفقا على أن تكون دمشق للأفضل ثم يسيران إلى مصر فإذا تملكاها استقر بها الأفضل وتبقى بالشام كلها للظاهر. فنازلوا دمشق في ذي القعدة وبها المعظم وقدم أبوه إلى نابلس فاستمال الأمراء وأوقع بين الأخوين. وكان من دهاة الملوك. فترحلوا. وكان بخراسان فتن وحروب ضخمة على الملك.

وفيها توفي اللبان القاضي العدل أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التيمي الأصبهاني مسند العجم. مكثر عن أبي علي الحداد. وله إجازة عن عبد الغفار الشيروي. توفي في آخر العام.

وتميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي الأزجي أبو القاسم مفيد بغداد ومحدثها. كتب الكثير وعني بهذا الشأن. وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وطبقته.

وظافر بن الحسين أبو المنصور الأزدي المصري شيخ المالكية. كان منتصبا للإفادة والفتيا. انتفع به بشر كثير. توفي بمصر في جمادى الآخرة.

وأبو محمد بن الطويلة عبد الله بن أبي بكر بن المبارك بن هبة الله البغدادي. روى عن ابن الحصين وطائفة. توفي في رمضان.

وأبو الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي الحافظ الكبير جمال الدين التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ المتفنن صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك. ولد سنة عشر وخمس مائة أو قبلها. وسمع من علي بن عبد الواحد الدينوري وابن الحصين وأبي عبد الله البارع وتتمة سبع وثمانين نفسا. ووعظ في صغره وفاق فيه الأقران ونظم الشعر المليح وكتب بخطه ما لا يوصف ورأى من القبول والاحترام ما لا مزيد عليه، وحكى غير مرة أن مجلسه حزر بمائة ألف وحضر مجلسه الخليفة المستضيء مرات من وراء الستر. توفي في ثالث عشر رمضان.

وابن ملاح الشط عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي. روى عن ابن الحصين والكبار توفي في شوال.

وقراقوش الأمير الكبير الخادم بهاء الدين الأبيض فتى الملك أسد الدين شيركوه. كان خصيا وقد وضعوا عليه خرافات. ولولا وثوق صلاح الدين بعقله لما سلم إليه عكا وغيرها. وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة.

والكراني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن حمد الأصبهاني الخباز المعمر توفي في شوال وقد استكمل مائة عام. سمع الكثير من الحداد ومحمود الصيرفي وغيرهما. وكران محلة معروفة بأصبهان.

والعماد الكاتب الوزير العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد ابن محمد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز. ولد سنة تسع عشرة بأصبهان وتفقه ببغداد على ابن الرزاز وأتقن الفقه والخلاف والعربية وسمع من علي بن الصباغ وطبقته وأجاز له ابن الحصين والفراوي ثم تعانى الكتابة والترسل والنظم وفاق الأقران وحاز قصب السبق وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها ثم قدم دمشق بعد الستين وخمس مائة وخدم في ديوان الإنشاء فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه وترقى إلى أعلى المراتب ثم عظمت رتيته في الدولات الصلاحية وما بعدها. وصنف التصانيف الأدبية وختم به هذا الشأن. توفي في أول رمضان ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله.

وابن الكيال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون البغدادي ثم الحلي البزاز. أحد القراء الأعيان. ولد سنة خمس عشرة وخمس مائة وقرأ القراءات على سبط الخياط ودعوان وأبي الكرم الشهرزوري. وأقرأ بالحلة زمانا. توفي في ذي الحجة.

وأبو شجاع بن المقرون محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي البغدادي. أحد أئمة القراء. قرأ على سبط الخياط وأبي الكرم. وسمع من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة. ولقي خلقا لا يحصون. وكان صالحا عابدا ورعا مجاب الدعوة يتقوت من كسب يده. وكان من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. توفي في ربيع الآخر.

ويوسف بن عبد الرحمن بن غصن أبو الحجاج: الإشبيلي. أخذ القراءات عن شريح وجماعة وحدث عن ابن العربي وتصدر للإقراء. وكان آخر من قرأ القراءات على شريح. توفي في هذا العام أو في حدوده.

سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

فيها تغلب قنادة بن إدريس الحسني على مكة وزالت دولة بني فليتة.

وفيها توفي أحمد بن ترمش البغدادي الخياط نقيب القاضي. روى عن قاضي المرستان والكروخي وجماعة وتوفي بحلب.

وأسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الأصبهاني الضرير. سمع هو وأخوه زاهر الثقفي مسند أبي يعلى من أبي عبد الله الخلال. وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجماعة وكان فقيها معدلا.

والمؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد أبي يعلى بن القلانسي التميمي الدمشقي الوزير. روى عن نصر الله المصيصي وغيره ومات في ربيع الأول وكان صدر البلد.

والملك المعز إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب صاحب اليمن وابن صاحبها. كان مجرما مصرا على الخمر والظلم.

ادعى أنه أموي وخرج وعزم على الخلافة فوثب عليه أخوان من أمرائه فقتلاه. ويقال إنه ادعى النبوة، ولم يصح. وولي بعده أخ له صبي اسمه الناصر أيوب.

والخشوعي مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الأنماطي. ولد في صفر سنة عشر وأكثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وأجاز له الحريري وأبو صادق المديني وخلق من العراق والمصريين والأصبهانيين. وعمر دهرا وبعد صيته ورحل إليه. وكان صدوقا. توفي في سابع صفر.

وحماد بن هبة الله الحافظ أبو الثناء الحراني التاجر السفار. ولد سنة إحدى عشرة وسمع ببغداد من إسماعيل بن السمرقندي وبهراة من عبد السلام بكبره وبمصر من ابن رفاعة وعمل بعض تاريخ حران أو كله توفي في ذي الحجة بحران.

وعبد الله بن أحمد بن أبي المجد أبو محمد الحربي الإسكافي. روى المسند عن ابن الحصين وأبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي المالكي المفتي تفرد بإجازة غالب بن عطية أخو جدهم وأبي محمد بن عتاب. وسمع من القاضي عياض والكبار. وهو من بيت علم ورواية.

وأبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي القاضي. أجاز له أبو عبد الله البارع وسمع من ابن الحصين وطائفة. وناب في الحكم. توفي في صفر.

وزين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي القرشي الدمشقي الشافعي. سمع من جده القاضي أبو الفضل يحيى بن الزكي وجماعة وأجاز له زاهر الشهامي وجماعة وكان نعم الرجل فقها وفضلا ورئاسة وصلاحا. توفي في ذي الحجة.

وعبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني أبو الحسن اخو زينب الشعرية. ثقة صالح مكثر. روى مسلما عن الفراوي والسنن والآثار عن عبد الجبار الخواري والموطأ من السيدي والسنن الكبير عن عبد الجبار الدهان وشعب الإيمان توفي في المحرم.

والدولعي خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن ياسين التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة. تفقه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي. وكان مفتيا خبيرا بالمذهب. خطب دهرا ودرس بالغزالية وولي الخطابة بعده وعلي بن محمد بن علي بن يعيش سبط ابن الدامغاني. روى عن ابن الحصين وزاهر. توفي في صفر. وكان متميزا جليلا لقيه ابن عبد الدائم.

ولؤلؤ الحاجب العادلي. من كبار الدولة. له مواقف حميدة بالسواحل. وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا لحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر فظفروا بهم. قيل إن لؤلؤا سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلاث مائة وشيئا كلهم أبطال من الكرك والشوبك مع طائفة من العرب المرتدة. فلما بقي بينهم وبين المدينة يوم أدركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب. فخامروا معه وذلت الفرنج واعتصموا بحبل. فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس. وقيل بل صعد في تسعة أنفس فهابوه وسلموا أنفسهم. فصفدهم وقيدهم كلهم. وقدم بهم مصر. وكان يوم دخولهم مشهودا. وكان لؤلؤ أرمنيا من غلمان القصر. فخدم مع صلاح الدين مقدما للأسطول. وكان أينما توجه فتح ونصر. ثم كبر وترك الخدمة. وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف. ويضعف ذلك في رمضان. مات في صفر.

وابن الوزان عماد الدين محمد ابن الإمام أبي سعد عبد الكريم بن أحمد الرازي. شيخ الشافعية بالري وصاحب شرح الوجيز. توفي في ربيع الآخر.

وابن الزكي قاضي الشام محيي الدين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين على ابن قاضي القضاة منتخب الدين محمد بن يحيى القرشي الشافعي. ولد سنة خمسين وخمس مائة وروى عن الوزير الفلكي وجماعة. وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة فصيحا كامل السؤدد. توفي في شعبان عن ثمان وأربعين سنة.

ومحمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي. روى معجم ابن جميع عن جمال الإسلام. وتوفي في جمادى الأولى.

والسبط أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعد الهمذاني سبط ابن لال. روى عن أبيه وابن الحصين وخلق. توفي في المحرم.

والبوصيري أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب مسند الديار المصرية. ولد سنة ست وخمس مائة وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيدي وطائفة. وتفرد في زمانه ورحل إليه. توفي في ثاني صفر.

سنة تسع وتسعين وخمسمائة

تمكن العادل من الممالك وأبعد الملك المنصور علي بن العزيز بن صلاح الدين وأسكنه بمدينة الرها.

وفيها رمي بالنجوم. ورخ ذلك العز النسابة وسبط ابن الجوزي وغير واحد.

فأنبأني محفوظ بن البزوري في تاريخه قال: في سلخ المحرم ماجت النجوم وتطايرت كتطاير الجراد ودام ذلك إلى الفجر وانزعج الخلق وضجوا بالدعاء ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور نبينا ﷺ.

وفيها توفي أبو علي بن أشنانة الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي. روى عن ابن الحصين وغيره. وتوفي في صفر.

وأبو محمد بن عليان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي. روى عن ابن الحصين وجماعة. تغير من السوداء في آخر عمره مديدة.

وأبو القاسم بن موقا عبد الرحمن بن مكي بن حمزة الأنصاري المالكي التاجر مسند الإسكندرية وآخر من حدث عن أبي عبد الله الرازي. توفي في ربيع الآخر وله أربع وتسعون سنة ومتع بحواسه.

وابن نجية الإمام أبو الحسن علي بن إبراهيم بن نجا زين الدين الأنصاري الدمشقي الحنبلي الواعظ نزيل مصر. ولد سنة ثمان وخمس مائة وسمع من علي بن أحمد بن قيس المالكي ورحل وحمل جامع الترمذي عن عبد الصبور الهروي. وكان من رؤساء العلماء له وجاهة ودنيا واسعة وهمة عالية. ترسل عن نور الدين إلى الديوان. وكان يجري له وللشهاب الطوسي العجائب من أجل العقيدة. توفي في رمضان عن إحدى وتسعين سنة. وكان سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي.

وعلي بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب حاجب باب النوبي. حدث بمصر عن ابن الحصين وتوفي في شعبان.

وغياث الدين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين. ملك جليل عادل محبب إلى رعيته كثير المعروف والصدقات تفرد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدين.

وابن الشهرزوري قاضي القضاة ضياء الدين أبو الفضائل القاسم بن يحيى بن أخي قاضي الشام كمال الدين. ولي قضاء الشام بعد عمه قليلا ثم لما تملك العادل سار إلى بغداد فولي بها القضاء والمدارس والأوقاف وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية ثم إنه خاف الدوائر فاستعفي وتوجه إلى الموصل ثم قدم حماة فولي قضاءها. فعيب ذلك عليه. وكان جوادا ممدحا له شعر جيد ورواية عن السلفي. توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة.

والزاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن أحمد بن إبراهيم الأندلسي الصوفي أحد العارفين وأصحاب الكرامات والأحوال. نزل بيت المقدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة. وقبره مقصود بالزيارة.

وأبو بكر بن أبي جمرة محمد بن أحمد بن عبد الملك الأموي مولاهم المرسي المالكي القاضي. أحد أئمة المذهب. عرض المدونة على والده وله منه إجازة كما لأبيه إجازة أبي عمرو الداني. وأجاز له أبو بحر بن العاص والكبار وأفتى ستين سنة وولي قضاء مرسية وشاطبة دفعات. وصنف التصانيف وكان أسند من بقي بالأندلس. توفي في المحرم.

والغزنوي الفقيه بهاء الدين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي المقرئ. روى عن قاضي المرستان وطائفة. قرأ القراءات على سبط الخياط. قرأ عليه بطرق المنهج السخاوي وأبو عمرو بن الحاجب. ودرس المذهب. توفي بالقاهرة في ربيع الأول.

وابن المعطوش مسند العراق أبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار. ولد سنة سبع وخمس مائة وسمع من أبي علي بن المهدي وأبي الغنائم بن المهتدي بالله وبه ختم حديثهما. وسمع المسند كما رواه. توفي في عاشر جمادى الأولى.

والبرهان الحنفي العلاء أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي مدرس النورية والخاتونية وقاضي العسكر. كان صدرا معظما مفتيا رأسا في المذهب. ارتحل إلى بخارى وتفقه هناك وعمر دهرا. توفي في جمادى الآخرة وله تسعون إلا سنة. وكان لا يغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة.

وابن الطفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمود الدمشقي الصوفي. شيخ صالح له عناية بالرواية. رحل إلى بغداد وسمع من أبي الفضل الأرموي وابن ناصر وطبقتهما. وأسمع ابنه عبد الرحيم من السلفي.

سنة ستمائة

فيها أخذ صاحب الموصل تلعفر من ابن عمه قطب الدين صاحب سنجار. فاستنجد القطب بجاره الملك الأشرف موسى وهو بخراسان. فسار معه وعمل مصافا مع صاحب الموصل نور الدين. فكسره الأشرف وأسر جماعة من أمرائه ثم اصطلحا في آخر العام. وتزوج الأشرف بأخت صاحب الموصل وهي الجهة الأتابكية صاحبة التربة والمدرسة بالجبل.

وفيها أخذت الفرنج فوة واستباحوها. دخلوا من فم رشيد في النيل. فلا حول ولا قوة إلا بالله. وهي بليدة حسنة تكون بقدر زوع.

وفيها توفي العلامة أبو الفتوح العجلي منتجب الدين أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الأصبهاني الشافعي الواعظ شيخ الشافعية. عاش خمسا وثمانين سنة. وروى عن فاطمة الجوزدانية وجماعة. وكان يقتنع وينسخ. له كتاب مشكلات الوجيز وكتاب تتمة التتمة. وترك الوعظ وألف كتاب آفاق الوعاظ.

وبقاء بن عمر بن جند أبو المعمر الأزجي الدقاق ويسمى أيضا المبارك. روى عن ابن الحصين وجماعة توفي في ربيع الآخر.

وأبو الفرج بن اللحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي التاجر. روى عن الفقيه نصر الله المصيصي وغيره.

وابن شرقيني أبو القاسم شجاع بن معالي البغدادي الغراد القصباني. روى عن ابن الحصين وجماعة. وتوفي في ربيع الآخر.

وأبو سعد بن الصفار عبد الله ابن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد ابن منصور النيسابوري الشافعي. فقيه متبحر أصولي عامل بعلمه. ولد سنة ثمان وخمس مائة وسمع من جده لأمه أبي نصر القشيري. سمع سنن الدارقطني بفوت من أبي القاسم الأبيوردي وسمع سنن أبي داود من عبد الغافر بن إسماعيل وسمع من طائفة كتبا كبارا. توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة.

والحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الإمام تقي الدين أبو محمد المقدسي الجماعيلي الحنبلي. ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مائة وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين فسمع أبا المكارم بن هلال وببغداد أبا الفتح بن البطي وبالإسكندرية من السلفي وطبقتهم ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين. وصنف التصانيف. ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات. وإليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنون مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسيرته في جزئين ألفها الحافظ الضياء.

والركن الطاووسي أبو الفضل العراقي عزيز بن محمد بن العراقي القزويني صاحب الطريقة. كان إماما مناظرا محجاجا قيما بعلم الخلاف مفحما للخصوم. أخذ عن الرضي النيسابوري الحنفي صاحب الطريقة. توفي بهمذان.

وعمر بن محمد بن الحسن الأزجي القطان. روى عن ابن الحصين وجماعة. لقبه جريرة. توفي في جمادى الأولى.

وفاطمة بني سعد الخير بن محمد أم عبد الكريم بنت أبي الحسن الأنصاري البلنسي. ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة. وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية ومن ابن الحصين وزاهر الشحامي. ثم سمعت من هبة الله بن الطبر وخلق. وتزوج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ. وروت الكثير بمصر. توفيت في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.

والقاسم ابن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن المحدث أبو محمد بن عساكر الدمشقي. ولد سنة سبع وعشرين وخمس مائة وسمع من جد أبويه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي وجمال الإسلام بن المسلم وطبقتهما. وأجاز له الفراوي وقاضي المرستان وطبقتهما. وكان محدثا فهما حسن المعرفة شديد الورع صاحب مزاح وفكاهة. وخطه ضعيف عديم الإتقان. ولي مشيخة دار الحديث النورية بعد أبيه. وتوفي في صفر.

ومحمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقاش. روى عن أبي بكر المزرفي وجماعة. وتوفي في ربيع الآخر.

والمبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان ابن الشيبي. روى عن ابن الحصين وجماعة. وتوفي في شوال.

وصنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري ويعرف بابن مسير المعدل راوي كتاب السيرة توفي في ذي الحجة.

ولاحق بن أبي الفضل بن علي بن قندرة. روى المسند كله عن ابن الحصين. توفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة.

سنة إحدى وستمائة

فيها تغلبت الفرنج على مملكة القسطنطينية وأخرجوا الروم عنها بعد حصار طويل وحروب.

وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان وقتلوا وسبوا ووصلت عيارتهم إلى عمل الخياط. فانتدب لحربهم عسكر خلاط وعسكر أرزان الروم. والتقوهم فنصر الله الإسلام وقتل في المصاف ملك الكرج.

وفيها توفي السكر المحدث أحمد بن سليمان بن أحمد بن الحربي المقرئ المفيد عن نيف وستين سنة. قرأعلى أحمد بن محمد بن شنيف وجماعة وسمع من سعيد بن البنا وابن البطي فمن بعدهما. وكان ثقة مكثرا صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة توفي في صفر.

وعبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن حمويه الأصبهاني الرجل الصالح نزيل همذان. روى بالحضور معجم الطبراني عن عبد الصمد العنبري عن ابن ريذة.

وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلاح أبو محمد. آخر من سمع من أبي العز بن كادش وسمع أيضا من ابن الحصين توفي في ربيع الأول.

وشميم الحلي أبو الحسن علي بن الحسن ابن عنتر النحوي اللغوي الشاعر. تأدب بابن الخشاب. كان ذا حمق وتيه ودعاو كثيرة تزري بكثرة فضائله. توفي بالموصل في ربيع الآخر عن سن عالية.

وابن الخطيب أبو المفضل محمد بن الحسين بن أبي الرضا القرشي الدمشقي. روى عن جمال الإسلام وعلي بن أبي عقيل الصوري. ضعفه ابن خليل.

وأبو عبد الله الأرتاحي محمد بن حمد بن حامد الأنصاري المصري الحنبلي عن بضع وتسعبن سنة. سمع في الكهولة من غير واحد. روى الكثير بإجازة أبي الحسن الفراء. توفي في شعبان.

ويوسف بن المبارك بن كامل الخفاف أبو الفتوح البغدادي سمعه أبوه الحافظ أبو بكر الكثير من القاضي أبي بكر الأنصاري وابن زريق القزاز وطائفة. وكان عاميا لا يكتب. توفي في ربيع الأول.

سنة اثنتين وستمائة

فيها سلم خوارزم شاه محمد ترمذ إلى الخطا. وكان عين الخطا. وتألم الناس لذلك. وفعل ذلك مكيدة ليتمكن من ممالك خراسان.

وفيها وقبلها تابعت الكرج الإغارات على بلاد أذربيجان وضعف عنهم أبو بكر بن البهلوان. وراسل ملك الكرج وتزوج بابنته ووقعت الهدنة.

وفيها وجد بإربل خروف وجهه وجه آدمي.

وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على حلب يسبي ويحرق. فسار لحربهم عسكر حلب فهزمهم.

وفيها توفي التقي الأعمى مدرس الأمينية. فوجد مشنوقا بالمنارة الغربية. امتحن بأخذ ماله فاتهم به قائده واحترق قلبه فأهلك نفسه. ودرس بعده جمال الدين المصري وكيل بيت المال.

وأبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة بن فارس بن القبيطي البغدادي المقرئ. قرأ القراءات على سبط الخياط والشهرزوري وسمع منهما ومن أبي عبد الله السلال وطائفة. وكان خيرا زاهدا بصيرا بالقراءات حاذقا توفي في ذي الحجة.

والسلطان شهاب الدين الغوري أبو المظفر محمد بن سام صاحب غزنة. قتلته الإسماعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند. وكان ملكا جليلا مجاهدا واسع الممالك حسن السيرة. وهو الذي حضر عنده فخر الدين الرازي وقال: يا سلطان العالم، لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى، وإن مردنا إلى الله. فانتحب السلطان بالبكاء.

وضياء بن أبي القاسم أحمد بن علي بن الخريف البغدادي البخاري. سمع الكثير من قاضي المرستان وأبي الحسين محمد بن الفراء. وكان أميا. توفي في شوال.

وأبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمذاني الصوفي. روى عن زاهر الشحامي وجماعة. وكان ذا علم وصلاح.

واللفتواني أبو زرعة عبيد الله بن محمد أبي نصر الأصبهاني. أسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلال. وحضر علي ابن أبي ذر الصالحاني وبقي إلى هذه السنة وانقطع خبره بعدها.

سنة ثلاث وستمائة

فيها تمت عدة حروب بخراسان قوي فيها خوارزم شاه واتسع ملكه وافتتح بلخ وغيرها.

ونازلت الفرنج حمص فسار المبارز إليهم ووقع مصاف أسر فيه أميران.

وفيها توفي داود بن محمد بن محمود بن ماشاذاه أبو إسماعيل الأصبهاني في شعبان. حضر فاطمة الجوزدانية وشمع من زاهر الشحامي وغانم بن خالد وجماعة.

وسعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف أبو القاسم المؤدب ببغداد. روى عن قاضي المرستان وأبي القاسم بن السمرقندي. توفي في ربيع الآخر.

وعبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الحافظ الثقة أبو بكر الجيلي. سمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته. ثم سمع هو بنفسه. قال الضياء: لم أر ببغداد في تيقظه وتحريه مثله. توفي في شوال.

وعلي بن فاضل بن سعد الله بن حمدون الحافظ أبو الحسن الصوري ثم المصري. قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي وأكثر عن السلفي وسمع بمصر من الشريف الخطيب وكتب الكثير ورأس في الحديث. توفي في صفر.

وأبو جعفر الصيدلاني محمد بن أحمد بن نصر سبط حسين بن منده ولد في ذي الحجة سنة تسع وخمس مائة وحضر الكثير على الحداد ومحمود الصيرفي. وسمع من فاطمة الجوزدانية وانتهى إليه علو الإسناد في الدنيا. ورحلوا إليه. توفي في رجب.

ومحمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التنوخي الدمشقي. سمع من طاهر بن سهل الإسفراييني ومات في ربيع الأول. آخر من حدث عنه الفخر بن البخاري.

ومحمد بن معمر بن الفاخر مخلص الدين أبو عبد الله القرشي الأصبهاني. ولد سنة عشرين وسمعه أبوه حضورا من فاطمة الجوزدانية وجعفر الثقفي وإسماعيل الإخشيد وسمع من ابن أبي ذر وزاهر وخلق. وكان عارفا بمذهب الشافعي وبالعربية وبالحديث قوي المشاركة محتشما ظريفا وافر الجاه. توفي في ربيع الآخر.

ومكي بن ربان بن شبه العلامة صائن الدين أبو الحرم الماكسيني ثم الموصلي الضرير المقرئ النحوي صاحب ابن الخشاب. قرأ القراءات على يحيى بن سعدون وبرع في القراءات والعربية واللغة وغير ذلك. ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته في فنه مثله. روى عن خطيب الموصل

سنة أربع وستمائة

فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا. فحشدوا له والتقوه فجرى لهم وقعات وانهزم المسلمون وأسر جماعة منهم السلطان خوارزم شاه، واختبطت البلاد ووصل المنهزمون إلى خوارزم وأسر خطاي أميرا وخوارزم شاه. فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير وقلعه خفة. فقام الخطاي وعظم الأمير ثم قال الأمير: أريد أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت. قال: ابعث غلامك بذلك. وقرر عليه مبلغا كبيرا. فبعث مملوكه يعني خوارزم شاه وخلص السلطان بهذه الحيلة ووصل ورتبت البلاد. ثم قال الخطاي لذلك الأمير: إن سلطانكم قد عدم. قال: أوما تعرفه؟ قال: لا. قال: هو الذي قلت هو مملوكي. فقال: هلا عرفتني حتى كنت خدمته وسرت به إلى مملكته فأسعد به، قال: خفتك عليه. قال: فسر بنا إليه. فسارا إليه.

وفيها تملك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بلبان. ثم قتل بلبان بعد ذلك.

وفيها سار الملك العادل نحو حمص وأغار على بلاد طرابلس وأخذ حصنا من أعمالها.

وفيها توفي أبو العباس الرعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الإشبيلي المقرئ. آخر من قرأ القراءات على أبي الحسن شريح وسمع منه ومن أبي بكر بن العربي وجماعة. وكان من الأدب والزهد بمكان. أخذ الناس عنه كثيرا. توفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة.

وحنبل بن عبد الله الرصافي أبو عبد الله المكبر روي المسند بكماله عن ابن الحصين. كان دلالا في الأملاك. وسمع المسند في نيف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشاب سنة ثلاث وعشرين. توفي في رابع عشر المحرم بعد عوده من دمشق. وما تهنى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه.

وست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح. روت الكثير بدمشق عن جدها. وتوفيت في ربيع الأول.

وعبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي. سمعه عمه عبد المغيث من عبد الله بن أحمد بن يوسف وجماعة. وكان كثير التلاوة جدا. توفي بحماة في سلخ المحرم.

وعبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيع المقرئ الأستاذ أبو الفضل. قرأ القراءات على أبي محمد سبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري وسمع منهما ومن الأرموي. وأقرأ القراءات. وكان دينا صالحا. توفي في ربيع الأول.

وابن الساعاتي الشاعر المفلق بهاء الدين علي بن محمد بن رستم الدمشقي. صاحب ديوان الشعر. توفي في رمضان وله إحدى وخمسون سنة.

وأبو ذر الخشني مصعب بن محمد بن مسعود الجياني النحوي اللغوي. ويعرف أيضا بابن أبي ركب. صاحب التصانيف وحامل لواء العربية بالأندلس. ولي خطابة إشبيلية مدة ثم قضاء جيان ثم تحول إلى فاس. وبعد صيته وسارت الركبان بتصانيفه. توفي بفاس وله سبعون سنة. ذم في القضاء.

سنة خمس وستمائة

فيها نازلت الكرج مدينة أرجيش فافتتحوها بالسيف وأحرقوها.

وفيها توفي ابن القارض الحسين بن أبي نصر بن حسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي المقرئ الضرير. روى عن ابن الحصين وعمر دهرا. توفي في شعبان.

وفيها توفي أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب. روى عن قاضي المرستان وأبي منصور بن زريق. مات في ذي القعدة.

وصاحب الجزيرة العمرية الملك سنجر شاه بن غازي بن مودود بن أتابك زنكي. قتله ابنه غازي وحلفوا له. ثم وثب عليه من الغد خواص أبيه وقتلوه. وملكوا أخاه الملك المعظم. وكان سنجر سيء السيرة ظلوما.

والجبائي الإمام السني أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج الطرابلسي الشامي نزيل أصبهان. كان أبوه نصرانيا فمات وأسلم هذا وله إحدى عشرة سنة. ثم رحل إلى بغداد وله عشرون سنة. فسمع من الأرموي وابن الطلاية وتفقه على مذهب أحمد وسمع الكثير بأصبهان من مسعود الثقفي وطبقته.

وابن درباس قاضي القضاة صدر الدين أبو القاسم عبد الملك بن عيسى الماراني الشافعي. ولد بنواحي الموصل سنة ست عشرة وخمس مائة وتفقه بحلب على أبي الحسن المرادي وسمع بدمشق من أبي القاسم بن البن. وسكن مصر وبها مات في رجب.

وعبد الواحد بن أبي المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني الأصبهاني في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة. سمع من جعفر الثقفي وفاطمة الجوزدانية وحضر عبد الواحد الدستج وغيره.

وأبو الحسن المعافري خطيب القدس علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي. سمع كتاب الأحكام من مصنفه عبد الحق. وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة. وكتب وحصل ونال رئاسة وثروة مع الدين والخير.

وأبو الجود غياث بن فارس اللخمي مقرئ الديار المصرية ولد سنة ثمان عشرة وخمس مائة وسمع من ابن رفاعة وقرأ القراءات على الشريف الخطيب وأقرأ الناس دهرا. وآخر من مات من أصحابه إسماعيل المليجي. توفي في رمضان.

وأبو الفتح المندائي محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدل مسند العراق. ولد سنة سبع عشرة وخمس مائة وأسمعه أبوه من القاضي أبي العباس ابن أبي الحصين وأبي عبد الله البارع وعبيد الله بن محمد البيهقي وطائفة. وتفقه على سعيد بن الرزاز وتأدب على ابن الجواليقي. توفي في شعبان. وكان من خيار الناس.

وأبو بكر بن مشق المحدث العالم محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع. عاش اثنتين وسبعين سنة. وروى عن القاضي الأرموي وطبقته وكان صدوقا متوددا. بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات.

سنة ست وستمائة

فيها نزلت الكرج على خلاط فلما كادوا أن يأخذوها وبها الأوحد بن العادل [سار] ملك الكرج وزحف في جيشه فوصل إلى باب البلد. فبرز إليه عسكر المسلمين. فتقنطر به فرسه فأحاط به المسلمون وأسروه فهرب جيشه.

وفيها حاصر العادل سنجار مدة وبها قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود الأتابكي. ثم ترحل عنها بعد أن أخذ نصيبين والخابور.

وفيها سار خوارزم شاه صاحب خراسان بجيوشه وقطع النهر. فالتقى الخطا وعليهم طاينكو. وكانت ملحمة عظيمة انكسر فيها الخطا وقتل منهم خلق وأسر طاينكو واستولى خوارزم شاه على بلاد ما وراء النهر. وكان طائفة من التتار قد خرجوا من أرضهم قديما ونزلوا بلاد الترك وجرت لهم حروب مع الخطا. فلما عرفوا أن خوارزم شاه كسرهم قصدوهم مع مقدمهم كشلوخان. فكاتب ملك الخطا في الحال خوارزم شاه يقول: أما ما كان منك من أخذ بلادنا وقتل رجالنا فمغفور فقد أتانا عدو لا قبل لنا به ولو قد انتصروا علينا وأخذونا لم يبق لهم دافع عنك، والمصلحة أن تسير إلينا وتنجدنا. فكاتب خوارزم شاه كشلوخان: أنا معك. وكاتب الخطا كذلك. وسار بجيوشه إلى أن نزل بقربهم وكان في المصاف يوهم كلا الطائفتين أنه معهم وأنه كمين لهم: فالتقوا فانهزمت الخطا. فمال حينئذ مع التتار على الخطا ولم ينج منهم إلا القليل. فخضع له كشلوخان وراسله بأن يقاسمه بلاد الخطا. فقال: ليس بيننا إلا السيف وأما البلاد فلي. ثم سار ليقاتله فهاب التتار. ورأى رأيا حسنا وهو أن يجعل بينه وبين التتار مفازة. فأمر أهل بلاد الترك كلهم بالجلاء إلى بخاري وسمرقند ثم خربها جميعها

وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القاسم العطار الأصبهاني المعروف بآل والويه. روى عن محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني. وتوفي في شعبان. قيل إنه جاوز المائة.

وأسعد بن المنجا بن أبي البركات القاضي وجيه الدين أبو المعالي التنوخي المعري ثم الدمشقي الحنبلي. مصنف الخلاصة في الفقه. روى عن القاضي الأرموي وجماعة وتفقه على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الحنبلي بدمشق وعلى الشيخ عبد القادر ببغداد.

ومن تصانيفه كتاب النهاية في شرح الهداية يكون بضعة عشر مجلدا. عاش سبعا وثمانين سنة.

وعفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد أم هانيء الفارفانية الأصبهانية. ولدت سنة عشر وخمس مائة. وهي آخر من روى عن عبد الواحد الدشتج صاحب أبي نعيم. ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة. وسمعت من فاطمة المعجمين الكبير والصغير للطبراني. توفيت في ربيع الآخر.

وأبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي. أخذ القراءات عن ابن هذيل وسمع من جماعة. توفي في رمضان.

وفخر الدين الرازي العلامة أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة. ولد سنة أربع وأربعين وخمس مائة واشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري صاحب محيي السنة البغوي. وكان ربع القامة عبل الجسم كبير اللحية جهوري الصوت صاحب وقار وحشمة له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة. إذا ركب مشى معه نحو الثلاث مائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك. وكان فريد عصره ومتكلم. ورزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان ذا باع طويل في الوعظ. فبكى كثيرا في وعظه. سار إلى شهاب الدين الغوري سلطان غزنة فبالغ في كرمه وحصلت له منه أموال طائلة. واتصل بالسلطان علاء الدين خوارزم شاه فحظي لديه. وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبا وتكفيرا حتى قيل إنهم سموه فمات. وخلف تركة ضخمة من جملتها ثمانون ألف دينار. توفي بهراة يوم عيد الفطر.

والعلاء مجد الدين أبو السعادات بن الأثير المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي الكاتب مصنف جامع الأصول والنهاية في غريب الحديث. ولد سنة أربع وأربعين وسمع من يحيى بن سعدون الفرضي وخطيب الموصل وولي ديوان الإنشاء لصاحب الموصل. وعرض له في أواخر عمره فالج فلزم داره. وله عدة تصانيف.

وابن الإخوة مؤيد الدين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي ثم الأصبهاني المعدل. سمع حضورا من ابن أبي ذر وزاهر وسمع من أبي عبد الله الخلال وطائفة. وروى كتبا كبارا توفي في جمادى الآخرة.

ويحيى بن الحسين أبو زكريا الأواني. قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري ودعوان. وسمع بواسط من القاضي أبي عبد الله الجلابي وغيره. توفي في صفر.

ومجد الدين يحيى بن الربيع العلامة أبو علي الشافعي. ولد سنة ثمان وعشرين وخمس مائة بواسط. تفقه أولا على ابن النجيب السهرودي ورحل إلى محمد بن يحيى فتفقه عنده سنتين ونصف وسمع من نصر الله بن الجلخت وجماعة وببغداد من ابن ناصر ونيسابور من عبد الله بن الفراوي. وولي تدريس النظامية. وكان إماما في القراءات والتفسير والمذهب والأصلين والخلاف كبير القدر وافر الحرمة توفي في ذي القعدة.

سنة سبع وستمائة

فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط وساروا في البر فأخذوا قرية نورة واستباحوها وردوا في الحال. فالأمر لله.

وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي التركي. ولي بعد أبيه ثماني عشرة سنة. وكان شهما شجاعا سائسا مهيبا مخوفا. قال أبو السعادات بن الأثير وزيره: ما قلت له في فعل خير إلا وبادر إليه. وقال أبو شامة: كان عقد نور الدين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على ابنه العادل على مهر ثلاثين ألف دينار. ثم بان أنه قد مات من أيام. وقال أبو المظفر سبط بن الجوزي: كان جبارا سافكا للدماء بخيلا. وقال ابن خلكان: كان شهما عارفا بالأمور، تحول شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه. وله مدرسة قل أن يوجد مثلها في الحسن. توفي في رجب وتسلطن ابنه عز الدين مسعود.

وأبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن روح الأصبهاني التاجر. رحلة وقته. ولد سنة سبع عشرة وخمس مائة وسمع معجم الكبير للطبراني بفوت والمعجم الصغير من فاطمة. وكان آخر من سمع منها وسمع من زاهر وسعد بن أبي الرجاء. توفي في ذي الحجة. وآخر من روى عنه بالإجازة تقي الدين الواسطي.

وتقية بنت محمد بن آموسان. روت عن أبي عبد الله الخلال وغانم بن خالد توفيت في رجب بأصبهان.

وأخوها جعفر بن آموسان الواعظ أبو محمد الأصبهاني. سمع من فاطمة بنت البغدادي وزاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني ولد سنة إحدى وعشرين وسمع من محمد بن علي بن أبي ذر وسعد بن أبي الرجاء والحسين ابن عبد الملك وزاهر بن طاهر وطائفة. وروى حضورا عن جعفر بن عبد الواحد الثقفي. توفي في ذي القعدة.

وعائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية. حضرت فاطمة الجوزدانية وسمعت من زاهر وجماعة. قال ابن نقطة: سمعنا منها مسند أبي يعلى بسماعها من سعيد الصيرفي. توفيت في ربيع الآخر.

وأبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة هو الحافظ ضياء الدين عبد الوهاب بن الأمين علي بن علي البغدادي الصوفي مسند العراق وسكينة جدته. ولد سنة تسع عشرة وسبع من ابن الحصين وزاهر الشحامي وطبقتهما ولازم ابن السمعاني فسمع الكثير من قاضي المرستان وأقرانه. ثم قرأ القراءات على سبط الخياط وجماعتة ومهر فيها. وقرأ المذهب والخلاف علي أبي منصور بن الرزاز وقرأ النحو على ابن الخشاب وصحب جده لأمه أبا البركات إسماعيل بن أبي سعد وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه. قال ابن النجار: هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت موافقة السنة، كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلا في تلاوة أو ذكر أو تهجد أو تسميع. وكان يديم الصيام غالبا ويستعمل السنة في أموره. إلى أن قال: وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة ولا أحسن سمتا، صحبته وقرأت عليه القراءات. وكان ثقة نبيلا من أعلام الدين. قلت: آخر من له إجازته الكمال المكبر. توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.

وابن طبرزد مسند العصر أبو حفص موفق الدين عمربن محمد بن معمر الدارقزي المؤدب. ولد سنة ست عشرة وخمس مائة. وسمع من ابن الحصين وأبي غالب ابن البناء وطبقتهما فأكثر وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة وروى الكثير ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه. وقد أملى مجالس بجامع المنصور وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر. وكان ظريفا كثير المزاح. توفي في تاسع رجب ببغداد.

وأبو موسى الجزولي عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربري المراكشي النحوي العلامة. حج وأخذ العربية عن ابن بري بمصر. وسمع الحديث من أبي محمد عبيد الله وإليه انتهت الرياسة في علم النحو. توفي بآزمور من عمل مراكش. وولي خطابة مراكش مدة. وكان بارعا في الأصول وفي القراءات. توفي سنة سبع وقيل سنة ست وقيل سنة عشر والله أعلم.

والشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة بن مقدام الحنبلي القدوة الزاهد أخو العلامة موفق الدين. ولد بجماعيل سنة ثمان وعشرين وخمس مائة وهاجر إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة. وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة وكتب الكثير بخطه وحفظ القرآن والفقه والحديث. وكان إماما فاضلا مقرئا عابدا قانتا لله خائفا من الله منيبا إلى الله كثير النفع لخلق الله ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعة من الصلاة والصيام والذكر وتعليم العلم والفتوة والمروة والخدمة والتواضع رضي الله عنه وأرضاه. فلقد كان عديم النظير في زمانه. خطب بجامع الجبل إلى أن مات. توفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول.

ومحمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج الوكيل عند قضاة بغداد. أجاز له ابن الحصين وسمع من أبي غالب ابن البناء وطائفة وروى الكثير وكان ماهرا في الحكومات. توفي في رجب.

والمظفر بن إبراهيم أبو منصور ابن البرتي الحربي آخر من حدث عن أبي الحسين محمد بن الفراء توفي في شوال عن بضع وتسعين سنة.

سنة ثمان وستمائة

فيها قدم بغداد رسول جلال الدين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام وإنهم قد تبرأوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع وصاموا رمضان ففرح الخليفة بذلك

وفيها وثب قتادة الحسني أمير مكة على الركب العراقي بمنى فنهب الناس وقتل جماعة. وقيل راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار، ولم ينتطح فيها عنزان.

وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقاء المقرئ. قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وسمع من أبي منصور القزاز وأبي منصور ابن خيرون وطائفة. توفي يوم التروية عن ثلاث وثمانين سنة.

وجهاركس الأمير الكبير فخر الدين الصلاحي أعطاه العادل بانياس والشقيف: فأقام هناك مدة توفي في رجب ودفن بتربته بقاسيون.

وابن حمدون صاحب التذكرة أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن ابن محمد بن حمدون البغدادي كاتب الإنشاء للدولة.

والخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السروجي المعبر. سمع من نصر الله المصيصي وببغداد من الحسين سبط الخياط. توفي في شوال.

وعبد الرحمن الرومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي. قرأ القرآن على أبي الكرم الشهرزوري وروى صحيح البخاري بمصر والإسكندرية عن أبي الوقت. توفي في ذي القعدة وقد شاخ وابن نوح الغافقي العلامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد بن وهب الأندلسي البلنسي. ولد سنة ثلاثين وخس مائة وقرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتفقه وبرع في مذهب مالك ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفننا واستبحارا. كان رأسا في القراءات والفقه والعربية وعقد الشروط. قال الأبار: تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا. توفي في شوال.

وعماد الدين محمد بن يونس العلامة أبو حامد. تفقه على والده وببغداد على يوسف بن بندار الدمشقي وغيره. ودرس في عدة مدارس بالموصل واشتهر وقصده الطلبة من البلاد. قال ابن خلكان: كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف وكان له صيت عظيم في زمانه. صنف المحيط جمع فيه بين المهذب والوسيط. وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة بحيث إنه يغسل يده من مس القلم. وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدين وما زال به حتى نقله إلى الشافعية. توفي في سلخ جمادى الآخرة. وهو جد مصنف التعجيز تاج الدين عبد الرحيم بن محمد بن محمد الموصلي.

ومنصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله ابن فقيه الحرم محمد ابن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القاسم. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة وسمع من جده وجد أبيه وعبد الجبار الخواري ومحمد بن إسماعيل الفارسي وروى الكتب الكبار ورحلوا إليه توفي في ثامن شعبان بنيسابور.

وابن سناء الملك القاضي أبو القاسم هبة الله بن جعفر المصري الأديب صاحب الديوان المشهور والمصنفات الأدبية. قرأعلى الشريف الخطيب وقرأ النحو على ابن بري وسمع من السلفي كتب بديوان الإنشاء مدة. توفي في أوائل رمضان عن بضع وستين سنة. وكان بارع الترسل والنظم.

ويونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصار نزيل مكة. روى عن أبي الفضل الأرموي وابن الطلابة وطبقتهما.

سنة تسع وستمائة

فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين الناصر محمد بن محمد ابن يعقوب بن يوسف وبين الفرنج. ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير. وتعرف بوقعة العقاب.

وفيها توفي أبو جعفر الحصار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني المقرئ نزيل بلنسية. قرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتصدر للإقراء ولم يكن أحد يقاربه في الضبط والتحرير ولكن ضعفه الأبار وغيره لروايته عن ناس ما كأنه لقيهم. توفي في صفر.

وأبو عمر بن عات أحمد بن هارون بن أحمد النقري الشاطبي الحافظ. سمع أباه العلامة أبا محمد وابن هذيل. ولما حج سمع من السلفي. وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب. وكان زاهدا سلفيا متعففا عدم في وقعة العقاب في صفر.

والملك الأوحد أيوب ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. تملك خلاط خمس سنين. وكان ظلوما سفاكا لدماء الأمراء. مات في ربيع الأول.

وأبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصنعاني الشافعي المحدث. ولد سنة خمس وعشرين وخمس مائة وتفقه بظفار ورحل إلى العراق وأصبهان وسمع من أبي المطهر الصيدلاني ورجاء بن حامد المعداني وطائفة. وكان مجموع الفضائل وكثير التعبد والعزلة. توفي في جمادى الآخرة.

وزاهر بن رستم أبو شجاع الأصبهاني الأصل ثم البغدادي الفقيه الشافعي الزاهد. قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة. وجاور وأم بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع. توفي في ذي القعدة. وكان ثقة بصيرا بالقراءات.

وأبو الفضل بن المعزم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمذاني الفقيه. توفي في ربي الأخر. سمع من أبي جعفر محمد بن أبي علي الحافظ وعبد الصبور الهروي وطائفة. وكان مكثرا صحيح السماع.

وابن القبيطي أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أخو حمزة الحراني ثم البغدادي. روى عن الحسين وأبي محمد سبطي الخياط وأبي منصور بن خيرون وأبي سعد البغدادي وطائفة. وكان متيقظا حسن الأخلاق.

ومحمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي. سمع من زاهر الشحامي بأصبهان.

سنة عشر وستمائة

كان السلطان خوارزم شاه محمد صاحب إقدام وجرأة. وكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه. فخطر له أن يكشفهم فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة ودخل فيهم فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم وقرروهم فمات اثنان تحت الضرب ولم يقرا ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل. قال أبو شامة: فيها ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار.

وفيها توفي تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل ابن عساكر. والد العز النسابة. ولد ستة اثنتين وأربعين وخمس مائة وسمع من نصر بن أحمد بن مقاتل وأبي القاسم بن البن وعميه الصائن والحافظ وطائفة. وسمع بمكة من أحمد بن المقرب وخرج لنفسه مشيخة وكتب وجمع وخدم في جهات كبار. توفي في رجب.

وأبو الفضل التركستاني أحمد بن مسعود بن علي شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرس مشهد الإمام أبي حنيفة. توفي في ربيع الآخر.

والفخر إسماعيل بن علي بن حسين المأموني الحنبلي الرفاء الفقيه المناظر صاحب التصانيف. ويعرف أيضا بغلام ابن المني. ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة ولازم أبا الفتح نصر بن المنى مدة وسمع من شهدة وكان له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل ولم يكن في دينه بذاك. توفي في ربيع الآخر.

وأيدغمش السلطان شمس الدين صاحب همذان وأصبهان والري. كان قد تمكن وكثرت جيوشه واتسعت ممالكه، بحيث إنه حصر ولد أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلي بالتركمان وحاربه واستعان عليه بالمماليك البهلوانية. فهرب إلى بغداد فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي. فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلي.

والحسين بن سعيد بن شنيف أبو عبد الله الأمين سمع من هبة الله ابن الطبر وقاضي المرستان وجماعة. توفي في المحرم ببغداد.

وزينب بنت إبراهيم القيسي زوجة الخطيب ضياء الدين الولعي أم الفضل. سمعت من نصر وابن حديدة الوزير معز الدين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي. وزر للناصر في سنة أربع وثمانين وخمس مائة فلما عزل بابن مهدي صودر. فترك للمترسمين ذهبا وهرب وحلق رأسه والتف في إزار وبقي بأذربيجان مدة. ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى.

وعبد الجليل بن أبي غالب بن مندوية الأصبهاني أبو مسعود الصوفي المقرئ نزيل دمشق. روى الصحيح عن أبي الوقت وروى عن نصر البرمكي. قال القوصي: هو الإمام شيخ القراء بقية السلف. توفي في جمادى الأولى.

وابن هبل الطبيب العلامة مهذب الدين علي بن أحمد بت علي البغدادي نزيل الموصل. روى عن أبي القاسم بن السمرقندي وكان من الأذكياء الموصوفين. له عدة تصانيف وجماعة تلامذة.

وعين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية الأصبهانية سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الإخشيد وسمعت من ابن أبي ذر. وكانت آخر من حدث عنهما. توفيت في ربيع الآخر.

ومحمد بن مكي بن أبي الرجاء الحنبلي أبو عبد الله محدث أصبهان. وأحد من عني بهذا الشأن. روى عن مسعود الثقفي وطبقته. توفي في المحرم.

وصاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي بن علوي القيسي وأمه أمة رومية. وكان أشقر أشهل أسيل الخد حسن القامة طويل الصمت كثير الإطراق بعيد الغور ذا شجاعة وحلم وفيه بخل بين. تملك بعد أبيه في صفر سنة خمس وتسعين وزر له غير واحد منهم أخوه إبراهيم. وكان أولى بالملك منه.

وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس وكان قد أخذها منهم ابن غانية فظفر جيشه بابن غانية عبد الله بن إسحاق بن غانية متولي فاس فقتلوه. ثم خرج عليه عبد الرحمن بن الجزارة بالسوس وهزم الموحدين مرات ثم قتل واستولى ابن غانية على إفريقية كلها سوى بجاية وقسطنطينية فسار الناصر وحاصر المهدية أربعة أشهر ثم تسلمها من ابن عم ابن غانية وصار من خواص امرائه ثم خامر إليه سير أخو ابن غانية فأكرمه أيضا. قال عبد الواحد المراكشي في تاريخه: فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرون حمل ذهب. ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وست مائة فحشد له الإذفنش واستنفر عليه حتى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى. وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب. فانكسر المسلمون. وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموحدين لم يسلوا سلاحا بل جبنوا وانهزموا غضبا على تأخير أعطياتهم. وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع. ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى وأخذوا بلد بياسة عنوة. مات بالسكتة في شعبان.

سنة إحدى عشرة وستمائة

فيها توفي أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود بن المبارك الجنابذي ثم البغدادي. سمع سنة ثلاثين وخمس مائة وبعدها من قاضي المرستان وإسماعيل بن السمرقندي فمن بعدهما. وحصل الأصول الكثيرة وجمع وخرج مع الثقة والجلالة. توفي في شوال.

وعلي بن المفضل بن علي الإمام الحافظ المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسي ثم الإسكندراني الفقيه المالكي. ولد سنة أربع وأربعين وتفقه على أبي طالب صالح ابن بنت معافى وأبي طاهر بن عوف وأكثر إلى الغاية عن السلفي والموجودين وسكن في أواخر عمره بمصر ودرس بالصاحبية وصنف التصانيف توفي في غرة شعبان.

وأبو بكر محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي المأموني ابن الحلاوي شيخ الحنابلة في زمانه ببغداد. وكان علامة صالحا ورعا كبير القر. عاش ثمانين سنة. وحدث عن أبي الفتح الكروخي وابن ناصر. وتوفي في رمضان. وعليه تفقه الشيخ المجد جد شيخنا ابن تيمية.

سنة اثنتي عشرة وستمائة

فيها ثارت الكرج وبدعوا بأذربيجان، وقتلوا وسبوا وأسروا نحو المائة ألف.

وفيها سار الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل من الديار المصرية عندما بلغه موت صاحب اليمن سيف الإسلام فاستولى على إقليم اليمن بلا حرب.

وفيها استولى خوارزم شاه علاء الدين على غزنة وهرب ملكها ألذر إلى بهاور. ثم جمع وحشد والتقى صاحب دهلة شمس الدين الدزمش فقتل الدز.

وفيها انهزم منكلي الذي غلب على همذان والري وأصبهان ثم قتل.

وفيها توفي ابن الدبيقي أبو العباس أحمد بن بحيى بن بركة البزاز ببغداد وله بضع وستون سنة. روى عن قاضي المرستان وابن زريق القزاز وجماعة. وهو ضعيف ألحق اسمه في أماكن. توفي في ربيع الآخر. ضعفه غير واحد.

وسليمان بن محمد بن علي الموصلي الفقيه أبو الفضل الصوفي. ولد سنة ثمان وعشرين وسمع من إسماعيل بن السمرقندي ويحيى بن الطراح وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وأبو محمد بن حوط الله الحافظ عبد الله بن سليمان بن داود الأنصاري الأندلسي ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة وسمع من أبي الحسن بن هذيل وأبي القاسم بن حبيش وأبي بكر بن الجد وخلق كثير. وكان موصوفا بالإتقان حافظا لأسماء الرجال. صنف كتابا في تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ولم يتمه. وكان إماما في العربية والترسل والشعر. ولي قضاء أشبيلية وقرطبة. وأدب أولاد المنصور صاحب المغرب بمراكش. توفي في ربيع الأول.

وعبد الله بن أبي بكر بن أحمد بن طليب أبو علي الحربي. روى عن عبد الله بن أحمد بن يوسف. توفي في ذي الحجة.

وابن منينا أبو محمد عبد العزيز بن مصال بن غنيمة البغدادي الأشناني آخر من حدث بالعراق عن قاضي المرستان. وسمع من جماعة. توفي في ذي الحجة عن سبع وثمانين سنة.

والحافظ عبد القادر الرهاوي أبو محمد الحنبلي. كان مملوكا لبعض أهل الموصل فأعتقه وحبب إليه فن الحديث، فسمع الكثير وصنف وجمع وله الأربعون المتباينة الإسناد والبلاد. وهو أمر ما سبقه إليه أحد ولا يرجوه بعده محدث لخراب البلاد. سمع بأصبهان من مسعود الثقفي وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وأبي مهراة زرعة والمقدسي بن عبد الجليل بن أبي سعد آخر أصحاب بيبي الهرثمية وبمرو ونيسابور وسجستان وبغداد ودمشق ومصر. قال ابن خليل: كان حافظا ثبتا كثير التصنيف ختم به الحديث. وقال أبو شامة: كان صالحا مهيبا زاهدا خشن العيش ورعا ناسكا. قلت: توفي في جمادى الأولى وله ست وسبعون سنة.

وأبو الحسن بن الصبوغ القدوة العارف علي بن حميد الصعيدي كان صاحب أحوال ومقامات.

وأبو عبد الله بن البناء الشيخ نور الدين محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع البغدادي الصوفي. صحب الشيخ أبا النجيب السهروردي وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني وطائفة. وكتب سماعاته. حدث بالعراق والحجاز ومصر والشام. واستقر بالسميساطية إلى أن توفي في ذي القعدة عن ست وسبعين سنة.

وابن الجلالجلي كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي المبارك البغدادي التاجر الكبير. سمع من هبة الله بن شريك الحاسب وغيره. وتوفي ببيت المقدس في رمضان.

والوجيه بن الدهان أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر الواسطي الضرير النحوي. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة وسمع ببغداد من أبي زرعة ولزم الكمال عبد الرحمن الأنباري مدة وأبا محمد بن الخشاب وبرع في العربية ودرس النحو بالنظامية وكان حنبليا فتحول حنفيا. وقيل تحول أيضا شافعيا. وفيه أبيات سائرة. توفي في شعبان ببغداد.

وموسى بن سعيد أبو القاسم الهاشمي البغدادي بن الصيقل. سمع من إسماعيل بن السمرقندي وأبي الفضل الأرموي. وكان صدرا معظما. ولي حجابة باب النوبى ثم نقابة الكوفة. توفي في جمادى الأولى.

ويحيى بن ياقوت البغدادي الفراش المجاور بمكة. روى عن إسماعيل ابن السمرقندي وعبد الجبار بن توبة وجماعة توفي في جمادى الآخرة

سنة ثلاث عشرة وستمائة

قال ابن الأثير: فيها قد وقع بالبصرة برد قيل إن أصغره كالنارنجة الكبيرة وأكبره ما يستحي الإنسان أن يذكره. قلت: أرض العراق قد وقع فيها مثل هذا البرد مرات عديدة ذكرته في أماكنه من تاريخي الكبير.

وفيها توفي العلامة تاج الدين الكندي أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن البغدادي المقرئ النحوي اللغوي شيخ القراء والنجاة بالشام ومسند العصر. ولد سنة عشرين وخمس مائة وأكمل القراءات العشرة. وله عشرة أعوام. وهذا ما لا أعلمه تهيأ لأحد سواه. اعتنى به سبط الخياط فأقرأه. وحرص عليه وجهزه إلى أبي القاسم هبة الله بن الطير، فقرأ عليه بست روايات وإلى أبي منصور بن خيرون وأبي بكر خطيب المحول وأبي الفضل بن المهتدي بالله فقرأ عليهم بالروايات الكثيرة. وسمع من ابن الطبر وقاضي المرستان وأبي منصور القزاز وخلق. وأتقن العربية على جماعة وقال الشعر الجيد ونال الجاه والوافر. فإن الملك المعظم كان مديما للاشتغال عليه. وكان ينزل إليه من القلعة. توفي في سادس شوال ونزل الناس بموته درجة في القراءات وفي الحديث لأنه آخر من سمع من القاضي أبي بكر والقاضي آخر من سمع من بي محمد الجوهري والجوهري آخر من روى عن القطيعي والقطيعي آخر من روى عن الكريمي وجماعة.

وعبد الرحمن بن علي الزهري الإشبيلي أبو محمد مسند الأندلس في زمانه. روى صحيح البخاري سماعا عن أبي الحسن شريح وعاش بعد ما سمعه ثمانين سنة. وهذا شيء لا أعلمه وقع لأحد بالأندلس. توفي في آخر العام.

والملك الظاهر غازي صاحب حلب ولد السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب. ولد بمصر سنة ثمان وستين وخمس مائة. وحدث عن عبد الله بن بري وجماعة. وكان بديع الحسن كامل الملاحة ذا غور ودهاء ورأي ومصادقة لملوك النواحي. فيوهمهم أنه لولا هو لقصدهم عمه العادل ويوهم عمه لولا هو لاتفق عليه الملوك وشاقوه. وكان سمحا جوادا. تزوج بابنتي عمه. توفي في العشرين من جمادى الآخرة بالإسهال. وتسلطن بعده الملك العزيز وله ثلاثة أعوام. وكاسر الملك العادل لأجل بنته أم الطفل.

والجاجرمي مؤلف الكفاية في الفقه الإمام معين الدين أبو حامد محمد ابن إبراهيم السهلي الشافعي. وله طريقة في الخلاف. وجاجرم بليدة بين نيسابور وجرجان جاء منها إلى نيسابور ودرس بها ومات كهلا في رجب.

والعزيز محمد ابن الحافظ تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحافظ أبو الفتح. ولد سنة ست وستين وخمس ورحل إلى بغداد وهو مراهق. فسمع من ابن شاتيل وطبقته وسمع بدمشق من أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز وطائفة. وكتب الكثير. وعني بالحديث ورحل إلى أصبهان وغيرها. وكان موصوفا بحسن القراءة وجودة الحفظ والفهم. قال الضياء: كان حافظا فقيها ذا فنون وصفة بالمروءة التامة والديانة المتيتة. توفي في تاسع عشر شوال.

سنة أربع عشرة وستمائة.

فيها سار خوارزم شاه في أربع مائة ألف راكب إلى أن وصل همذان قاصدا بغداد ليتملكها ويحكم على الناصر لدين الله. فاستعد له الناصر وفرق الأموال والسلاح وراسله مع السهروردي فلم يلتفت عليه فحكى قال: دخلت إليه في خيمة عظيمة لم أر مثل دهليزها وهو من أطلس والأطناب حرير وفي الخدمة ملوك العجم وما وراء النهر. وهو شاب له شعرات قاعد على تخت وعليه قباء يساوي خمسة دراهم. وعلى رأسه قلنسوة جلد تساوي درهما. فسلمت فما رد ولا أمرني بالجلوس. فخطبت وذكرت فضل بني العباس وأطنبت في وصف الخليفة. والترجمان يخبره. فقال: قل له: هذا الذي تصفه ما هو في بغداد بل أنا أجيء وأقيم خليفة هكذا. ثم ردنا بلا جواب. واتفق ان نزل همذان ثلج عظيم أهلك خيلهم. وركب هو يوما فعثر به فرسه فتطير وقلت الأقوات على جيوشه. ولطف الله فردوا.

وفيها تحزبت الفرنج على الملك العادل ونزلوا على عين جالوت وهوببيسان فأحرقها. وتقهقر إلى عجلون ثم إلى الفوار. فقطعت الفرنج الشريعة وتبعته وبيتوا اليزك وعاثوا في البلاد وتهيأ أهل دمشق للحصار واستحث العادل ملوك النواحي على النجدة وتأخر إلى مرج الصفر. فرحعت الفرنج بالسبي والغنائم إلى نحو عكا وكانوا خمسة عشر ألفا عليهم الهنكر.

وفيها توفي أبو الخطاب بن واجب أحمد بن محمد بن عمر القيسي البلنسي الإمام. ولد سنة سبع وثلاثين وأكثر عن جده أبي حفص بن واجب وابن هذيل وابن قزمان صاحب ابن الطلاع وطائفة وأجاز له أبو بكر بن العربي. قال ابن الأبار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس وكان متفننا ضابطا نحويا عالي الإسناد ورعا قانتا، له عناية كاملة بصناعة الحديث، ولي القضاء ببلنسية وشاطبة غير مرة، ومعظم روايتي عنه. توفي في رجب.

والشيخ العماد أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي أخو الحافظ عبد الغني. ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وجاهر سنة إحدى وخمسين وخمس مائة مع أقاربه. وسمع من عبد الواحد بن هلال وجماعة وببغداد من شهدة وصالح بن الرحلة وبالموصل من خطيبها. وحفظ الخرقي والغريب للعزيزي. وألقى الدروس وناظر واشتغل. وقد قرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي. وكان متصديا لقراءة القرآن والفقه ورعا تقيا متواضعا سمحا مفضالا صواما قواما صاحب أحوال وكرامات موصوفا بطول الصلاة. قال الشيخ الموفق: ما فارقته إلا أن يسافر فما عرفت أنه عصي الله معصية. توفي الشيخ العماد رضي الله عنه فجأة في سابع عشر ذي القعدة.

وعبد الله بن عبد الجبار العثماني أبو محمد الاسكندراني التاجر الكارمي المحدث. سمع من السلفي فأكثر وتوفي في ذي الحجة عن سبعين سنة.

وابن الحرستاني قاضي القضاة جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الخزرجي الربعي الشافعي. ولد سنة عشرين وخمس مائة وسمع سنة خمس وعشرين من عبد الكريم بن حمزة وجمال الإسلام وطاهر بن سهل الإسفراييني والكبار. وحدث وأفتى وبرع في المذهب وانتهى إليه علو الإسناد. وكان صالحا عابدا من قضاة العدل. توفي في رابع ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة.

وعلي بن محمد بن علي الموصلي أبو الحسن أخو سليمان. سمع من الحسين سبط الخياط وأبي البدر الكرخي وجماعة. توفي في جمادى الآخرة.

وابن جبير الكناني الإمام الرئيس أبو الحسين محم بن جبير البلنسي نزيل شاطبة. ولد سنة أربعين وخمس مائة وسمع من أبيه وعلي بن أبي العيش المقرئ وأجاز له أبو الوليد بن الدباغ وحج وحدث في طريقه. قال [ابن] الأبار: عني بالآداب فبلغ فيها الغاية وتقدم في صناعة النظم والنثر ونال بذلك دنيا عريضة. ثم زهد ورحل مرتين إلى الشرق وفي الثالثة توفي بالإسكندرية في شعبان.

وأبو عبد الله بن سعادة الشاطبي المعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة. أخذ قراءة نافع عن أبي عبد الله بن غلام الفرس والقراءات عن ابن هذيل وأبي بكر محمد بن أحمد بن عمران وسمع من ابن النعمة وابن عاشر وأبي عبيد الله محمد بن يوسف بن سعادة. أكثر عنه ابن الأبار. وكان مولده سنة ست عشرة وخمس مائة أو قبل ذلك. وتوفي يشاطبة في شوال وكان مجودا للقراءات.

سنة خمس عشرة وستمائة

فيها نازلت الفرنج دمياط فجهز العادل جيشا نجدة لولده الكامل.

وفيها كسر الملك الأشرف موسى ملك الروم كيكاوس ثم أخذ عسكره وعسكر حلب ودخل بلاد الفرنج ليشغلهم بأنفسهم عن دمياط. فأقبل صاحب الروم إلى أعمال حلب وأخذ رعبان وتل باشر فقصده الملك الأشرف وقدم بين يديه العرب فكسبوا الروم وهزموهم. وأخذت الفرنج برج السلسلة من دمياط وكان قفل ديار مصر. وهو في وسط النيل فكان يمد منه سلسلة على وجه النيل إلى دمياط وأخرى إلى برج آخر فلا تمكن المراكب أن تعبر من البحر في النيل.

وفيها التقى الملك المعظم الفرنج فكسرهم. وقتل خلق وأسر مائة فارس ولكنه تمقت إلى الناس بإدارة المكوس والحانات بدمشق واعتذر لما عنفوه بقلة المال. ثم سار وخرب بانياس وتبنين. وقد كانت قفلا للشام. وزعم أنه خربها خوفا من استيلاء الفرنج. وكذلك كان قد أنشأ قلعة منيعة على الطور من أعوام فأخربها وعجز عن حفظ ذلك لاحتياجه إلى المال والرجال.

ثم سار الكامل والتقى الفرنج فهزمهم ببر دمياط.

وفيها توفي صاحب مصر والشام العادل وصاحب الروم وصاحب الموصل.

وفيها جاءت رسل جنكزخان ملك التتار محمود الخوارزمي وعلي البخاري بتقدمة مستطرفة إلى خوارزم شاه ويطلب منه المسالمة والهدنة. فاستمال خوارزم شاه محمودا الخوارزمي وقال: أنت منا وإلينا. وأعطاه معضدة جوهر وقرر معه أن يكون عينا للمسلمين. ثم قال له: أصدقني أيملك جنكزخان طمغاج الصين؟ قال: نعم، قال: فما ترى؟ قال: الهدنة. فأجاب وسر جنكزخان بإجابته. واستقر الحال إلى أن جاء من بلاده تجار إلى ماوراء النهر وعليها خال خوارزم شاه. فقبض عليهم وأخذ أموالهم شرها منه. ثم كاتب خوارزمشاه يقول: إنهم تتار في زي التجار. وقصدهم يجسوا البلاد. ثم جاءت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه يقول: إن كان ما فعله خالك بأمره فسلمه إلينا وإن كان بأمرك فالغدر قبيح وستشاهد ما تعرفني به. فندم خوارزم شاه وتجلد. وأمر بالرسل فقتلوا ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فيا لها حركة عظيمة الشؤم أجرت كل قطرة بحرا من الدماء.

وفيها توفي محدث بغداد أبو العباس البندنيجي أحمد بن أحمد بن كرم الحافظ المعدل ولد سنة إحدى واربعين وسمع من أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت فمن بعدهما. وعني بالحديث وفنونه. وكان من أطيب الناس قراءة للحديث. وهو الذي أظهر إجازة الناصر لدين الله من أبي الحسين عبد الحق وطبقته. ولكنه كان ضعيفا لأمور. توفي في رمضان.

والشمس العطار أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد السلمي البغدادي الصيدلاني نزيل دمشق. ولد سنة ست وأربعين وسمع الناس منه صحيح البخاري غير مرة. وكان ثقة توفي في شعبان.

وصاحب الموصل السلطان الملك القاهر عز الدين أبو الفتح مسعود ابن السلطان نور الدين آرسلان شاه بن مسعود الأتابكي. ولد سنة تسعين وخمس مائة وتملك بعد أبيه وله سبع عشرة سنة. وكان موصوفا بالملاحة والعدل والسماحة. قيل إنه سم. ومات في ربيع الآخر وله خمس وعشرون سنة. وعظم على الرعية فقده.

وولي بعده بعهد منه ولده نور الدين إرسلان شاه. ويسمى أيضا عليا وله عشر سنين. فمات في أواخر السنة أيضا.

وزينب الشعرية الحرة أم المؤيد بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد بن سهل الجرجاني ثم النيسابوري الشعري الصوفي. ولدت سنة أربع وعشرين وسمعت من ابن الفراوي عبد الله لا من أبيه ومن زاهر الشحامي وعبد المنعم بن القشيري وطائفة. توفيت في جمادى الآخرة وانقطع بموتها إسناد عال.

وأبو القاسم بن الدامغاني قاضي القضاة عبد الله بن الحسين بن أحمد ابن علي ابن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني الفقيه العلامة عماد الدين. سمع من تجني الوهبانية وولي القضاء بالعراق سنة ثلاث وست مائة إلى أن عزل سنة إحدى عشرة توفي في ذي القعدة.

والقاضي شرف الدين بن الزكي القرشي أبوطالب عبد الله بن زيد القضاة عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى بن علي الدمشقي الشافعي. ناب في الحكم عن ابن عمه القاضي محيي الدين ثم عن ابنه زكي الدين الطاهر. ودرس بالشامية الكبيرة وهوأول من درس بالرواحية توفي في شعبان.

وصاحب الروم الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان السلجوقي سلطان قونية وأقصرا وملطية وأخو السلطان علاء الدين كيقباذ. كان ظلوما غشوما سفاكا للدماء. قيل: إنه مات فجأة مخمورا فأخرجوا أخاه علاء الدين وملكوه بعده. وذلك في شوال.

وأبو الفتوح البكري فخر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمروك القرشي التيمي النيسابوري الصوفي. ولد سنة ثمان عشرة وخمس مائة ولو سمع في صغره لصار مسند عصره. وقد سمع من أبي الأسعد القشيري وغيره وبالإسكندرية مع ابنه محمد من السلفي. وحدث بأماكن. توفي في جمادى الآخرة.

والركن العميدي صاحب الجست أبو حامد محمد بن محمد بن السمرقندي الحنفي. أخذ عن الرضي النيسابوري وبرع في الخلاف الجدل وصنف الطريقة المشهورة وكتاب شرح الإرشاد توفي في جمادى الآخرة ببخارى.

والسلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي. ولد ببعلبك حال ولاية أبيه عليها ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه. وكان أخوه صلاح الدين يستشيره ويعتمد على رأيه وعقله ودهائه. ولم يكن أحد يتقدم عليه عنده. ثم تنقلت به الأحوال واستولى على الممالك وسلطن ابنه الكامل على الديار المصرية وابنه المعظم على الشام وابنه الأشرف على الجزيرة وابنه الأوحد على على خلاط وابن ابنه المسعود على اليمن وكان ملكا جليلا سعيدا طويل العمر عميق الفكر بعيد الغور جماعا للمال ذا حلم وسؤدد وبر كثير. وكان يضرب به المثل بكثرة أكله وله نصيب من صوم وصلاة. ولم يكن محببا إلى الرعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية. وقد حدث عن السلفي وخلف سبعة عشر ابنا تسلطن منهم الكامل والمعظم والأشرف والصالح وشهاب الدين غازي صاحب ميافارقين. وتوفي في سابع جمادى الآخرة وله بضع وسبعون سنة.

سنة ست عشرة وستمائة

فيها تحركت التتار. فخارت قوى السلطان خوارزم شاه وتقهقر بين أيديهم ببلاد ما وراء النهر وانجفل الناس بخوارزم وأمرت أمه بقتل من كان محبوسا من الملوك بخوارزم وكانوا بضعة عشر نفسا. ثم سارت بالخزائن إلى قلعة ايلال بمازندران ووصل خوارزم شاه إلى همذان في نحو عشرين ألفا وتقوضت أيامه.

وفي أول العام خرب الملك المعظم سور بيت المقدس عجزا وخوفا من الفرنج أن تملكه، فتشتت أهله وتعثروا. وكان هو مع أخيه الكامل في كشف الفرنج عن دمياط وتم لهم وللمسلمين حروب وقتال كثير وجرت أمور يطول شرحها.

وجدت الفرنج في محاصرة دمياط وعملوا عليهم خندقا كبيرا وثبت أهل البلد ثباتا لم يسمع بمثله وكثر فيهم القتل والجراح والموت وعدمت الأقوات ثم سلموها بالأمان في شعبان وطار عقل الفرنج وتسارعوا إليها من كل فج عميق وشرعوا في تحصينها وأصبحت دار هجرتهم وترجوا بها أخذ ديار مصرية. وأشرف الإسلام على خطة خسف: أقبلت التتار من المشرق والفرنج من المغرب. وعزم المصريون على الجلاء فثبتهم الكامل إلى أن سار إليه أخوه الأشرف كما يأتي.

وفيها توفي أحمد بن سليمان بن الأصفر أبو العباس الخريبي روى عن أحمد بن علي بن الأشقر وابن الطلابة. توفي في ذي الحج.

وأحمد بن محمد بن سيدهم أبو الفضل الأنصاري الدمشقي الجابي المعروف بابن الهراس. سمع من نصر الله المصيصي وغيره. توفي في شعبان.

وابن ملاعب زين الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن منصور بن ثابت بن ملاعب الأزجي وكيل القضاة. روى عن الأرموي وابن ناصر وطائفة. وبعض سماعاته في الخامسة. توفي في جمادى الآخرة بدمشق.

وريحان بن تيكان بن موسك الحربي الضرير. مات في صفر وله بضع وتسعون سنة. روى عن أحمد بن الطلاية والمبارك بن أحمد الكندي.

وست الشام الخاتون أخت الملك العادل. توفيت في ذي القعدة ودفنت بتربتها التي بمدرستها الشامية. رحمها الله تعالى.

وأبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد ابن العلامة المفتي سعيد بن محمد ابن عمر البغدادي. روى البخاري عن أبي الوقت وحضر ابا الفضل الأرموي.

وأبو البقاء العلامة محب الدين عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء العكبري ثم الأزجي الضرير الحنبلي النحوي الفرضي صاحب التصانيف. قرأ القراءات على ابن عساكر البطائحي وتأدب على ابن الخشاب وتفقه على أبي يعلى الصغير وروى عن ابن الطي وطائفة. وحاز قصب السبق في العربية وتخرج به خلق. ذهب بصره في صغره بالجدري. وكان دينا ثقة. توفي في ربيع الآخر.

وابن شاش العلامة جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاش بن نزار الجذامي السعدي المصري شيخ المالكية وصاحب كتاب الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة. كان من كبار الأئمة العاملين. حج في آخر عمره ورجع فامتنع من الفتيا إلى أن مات مجاهدا في سبيل الله في حدود رجب.

وعبد الرحمن بن محمد بن علي بن يعيش الصدر أبو الفرج الأنباري أخو أبي الحسن علي. روى عن عبد الوهاب الأنماطي وغيره. وعمر تسعين سنة. توفي في شعبان.

وعبد العزيز بن أحمد بن مسعود ابن الناقد أبو محمد البغدادي المقرئ الصالح. قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وغيره وسمع من أبي سعد البغدادي والأرموي. توفي في شوال.

والافتخار الهاشمي أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي البلخي ثم الحلبي الحنفي. إمام المذهب بحلب. سمع بما وراء النهر من القاضي عمر بن علي المحمودي وأبي شجاع البسطامي وجماعة. وبرع في المذهب وناظر وصنف وشرح الجامع الكبير وتخرج به الأصحاب وعاش ثمانين سنة توفي في جمادى الآخرة.

وعلي بن القاسم ابن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر عماد الدين أبو القاسم. ولد سنة إحدى وثمانين وسمع من أبيه وعبد الرحمن بن الخرقي وإسماعيل الجنزوري. ورحل إلى خراسان فكان آخر من رحل إليها من المحدثين. وأكثر عن المؤيد الطوسي ونحوه. وكان صدوقا ذكيا فهما حافظا مجدا في الطلب إلا أنه كان تشيع. وقد خرجت عليه الحرامية في قفوله من خراسان فجرحوه. وأدركه الموت ببغداد في جمادى الأولى.

وصاحب سنجار الملك المنصور قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر. تملك سنجار مدة. حاصره الملك العادل اياما ثم رحل عنه بأمر الخليفة. توفي في صفر. وتملك بعده ولده عماد الدين شاهنشاه أشهرا ومات قبله أخوه عمر وتملك بعده مديدة ثم سلم سنجار إلى الأشرف ثم مات.

سنة سبع عشرة وستمائة

فيها قصد الموصل الملك مظفر الدين صاحب إربل. فالتقاه بدر الدين لؤلؤ وكسره. وأفلت ونازل مظفر الدين الموصل. فنجدها الأشرف ثم وقع الصلح.

وفي رجب وقعة البرلس بين الكامل والفرنج وكانت فتحا عزيزا. قتل من الملاعين عشرة آلاف وانهزموا إلى دمياط.

وفيها حج بالعراقيين أقباش مملوك الخليفة. وكان من أحسن أهل زمانه. اشتراه الناصر بخمسة آلاف دينار. وكان معه تقليد بمكة لحسن بن قتادة لموت أبيه في وسط العام. فجاءه بعرفات راجح فقال: أنا أكبر ولد قتادة فولني. فتوهم حسن أنه معزول. فأغلق مكة فركب أقباش ليسكن الفتنة وقال: ما قصدي قتال. فثار به أولئك العبيد الأشرار وحملوا. فانهزم أصحابه. فتقدم عبد فعرقب فرسه. فوقع فذبحوه وعلقوا رأسه. وأرادوا نهب العراقيين. فقام في القضية أمير الشاميين المعتمد والي دمشق ورد معه ركب العراق.

وأما التتار فإنهم أخذوا في آخر عام ستة عشر بخارى وقتلوا وما أبقوا. ثم عبروا نهر جيحون واستولوا على خراسان قتلا وسببا وتخريبا وإبادة إلى حدود العراق بعد أن هزموا جيوش خوارزم شاه ومزقوهم. ثم عطفوا إلى قزوين فاستباحوها وحاصروا تبريز وبها ابن البهلوان. فبذل لهم أموالا وتحفا. فرحلوا عنه ليشنوا على الساحل. فوصلوا إلى موغان وحاربوا الكرج وهزموهم في ذي القعدة من سنة سبع عشرة. ثم ساروا إلى مراغة وأخذوها بالسيف ثم كروا نحو إربل. فاجتمع لحربهم عسكر العراق والموصل مع صاحب إربل فهابوهم وعرجوا إلى همذان فحاربهم أهلها أشد محاربة في العام المقبل وأخذوها بالسيف وأحرقوها ثم نزلوا على بيلقان وأخذوها بالسيف وقتلوا بلا استثناء. ثم حاربوا الكرج أيضا وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألفا. ثم سلكوا طرقا وعرة في جبال دربند شروان وانبثوا من تلك الأراضي وبها اللان واللكز وطوائف من الترك وفيهم قليل مسلمون. فتجمعوا والتقوا. فكانت الدبرة على اللان. ثم بيتوا القفجاق فملكوها وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وست مائة. ولما تمكن الطاغية جنكزخان وعتا وتمرد وأباد وأذل العرب والعجم قسم عساكره وجهز كل فرقة إلى ناحية من الأرض ثم عادت إليه أكثر عساكره إلى سمرقند. فلا يقال كم أباد هؤلاء من بلد وإنما يقال كم بقي. وكان خوارزم شاه محمد بطلا مقداما هجاماـ وعسكره أوشابا ليس لهم ديوان ولا إقطاع بل يعيشون من النهب والغارات. وهم تركي كافر أو مسلم جاهل لم يعرفوا تعبئة العسكر في المصاف ولم يدمنوا إلا على المهاجمة ولا لهم زرديات ولا عدد جند. ثم إنه كان يقتل بعض القبيلة ويستخدم باقيها. ولم يكن فيه شيء من المداراة ولا التؤدة لا لجنده ولا لعدوه. وتحرش بالتتار وهم يغضبون على من يرضيهم، فكيف بمن يغضبهم ويؤذيهم. فخرجوا عليه وهم بنو أب وأولو كلمة مجتمعة وقلب واحد ورئيس مطاع فلم يمكن أن يقف مثل خوارزم شاه بين أيديهم. ولكل أجل كتاب. فطووا الأرض وكلت أسلحتهم وتكلكلت أيديهم مما بسطنا أخبارهم وشرحنا ما تم للإسلام وأهله في التاريخ الكبير. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها توفي زكي الدين الطاهر قاضي القضاة ولد قاضي القضاة محيي الدين محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة المنتجب محمد بن يحيى اقرشي الدمشقي. ولي قبل ابن الحرستاني ثم بعده. وكان ذا هيبة وحشمة وسطوة. وكان الملك المعظم يكرهه. فاتفق أن زكي الدين طالب جابي العزيزية بالحساب. فأساء الأدب عليه. فأمر بضربه بين يديه. فوجد المعظم سبيلا إلى أذيته وبعث إليه بخلعة أمير قباء وكلوته وألزمه بلبسها في مجلس حكمه. ففعل. ثم قام فدخل ولزم بيته ومات كمدا. يقال إنه رمى قطعا من كبده. ومات في صفر كهلا وندم المعظم.

والشيخ عبد الله اليونيني، وهو ابن عثمان بن جعفر الزاهد الكبير أسد الشام. وكان شيخا مهيبا طوالا حاد الحال تام الشجاعة أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر كثير الجهاد دائم الذكر عظيم الشأن منقطع القرين صاحب مجاهدات وكرامات. كان الأمجد صاحب بعلبك يزوره، وكان يهينه ويقول: يا مجيد أنت تظلم وتفعل. وهو يعتذر إليه. وقيل كان قوسه ثمانين رطلا. وما كان يبالي بالرجال قلوا أو كثروا. وكان ينشد هذه الأبيات ويبكي:

شفيعي إليكم طول شواقي إليكم ** وكل كريم للشفيع قبول

وعذري إليكم أنني في هواكم** أسير ومأسور الغرام ذليل

فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا ** وإن لم تجيبوا فالمحب حمول

سأصبر لا عنكم ولكن عليكم ** عسى لي إلى ذاك الجناب وصول

توفي في عشر ذي الحجة وهو صائم، وقد نيف على الثمانين. وقبره يزار ببعلبك.

وأبو المظفر بن السمعاني فخر الدين عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن الحافظ أبي بكر محمد ابن الإمام أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الشافعي الفقيه المحدث مسند خراسان. ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مائة وروى كتبا كبارا صحيح البخاري ومسند الحافظ أبي عوانة وسنن أبي داود وجامع أبي عيسى وتاريخ الفسوي ومسند الهيثم بن كليب. سمع من وجيه الشحامي وأبي تمام أحمد بن محمد بن المختار وأبي سعد الأسعد القشيري وخلق. رحله أبوه إليهم بمرو ونيسابور وهراة وبخاري وسمرقند. ثم خرج له أبوه معجما في ثمانية عشر جزءا. وكان مفتيا عارفا بالمذهب. عدم في دخول التتار بمرو في آخر العام.

وقتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى العلوي الحسني صاحب مكة أبو عزيز. وعاش أكثر من ثمانين سنة.

وخوارزم شاه محمد بن تكش السلطان الكبير علاء الدين. كان ملكا جليلا أصيلا عالي الهمة واسع الممالك كثير الحروب ذا ظلم وجبروت وغور ودهاء. تسلطن بعد والده علاء الدين تكش فدانت له الملوك وذلت له الأمم وأباد أمة الخطا واستولى على بلادهم إلى أن قهر بخروج التتار الطمغاجية عسكر جنكزخان. واندفع قدامهم وأتاه أمر الله من حيث لم يحتسب فما وصل إلى الري إلا وطلائعهم على رأسه. فانهزم إلى برجين وقد مسه النصب فأدركوه وما تركوه يبلع ريقه فتحامل إلى همذان ثم إلى مازندران وقعقعة سلاحهم قد ملأت مسامعه. فنزل ببحيرة هناك ثم مرض بالإسهال وطلب الدواء فأعوزه الخبر ومات. فقيل إنه حمل في البحر إلى دهستان. وأما ابنه جلال الدين فتقاذفت به البلاد ثم رمته الهند إلى كرمان. وقيل بلغ عدد جيشه ثلاث مائة ألف وقيل أكثر من ذلك.

وصدر الدين شيخ الشيوخ أبو الحسن محمد ابن شيخ الشيوخ عماد الدين عمر بن علي الجويني. برع في مذهب الشافعي وسمع من يحيى الثقفي ودرس وأفتى وزوجه شيخه القطب النيسابوري بابنته فأولدها الإخوة الأمراء الأربعة. ثم ولي بمصر تدريس الشافعي ومشهد الحسين. وبعثه الكامل رسولا يستنجد بالخليفة وجيشه على الفرنج. فأدركه الموت بالموصل. أجاز له أبو الوقت وجماعة. وكان كبير القدر.

وصاحب حماة الملك المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. سمع من أبي الطاهر بن عوف وجمع تاريخا على السنين في مجلدات. وقد تملك حماة بعده ولده الناصر قلج أرسلان فأخذها منه الكامل وسجنه ثم أعطاه لأخيه الملك المظفر.

والمؤيد بن محمد بن علي بن حسن رضي الدين أبو الحسن الطوسي المقرئ مسند خراسان. ولد سنة أربع وعشرين وسمع صحيح مسلم من الفراوي وصحيح البخاري من جماعة وعدة كتب وأجزاء. وانتهى إليه علو الإسناد بنيسابور ورحل إليه من الأقطار. توفي ليلة الجمعة العشرين من شوال رحمه الله.

وناصر بن مهدي الوزير نصير الدين العجمي. قدم من مازندران سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة فوزر للخليفة الناصر سنتين ثم قبض عليه سنة أربع وست مائة. وعاش إلى هذا الوقت. توفي في جمادى الأولى.

سنة ثمان عشرة وستمائة

استهلت والدنيا تغلي بالتتار وتجمع إلى السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه فل عساكره والتقى تولي خان بن جنكزخان. فانكسر تولي خان وأسر خلق من التتار وقتل آخرون ولله الحمد. فقامت قيامة جنكزخان واشتد غضبه إذ لم يهزم له جيش قبلها. فجمع جيشه وسار بهم إلى ناحية السند. فالتقاه جلال الدين في شوال من السنة فانهزم جيشه وثبت هو وطائفة. ثم حمل بنفسه على قلب جنكزخان وكسره وولى جنكزخان منهزما. وكادت الدائرة تدور عليه لولا كمين له عشرة آلاف خرجوا على المسلمين. فطحنت الميمنة وأسر ولد السلطان جلال الدين. فتبدد نظامه وتقهقر إلى حافة السند. وأما بغداد فانزعج أهلها وقنت المسلمون وتأهب الخليفة واستخدم وأنفق الأموال.

وفيها سار الملك الأشرف ينجد أخاه الكامل وسار معه عسكر الشام. وخرجت الفرنج من دمياط بالفارس والراجل أيام زيادة النيل فنزلوا على ترعة. فبثق المسلمون عليها النيل فلم يبق لهم وصول إلى دمياط. وجاء الأصطول فأخذوا مراكب الفرنج وكانوا مائة كند وثمان مائة فارس فيهم صاحب عكا وخلق من الرجالة. فلما عاينوا الخذلان بعثوا يطلبون الصلح ويسلمون دمياط إلى الكامل. فأجابهم ثم جاءه أخواه بالعساكر في رجب. فعمل سماطا عظيما وأحضر ملوك الفرنج وأنعم عليهم ووقف في خدمته المعظم والأشرف. وكان يوما مشهودا. وقام راجح الحلي فأنشد قصيدة منها:

ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ** عقيرته في الخفافين منوشدا

أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ** وموسى جميعا ينصران محمدا

وأشار إلى الإخوة الثلاثة.

وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة نجم الدين أبو الجناب أحمد بن عمر ابن محمد الخيوقي الصوفي المحدث شيخ خوارزم. ويقال له نجم الدين الكبري. وخيوق من قرى خوارزم. كان صاحب حديث وسنة وزهد وورع. له عظمة في النفوس وجاه عظيم. رحل في الحديث وسمع بهمذان من الحافظ أبي العلاء وبالسكندرية من السلفي وعني بمذهب الشافعي وبالتفسير. وله تفسير في اثني عشر مجلدا. ولما نزلت التتار على خوارزم في هذه السنة خرج لقتالهم في خلق فاستشهدوا على باب البلد.

وعبد المعز بن أبي الفضل بن أحمد أبو روح الهروي البزاز ثم الصوفي مسند العصر. ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة. وسمع من غنيم الجرجاني وزاهر الشحامي وطبقتهما. وله مشيخة في جزء. روى شيئا كثيرا. واستشهد في دخول التتار هراة في ربيع الأول. وهو آخر من كان بينه وبين النبي ﷺ سبعة أنفس ثقات.

والقاسم ابن المفتي أبي سعد عبد الله بن عمر أبو بكر بن الصفار النيسابوري الشافعي الفقيه. روى عن جده العلامة عمر بن أحمد الصفار ووجيه الشحامي وأبي الأسعد القشيري وطائفة. وكان مولده سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة. استشهد في دخول التتار نيسابور في صفر.

والشهاب محمد بن خلف بن راجح الإمام أبو عبد الله المقدسي الحنبلي الفقيه المناظر. رحل إلى السلفي فأكثر عنه وإلى شهدة وطبقتها فأكثر عنهم. وأخذ الخلاف عن ابن المني. وكان بحاثا مفحما للخصوم ذا حظ من صلاح الدين وأوراد وسلامة صدر وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. نسخ الكثير. ومات في صفر عن ثمان وستين سنة.

ومحمد بن عمر بن عبد الغالب العثماني المحدث أبو عبد الله الدمشقي. دين صالح ورع. روى عن أحمد بن حمزة الموازيني وابن كليب وخليل الرازي وطبقتهم. توفي بالمدينة النبوية في المحرم كهلا.

وفيها توفي موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي أبو نصر. روى عن أبيه وابن ناصر وسعيد بن البنا وأبي الوقت. وسكن دمشق. وكان عريا من العلم. توفي في أول جمادى الآخرى عن ثمانين سنة.

وهبة الله بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاوس السديد أبو محمد الدمشقي. سمعه أبوه من نصر الله المصيصي وابن البن وجماعة. وكان كثير التلاوة. توفي في جمادى الأولى.

سنة تسع عشر وستمائة

فيها توفي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني المالكي. روى عن السلفي وجماعة. وهو من بيت قضاء وحشمة. توفي في جمادى الآخرة.

وابن الأنماطي الحافظ تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن المصري الشافعي. روى عن البوصيري ومن بعده ورحل إلى الشام والعراق وكتب الكثير وحصل وخرج.

وثابت بن مشرف أبو سعد الأزجي البناء المعمار. روى عن ابن ناصر والكروخي وطبقتهما فأكثر. وحدث بدمشق وحلب. وتوفي في ذي الحجة.

والشيخ علي بن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحب الشيخ عبد القادر. سيد زاهد عابد رباني متأله بعيد الصيت. توفي في ذي القعدة.

ومسمار بن عمر بن محمد بن العويس أبو بكر البغدادي النيار نزيل الموصل. روى عن أبي الفضل الأرموي وابن ناصر وجماعة. وحدث بالكثير. وكان دينا خيرا يقرئ القرآن. توفي بالموصل في شعبان.

وأبو الفتوح بن الحصري الحافظ برهان الدين نصر بن أبي الفرج محمد ابن علي البغدادي الحنبلي المقرئ. قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وأقرأها. وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وأبي طالب العلوي وخلق كثير. وكان يفهم الحديث. وجاور بمكة وتعبد ثم خرج إلى اليمن فأدركه أجله بالمهجم في أول السنة، وقيل في ربيع الآخر، عن ثلاث وثمانين سنة.

والشيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشيباني المخارقي القنيي والقنية قرية من نواحي ماردين. وهذا شيخ الطائفة اليونيسية أولي الشطح وقلة العقل وكثرة الجهل. أبعد الله شرهم. وكان رحمه الله صاحب حال وكشف. يحكى عنه كرامات.

سنة عشرين وستمائة

فيها كانت الملحمة البرى بين التتار الذين جاوزوا الدربند وبين القفجاق والروس. وثبت الجمعان أياما ثم انتصرت التتار وغسلوا اولئك بالسيف.

وفيها توفي أبو علي الحسن بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب وعزهم وجاههم وعالمهم. كان عارفا بالقراءات والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم. وكان متعينا للوزارة أنقذ رسولا إلى العراق وغيرها. اندكت الشيعة بموته.

والحسين بن يحيى بن أبي الرداد المصري ويسمى أيضا محمدا. كان آخر من روى بنفس مصر عن رفاعة الخلعيات. توفي في ذي القعدة.

والشيخ موفق الدين المقدسي أحد الأئمة الأعلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي صاحب التصانيف. ولد بجماعيل سنة إحدى وأربعين وخمس مائة. وهاجر مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين وحفظ القرآن وتفقه ثم ارتحل إلى بغداد فأدرك الشيخ عبد القادر وسمع منه ومن هبة الله الدقاق وابن البطي وطبقتهم. وتفقه على ابن المني حتى فاق على الأقران وحاز قصب السبق وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله. وكان مع تبحره في العلوم وتفننه ورعا زاهدا ربانيا عليه هيبة ووقار وفيه حلم وتؤده. وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل. وكان يفحم الخصوم بالحجج والبراهين ولا يتحرج ولا ينزعج وخصمه يصيح ويحترق. قال الحافظ الضياء: كان تام القامة أبيض مشرق الوجه أدعج العينين كأن النور يخرج من وجهه لحسنه واسع الجبين طويل اللحية قائم الأنف مقرون الحاجبين لطيف اليدين نحيف الجسم إلى أن قال: رأيت الإمام أحمد في النوم فقال: ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي. وسمعت أبا عمرو بن الصلاح المفتي يقول: ما رأيت مثل الشيخ الموفق، وسمعت شيخنا أبا بكر بن غنيمة المفتي ببغداد يقول: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق. قلت: جمع له الضياء ترجمة في جزئين ثم قال: توفي يوم عيد الفطر.

والشيخ فخر الدين ابن عساكر شيخ الشافعية بالشام أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله. ولد سنة خمسين وخمس مائة وسمع من عميه الصائن والحافظ أبي القاسم وحسان الزيات وطائفة. وبرع في المذهب على القطب النيسابوري وتزوج بابنته ودرس بالجاروخية ثم بالصلاحية بالقدس ثم بالتقوية وكان يقيم بالقدس أشهرا وبدمشق أشهرا. وكان لا يمل الشخص من رؤيته لحسن سمته واقتصاده في لباسه ولطفه ونور وجهه وكثرة ذكره لله. عرض عليه المعظم القضاء فامتنع وأشار بتولية ابن الحرستاني فولي. وكان له مصنفات في الفقه لم تنشر. توفي في رجب وله سبعون سنة.

وصاحب المغرب السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب ابن يوسف بن محمد يعقوب ابن يوسف بن عبد المؤمن القيسي. لم يكن في آل عبد المؤمن أحسن منه ولا أفصح ولا أشغف باللذات. ولي الأمر عشر سنين بعد أبيه ومات شابا لم يعقب. مات في شوال أو ذي القعدة.

سنة إحدى وعشرين وستمائة

فيها استولى السلطان جلال الدين الخوارزمي على بلاد أذربيجان وراسله الملك المعظم واتفق معه ليعينه على أخيه الملك الأشرف لفساد ما بينهما.

وفيها استولى لؤلؤ على الموصل وخنق محمود بن القاهر وزعم أنه مات.

وفيها عادت التتار من بلاد القفجاق ووصلوا إلى الري. وكان من سلم من أهلها قد تراجعوا إليها فما شعروا إلا بالتتار قد أحاطوا بهم فقتلوا وسبوا ثم ساروا إلى ساوه ففعلوا بأهلها كذلك ثم ساروا إلى قم وقاشان فأبادوهما ثم عطفوا إلى همذان فغسلوا ونظفوا من تبقي بها ثم ساروا إلى توريز فوقع بينهم وبين الخوارزمية مصاف.

وفيها توفي ابن صرما أبو العباس أحمد بن أبي الفتح يوسف بن محمد الأزجي المشتري مسند وقته. سمع من الأرموي وابن الطلاية وابن ناصر وطائفة. وتفرد بأشياء. توفي في شعبان.

وأبو سليمان بن حوط الله وهوداود بن سليمان بن داود الأنصاري نزيل مالقة. رحل وروى عن ابن بشكوال فأكثر وعن عبد الحق بن بونة وأبي عبد الله بن زرقون. وولي قضاء بلنسية وغيرها. وعاش تسعا وستين سنة.

وأبو طالب بن عبد السميع الهاشمي عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع بن أبي تمام الواسطي المقرئ المعدل. قرأ القراءات على عبد العزيز السماني وغيره وسمع ببغداد من هبة الله بن الشبلي وطائفة وصنف أشياء حسنة وعني بالحديث والعلم. توفي في المحرم عن ثلاث وثمانين سنة.

وابن الحباب القاضي الأسعد أبو البركات عبد القوي ابن القاضي الجليس عبد العزيز بن الحسين التميمي السعدي الأغلبي المصري المالكي الأخباري المعدل راوي السيرة عن ابن رفاعة. كان ذا فضل ونبل وسؤدد وعلم ووقار وحلم وكان ذا جمالا لبلده. توفي في شوال وله خمس وثمانون سنة.

وعبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي سلطان المغرب أبو محمد. ولي الأمر في العام الماضي فلم يدار أمر الموحدين فخلعوه وخنقوه في شعبان. وكانت ولايته تسعة أشهر وفي أيامه استولى على مملكة الأندلس ابن أخيه عبد الله بن يعقوب الملقب بالعادل. والتقى الفرنج فهزموا جيشه فطلب مراكش بأسوإ حال فقبضوا عليه. وتملك الأندلس بعده أخوه إدريس مديدة فخرج عليه محمد بن يوسف بن هود الجذامي ودعا إلى آل العباس. فمال الناس إليه فهرب إدريس بعسكره إلى مراكش فالتقاه صاحبها يومئذ يحيى بن يوسف. فهزم يحيى.

وابن النبيه الشاعر المشهور علي بن محمد بن النبيه. أحد شعراء العصر. مات بنصيبين.

وعلي بن عبد الرشيد أبو الحسن الهمذاني قاضي همذان ثم قاضي الجانب الغربي ببغداد ثم قاضي تستر. حضر على أبي الوقت وسمع من أبي الخير الباغبان وقرأ القرآن على جده لأمه أبي العلاء العطار. توفي في صفر.

والشيخ علي الفرتثي الزاهد صاحب الزاوية والأصحاب بسفح قاسيون. وكان صاحب حال وكشف وعبادة وصدق. توفي في جمادى الآخرة.

وابن التميم أبو عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري الأندرشي خطيب المرية. رحل في الحديث وسمع من أبي الحسن بن النعمة وابن هذيل والكبار وبالإسكندرية من السلفي وببغداد من شهدة وبدمشق من الحافظ ابن عساكر. ولد سنة أربع وأربعين وخمس مائة وتوفي في ربيع الأول.

وابن اللبودي شمس الدين محمد بن عبدان الدمشقي الطبيب. قال ابن أبي أصيبعة: كان علامة وقته وأفضل أهل زمانه في العلوم الحكمية. وكان له ذكر مفرط وحرص بالغ. توفي في ذي القعدة ودفن بتربته بطريق المزة.

وابن زرقون أبو الحسين محمد بن أبي عبد الله محمد بن سعد الأنصاري الأشبيلي شيخ المالكية. كان من كبار المتعصبين للمذهب فأوذي من جهة بني عبد المؤمن لما أبطلوا القياس وألزموا الناس بالأثر والظاهر. وقد صنف كتاب المعلى في الرد على المحلى لابن حزم. توفي في شوال وله ثلاث وثمانون سنة.

ومحمد بن هبة الله بن مكرم أبو جعفر البغدادي الصوفي. توفي في المحرم ببغداد وله أربع وثمانون سنة. روى عن أبي الفضل الأرموي وأبي الوقت وجماعة.

والفازازي محمد بن يخلقتن بن أحمد البربري التلمساني الفقيه الأديب الشاعر. ولي قضاء قرطبة وغير ذلك.

والفخر الموصلي أبو المعالي محمد بن أبي الفرج بن معالي الشافعي المقرئ صاحب محمد بن سعدون ومعيد النظامية. كان بصيرا بعلل القراءات. توفي ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة.

سنة اثنتين وعشرين وستمائة

فيها جاء جلال الدين بن خوارزم شاه فبذل السيف في دقوقا وفعل ما لا يفعله الكفرة وأحرق دقوقا. وعزم على هدم بغداد. فانزعج الخليفة الناصر وحصن بغداد وأقام المجانيق وأنفق ألف ألف دينار، ففجأ ابن خوارزم شاه أن الكرج قد خرجوا على بلاده فساق إليهم والتقاهم. قال أبو شامة: فظفر بهم وقتل منهم سبعين ألفا ثم أخذ تفليس بالسيف وقتل بها ثلاثين ألفا في آخر العام. وكان قد أخذ تبريز بالأمان وتزوج بابنة السلطان طغريل السلجوقي ثم جهز جيشا فافتتحوا كنجه.

وفيها توفي الخليفة الناصر لدين الله أبو العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي الهاشمي العباسي. بويع بالخلافة في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمس مائة وله ثلاث وعشرون سنة. وكان أبيض تركي الوجه أقنى الأنف خفيف العارضين رقيق المحاسن فيه شهامة وإقدام وله عقل ودهاء. وهو أطول بني العباس خلافة، كما أن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أمية دولة، وكما أن المستنصر بالله العبيدي أطول بني أبيه دولة، وكما أن السلطان سنجر بن ملكشاه أطول بني سلجوق دولة. قال الموفق عبد اللطيف: كان يشق الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيبون لقاءه. وأظهر الفتوة والبندق والحمام المناسيب في أيامه وتفنن الأعيان والأمراء في ذلك ودخل فيه الملوك. قلت: وكان مشتغلا بالأمور بالعراق متمكنا من الخلافة يتولى الأمور بنفسه. ما زال في عز وجلالة واستظهار وسعادة. وقد سقت أخباره مستوفاة في تاريخ الإسلام. أصابه فالج في أواخر أيامه. توفي في سلخ رمضان وله سبعون سنة إلا أشهرا. وولي بعده الظاهر ولده.

وابن يونس صاحب شرح التنبيه الإمام شرف الدين أحمد ابن العلامة ذي الفنون كمال الدين موسى ابن الشيخ المفتي رضي الدين يونس الموصلي الشافعي. توفي في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة. قال ابن خلكان: كان كثير المحفوظات غزير المادة نسج على منوال أبيه في التفنن في العلوم، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله، ولقد كان من محاسن الوجود وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني. رحمه الله. قلت: عاش بعده أبوه سبع عشرة سنة.

وإبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي المواقيتي أبو إسحاق الخياط. روى الصحيح غير مرة عن أبي الوقت. توفي في شعبان وكان ثقة فاضلا موقتا.

وأبو إسحاق بن البرني إبراهيم بن مظفر بن إبراهيم الواعظ شيخ دار الحديث الهاجرية بالموصل. روى عن البطي وجماعة وكان عالما متفننا.

وجعفر بن شمس الخلافة محمد بن مختار الأفضلي المصري مجد الملك أبو الفضل الشاعر الأديب الكبير. سمع منه ديوانه. وله تصانيف تقضي بفضله. خدم أميرا مع صلاح الدين ومع ابنه العزيز ثم مع ابنه غازي. توفي في المحرم.

والحسين بن عمر بن باز المحدث أبو عبد الله الموصلي. رحل وسمع من شهدة وطبقتها. وكتب الكثير ولي مشيخة دار الحديث بالموصل التي بناها صاحب إربل توفي في ربيع الآخر.

وابن شكر الصاحب الوزير صفي الدين أبو محمد عبد الله بن علي الحسين بن عبد الخالق الشيبي الدينوري المالكي. ولد سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وسمع الحديث وتفقه وساد. قال أبو شامة: كان خليقا بالوزارة لم يتولها بعده مثله. قلت: كان يبالغ في إقامة النواميس مع التواضع للعلماء ويتعانى الحشمة الضخمة والصدقات والصلات. ولقد تمكن من العادل تمكنا لا مزيد عليه ثم غضب عليه ونفاه. فلما مات عاد ابن شكر إلى مصر ووزر للكامل ثم عمي في الآخر. توفي في شعبان.

وابن البناء راوي جامع الترمذي عن الكروخي أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك العراقي ثم المكي الخلال. حدث بمصر والإسكندرية وقوص وأماكن وتوفي بمكة في صفر أو في ربيع الأول.

وزين الدين قاضي القضاة بالديار المصرية أبو الحسن علي ابن العلامة يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم البغدادي الشافعي. عاش اثنتين وسبعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة. روى عن أبي زرعة وغيره.

والملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. ولد سنة خمس وستين بالقاهرة وسمع من عبد الله بن بري وجماعة وله شعر وترسل وجودة كتابة. تسلطن بدمشق ثم حارب أخاه العزيز صاحب مصر على الملك ثم زال ملكه وتملك سميساط وأقام بها مدة. وكان فيه عدل وحلم وكرم. وإنما أدركته حرفة الأدب. توفي فجأة في صفر. وكان فيه تشيع.

وعمر بن بدر الموصلي الحنفي المحدث ضياء الدين. حدث عن ابن كليب وجماعة. وتوفي بدمشق في شوالها عن بضع وستين سنة.

والفخر الفارسي أبوعبد الله محمد بن إبراهيم الفيروزآبادي الشافعي الصوفي. روى الكثير عن السلفي وصنف التصانيف في التصوف والمحبة وفيها أشياء منكرة. توفي في أثناء ذي الحجة وقد نيف على التسعين.

والقزويني مجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أبي المكارم الصوفي الفقيه. ولد سنة أربع وخمسين وخمس مائة بقزوين وسمع شرح السنة ومعالم التنزيل للبغوي من حفدة العطاردي وسمع من جماعة. وحدث بالعراق والشام والحجاز ومصر وأذربيجان والجزيرة وبعد صيته. توفي بالموصل في شعبان.

والفخر بن تيمية أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الخطيب المفسر. ولد سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة ورحل فسمع من ابن البطي وجماعة. وأخذ الفقه عن ابن المني وجماعة والعربية عن ابن الخشاب. وصنف مختصرا في مذهب أحمد. وكان رأسا في التفسير والوعظ بليغا فصيحا مفوها علامة مفتيا عديم النظير. توفي في صفر بحران.

والزكي بن رواحة هبة الله بن محمد الأنصاري التاجر. المعدل. واقف المدرسة الرواحية بدمشق وأخرى بحلب. توفي في رجب بدمشق.

سنة ثلاث وعشرين وستمائة

فيها سار الملك الأشرف إلى أخيه المعظم وأطاعه وسأله أن يكاتب جلال الدين خوارزم شاه ليحمل جيشه عنه ويترحل عن خلاط. فكتب إليه فترحل عنها. وكان المعظم يلبس خلعة جلال الدين ويركب فرسه، وإذا خاطب الأشرف حلف وحياة رأس السلطان جلال الدين. فتألم بذلك. وفيها بلغ جلال الدين أن نائبه على مملكة كرمان قد عصى عليه لاشتغاله عنه بأذربيجان وبعده. فسار يطوي الأرض إلى كرمان فتحصن منه ذلك النائب في قلعة وخضع له، فبعث له الخلعة وأقره على عمله. ثم كر إلى أذربيجان ثم نازل خلاط ثانيا مدة وترحل عنها وحارب التركمان ومزقهم ثم التقى الكرج فهزمهم وأخذ تفليس بالسيف. وكانت إذ ذاك دار ملكهم ولها في أيديهم أكثر من مائة سنة.

وفيها توفي الشمس البخاري أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي العلامة المناظر والد الفخر علي. ولد بالجبل سنة أربع وستين خمس مائة وسمع من أبي المعالي ين صابر وأبي الفتح بن شاتيل وطبقتهما بالشام والعراق وخراسان. ولقب بالبخاري لاشتغاله بالخلاف ببخارى على الرضي النيسابوري. توفي في جمادى الآخرة.

وابن الأستاذ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الحلبي المحدث الصالح والد قاضي حلب. ولد سنة أربع وثلاثين وخمس مائة وسمع من طائفة. وحج من بغداد فسمع بها من أحمد بن محمد العباسي وكان له عناية متوسطة بالحديث. توفي في عاشر جمادى الآخرة. رحمه الله.

والإمام الرافعي أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني الشافعي صاحب الشرح الكبير. إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه. وكان مع براعته في العلم صالحا زاهدا ذا أحوال وكرامات ونسك وتواضع. توفي في حدود آخر السنة رحمه الله.

وعلي بن النفيس بن بورنداز أبو الحسن البغدادي. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة وسمع من أبي الوقت ومحمود فورجه وجماعة. توفي في ذي القعدة.

وكافور شبل الدولة الحسامي طواشي حسام الدين محمد بن لاجين ولد ست الشام. له فوق جسر ثورا المدرسة والتربة والخانقاه. وكان دينا وافر الحشمة. روى عن الخشوعي.

والظاهر بأمر الله أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي العباسي. ولد سنة إحى وسبعين وخمس مائة وبويع بالخلافة بعد أبيه في العام المار. وكانت خلافته تسعة أشهر ونصفا. وكان دينا خيرا عادلا حتى بالغ ابن الأثير وقال: أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين. وقال أبو شامة: كان أبيض مشربا حمرة حلو الشمائل شديد القوى. قيل له ألا تتفسح قال: قد لقس الزرع. فقيل: يبارك الله في عمرك فقال: من فتح بعد العصر أيش يكسب. ثم إنه أحسن إلى الناس وفرق الأموال وأبطل المكوس وأزال المظالم. قلت: توفي في ثالث عشر رجب وبويع بعده ابنه المستنصر بالله.

وابن أبي لقمة أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفار المعمر. ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة وسمع من هبة الله ابن طاوس والفقيه نصر الله المصيصي وجماعة. تفرد بالرواية عنهم. وأجاز له من بغداد سنة أربعين علي بن الصياغ وطبفته. وكان دينا كثير التلاوة والذكر. توفي في ثالث ربيع الأول.

وابن البيع أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن عبد العزيز بن علي الدينوري الزهري. سمع من عمه أبي بكر محمد بن أبي حامد ومحمد بن طراد الزينبي وجماعة. انفرد بالرواية عنهم. وكان شيخا جليلا نبيلا رضي. توفي في شوال.

والمبارك بن علي بن أبي الجود أبو القاسم العتابي الوراق آخر أصحاب ابن الطلاية. كان رجلا صالحا. توفي في المحرم. حدث عنه الأبرقوهي.

والجمال المصري قاضي القضاة أبو الوليد يونس بن بدران بن فيروز القرشي الشيبي الشافعي. ولد في حدود الخمسين وخمس مائة وسمع من السلفي وولي الوكالة السلطانية بالشام. ودرس بالأمينية ثم ولي القضاء ودرس بالعادلية. واختصر الأم للشافعي. ولم يكن بذاك المحمود في الولاية. توفي في ربيع الآخر ودفن بداره بقرب القليجية وقد تكلم في نسبه.

سنة أربع وعشرين وستمائة

فيها جاء الخبر إلى السلطان جلال الدين وهو بتوريز أن التتار قد قصدوا أصبهان وبها أهله. فسار إليهم وتأهب للملتقى. فلما التقى الجمعان خذله أخوه غياث الدين وولى وتبعه جهان بهلوان فكسرت ميمنته ميسرة التتار ثم حملت ميسرته على ميمنة التتار فطحنتها أيضا وتباشر الناس بالنصر. ثم كرت التتار مع كمينها وحملوا حملة واحدة كالسيل وقد أقبل الليل. فزالت الأقدام وقتلت الأمراء واشتد القتال وتداعى بنيان جيش جلال الدين. وثبت هو في طائفة يسيرة وأحيط به فانهزم على حمية وطعن طعنة لولا الأجل لتلف. وتمزق جيشه إلا أن ميمنته زخت في أقفية التتار ورجعت بعد يومين فلم يسمع بمثله في الملاحم من انهزام كلا الفريقين وذلك في رمضان.

وفيها في رمضان قبل هذا المصاف بأيام اتفق موت جنكزخان طاغية التتار وسلطانهم الأعظم الذي خرب البلاد وأباد الأمم. وهو الذي جيش الجيوش وخرج بهم من بادية الصين. فدانت له المغول وعقدوا له عليهم وأطاعوه ولا طاعة الأبرار للملك القهار. واسمه قبل الملك تمرجين. ومات على الكفر. وكان من دهاة العالم وأفراد الدهر وعقلاء الترك. وهو جد ابني العم بركة وهولاكو.

وقاضي حران أبو بكر عبد الله بن نصر الحنبلي المقرئ. رحل واشتغل وحدث عن شهدة وطائفة. وقرأ القراءات بواسط على أبي طالب المحتسب وغيره. وصنف فيها. وعاش خمسا وسبعين سنة.

وعبد البر ابن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني. سمع أباه ونصر بن المظفر وعلي بن المطهر المشكاني راوي تاريخ البخاري وجماعة. توفي في شعبان بروذراور.

والبهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي الحنبلي. رحل واشتغل وحصل الفقه والحديث. وروى عن شهدة وعبد الحق وطبقتهما. وحدث بالكثير واشتهر ذكره وبعد صيته وصنف في الفقه والحديث والرقائق. وكان من كبار المقادسة وعلمائهم. آخر من حدث عنه أبو جعفر بن الموازيني. توفي في سابع عشر ذي الحجة عن تسع وستين سنة.

وقاضي القضاة ابن السكري عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن علي المصري الشافعي. تفقه على الشهاب الطوسي وبرع في المذهب ودرس وأفتى وولي قضاء القاهرة وخطابتها. توفي في شوال وله إحدى وسبعون سنة.

وحجو الدين الحقيقي أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد الأبهري الشافعي الصوفي. ولد سنة ست وخمسين وخمس مائة. وتفقه بهمذان وعلق التعليقة عن الفخر الرازي النوقاني وسمع بأصبهان من الترك وجماعة وببغداد من ابن شاتيل وبدمشق ومصر. وكان كثير الأسفار والعبادة والتهجد صاحب أوراد وصدق وعزم. جاور مدة بمكة وتوفي في صفر.

والملك المعظم سلطان الشام شرف الدين عيسى بن العادل الحنفي الفقيه الأديب. ولد بالقاهرة سنة ست وسبعين وحفظ القرآن وبرع في الفقه وشرح الجامع الكبير في عدة مجلدات بإعانة غيره. ولازم الإشتغال زمانا. وسمع المسند كله لابن حنبل. وله شعر كثير. وكان عديم الالتفات إلى النواميس وأبهة الملك ويركب وحده مرارا ثم تتلاحق مماليكه بعده. توفي في سلخ ذي القعدة. وكان فيه خير وشر كثير. سامحه الله. تملك بعده ابنه.

والفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام عميد الدين أبو الفرج البغدادي الكاتب. ولد في أول سنة سبع وثلاثين وسمع من جده أبي الفتح وأبي الفضل الأرموي ومحمد بن أحمد الطرائفي وطائفة. تفرد بالرواية عنهم. ورحل الناس إليه. توفي في الرابع والعشرين من المحرم وهومن بيت حديث وأمانة.

سنة خمس وعشرين وستمائة

فيها سار الملك الكامل ليأخذ دمشق من ابن أخيه الناصر داود. وجاء إلى خدمته وإغاثته أسد الدين صاحب حمص. فاستنجد الناصر بعمه الملك الأشرف. فجاء إليه فرد الكامل من الغور إلى غزة لذلك وقال: أنا ما أقاتل أخي. فأعجب الأشرف ذلك. واتفق مع أخيه على الناصر. وخامر على الناصر عمه الصالح إسماعيل في جماعة وقدم أيضا المظفر غازي بن العادل. فاجتمع الكل بفلسطين وسار الناصر ليجتمع بهم. فلما علم باتفاقهم عليه رد إلى دمشق وحصنها واستعد.

وأما السلطان جلال الدين فجرت له حروب مع التتار له وعليه.

وفيها ثار الفرنج. وقدم الإنبرو بعساكره. فكاتبه الكامل وباطنه وأوقفه على مكاتبة ملوك الفرنج إليه بأن عزمهم أن يمسكوه. فبعث يقول: أنا عتيقك، وتعلم أني أكبر ملوك الفرنج إليه وأنت كاتبتني بالمجيء. وقد علم البابا والملوك باهتمامي. فإن رجعت خائبا انكسرت حرمتي. وهذه القدس فهي أصل دين النصرانية وأنتم قد خربتموها وليس لها دخل طائل. فإن رأيت أن تنعم علي بقصبة البلد ليرتفع رأسي بين الملوك وأنا ألتزم بحمل دخلها لك. فلان له الكامل وجاوبه أجوبة غليظة وباطنها نعم.

وفيها توفي اللبلي المحدث الرحال فخر الدين أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي. طوف وسمع من ابن طبرزد والمؤيد الطوسي وطبقتهما. وكان من وجوه أهل لبلة. توفي في رجب بدمشق كهلا.

وابن طاووس أبو المعالي أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد الصوفي أخو هبة الله. سمع من حمزة بن كروس وكان عريا من الفضيلة. توفي في رمضان.

وأحمد بن شرويه بن شهردار الديلمي أبو مسلم الهمذاني. روى عن جده ونصر بن المظفر البرمكي وأبي الوقت وطائفة. توفي في شعبان.

وأبو منصور بن البراج أحمد بن يحيى بن أحمد البغدادي الصوفي راوي سنن النسائي عن أبي زرعة. سمع أيضا من ابن البطي. وكان صالحا عابدا. توفي في المحرم.

وابن بقي قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد الأموي مولاهم البقوي القرطبي. سمع جده أبا الحسن ومحمد بن عبد الحق الخزرجي. وأجاز له شريح وجماعة. وكان مسند أهل المغرب وعالمهم ورئيسهم. ولي القضاء بمراكش مضافا إلى الكتابة العليا وغير ذلك. وكان ظاهري المذهب. توفي في نصف رمضان وقد تجاوز ثمانيا وثمانين سنة. وآخر من روى عنه عبد الله بن هارون الطائي.

وأبو علي بن الجواليقي الحسن بن إسحاق ابن العلامة أبي منصور موهوب بن أحمد البغدادي. روى عن ابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وجماعة. وكان ذا دين ووقار. توفي في شعبان.

والنفيس بن البن أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي الدمشقي. تفرد عن جده بحديث كثير. وكان ثقة حسن السمت والديانة. توفي في شعبان.

وابن عفيجة أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي ثم البغدادي البيع. أجاز له في سنة بضع وثلاثين وخمس مائة أبو منصور بن خيرون وأبو محمد سبط الخياط وطائفة. وسمع من ابن ناصر. توفي في ذي الحجة.

ومحمد بن النفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء أبو الفتح البغدادي الصوفي. سمع البخاري من أبي الوقت. وتوفي في ذي القعدة.

سنة ست وعشرين وستمائة

فيها أخلى الكامل البيت المقدس وسلمه إلى الإنبرور ملك الفرنج. فإنا لله وإنا إليه راجعون. فكم بين من طهره من الشرك وبين من أظهر الشرك عليه. ثم أتبع فعله ذلك بحصار دمشق وأذية الرعية. وجرت بين عسكره وعسكر الناصر وقعات وقتل جماعة في غير سبيل الله. ونهبوا في الغوطة والحواضر وأحرقت الخانات وخانقاه الطواويس وخانقاه خاتون ودام الحصار أشهرا ثم وقع الصلح في شعبان ورضي الناصر بالكرك ونابلس فقط. ثم دخل الكامل وبعث جيشه يحاصرون حماة. ثم سلم دمشق بعد أشهر إلى أخيه الأشرف. وأعطاه الأشرف حران والرقة والرها وغير ذلك. فتوجه إلى الأشرف ليتسلم ذلك. ثم حاصر الأشرف بعلبك وأخذها من الأمجد. وقدم المسكين فسكن في داره بدمشق.

وفيها توفي أبو القاسم بن صصرى مسند الشام شمس الدين بن الحسين ابن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد التغلبي الدمشقي. ولد سنة بضع وثلاثين وسمع من جده وجده لأمه عبد الواحد بن هلال وأبي القاسم بن البن وعبدان بن ذرين وخلق كثير وأجاز له علي بن الصباغ وأبو عبد الله بن السلال وطبقتهما. ومشيخته في سبعة عشر جزءا. توفي في الثالث والعشرين من المحرم.

وأمة الله بنت أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي. روت الكثير عن أبيها وتفردت عنه. توفيت في المحرم أيضا. وتلقب بشرف النساء. وكانت صالحة خيرة.

والحاجب علي بن حسام الدين نائب خلاط الملك الأشرف. كان شهما مقداما موصوفا بالشجاعة والسياسة والحشمة والبر والمعروف. قبض عليه الأشرف على يد مملوكه عز الدين أيبك ثم قتله. فلم يمهل الله أيبك ونازله خوارزم شاه وأخذ خلاط وأسر أيبك وجماعة.

ومحمد بن محمد أبي حرب بن النرسي أبو الحسن الكاتب الشاعر. روى عن أبي محمد بن الملاح وهبة الله بن الشبلي وله ديوان الشعر توفي في جمادى الآخرة.

وأبو نصر المهذب بن علي قنيدة الأزجي الخياط المقرئ. روى عن أبي الوقت وجماعة. وتوفي في شوال.

وياقوت الرومي الحموي ثم البغدادي التاجر شهاب الدين. الأديب الأخباري صاحب التصانيف الأدبية في التاريخ والأنساب والبلدان وغير ذلك. توفي في رمضان.

سنة سبع وعشرين وستمائة.

فيها حاصر جلال الدين والخوارزمية خلاط مرة خامسة ففتح له بابا بعض الأمراء بها لشدة القحط على أهلها وحلف لهم جلال الدين وغدر وعمل أصحابه بها كما يعمل التتار من القتل والسبي ورفعوا السيف ثم شرعوا في المصادرة والتعذيب وخاف أهل الشام وغيرها من الخوارزمية وعرفوا أنهم إن ملكوا عملوا بهم كل نحس. فاصطلح الأشرف وصاحب الروم علاء الدين واتفقوا على حرب جلال الدين وساروا والتقوه في رمضان. فكسروه واستباحوا عسكره ولله الحمد. وهرب جلال الدين بأسوإ حال. ووصل إلى خلاط في سبعة أنفس وقد تمزق جيشه وقتلت أبطاله. فأخذ حرمه وما خف حمله وهرب إلى أذربيجان. ثم راسل الملك الأشرف في الصلح وذل. وأمنت خلاط. وشرعوا في إصلاحها. قال الموفق عبد اللطيف: هزم الله الخوارزمية بأيسر مؤونة بأمر ما كان في الحساب. فسبحان من هزم ذاك الجبل الراسي في لمحة ناظر.

وفيها زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الشافعي. روى عن أبي العشائر محمد بن خليل وعبد الرحمن بن الداراني والفلكي وطائفة. وكان صالحا خيرا حسن السمت من سروات الناس. تفقه على جمال الأئمة علي بن الماسح. وولي نظر الخزانة والأوقاف. ثم تزهد وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وتوفي في صفر.

وراجح بن إسماعيل الحلي الأديب شرف الدين. صدر نبيل. مدح الملوك بمصر والشام والجزيرة. وسار شعره. توفي في شهر شعبان.

وعبد الرحمن بن عتيق بن عبد العزيز بن صيلا أبو محمد الحربي المؤدب. روى عن أبي الوقت وغيره. توفي في ربيع الأول.

وعبد السلام بن عبد الرحمن بن الأمين علي بن علي بن سكينة علاء الدين الصوفي البغدادي. سمع أبا الوقت ومحمد بن أحمد التريكي وجماعة كثيرة. توفي في صفر.

وأبو محمد عبد السلام بن عبد الرحمن ابن الشيخ العارف أبي الحكم بن برجان اللخمي المغربي ثم الإشبيلي. حامل لواء اللغة بالأندلس. توفي في جمادى الأولى. أخذ عن أبي إسحاق بن ملكون وجماعة.

والفخر بن الشيرجي أبو محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي المعدل. ولد سنة تسع وأربعين وسمع من السلفي وابن عساكر. وكان رئيسا سريا صاحب أخبار وتواريخ. توفي يوم النحر.

سنة ثمان وعشرين وستمائة

لما علمت التتار بضعف جلال الدين خوارزمشاه بادروا إلى أذربيجان. فلم يقدم جلال الدين على لقائهم. فملكوا مراغة وعاثوا وبدعوا وفر هو إلى آمد. وتفرق جنده وتخطفوهم. وانتقم الله منهم. وساقت التتار إلى ديار بكر في طلب جلال الدين لا يعلمون أين سلك. وأخذوا أسعرد وبذلوا فيها السيف. ووصلوا ماردين يسبون ويقتلون.

وفيها توفي أبو نصر بن النرسي أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد ابن هبة الله البغدادي البيع. روى عن أبي الوقت وجماعة. توفي في رجب.

والملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه ابن فروخشاه ابن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب بعلبك. تملكها بعد والده خمسين سنة. وكان جوادا كريما شاعرا محسنا. قتله مملوك له مليح بدمشق في شوال.

وجلدك التقوى الأمير. ولي نيابة الإسكندرية. وشد الديار المصرية. وكان أديبا شاعرا. روى عن السلفي ومولاه هو صاحب حماة تقي الدين عمر توفي في شعبان

والزين الكردي محمد بن عمر المقرئ. أخذ القراءات عن الشاطبي. وتصدر بجامع دمشق مع السخاوي.

والمهذب الدخوار عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي شيخ الطب وواقف المدرسة التي بالصاغة العتيقة على الأطباء. ولد سنة خمس وستين وخمس مائة. أخذ عن الموفق بن المطران والرضي الرخي. وأخذ الأدب عن الكندي. وانتهت إليه معرفة الطب. وصنف فيه التصانيف وحظي عند الملوك. ولما تجاوز سن الكهولة عرض له طرف خرس حتى بقي لا يكاد يفهم كلامه. واجتهد في علاج نفسه فما أفاد بل ولد له أمراضا. وكان يشغل إلى أن مات في صفر ودفن بتربته.

والداهري أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران البغدادي الخفاف الخزاز. سمع من أبي بكر بن الزاغوني ونصر الكعبري وجماعة. وكان عاميا مستورا كثير الرواية، توفي في ربيع الأول.

وابن رحال العدل نظام الدين علي بن محمد بن يحيى المصري. سمع من السلفي وغيره. توفي في شوال.

وابن عصية أبو الرضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرحمن الكندي الحربي. روى عن أبي وابن معط النحوي الشيخ زين الدين أبو الحسن يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي الفقيه الحنفي. ولد سنة أربع وستين وخمس مائة.

وأقرأ العربية مدة بدمشق ثم مصر. وروى عن القاسم بن عساكر. وهو أجل تلامذة الجزولي. توفي في ذي القعدة بمصر.

سنة تسع وعشرين وستمائة

فيها عاثت التتار لموت جلال الدين ووصلوا إلى شهرزور. فاتفق المستنصر بالله في العساكر وجهزهم مع قشتمر الناصري. فانضموا إلى صاحب إربل فتقهقرت التتار.

وفيها توفي السمذي أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الكاتب. روى جزء أبي الجهم عن أبي الوقت. وبعضهم سماه عليا. وإنما اسمه كنيته. توفي في المحرم وكان يطلع أمينا في البر.

وابن الزبيدي الفقيه أبو علي الحسن بن المبارك بن محمد الحنفي أخو سراج الدين الحسين. ولد سنة اثنتين وأربعين وسمع الصحيح من أبي الوقت وسمع من أبي علي أحمد بن الخزاز ومعمر بن الفاخر وجماعة. وكان إماما متقنا صالحا. قال السيف بن المجد: لم ير في المشايخ مثله إلا يسيرا. توفي في سلخ ربيع الأول.

والسلطان جلال الدين خوارزم شاما منكوبري بن خوارزم شاه السلطان الكبير علاء الدين محمد ابن السلطان خوارزم شاه علاء الدين تكش أرسلان بن خوارزم شاه أتسز بن محمد الخوارزمي. أحد من يضرب به المثل في الشجاعة والإقدام. ولا أعلم في السلاطين أكثر جولانا في البلدان منه ما بين الهند إلى ما وراء النهر إلى العراق إلى فارس إلى كرمان إلى أذربيجان وأرمينية وغير ذلك. وحضر غير مصاف وقاوم التتار في أول حدهم وحدتهم. وافتتح غير مدينة وسفك الدماء وظلم وعسف وغدر. ومع ذلك كان صحيح الإسلام. كان ربما قرأ في المصحف ويبكي. وآل أمره إلى أن تفرق عنه جيشه وقلوا. لأنهم لم يكن لهم إقطاع بل أكثر عيشهم من نهب البلاد. يقال إنه سار في نفر يسير ونزل منزله فبيته كردي وطعنه بحربة بأخ له قتله. وذلك في أوائل هذا العام. وأحاطت به أعماله.

وأبو موسى الحافظ جمال الدين عبد الله ابن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي. ولد سنة إحدى وثمانين وخمس مائة. وسمع من عبد الرحمن بن الخرقي بدمشق ومن ابن كليب ببغداد ومن خليل الرازاني بأصبهان ومن الأرتاحي بمصر ومن منصور بنيسابور. وكتب الكثير وعني بهذا الشأن. وجمع وأفاد وتفقه وتأدب وتميز مع الأمانة والديانة والتقوى. قال الضياء: اشتغل بالفقه والحديث وصار علما فيه. ورحل ثانيا إلى أصبهان. قلت: تغير في أخرة لمخالطته للصالح إسماعيل، ومرض عنده ببستانه وبه مات في خامس رمضان.

وعبد الغفار بن شجاع المجلي الشروطي. روى عن السلفي وغيره. ومات في شوال عن سبع وسبعين سنة.

وعبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد بن الطبري. سمع من أبي محمد بن المادح وهبة الله بن الشبلي. توفي في شعبان.

والموفق عبد اللطيف بن يوسف العلامة ذو تافنون أبو محمد البغدادي الشافعي النحوي اللغوي الطبيب النيسابوري الفيلسوف صاحب التصانيف الكثيرة. ولد سنة سبع وخمسين وخمس مائة وسمع من ابن البطي وأبي زرعة وطبقتهما. وكان أحد الأذكياء البارعين في اللغة والآداب والطب لكن كثرة دعاويه أزرت به. ولقد بالغ القفطي في الحط عليه وظلمه وبخسه حقه. سافر من حلب للحج على العراق. فأدركه الموت ببغداد في ثاني عشر المحرم.

والشيخ عمر بن عبد الملك الدينوري الزاهد نزيل قاسيون. كان صاحب أحوال ومجاهدات وأتباع. وهو والد خطيب كفر بطنا جمال الدين.

وعمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدينوري ثم البغدادي الحمامي. ولد سنة تسع وثلاثين وسمع من جده لأمه عبد الوهاب الصابوني ونصر الكعبري وأبي الوقت. وأجاز له الكروخي وعمر بن أحمد الصفار الفقيه وطائفة. وانفرد عن أبي الوقت بجماعة أجزاء. وكان صالحا توفي في رجب.

وعيسى ابن المحدث عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي ثم الإسكنراني المقرئ. سمع من السلفي وقرأ القراءات على أبي الطيب عبد المنعم بن الخلوف ثم ادعى أنه قرأ على ابن خلف الداني وغيره. فاتهم وصار من الضعفاء وفجعنا بنفسه. توفي في سابع جمادى الآخرة.

وابن نقطة معين الدين الرحال الحافظ أبو بكر بن محمد بن الزاهد عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي. سمع من يحيى بن يونس وغيره وبأصبهان من عفيفة وبنيسابور من منصور الفراوي وبدمشق ومصر. وكتب الكثير وخرج وصنف مع الثقة والجلالة والمرؤءة والديانة. توفي في صفر كهلا.

سنة ثلاثين وستمائة

فيها حاصر الملك الكامل آمد وأخذوها من صاحبها المسعود مودود ابن الملك الصالح الأتابكي بالأمان. وكان مودود فاسقا يأخذ الحرم غضبا. وسلم الكامل آمد إلى ولده الصالح نجم الدين

وفيها جاء صاحب الروم وحاصر حران والرقة واستولى على الجزيرة. وفعلت الروم مع إسلامهم كما يفعل الروم مع كفرهم.

وفيها توفي إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد القاضي بهاء الدين التنوخي الشافعي الكاتب البليغ والد تقي الدين محمد. قيل روى بالإجازة عن شهدة. وولي قضاء المعرة في صباه خمس سنين فقال:

وليت الحكم خمسا هن خمس ** لعمري والصبي في العنفوان

فلم يضع الأعادي قدر شأني ** ولا قالوا فلان قد رشاني

توفي في المحرم.

وإدريس ابن السلطان يعقوب بن يوسف أبو العلا المأمون. بايعوه بالأندلس ثم جاء إلى مراكش وملكها وعظم سلطانه. وكان بطلا شجاعا ذا هيبة شديدة وسفك للدماء. قطع ذكر ابن تومرت من الخطبة. ومات غازيا والله يسامحه.

وإسماعيل بن سلمان بن ايداش أبو طاهر الحنفي بن السلار. حدث عن الصائن هبة الله وعبد الخالق بن أسد. توفي في ذي القعدة.

والأوهى الزاهد أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف نزيل بيت المقدس. أكثر عن السلفي وجماعة. وكان عبدا صالحا قانتا لله صاحب أحوال ومجاهدة. له أجزاء يحدث منها. توفي في عاشر صفر.

والحسن ابن الأمير السيد علي بن المرتضى أبو محمد بن باقا العدل صفي الدين أبو بكر البغدادي التاجر نزيل مصر. روى عن أبي زرعة ويحيى بن ثابت وجماعة. توفي في رمضان عن خمس وسبعين سنة.

والملك العزيز عثمان بن العادل أخو المعظم لأبويه. هو الذي بنى قلعة الصبيبة بين بانياس وتبنين وهونين. اتفق موته بالناعمة وهو بستان له ببيت لهيا في عاشر رمضان.

وعبيد الله بن إبراهيم العلامة جمال الدين العبادي المحبوبي البخاري شيخ الحنفية بما وراء النهر وأحدمن انتهى إليه معرفة المذهب. أخذ عن أبي العلاء عمر بن بكر بن محمد الزرنجري عن أبيه شمس الأئمة وبرهان الأئمة عبد العزيز بن عمر بن مازه. وتفقه أيضا على قاضي خان فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي. توفي في جمادى الأولى ببخارى عن أربع وثمانين سنة.

وعلي بن الجوزي أبو الحسن ولد العلامة جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي الناسخ. نسخ الكثير بالأجرة. وكان معاشرا لعابا. روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة. توفي في رمضان.

وابن الأثير الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري الحافظ صاحب التاريخ وأسد الغابة في معرفة الصحابة وغير ذلك. كان صدرا معظما كثير الفضائل. وبيته مجمع الفضلاء. روى عن خطيب الموصل أبي الفضل وغيره. وتوفي في الخامس والعشرين من شعبان عن خمس وسبعين سنة.

وابن الحاجب الحافظ الرحال عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي. سمع سنة ست عشرة بدمشق ورحل إلى بغداد فأدرك الفتح بن عبد السلام. وخرج لنفسه معجما حافلا في بضعة وستين جزءا. توفي في شعبان وقد قارب الأربعين. وكان فيه دين وخير. وله حفظ وذكاء وهمة عالية في طلب الحديث. قل من أنجب مثله في زمانه.

ومظفر الدين صاحب إربل الملك المعظم أبو سعيد كوكبوري ابن الأمير زين الدين علي بن كوجك التركماني. وكوجك بالعربي اللطيف القدر. ولي مظفر الدين مملكة إربل بعد موت أبيه في سنة ثلاث وستين وله أربع عشرة سنة. فتعصب عليه أتابكه مجاهد الدين قيماز وكتب محضرا أنه لا يصلح للملك لصغره. وأقام أخاه يوسف. ثم سكن حران مدة. ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين وتمكن منه وتزوج بأخته ربيعة واقفة مدرسة الصاحبة. وشهد معه عدة مواقف أبان فيها عن شجاعة وإقدام. وكان حينئذ على إمرة حران والرها فقدم أخوه يوسف منجدا لصلاح الدين. فاتفق موته على عكا. فأعطى السلطان صلاح الدين لمظفر إربل وشهرزور وأخذ منه حران والرها. ودامت أيامه إلى هذا العام. وكان من أدين الملوك وأجودهم وأكثرهم برا ومعروفا على صغر مملكته. وكان يضرب المثل بما ينفقه كل عام في المولد. وله مدرستان وأربع خوانك ودار الأرامل ودارالأيتام ودار اللقطاء ومارستان وغير ذلك. توفي في رابع عشر رمضان.

وابن سلام المحدث الزكي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن سالم بن سلام الدمشقي. سمع من داود بن ملاعب وابن البن وطبقتهما. وكان إماما فاضلا متقنا صالحا ناسكا على صغره. كتب الكثير وحفظ علوم الحديث للحاكم. ومات في صفر عن إحدى وعشرين عاما. وفجع به أبوه.

وابن عنين الصدر شرف الدين أبو المحاسن محمد نصر الله بن مكارم ابن حسن بن عنين الأنصاري الدمشقي الأديب. وله ديوان مشهور وهجو مؤلم. وكان بارعا في معرفة اللغة كثير الفضائل يشتعل ذكاء. ولم يكن في دينه بذاك. توفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة. اتهم بالزندقة.

سنة إحدى وثلاثين وستمائة

فيها سار الكامل بجيوش عظيمة ليأخذ الروم. وقدم بين يديه جيشا. فهزمهم صاحب الروم علاء الدين وأسر صاحب حماة ومقدم الجيش صوابا الحازم فرد الكامل وأعطى ابنه الصالح حصن كيفا. واستناب على آمد صوابا بعد ما أطلقه صاحب الروم.

وفيها تسلطن بدر الدين لولو بالموصل وانقرض البيت الأتابكي.

وفيها تكامل بناء المستنصرية ببغداد. وهي على المذاهب الأربعة على يد أستاذ الدار ابن العلقمي الذي وزر ولانظير لها في الدنيا فيما أعلم.

وفيها توفي إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن باتكين أبو محمد البغدادي الجوهري عن ثمانين سنة. روى عن هبة الله الدقاق وابن البطي وطائفة وتفرد بأشياء. وكان صالحا ثقة توفي في ذي القعدة.

وابن الزبيدي سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى الربعي اليمني الأصل البغدادي الحنبلي مدرس مدرسة عون الدين بن هبيرة. روى عن أبي الوقت وأبي زرعة وأبي زيد الحموي وأبي الفتوح الطائي. وكان عالما خيرا عدلا عالي الإسناد بعيد الصيت. سمع منه خلق لايحصون وتوفي في الثالث والعشرين من صفر.

والعلبي زكريا بن علي بن حسان بن علي أبو يحيى البغدادي الصوفي. روى عن أبي الوقت وغيره وكان عاميا مات في ربيع الأول.

والسيف الآمدي أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد الحنبلي ثم الشافعي المتكلم العلامة صاحب التصانيف العقلية. ولد بعد الخمسين بآمد. قرأ القراءات والفقه ودرس على ابن المني وسمع من ابن شاتيل ثم تفقه للشافعي علي ابن فضلان وبرع في الخلاف وحفظ طريقة الشريف وتفنن في علم النظر. وكان من أذكياء العالم. أقرأ بمصر مدة فنسبوه إلى دين الأوائل وكتبوا محضرا بإباحة دمه. فهرب وسكن بحماة ثم تحول إلى دمشق ودرس لعزيزية ثم عزل لأمر اتهم فيه ولزم بيته يشتغل. ولم يكن له نظير في الأصلين والكلام والمنطق. توفي ثالث صفر.

والقرطبي أبو عبد الله محمد بن عمر المقرئ المالكي الرجل الصالح. حج وسمع من عبد العزيز بن الفراوي وطائفة وقرأ القراءات على أبي القاسم الشاطبي. وكان إماما زاهدا متفننا بارعا في عدة علوم كالقثه والقراءات والعربية طويل الباع في التفسير. توفي بالمدينة في صفر.

وطغريل شهاب الدين الخادم أتابك صاحب حلب الملك العزيز مدبر دولته. كان صالحا خيرا متعبدا كثير المعروف ذا رأي وعقل وسياسة وعدل.

والشيخ عبد الله ين يونس الأرموي الزاهد القدوة صاحب الزاوية بجبل قاسيون كان صالحا متواضعا مطرحا للتكلف يمشي وحده ويشتري الحاجة. وله أحوال ومجاهدات وقدم في الفقر. توفي في شوال وقد شاخ.

وأبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر. روى عن عميه الصائن والحافظ وطائفة. وكان قليل الفضيلة. توفي في شعبان.

وأبو رشيد الغزال محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله الأصبهاني المحدث التاجر. سمع من خليل الرازاني وطبقته. وكان عالما ثقة. توفي ببخارى في شوال.

ومحيي الدين بن فضلان قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن علي بن الفضل البغدادي الشافعي مدرس المستنصرية. تفقه على والده العلامة أبي القاسم وبرع في المذهب والأصول والخلاف والنظر. ولي القضاء في آخر أيام الناصر فلما استخلف الظاهر عزله بعد شهرين من خلافته. توفي عن بضع وستين سنة.

والمسلم بن أحمد بن علي أبو الغنائم المازني النصيبيني ثم الدمشقي. روى عن عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني والحافظ أبي القاسم وأخيه الصائن. ودخل في المكس مدة ثم تركه. وروى الكثير. توفي في ربيع الأول وآخر من روى عنه فاطمة بنت سليمان.

وأبو الفتوح الأغماتي ثم الإسكندراني. واسمه ناصر بن عبد العزيز بن ناصر روى عن السلفي. وتوفي في ذي القعدة.

والرضي الرخي أبو الحجاج يوسف بن حيدرة شيخ الطب بالسام وأحد من انتهت إليه معرفة الفن. قدم دمشق مع أبيه حيدرة الكحال في سنة خمس وخمسين ولازم الاشتغال على المذهب ابن النقاش. فنوه باسمه ونبه على محل علمه. وصار من أطباء صلاح الدين. وامتدت حياته وصارت أطباء البلد تلامذته حتى إن من جملة أصحابه المهذب الدخوار وعاش سبعا وتسعين سنة ممتعا بالسمع والبصر. توفي يوم عاشوراء.

سنة اثنتين وثلاثين وستمائة

فيها ضربت ببغداد دراهم وفرقت في البلد وتعاملوا بها. وإنما كانوا يتعاملون بقراضة الذهب القيراط والحبة ونحو ذلك. فاستراحوا.

وفيها توفي أبو صادق الحسن بن يحيى بن صباح المخزومي المصري الكاتب عن نيف وتسعين سنة. وكان آخر من حدث عن ابن رفاعة. توفي في سادس عشر رجب. وكان أديبا دينا صالحا جليلا.

وصواب شمس الدين العادلي الخادم مقدم جيش الكامل واحد من يضرب به المثل في الشجاعة. وكان له من جملة المماليك مائة خادم فيهم جماعة أمراء. توفي بحران في رمضان وكان نائبا عليها للكامل.

والملك الزاهر داود بن صلاح الدين. ولد بالقاهرة سنة ثلاث وسبعين وتملك البيرة مدة إلى أن مات بها في صفر. وله شعر.

والشهاب عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الدمشقي الشافعي. روى عن جده. وكان صدرا محتشما مضى في الرسلية إلى الخليفة. توفي في المحرم.

وابن ماسويه تقي الدين علي بن المبارك بن الحسن الواسطي. الفقيه الشافعي المقرئ المجود. روى عن ابن شاتيل وطبقته. وقرأ القراءات على أبي بكر الباقلاني وعلي بن مظفر الخطيب وسكن دمشق وأقرأ بها. توفي في شعبان عن ست وسبعين سنة.

وابن الفارض ناظم الديوان المشهور. شرف الدين أبو القاسم عم ابن علي بن مرشد الحموي الأصل المصري. حجة أهل الوحدة وحامل لواء الشعر. توفي في جمادى الأولى وله ست وخمسون سنة إلا أشهرا.

والشيخ شهاب الدين السهروردي قدوة أهل التوحيد شيخ العارفين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محرر التيمي البكري الصوفي رضي الله عنه. ولد سنة تسع وثلاثين وخمس مائة بسهرورد وقدم بغداد فلحق بها هبة الله بن الشبلي وانتهت إليه تربية المريدين وتسليك العباد ومشيخة العراق. ولم يخلف بعده مثله. توفي في أول السنة.

والشيخ غانم بن إبراهيم المقدسي النابلسي الزاهد. أحد عباد الله الأخفياء الأتقياء والسادة الأولياء. ولد سنة اثنتين وستين وخمس مائة بقرية بورين وسكن القدس من الفتوح. واتفق موته عند صاحبه الشيخ عبد الله الأرموي في غرة شعبان فدفن عنده.

ومحمد بن عبد الواحد بن أبي سعيد المديني الواعظ أبو عبد الله مسند العجم. ولد سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة. وسمع من إسماعيل الحمامي وأبي الوقت وأبي الخير الباغبان. قال ابن النجار: واعظ مفت شافعي. له معرفة بالحديث وقبول عند أهل بلده. وفيه ضعف. بلغنا أنه استشهد بأصبهان على يد التتار في أواخر رمضان. قلت: وفي دخولهم إليهم قتلوا أمما لا يحصون.

ومحمد بن عماد الدين بن محمد بن حسين أبو عبد الله الحراني الحنبلي التاجر نزيل الإسكندرية. روى عن ابن رفاعة وابن البطي والسلفي وطائفة كبيرة باعتناء خاله حماد الحراني. توفي في عاشر صفر. وكان ذا دين وعلم وفقه. عاش تسعين سنة. روى عنه خلق. وشعرانه وجيه الدين محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني الثقة الصالح. سمع الصحيح من أبي الوقت وعمر دهرا. ومات شهيدا.

ومحمد بن غسان بن عاقل بن نجاد الأمير سيف الدولة الحمصي ثم الدمشقي. روى عن الفلكي وابن هلال وطائفة. توفي في شعبان عن ثمانين سنة.

وأبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن شعبان بن منده العبدي الأصبهاني. بقية آل منده. ومسند وقته. روى الكثير عن مسعود الثقفي والرستمي وأبي رشيد الفتح وأبي الخير الباغبان وعدم تحت السيف.

وأبو الفتوح الوثابي محمد بن محمد بن أبي المعالي الأصبهاني. روى عن جده كتاب الذكر بسماعه من طراد. ويروي عن رجاء بن حامد المعداني. راح تحت السيف وله ثمان وسبعون سنة.

وعبد الأعلى ابن العلامة محمد ابن أبي القاسم ابن القطان الأصبهاني الحافظ ظهير الدين محدث أصبهان. حضر على محمد بن أحمد بن شاذه وأكثر عن الترك. وله معجم فيه عن خمس مائة وخمسين نفسا. عاش بضعا وستين سنة. وعدم في الوقعة.

وجامع بن إسماعيل بن غانم صائن الدين الأصبهاني الصوفي المعروف بباله راوي جزء لوين عن محمد بن أبي القاسم الصالحاني.

ومحمود علي بن محمود بن قرقين شمس الدين الدمشقي الجندي الأديب الشاعر. روى عن أبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في شوال.

وابن شداد قاضي القضاة بهاء الدين أبو العز يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الحلبي الشافعي. ولد سنة تسع وثلاثين وخمس مائة. وقرأ القراءات والعربية بالموصل على يحيى بن سعدون القرطبي. وسمع من حفدة العطاردي وطائفة. وبرع في الفقه والعلوم وساد أهل زمانه ونال رئاسة الدين والدنيا وصنف التصانيف وله بحلب تربة بين مدرسته ودار حديثة. امتدت أيامه وتخرج به الأصحاب. توفي رابع عشر صفر.

سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

في ربيع الأول جاءت فرقة من التتار فكسرهم عسكر إربل. فما بالوا وساقوا إلى بلاد الموصل. فقتلوا وسبوا. فاهتم المستنصر بالله وأنفق الأموال فردوا ودخلوا الدربند.

وفيها عدا الكامل الفرات واستعاد حران وخرب قلعة الرها وهرب من منه نواب صاحب الروم. ثم كر إلى الشام خوفا من التتار فإنهم وصلوا إلى سنجار. ثم حشر صاحب الروم ونازل حران وتعثر أهلها بين الملكين.

وفيها توفي الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي. روى عن نصر الله القزاز وابن شاتيل وأبي المعالي بن صابر. وكان يتعاني الجندية. وفيه شجاعة وإقدام. توفي في ربيع الأول.

والقيلوبي المؤرخ أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل عاش سبعين سنة. وروى عن الأبله الشاعر وغيره. وكتب الكثير. وكان أديبا أخباريا. توفي في ذي القعدة.

وزهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر. شيخة صالحة صوفية بالرباط. روت عن ابن البطي ويحيى بن ثابت. توفيت في جمادى الأولى عن تسع وسبعين سنة.

وخطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري وله اثنتان وسبعون سنة. روى عن أبي القاسم بن عساكر. توفي في ذي الحجة.

وابن الرماح عفيف الدين علي بن عبد الصمد بن محمد المصري المقرئ النحوي. قرأ القراءات على أبي الجيوش عساكر بن علي وسمع من السلفي وتصدر للإقراء والعربية بالفاضلية وغيرها. توفي في جمادى الأولى.

وابن روزبة أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة البغدادي القلانسي العطار الصوفي. حدث بالصحيح عن أبي الوقت ببغداد وحران ورأس عين وحلب ورد منها خوفا من الحصار الكائن بدمشق على الناصر داود وإلا كان عزمه المجيء إلى دمشق. توفي فجأة في ربيع الآخر وقد نيف على التسعين.

وابن دحية العلامة أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن الجميل الكلبي الداني ثم السبني. الحافظ اللغوي. روى عن أبي عبد الله بن زرقون وابن الجد وابن بشكوال. وطبقتهم. وعني بالحديث أتم عناية. وجال في مدن الأندلس ومدن العدوة وحج في الكهولة. فسمع بمصر من البوصيري وسمع بالعراق مسند أحمد وبأصبهان معجمالطبراني من الصيدلاني وبنيسابور صحيح مسلم بعلو بعد أن كان حدث به بالمغرب بالإسناد الأندلسي النازل. وكان يقول إنه حفظه كله. وليس بالقوي ضعفه جماعة. وله تصانيف ودعاو مدحضة وعبارة مقعرة مبغضة. وقد نفق على الملك الكامل وجعله شيخ دار الحديث بالقاهرة. توفي في رابع عشر ربيع الأول وله سبع وثمانون سنة.

والإربلي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سليمان الصوفي. روى عن يحيى بن ثابت وأبي بكر بن النقور وجماعة كثيرة. توفي بإربل في رمضان وروايته منتشرة عالية.

وأبو بكر المأموني محمد بن محمد بن محمد بن أبي المفاخر سعيد ابن حسين العباسي النيسابوري ثم المصري الجنائزي. روى عن السلفي وتوفي في ربيع الآخر.

ونصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر. قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي. أجاز له ابن البطي وسمع من شهدة وطبقتها. ودرس وأفتى وناظر وبرع في المذهب وولي القضاء سنة ثلاث وعشرين. وعزل بعد أشهر. وكان لطيفا ظريفا متين الديانة كثير التواضع. متحريا في القضاء قوي النفس في الحق. عديم المحاباة والتكلف. توفي في شوال عن سبعين سنة.

سنة أربع وثلاثين وستمائة

فيها نزلت التتار على إربل وحاصروها وأخذوها بالسيف حتى جافت المدينة بالقتلى وعصت القلعة بعد أن لم يبق من أخذها شيء. وترحلت الملاعين بغنائم لا تحصى فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وفيها توفي الملك المحسن عين الدين أحمد ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب. روى عن ابن صدقة الحراني والبوصيري. وعني بالحديث أتم عناية. وكتب الكثير. وكان متواضعا متزهدا كثير الإفضال على المحدثين. وفيه تشيع قليل. توفي بحلب في المحرم.

وأحمد بن أحمد بن محمد بن صديق موفق الدين الحراني الحنبلي. رحل إلى بغداد وتفقه على ابن المني وسمع من عبد الحق وطائفة. وتوفي بدمشق وتوفي في صفر.

والخليل بن أحمد أبو طاهر الجوسقي الصرصري الخطيب بها. قرأ القراءات على جماعة وسمع من ابن البطي وطائفة. توفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة. وقد أجاز لجماعة.

وسعيد بن محمد بن ياسين أبو منصور البغدادي. السفار في التجارة. حج تسعا وأربعين حجة. وحدث عن ابن البطي وغيره. توفي في صفر.

وأبو الربيع الكلاعي سليمانبن موسى بن سالم البلنسي الحافظ الكبير صاحب التصانيف وبقية أعلام الأثر بالأندلس. ولد سنة خمس وستين وخمس مائة سمع أبا بكر بن الجد وأبا عبد الله بن زرقون وطبقتهما. قال الأبار: كان بصيرا بالحديث حافظا عاقلا عارفا بالجرح والتعديل ذاكرا للموالد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك خصوصا من تأخر زمانه. ولا نظير لخطه في الإتقان والضبط مع الاستبحار في الأدب والبلاغة. كان فردا في إنشاء الرسائل مجيدا في النظم خطيبا مفوها مدركا حسن السرد والمساق مع الشارة الأنيقة. وهو كان المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بانسية. وله تصانيف في عدة فنون. استشهد بكائنه أنيشة بقرب بلنسية مقبلا غير مدبر في ذي الحجة.

والناصح ابن الحنبلي أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج الشيرازي الأنصاري الحنبلي الواعظ المفتي. ولد بدمشق سنة أربع وخمسين وبرز في الوعظ ورحل فسمع من شهدة وطبقتها وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني وله خطب ومقامات وتاريخ الوعاظ انتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ الموفق. توفي في ثالث المحرم.

والناصح عبد القادر بن عبد الظاهر بن أبي الفهم الحراني الحنبلي مفتي حران وعالمها ومدرسها. سمع بدمشق من ابن صدقة ويحيى الثقفي وعرض عليه قضاء بلده فامتنع. توفي في ربيع الأول عن إحدى وسبعين سنة.

وأبو عمرو عثمان بن حسن السبتي اللغوي أخو أبي الخطاب بن دحية. روى عن أبي بكر بن الجد وابن زرقون وابن بشكوال وخلق وولي مشيخة الكاملية بعد أخيه وتوفي بالقاهرة.

وصاحب الروم السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن سلجوق. كان ملكا جليلا شهما شجاعا وافر العقل متسع الممالك. تزوج بابنة الملك العادل وامتدت أيامه. وتوفي في سابع شوال. وكان عدل وخير في الجملة.

وأبو الحسن القطيعي محمد بن أحمد بن عمر البغدادي المحدث المؤرخ. ولد سنة ست وأربعين. وسمع من ابن الزاغوني ونصر الكعبري وطائفة. ثم طلب بنفسه ورحل إلى خطيب الموصل وبدمشق من أبي المعالي بن صابر. وأخذ الوعظ عن ابن الجوزي. وهو أول شيخ ولي مشيخة المستنصرية. وآخر من حدث بالبخاري سماعا عن أبي الوقت. ضعفه ابن النجار لعدم اتقانه ولكثرة أوهامه. توفي في ربيع الآخر.

والملك العزيز غياث الدين محمد بن عبد الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب وسبط الملك العادل. ولوه السلطنة بعد أبيه وله أربع سنين من أجل والدته الصاحبة. وهي كانت الكل. وكان الأتابك طغريل يسوس الأمور. توفي في ربيع الأول وأقيم بعده ابنه الملك الناصر يوسف وهو طفل. فنعوذ بالله من إمرة الصبيان.

ومرتضى بن أبي الجود حاتم بن المسلم الحارثي الحوفي أبو الحسن المقرئ. قرأ القراءات وسمع الكثير من السلفي وجماعة. وكان عالما عاملا كبير القدر قانعا متعففا يختم في الشهر ثلاثين ختمة. توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة.

وهبة الله بن عمر بن كمال أبو بكر الحربي الحلاج. آخر من حدث عن هبة الله بن الشبلي وأمه كمال بنت السمرقندي. توفي في جمادى الأولى.

وياسمين بنت سالم بن علي البيطار أم عبد الله الخيمية. روت عن هبة الله ابن الشبلي القصار. وتوفيت يوم عاشوراء.

سنة خمس وثلاثين وستمائة

كانت طائفة كبيرة من الخورزمية قد خدموا مع الصالح أيوب بن الملك الكامل. فعزموا على القبض عليه. فهرب إلى سنجار ونهبوا خزائنه. فسار إليه لؤلؤ صاحب الموصل وحاصروه. فحلق الصالح لحية وزيره وقاضي بلده بدر الدين السنجاري طوعا ودلاه من السور ليلا. فذهب واجتمع بالخوارزمية وشرط لهم كل ماأرادوه فساقوا من حران وبيتوا لولو. فنجا بنفسه على فرس النوبة وانتهبوا عسكره واستغنوا.

وأما دمشق فمات صاحبها الأشرف وتسلطن بعده أخوه الصالح إسماعيل. فسار الملك الكامل وقدم دمشق وأخذها بعد محاصرة وتعب. وذهب إسماعيل إلى بلد بعلبك ودخل الكامل قلعة دمشق ونفى القندرية والحريرية. وتمرض ومات بعد شهرين فتملك بعده بدمشق ابن أخيه الملك الجواد وبمصر ابنه العادل.

وفيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب وتسبي وتفسد. فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف والتتار في عشرة آلاف فانهزم المسلمون بعد أن قتلوا خلقا وكادوا ينتصرون. وقتل بكلك وجماعة أمراء أعيان.

وفيها توفي أبو محمد الأنجب بن أبي السعادات البغدادي الحمامي عن إحدى وثمانين سنة. راو حجة. روى عن ابن البطي وأبي المعالي ابن النحاس وطائفة. وأجاز له سعيد الثقفي وجماعة. توفي في تاسع عشر ربيع الآخر.

وابن رئيس الرؤساء أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين ابن هبة الله ابن الوزير رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة البغدادي الناسخ الصوفي. ولد سنة إحدى وخمسين وسمع من ابن البطي وأحمد بن المقرب. توفي في رجب.

وقاضي حلب زين الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن علوان الأسدي الحلبي الشافعي ابن الاستاذ. روى عن يحيى الثقفي. توفي في شعبان عن ثمان وخمسين سنة. وكان من سروات الرؤساء.

وابن اللتي مسند الوقت أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن عمر ابن زيد الحريمي القزاز. رجل مبارك خير. ولد سنة خمس وأربعين وسمع من أبي الوقت وسعيد بن البنا وطائفة. وأجاز له مسعود الثقفي والأصبهانيون. وكان آخر من روى حديث البغوي بعلو. نشر حديثه بالشام. ورجع منها في آخر سنة أربع وثلاثين. فتوفي في رابع عشر جمادى الأولى.

وعبد الله بن المظفر ابن الوزير أبي القاسم علي بن طراد الزيني أبو طالب العباسي البغدادي. روى عن ابن البطي حضورا وعن أبي بكر بن النقور ويحيى بن ثابت. توفي في رمضان.

والرضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار أبو محمد المقسي الحنبلي الملقن. أقرأ كتاب الله احتسابا أربعين عاما وختم عليه خلق كثير. وروى عن يحيى الثقفي وطائفة. وكان كثير العبادة والتهجد. توفي في ثاني صفر وقد شاخ.

وعبد الرزاق ابن الإمام أبي أحمد عبد الوهاب بن سكينة صدر الدين شيخ الشيوخ البغدادي حضر على ابن البطي وسمع من شهدة. وترسل عن الخليفة إلى النواحي. توفي في جمادى الأولى.

والكامل سلطان الوقت ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب. ولد سنة ست وسبعين وخمس مائة وتملك الديار المصرية تحت جناح والد عشرين سنة وبعده عشرين سنة. وتملك دمشق قبل موته بشهرين. وتملك حران وآمد وتلك الديار. وله مواقف مشهورة. وكان صحيح الإسلام معظما للسنة وأهلها محبا لمجالسة العلماء فيه عدل وكرم وإحياء وله هيبة شديدة. مرض بقلعة دمشق بالسعال والإسهال نيفا وعشرين ليلة. وكان في رجله نقرس فمات في الحادي والعشرين من رجب. ومن عدله المخلوط بالجبروت والظلم شنق جماعة من أجناده على آمد في أكيال شعير غصبوه.

وأبو بكر محمد بن مسعود بن بهروز البغدادي الطبيب. سمعه خاله من أبي الوقت وتفرد بالرواية بالسماع عنه. توفي في رمضان وقد جاوز التسعين.

ومحمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي الدمشقي شرف الدين ابن أخي الشيخ أبي البيان. أديب شاعر صالح زاهد. ولي مشيخة رباط أبي البيان. وروى عن ابن عساكر. توفي في رجب.

وأبو نصر بن الشيرازي القاضي شمس الدين محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى الدمشقي الشافعي. ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة. وأجاز له أبو الوقت وطائفة. وسمع من أبي يعلى بن الحبوبي وطائفة كبيرة. وله مشيخة في جزء. درس وأفتى وناظر وصار من كبار أهل دمشق في العلم والرواية والرئاسة والجلالة. درس مدة بالشامية الكبرى وتوفي في ثاني جمادى الآخرة.

وخطيب دمشق الدولعي جمال الدين محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين الثعلبي الشافعي. ولد بقرية الدولعية من عمل الموصل. وتفقه على عمه ضياء الدين الدولعي خطيب دمشق وسمع من ابن صدقة الحراني وجماعة. توفي في جمادى الأولى ودفن بمدرسته بجيرون.

ومكرم بن محمد بن حمزة بن محمد المسند نجم الدين أبو الفضل القرشي الدمشقي التاجر المعروف بابن الصقر. ولد في رجب سنة ثمان وأربعين وسمع من حمزة بن الحبوبي وحمزة بن كروس وحسان الزيات والفلكي وعلي بن أحمد بن مقاتل السوسي وطائفة. وتفرد وطال عمره. وسافر للتجارة كثيرا توفي في رجب.

والملك الأشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى بن العادل. ولد سنة ست وسبعين بالقاهرة وروى عن ابن طبرزد. تملك حران وخلاط وتلك الديار مدة. ثم تملك دمشق تسع سنين. فأحسن وعدل وخفف الجور وكان فيه دين وتواضع للصالحين ولد ذنوب عسى الله أن يغفرها له. وكان حلو الشمائل محببا إلى الرعية موصوفا بالشجاعة لم تكسر له راية قط. توفي في يوم الخميس رابع المحرم فتسلطن بعده أخوه إسماعيل.

وشمس الدين بن سني الدولة قاضي القضاة أبو البركات يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي والد قاضي القضاة صدر الدين أحمد. ولد سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة وتفقه على ابن أبي عصرون والقطب النيسابوري وسمع من أحمد بن الموازيني وطائفة. توفي في ذي القعدة.

وابن الشواء شهاب الدين أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل الحلبي الأديب. وله ديوان في أربع مجلدات. توفي في المحرم عن ثلاث وسبعين سنة.

سنة ست وثلاثين وستمائة

فيها مهنت نفس الملك الجواد وضعف عن سلطنة دمشق بعد أن محق الخزائن. وكاتب الملك الصالح أيوب بن الكامل وقايضه فأعطاه دمشق بسنجار وعانة. وكانت صفقة خاسرة. فبادر الصالح وقدم فتسلم دمشق من الجواد لأن المصريين ألحوا على الجواد في أن ينزل عن دمشق ويعطي الإسكندرية. ثم ركب الصالح في الدست وحمل الجواد الغاشية بين يديه. ثم أكل يديه ندما وسافر. ثم توجه الصالح نحو الغور وطلب عمه ابن إسماعيل من بعلبك ليتفقا. فدبر إسماعيل أمره واستعان بالمجاهد صاحب حمص وهجم على دمشق فأخذها في صفر من العام الآتي. فسمعت الأمراء فتسحبت إليه. وبقي الصالح في طائفة. فأخذه عسكر الناصر صاحب الكرك واعتقله الناصر عنده.

وفيها توفي أبو العباس القسطلاني ثم المصري الفقيه المالكي الزاهد أحمد بن علي تلميذ الشيخ أبي عبد الله القرشي. سمع من عبد الله بن بري ودرس بمصر وأفتى ثم جاوز بمكة مدة وعاش سبعا وسبعين سنة. توفي بمكة في جمادى الآخرة.

وصاحب ماردين ناصر الدين أرتق بن ألبي الأرتقي التركماني. تملك ماردين بضعا وثلاثين سنة. وكان فيه عدل ودين في الجملة. قتله غلمانه بموطأة ابن ابنه وتملك ابنه نجم الدين غازي.

والتاج أسعد بن المسلم بن مكي بن علان القيسي الدمشقي. توفي في رجب عن ست وسبعين سنة. روى عن ابن عساكر وأبي الفهم بن أبي العجائز. وكان من كبار العدول. وهو أسن من أخيه السديد.

وبدل بن أبي المعمر بن إسماعيل أبو الخير التبريزي المحدث الرحال. ولد بعد الخمسين وخمس مائة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وجماعة. ورحل فأكثر من اللبان والصيدلاني. وسمع بنيسابور ومصر والعراق وكتب وتعب وخرج وولي مشيخة دار الحديث بإربل. فلما أخذتها التتار قدم حلب وبها توفي في جمادى الأولى.

وجعفر بن علي بن هبة الله أبو الفضل الهمذاني الإسكندراني المالكي المقرئ الأستاذ المحدث. ولد سنة ست وأربعين وقرأ القراءات على عبد الرحمن ابن خلف الله صاحب ابن الفحام وأكثر عن السلفي وطائفة. وكتب الكثير وحصل وتصدر للإقراء ثم رحل في آخر عمره فروى الكثير بالقاهرة ودمشق. وتوفي في صفر وقد جاوز التسعين.

وابن الصفراوي جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المجيد ابن إسماعيل بن عثمان بن يوسف بن حسين بن حفص الإسكندراني الفقيه المالكي المقرئ. ولد في أول سنة أربع وأربعين وخمس مائة. وقرأ القراءات على ابن خلف الله وأحمد بن جعفر الغافقي واليسع بن حزم وابن الخلوف. وتفقه على أبي طالب صالح بن بنت معافى وسمع الكثير من السلفي وغيره. وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى ببلده وطال عمره وبعد صيته. توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر.

وعسكر بن عبد الرحيم بن عسكر بن أسامة أبو عبد الرحيم العدوي النصيبيني. من بيت مشيخة وحديث ودين. له أصحاب وأتباع. رحل في الحديث وسمع من عبد العزيز بن منينا وسليمان الموصلي وطبقتهما. وله مجاميع حسنة. توفي في المحرم.

وعلي بن جرير الرقي الصاحب جمال الدين. وزر للأشرف ثم للصالح إسماعيل. وتوفي في جمادى الآخرة.

وعماد الدين بن الشيخ. هو الصاحب الرئيس أبو الفتح عمر ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني ثم الدمشقي. ولي تدريس الشافعي ومشهد الحسين ومشيخة الشيوخ بالديار المصرية. وقام بسلطنة الجواد. ثم دخل الديار المصرية. فلامه صاحبها العادل أبو بكر. فرد وهم بخلع الجواد من السلطنة فلم يطعه وجهز عليه من الإسماعيلية من قتله في جمادى الأولى وله خمس وخمسون سنة.

وأبو الفضل السباك محمد بن محمد بن الحسن البغدادي أحد وكلاء القضاة. روى عن ابن البطي وأبي المعالي بن اللحاس. توفي في ربيع الآخر.

والزكي البزرالي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي بداس الإشبيلي الحافظ الجوال محدث الشام ومفيده. سمع بالحجاز ومصر والشام والعراق وأصبهان وخراسان والجزيرة. وأكثر وجمع فأوعى وأول طلبه سنة اثنتين وست مائة وأقدم شيوخه عين الشمس الثقفية وجمال الدين الحصيري شيخ الحنفية أبو المحامد محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري. وله تسعون سنة. توفي في صفر وروى صحيح مسلم عن أصحاب الفراوي ودرس بالنووية خمسا وعشرين سنة. وكان من العلماء العاملين.

سنة سبع وثلاثين وستمائة

فيها ذكر أن إسماعيل هجم على دمشق في صفر من هذا العام فملكها. وتسلم القلعة من الغد واعتقلوا الصالح أيوب بالكرك أشهرا فطلبه أخوه العادل من الناصر داود وبذل فيه مائة ألف دينار وكذا طلبه الصالح إسماعيل فامتنع الناصر. ثم اتفق معه وحلفه وأخذه وسار به إلى الديار المصرية. فمالت الكاملية إليه. وقبضوا على العادل وتملك الصالح أيوب ورجع الناصر بخفي حنبن.

وفيها توفي الخوبي قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل الشافعي في شعبان عن أربع وخمسين سنة وله تصانيف وفضائل ولا سيما في العقليات.

وثابت بن محمد بن أبي بكر الصدر علاء الدين أبو سعد الخجندي ثم الأصبهاني. سمع وسالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى الصدر أمين الدين أبو الغنائم البغدادي الدمشقي. رحل به أبوه وسمعه من ابن شاتيل وطبقته. توفي في جمادى الآخرة وله ستون سنة.

وشيركوه الملك المجاهد أسد الدين بن محمد بن شيركوه بن شاذي صاحب حمص بحمص في رجب.

وعبد الرحيم بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل أبو القاسم الدمشقي بمصر في ذي الحجة. روى عن السلفي.

وابن الكريم الكاتب شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث الأديب الماسح المتفنن. روى عن ابن بوش وابن كليب وخلق. وسكن دمشق وكتب الكثير بخطه. توفي في رجب عن سبع وخمسين سنة.

وابن الدبيثي الحافظ المؤرخ المقرئ الحاذق أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي الشافعي. ولد سنة ثمان وخمسين وخمس مائة وسمع من أبي طالب الكناني وأبي الفتح ابن شاتيل وعبد المنعم بن الفراوي وطبقتهم. وقرأ القراءات على جماعة. وكان إماما متفننا واسع العلم غزير الحفظ. أضر في آخر عمره. وتوفي في ثامن ربيع الآخر ببغداد.

ومحمد بن طرخان تقي الدين بن السلمي الدمشقي الصالحي الحنبلي. ولد سنة إحدى وستين وخمس مائة وروى عن ابن صابر وأبي المجد البانياسي وطائفة. وخرج لنفسه مشيخة. وكان فقيها جليلا متوددا. توفي في تاسع المحرم.

وأبو طالب بن صابر الدمشقي محمد بن أبي المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الصوفي الزاهد. روى عن أبيه وجماعة وصار شيخ الحديث بالعزية. قال ابن النجار: لم أر إنسانا كاملا غيره زاهدا عابدا ورعا كثير الصلاة والصيام. توفي في سابع المحرم.

وابن الهادي محتسب دمشق رشيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى القيسي الدمشقي. شيخ وقور مهيب عفيف. سمع ابن عساكر وأبا المعالي بن صابر. توفي في جمادى الآخرة عن سبع وثمانين سنة.

والرشيد النيسابوري محمد بن أبي بكر بن علي الحنفي الفقيه. سمع بمصر من أبي الجيوش عساكر والتاج المسعودي وجماعة. ودرس وناظر وعاش سبعا وسبعين سنة. ولي قضاء الكرك والشوبك. ثم درس بالمعينية توفي في خامس ذي القعدة.

وشرف الدين أبو البكات المستوفى المبارك بن أحمد بن أبي البركات اللخمي الإربلي وزير إربل وقاضيها ومؤرخها ولد سنة أربع وستين وخمس مائة وسمع من عبد الوهاب بن حبة وحنبل وابن طبرزد وخلق. وكان بيته مجمع الفضلاء. وله يد طولى في النثر والنظم ونفس كريمة كبيرة وهمة عالية. شرح ديوان أبي تمام والمتنبي في عشر مجلدات. وله ديوان شعر سلم بقلعة إربل من التتار ثم سكن الموصل وبها مات في المحرم.

وضياء الدين بن الأثير الصاحب العلامة أبو الفتح نصر بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الكاتب البليغ صاحب المثل السائر. انتهت إليه رياسة الإنشاء والترسل. ومن جملة محفوظاته شعر أبي تمام والبحتري والمتنبي. وزر بدمشق للملك الأفضل فأساء وظلم ثم هرب ثم كان معه بسميساط سنوات. ثم خدم الظاهر صاحب حلب فلم يقبل عليه. فتحول إلى الموصل وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عز الدين مسعود ولأتابكه لولو وذهب رسولا في آخر أيامه إلى الخليفة فمات ببغداد في ربيع الآخر. وكان بينه وبين أخيه عز الدين مقاطعة كلية.

وعبد العزيز بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدمشقي إمام الربوة أبو محمد. روى عن أبيه وأبي القاسم بن عساكر. توفي في ثامن ربيع الآخر.

وعبد العزيز بن دلف البغدادي المقرئ الناسخ خازن كتب المستنصرية. قرأ القراءات على علي بن عساكر البطائحي وسمع من شهدة. توفي في السادس والعشرين من صفر.

والحرالي أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن التجيبي المرسي. كان متفننا عارفا بالنحو والكلام.

وقشتمر سلطان بغداد ومقدم العساكر جمال الدين الخليفتي الناصري توفي في ذي القعدة.

سنة ثمان وثلاثين وستمائة

فيها سلم الملك الصالح إسماعيل قلعة السقيف للفرنج لغرض في نفسه. فمقته المسلمون وأنكر عليه ابن عبد السلام وأبو عمرو بن الحاجب. فسجنهما. وعزل ابن عبد السلام من خطابة دمشق. وولي القضاء لرفيع الجيلي.

وفيها توفي أبو علي أحمد بن محمد بن محمود بن المعز الحراني ثم البغدادي الصوفي. روى عن ابن البطي وأحمد بن المقرب وجماعة. توفي في المحرم.

والقاضي نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد خلف بن راجح المقدسي الحنبلي ثم الشافعي صاحب التصانيف. روى عن ابن صدقة الحراني وجماعة. وسافر إلى همذان فلزم الركن الطاوسي حتى صار معيده. ثم سافر إلى بخارى فبرع في علم الخلاف وطار اسمه وبعد صيته. وكان يتوقد ذكاء. ومن جملة محفوظاته الجمع بين الصحيحين. وكان صاحب أوراد وتهجد. توفي في خامس شوال.

وعلي بن مختار بن نصر الله بن طعان جمال الملك أبو الحسن العامري المحلي الإسكندراني ومحيي الدين بن العربي أبو بكر محمد بن علي بن محمد الطائي الحاتمي المرسي الصوفي نزيل دمشق وصاحب التصانيف وقدوة العالمين بوحدة الوجود. ولد سنة ستين وخمس مائة. وروى عن ابن بشكوال وطائفة. وتنقل في البلاد وسكن الروم مدة. وقد اتهم بأمر عظيم. توفي في الثاني من ربيع الآخر.

سنة تسع وثلاثين وستمائة

فيها توفي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي الإربلي ثم الموصلي الضرير صاحب التصانيف الأدبية. توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة.

والمارستاني أبو العباس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي الصوفي. قيم جامع المنصور. روى عن أبي المعالي بن اللحاس وحفدة العطاردي وجماعة. توفي في ذي الحجة.

وإسحاق بن طرخان بن ماض الفقيه تقي الدين الشاغوري الشافعي. آخر من حدث عن حمزة بن كروس. توفي في رمضان بالشاغور.

والنفيس بن قادوس هو القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب وأبي العباس ابن الحطئة. توفي في ذي الحجة وله ست وتسعون سنة.

وإسماعيل بن مظفر أبو الطاهر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي المحدث الجوال الزاهد. ولد سنة أربع وستين وسمع بمصر من البوصيري وببغدلد من ابن المعطوش وبأصبهان من أبي المكارم اللبان وبنيسابور من أبي سعد الصفار وبدمشق وحران ومكة. قال ابن الحاجب: كان عبدا صالحا صاحب كرامات ذا مروة مع فقر مدقع قلت: توفي في شوال.

والحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار أبو علي المصري الصائغ. روى عن السلفي ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة.

والإسعردي أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن أحمد المحدث خطيب بيت لهيا. ولد بإسعرد وسمع بدمشق من الخشوعي وبمصر من البوصيري وتخرج بالحافظ عبد الغني توفي في ربيع الآخر ببيت لهيا.

وعبد الرحمن بن مقبل العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو المعالي الواسطي الشافعي. ولد سنة سبعين وتفقه فدرس وأفتى وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي ثم ولي بعده القضاء ودرس بالمستنصرية ثم عزل عن الكل سنة ثلاث وثلاثين وحدث عن ابن كليب. توفي في ذي القعدة.

وعبد السيد بن أحمد الضبي خطيب بعقوبا. روى عن يحيى بن ثابت وأحمد المرقعاتي.

والسيف عبد الغني خطيب حران وابن خطيبها فخر الدين محمد بن الخضر بن تيمية. توفي في المحرم كهلا. وكان فصيحا مليح الخطابة.

والبدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل الرازي المؤدب بمكتب جاروخ بدمشق. روى عن السلفي ثماني الآجري. وتوفي في ربيع الآخر.

وأبو فضيل قايماز المعظمي مجاهد الدين والي البحيرة. روى عن السلفي. ومات في سلخ شوال.

وشرف الدين بن الصفراوي قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد ابن القاضي الرشيد علي ابن القاضي أبي المجد حسن الإسكندراني ثم المصري الشافعي. ولد بالإسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمس مائة وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن صدر الدين بن درباس ثم ناب عن غير واحد وولي قضاء الديار المصرية في سنة سبع عشرة وست مائة. توفي في تاسع عشر ذي القعدة.

وابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن البغدادي الشافعي المعروف بابن الحبير. ولد سنة تسع وخمسين وسمع من شهدة وجماعة وكان من أئمة الشافعية صاحب ليل وتهجد وحج طويل الباع في النظر والجدل. ولي تدريس النظامية مدة. وتوفي في شوال.

والكمال بن يونس العلامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الشافعي. أحد الأعلام. ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل وتفقه على والده وببغداد على معيد النظامية السديد السلماسي وبرع عليه في الأصول والخلاف. وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي والكمال الأنباري. وأكب على الإشتغال بالعقليات حتى بلغ فيها الغاية. وكان يتوقد ذكاء ويموج بالمعارف حتى قيل إنه كان يتقن أربعة عشر فنا. اشتهر ذكره وطار خبره ورحلت الطلبة إليه من الأقطار وتفرد بإتقان علم الرياضي ولم يكن له في وقته نظير. قال ابن خلكان: كان يهتم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه كما قال العماد المغربي فيه: وعاطيته صبهاء من فيه مزجها كرقة شعري أو كدين ابن يونس ولكمال الدين عدة تصانيف. توفي في نصف شعبان بالموصل.

سنة أربعين وستمائة

فيها جهز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدين ابن الشيخ لأخذ دمشق من عمه الصالح إسماعيل. فمات مقدم العسكر كمال الدين بغزة ويقال إنه سم.

وفيها توفي الزين بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشروطي الناسخ. روى عن يحيى الثقفي والبوصيري وابن المعطوش وطبقتهم. وطلب وكتب الأجزاء. توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة.

وإبراهيم الخشوعي أبو إسحاق ابن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم ابن طاهر الدمشقي آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال وما يدري ما سمع من ابن عساكر. توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة.

وآسية المقدسية والدة السيف بن المجد الحافظ. قال أخوها الضياء: ما في زمانها مثلها. لا تكاد تدع قيام الليل.

والجهة الأتابكية امرأة الملك الأشرف موسى صاحبة المدرسة والتربة بالجبل تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي.

وجمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد الغراف البغدادية. سمعت من ابن البطي وأحمد بن محمد الكاغدي. توفيت في جمادى الأولى.

وسعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة. روت بالإجازة عن العثماني.

وعائشة بنت المستنجد بالله بن المقتفي وأخت المستضيء وعمة الناصر. عمرت دهرا وماتت في ذي الحجة.

وابن أبيه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية. روى عن الحافظ ابن عساكر ومات في المحرم.

وعبد العزيز بن مكي أبو محمد البغدادي. روى عن ابن البطي وجماعة. توفي في ربيع الآخر.

وصاحب المغرب الرشيد أبو محمد بن المأمون واسمه عبد الواحد بن إدريس المؤمني صاحب مراكش. ولي الأمر سنة ثلاثين وست مائة. وأعاد ذكر ابن نومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين. توفي غريقا في صهريج بستانه وولي بعده أخوه المعتضد علي.

والعلم ابن الصابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الجويثي الصوفي والد الجمال ابن الصابوني المحدث. أجاز له أبو المطهر الصيدلاني وابن البطي وطائفة. وسمع من السلفي. وكان عدلا جليلا وافر الحرمة. توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة.

وابن شفنين الشريف أبو الكرم محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العباسي المتوكلي مسند العراق. أجاز له أبو بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر الكعبري وأبو الوقت ومحمد بن عبيد الله القرطبي. وسمع من يحيى بن السدنك. توفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة. وكان سريا نبيلا.

والمستنصر باله أبو جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر أحمد بن أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العباسي. ولد سنة ثمان وثمانين وخمس مائة. وهو ابن تركية.

استخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين فحمدت سيرته. وكان أشقر ضخما قصيرا وخطه الشيب فخضب بالحناء ثم تركه. توفي عاشر جمادى الآخرة بكرة الجمعة. وبويع ولده المستعصم بالله.

سنة إحدى وأربعين وستمائة

فيها حكمت التتار على بلد الروم وألزم صاحبها ابن علاء الدين بأن يحمل لهم كل يوم ألف دينار ومملوكا وجارية وفرسا وكلب صيد.

وفيها توفي التقي الصريفيني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر الحافظ. ولد سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة بصريفين ورحل إلى الشام والعراق والجزيرة وخراسان وأصبهان وجمع وصنف وحدث عن حنبل وأبي روح وطبقتهما. وكان ذا صدق وإتقان وحفظ. توفي في جمادى الأولى بدمشق.

والأعز بن كريم أبو محمد الحربي الإسكافي البزاز. سمع من يحيى بن ثابت وغيره. توفي في صفر.

وحمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزال أبو القاسم الأنصاري الإسكندراني. روى عن السلفي. وتوفي في ذي الحجة.

وسلطان بن محمود البعلبكي الزاهد أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونبني. كان صاحب أحوال وكرامات. وهو والد الشيخ الزاهد محمود رحمهما الله.

وعائشة بنت محمد بن علي بن البل البغدادي أمة الحكم الواعظة. أجاز لها أبوالحسن بن غبرة والشيخ عبد القادر. وكانت صالحة تعظ النساء. توفيت في جمادى الأولى.

وعبد الحق بن خلف بن عبد الحق أبو محمد الدمشقي الحنبلي. روى عن أبي الفهم بن أبي العجائز وابن صابر وجماعة. توفي في شعبان عن نيف وتسعين سنة. وكان صالحا فاضلا.

وأبو طالب بن القبيطي عبد اللطيف بن محمد بن علي بن حمزة الحراني ثم البغدادي الجوهري. ولد سنة أربع وخمسين وسمع الكثير من ابن البطي وأبي زرعة والشيخ عبد القادر وطبقتهم. وكان من أهل القرآن والصلاح والإسناد العالي. توفي في جمادى الآخرة. وقد تفرد بأشياء.

وأبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق ابن شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الحنبلي الأنصاري الدمشقي. روى عن السلفي وجماعة. توفي في جمادى الآخرة أيضا بدمشق.

وأبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي.

والتسارسي أبو الرضا علي بن زيد بن علي الإسكندراني الخياط. روى عن السلفي. وتسارس من قرى برقة. توفي في رمضان.

وعلي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور بن محمد بن هبة الله الشريف أبو تمام الهاشمي العدل خطيب جامع ابن المطلب ببغداد. روى عن ابن البطي وابن زرعة وجماعة. وعاش تسعين سنة. توفي في جمادى الآخرة.

وعمر بن أسعد بن المنجا القاضي شمس الدين أبو الفتوح التنوخي الدمشقي الحنبلي والد ست الوزراء. سمع أبا المعالي ابن صابر والقاضي كمال الدين بن الشهرزوري وجماعة. وولي قضاء حران كأبيه. وأفتى ودرس. وتوفي في ربيع الآخر.

وقيصر بن فيروز البواب أبو محمد القطيعي. روى عن عبد الحق اليوسفي. توفي في رمضان.

وكريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزبيرية وتعرف ببنت الحبقبق. روت عن أبي يعلى بن الحبوبي وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني وحسان الزيات وجماعة. وأجاز لها أبو الوقت السجزي وأبو الخير الباغبان ومسعود الثقفي وخلق. وروت شيئا كثيرا. توفيت في جمادى الآخرة ببستانها بالميطور.

والجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الكامل. هو مظفر الدين يونس بن ممدود بن العادل. كان من أمراء عمه الكامل وكان جوادا لكنه كان لا يصلح للملك

سنة اثنتين وأربعين وستمائة

جر الملك الصالح أيوب الخوارزمية وطلبهم من الجزيرة. فعدوا الفرات وندبهم لمحاصرة عمه إسماعيل بدمشق. واستنجد إسماعيل بالفرنج وبصاحب حمص. فسلقت الخوارزمية واجتمعت بعده بعسكر مصر وجاءتهم الخلع والنفقات. وبعث الناصر داود عسكره من الكرك نجدة لإسماعيل ثم وقع المصاف بقرب عسقلان في جمادى الأولى. فانتصر المصريون والخوارزمية على الشاميين والفرنج. واستحر القتل ولله الحمد بالفرنج وأسرت ملوكهم. وخاف إسماعيل وحصن دمشق واستعد.

وفيها توفي التاج ابن الشيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي المعدل. روى عن جده والفضل بن البانياسي وجماعة. وتوفي في رمضان وله إجازة من السلفي.

وحاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي أبو طالب المزي. عاش خمسا وتسعين سنة. وروى عن أبي القاسم بن عساكر. توفي في المحرم.

وظافر بن طاهر بن ظافر بن إسماعيل بن سحم أبو المنصور الأزدي الإسكندراني المالكي وتاج الدين ابن حموية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصوفي شيخ السميساطية. ولد بدمشق سنة ست وستين وسمع من شهدة والحافظ أبي القاسم. ودخل المغرب قبل الستمائة فأقام هناك سنين وله مجاميع وفرائد. توفي في صفر.

والرفيع الجيلي قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل. أحد قضاة الجور. كان متكلما بارعا في العقليات والفلسفة رقيق الديانة قبض عليه في آخر سنة إحدى وأربعين. ثم بعث مع من رماه في هوة بأرض البقاع. نسأل الله الستر.

والنفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي. سمع بمكة من عبد المنعم الفراوي وبالثغر من أبي الطاهر ابن عوف وأبي طالب التنوخي، توفي في آخر السنة عن ثمان وتسعين سنة.

والجمال ابن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن نجا الغساني الإسكندراني المالكي. روى عن السلفي وجماعة. وكان من أكابر بلده. توفي في جمادى الآخرة.

سنة ثلاث وأربعين وستمائة

في أولها بل قبل ذلك حاصرت الخوارزمية دمشق وعليهم الصاحب معين الدين حسن ابن الشيخ. واشتد الخطب وأحرقت الحواضر. ورمي من الفريقين بالمجانيق وتعب الدمشقيون بالصالح إسماعيل أولا وآخرا وذاقوا من الخوف والقحط والوباء ما لا يعبر عنه. ودام الحصار خمسة أشهر إلى أن ضعف إسماعيل وفارق دمشق وتسلمها الصاحب معين الدين. فغضبت الخوارزمية من الصلح ونهبوا داريا وترحلوا وراسلوا الصالح إلى بعلبك وصاروا معه على الصالح نجم الدين. وردوا معه. فحاصروا دمشق في ذي القعدة لموت معين الدين ابن الشيخ وتلك الأيام كان الغلاء المفرط حتى أبيعت الغرارة بدمشق بألف وست مائة درهم. وأكلت الجيف وتفاقم الأمر والخمور والفاحشة دائرة بدمشق.

وفيها توفي بدمشق خلق كثير من الأعيان والشيوخ منهم: السيف بن المجد الحافظ القدوة أبو العباس أحمد بن عيسى ابن الشيخ الموفق المقدسي الصالحي في أول شعبان. وله ثمان وثلاثون سنة. سمع من أبي القاسم بن الحرستاني فمن بعده بدمشق وبغداد. وكان من أعيان الأذكياء ومن خيار الصلحاء رحمه الله تعالى.

والتقي بن العز العلامة المفتي أبو العباس أحمد بن محمد ابن الحافظ عبد الغني المقدسي الصالحي الحنبلي في ربيع الآخر وله اثنتان وخمسون سنة. روى عن الخشوعي وعفيفة الفرقانية وطبقتهما. ومن محفوظاته الكافي لشيخه الموفق. انتهت إليه مشيخة الحنابلة بسفح قاسيون.

وابن الجوهري الحافظ أبو العباس أحمد بن محمود بن إبراهيم نبهان الدمشقي مفيد الجماعة وله أربعون سنة. سمع من أبي المجد القزويني وخلق ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وكتب الكثير واستنسخ وحصل وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة.

والقاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن ابن القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيساني ثم المصري في جمادى الآخرة وله سبعون سنة. سمع من فاطمة بنت سعد الخير والقاسم بن عساكر. وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث فسمع الكثير وكتبه واستنسخ. وكان رئيسا نبيلا وافر الجلالة يصلح للوزارة.

ومعين الدين الصاحب الكبير أبو علي الحسن ابن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني في رمضان وقد قارب الستين. ولي عدة مناصب وتقدم عند صاحب مصر فأمره على جيشه الذين حاصروا دمشق. فأخذها وولي وعزل وعمل نيابة السلطنة فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ماعمل.

وربيعة خاتون الصاحبة أخت صلاح الدين والعادل وقد نيف على الثمانين ودفنت بمدرستها وسالم بن عبد الرزاق بن يحيى أبو المرجا المقدسي خطيب عقربا. روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة. وعاش أربعا وسبعين سنة.

والشرف عبد الله ابن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة أبو محمد وأبو بكر المقدسي خطيب الجبل. روى عن يحيى الثقفي وابن صدقة وابن المعطوش والبوصيري وخلق. توفي في جمادى الآخرة.

وأبو سليمان عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الفقيه من كبار تلامذة الشيخ الموفق. سمع بمصر من البوصيري وبدمشق من الخشوعي وببغداد من ابن الجوزي. درس الفقه. توفي في صفر.

وعبد الرحمن بن مقرب بن عبد السلام الحافظ أسعد الدين أبو القاسم التجيبي الإسكندري العدل تلميذ ابن المفضل. روى عن البوصيري وابن موقا وطائفة. وعني بالحديث وكتب وخرج. توفي في صفر.

وعبد المحسن بن حمود الصدر العلامة أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشىء. روى عن حنبل وطبقته. وله ديوان ترسل وديوان شعر. وكتب لجماعة من الملوك. توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة.

وأبو بكر عتيق بن أبي الفضل السلماني المقرئ. روى عن ابن عساكر وغيره. وتوفي في ذي القعدة عن تسعين سنة.

وتقي الدين بن الصلاح شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع من عبيد الله بن السمين ومنصور الفراوي وطبقتهما. وتفقه وبرع في المذهب وأصوله وفي الحديث وعلومه وصنف التصانيف مع الثقة والديانة والجلالة. درس بالرواحية وولي مشيخة دار الحديث ثلاث عشرة سنة. وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الآخر.

وعلم الدين السخاوي العلامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد ابن عبد الأحد الهمذاني المقرئ النحوي. ولد قبل الستين وخمس مائة وسمع من السلفي وجماعة. وقرأ القراءات على الشاطبي والغزنوي وأبي الجود والكندي وانتهت إليه رئاسة الإقراء والأدب في زمانه بدمشق. وقرأ عليه خلق لايحصيهم إلا الله. وماعلمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه. وله تصانيف سائرة متقنة. توفي إلى رحمة الله في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بتربته بجبل قاسيون.

وأبو الحسن بن المقير مسند الديار المصرية علي بن عبد الله الحسين ابن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجار. ولد سنة خمس وأربعين وخمس مائة. وسمع من شهدة ومعمر بن الفاخر وجماعة. وأجاز له ابن ناصر وأبو بكر الزاغوني وطائفة. وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد. توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة.

والعز النسلبة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي. صدر كبير محتشم فاضل. سمع من عم والده الحافظ ومن أبي الفهم ابن أبي العجائز وطائفة. توفي في جمادى الأولى.

والتاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي إمام الكلاسة وابن إمامها. ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكة ومن يحيى الثقفي والفضل البانياسي بدمشق. وطلب وتعب ونسخ الكثير وكان ذا دين ووقار. توفي في جمادى الأولى.

وابن الخازن أبو بكر محمد بن سعد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي أحد مشايخ الصوفية الأكابر. ولد في صفر سنة ست وخمسين وسمع من أبي زرعة المقدسي وأحمد بن المقرب وجماعة. توفي في السابع والعشرين من ذي الحجة.

والشيخ الضياء أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي الحافظ. أحد الأعلام. ولد سنة تسع وستين وخمس مائة. وسمع من الخضر بن طاوس وطبقته بدمشق ومن ابن المعطوش وطبقته ببغداد ومن البوصيري وطبقته بمصر ومن أبي جعفر الصيدلاني وطبقته بأصبهان ومن أبي روح المؤيد وطبقتهما بخراسان. وأفنى عمره في هذا الشأن مع الدين المتين والورع والفضيلة التامة والثقة والإتقان. انتفع الناس بتصانيفه والمحدثون بكتبه فالله يرحمه ويرضى عنه. توفي في السادس والعشرين من جمادى الآخرة.

وابن النجار الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي صاحب تاريخ بغداد. ولد سنة ثمان وسبعين وخمس مائة وسمع من ذاكر بن كامل وابن بوش وابن كليب ورحل إلى أصبهان وخراسان والشام ومصر وكتب ما لا يوصف. وكان ثقة متقنا واسع الحفظ تام المعرفة بالفن. توفي في خامس شعبان.

والمنتخب بن أبي العز بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرئ نزيل دمشق. قرأ القراءات على أبي الجود وغيره وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا للزمخشري. وتصدر للإقراء. توفي في ربيع الأول.

ومنصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد بن المراتبي الخلال أبو غالب بن المعوج. ولد سنة خمس وخمسين وسمع محمد بن إسحاق الصابي وأبا طالب بن خضير وغيرهما. توفي في جمادى الآخرة.

والموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي. ولد سنة ثلاث وخمسين وسمع بالموصل من أبي الفضل الطوسي وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون وطائفة وانتهى إليه معرفة العربية ببلده وتخرج به خلق كثير. توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى.

سنة أربع وأربعين وستمائة

لما اتفق الصالح مع الخوارزمية استمال الصالح أيوب صاحب حمص وأفسده على إسماعيل ثم كتب إلى عسكر حلب يحثهم على حرب الخوارزمية وأنهم قد خربوا الشام. فبادر نائب حلب شمس الدين لولو واجتمع معه صاحب حمص بالعرب والتركمان وبعسكر دمشق. وأقبل الصالح إسماعيل ومعه الخوارزمية وعسكر الكرك وأيبك صاحب صرخد. فالتقى الجمعان على بحيرة حمص. فقتل بركة خان مقدم الخوارزمية. وانهزم الصالح وأيبك وراحت أثقالهم في المحرم. ثم سارت الخوارزمية إلى البلقاء واتفق معهم الناصر داود فجهز الصالح صاحب مصر جيشا عليهم فخر الدين ابن الشيخ فكسروا الخوارزمية بنواحي الصلت وساقوا فنازلوا الكرك وتسلموا بعلبك وبصرى وأخذوا أولاد إسماعيل تحت الحوطة إلى القاهرة والتجأ إسماعيل إلى حلب وانقضت دولته. فسبحان من لا يزول ملكه. وصفت الشام لنجم الدين أيوب فقدمها ودخل دمشق في ذي القعدة. وكان يوما مشهودا. ثم مر إلى بعلبك ومر إلى صرخد فأخذها من أيبك المعظمي وأخذ الصبيبة من الملك السعيد بن العزيز وهو ابن عمه. ثم مر ببصرى وبالقدس فأمر بعمارة سورها وأمر بصرف مغلها في سورها.

وفيها توفي أحمد بن علي بن معقل العلامة عز الدين أبو العباس الأزدي المهلبي الحمصي النحوي اللغوي الذي نظم الإيضاح والتكملة. عاش سبعا وسبعين سنة. ومات في ربيع الأول. أخذ عن الكندي وأبي البقاء وبرع في لسان العرب. وكان صدرا محترما غاليا في التشيع.

والملك المنصور بن عمر ابن المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه. صاحب حمص وابن صاحبها وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام. مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف ومات به في حادي عشر صفر. ونقل فدفن عند عند أبيه بحمص. وكان عازما على أخذ دمشق ففجأه الموت. وقام بعده بحمص ابنه الملك الأشرف موسى.

والحسن بن علي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر حفيد أبي البركات أخي الشيخ عدي شيخ العدوية الأكراد. وكان لقب بتاج العارفين شمس الدين. له تصانيف في التصوف وشعر كثير وله أتباع يغالون فيه إلى الغاية. فقبض عليه صاحب الموصل بدر الدين وخنقه خوفا من غائلته لأنه خاف أن يثور عليه بالأكراد.

وإسماعيل بن علي الكوراني الزاهد. كان عابدا قانتا صادقا أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ذا غلظة على الملوك ونصيحة لهم. روى عن أحمد بن محمد بن الطرسوسي الحبي وتوفي بدمشق في شعبان.

وعبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء أبو المظفر البعلبكي ثم الدمشقي. حدث بحماة عن أبي القاسم بن عساكر. توفي في ذي الحجة بحماة.

ومحمد بن حسان بن رافع بن سمير أبو عبد الله العامري المحدث المفيد. روى عن الخشوعي وجماعة. وكتب الكثير توفي في صفر.

والتقي المراتبي محمد بن محمود الحنبلي أحد أئمة المذهب بدمشق. كان عالما متفننا متبحرا لم يخلف في الحنابلة مثله. توفي في جمادى الآخرة.

سنة خمس وأربعين وستمائة

في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان وأخذوا طبرية قبلها بأيام. وكان الفتح على يد فخر الدين ابن الشيخ.

وفيها أخذ الملك الصالح نجم الدين الصبيبة من الملك السعيد وعوضه أموالا وخبز مائة فارس.

وفيها نازل عسكر حلب مدينة حمص وأخذوها بعد أشهر في أول سنة ست.

وفيها توفي الكاشغري أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي ببغداد في حادي عشرة جمادى الأولى وله تسع وثمانون سنة. سمع من ابن البطي وعلي بن تاج القراء وأبي بكر بن النقور وجماعة. وعمر ورحل إليه الطلبة. وكان آخر من بقي بينه وبين الإمام خمسة أنفس ثقات. ولي مشيخة المستنصرية.

وشعيب بن يحيى بن أحمد أبو مدين ابن الزعفراني التاجر. إسكندراني متميز. جاور بمكة وحدث عن السلفي. توفي في ذي القعدة.

والشيخ علي الحريري أبو محمد بن أبي الحسن بن منصور الدمشقي الفقير. ولد بقرية بسر من حوران ونشأ بدمشق وتعلم بها نسج العتابي ثم تمفقر وعظم أمره وكثر أتباعه. وأقبل على الطيبة والراحة والسماعات والملاح وبالغ في ذلك. فمن يحسن به الظن يقول هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال وتمكن ووصول. ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال. وهو أحد من لا يقطع عليه بجنة ولا نار فإنا لا نعلم بما ختم له. لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبيل العصر السادس والعشرين من رمضان. وقد نيف على التسعين. مات فجأة.

وأبو علي الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الإشبيلي النحوي أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه. ولد سنة اثنتين وستين وخمس مائة وسمع من أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون والكبار وأجاز له السلفي وكان أسند من بقي بالمغرب وكان في العربية بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى قياما عليها واستبحارا فيها. تصدر لإقراء نحوا من ستين عاما. أخذ عن أبي إسحاق بن ملكون وأبي الحسن نجيه. وصنف التصانيف. وله حكايات في التغفل.

وغازي الملك المظفر شهاب الدين ابن العادل. كان فارسا شجاعا وشهما وملكا جوادا. كان صاحب ميافارقين وخلاط وحصن منصور وغير ذلك. حج من بغداد ثم توفي في هذه السنة وتملك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدين.

وابن الدوامي عز الكفاة الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله. كان أبوه وكيل الخليفة الناصر وسمع هو من تجني الوهبانية وابن شاتيل. وكان حاجب الحجاب مدة ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى.

ويعقوب بن محمد بن حسن الأمير الكبير شرف الدين الهذباني الإربلي. روى عن يحيى الثقفي وطائفة وولي شد دواوين الشام. وكان ذا علم وأدب. توفي في ربيع الأول بمصر.

سنة ست وأربعين وستمائة

فيها قدم المصريون عليهم فخر الدين ابن الشيخ فنازلوا حمص بعد أن تملكها الحلبيون ورميت بالمجانيق. وقدم الملك الصالح وعلموا التلاق تحت القلعة لتفرح. فهلك سبعة أنفس وتهشم جماعة. فمنع من عمل التلاق. وكان يترتب عليه مفاسد عظيمة.

وفيها توفي أحمد بن سلامة الحراني النجار الرجل الصالح. رحل وسمع من ابن كليب وجماعة. وكان ثقة عالما صاحب سنة. توفي في وسط العام.

وإسماعيل بن سودكين أبو الطاهر النوري الحنفي الصوفي صاحب محيي الدين بن العربي. وله كلام وشعر، توفي في صفر روى عن الأرتاحي.

وصفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية أخت كريمة. لم تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار. وتفردت في زمانها. توفيت في رجب بحماة.

وابن البيطار الطبيب البارع ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي صاحب كتاب الأدوية المفردة. انتهت إليه معرفة تحقق النبات وصفاته وأماكنه ومنافعه. وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح. توفي بدمشق في شعبان.

وابن رواحة عز الدين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي. ولد بصيقيلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمس مائة فخلصا وسمعه أبوه بالإسكندرية من وابن الحاجب العلامة جمال الدين أبو عمر عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي ثم المصري المالكي المقرئ النحوي الأصولي صاحب التصانيف. توفي بالإسكندرية في السادس والعشرين من شوال وله خمس وسبعون سنة. كان أبوه حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي فاشتغل هو وقرأ القراءات على الغزنوي وأبي الجود وبعضها على الشاطبي وبرع في الأصول والعربية. وكان من أدباء أهل زمانه وأوجزهم بلاغة وبيانا.

وابن الدباج العلامة أبو الحسن علي بن جابر النحوي المقرئ شيخ الأندلس. أخذ القراءات عن أبي بكر بن صاف والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني وساد أهل عصره في العربية. ولد سنة ست وستين وخمس مائة وتوفي بإشبيلية بعد أخذ الروم الملاعين لها في شعبان صلحا بعد جمعة. فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان. فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب ارتماضا لذلك إلى أن قضى نحبه. وقيل مات يوم أخذها.

وصاحب المغرب المعتضد ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصوريعقوب بن يوسف. ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين وقتل على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلمسان في صفر. وولي بعده المرتضى أبو حفص. فامتدت دولته عشرين عاما.

والقفطي الوزير الأكرم جمال الدين أبو الحسين علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد الشيباني وزير حلب وصاحب التصانيف والتواريخ. جمع من الكتب على اختلاف أنواعها ما لا يوصف. وكان ذا عزم مفرط بها. ولما احتضر أوصى بها للناصر صاحب حلب وكانت تساوي نحوا من أربعين ألف دينار. توفي في رمضان.

والأفضل الخونجي محمد بن ناماور الشافعي الفيلسوف. ولد سنة تسعين وخمس مائة واشتغل في العجم ثم قدم وولي قضاء مصر. وأفتى وصنف وبرع في المنطق والإلهي والطبيعي. توفي في رمضان.

ومحمد بن يحيى بن ياقوت أبو الحسن الإسكندراني المقرئ. روى عن السلفي وغيره. توفي في سابع عشر ربيع الآخر.

ومنصور بن سند بن الدباغ أبو علي الإسكندراني النحاس. روى عن السلفي. توفي في ربيع الأول.

سنة سبع وأربعين وستمائة

رجع السلطان إلى مصر مريضا في محفة واستناب على دمشق جمال الدين بن يغمور.

وفي ربيع الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا وكان بها خير الدين ابن الشيخ. وعسكر فهربوا وملكتها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان السلطان بالمنصورة فغضب على أهلها كيف سيبوها حتى إنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها وقامت قيامته على العسكر بحيث إنهم تخوفوه وهموا به. فقال فخر الدين: أمهلوه فهو على شفا. فمات ليلة نصف شعبان بالمنصورة. وكتم موته أياما وساق مملوكا حافظا بأعلى البرية إلى أن عبر الفرات وساق إلى حصن كيفا وأخذ الملك المعظم تورانشاه ولد الصالح وقدم به دمشق فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة.

وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمت وقعة المنصورة في ذي القعدة وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان. فركب مقدم الجيش فخر الدين ابن الشيخ وقاتل فقتل. وانهزم المسلمون ثم كروا على الفرنج ونزل النصر وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة. ولله الحمد. ثم قدم الملك المعظم بعد أيام.

وفيها أغارت التتار بعد أيام بأطراف العراق وقتلوا خلقا كثيرا.

وفيها توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل. ومولده سنة ثلاث وست مائة بالقاهرة. وسلطنه أبوه على حران وآمد وسنجار وحصن كيفا. فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد. وجرت له أمور. ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك. وكان وافر الحرمة عظيم الهيبة طاهر الذيل خليقا للملك ظاهر الجبروت.

وابن عوف الفقيه رشيد الدين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلامة أبي طاهر إسماعيل بن مكي الزهري العوفي الإسكندراني: المالكي. سمع من جده الموطأ. وكان ذا زهد وورع. توفي في صفر عن ثمانين سنة.

وعجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية. سمعت من عبد الحق وعبد الله بن منصور الموصلي. وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود والرستمي وجماعة. توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة. ولها مشيخة في عشرة أجزاء.

وابن البراذعي صفي الدين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي العدل. روى عن ابن عساكر وأبي سعد بن عصرون. توفي في ربيع الآخر.

والسيدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي الحاجب. روى عن عبد الحق وتجني وجماعة كثيرة. وطال عمره.

وفخر الدين ابن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل يوسف ابن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه الجويني. ولد بدمشق بعد الثمانين وخمس مائة وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره. وكان رئيسا محتشما سيدا معظما ذا عقل ووقار ودهاء وشجاعة وقد سجنه السلطان وقاسى شدائد وبقي في الحبس ثلاث سنين ثم أخرجه وأنعم عليه وقدمه على الجيش. طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط.

والساوي يوسف بن محمود أبو يعقوب المصري الصوفي. روى عن السلفي وعبد الله بن بري وتوفي في رجب عن ثمانين سنة.

سنة ثمان وأربعين وستمائة

استهلت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج ولوقوع المرض في خيلهم. ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط ففهمها المسلمون. وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل فنسوا قطعه فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم. فتحصنوا بقرية تهيه أبي عبد الله. وأخذ أصطول المسلمين أصطولهم أجمع وقتل منهم خلق. فطلب الفرنسيس الطواشي رشيد الدين والقيمري فأتوه. فكلمهم في الأمان على نفسه وعلى من معه. فعقدا له الأمان وانهزم جل الفرنج على حمية. فحمل عليهم المسلمون ووضعوا فيهم السيف. وغنم الناس ما لا يحد ولا يوصف. وأركب الفرنسيس وطلبه في حراقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول وفي البر الشرقي الجيش سائر تحت ألوية النصر وفي البر الغربي العربان والعوام. وكانت ساعة عجيبة، واعتقل الفرنسيس بالمنصورة وذلك في أول يوم من المحرم. قال سعد الدين ابن حمويه: كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا فيهم ملوك وكنود. وكانت القتلى سبعة آلاف. واستشهد نحو مائة نفس. وخلع الملك المعظم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة فامتنع الكلب الفرنسيس من لبسها وقال: أنا مملكتي تقدر بمملكة صاحب مصر كيف ألبس خلعته.

ثم بدت من المعظم خفة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه وقدموا على العسكر عز الدين أيبك التركماني الصالحي وساقوا إلى القاهرة بعد أن استردوا دمياط. وذلك أن حسام الدين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلم دمياط وعلى بذل خمس مائة ألف دينار للمسلمين. فأركب بغلة وساق معه الجيش إلى دمياط فما وصلوا إلا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها. فاصفر لون الفرنسيس. فقال حسام الدين: هذه دمياط قد ملكناها، والرأي أن لا نطلق هذا لأنه قد اطلع على عورتنا. فقال عز الدين أيبك: لا أرى الغدر. وأطلقه.

وأما دمشق فقصدها الملك الناصر صاحب حلب واستولى عليها في ربيع الآخر ثم بعد أشهر قصد الديار المصرية ليملكها. فالتقى هو والمصريون في ذي القعدة بالعباسية. فانهزم المصريون. ودخل أوائل الشاميين القاهرة. وخطب بها للناصر. فالتف على عز الدين أيبك والفارس أقطايا نحو ثلاث مائة من الصالحية وهربوا نحو الشام. فصادفوا فرقة من الشاميين فحملوا عليهم وهزموهم وأسروا نائب الملك الناصر وهو شمس الدين لولو فذبحوه وحملوا على طلب الناصر. فكسروا سناجقه ونهبوا خزائنه. فأخذه نوفل البدوي والحاصلية وساقوا إلى غزة ودخلت الصالحية بأعلام الناصر منكسة وبالأسارى. وكانوا النصرة. ولد السلطان الكبير صلاح الدين والملك الأشرف موسى بن صاحب حمص والملك الصالح إسماعيل ابن العادل وطائفة وقتل عدة أمراء.

وفيها توفي فخر القضاة ابن الحباب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السعدي المصري وناظر الأوقاف وراوي صحيح مسلم عن المأموني. سمع قليلا من السلفي وابن بري. توفي في رمضان وله سبع وثمانون سنة.

وابن الخير أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقرئ الحنبلي. روى الكثير عن شهدة وعبد الحق وجماعة. وأجاز له ابن البطي. وقرأ القراءات ولقن دهرا. توفي في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة. قال ابن النجار: فيه ضعف.

والملك الصالح عماد الدين أبو الجيش إسماعيل بن العادل الذي تملك دمشق مدة. انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك النصصر. وكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق. ثم قدم معه دمشق وسار معه فأسرته الصالحية ومروا به على تربة الصالح مولاهم وصاحوا: يا خوند أين عينك تبصر عدوك أسيرا. ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة.

وأمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب. كان سامريا ببعلبك فأسلم في الظاهر والله أعلم بسريرته. ونفق على الصالح إسماعيل حتى وزر له. وكان ظالما نجسا ماكرا داهية. وهو واقف الأمينية التي ببعلبك. أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية وسجن بقلعة مصر، فلما جاء الخبر الذي لم يتم بانتصار الناصر توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر. فشنقوهم هو وناصر الدين ابن يغمور والخوارزمي.

والملك المعظم غياث الدين تورانشاه بن الصالح نجم الدين أيوب. لما توفي أبوه حلف له الأمراء وقعدوا وراءه كما ذكرنا وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده لكنه كان لا يصلح لصالحه لقلة عقله وفساده بالمرد. ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام حتى انتفخ ثم واروه. وخطب بعده على منابر الإسلام لشجرة الدر أم خليل حظية والده. قال أبو شامة: دخل في البحر إلى حلقة فضربه البندقداري بالسيف فوقع.

وابن رواج المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني المالكي. ولد سنة أربع وخمسين وخمس مائة. وسمع الكثير من السلفي وطائفة ونسخ الكثير وخرج الأربعين. وكان ذا دين وفقه وتواضع. توفي في ثامن عشر ذي القعدة.

والمجد الإسفراييني المحدث قارئ دار الحديث أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصوفي. روى عن المؤيد الطوسي وجماعة. توفي بالسميساطية.

ومظفر ابن الفوي أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الإسكندراني المالكي. الشاهد. روى عن السلفي وعاش تسعين سنة. توفي في سلخ ذي القعدة.

ويوسف بن خليل الحافظ الرحال محدث الشام أبو الحجاج الدمشقي الأدمي. نزيل حلب. ولد سنة خمس وخمسين وخمس مائة. ولم يعن بالحديث إلى سنة بضع وثمانين. فروى عن يحيى الثقفي وطائفة ثم رحل إلى بغداد قبل التسعين ثم إلى أصبهان بعد التسعين. وأدرك بها إسنادا عاليا كبيرا وكتب ملا يوصف بخطع المليح وانتشر حديثه ورحل الناس غليه. توفي في عاشر جمادى الآخرة بحلب.

سنة تسع وأربعين وستمائة

أقامت عساكر الشام على غزة نحوا من سنتين خوفا من المصريين وترددت الرسل بين الناصر والمعز أيبك.

وفيها تملك المغيث بن الملك العادل بن الكامل الكرك والشوبك. سلمها إليه متوليها الطواشي صواب.

وفيها توفي ابن العليق أبو نصر الأعز بن فضائل البغدادي الببصري. روى عن شهدة وعبد الحق وجماعة. وكان صالحا تاليا لكتاب الله. توفي في رجب.

والنشتبري أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدين شيخ ماردين. روى عن أبي الفتح ابن شاتيل وجماعة. وكان له مشاركة قوية في العلوم. قال شيخنا الدمياطي: مات في الثاني والعشرين من ذي الحجة وقد جاوز المائة. وقال الشريف عز الدين في الوفيات: كان يذكر أنه ولد في سنة سبع وثلاثين وخمس مائة.

وعبد الظاهر بن نشوان الإمام رشيد الدين الجذامي المصري الضرير شيخ الإقراء بالديار المصرية. قرأعلى أبي الجود وسمع من البوصيري وجماعة. توفي في جمادى الأولى. وكان عارفا بالنحو.

وأبو نصر بن الزبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك اللابعي اليماني البغدادي. ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من أبي علي الرحبي وجماعة. توفي في سلخ جمادى الأولى.

وابن الجميزي العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة ابن المسلم اللخمي المصري الشافعي المقرئ الخطيب. ولد سنة تسع وخمسين بمصر حفظ الختمة سنة تسع وستين ورحل به أبوه فسمعه بدمشق من ابن عساكر وببغداد من شهدة وجماعة. وقرأ القراءات على أبي الحسن البطائحي وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه. وسمع بالإسكندرية من السلفي وتفرد في زمانه ورحل إليه الطلبة ودرس وأفتى وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية. توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة.

والسديد أبو القاسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرئ إمام جامع الحاكم. قرأ القراءات على الشاطبي وأقرأها مدة. توفي في شوال عن ثمانين سنة. قرأعليه غير واحد.

وابن المني المفتي الإمام سيف الدين أبو المظفر محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي الحنبلي. روى عن شهدة وعبد الحق وجماعة وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المني وقرأ القراءات على أبي بكر بن الباقلاني وتوفي في جمادى الآخرة وهو في عشر التسعين.

وجمال الدين بن مطروح الأمير الصاحب أبو الحسين بن يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري صاحب الشعر الرائق. ولد سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة وبرع في الأدب وخدم الملك الصالح وأقام عنده بحصن كيفا وسنجار ثم ولي نظر الخزانة بمصر في أيامه وعمل وزارة دمشق سنة ثلاث وأربعين ولبس زي الأمراء. ثم عزله سنة ست لأمور بدت منه. توفي في شعبان.

سنة خمسين وستمائة

فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوائدهم.

وفيها توفي الرشيد بن مسلمة أبو العباس أحمد بن المفرج بن علي الدمشقي ناظر الأيتام. ولد سنة خمس وخمسين وخمس مائة وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي وهبة الله بن الدقاق وابن البطي والكبار. وتفرد في وقته وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة توفي في ذي القعدة.

والكمال إسحاق بن أحمد المعري الشافعي المفتي تلميذ ابن الصلاح. كان إماما بارعا زاهدا عابدا. توفي بالرواحية.

والصغاني العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن ابن حيدر العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد. ولد سنة سبع وسبعين وخمس مائة بلوهور ونشأ بغزنة وقدم بغداد وذهب في الرسلية غير مرة وسمع بمكة من أبي الفتوح بن الحصري وببغداد من سعيد بن الرزاز. وكان إليه المنتهى في معرفة علم اللغة. له مصنفات كبار في ذلك وله بصر بالفقه والحديث مع الدين والأمانة. توفي في شعبان وحمل إلى مكة فدفن بها.

ومحمد بن سعد بن عبد السلام شمس الدين الأنصاري المقدسي الصالحي الأديب الكاتب. ولد سنة إحدى وسبعين وخمس مائة وسمع من أحمد بن الموازيني ويحيى بن الثقفي وجماعة. وكان متشيعا بليغا وشاعرا محسنا ودينا صينا. توفي في شوال.

وسعد الدين بن حمويه الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله بن علي الصوفي صاحب أحوال ورياضيات وله أصحاب ومريدون وله كلام على طريقة الاتحاد. سكن سفح قاسيون مدة ثم رجع إلى خراسان فتوفي هناك.

وهبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين أبو البركات المقدسي ثم الإسكندراني الشافعي ويعرف بابن الواعظ. من عدول الثغر. روى عن السلفي قليلا وعاش إحدى وثمانين سنة، توفي في صفر.

وابن قميرة المؤتمن أبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم ابن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي. التاجر السفار بعد التاجر مسند العراق. ولد سنة خمس وستين وخمس مائة وسمع من شهدة وتجني وعبد الحق وجماعة وحدث في تجارته بمصر والشام. توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى.

سنة إحدى وخمسين وستمائة

دخلت وسلطان مصر هو الملك الأشرف يوسف بن صلاح الدين يوسف بن الملك المسعود أقسس بن الكامل وأتابكه المعز أيبك.

وفيها توفي الجمال بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجود. كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة. وله شعر وأدب. أخذ عن الكندي وفتيان الشاغوري. توفي بدمشق في ربيع الآخر.

والملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب عين تاب. ولد سنة ست مائة وإنما أخروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل. وقد تزوج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك العادل. وكان مهيبا وصالح بن شجاع بن محمد بن سيدهم أبو التقا المدلجي المصري المالكي الخياط راوي صحيح مسلم عن أبي المفاخر المأموني. كان صالحا متعففا. توفي في المحرم.

والسبط جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ثم الإسكندراني. ولد سنة سبع وسبعين وخمس مائة وسمع من جده السلفي الكثير ومن بدر الجذداذي وعبد المجيد بن دليل وجماعة وأجاز له عبد الحق وشهدة وخلق وانتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية. وكان عريا من العلم. توفي في رابع شوال بمصر.

وابن الزملكاني العلامة كمال الدين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبي محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الشافعي. صاحب علم المعاتي والبيان. كان قوي المشاركة في فنون العلم خيرا متميزا وكان سريا. ولي قضاء صرخد ودرس مدة ببعلبك. وتوفي بدمشق في المحرم. وله نظم رائق.

والشيخ عثمان شيخ دير ناعس ابن محمد بن عبد الحميد البعلبكي الزاهد القدوة العدوي. صاحب أحوال وكرامات ومجاهدات من مريدي الشيخ عبد الله اليونيني. توفي في شعبان.

وأبو الحسن بن قطرال بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي. سمع عبد الحق بن توبة وأبا القاسم ابن الشراط وناظر على ابن أبي العباس بن مضاء وقرأ العربية وولي قضاء شاطبة. ثم ولي قضاء قرطبة وولي قضاء فاس. وكان يشارك في عدة علوم وينفرد ببراعة البلاغة. توفي بمراكش في ربيع الأول وله ثمان وثمانون سنة.

والشيخ محمد ابن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني. خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة. وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر. توفي في رجب.

سنة اثنتين وخمسين وستمائة

فيها تسلطن الملك المعز أيبك وشال من الوسط الملك الأشرف. وذلك بعد ما قتل الفارس أقطايا وهربت البحرية إلى الشام ورأسهم سيف الدين بلبان الرشيدي وركن الدين بيبرس البندقداري. فبالغ الملك الناصر في إكرامهم وقووا عزمه ولزوه في المسير إلى مصر ليأخذها فإن العسكر مختبط. فجهز جيشا عليهم تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين. فساروا إلى غزة فخرج صاحب مصر المعز وقصدهم فلم يتم حال.

وفيها توفي الرشيد العراقي أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي بدار الطعم. كان أبوه فقيها مشهورا. سكن دمشق واستجاز لابنه من شهدة والسلفي وطائفة. فروى الكثير بالإجازة. توفي في نصف جمادى الأولى.

وأقطايا الأمير فارس الدين التركي الصالحي النجمي. كان موصوفا بالشجاعة والكرم. اشتراه الصالح بألف دينار. فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك المعز بالغ أقطايا في الإدلال والتجبر وبقي يركب ركبة ملك تزوج بابنة صاحب حماة وقال للمعز: أريد أعمل العرس في قلعة الجبل فأخلها لي. وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال. فاتفق المعز وزوجته شجرة الدر عليه ورتبا من قتله. وأغلقت أبواب القلعة. فركبت مماليكه وكانوا سبع مائة وأحاطوا بالقلعة فألقي إليهم رأسه فهربوا وتفرقوا. وكان قتله في شعبان.

وشمس الدين الخسروشاهي أبو محمد عبد الحميد بن عيسى التبريزي المتكلم. ولد سنة ثمانين وخمس مائة ورحل فاشتغل على فخر الدين الرازي وسمع من المؤيد الطوسي وتقدم في علم الأصول والعقليات وقدم الشام وأقام مدة بالكرك عند الناصر. وله يد طولى في الفلسفة. توفي في الخامس والعشرين من شوال.

ومجد الدين بن تيمية شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد الحراني الحنبلي. ولد على رأس التسعين وخمس مائة ورحل إلى بغداد وهو مراهق في صحبة ابن عمه السيف عبد الغني. فقرأ القراءات على عبد الواحد بن سلطان وسمع من عبد الوهاب بن سكينة وضياء ابن الخريف وطائفة. وتفقه على أبي بكر ابن غنيمة وانتهى إليه معرفة المذهب. كان يتوقد ذكاء. رحمه الله. توفي في يوم عيد الفطر.

وعيسى بن سلامة بن سالم أبو الفضل الحراني الخياط المعمر. ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمس مائة وسمع من أحمد بن الوفاء الصائغ. وأجاز له ابن البطي وأبو بكر بن النقور ومحمد بن محمد بن السكن وجماعة. وانفرد بالرواية عنهم. نوفي في أواخر هذه السنة.

والناصح فرج بن عبد الله الحبشي الخادم مولى أبي حعفر القرطبي وعتيق المجد البهنسي. سمع الكثير من الخشوعي والقاسم وعدة. وكان صالحا كيسا متيقظا. وقف كتبه وعاش قريبا من ثمانين سنة. توفي في شوال.

والكمال محمد بن طلحة أبو سالم النصيبيني الشافعي المفتي. رحل وسمع بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية وكان رئيسا محتشما بارعا في الفقه والخلاف. ولي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه. توفي بحلب في رجب وقد جاوز السبعين وله دائرة الحروف ضلال وبلية.

ومحمد بن علي بن بقاء أبو البقاء بن السباك البغدادي. سمع من أبي الفتح بن شاتيل ونصر الله القزاز وجماعة. توفي في شعبان.

والسديد مكي بن المسلم بن مكي بن خلف بن علان القيسي الدمشقي المعدل آخر أصحاب الحافظ أبي القاسم بن عساكر وفاة. وتفرد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز وأبي المعالي بن خلدون. توفي في العشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة.

سنة ثلاث وخمسين وستمائة

فيها توفي الشهاب القوصي أبو المحامد وأبو العرب إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي الشافعي وكيل بيت المال. ولد في المحرم سنة أربع وسبعين بقوص ورحل إلى مصر سنة تسعين ثم إلى دمشق فسكنها. روى عن إسماعيل بن ياسين والأرتاحي والخشوعي وخلق كثير. وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات كبار فيه غلظ كثيرز وكان أديبا أخباريا فصيحا مفوها بصيرا بالفقه. توفي في ربيع الأول ودفن بداره التي وقفها دار حديث.

وسيف الدين القيمري صاحب المارستان بالجبل. كان من جملة الأمراء وأبطالهم المذكورين. توفي بنابلس ونقل فدفن بقبته التي بإزاء المارستان.

وصقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر المفتي الإمام المعمر ضياء الدين أبو محمد الكلبي الشافعي. ولد قبل الستين وخمس مائة وروى عن يحيى الثقفي وجماعة. نوفي في صفر بحلب.

والنظام البلخي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفي نزيل حلب. ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وتفقه بخراسان وسمع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي. وكان فقيها مفتيا بصيرا بالمذهب. توفي بحلب في جمادى الآخرة.

والنور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرئ بالألحان. ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمس مائة وسمع بالقاهرة من التاج المسعودي واجتمع بالسلفي وأجاز له. وسمع بالإسكندرية في سنة خمس وسبعين من المطهر الشحامي. توفي في الرابع والعشرين من ربيع الآخر وكان صالحا خيرا.

سنة أربع وخمسين وستمائة

فيها كان ظهور النار بظاهر المدينة النبوية. وكانت آية من آيات ربنا الكبرى. لم يكن لها حر على عظمها وشدة ضوئها. وهي التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى وبقيت أياما وظن أهل المدينة أنها القيامة وضجوا إلى الله بالدعاء وتواتر أمر هذه الاية.

وفيها كان غرق بغداد. وزادت دجلة زيادة ما سمع بمثلها وغرق خلق كثير ووقع شيء كثير من الدور وأهلها وأشرف الناس على الهلاك وبقيت المراكب تمر في أزقة بغداد وركب الخليفة في مركب وابتهل الخلق إلى الله بالدعاء.

وفي أول رمضان احترق مسجد النبي ﷺ من مسرجة القوام وأتت النار على جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس. واحترق سقف الحجرة ووقع بعضه في الحجرة.

وفيها كان خروج الطاغية هولاوو. فأخذ قلعة الألموت وغيرها وغاث بنواحي الري وسار ناجونورين بأمره إلى الروم. فهرب صاحبها. وملكت التتار سائر الروم بالسيف. وتوجه الكامل محمد بن غازي صاحب ميافارقين إلى خدمة هولاوو فأكرمه وأعطاه الفرمان. ثم نزل هولاوو أذربيجان عازما على قصد العلاق. فجاء رسول الخلافة الباذرائي إلى الناصر بأن يصالح المعز ويتفقا على حرب التتار. فأجاب الناصر وأمر عسكره بالمجيء من غزة.

وفيها توفي ابن وثيق شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الإشبيلي المجود الحاذق. ولد سنة سبع وستين وخمس مائة وذكر أنه قرأ القراءات السبع بالكافي وغيره سنة سبع وتسعين علي غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح وأن أبا عبد الله بن زرقون أجاز له. فروى عنه التيسير بالإجازة. قال: أنبأنا أحمد بن محمد الخولاني عن الداني. تنقل ابن وثيق في البلاد وأقرأ بالموصل والشام ومصر. وكان عالي الإسناد. توفي بالإسكندرية في ربيع الآخر.

والعماد بن النحاس الأصم أبو بكر بن عبد الله بن أبي المجد الحسن ابن الحسن بن علي الأنصاري الدمشقي. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون. وكان آخر من روى عنه ومن الفضل ابن البانياسي ويحيى الثقفي وجماعة. وسمع بنيسابور من منصور الفراوي، وبأصبهان من علي بن منصور الثقفي. وكان ثقة خيرا نبيلا به صمم مفرط. سمع الناس من لفظه ومات في الثاني والعشرين من صفر.

ونجم الدين الرازي العارف شيخ الطريق أبو بكر عبد الله بن محمد بن شاهاور الأسدي الصوفي. ولد سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة وأكثر التطواف والأسفار وصحب الشيخ نجم الدين الكبرى الخيوقي وسمع الكثير من منصر الفراوي وأبي بكر عبد الله بن إبراهيم الشحاذي وطبقتهما. وهو من شيوخ الدمياطي توفي ببغداد في شوال.

وشمس الدين عبد الرحم بن نوح بن محمد المقدسي مدرس الرواحية وأجل أصحاب ابن الصلاح وأعرفهم بالمذهب. توفي في ربيع الآخر وقد تفقه به جماعة.

والشيخ عيسى بن أحمد بن إلياس اليونيني الزاهد صاحب الشيخ عبد الله. زاهد عابد صوام قوام خائف قانت متبتل منقطع القرين صاحب أحوال وإخلاص غلا أنه كان حاد النفس. ولذلك قيل له سلاب الأحوال. وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله. توفي في ذي القعدة ودفن بزاويته بيونين. وكان كلمة إجماع بين البعلبكيين.

وابن المقدسية شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل الإسكندراني المالكي. ولد في أول سنة ثلاث وسبعين وأحضره خاله الحافظ ابن المفضل قراءة المسلسل بالأولية عند السلفي. واستجازه له ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره. توفي في جمادى الولى. وله مشيخة خرجها منصور بن سليم الحافظ.

والكمال بن الشعار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي مؤلف عقود الجمان في شعراء الزمان توفي بحلب.

ومجير الدين يعقوب ابن الملك العادل. أجاز له أبو روح الهروي وطائفة ويلقب باملك المعز. توفي في ذي القعدة. ودفن بالتربة عند أبيه.

وابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأغلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري الحنفي سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي. سمّعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة. وقدم دمشق سنة سبع وست مائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه. وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة. ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا. توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجة. وكان وافر الحرمة عند الملوك.

سنة خمس وخمسين وستمائة

وفيها ترددت رسل هولاوو وفر أمينه إلى بغداد إلى ناس بعد ناس والمستعصم لايدري بشيء ولو درى لما درأ.

وفي رمضان بعث الملك الناصر ولده الملك العزيز وهو صبي مع ثقة الدين الحافظي في الرسلية إلى هولاوو بتحف وتقادم.

وفيها كانت فتنة السنة والرافضة ببغداد أدت إلى نهب وخراب وقتل جماعة وذلت الرافضة وأوذوا.

وفيها غضب الملك الناصر من البحرية وتخوفهم وقطع أخبازهم ففارقوه وساروا إلى غزة وانتموا إلى الملك المغيث صاحب الكرك وخطبوا له بالقدس. ثم حصل انتصار عليهم فانهزموا إلى البلقاء ثم ساروا إلى مصر وخربوا بلادها.

وفيها توفي ابن باطيش العلامة عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد الموصلي الشافعي. ولد سنة خمس وسبعين وسمع ببغداد من ابن الجوزي وطائفة وبحلب من حنبل ودرس وأفتى وصنف له كتاب طبقات الشافعية وكتاب المغني في غريب المهذب. وكان عارفا بالأصول قوي المشاركة في العلوم. توفي في جمادى الآخرة.

والمعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي صاحب مصر جهاشنكير الملك الصالح. كان ذا عقل ودين وترك للمسكر. تملك في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين. ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن أقسيس وله عشر سنين، وبقي المعز أتابكه. وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعز. فكان يخرج التوقيع وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي. ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة وجرت لأيبك أمور إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل. فعادت أم خليل وقتلته في الحمام فقتلوها وملكوا ولده عليا وله خمس عشرة سنة. وصار أتابكه علم الدين سنجر الحلبي. وذلك في ربيع الأول ومات المعز كهلا.

وشجرة الدر أم خليل كانت بارعة الحسن ذات ذكاء وعقل ودهاء. فأحبها الملك الصالح. ولما توفي أخفت موته وكان تعلم بخطها علامته. ونالت من السعادة أعلى الرتب بحيث أنها خطب لها على المنابر وملكوها عليهم أياما فلم يتم ذلك. وتملك المعز وتزوج بها. وكانت ربما تحكم عليه. وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة. وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة ثم دفنت بتربتها.

والباذرائي العلامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي. ولد سنة أربع وتسعين وسمع من عبد العزيز بن منينا وجماعة. وبرع في المذهب ودرس بالنظامية ثم ترسل عن الخلافة غير مرة. وبنى بدمشق مدرسة كبيرة. وولي في آخر أيامه قضاء العراق خمسة عشر يوما. ومات في أول ذي القعدة. وكان متواضعا دمث الأخلاق سريا محتشما. عافاه الله من كائنة التتار.

واليلداني المحدث المسند تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن الشافعي. ولد بيلدان في أول سنة ثمان وستين وطلب الحديث وقد كبر فرحل وسمع من ابن كليب وابن بوش وطبقتهما. وكتب الكثير وذكر أن النبي ﷺ قال له في النوم: أنت رجل جيد. توفي بقريته، وكان خطيبها، في ثامن ربيع الأول.

والمرسي العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل اسلمي الأندلسي المحدث المفسر النحوي. ولد سنة سبعين في أولها وسمع الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان وسمع الكثير من منصور الفراوي وأبي روح والكبار. وكان كثير الأسفار والتطواف جماعة لفنون العلم ذكيا ثاقب الذهن وله تصانيف كثيرة مع زهد وورع وفقر وتعفف.

سئل عنه الحافظ الضياء فقال: فقيه مناظر نحوي من أهل السنة، صحبنا وما رأينا منه إلا خيرا. قلت: توفي في نصف ربيع الأول في الطريق ودفن بتل الزعقة.

سنة ست وخمسين وستمائة

كان المؤيد بن العلقمي قد كاتب التتار وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي. وظن المخذول أن الأمر يتم وأنه يقيم خليفة علويا. فأرسل أخاه ومملوكه إلى هولاوو وسهل عليه أخذ بغداد وطلب أن يكون نائبا لهم عليها فوعدوه بالأماني، وساروا. فأخذ لؤلؤ صاحب الموصل يهيء للتتار الإقامات ويكاتب الخليفة سرا. فكان ابن العلقمي قبحه الله لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة مع أنها لو وصلت لما أجدت لأن الخليفة كان يرد الأمر إليه. فلما تحقق الأمر بعث ولد محيي الدين بن الجوزي رسولا إلى هولاوو، يعده بالأموال. فركب هولاوو في خلق من التتار والكرج ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسماعيل. فخرج ركن الدين الدويدار، فالتقى ناجو أنوين وكان على مقدمة هولاوو فانكسر المسلمون. ثم سار ناجو فنزل من غربي بغداد ونزل هولاوو من شرقيها. فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أني أخرج إليهم في تقرير الصلح. فخرج الخبيث وتوثق لنفسه ورجع، فقال: إن الملك قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر وأن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الموك السلجوقية ثم يترحل. فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة. ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه فخرجوا. فضربت رقاب الجميع. وصار كذلك تخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع. ثم دخلت حينئذ التتار بغداد وبذلوا السيف واستمر القتل والسبي نيفا وثلاثين يوما. فقل من نجا. فيقال إن هولاوو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمان مائة ألف وكسر، فعند ذلك نودي بالأمان. ثم أمر هولاوو بناجو أنوين فضربت عنقه لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة. وأرسل رسولا إلى الناصر صاحب الشام يهدده إن لم يخرب أسوار بلاده. واشتد الوباء بالشام ولا سيما بدمشق وحلب لفساد الهواء.

وفيها توفي أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري المالكي المحدث الشاهد نزيل الإسكندرية. كان من كبار الأئمة. ولد سنة ثمان وسبعين وخمس مائة وسمع بالمغرب من جماعة واختصر الصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصر مسلم. توفي في ذي القعدة.

وابن الحلاوي الأديب شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محم بن أبي الوفاء الربعي الموصلي الجندي الشاعر المشهور. مدح الملوك والكبار وعاش ثلاثا وخمسين سنة. وكان في خدمة صاحب الموصل.

والكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المقدسي الشافعي المفتي الذي تفقه عليه الشيخ محيي الدين النوري. كان عالما عاملا. توفي في ذي القعدة.

والزعبي أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي المراتبي الحمامي. روى كتاب الشكر عن ابن شاتيل ومات في المحرم ببغداد.

والصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك بن محمد التميمي النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي الحافظ. ولد سنة أربع وسبعين وخمس مائة وسمع بمكة من عمر الميانشي وبدمشق من ابن طبرزد وبخراسان من أبي روح وبأصبهان من أبي الفرج بن الجنيد. وكتب الكثير وعني بهذا الشأن أتم عناية. وجمع وصنف. وشرع في مسودة ذيل على تاريخ ابن عساكر. وولي مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق. وعظم في دولة المعظم ثم فتر سوقه وابتلى بالفالج قبل موته بأعوام. ثم تحول إلى مصر فتوفي بها في حادي عشر ذي الحجة. ضعفه بعضهم. وقال الزكي البرزالي: كان كثير التخليط.

والشرف الإربلي العلامة أبو عبد الله الحسين بن غبراهيم الهذباني الشافعي اللغوي. ولد سنة ثمان وستين بإربل وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة وحفظ على الكندي خطب ابن نباتة وديوان المتنبي ومقامات الحريري. وكان يعرف اللغة ويقرئها. توفي في ثاني ذي القعدة.

والعماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزبيدي المقدسي ثم الدمشقي اآباري خطيب بيت الآبار. ولد سنة ست وثمانين وخمس مائة وسمع من الخشوعي والفتن وطائفة. وكان فصيحا خطيبا بليغا. ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السلام صثم عزل بعد ست سنين وعاد إلى خطابة القرية. وبها توفي في شعبان ودفن هناك.

والملك الناصر داود بن المعظم بن العادل صاحب الكرك صلاح الدين أبو المفاخر. ولد سنة ثلاث وست مائة. وأجاز له المؤيد الطوسي وسمع ببغداد من أبي الحسن القطيعي. وكان حنفيا فاضلا مناظرا ذكيا بصيرا بالآداب بديع النظم كثير المحاسن. ملك دمشق بعد أبيه ثم أخذها منه عمه الأشرف فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى وعشرين سنة ثم عمل عليه ابنه وسلمها إلى صاحب مصر الصالح. وزالت مملكته. توفي بظاهر دمشق بقرية البويضا ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى. وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده مدة. وكان جوادا ممدحا.

والبهاء زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصاحب المنشئ أبو الفضل وأبو العلاء الأزدي المهلبي المكي ثم القوصي الكاتب. وله ديوان مشهور. ولد سنة إحدى وثمانين وخمس مائة بمكة. كتب الإنشاء للملك الصالح نجم الدين ببلاد الشرق فلما تسلطن بلغه أرفع المراتب ونفذه رسولا. ولما مرض بالمنصورة تغير عليه وأبعده. وكان سريع التخيل والغضب والمعاقبة عى الوهم ثم اتصل البهاء بالناصر صاحب الشام وله فيه مدائح. وكان ذا مروءة ومكارم. توفي بمصر في ذي القعدة.

والمستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور ابن الظاهر محمد بن الناصر العباسي آخر الخلفاء العراقيين. وكانت دولتهم خمس مائة سنة وأربعا وعشرين سنة. ولد أبو أحمد سنة تسع وست مائة في خلافة جد أبيه وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وسمع من علي بن النيار الذي لقنه الختمة. روى عنه محيي الدين بن الجوزي ونجم الدين الباذرائي بالإجازة. واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين. وكان حليما كريما سليم الباطن قليل الرأي حسن الديانة مبغضا للبدعة في الجملة. وختم له بخير فإن الكافر هولاوو أمر به وبولده أبي بكر فرفسا حتى ماتا وذلك في حدود آخر المحرم. وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرخ لموته أو موار لجسده. وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين.

والكفرطابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان القواس الرامي الأستاذ. ولد سنة سبع وسبعين وسمع الكثير من يحيى الثقفي وعمر دهرا. توفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق.

وابن صديق أبو العز عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني المؤدب وهو بكنيته أشهر ولهذا سماه بعضهم ثابتا. سمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وحدث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى.

وعبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة الحافظ الكبير زكي الدين أبو محمد المنذري الشامي ثم المصري الشافعي صاحب التصانيف، ولد سنة إحدى وثمانين وخمس مائة وسمع من الأرتاحي وأبي الجود وابن طبرزد وخلق. وتخرج بأبي الحسن علي بن المفضل ولزمه مدة. وله معجم كبير مروي. ولي مشيخة الكاملية مدة وانقطع بها نحوا من عشرين سنة مكبا على العلم والإفادة. وكان ثبتا حجة متبحرا في علوم الحديث عارفا بالفقه والنحو مع الزهد والورع والصفات الحميدة. توفي في رابع ذي القعدة.

وابن خطيب القرافة أبو عمر عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ. كان له إجازة من السلفي فروى بها الكثير وتوفي في ثالث ربيع اآخر عن أربع وثمانين سنة.

والشاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية. سكن الإسكندرية وصحبه بها جماعة. وله عبارات في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الإعتذار عنها وعنه أخذ الشيخ أبو العباس المرسي. توفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجها إلى بيت الله في أوائل ذي القعدة.

وسيف الدين المشد صاحب الديوان المشهور الأمير أبو الحسن علي بن المظفر بن القاسم الربعي النشبي الدمشقي نائب الحسبة. سمع الكثير من الخشوعي والقاسم بن عساكر وخلق. وكان فصيحا طيب الصوت بالقراءة كتب الكثير وكان يؤدب. ثم صار شاهدا. توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين.

والشيخ علي الخباز الزاهد أحد مشايخ العراق. له زاوية وأتباع وأحوال وكرامات. قتل شهيدا.

وابن عوة أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري التاجر السفار العدل. حدث بدمشق عن البوصيري. توفي في ذي الحجة. وكان صالحا.

والموفق بن أبي الحديد أبو المعالي القاسم بن هبة الله بن محمد بت محمد المدائني المتكلم الأشعري الكاتب المنشئ البليغ. توفي ببغداد في رجب. وله شعر جيد.

وشعلة الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي المقرئ العلامة الذي اختصر الشاطبية. كان شابا فاضلا صالحا محققا يتوقد ذكاء. عاش ثلاثا ومانين سنة، وتوفي بالموصل في صفر.

وابن الجرج أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني المالكي. نزيل الثغر. كان من صلحاء العلماء. سمع بسبتة الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله الحجري. توفي في ذي القعدة عن اثنتين وتسعين سنة.

وخطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بت أبي الفتح المقدسي النابلسي الحنبلي. ولد بمردا سنة ست وستين وخمس مائة ظنا وتفقه بدمشق وسمع من يحيى الثقفي وأحمد الموازيني وبمصر من البوصيري وغير واحد. وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجة.

والفاسي الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرئ مصنف شرح الشاطبية. قرأعلى رجلين قرءا على الشاطبي. وكان فقيها بارعا متفننا متين الديانة جليل القدر. تصدر للإقراء بحلب مدة. وتوفي في ربيع الآخر.

وابن العلقمي الوزير المبير مؤيد الدين محمد بن محمد بن علي بن أبي طالب البغدادي الرافضي. ولي وزارة العراق أربع عشرة سنة. وكان ذا حقد وغل على أهل السنة. قرر مع التتار أمورا انعكست عليه وأكل يده ندما، وبقي بعد تلك الرتبة الرفيعة يركب اكديشا فصاحت امرأة: يا ابن العلقمي، أهكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين؟ ولي وزارة التتار على بغداد مشاركا لغيره ثم مرض بعد قليل ومات غما وغبنا. وكان الذي حمله على مكاتبة هولاوو عداوة الدويدار وأبي بكر بن المستعصم وما اعتمداه من نهب الكرخ وأذية الشيعة. هلك قبل رجب من السنة. ومات بعده ابنه.

وابن صلايا الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة بإربل. كان من رجال الدهر عقلا ورأيا وهيبة وحزما وجودا سؤددا. قتله هولاوو في ربيع الآخر بقرب تبريز.

وابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي بن الحسن بت علي ابن هبة الله بن غزال الواسطي المقرئ التاجر السفار. ولد سنة إحدى وستين وخمس مائة بواسط قرأ القراءات على أبي بكر بن الباقلاني وأتقنها. وتفقه وكان آخر من حدث عن أبي طالب الكتاني. ذكر الفاروثي أنه عاش إلى حدود هذه السنة.

وابن الشقيشقة المحدث نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز مظفر بن عقيل الشيباني الدمشقي الصفار الشاهد. ولد بعد الثمانين وخمس مائة وسمع من حنبل وابن طبرزد وخلق كثير وروى مسند أحمد. وكان أديبا ظريفا مليح البزة. رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدين. توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث.

والصرصري الشيخ العلامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري الأصل البغدادي الحنبلي الضرير. كان إليه المنتهى في معرفة اللغة وحسن الشعر. وديوانه ومدائحه سائرة. قيل إنه قتل تتاريا بعكازه ثم استشهد. وله ثمان وستون سنة.

ومحيي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي أستاذ دار المستعصم بالله. ولد سنة ثمان وخمس مائة سمع من ذاكر بن كامل وابن بوش وطائفة. قرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني. وكان كثير المحفوظ قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة. ضربت عنقه هو وأولاده تاج الدين والمحتسب جمال الدين وشرف الدين في صفر.

سنة سبع وخمسين وستمائة

فيها نزل هولاوو على آمد وبعث رسله إلى صاحب ماردين. فبعث ولده الملك المظفر بالتقادم فقبض عليه هولاوو.

وفي آخرها اشتدت الأراجيف بحركة هولاوو إلى الشام وهرب الخلق. فقبض قطز المعزي على ابن أستاذه الملك المنصور علي وتسلطن ولقب بالملك المظفر لحاجة الوقت إلى ملك كاف. وأول من جاوز الفرات أشموط ابن هولاوو في ذي الحجة. ثم نازلوا حلب فناوشهم أهلها وجندها القتال. فهربوا لهم ثم كروا عليه فقتلوا خلقا واشتد الخطب وحار الناصر في نفسه.

وفيها توفي أبو العباس بن مامتيت أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي المحدث المعمر نزيل القاهرة.

كان صالحا عالما خيرا. روى بالإجازة العامة عن أبي الوقت. قال الشريف عز الدين:

وأبو الحسين بن السراج المحدث الكبير مسند المغرب أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي. ولد سنة ست وخمس مائة. وسمع من ابن بشكوال وأبي عبد الله بن زرقون وعبد الحق بن بونة وطائفة. وتفرد في زمانه. وكانت الرحلة إليه بالمغرب. توفي في سابع صفر.

والصدر بن المنجا واقف المدرسة الصدرية الرئيس أبو الفتح أسعد ابن عثمان بن وجيه الدين أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي المعدل. ولد سنة ثمان وتسعين وخمس مائة وروى عن ابن طبرزد. توفي في رمضان ودفن بمدرسته.

وابن اللمط شمس الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري. رحل وسمع من ابن دحية وسمع من أبي جعفر الصيدلاني وعبد الوهاب بن سكينة. توفي في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة.

وصاحب الموصل الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ الأرمني الأتابكي مملوك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل. كان مدبر دولة أستاذه وبدولة ولده القاهر مسعود. فلما مات القاهر سنة خمس عشرة أقام بدر الدين ولدي القاهر صورة وبقي أتابكا لهما مدة ثم استقل بالسلطنة. وكان حازما شجاعا مدبرا خبيرا. توفي في شعبان وقد نيف على الثمانين. وانخرم نظام بلده من بعده.

وابن الشيرجي الصدر نجم الدين مظفر بن محمد بن إلياس الأنصاري الدمشقي. ولي تدريس العصرونية والوكالة. وحدث عن الخشوعي وجماعة. وولي أيضا الحسبة ونظر الجامع. توفي في آخر السنة.

ويوسف القميني الموله، الذي يعتقد فيه العامة أنه ولي، وحجتهم الكشف والكلام على الخواطر. وهذا شيء يقع من الكاهن والراهب والمجنون الذي له قرين من الجن. وقد كثر هذا في عصرنا والله المستعان. وكان يوسف يتنجس ببوله ويمشي حافيا ويأوي إلى قمين حمام نور الدين ولا يصلي.

سنة ثمان وخمسين وستمائة

في المحرم قطع هولاوو الفرات ونهب نواحي حلب. فراسل متوليها المعظم تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين بأنكم تضعفون عنا ونحن نقصد سلطانكم الناصر، فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد، فإن انتصر عليها السلطان فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا ويكونون آمنين. فأبى عليه تورانشاه. فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة وعرض أربعة أذرع وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع ونصبوا عشرين منجنيقا وألحوا بالرمي وشرعوا في نقب السور. وفي تاسع صفر ركبوا الأسوار ووضعوا السيف يومهم ومن الغد. وأحمي في حلب أماكن سلم فيها نحو خمسين ألفا واستتر خلق وقتل أمم لا يحصون وبقي القتل والسبي خمسة أيام. ثم نودي برفع السيف وأذن المؤذن يومئذ يوم الجمعة بالجامع وأقيمت الجمعة بأناس ثم أحاطوا بالقلعة وحاصروها. ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق فهرب الناصر ودخلت يومئذ رسل هولاوو وقرئ الفرمان بأمان دمشق. ثم وصل نائب هولاوو فتلقاه الكبراء وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هولاوو فسير إليهم شحنة. وسار صاحبها والناصر إلى نحو غزة وعصت قلعة دمشق فحاصرتها التتار وألحوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق. وطلب أهلها الأمان فأمنوهم وسكنها النائب كتبغا وتسلموا بعلبك وقلعتها. وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف ثم ظفروا بالملك وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هولاوو. فرعى له مجيئه وبقي في خدمته أشهرا ثم قطع الفرات راجعا وترك الشام فرقة من التتار. وأما المصريون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان. وثارت النصارى بدمشق ورفعت رؤوسها ورفعوا الصليب ومروا به وألزموا الناس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان. ووصل جيش الإسلام عليهم الملك المظفر وعلى مقدمتهم ركن الدين البندقداري. فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان. ونصر الله دينه وقتل في المصاف مقدم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول. ووقع بدمشق النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيسة لهم. وعيد المسلمون على خير عظيم. وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب وخلت من القوم الشام وطمع البندقداري في أخذ حلب. كان وعده بها الملك المظفر ثم رجع فتأثر وأضمر الشر. فلما رجع المظفر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداري أيضا الشر فوافق ركن الدين على مراده عدة أمراء. وكان الذي ضربه بالسيف فحل كتفه بكتوت الجوكندار المعزي ثم رماه بهادر المعزي بسهم قضى عليه وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية. وتسلطن ركن الدين البندقداري الملك الظاهر. وأما نائب دمشق علم الدين الحلبي فحلف الأمراء لنفسه ولقب الملك المجاهد. وخطب له بدمشق مع الملك الظاهر.

وفي آخر السنة كرت التتار على حلب واندفع عسكرها بين أيديهم. فدخلوا إليها وأخرجوا من بها إلى قربين وأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف.

وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي. ولد سنة تسعين وخمس مائة وسمع من الخشوعي وجماعة. وتفقه على أبيه قاضي القضاة شمس الدين وعلى فخر الدين بن عساكر. وقل من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله. ناب عن أبيه وولي نيابة بيت المال ودرس بالإقبالية والجاروخية. وولي القضاء مدة. رجع من عند هولاوو متمرضا. وأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة. وله ثمان وستون سنة.

وإبراهيم بن خليل نجيب الدين أبو إسحاق الدمشقي الأدمي. ولد سنة خمس وسبعين وسمعه أخوه من عبد الرحمن بن علي الخرقي ويحيى الثقفي وجماعة وحدث بدمشق وحلب وعدم بها في صفر.

وتمام المسروري أبو طالب بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي ولد سنة سبع وسبعين وسمع من يحيى الثقفي. توفي في رجب.

وتورانشاه المعظم أبو المفاخر ابن السلطان الكبير صلاح الدين. ولد سنة سبع وسبعين وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وأجاز له عبد الله بن بري وكان السلطان يجله ويتأدب معه. سلم قلعة حلب لما عجز بالأمان. أدركه الموت إثر ذلك. فتوفي في ربيع الأول وله ثمانون سنة.

والملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل صاحب الصبيبة وبانياس. تملك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظاهر إلى سنة بضع وأربعين. فأخذ الصبيبة منه الملك الصالح وأعطاه إمرة بمصر، فلما قتل المعظم بن الصالح ساق إلى غزة وأخذ ما فيها وأتى الصبيبة فتسلمها. فلما تملك الناصر دمشق قبض عليه وسجنه بالبيرة. فلما أخذ هولاوو البيرة أحضر إليه بقيوده وخلع عليه بسراقوس وصار منهم. وسلموا إليه الصبيبة. وبقي في خدمته كتبغا بدمشق. وكان بطلا شجاعا، قاتل يوم عبن جالوت. فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفر فضرب عنقه.

والمحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي المحدث مفيد الجبل. روى عن الشيخ الموفق وابن البن وابن الزبيدي. ورحل إلى بغداد فسمع من ابن القبيطي وعلي بن أبي الفخار وطبقتهما. وكتب الكثير وعني بالحديث أتم عناية. توفي في جمادى الآخرة وله أربعون سنة.

وابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي. سمع من يحيى الثقفي وابيه وعبد الرزاق النجار وأجاز له السلفي وطائفة. توفي في أواخر صفر.

والعماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي الجماعيلي الحنبلي المؤدب. سمع من وابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن ابن الحسين الحلبي الشافعي. روى عن يحيى الثقفي وابن طبرزد. ودرس وأفتى. عذبه التتار على المال حتى هلك في الرابع والعشرين من صفر.

والملك المظفر سيف الدين قطز المعزي. كان بطلا شجاعا دينا مجاهدا. انكسرت التتار على يده واستعاد منهم الشام. وكان أتابك الملك المنصور على ولد أستاذه فلما رآه لايغني شيئا عزله وقام في السلطنة. وكان شابا أشقر وافر اللحية ذكر أنه قال: أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه. وأنه كان لتاجر في القصاعين بدمشق. وقبره بالقصير من رمل مصر قد عفي أثره.

وكتبغا المغلي نوين مقدم التتار ونائب الشام لهولاوو. قتله أقوش الشمسي في المصاف. وكان عظيما عند التتار معتمدا عليه لشجاعته ورأيه ودهائه وحزامنه وخبرته بالحروب والحسارات. كان هولاكو يتيمن برأيه ويحترمه. وكان شيخا مسنا كافرا يميل إلى النصارى.

والفقيه شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة بيونين. ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر ورباه الشيخ عبد الله اليونيني وتفقه على الشيخ الموفق وسمع من الخشوعي وحنبل. وكان يكرر على الجمع بين الصحيحين وكان يكرر على أكثر مسند أحمد. ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد. وكانت الملوك تقبل يده وتقدم مداسه. وكان إماما عالما علامة زاهدا خاشعا قانتا لله عظيم الهيبة منور الشيبة مليح الصورة حسن السمت والوقار. توفي في تاسع عشر رمضان ببعلبك.

والأكال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدمشقي. عاش ثمانيا وخمسين سنة. وكان صالحا خيرا مؤثرا لا يكاد يأكل لأحد شيئا إلا بأجرة. وله في ذلك حكايات.

وابن الأبار الحافظ العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي الكاتب الأديب أحد أئمة الحديث. قرأ القراءات وعني بالأثر وبرع في البلاغة والنظم والنثر. وكان ذا جلالة ورئاسة. قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرم وله ثلاث وستون سنة.

ومحمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة أبو عبد الله المقدسي الجماعيلي. سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر وعبد الرزاق النجار ويحيى الثقفي وطائفة. وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة. وهو شيخ صالح متعفف تال لكتاب الله يؤم بمسجد ساوية من عمل نابلس، فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين.

والملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن العادل صاحب ميافارقين. ملك سنة خمس وأربعين. وكان عالما فاضلا شجاعا عادلا محسنا إلى الرعية ذا عبادة وورع. ولم يكن في بيته من يضاهيه. حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فني أهل البلد بالوباء والقحط ثم دخلوا وأسروه. فضرب هولاوو عنقه بعد أخذ حلب وطيف برأسه ثم علق على باب الفراديس ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب. بلغني أن التتار دخلوا البلد فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة.

والضياء القزويني الصوفي أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة بحلب. وروى عن يحيى الثقفي. توفي في ربيع الآخر.

وابن قوام الشيخ الزاهد الكبير أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي. جد شيخنا أبي عبد الله محمد بن عمر. كات زاهدا عابدا قدوة صاحب حال وكشف وكرامات. وله رواية وأتباع. ولد سنة أربع وثمانين وخمس مائة وتوفي في سلخ رجب سنة ثمان ببلاد حلب. ثم نقل تابوته ودفن بجبل قاسيون في أول سنة سبعين. وقبره ظاهر يزار.

وحسام الدين أبو علي بن محمد بن أبي علي الهذباني الكردي. من كبار الدولة وأجلائها. وكان له اختصاص زائد بالملك الصالح نجم الدين. ناب في سلطنة دمشق له ثم في سلطنة مصر وحج سنة تسع وأربعين. ثم أصابه في آخر عمره صرع، وتزايد به حتى مات. ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة. وله شعر جيد.

وأبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي ثم المصري الحنبلي اللبان. سمع من عم جده أبي عبد الله الأرتاحي وتفرد بالإجازة من المبارك بن الطباخ. وكان صالحا متعففا. روى عنه الزكي عبد العظيم مع تقدمه. توفي بمصر في جمادى الآخرة.

سنة تسع وخمسين وستمائة

في المحرم اجتمع خلق من التتار نجوا من يوم عين جالوت والذين كانوا بالجزيرة فأغاروا على حلب ثم ساقوا إلى حمص لما بلغهم مصرع الملك المظفر، فصادفوا على حمص حسام الدين الجوكندار والمنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص في ألف وأربع مائة والتتار في ستة ألاف. فالتقوهم وحمل المسلمون حملة صادقة وكان النصر. ووضعوا السيف في الكفار قتلا حتى أبادوا أكثرهم. وهرب مقدمهم بيدرا بأسوأ حال. ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.

وأما دمشق فإن الحلبي دخل القلعة فنازله عسكر مصر وبرز إليهم وقاتلهم ثم رد. فلما كان في الليل هرب وقصد قلعة بعلبك وعصى بها. فقدم علاء الدين قيبرس الوزيري وقبض على الحلبي من بعلبك وقيده. فحبسه الملك الظاهر مدة طويلة.

وفي رجب بويع المستنصر بالله أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود وفوض الأمر إلى الملك الظاهر بيبرس. ثم قدما دمشق. فعزل عن القضاء نجم الدين ابن سني الدولة بابن خلكان. ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها. وكان أقواش البرلو قد بايع بحلب الحاكم بأمر الله. فلما قدم السلطان تسحب الحاكم. ثم اجتمع بالمستنصر وبايعه. وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم فنجا.

وفيها توفي الأرتاحي أبو العباس أحمد بن حامد بن أحمد بن حمد الأنصاري المصري الحنبلي. قرأ القراءات لى والده وسمع من جده لأمه أبي عبد الله الأرتاحي وابن ياسين والبوصيري. ولازم الحافظ عبد الغني فأكثر عنه. توفي في رجب.

وإبراهيم بن سهل الإشبيلي اليهودي شاعر زمانه بالأندلس. غرق في البحر.

والصفي بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب. ولد سنة سيع وسبعين وخمس مائة وكان متمولا وافر الحرمة وزر مرة وتوفي بمصر في ذي القعدة.

والشرف حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله ابن الحافظ عبد الغني أبو محمد المقدسي الحنبلي. ولد سنة خمس وست مائة وسمع من الكندي ومن بعده وبرع في المذهب ودرس بالجوزية مدة. توفي في المحرم.

والباخرزي الإمام القدوة الحافظ العارف سيف الدين أبو المعالي سعيد ابن المطهر صاحب الشيخ نجم الدين الكبري. كان إماما في السنة رأسا في التصوف. روى عن نجم الدين أبي الجناب وعلي بن محمد الموصلي وأبي رشيد الغزال. وخرج أربعين حديثا.

والشارعي العالم الواعظ جمال الدين عثمان بن مكي بن عثمان بن إسماعيل السعدي الشافعي. سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي والبوصيري وطبقتهما. وكان صالحا متعففا مشهورا جليلا. توفي في ربيع الآخر.

وصاحب صهيون مظفر الدين عثمان بن منكورس. تملك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة. وكان حاوما سائسا مهيبا. عمر تسعين سنة. ودفن بقلعة صهيون. وتملك بعده ابنه سيف الدين محمد.

والملك الظاهر غازي شقيق السلطان الملك الناصر يوسف. وأمهما تركية. كان مليح الصورة شجاعا جوادا. قتل مع أخيه بين يدي هولاكو.

وابن سيد الناس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله ابن محمد اليعمري الإشبيلي. ولد سنة سبع وتسعين. وعني بالحديث فأكثر وحصل الأصول النفسية وختم به معرفة الحديث بالمغرب. توفي بتونس في رجب.

والصائن النعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصوفي ولد سنة خمس وسبعين وسمع من جده لأمه هبة الله بن رمضان وظاعن الزبيري وأجاز له وفاء بن اليمني وابن شاتيل وطائفة. وله مشيخة. توفي في رجب.

والمتيجي محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى بن مغنين ضياء الدين الإسكندراني الفقيه المالكي المحدث الرجل الصالح أحد من عنى بالحديث. روى عن عبد الرحمن بن موقا فمن بعده وكتب الكثير. توفي في جمادى الآخرة.

وابن درباس القاضي كمال الدين أبو حامد محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك الماراني المصري الشافعي الضرير. ولد سنة ست وسبعين وخمس مائة فأجاز له السلفي وسمع من البوصيري والقاسم بن عساكر. ودرس وأفتى واشتغل وجالس الملوك. توفي في شوال.

ومكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزبيدي المقدسي ثم العقرباني. أجاز له عبد الرزاق النجار وسمع من الخشوعي وأبو أبيه يحيى يعيش بعد. مات في شوال.

والملك الناصر صلاح الدين بن يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين صاحب الشام. ولد سنة سبع وعشرين وست مائة وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين ودبر المملكة شمس الدين لؤلؤ والأمر كله راجح إلى جدته الصاحبة صفية ابنة العادل. ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته. فلما ماتت سنة أربعين اشتد الناصر واشتغل عنه الكامل بعمه الصالح. ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين. ثم سار هو وتملك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين فوليها عشر سنين. وفي سنة اثنتين وخمسين دخل بابنة السلطان علاء الدين صاحب الروم وهي بنت خالة أبيه العزيز. وكان حليما جوادا موطأ الأكتاف حسن الأخلاق محببا إلى الرعية فيه عدل في الجملة وقلة جور وصفح. وكان الناس معه في بلهنية من العيش لكن مع إدارة الخمر والفواحش. وكان للشعراء دولة بأيامه لأنه كان يقول الشعر ويجيز عليه ومجلسه مجلس ندماء وأدباء. خدع وعمل عليه حتى وقع في قبضة التتار فذهبوا به إلى هلاوو فأكرمه فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمر وأمر بقتله. فتذلل له وقال: ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله. فلما بلغه كسرة بيدرا على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظاهر. وقيل بل قتله في الخامس والعشرين من شوال عام ثمانية. وكان شاباص أبيض مليحا حسن الشكل بعينه قبل.

سنة ستين وستمائة

في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر وطمنوا الناس وخربوا السور. ثم بذلوا السيف تسعة أيام وأبقوا على صاحبها الملك الصالح إسماعيل بن لؤلؤ أياما ثم قتلوه وقتلوا ولده علاء الدين.

وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق وابن عمه هولاوو.

وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري أخو شيخ شيوخ حماة. روى عن عبد الله ابن أبي المجد الحربي وغيره.

والمستنصر بالله أبو القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود. قدم مصر وعقد له مجلس فأثبتوا نسبه. ثم بدأ الملك الظاهر بمبايعته ثم الأعيان على مراتبهم. ولقب بلقب أخيه صاحب بغداد. ثم صلى بالناس يوم الجمعة وخطب. ثم ألبس السلطان خلعة بيده وطوقه وأمر له بكتابة تقليد بالأمر. وركب السلطان بتلك الخلعة الخليفة وزينت القاهرة. وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس. وكان جسيما شجاعا عالي الهمة. رتب له السلطان أتابك وأستاذ دار وحاجبا وكاتب إنشاء وجعل له خزانة ومائة فرس وثلاثين بغلا وستين حملا وعدة مماليك. فلما قدم دمشق وسار إلى العراق وجد بهجانة الحاكم في سبع مائة نفس. فاستماله وأنزله معه في دهليزه. فتجمعت المغول بالعراق في نحو خمسة آلاف. ثم دخل المستنصر هيت في ذي الحجة في التاسع والعشرين ونهب من بها من الذمة. ثم التقى المسلمون والتتار في ثالث المحرم فانهزم التركمان والعرب وأحاطت التتار بعسكر المستنصر. فحرقوا وساقوا على حمية. فنجا طائفة منهم الحاكم، وقتل المستنصر وأضمرته البلاد. وقيل إنه قتل ثلاثة من التتار ثم تكاثروا عليه فاستشهد.

والعز الضرير الفيلسوف الرافضي حسن بن محمد بن أحمد بن نجا الإربلي. كان بصيرا بالعربية رأسا في العقليات. كان يقرئ المسلمين والذمة بمنزله. وله حرمة وهيبة مع فساد عقيدته وتركه للصلاة ووساخة هيئته. مات في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة بدمشق.

وعز الدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي. ولد سنة ثمان وسبعين وحضر أحمد بن حمزة ابن الموازيني وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد والقاسم بن عساكر. وبرع في الفقه والأصول والعربية ودرس وأفتى وصنف وبلغ رتبة الاجتهاد. وانتهت إليه رئاسة المذهب مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين. قال قطب الدين: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار، يحضر السماع ويرقص. مات في عاشر جمادى الأولى وشيعه الملك الظاهر.

والتاج عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد الدمشقي بن عساكر. سمع الكثير من الخشوعي وطبقته. وولي مشيخة النورية بعد والده. وحج وزار ولده أمين الدين عبد الصمد وجاور قليلا. ثم توفي في حادي عشر جمادى الأولى بمكة.

ونقيب الأشراف بهاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجن. سمع حضورا وله أربع سنين من يحيى الثقفي وابن صدقة. توفي في رجب.

وابن العديم الصاحب العلامة كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي. من بيت القضاء والحشمة. ولد سنة بضع وثمانين وخمس مائة وسمع من ابن طبرزد وبدمشق من الكندي وببغداد والقدس والنواحي. وأجاز له المؤيد وخلق. وكان قليل المثل عديم النظير فضلا ونبلا ورأيا وحزما وذكاء وبهاء وكتابة وبلاغة. ودرس وأفتى وصنف. وجمع تاريخا لحلب في نحو ثلاثين مجلدا. وولي خمسة من آبائه على نسق القضاء. وقد ناب في سلطنة دمشق وعلم عن الملك الناصر. توفي بمصر في العشرين من جمادى الأولى.

والضياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الروح التغلبي المصري القرافي الشافعي. آخر من روى صحيح البخاري عن منجب المرشدي مولى مرشد المديني. توفي في رمضان عن تسعين سنة.

والشمس الصقلي أبو عبد الله محمد بن سليمان أبو الفضل الدمشقي الدلال في الأملاك. سمع من ابن صدقة الحراني وإسماعيل الجنزوري وأبي الفتح المندائي. وقرأ الختمة على أبي الجود. ولد سنة ثلاث وسبعين وتوفي في أواخر صفر.

وابن عرق الموت أبو بكر محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف ابن مصال الهمذاني الإسكندراني. سمع من التاج المسعودي وابن موقا وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار. وتفرد عن جماعة. توفي في جمادى الأولى.

وابن زبلاق الشاعر المشهور الأجل محيي الدين يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العباسي الكاتب. قتله التتار بالموصل في آخر شعبان.

وأبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري. روى عن البوصيري وجماعة وتوفي في المحرم.

سنة إحدى وستين وستمائة

في ثامن المحرم عقد مجلس عظيم للبيعة. وجلس الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد ابن الأمير أبي علي بن علي بن أبي بكر ابن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العباسي. فأقبل عليه الملك الظاهر ومد يده إليه وبايعه بالخلافة. ثم بايعه الأعيان. وقلد حينئذ السلطنة للملك الظاهر. فلما كان من الغد خطب بالناس خطبة مليحة أولها: الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنا وظهيرا. ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار. وبقي في الخلافة أربعين سنة وأشهرا.

وفيها خرج الظاهر إلى الشام وتحيل على صاحب الكرك الملك المغيث حتى نزل إليه. وكان آخر العهد به. وأعطى ولده بمصر خبز مائة فارس. ثم قبض على ثلاثة أنكروا أنكروا عليه إعدامه المغيث وهم: بلبان الرشيدي وأقوش البرلي وأيبك الدمياطي وكانوت نظراء له في الجلالة والرتبة.

وفيها وصل كرمون المقدم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا. فأنعم عليهم الملك الظاهر.

وفيها راسل بركة الملك الظاهر. ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمه هولاوو. فانهزم هولاوو ولله الحمد. وقتل خلق من رجاله وغرق خلق.

وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي ثم الإسكندراني الكتبي. آخر أصحاب عبد المجيد بن خليل. توفي في ربيع الآخر.

وسليمان بن خليل العسقلاني الفقيه. خطيب الحرم أبو الربيع الشافعي سبط عمر بن عبد المجيد الميانسي. روى عن زاهر بن رستم وغيره. وتوفي في المحرم.

والرسعني العلامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث المفسر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا. وصنف تفسيرا جيدا. وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر.

والأنباري المفتي جمال الدين عبد الرحمن بن سالم الأنصاري الحنبلي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي. سمع من الكندي وعبد القادر الحافظ وطائفة. وتفقه بالموفق المقدسي. توفي في ربيع الآخر.

والعز بن العز الحافظ المحدث أبو محمد عبد الرحمن بن عز الدين محمد ابن الحافظ الكبير عبد الغني المقدسي. ولد سنة ست مائة. وسمع من الكندي وطبقته. وتفقه على الموفق ورحل فسمع من الفتح بن عبد السلام وطبقته. ثم رحل إلى مصر وكتب الكثير. وكان يفهم ويذاكر. توفي في ذي الحجة.

والناشري المقرئ البارع تقي الدين عبد الرحمن بن مرهف المصري. قرأ القراءات على أبي الجود. وتصدر للإقراء وبعد صيته. توفي في شوال عن نيف وثمانين سنة.

وابن بنين أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشافعي القباني الناسخ. ولد سنة خمس وسبعين. وسمع من عشير الجبلي فكان آخر أصحابه. وسمع من طائفة وأجاز له عبد الله بن بري وعبد الرحمن السبي. وانتهى إليه علو الإسناد بمصر مع صلاح وسكون. توفي ثالث ربيع الأول.

وعلي بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي. ثم الدمشقي الحنبلي روى عن الخشوعي وغيره. توفي في رجب. وكان مباركا خيرا.

والكمال الضرير شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري الشافعي صاحب الشاطبي وزوج ابنته. ولد سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة. قرأ القراءات على الشاطبي وشجاع المدلجي وأبي الجود. وسمع من البوصيري وطائفة. وتصدر للإقراء دهرا وانتهت إليه رئاسة الإقراء. وكان إماما يجري في فنون من العلم وفيه تودد وتواضع ولين ومروة تامة. توفي في سابع ذي الحجة.

والعلم أبو القاسم والأصح أبو محمد القاسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي المقرئ النحوي المتكلم. شيخ القراء بالشام. ولد سنة خمس وسبعين وخمس مائة وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل ثم قرأها على أبي الجود ثم على الكندي وسمع ببغداد من ابن الأخضر. وكان عارفا بالكلام والأصلين والعربية. أقرأ واشتغل مدة. وصنف التصانيف ودرس بالعزيزية نيابة وولي مشيخة الإقراء والنحو بالعادلية. توفي في سابع رجب. وقد شرح الشاطبية.

سنة اثنتين وستين وستمائة

فيها توفي قاضي حلب كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن ابن الأستاذ الأسدي الشافعي. سمع حضورا من الافتخار الهاشمي وسماعا من جده وطائفة. وكان صدرا معظما كامل الرئاسة واسع الفضيلة. ولي قضاء حلب في الدولتين الناصرية والظاهرية. وبها توفي في نصف شوال.

وإسماعيل بن صارم الخياط أبو الطاهر الكناني العسقلاني ثم المصري. روى عن البوصيري وابن ياسين. توفي في جمادى الأولى.

والزين الحافظي سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني الطبيب. طبب الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه. ثم خدم الملك الناصر يوسف وعظم عنده وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم. فأمره هولاوو وصار تتريا خائنا للمسلمين. فسلط الله عليه مخدومه فقتل بين يديه لكونه كاتب الملك الظاهر وقتل معه أقاربه وخاصته. وكانوا خمسين.

وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب. كان أبوه قاضي حماة. ويعرف بابن الرقاء. ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وكان مفرط الذكاء. رحل به أبوه فسمعه من ابن كليب جزء ابن عرفة ومن ابن أبي المجد المسند كله. وله محفوظات كثيرة وفضائل شهيرة وحرمة وجلالة. توفي في ثامن رمضان.

والعماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشافعي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع من الخشوعي والقاسم. وتفقه على أبيه وأفتى وناظر وولي قضاء الشام بعد أبيه قليلا ثم عزل. ودرس بالغزالية مدة وخطب بدمشق. وكان من جلة العلماء. له سمت ووقار وتواضع. ولي الدار الأشرفية بعد ابن الصلاح. ووليها بعده شهاب الدين أبو شامة. توفي في جمادى الأولى.

والضياء ابن البالسي أبو الحسن علي بن محمد بن علي المحدث الخطيب العدل الشروطي. ولد سنة خمس وست مائة. وسمع من ابن البن وأجاز له الكندي. وعني بهذا الشأن. وكتب الكثير. توفي في صفر.

والملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر ابن الملك الكامل ابن العادل. حبس بعد موت عمه الصالح بالكرك. فلما قتلوا ابن عمه المعظم أخرجه معتمد الكرك الطواشي وسلطنه بالكرك. وكان كريما مبذرا للأموال. فقل ماعنده حتى سلم الكرك إلى صاحب مصر ونزل إليه فخنقه. وكذا خنق عمه أباه العادل وعاش كل منهما نحو ثلاثين سنة.

والبابشرقي أبو عبد اله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري التاجر بجيرون. روى عن الخشوعي وطائفة. توفي في ربيع الأول.

وابن سراقة الإمام محيي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة. ولد سنة اثنتين وتسعين. وسمع من أبي القاسم أحمد بن بقي بالعراق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته. وله مؤلفات في التصوف. توفي في العشرين من شعبان.

والملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص. ولد سنة سبع وعشرين وست مائة. وتملك حمص سنة أربع وأربعين فأخذت منه سنة ست. ثم تملك الرحبة ثم سار إلى هولاوو فأكرمه وأعاد إليه حمص وولاه نيابة الشام مع كتبغا. فلما قلع الله التتار راسل الملك المظفر من تدمر فأمنه وأقره على حمص. فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار ونبل قدره. وكان ذا حزم ودهاء وشجاعة وعقل. توفي بحمص في صفر فيقال إنه سقي. وتسلم الظاهر بلده وحواصله.

والجوكندار العزيز بن حسام الدين لاجين من أكبر أمراء دمشق. كان محبا للفقراء مؤثرا لراحتهم يجمعهم على السماعات والسماطات التي يضرب بها المثل ويخدمهم بنفسه. توفي في المحرم كهلا.

والرشيد العطار الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي ابن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري المالكي. ولد سنة أربع وثمانين وسمع من البوصيري وإسماعيل بن ياسين والكبار. فأكثر وأطاب وجمع المعجم وحصل الأصول. وتقدم في الحديث. ولي مشيخة.

والقباري أبو القاسم بن منصور الإسكندراني الزاهد. كان صالحا قانتا مخلصا منقطع القرين في الورع. كان له بستان يعمله ويتبلغ منه وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدين بن المنير. توفي في سادس شعبان.

سنة ثلاث وستين وستمائة

فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس. التقى الفنش لعنه الله وأبو عبد الله بن الأحمر غير مرة ثم انهزمت الملاعين وأسر الفنش. ثم أفلت وحشد وجيش ونازل أغرناطة. فخرج ابن الأحمر وكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف. وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا وجمعوا كوما هائلا من رؤوس الفرنج أذن عليه المسلمون. واستعادوا عدة مدائن من الفرنج ولله الحمد.

وفيها نازلت التتار البيرة. فساق سم الموت والمحمدي وطائفة وكشفوهم عنها.

وفيها قدم السلطان فحاصر قيسارية وافتتحها عنوة. وعصت القلعة أياما ثم أخذت. ثم نازل أرسوف وأخذها بالسيف في رجب. ثم رجع فسلطن ولده الملك السعيد في شوال وركب بأبهة الملك وله خمس سنين. ثم عمل طهوره بعد أيام.

وفيها جرد بديار مصر أربعة حكام من المذاهب لأجل توقف تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من القضايا. فتعطلت الأمور. فأشار بهذا جمال الدين أيدغدي العزيزي. فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة. ثم فعل ذلك بدمشق.

وفيها ابتدى بعمارة مسجد الرسول ﷺ ففرع في أربع سنين.

وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل.

وفيها توفي المعين القرشي الذكوي المحدث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزكي علي بن محمد بن يحيى. كتب عن ابن صباح وابن اللتي وكريمة فأكثر وكتب الكثير. توفي فجأة في ربيع الأول.

والزين خالد بن يوسف بن سعد الحافظ اللغوي أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي. ولد سنة خمس وثمانين وسمع من القاسم ومحمد بن الخطيب وابن طبرزد وببغداد من ابن الأخضر وطبقته. وحصل الأصول وتقدم في الحديث. وكان فهما يقظا حلو النوادر. توفي في سلخ جمادى الأولى.

والنظام ابن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين. سمع من الخشوعي وجماعة. وكان دينا فاضلا. توفي في صفر.

والنجيب فراس بن علي بن زيد أبو العشائر الكناني العسقلاني ثم الدمشقي التاجر العدل.

وابن مسدي الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي. روى عن محمد بن عماد وجماعة كثيرة. وجمع وصنف. توفي بمكة في شوالها وقد خرج لنفسه معجما.

وجمال الدين بن يغمور الباروقي موسى. ولد بالصعيد سنة تسع وستين. وكان من جلة الأمراء. ولي نيابة مصر ونيابة دمشق. توفي في شعبان.

وبدر الدين السنجاري الشافعي قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزراري. صدر معظم وجواد ممدح. ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين. ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصالح نجم الدين. فلما ملك الديار المصرية وفد عليه فولاه مصر والوجه القبلي. ثم ولي قضاء القضاة بعد شرف الدين ابن عين الدولة وباشر الوزارة. وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله. ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة الظاهرية. فعزل ولزم بيته. توفي في رجب. وقيل كان يرتشي ويظلم.

وأبو القاسم الحواري الزاهد شيخ بلد السواد. له أتباع ومريدون. توفي في ذي الحجة.

سنة أربع وستين وستمائة

فيها غزا الملك الظاهر وبث جيوشه بالسواحل فأغاروا على بلاد عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد. ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم وقد استشهد عليها خلق كثير.

وفيها استباح المسلمون قارة وسبي منها ألف نفس وجعلت كنيستها جامعا.

وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق. فقير متزهد محقق للعربية. اشتغل بالناصرية وبمقصورة الحنفية الحلبية مدة وتوفي في شوال.

وابن شعيب الإمام جمال الدين أحمد بن عبيد الله بن شعيب التميمي الصقلي ثم الدمشقي المقرئ الأديب الذهبي. ولد سنة تسعين وخمس مائة ولزم السخاوي مدة. وأتقن القراءات وسمع من القاسم بن عساكر وطائفة. وقرأ الكثير على السخاوي وطبقته. توفي في جمادى الأولى.

وابن البرهان العدل الصرد رضي الدين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المضري الواسطي البزري التاجر السفار، ولد سنة ثلاث وتسعين. وسمع صحيح مسلم بن منصور الفراوي وسمعه منه خلق بدمشق ومصر والنضر واليمن توفي في حادي عشر رجب.

وابن الدرجي الفقيه صفي الدين إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوان القرشي الحنفي. ولد سنة اثنتين وسبعين وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي ومنصور الطبري وطائفة. توفي في السادس والعشرين من ربيع الأول.

وأيدغدي العزيزي الأمير الكبير جمال الدين. كان كبير القدر شجاعا مقداما عاقلا محتشما كثير الصدقات متين الديانة من جلة الأمراء ومتميزيهم. حبسه المعز مدة ثم أخرجوه نوبة عين جالوت. وكان الملك الظاهر يحترمه ويتأدب معه. جهزه في آخر السنة. فأغار على بلاد سيس ثم خرج على صفد فتمرض. وتوفي ليلة عرفة بدمشق.

وابن صصرى الصدر العدل بهاء الدين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التغلبي الدمشقي. أحد أكابر البلد. روى عن ابن طبرزد وطائفة. توفي في صفر عن ست وستين سنة.

وابن صصرى الصدر الرئيس شرف الدين عبد الرحمن بن سالم أخو الذي قبله. سمع من حنبل وابن طبرزد وولي المناصب الكبار ونظر الديوان ومات في شعبان عن تسع وستين سنة.

والموقاني المحدث جمال الدين محمد بن عبد الجليل المقدسي نزيل دمشق. سمع من أبي القاسم بن الحرستاني وخلق. وعني بالحديث والأدب. وله مجاميع مفيدة. توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة.

وابن فار اللبن معين الدين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري. آخر من قرأ الشاطبية على مؤلفها. قرأها عليه شيخنا البدر التادفي.

وهولاكو بن قاآن بن جنكزخان المغلي. مقدم التتار وقائدهم إلى النار الذي أباد العباد والبلاد. بعثه ابن عمه القان الكبير على جيش المغل، فطوى الممالك وأخذ حصون الإسماعيلية وأذربيجان والروم والعراق والجزيرة والشام. وكان ذا سطوة ومهابة وعقل وغور وحزم ودهاء وخبرة بالحروب وشجاعة ظاهرة وكرم مفرط ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها. مات على كفره في هذه السنة بعلة الصرع فإنه اعتراه منذ قتل الشهيد صاحب ميافارقين الملك الكامل محمد بن غازي حتى كان يصرع في اليوم مرة ومرتين. وقيل مات في ربيع الآخر من العام الماضي بمراغة ونقلوه إلى قلعة تلا وبنوا عليه قبة. وخلف سبعة عشر ابنا. تملك عليهم ابنه ابغا. وكان القان قد استناب هولاوو لا رحمه الله على خراسان وأذربيجان وما يفتحه.

سنة خمس وستين وستمائة

في أولها كبا الفرس بالملك الظاهر فانكسر فخذه. وحصل له عرج منها.

وفيها توفي خطيب القدس كمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد النابلسي الشافعي. ولد سنة تسع وسبعين وخمس مائة وسمع بدمشق من القاسم ابن عساكر وحنبل. وكان صالحا متعبدا متزهدا. توفي بدمشق في ذي القعدة.

وإسماعيل الكوراني القدوة الزاهد شيخ كبير القدر قصود بالزيارة صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه. أدركه أجله بغزة في رجب.

وبركة بن تولى بن جنكزخان المغلي سلطان مملكة القفجاق الذي أسلم. وراسل الملك الظاهر وكذا ابن عمه هولاوو. وتوفي في عشر الستين. وتملك بعده ابن أخيه منكوتمر.

والقميري الأمير مقدم الجيوش ناصر الدين حسين بن عزيز الذي أنشأ المدرسة بسوق الحريمين. كان بطلا شجاعا رئيسا عادلا جوادا وهو الذي ملك دمشق للناصر. توفي مرابطا بالساحل في ربيع الأول.

وأبو شامة العلامة المجتهد شهاب الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي المؤرخ صاحب التصانيف. ولد سنة تسع وتسعين وخمس مائة. قرأ القراءات سنة ست عشرة على البخاري وسمع من الشيخ الموفق وعبد الجليل بن مندويه وطائفة. توفي في تاسع عشر رمضان، وكان متواضعا خيرا.

وابن بنت الأعز قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري الشافعي. صدر الديار المصرية ورئيسها. كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبت في الأحكام. روى عن جعفر الهمذاني. وتوفي في السابع والعشرين من رجب.

وابن القسطلاني الشيخ تاج الدين علي بن الزاهد أبي العباس أحمد بن علي القيسي المصري المالكي المفتي المعدل. سمع بمكة من زاهر بن رستم ويونس الهاشمي وطائفة. ودرس بمصر ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع عشر شوال، وله سبع وسبعون سنة.

وأبو الحسن الدهان علي بن موسى السعدي المصري المقرئ الزاهد. ولد سنة سبع وتسعين وخمس مائة وقرأ القراءات على جعفر الهدذاني وغيره وتصدر بالفاضلية. توفي في رجب. وكان ذا علم وعمل.

وصاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني. ولي الملك بعد ابن عمه المعتضد علي وامتدت أيامه. وكان مستضعفا وادعا فلما كان في المحرم من العام دخل ابن عمه أبو دبوس الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف مراكش فهرب المرتضى فظفر به عامل للوائق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن.

وابن خطيب بيت الآبار ضياء الدين أبو الطاهر يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزبيدي. توفي يوم الجمعة يوم الأضحى وله أربع وثمانون سنة. سمع من الجنزوري والخشوعي وناب في خطابة دمشق زمن العادل.

ويوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي شمس الدين والد المعمر صدر الدين. توفي في ربيع الأول عن إحدى وثمانين سنة. وروى عن الخشوعي والقاسم وجماعة. وقد روى عنه زكي الدين البرزالي مع تقدمه.

سنة ست وستين وستمائة

في جمادى الأولى افتتح السلطان يافا بالسيف وقلعتها بالأمان. ثم هدمها ثم حاصر الشقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان. ثم أغار على أعمال طرابلس وقطع أشجارها وغور أنهارها. ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له. فرحل إلى حماة ثم إلى أفاميا. ثم ساق وبغت أنطاكية، فأخذها في أربعة أيام. وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا. ثم أخذ بغراس بالأمان.

وفيها كانت الصعقة العظمى على الغوطة يوم ثالث نيسان إثر حوطة السلطان عليها. ثم صالح أهلها على ست مائة ألف درهم فأضر الناس وباعوا بساتينهم بالهوان.

وفيها توفي المجد ابن الحلوانية المحدث الجليل أبو العباس أحمد بن عبد الله بن المسلم بن حماد الأزدي الدمشقي التاجر. ولد سنة أربع وست مائة وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني فمن بعده. وكتب العالي والنازل ورحل إلى بغداد ومصر والإسكندرية وخرج المعجم. توفي في حادي عشر ربيع الأول.

والشيخ العز خطيب الجبل أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن أبي عمر المقدسي الزاهد. ولد سنة ست وست مائة وسمع من العماد والموفق والكندي وخلق. وكان فقيها بصيرا بالمذهب صالحا عابدا مخلصا متينا صاحب أحوال وكرامات وأمر بالمعروف وقول بالحق. توفي في تاسع عشر ربيع الأول. وقد جمع ابن الخباز سيرته في مجلد.

والحبيس النصراني الكاتب ثم الراهب. أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة. فقيل إنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر. فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملة. واشتهر أمره وشاع ذكره وأنفق ثلاث سنين أموالا عظيمة. وأحضره السلطان وتلطف به فأبى عليه أن يعرفه بجلية أمره وأخذ يراوغه ويغالظه. فلما أعياه حنق عليه وسلط عليه العذاب فمات. وقيل إن مبلغ ما وصل إلى بيت المال من طريقه في الداء عن المصادرين في مدة سنتين ست مائة ألف دينار. فضبط ذلك بقلم الصيارفة الذين كان يضع عندهم الذهب. وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلهم ويغويهم.

وصاحب الروم السلطان ركن الدين كيقباذ بن السلطان غياث كيخسرو بن السلطان كقباز بن كجيزو قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق السلجوقي. كان هو وأبوه مقهورين مع التتار، له الاسم ولهم التصرف. فقتلوه في هذه السنة وله ثمان وعشرون سنة لأن البروناه عمل عليه ونم عليه بأنه يكاتب الملك الظاهر. فقتلوه خنقا وأظهروا أنه رماه فرسه. ثم أجلسوا في الملك ولده غياث الدين كيخسرو وله عشر سنين.

سنة سبع وستين وستمائة

فيها نزل السلطان على خربة اللصوص ثم ركب وسار في البريد سراص إلى مصر. فأشرف على ولده السعيد وكان قد استنابه بمصر. ثم رد إلى الغربة. وكانت الغيبة أحد عشر يوما أوهم فيها أنه متمرض بالمخيم.

وفيها توفي إسماعيل بن عبد القوي بن عزون زين الدين أبو الطاهر الأنصاري المصري الشافعي. سمع الكثير من البوصيري وابن ياسين وطائفة. كان صالحا خيرا. توفي في المحرم.

والروذراوري مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللغوي نزيل دمشق. كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي. توفي في صفر. وكان فصيحا مفوها حفظة لأشعار العرب.

وعلي بن وهب بن مطيع العلامة مجد الدين بن دقيق العيد القشيري المالكي. شيخ أهل الصعيد ونزيل قوص. وكان جامعا لفنون العلم موصوفا بالصلاح والتأله معظما في النفوس. روى عن علي بن المفضل وغيره. وتوفي في المحرم عن ست وثمانين سنة.

والأيبوردي الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي الشافعي. سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة وابن قميرة فمن بعدهما حتى كتب عن أصحاب محمد بن عماد. وشرع في المعجم وحرص وبالغ فما أفاق من الطلب إلا والميتة قد فجئته. وكان ذا دين وورع. توفي بخانكاه سعيد السعداء في جمادى الأولى. وله شعر.

والتاج مظفر بن عبد الكريم بن نجم الحنبلي الدمشقي مدرس مدرسة جدهم شرف الإسلام. روى عن الخشوعي وحنبل. ومات فجأة في صفر وله ثمان وسبعون سنة. وكان مفتيا عارفا بالمذهب حسن المعرفة.

سنة ثمان وستين وستمائة

فيها تسلم الملك الظاهر حصون الإسماعيلية مصياف وغيرها وقرر على زعيمهم نجم الدين حسن بن الشعراني أن يحمل كل سنة مائة ألف وعشرين ألفا وولاه على الإسماعيلية.

وفيها أبطلت الخمور بدمشق وقام في إعدامها الشيخ خضر شيخ السلطان قياما كليا. وكبس دور النصارى واليهود حتى كتبوا على نفوسهم بعد القسامة أنه لم يبق عندهم منها شيء.

وفيها توفي أحمد بن عبد الدائم بن نعمة مسند الشام زين الدين أبو العباس المقدسي الحنبلي الفقيه المحدث الناسخ. ولد سنة خمس وسبعين وخمس مائة وأجاز له خطيب الموصل وعبد المنعم الفراوي وابن شاتيل وخلق. وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة وأحمد بن الموازيني وعبد الرحمن الخرقي وجماعة وتفرد بالرواية عنهم في الدنيا. ثم رحل إلى بغداد فسمع من ابن كليب وابن المعطوش وجماعة. وقرأ بنفسه وكتب بخطه السريع المليح ما لا يدخل تحت الحصر وتفقه على الشيخ الموفق وخطب بكفر بطنا مدة. وكان فيه دين وتواضع ونباهة. روى الحديث بضعا وخمسين سنة وانتهى إليه علو الإسناد. توفي في تاسع رجب.

وأبو دبوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني. جمع الجيوش وتوثب على مراكش وقتل ابن عمه صاحبها أبا حفص. وكان بطلا شجاعا مقداما مهيبا خرج عليه آل مرين يعقوب بن عبد الحق المريني وتمت بينهما حروب إلى أن قتل دبوس بظاهر مراكش في المصاف واستولى يعقوب على المغرب.

والكرماني الواعظ المعمر بدر الدين عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر. ولد بنيسابور سنة سبعين وسمع في الكهولة من القاسم بن الصفار. وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان.

ومحيي الدين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاء محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي بن قاضي القضاة منتجب الدين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي. ولد سنة ست وتسعين وروى عن حنبل وابن طبرزد. وتفقه على الفخر بن عساكر وولي قضاء دمشق مرتين فلم تطل أيامه. وكان صدرا معظما معرقا في القضاء. له في ابن العربي عقيدة تتجاوز الوصف. وكان شيعيا يفضل عليا على عثمان مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان. وهو القائل:

أدين بما دان الوصي ولا أرى ** سواه وإن كانت أمية محتدي

ولو شهدت صفين خيلي لأعذرت ** وساء بني حرب هنالك مشهدي

وسار إلى خدمة هولاوو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه خلعة سوداء مذهبة. فلما تملك الملك الظاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها. توفي بمصر في رابع عشر رجب.

سنة تسع وستين وستمائة

في شعبان افتتح السلطان حصن الأكراد بالسيف ثم نازل حصن عكار وأخذه بالأمان. فتذلل له صاحب طرابلس وبذل له ما أراد وهادنه عشر سنين.

وفي شوال جاء بدمشق سيل عرم وقت أول دخول المشمش وذلك بالنهار والشمس طالعة فغلقت أبواب البلد وطغى الماء وارتفع وأخذ البيوت والجمال والأموال. وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع حتى طلع الماء فوق أسطحة عديدة وضج الخلق وابتهلوا إلى الله. وكان وقتا مشهودا أشرف الناس فيه على التلف. ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق.

وفيها توفي ابن البارزي قاضي حماة شمس الدين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشافعي. توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة. وكان ذا علم ودين تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر وأعاد له. ودرس بالرواحية ثم تحول إلى حماة ودرس وأفتى وصنف.

والشيخ حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي الصقلي المقرئ الرجل الصالح. قرأ القراءات على السخاوي وسمع الكثير وأجاز له المؤيد الطوسي. وتوفي في ربيع الآخر. وكان صالحا ورعا مخلصا متقللا من الدنيا منقطع القرين. عاش تسعا وسبعين سنة رحمه الله.

وابن سبعين الشيخ قطب الدين عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر المرسي الصوفي. كان من زهاد الفلاسفة من القائلين بوحدة الوجود. له تصانيف وأتباع يقدمهم يوم القيامة. توفي بمكة في شوال كهلا.

وأبو الحسن بن عصفور الأبيلي النحوي صاحب التصانيف.

والمجد ابن عساكر محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله ابن عبد الله بن الحسين الدمشقي العدل. سمع من الخشوعي والقاسم وجماعة. توفي في ذي القعدة.

سنة سبعين وستمائة

فيها سار السلطان إلى دمشق فعزل عنها النجيبي وأمر عليها عز الدين أيدمر مملوكه.

وفي رمضان حولت التتار من تبقى من أهل حران إلى دمشق وخربت ودثرت بالكلية.

وفيها توفي أحمد بن قاضي الديار المصرية زين الدين علي ابن العلامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم المصري معين الدين. ولد سنة ست وثمانين وخمس مائة وسمع من البوصيري وابن ياسين وطائفة. توفي في رجب.

والكمال سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الإربلي الشافعي المفتي أبو الفضائل صاحب ابن الصلاح. توفي في جمادى الآخرة وعليه كان مدار الفتيا بدمشق في وقته ولم يكن معه غير إعادة الباذرائية تفقه به جماعة. ومات في عشر السبعين أو نيف عليها.

والجمال البغدادي عبد الرحمن بن سلمان بن الحراني الحنبلي المفتي نزيل دمشق. ولد سنة خمس وثمانين وخمس مائة وروى عن حنبل وحماد الحراني وطائفة. توفي في شعبان.

وابن يونس العلامة تاج الدين عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدين بن محمد بن العلامة العلامة الكبير عماد الدين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي مصنف التعجيز. توفي ببغداد وله اثنتان وسبعون سنة.

وعبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي أبو محمد الصحراوي. روى عن الخشوعي ومحمد بن الخصيب. توفي في رمضان عن ثمانين سنة.

وابن صصرى القاضي الرئيس عماد الدين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التغلبي الدمشقي. والد قاضي القضاة نجم الدين. ولد بعد الست مائة وسمع من الكندي وجماعة. وكان كامل السؤدد متين الديانة وافر الحرمة. توفي في العشرين من ذي القعدة عن سبعين سنة.

والوجيه ابن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التاجر. كان واسع الأموال والمتجر عظيم الحرمة مسوط اليد في الدولة الناصرية والظاهرية. توفي في ذي القعدة عن نيف وستين سنة. ولم يرو شيئا.

وأبو بكر النشي محمد بن المحدث علي بن المظفر بن القاسم الدمشقي المؤذن ولد في المحرم سنة إحدى وتسعين وسمع من الخشوعي وطائفة كبيرة. توقف بعض المحدثين في السماع منه لأنه كان جنائزيا.

سنة إحدى وسبعين وستمائة

فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات ونازلوا البيرة. وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات. فخاض سيف الدين قلاوون وبيسري والسلطان أولا ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا مائتين.

وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي الإسكندراني بن النحاس. سمع من عبد الرحمن بن موقا وغيره. توفي في جمادى الأولى.

وأحمد بن هبة الله بن أحمد السلمي الكهفي. روى عن ابن طبرزد وغيره. توفي في رجب.

وعبد الهادي بن عبد الكريم بن علي أبو الفتح القيسي المصري المقرئ الشافعي خطيب جامع المقياس. ولد سنة سبع وخمسين وخمس مائة. وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود. وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة. وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلم اللخمي وأبو الطاهر بن عوف وجماعة. تفرد بالرواية عنهم. وكان صالحا كثير التلاوة.

وابن هامل المحدث العالم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم ابن عمار بن هامل الحراني. أحد من عني بالحديث وكتب العالي والنازل. روى عن أصحاب أبي الوقت والسلفي. توفي في ثامن رمضان.

وصاحب صهيون سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان بن منكورس بن خمرتكين ملك صهيون وبرزية بعد أبيه اثنتي عشرة سنة. ومات بصهيون في عشر السبعين. وملك بعده ولده سابق الدين. ثم جاء إلى خدمة الملك الظاهر مختارا غير مكره فسلم الحصن إليه فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا.

وخطيب بيت الآبار موفق الدين محمد بن عمر بن يوسف. حدث عن حنبل وابن طبرزد. ومات في صفر وله ست وسبعون سنة.

والشريف ابن النابلسي الحافظ أبو المظفر يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي. ولد بعد الست مائة. وسمع من ابن البن وطبقته. وفي الرحلة من عبد السلام الداهري وعمر بن كرم وطبقتهما. وكتب الحديث الكثير. وكان فهما يقظا حسن الحفظ مليح النظم. ولي مشيخة دار الحديث النورية. توفي في حادي عشر المحرم.

سنة اثنتين وسبعين وستمائة

فيها توفي الكمال المحلى أحمد بن علي الضرير. شيخ القراء بالقاهرة. انتفع به جماعة ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة.

والمؤيد ابن القلانسي رئيس دمشق أبو المعالي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد التميمي. سمع من ابن طبرزد وحدث بمصر ودمشق. توفي في المحرم.

والأتابك الأمير الكبير فارس الدين أقطاي الصالحي المستغرب. توفي في جمادى الأولى بمصر وقد شارف السبعين. أمره أستاذه الملك الصالح ثم ولى نيابة السلطنة للمظفر قطز ولما قتل قطز قام مع الملك الظاهر وسلطنه في الوقت. وكان من رجال العالم حزما ورأيا وعقلا ومهابة. وناب مدة للملك الظاهر ثم قدم عليه بيلبك الخزندار ثم اعتراه طرف جذام فلزم بيته.

والنجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصقيل أبو الفرج الحراني الحنبلي التاجر مسند الديار المصرية. ولد بحران سنة سبع وثمانين ورحل به أبوه فأسمعه الكثير من ابن كليب وابن المعطوش وابن الجوزي وابن أبي المجد. وولي مشيخة دار الحديث الكاملية. وتوفي في أول صفر وله خمس وثمانون سنة.

وعلي بن عبد الكافي الحافظ الإمام نجم الدين والد المفتي الخطيب جمال الدين الربعي الدمشقي. أحد من عنى بالحديث مع الذكاء المفرط عاش وما تقدمه أحد في الفقه والحديث. بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين.

والكمال التفليسي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر الشافعي القاضي. توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله سبعون سنة. درس وأفتى وبرع في الأصول والكلام وناب في الحكم بدمشق مدة فلما غلب هولاوو على الشام بعث له تقليدا بالقضاء. فحكم أباما وبالغ في الذب والإحسان. فلما جاء ابن الزكي بالقضاء ولاه قضاء حلب ونواحيها فتوجه إليها تلك الأيام. ثم ألزم بسكنى مصر فاشتغل عليه أهلها.

وابن أبي اليسر مسند الشام تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب المنشىء. ولد سنة تسع وثمانين وروى الكثير عن الخشوعي فمن بعده. وتوفي في السادس والعشرين من صفر. وله شعر جيد وبلاغة وفيه خير وعدالة.

وابن علاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزاز المعروف بابن الحجاج. سمع البوصيري وإسماعيل بن ياسين وكان آخر من حدث عنهما. توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة.

والكمال ابن عبد المسند الثقة أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم ابن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي. ولد سنة تسع وثمانين وسمع من الخشوعي والقاسم وعبد اللطيف بن أبي سعد توفي في ثاني شعبان.

وابن مالك العلامة حجة العرب جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني النحوي اللغوي صاحب التصانيف وواحد العصر في علم اللسان. روى عن ابن صباح والسخاوي وتوفي بدمشق في ثاني عشر شعبان وهو في عشر الثمانين.

والشاطبي الزاهد نزيل الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري. كان أحد المشهورين بالعبادة والتأله يقصد بالزيارة ويتبرك بلقائه. عاش بضعا وثمانين سنة.

وخواجا نصير الطوسي أبو عبد الله محمد بن محمد بن حسن. مات في ذي الحجة ببغداد وقد نيف على الثمانين. وكان رأسا في علم الأوائل ذا منزلة من هولاوو.

ويحيى بن الناصح عبد الرحمن نجم بن الحنبلي الأنصاري سيف الدين سمع حضورا من الخشوعي وبه ختم حديثه. وسمع من حنبل وجماعة. توفي في ثاني عشر شوال.

سنة ثلاث وسبعين وستمائة

في رمضان غزا السلطان بلاد سيس. فملك المصيصة وأدنة وأباس. ورجع الجيش بسبي عظيم وغنائم لا تحصى.

وفيها توفي قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي. وكان المشار إليه في مذهبه مع الدين والرصانة والتواضع والتعفف. اشتغل عليه جماعة. وتوفي في جمادى الأولى. وروى عن ابن طبرزد وغيره. ومات في جمادى الأولى وقد قارب الثمانين.

وعمر بن يعقوب بن عثمان تقي الدين الإربلي الصوفي. روى بالإجازة عن المؤيد وزينب وجماعة وسمع الكثير توفي يوم الأضحى.

ومنصور بن سليم بن منصور فتوح المحدث الحافظ وجيه الدين ابن العمادية الهمذاني الإسكندراني. ولد سنة سبع وست مائة وسمع الكثير من أصحاب اللفي ورحل إلى الشام والعراق. وكان يفهم كثيرا من هذا الشأن. خرج تاريخا للإسكندرية، وأربعين حديثا بلدية. ودرس وولي حسبة بلده. توفي في شوال.

سنة أربع وسبعين وستمائة

فيها توفي شيخ الأداب التاج الصرخدي محمود بن عابد التميمي الحنفي الشاعر المحسن. وكان قانعا زاهدا معمرا.

ومحمد بن مهلهل بن بدران سعد الدين أبو الفضل الأنصاري الحنبلي. سمع الأرتاحي والحافظ عبد الغني وتوفي في ربيع الأول.

والمكين الحصني النحدث أبو الحسن بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري. ولد سنة ست مائة وسمع الكثير وكتب وقرأ وتعب وبالغ واجتهد وما أبقى ممكنا. وكان فاضلا جيد القراءة متميزا. توفي في تاسع عشر رجب.

وأبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري العوفي الإسكندراني. آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقا وفاة.

وسعد الدين شيخ الشيوخ الخضر ابن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله ابن شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي ابن القدوة الزاهد محمد بن حمويه الجويني ثم الدمشقي. عمل للجندية مدة ثم لزم الخانقاه. وله تاريخ مفيد وشعر متوسط. سمع من ابن طبرزد وجماعة وأجاز له ابن كليب والكبار. توفي في ذي الحجة وقد نيف على الثمانين.

وظهير الدين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزنجاني الشافعي المفتي. أحد مشايخ الصوفية. كان إمام التقوية وغالب نهاره بها. صحب الشيخ شهاب الدين السهروردي وروى عنه وعن أبي المعالي صاعد. توفي في رمضان وله سبع وسبعون سنة.

سنة خمس وسبعين وستمائة

فيها كاتب أمراء الروم الملك الظاهر وقووا عزمه على أخذ الروم. فسار بجيشه وقطع الدربند. ثم وقع صاحب مقدمته سنقر الأشقر على ثلاثة آلاف من التتار فهزمهم وأسر الجيش من الجبال على صحراء البلستين فإذا بالتتار قد تعبئوا أحد عشر طلبا الطلب ألف فارس. فلما التقى الجمعان حملت ميسرتهم. فصدموا سناجق السلطان وخرقوا وعطفوا على ميمنة السلطان. فرد فيها بنفسه ثم حمل بها حملة صادقة فترجلت التتار وقاتلوا أشد قتال. فأخذتهم السيوف وأحاطت بهم العساكر المحمدية حتى قتل أكثرهم. وقتل من الأمراء عز الدين أخو المحمدي وضياء الدين محمود ابن الخطير الرومي الذي كان قد سار إلى خدمة السلطان منذ أشهر وشرف الدين قيران العلائي وسيف الدين قفجق الششنكير وعز الدين أيبك الشقيفي. ثم سار الملك الظاهر يخترق مملكة الروم. ونزل إليه ولاة القلاع وأطاعوه ونزل إليه سنقر الأشقر ليطمن الرعية وليخرج سوقا. ثم وصل قيصرية الروم في أثناء ذي القعدة فتلقاه أعيانها وترجلوا ودخلها وجلس على سرير ملكها. وصلى الجمعة بجامعها. ثم بلغه أن البرواناه يحث أبغا على المجيء ليدرك السلطان. فرحل عنها لذلك وللغلاء. وقطع الدربند فجرى بعده بالروم خبطة ومحنة عظيمة. فقصدهم أبغا وقال: أنتم باغي علينا، ولم يقبل لهم عذرا. وبذل السيف فيقال إنهم قتلوا من أهل الروم ما يزيد على مائتي ألف نفس. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفيها توفي الشيخ قطب الدين أبو المعالي أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق. ولد سنة اثنتين وتسعين وختم القرآن سنة تسع وتسعين وأجاز له ابن كليب وطائفة. وسمع ابن طبرزد والكندي. توفي في جمادى الآخرة بحلب.

وابن الفويرة بدر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي الحنفي. أحد الأذكياء الموصوفين. درس وأفتى وبرع في الفقه والأصول والعربية ونظم الشعر الرائق، وتوفي في جمادى الأولى قبل الكهولة.

والشمس محمد بن عبد الوهاب الحراني الحنبلي. كان بارعا في المذهب والأصول والخلاف. وله حلقة اشتغال بدمشق. وكان موصوفا بجودة المناظرة والتحقيق والذكاء. توفي في جمادى الأولى.

وصاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاني وله نيف وخمسون سنة. كان ملكا سائسا عالي الهمة شديد البأس جوادا ممدحا. تزف إليه كل ليلة جارية. تملك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه ثم قتل عميه وقتل جماعة من الخوارج عليه وتوطد له الملك. توفي أواخر العام.

والشهاب التلعفري صاحب الديوان المشهور محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني الأديب. مدح الملوك والكبراء وسار شعره. توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.

سنة ست وسبعين وستمائة

في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد بعد أبيه.

وفي سابع محرم قدم السلطان فنزل بجوسقه الأبلق ثم مرض يوم نصف المحرم وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فاخفي موته وسار نائبه بيليك بمحفة يوهم أن السلطان فيها مريض إلى أن دخل مصر بالجيش وأظهر موته وعمل العزاء، وحلفت الأمراء للملك السعيد.

وفيها توفي الكمال بن فارس أبو إسحاق إبراهيم بن الوزير نجيب الدين أحمد بن إسماعيل بن فارس التميمي الإسكندراني المعزي الكاتب آخر من قرأ بالروايات على الكندي. ولد في سنة ست وتسعين وخمس مائة. وتوفي في صفر. وكان فيه خير وتدين. ترك بعض الناس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال.

والمحمدي جمال الدين أقش الصالحي النجمي.

والدمياطي عز الدين أيبك الصالحي. قبض عليهما الملك الظاهر مدة مع الرشيدي ثم أطلقهما. وكانا من كبراء الأمراء الشجعان.

والسلطان الكبير الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتوح بيبرس التركي البندرقداري ثم الصالحي النجمي صاحب مصر والشام. ولد في حدود العشرين وست مائة. اشتراه الأمير علاء الدين البندقدار الصالحي. فقبض الملك الصالح على البندقدار وأخذ ركن الدين. فكان من جملة مماليكه. ثم طلع ركن الدين شجاعا فارسا مقداما إلى أن شهر أمره وبعد صيته وشهد وقعة المنصورة بدمياط. ثم كان أميرا في الدولة المعزية. وتنقلت به الأحوال وصار من أعيان البحرية. وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين. وكان ملكا سريا غازيا مجاهدا مؤيدا عظيم الهيبة خليقا للملك يضرب بشجاعته المثل. له أيام بيض في الإسلام وفتوحات مشهورة. ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعد من الملوك العادلين. انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم بقصره بدمشق وخلف من الأولاد الملك السعيد محمدا والخضر وسلامش وسبع بنات ودفن بتربته التي أنشأها ابنه.

وبيليك الخزندار الظاهري نائب سلطنة مولاه. كان نبيلا عالي الهمة وافر العقل محببا إلى الناس ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء والصلحاء ونظر في العلم والتواريخ. رقاه أستاذه إلى أعلى الرتب واعتمد عليه في مهماته. قيل إن شمس الدين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطنة سقاه السم باتفاق مع الملك السعيد. فأخذه قولنج عظيم وبقي به أياما. وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول.

والشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي شيخ الملك الظاهر. كان له حال وكشف ونفس مؤثرة مع سفه فيه ومرد له ومزاح. تغير عليه السلطان بعد شدة خضوعه له وانقياده لإرادته وعقد له مجلسا وأحضر من حاققه ونسب إليه أمورا لا تصدر من مسلم واشاروا بقتله. فقال للسلطان: أنا بيني وبينك في الموت شيء يسير. فوجم لها السلطان. وحبسه في إحدى وسبعين إلى أن مات في سادس المحرم. ودفن بزاويته بالحسينية.

وزكي بن الحسن البيلقاني أبو أحمد الشافعي. فقيه بارع مناظر متقدم في الأصلين والكلام. أخذ عن فخر الدين الرازي وسمع من المؤيد الطوسي. وكان صاحب ثروة وتجارة. عمر دهرا وسكن اليمن وتوفي بعدن.

والبرواناه الصاحب معين الدين سليمان بن علي. وزر أبوه لصاحب الروم علاء الدين كيقباذ ولولده كيخسرو. فلما مات ولى الوزارة بعده معين الدين هذا سنة بضع وأربعين. فلما غلبت التتار على الروم ساس الأمور وصانع التتار وتمكن من الممالك بقوي إقدامه وقوة دهائه. امتدت أيامه إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الروم. ونسب إلى لابروناه مكاتبتهم فقتله أبغا في المحرم.

والشيخ عبد الصمد بن أحمد بن أبي الحبش أبو أحمد البغدادي الحنبلي. الرجل الصالح مقرئ العراق. ولد سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة. وقرأ القراءات على الفخر الموصلي وسمع من عبد العزيز بن الناقد وطائفة. وأجاز له ابن الجوزي. تلمذ له خلق كثير. وتوفي في ربيع الأول.

والواعظ نجم الدين علي بن علي بن أسفنديار البغدادي ولد سنة ست وخمسين وست مائة. وسمع من ابن اللتي والحسين بن رئيس الرؤساء. وعظ بدمشق وازدحم عليه الخلق وانتهت إليه رئاسة الوعظ لحسن إيراده ولطف شمائله وبهجة مجالسه. توفي في رجب.

والشيخ شمس الدين بن العماد المقدسي الحنبلي قاضي القضاة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد ولد سنة ثلاث وست مائة. وسمع من الكندي وطبقته وحضر ابن طبرزد. ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وطائفة وسكنها وجاءته الأولاد فأسمعهم من الكاشغري ثم تحول وسكن مصر. وكان شيخ الإقليم في مذهبه علما وديانة وصلاحا ورئاسة. حبس سنة سبعين وعزل لغير جرم ثم أطلق بعد سنتين ولزم بيته يفتى ويشتغل ويدرس. توفي في المحرم.

والشيخ يحيى المنيحي المقرئ المتصدر بجامع دمشق. لقن خلقا كثيرا وتوفي في المحرم. وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي.

والشيخ محيي الدين النواوي شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الشافعي. ولد سنة إحدى وثلاثين وست مائة. وقدم دمشق ليشتغل فنزل بالرواحية. وحفظ التنبيه في سنة خمس وحج مع أبيه سنة إحدى وخمسين ولزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشر سنين حتى فاق الأقران وتقدم على جميع الطلبة وحاز قصب السبق في العلم والعمل. ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وست مائة وإلى أن مات. وسمع الكثير من الرضي ين البرهان والزين خالد وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم. وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك بما قد سارت به الركبان، رأسا في الزهد قدوة في الورع عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانعا باليسير راضيا عن الله والله عنه راض مقتصدا إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه تعلوه سكينة وهيبة. فالله يرحمه ويسكنه الجنة بمنه. ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب أبي شامة الدين. وكان لا يتناول من معلومها شيئا بل يتقنع بالقليل مما يبعث به إليه أبوه. توفي في الرابع والعشرين من رجب بقرية نوى عند أهله.

سنة سبع وسبعين وستمائة

في ذي الحجة قدم الملك السعيد وعملت القباب ودخل القلعة يوم خامس الشهر فأسقط ما وظفه أبوه على الأمراء فسر الناس ودعوا له.

وفيها توفي الشهاب بن الجزري المحدث أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري الدمشقي وله أربع وستون سنة. روى عن ابن اللتي وابن المقير وطبقتهما. وكتب الكثير ورحل ألى ابن خليل فأكثر عنه. وكان يقرأ الحديث على كرسي بالحائط الشمالي. توفي في جمادى الآخرة.

والفارقاني شمس الدين أقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر. جعله الملك السعيد نائبه فلم يرض خاصة السعيد بذلك ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه. فلم يقدر السعيد على مخالفتهم. فقيل إنهم خنقوه في جمادى الأولى. وكان وسيما جسيما شجاعا نبيلا له خبرة ورأي وفيه ديانة وإيثار وعليه مهابة ووقار. مات في عشر الخمسين.

والنجيبي جمال الدين أقوش الصالحي النجمي. أستاذ دار الملك الصالح. ولي أيضا للملك الظاهر الأستاذ دارية ثم نيابة دمشق تسعة أعوام وعزل بعز الدين أيد مر ثم بقي بالقاهرة مدة بطالا ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين. وكان محبا للعلماء كثير الصدقة لديه فضيلة وخبرة. عاش بضعا وستين سنة. توفي في ربيع الآخر. له بدمشق خانقاه وخان ومدرسة. ولم يخلف ولدا.

والصدر سليمان بن أبي العز بن وهيب الأذرعي ثم الدمشقي شيخ الحنفية قاضي القضاة أبو الفضل أحد من انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه وبقية أصحاب الشيخ جمال الدين الحصيري. درس بمصر مدة ثم قدم دمشق فاتفق موت القاضي مجد الدين بن العديم. فتقلد بعده القضاء فبقي فيه ثلاثة أشهر. وتوفي في شعبان عن ثلاث وثمانين سنة ولي بعده القاضي حسام الدين الرومي.

وابن العديم الصاحب قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين أبي القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي. سمع حضورا من ثابت بن مشرف وسماعا من أبي محمد ابن الأستاذ وابن البن وخلق كثير. وكان صدرا مهيبا وافر الحشمة عالي الرتبة عارفا بالمذهب والأدب تياها مبالغا في التجمل والترفع مع دين تام وتعبد وصيانة وتواضع للصالحين. توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة.

وابن حنا الوزير الأوحد بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المصري الكاتب. أحد رجال الدهر حزما ورأيا وجلالة ونبلا وقياما بأعباء الأمور مع الدين والعفة والصفات المجيدة والأموال الكثيرة. ابتلي بفقد ولديه الصدرين فخر الدين ومحيي الدين فصبر وتجلد. توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وكان من أفراد الوزراء.

وابن الظهير العلامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الإربلي الحنفي الأديب. ولد سنة اثنتين وست مائة بإربل وسمع من السخاوي وطائفة بدمشق ومن الكاشغري وغيره ببغداد ودرس بالقيمازية مدة له ديوان مشهور ونظم رائق مع الجلالة والديانة التامة. توفي في ربيع الآخر.

وابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدين محمد بن سوار بن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الشيباني الدمشقي الفقير صاحب الحريري. روح المشاهد وريحانة المجامع. كان فقيرا ظريفا نظيفا لطيفا مليح النظم ورائق المعاني لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرة وتلويحا أخرى. توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر.

ومحمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي نصر المحدث ناصر الدين أبو عبد الله الهمذاني ثم الدمشقي. روى عن ابن الزبيدي والمسلم المازني وابن صباح وكتب الكثير. وكان ثقة صحيح النقل توفي في جمادى الأولى.

ومؤمل بن محمد بن علي أبو الرجا البالسي ثم الدمشقي. روى عن الكندي والخضر بن كامل وجماعة. توفي في رجب.

سنة ثمان وسبعين وستمائة

في ربيع الأول اختلف خواص الملك السعيد عليه وخرج سيف الدين كوندك عن الطاعة وبايعه نحو أربع مائة من الظاهرية. فعسكر بالقطيفة ينتظر رجعة الجيش الذين ساروا للإغارة على بلاد سيس مع الأمير سيف الدين قلاوون. فقدموا. ونزل الكل بمرج عذرا وراسلوا السعيد. وكان كوندك مائلا إلى البيسري. فاجتمع به وسيف الدين بن قلاوون وأفشوا نياتهم وخوفهم من صبيان استولوا على الملك السعيد. فطلبوا منه أن يبعدهم عنه. فامتنع عجزا وخوفا أيضا من بقائه وحيدا. فرحل الجيش وشد على المرج إلى الكسوة. وترددت الرسل فقلق السلطان واستمروا إلى مصر فسار وراءهم وبعث بخزائنه إلى الكرك. ثم دخل قلعة القاهرة بعد مناوشة من حرب وقتل جماعة ثم حاصروه بالقلعة حتى دل لهم وخلع نفسه من السلطنة وقنع بالكرك. ورتبوا في السلطنة أخاه سلامش وله سبع سنينن وجعلوا أتابكه سيف الدين قلاوون وضربت السكة باسميهما وبعث على نيابة الشام سنقر الأشقر فدخل في ثالث جمادى الآخرة.

وفي الحادي والعشرين من رجب ترتب في السلطنة المولى الملك المنصور سيف قلاوون الصالحي من غير نزاع ولا قتال وشيل من الوسط سلامش وحلف له بيسري والحلبي ثم لم يختلف عليه اثنان وحلف له أمراء الشام.

وفي أواخر ذي الحجة ركب سنقر الأشقر من دار السعادة بعد العصر وهجم على القلعة فملكها وحلفوا له ودقت البشائر في الحال. ولقب بالسلطان الملك الكامل شمس الدين سنقر الصالحين. واستوزر مجد الدين بن كسيرات. ولم يحلف له ركن الدين الجالق. فقبض عليه وقبض على نائب القلعة حسام الدين لاجين الذي تملك.

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وخمس مائة وكان أبوه إماما لحلقة الحنابلة. فمات وهذا صغير. سمع سنة ستمائة من الكندي وأجاز له خليل الداراني وابن كليب والبوصيري وخلق. وعمر وروى الكثير. توفي يوم عاشوراء. وكان خياطا ودلالا. ثم قر بالرباط الناصري وأضر بآخرة. وكان يحفظ القرآن.

وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو بكر عبد الله ابن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر بن حمويه الجويني ثم الدمشقي الصوفي. ولد سنة ثمان وست مائة. وروى عن أبي القاسم بن صصرى وجماعة. توفي في شوال.

وابن الأوحد الفقيه شمس الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري. روى عن الافتخار الهاشمي وكتب بديوان المارستان النوري. توفي في شوال أيضا وله خمس وسبعون سنة.

والشيخ نجم الدين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي الصوفي الفقير. كان له زاوية بحماة ومريدون. وفيه تواضع وخدمة للفقراء وأخلاق حميدة. صحب الشيخ إسماعيل الكوراني. واتفق موته بدمشق فدفن عنده بمقابر الصوفية.

والشيخ عبد السلام بن أحمد ابن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي الواعظ. أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر. توفي بالقاهرة في شوال.

وفاطمة ابنة الملك المحسن أحمدابن السلطان صلاح الدين. ولدت سنة سبع وتسعين. وسمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة. توفيت ببلاد حلب في إحدى الحاوين بلد بزاعة.

والسلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن الملك الظاهر. ولد في صفر سنة ثمان وخمسين بظاهر القاهرة تملك بعد أبيه سنة ست في صفر. وكان شابا مليحا كريما حسن الطباع فيه عدل ولين وإحسان ومحبة للخير. خلعوه من الأمر كما ذكرنا فأقام بالكرك أشهرا ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده، وتملك بعده الكرك أخوه خضر.

وابن الصيرفي المفتي المعمر جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور ابن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي ويعرف بابن الحبيشي. سمع من عبد القادر الرهاوي بحران ومن ابن طبرزد ببغداد ومن الكندي بدمشق. واشتغل على أبي بكر بن غنيمة وأبي البقاء العكبري والشيخ الموفق. وكان إماما عالما مفتنا صاحب عبادة وتهجد وصفات حميدة. توفي في رابع صفر.

سنة تسع وسبعين وستمائة

في صفر خرج الملك الكامل سنقر الأشقر فنزل على الجسورة وأنفق في العسكر واستخدم. وحضر إليه عيسى بن مهنا وأحمد بن حجي بعرب الشام. وجاء صاحب حماة وعسكر الأطراف. وجاء من جهة السلطان الملك المنصور عسكر عليهم علم الدين الحلبي الكبير. فالتقوا وقاتل سنقر الأشقر بنفسه وثبت لكن خامر عليه أكثر جموعه وخذلوه وبقي في طائفة قليلة. فانصرف ولم يتبعه أحد وسلك الدرب الكبير إلى القطيفة. ونزل المصريون في خيام الشاميين وحكم الحلبي بدمشق وسار ابن مهنا بسنقر الأشقر إلى أرض الرحبة وباشر نيابة دمشق بكتوت العلائي أياما ثم جاء تقليد بها لحسام الدين لاجين المنصوري. ووقع الصفح من السلطان عن كل من قام مع سنقر الأشقر. ثم توجه هو إلى صهيون فاستولى عليها وعلى برزية وبلاطنس وعكار وشيزر. وأعطى شيزر الحاج أزدمر الشهيد. ثم بعد أيام وصلت التتار إلى حلب فعاثوا وبذلوا السيف بها ورموا النار في المدارس وأحرقوا منبر الجامع وأقاموا بالبلد يومين ثم استاقوا المواشي والغنائم.

وفي آخر السنة سار السلطان إلى الشام غازيا فنزل قريبا من عكا فخضع له أهلها وراسلوه في الهدنة وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنا فصفح عنه وأكرمه.

وفيها توفي التقي عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي في ثامن شعبان وقد نيف على السبعين. تفقه على التقي بن العز ومهر في المذهب وسمع من موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق وعني بالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم. وكان صاحب حزبية وتحرق على الأشعرية، فرموه بالتجسيم. ثم كان منابذا لأصحابه الحنابلة. وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس.

ومحمد بن إلياس الفقيه شمس الدين بن البعلبكي الحنبلي. صحب الشيخ الفقيه زمانا وخدمه وسمع معه من الشيخ الموفق وابن البن وطائفة. توفي في رمضان ببعلبك وله إحدى وثمانون سنة.

وابن النن الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي. في رجب بالإسكندرية وله ثمانون سنة. سمع من عبد العزيز بن منينا وسليمان الموصلي وجماعة. وكان ثقة متيقظا.

والجزار الأديب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري. توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها. وشعره سائر مشهور.

والشيخ يوسف الفقاعي الزاهد ابن نجاح ابن موهوب. توفي في شوال ودفن بزاويته بسفح قاسيون. وقد نيف على الثمانين. كان عبدا صالحا خائفا قانتا كبير القدر له أصحاب ومريدون.

والفقيه المعمر أبو بكر بن هلال بن عباد الحنفي عماد الدين معيد الشبلية. توفي في رجب عن مائة وأربع سنين. وقد سمع في الكهولة من أبي القاسم بن صرصري وغيره.

والنجيب العود أبو القاسم بن حسين الحلي الرافضي الفقيه المتكلم. شيخ الشيعة وعالمهم. سكن حلب مدة فصفع بها لكونه سب الصحابة. ثم سكن جزين إلى أن مات بها في نصف شعبان وله نيف وتسعون سنة وكان قد وقع في الهرم.

سنة ثمانين وستمائة

في المحرم قبض السلطان بأرض بيسان على سيف الدين كوندك وعدة أمراء. فهرب أيتمش السعدي وسيف الدين الهاروني في ثلاث مائة فارس على حمية إلى عند سنقر الأشقر. وأعدم كوندك. ودخل السلطان دمشق وحمل الجتر يومئذ البيسري. فبعث عسكرا حاصروا شيزر وأخذوها برضى سنقر الأشقر. وصالح السلطان فأطلق له كفر طاب وأنطاكية وشغر وبكاس وغير ذلك على أن يقيم ست مائة فارس.

وفي يوم الخميس رابع عشر رجب كانت وقعة حمص. أقبل منكوتمر بن هولاوو بجيوش أخيه أبغا يطوي البلاد من ناحية حلب وسار السلطان بجيوشه. وحضر سنقر الأشقر وإيتمش السعدي وأزدمر الحاج. واستغاث الخلق والأطفال يوم الأربعاء وتضرعوا إلى الله. وكان الملتقى شمالي تربة خالد بن الوليد. وكان منكوتمر في مائة ألف والسلطان في خمسين ألفا أو دونها. فحملت التتار واستظهروا واضطربت ميمنة الإسلام ثم انكسرت الميسرة مع طرف القلب. وثبت السلطان بحلقته واستمر الحرب من أول النهار إلى اصفرار الشمس. وحملت الأبطال بين يدي السلطان عدة حملات وبين يومئذ فوارس الإسلام الذين لم يخلفهم الوقت مثل سنقر الأشقر وبيسري وطبرس الوزيري وأيمتش السعدي وأمير سلاح بدر الدين بكتاش والحاج أزدمر وحسام الدين طرنطاي وحسام الدين لاجين وعلم الدين الدواداري. وفتحت أبواب الجنة وبرزت الحور العين ونزل مدد الملائكة وصعد خالص الدعاء وطاب الموت في سبيل الله. ففتح الله ونصر وولى العدو الملعون. وانكسر وأصيب رأس الكفر منكوتمر بطعنة يقال إنها من يد الشهيد الحاج أزدمر وطلع من جهة الشرق عيسى بن مهنا عرضا فاستحكمت هزيمتهم وركب المسلمون أقفيتهم ولله الحمد.

وفيها مات الشيخ موفق الدين الكواشي المفسر العلامة المقرئ المحقق الزاهد القدوة أبو العباس أحمد بن يوسف بن حسن الشيباني الموصلي. ولد بكواشة قلعة من نواحي الموصل سنة إحدى وتسعين وخمس مائة وبرع في القراءات والتفسير والعربية. وسمع من ابن روزبة والسخاوي. وكان منقطع القرين زهدا وصلاحا وتبتلا وورعا. له كشف وكرامات. أضر قبل موته بعشر سنين. توفي في سابع عشر جمادى الآخرة.

وجيعانة إبراهيم بن سعيد الشاغوري الموله. مات في جمادى الأولى. وكان من أبناء السبعين على قاعدة المولهين من عدم التقيد بصلاة أوصيام أو طهارة وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر. وقد شاركه في ذلك الراهب والكاهن والمصروع فانتفت الولاية.

وأبغا ملك التتار وابن ملكهم هولاكو بن قاآن بن جنكزخان. مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة.

وأزدمر الحاج عز الدين الجمدار الذي ولي نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر. كان عنده معرفة وفضيلة وعنده مكارم كثيرة. استشهد على حمص مقبلا غير مدبر. وله بضع وخمسون سنة.

والكمال عبد الرحيم بن عبد الملك بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة أبو محمد المقدسي الصالحي الحنبلي. الرجل الصالح. سمع ابن طبرزد والكندي وعدة. توفي في عاشر جمادى الأولى.

والمجد ابن الخليل عبد العزيز بن الحسين الداري المصري والد الصاحب فخر الدين. سمع من أبي الحسين بن جبير الكناني والفتح بن عبد السلام وطائفة. وكان رئيسا دينا خيرا. توفي في وولي الدين الزاهد القدوة أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الجزري الشافعي الفقيه نزيل بيت لهيا. صاحب حال وكشف وعبادة وتبتل. توفي في شوال وقد قارب الستين.

وعلي بن محمود بن حسن بن نبهان أبو الحسن الربعي المنجم الأديب. عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن ابن طبرزد والكندي. تركه بعض العلماء لأجل التنجيم.

وابن بنت الأعز قاضي القضاة صدر الدين عمر بن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف العلامي الشافعي المصري. ولي قضاء الديار المصرية سنة ثمان وسبعين. وعزل في رمضان سنة تسع وتوفي يوم عاشوراء.

والأمين الإربلي العدل أبو محمد القاسم بن أبي بكر بن القاسم ابن غنيمة. رحل مع أبيه وله بضع عشرة سنة فذكر وهو صدوق أنه سمع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي. رواه بدمشق وسمعه منه الكبار. توفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة.

وابن سني الدولة قاضي القضاة نجم الدين محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين أحمد ابن قاضي القضاة شمس الدين يحيى الدمشقي الشافعي. ولد سنة ست عشرة وست مائة وولي القضاء عقيب كسرة التتار بعين جالوت ثم عزل بعد سنة بابن خلكان ثم أسكن مصر وصودر ثم ولي قضاء حلب. وقد درس بالأمينية وغيرها. وكان يعد من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع الهيبة والتحري. حدث عن أبي القاسم بن صصرى وغيره وتوفي في ثامن المحرم ودفن بقاسيون.

وابن المجبر الكتبي شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي. ولد سنة عشر وسمع من أبي القاسم بن صصرى وطائفة ورحل وأكثر عن الأنجب الحمامي وطبقته. وكتب الكثير وخطه مليح فيه سقم. ولم يكن بثقة في نقله. توفي في ذي القعدة ولم يكن عليه أنس أهل الحديث. الله يسامحه.

وابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي. ولد سنة ثلاث وست مائة واشتغل من الصغر وحفظ التنبيه والوسيط كله والمفصل كله والمستصفى وغير ذلك. وبرع في الفقه والعربية والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وفنون العلم. وأفتى وله ثمان عشرة سنة. أخذ الفقه عن ابن الصلاح والقراءات عن السخاوي والعربية عن ابن يعيش. وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصلاح ويؤم بدار الحديث. ثم ولي الوكالة في أيام الناصر مع تدريس الشامية ثم تحول زمن هولاكو إلى مصر واشتغل ودرس بالظاهرية. ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تدينا وورعا. تفقه به عدة أئمة وانتفعوا بعلمه وهديه وسمته وورعه. توفي في ثالث رجب.

والجمال بن الصابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود شيخ دار الحديث النورية. ولد سنة أربع وست مائة وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني وخلق كثير وكتب العالي والنازل وبالغ وحصل الأصول وجمع وصنف اختلط قبل موته بسنة أو أكثر. وتوفي في نصف ذي القعدة.

وابن أبي الدنية مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب ابن أبي الفرج البغدادي. ولد سنة تسع وثمانين وسمع من أبي الفتح المندائي وضياء بن الخريف والكبار وأجاز له ذاكر بن كامل وابن كليب. وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب.

وابن علان القاضي الجليل شمس الدين أبو الغنائم المسلم ين محمد بن المسلم بن مكي بن خلف القيسي الدمشقي الكاتب. ولد سنة أربع وتسعين وسمع الكثير من حنبل وابن طبرزد وابن مندويه وطائفة. وأجاز له الخشوعي وجماعة. وكان من سروات الناس توفي في ذي الحجة.

والبدر يوسف بن لؤلؤ الشاعر المشهور من كبار شعراء الدولة الناصرية. توفي في شعبان وقد نيف على سبعين.

والمزي الفقيه شمس الدين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي. روى البخاري عن ابن مندويه والعطار ومسلما عن ابن الحرستاني. وعاش سبعا وثمانين سنة. توفي في شعبان.

سنة إحدى وثمانين وستمائة

في ليلة حادي عشر رمضان احترقت اللبادين وجميع أسواقها الفوقانية والتحتانية وقواسيرها. وكان منظرا مهولا ذهب للناس فيه من الأموال ما لا يوصف ولم يحترق فيه أحد. وكان مبدأه من دكان أولاده عثمان الجابي وأعيد هذا أحسن ما كان عمارة مع الملازمة وكثرة الصناع في سنتين.

وفيها توفي الأمين الأشتري الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الشافعي الحلبي. ولد سنة خمس عشرة وسمع من أبي محمد بن علوان والقزويني وابن روزبة وطائفة. وكان بصيرا بالمذهب ورعا صالحا كبير القدر. توفي بدمشق فجأة في ربيع الأول.

وابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الإربلي الشافعي. ولد سنة ثمان وست مائة. وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة. وتفقه بالموصل على الكمال بن يونس وبالشام على ابن شداد. ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء. ثم ولي قضاء الشام عشر سنين. وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين. فأفام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام. وكان كريما جوادا سريا ذكيا أحوزيا عارفا بأيام الناس. توفي في رجب.

والبرهان الدرجي أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي إمام مدرسة الكشك. روى عن الكندي وأبي الفتوح البكري. وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وطائفة. روى المعجم الكبير للطبراني. توفي في صفر.

وابن المليحي مسند القراء بالديار المصرية فخر الدين أبو الطاهر إسماعيل ابن هبة الله بن علي المقرئ المعدل. ولد سنة بضع وثمانين وقرأ القراءات على أبي الجود وكان آخر من قرأ عليه وفاة وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البناء وغيره. توفي في رمضان.

والشيخ عبد الله بن أبي كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير بقية شيوخ العراق. كان صاحب أحوال وكرامات وله أتباع وأصحاب. تفقه وسمع الحديث وصحب الشيخ أحمد المنذر. مات في عشر الثمانين. كان شيخنا شمس الدين الدماهي يحكي لنا عنه عجائب وكرامات.

والشيخ زين الدين الزواوي الإمام وأبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس المالكي القاضي المقرئ شيخ المقرئين. ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وقرأ القراءات بالإسكندرية على ابن عيسى والزهد والإخلاص. ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة. وقرأ عليه عدد كبير وولي القضاء تسعة أعوام ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه شمس الدين بن عطاء واستمر على التدريس والإقراء. توفي في رجب.

والبرهان المراغي محمود بن عبيد الله الشافعي الأصولي. ولد سنة خمس وست مائة وحدث عن أبي القاسم بن رواحة. وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم صالحا متعبدا متعففا. عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع. ودرس مدة بالفلكية وتوفي في ربيع الآخر.

والمقداد بن أبي القاسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدين أبو المرهف القيسي الشافعي. ولد سنة ست مائة ببغداد وسمع بها من ابن الأخضر وأحمد بن الدمشقي وبمكة من ابن الحصري وابن البناء وروى الكثير وكان عدلا خيرا تاجرا. توفي في ثامن شعبان بدمشق.

ومنكوتمر المغلي أخو أبغا طاغية التتار. كان نصرانيا خرج يوم المصاف على حمص وحصل له ألم وغم بالكسرة واعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه هولاوو. فهلك في أوائل المحرم بقرية تل خنزير من جزيرة ابن عمر وله ثلاثون سنة. وكان شجاعا جريئا مهيبا.

سنة اثنتين وثمانين وستمائة

فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصالحي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة. سمع من حنبل وابن طبرزد والكبار وكان أميا لا يكتب.

والفقيه عباس بن عمر بن عبدان البعلبكي الحنبلي الرجل الصالح. روى عن الشيخ الموفق وقرأ عليه العمدة. وأمّ بمسجد بالعقيبة مدة. توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين.

والجمال الجزائري أبو محمد عبد الله بن يحيى الغساني المحدث المتقن نزيل دمشق روى عن أبي الخطاب بن دحية والسخاوي وخلق وكتب الكثير وصار من أعيان الطلبة مع العبادة والتواضع. توفي في شوال.

والشهاب بن تيمية المفتي ذو الفنون أبو أحمد عبد الحليم ابن شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله الحراني الحنبلي. ولد سنة سبع وعشرين وست مائة وتفقه على والده ورحل في صغره فسمع بحلب من ابن اللتي وجماعة. وصار شيخ حران وحاكمها وخطيبها بعد موت والده. ثم هاجر بآله وأصحابه وشطر من أهل بلده إلى الشام في سنة سبع وستين. توفي ليلة سلخ ذي الحجة.

والشيخ شمس الدين شيخ الإسلام وبقية الأعلام أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن ابن القدوة الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحلبي. ولد سنة سبع وتسعين وسمع من حنبل وابن طبرزد والكبار وتفقه على عمه الشيخ الموفق وبحث عليه المقنع وعرضه وصنف له شرحا في عشر مجلدات. وكان منقطع القرين عظيم القدر عديم النظر علما وفضلا وجلالة قد جمع المحدث نجم الدين إسماعيل بن الخباز له سيرة في مائة وخمسين جزءا ملكتها ولكن ثلاثة أرباعها لاتعلق له بترجمة الشيخ إلا على سبيل الاستطراد. توفي إلى رضوان الله ورحمته ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الآخر. ولم يخلف بعده مثله.

والعماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب بن زهران المقرئ الشافعي. أحد من انتهت إليه رئاسة الإقراء. قرأ على ابن وثيق وغيره. وكان فصيحا مفوها وفقيها مناظرا. تكرر على الوجيه الغزالي. توفي في صفر وله إحدى وستون سنة.

وابن أبي عصرون الشيخ محيي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد ابن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي الشافعي. سمع في الخامسة من ابن طبرزد وسمع من الكندي ومحمد بن الدنف وتعانى الجندية ثم لبس البقيار ودرس بمدرسة جده بدمشق توفي فجأة في ذي القعدة.

والمقدسي المفتي شمس الدين محمد بن أحمد بن نعمة الشافعي مدرس الشامية. ولى نيابة القضاء عن ابن الصائغ. وكان بارعا في المذهب متين الديانة خيرا ورعا. توفي في ثاني عشر ذي القعدة.

وابن الحرستاني خطيب دمشق محيي الدين أبو حامد محمد ابن الخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي. ولد سنة أربع عشرة وأجاز له جده والمؤيد الطوسي. وسمع من أبي القاسم بن صصرى وطائفة. درس وأفتى واشتغل وكان قوي المشاركة في العلوم على خطابته طلاوة وروح. توفي في ثامن عشر ذي القعدة.

وابن القواس شرف الدين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي. ولد سنة اثنتين وست مائة. وسمع من الكندي وابن الحرستاني والخضر بن كامل. وكان شيخا متميزا حسن الديانة توفي في ربيع الآخر.

والعماد ابن الشيرازي القاضي الرئيس أبو الفضل محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي الكاتب صاحب الخط المنسوب. ولد سنة خمس وست مائة وسمع ابن الحرستاني وداود بن ملاعب. وكتب على الولي وانتهت إليه رئاسة التجويد مع الحشمة والوقار. توفي في ثامن عشر صفر. وكان مرضه أربعة أيام.

والرشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي. سمع دلائل النبوة وصحيح مسلم من ابن الحرستاني وجزء الأنصاري من الكندي. توفي في ذي الحجة.

والمحيي القلانسي الصدر الأوحد أبو المفضل يحيى ين علي بن محمد ابن سعيد التميمي الدمشقي. ولد سنة أربع عشرة وسمع من الموفق وابن البن وطائفة. توفي في شوال.

سنة ثلاث وثمانين وستمائة

في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل وكان عسكر مصر نزالا بالوادي. فذهب لهم ما لا يوصف، وخربت البيوت وانطمت الأنهار.

وفيها توفي ابن المنير العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الإسكندراني المالكي قاضي الإسكندرية وفاضلها المشهور. ولد سنة عشرين وست مائة وبرع في الفقه والأصول والنظر والعربية والبلاغة وصنف التصانيف. توفي في أول ربيع الأول.

والملك أحمد بن هولاوو المغلى. ولي السلطنة بعد أخيه أبغا. أسلم وهو صبي ويسر له قرين صالح وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا وسعى في الصلح. ومات وله بضع وعشرون سنة. وكان قليل الشر مائلا إلى الخير.

ومات عبد الرحمن أيضا في الاعتقال بقلعة دمشق بعده.

وابن البارزي قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها الإمام نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني الشافعي. ولد سنة ثمان وست مائة. وسمع من موسى بن عبد القادر وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام والأدب وله شعر بديع وفيه ديانة متينة وصدق وتواضع. توفي بتبوك في ذي القعدة فحمل إلى المدينة.

وعلاء الدين صاحب الديوان عطاء مالك ابن الصاحب بهاء الدين محمد ابن محمد الخراساني الجويني أخو الوزير الكبير شمس الدين. نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا. وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدين فساسه أحسن سياسة.

وعيسى بن مهنا ملك العرب بالشام ورئيس آل فضل. كانت له المنزلة العالية عند السلطان. مات في ربيع الأول وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر.

وفاطمة بنت الحافظ عماد الدين علي بن القاسم ابن مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر. ولدت سنة ثمان وتسعين. وأجاز لها الصيدلاني.

وابن الصائغ قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر ابن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي الشافعي. ولد سنة ثمان وعشرين وسمع من ابن اللتي وجماعة. وكان عارفا بالمذهب بارعا في الأصول والمناظرة. لازم الكمال التفليسي مدة ودرس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي. ثم ولي وكالة بيت المال فظهرت منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن مع زعارة وفجاجة وإهمال لجانب الأكابر. فقاموا عليه وفرغوا له. وعزل في أول سنة سبع وسبعين بابن خلكان. وبقي له تدريس العذراوية ثم أعيد إلى منصبه في أوائل سنة ثمانين ثم إنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار. وتمت له فصول إلى أن خلصه الله. ثم ولوا مكانه القاضي بهاء الدين بن الزكي وانقطع هو بمنزله. ثم توفي في تاسع ربيع الآخر عن خمس وخمسين سنة.

وابن خلكان قاضي بعلبك بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم. كان أسن من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين. وسمع الصحيح من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وطائفة. وكان حسن الأخلاق رقيق القلب سليم الصدر ذا دين وخير وتواضع. توفي في رجب.

والملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وله عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة ابنة الكامل. وكان لعابا مصرا على أمور. الله يسامحه.

وابن النعمان القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني. قدم الإسكندرية شابا. فسمع بها من محمد بن عماد والصفراوي. وكان عارفا بمذهب مالك راسخ القدم في العبادة والنسك أشعريا متحرقا على الحنابلة. توفي في رمضان ودفن بالقرافة وشيعه أمم.

سنة أربع وثمانين وستمائة

فيها سار السلطان بجيوشه فنازل حصن المرقب مدة وأخذه بالأمان في ثاني شر ربيع الأول.

وفيها توفي الوزيري المقرئ المجود برهان الدين إبراهيم بن إسحاق بن المظفر المصري. ولد سنة تسع عشرة وست مائة وقرأ القراءات على أصحاب الشاطبي وأبي الجود وأقرأها بدمشق، توفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجة.

والنسفي العلامة برهان الدين محمد بن محمد بن محمد الحنفي المتكلم صاحب التصانيف في الخلاف. تخرج به خلق. وطالت حياته وبقي إلى هذا العام. وكان مولده في سنة ست مائة.

وست العرب بنت يحيى بن قايماز أم الخير الدمشقية الكندية. سمعت من مولاهم التاج الكندي. وحضرت على ابن طبرزد الغيلانيات. توفيت في المحرم عن خمس وثمانين سنة.

والرشيد بن سعيد بن علي بن سعيد البصروي الحنفي مدرس الشبيلية. أحد أئمة المذهب. وكان دينا ورعا نحويا شاعرا. توفي في شعبان وقد قارب الستين.

والصائن مقرئ بلاد الروم أبو عبد الله محمد البصري المقرئ المجود الضرير. قرأ القراءات بدمشق على المنخب وكان بصيرا بمذهب الشافعي عدلا خيرا صالحا.

والزين عبد الله بن الناصح عبد الرحمن بن نجم الدين الحنبلي. سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب وببغداد من الداهري وبدمشق من ابن البن وعاش ثمانين سنة. توفي في شوال.

وعبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله الشمس المقدسي الحنبلي. سمع من كريمة وجماعة ودرس وبرع في المذهب وتوفي في شعبان.

وعلي بن بلبان المحدث الرحال علاء الدين أبو القاسم المقدسي الناضري الكركي. مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكي تحت مأذنة فيروز. ولد سنة اثنتي عشرة وسمع من ابن اللتي والقطيعي وابن القبيطي وخلق كثير بالشام ووالعراق ومصر. وعني بالحديث وخرج العوالي. توفي في أول رمضان.

والمراكشي علاء الدين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب. سمع ابن صباح وابن الزبيدي وولي نظر المارستان ونظر الدواوين. توفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة.

وعلاء الدين البندقداري الأمير الذي كان مولى الملك الظاهر. كان أميرا جليلا عاقلا. كان أولا للأمير جمال الدين بن يغمور ثم صار للملك الصالح نجم الدين فجعله بندقداره. توفي بالقاهرة.

وشبل الدولة الطواشي الأمير أبو المسك كافور الصوابي الصالحي الصفوي خزندار قلعة دمشق. روى عن ابن رواج وجماعة. وكان محبا للحديث. عاقلا دينا. توفي في رمضان وقد نيف على الثمانين.

وابن شداد الرئيس المنشئ البليغ عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي. ولد سنة ثلاث عشرة وست مائة وهو الذي جمع السيرة للملك الظاهر وجمع تاريخا لحلب. توفي في صفر

وابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطاهر إسماعيل بن عبد الله الأنصاري المصري. ولد بدمشق سنة تسع وست مائة وسمع حضورا من الكندي وأكثر عن ابن الحرستاني وابن ملاعب وخلق. توفي في ذي الحجة بالقاهرة.

والحراني الأمير ناصر الدين محمد بن الافتخار اياز والي دمشق بعد أبيه ومشد الأوقاف. كان من عقلاء الرجال وألبائهم مع الفضيلة والديانة والمروءة والكلمة النافذة في الدولة. استعفى من الولاية فأعفي. ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها. وتوفي في شعبان فنقل إلى دمشق في آخر الكهولة.

والإخميمي الزاهد شرف الدين محمد بن محمد بن الحسن بن إسماعيل نزيل سفح قاسيون كان صاحب توجه وتعبد وللناس فيه عقيدة عظيمة. توفي في جمادى الأولى.

وابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي المقرئ صاحب الميعاد المعروف. روى عن ابن ملاعب وجماعة. وكان صالحا متواضعا خيرا حسن الوعظ حلو العبارة في الدعاء توفي في جمادى الآخرة. وقد قارب الثمانين.

والرومي الشيخ الزاهد شرف الدين محمد ابن الشيخ الكبير عثمان بن علي صاحب الزاوية التي بسفح قاسيون. كان عجبا في الكرم والتواضع ومحبة السماع. توفي في جمادى الأولى وقد نيف على السبعين

والشاطبي العلامة رضي الدين محمد بن علي بن يوسف الأنصاري إمام عصره في اللغة. ولد سنة إحدى وست مائة وحدث عن ابن المقير وغيره. وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي صاحب ابن هذيل. أشغل الناس بالقاهرة وبها توفي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى.

والمجير بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي. خدم صاحب حماة ومدحه. وله شعر بديع ونظم رائق.

سنة خمس وثمانين وستمائة

فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر ونزل منها وسار إلى مصر.

وفيها توفي أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة بدر الدين أبو العباس الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط راوي مسند الإمام أحمد. أكثر عن حنبل وابن طبرزد وجماعة. وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وخلق. وكان مطبوعا متواضعا توفي في الثامن والعشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة رحمه الله.

والراشدي المقرئ الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن ويحيان المغربي البربري الرجل الصالح. تصدر للإقراء والإفادة وأخذ عنه مثل الشيخ مجد الدين التونسي والشيخ شهاب الدين بن جبارة ولم يقرأ على غير الكمال الضرير. توفي في صفر بالقاهرة.

والصفي خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي الفقيه الحنبلي المقرئ. سمع من ابن الحرستاني وابن ملاعب وطائفة. وتفقه على الموفق وقرأ القراءات على ابن ماسويه وتصدر بالقاهرة للإقراء وناب في القضاء مع وفور الديانة والورع. توفي في ذي القعدة وقد قارب التسعين.

وشامية أمة الحق بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن البكري. روت عن جد أبيها وجدها وحنبل وابن طبرزد وتفردت بعدة أجزاء. توفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان عن سبع وثمانين سنة.

والسراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل التميمي الإسكندراني أخو المقرئ كمال الدين. سمع من التاج الكندي وابن الحرستاني وتوفي بالإسكندرية في ربيع الأول.

والشيخ عبد الدائم الزاهد القدوة تاج الدين ولد زين الدين أحمد ابن عبد الدائم المقدسي. روى عن الشيخ الموفق وجماعة. وتوفي في رمضان وقد نيف على السبعين.

والشيخ عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي ابن الزجاج عفيف الدين أحد مشايخ العراق. فقيه زاهد سني أثري عارف بمذهب أحمد. ولد سنة اثنتي عشرة. وسمع من عبد السلام العبرتي والفتح بن عبد السلام وطائفة. توفي في المحرم بذات حج بعد قضاء الحج.

والشيخ عبد الواحد بن علي القرشي الهكاري الفارقي الحنبلي. سمع من مسمار بن العويش بالموصل ومن موسى بن الشيخ عبد القادر وطائفة بدمشق. وكان عبدا صالحا. توفي في رمضان بالقاهرة وله أربع وتسعون سنة.

والمعين بن تولوا الشاعر المشهور عثمان بن سعيد الفهري المصري. توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة.

والشريشي العلامة جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوائلي الأندلسي الفقيه المالكي الأصولي المفسر. ولد سنة إحدى وست مائة وسمع بالثغر محمد بن عماد وببغداد من أبي الحسن القطيعي وخلق وبدمشق من مكرم. وكان بارعا في مذهب مالك محققا للعربية عارفا بالكلام والنظر قيما بكتاب الله وتفسيره جيد المشاركة في العلوم ذا زهد وتعبد وجلالة. توفي في الرابع والعشرين من رجب.

وابن الخيمي شهاب الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري الصوفي الشاعر المحسن حامل لواء النظم في وقته. سمع جامع الترمذي من علي بن البنا. وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة. توفي في رجب عن اثنتين وثمانين سنة أو أكثر.

والدينوري خطيب كفر بطنا الشيخ جمال الدين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصوفي الشافعي. ولد سنة ثلاث عشرة وست مائة بالدينور وقدم مع أبيه وله عشر سنين. فسكن بسفح قاسيون وسمع الكثير ونسخ الأجزاء واشتغل وحصل وحدث عن ابن الزبيدي والناصح ابن الحنبلي وطائفة. توفي في رجب. وكان دينا فاضلا عالما.

وابن الدباب الواعظ جمال الدين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج محمد بن علي البابصري الحنبلي. ولد سنة ثلاث وست مائة وسمع من أحمد بن صرما وثابت بن مشرف والكبار، وحدث بالكثير. توفي في آخر العام ببغداد.

وابن المهتار الكاتب المجود المحدث الورع مجد الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي. قارئ دار الحديث الأشرفية. ولد في حدود سنة عشر وسمع من ابن الزبيدي وابن صباح وطبقتهما. وروى الكثير توفي في تاسع ذي القعدة.

وابن الزكي قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف ابن قاضي القضاة محيي الدين يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربعين وست مائة وبرع في العلم بذكائه المفرط وقدرته على المناظرة وحله المعضلات. توفي في حادي عشر ذي الحجة وله خمس وأربعون سنة.

سنة ست وثمانين وستمائة

فيها قدم نائب حسام الدين نطاي وسار بالجيوش فحاصر صهيون بوزيه من سنقر الأشقر ونزل إليه بعد التوثيق منه بالإيمان فأعطي مائة فارس بمصر.

وفيها توفي البرهان السنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزرزاري الشافعي. ولي قضاء مصر وحدها مدة في دولة الصالح ثم آذاه الوزير بهاء الدين ونكبه فلما مات ولي الوزارة للملك السعيد فبقي مدة. ثم عزل وضربه الشجاعي. ثم ولي الوزارة نائبا ثم عزل وأوذي. ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم فتوفي بعد عشرين يوما. فيقال إنه سم. توفي في صفر وولي بعده تقي الدين بن بنت الأعز.

وابن يليمان الأديب شرف الدين سليمان بن يليمان بن أبه الجيش الإربلي الشاعر المشهور. أحد ظرفاء العالم. توفي بدمشق في عاشر صفر وقد كمل التسعين.

وابن عساكر الإمام الزاهد أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب ابن زين الأمناء الدمشقي المجاور بمكة. روى عن جده والشيخ الموفق وطائفة. وكان صالحا خيرا قوي المشاركة في العلم بديع النظم لطيف الشمائل صاحب توجه وصدق. ولد سنة أربع عشرة وستمائة وجاوز أربعين سنة وتوفي الشهر الأول.

وعبد العزيز بن عبد المنعم بن علي الصيقل مسند الوقت عز الدين أبو العز الحراني روى عن أبي حامد بن جوالق ويوسف بن كامل وطائفة. وأجاز له ابن كليب فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه. توفي رابع عشر رجب وقد نيف على التسعين.

وابن الحبوبي شهاب الدين أبو الحسن أحمد حمزة بن علي الثعلبي الدمشقي الشاهد روى عن الحرستاني وغيره وأجاز له المؤيد الطوسي وابن الأخضر. توفي في رجب.

وابن القسطلاني الإمام قطب الدين أبو بكر محمد أحمد علي المصري ثم المكي. ولد سنة أربع عشر وستمائة وسمع من علي البنا والشهاب السهروردي وجماعة. وتفقه وأفتى ثم رحل سنة تسعة وأربعين فسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة. وكان أحد من جمع العلم والعمل والهيبة والورع. طلب من مكة وولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وتوفي في المحرم.

والدنيسري الطبيب الحاذق عماد الدين أبو عبد الله محمد عباس بن أحمد الربعي. ولد بدنيسر سنة ست وستمائة. وسمع بمصر من علي مختار وجماعة. وتفقه للشافعي وصحب البهاء زهير مدة وتأدب به وصنف وقال الشعر وبرع في الطب. توفي في ثامن صفر.

والبدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن مالك الطائي الحياني ثم النصفي. شيخ العربية وقدوة أرباب المعاني والبيان. كان ذكيا فهما عارفا بالمنطق والأصول والنظر. لكنه كان لعابا معاشرا. توفي بالقولنج في المحرم ولم يتكهل.

وأبو صادق جمال الدين محمد الشيخ الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى علي القرشي المصري العطار. سمع من محمد عماد وابن باقا وطاف وكتب وخرج الموافقات. توفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة.

سنة سبع وثمانين وستمائة

فيها توفي أبو العباس الفقيه شرف الدين أحمد عبد الله بن أحمد محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الفرضي بقية السلف. سمع من عم أبيه الموفق وتفقه على التقي بن العز. توفي في المحرم عن ثلاث وسبعين سنة. وكان يشغل بجامع الجبل بلا وظيفة وفيه زهد وعبادة وقناعة باليسير ويقظة للمسير.

والجمال ابن الحموي أبو العباس أحمد بن بكر بن سليمان بن علي الدمشقي. حضر ابن طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني. افترى على الحاكم بن الصائغ بشهادة فأسقط لأجلها. ومات بدويرة حمد في ذي الحجة وله سبع وثمانين

والمنقذي أبو الفضل أحمد وأبو إسحاق اللوزي إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي المالكي المحدث. ولد سنة أربع عشرة وحج فسمع من ابن رواج وطبقته وسكن دمشق وقرأ الفقه وتقدم في الحديث والعبادة والإيثار والصفات الحميدة والحرمة والجلالة وناب في القضاء ثم ولي مشيخة دار الحديث الزاهري. وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالينبع.

والشيخ إبراهيم بن معضاد أبو إسحاق الجعبري الزاهد الواعظ المذكي. روى عن السخاوي وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدق كلامه وإخلاصه وصدعه بالحق. توفي في الحمام عن سبع وثمانين سنة وشهر.

وسعد الخير بن أبي القاسم عبد الرحمن نصر بن علي أبو محمد النابلسي ثم الدمشقي الشاهد. سمع الكثير من ابن البن وزين الأمناء وطبقتهما. توفي في حمر الآخر وله سبعون سنة.

وابن خطيب المزة شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي ومسنده. سمع في الخامسة من حنبل وابن طبرزد. وكان فاضلا دينا ثقة توفي تاسع رمضان.

والقطب خطيب القدس أبو الذكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري العوقي النابلسي الشفيع المفتي المفسر. سمع من داود بن ملاعب وأبي عبدة بن البناء وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة. توفي في سابع رمضان وله أربع وثمانون [سنة].

وابن النفيس العلامة علاء الدين علي أبي المحرم القرشي شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف أحد من انتهت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الخارق. والمشار إليه في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق. توفي فيه من ذي القعدة وقد قارب الثمانين. وقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري ولم يخلف بعده مثله.

والنجيب أبو عبد الله محمد أحمد بن محمد المؤيد بن علي الهمذاني ثم المصري المحدث أجاز له بن طبرزد وعفيفة والكبار وسمع من عبد القوي بن الحباب وقرأه بنفسه على ابن باقا ثم صار كاتبا في أواخر عمره ومات في ذي القعدة.

ومحمد عبد الخالق بن طرخان شرف الدين أبو عبد الله الأموي الإسكندراني أجاز له أبو الفخر أسعد بن روح وسمع من علي البنا والحافظ بن المفضل وطائفة كثيرة. عاش اثنين وثمانين سنة.

والحاج ياسين المغربي الحجام الأسود. كان جرائحيا على باب الجابية وكان صاحب كشف وحال. وكان النووي رحمه الله يزوره ويتلمذ له. توفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين.

سنة ثمان وثمانين وستمائة

في أول ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس ودام الحصار والقتال ورمي المجانيق وحفر النقوب ليلا ونهارا إلى أن افتتحها بالسيف في رابع ربيع الآخر وغنم المسلمون ما لا يوصف. وكان سورها منيعا قليل المثل. وهي من أحسن المدائن وأطيبها. فأخربها وتركها خاوية على عروشها. ثم أنشأوا مدينة على ميل من شرقيها فجاءت رديئة الهواء والمزاج.

وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الصالحي. ولد سنة ثمان وست مائة وسمع من أبي القاسم بن الحرستاني وجماعة. واشتغل وتفقه ثم تمفقر وتجرد وصار له أتباع ومريدون أكلة سطلة بطلة. توفي يوم عرفة.

والعلم ابن الصاحب أبو العباس أحمد بن يوسف ابن الصاحب صفي الدين بن شكر المصري. اشتغل ودرس وتميز ثم تمفقر وتجرد وأرسل طابعه واشتلق على بني آدم وعاشر الحماري. وله أولاد رؤساء. ونوادره مشهورة وزوائده حلوة. توفي في ربيع الآخر وقد شاخ. الله يسامحه.

وأحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق أبو العباس أخو شيخنا عيسى المغازي. روى عن موسى بن عبد القادر والموفق وجماعة. توفي في ثاني ذي الحجة عن ثمان وسبعين سنة.

وزينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني الشيخة المعمرة العبادة أم أحمد. سمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة وطائفة. وازدحم عليها الطلبة. وعاشت أربعا وتسعين سنة. توفيت في شوال.

والفخر البعلبكي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف أبو محمد الحنبلي. ولد سنة إحدى عشرة وسمع من القزويني والبهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي وجماعة. وتفقه بدمشق على التقي بن العز وشمس الدين عمر بن المنجا وعرض كتاب علوم الحديث على مؤلفه ابن الصلاح وأتقن العربية وأخذ الأصول عن السيف الآمدي. تخرج به جماعة. وكان من أولياء الله العالمين. توفي في سابع رجب.

والكمال ابن النجار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي مدرس الدولعية ووكيل بيت المال. روى عن ابن أبي لقمة وجماعة. وكان ذا بشر وشهامة.

ومحمد ابن الشيخ العفيف التلمساني سليمان بن علي الكاتب الأديب شمس الدين. كان ظريفا لعابا معاشرا وشعره في غاية الحسن. مات في رجب وله نحو ثلاثين سنة.

وابن الكمال المحدث الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي. ولد سنة سبع وست مائة. وسمع من الكندي وابن الحرستاني حضورا ومن داود بن ملاعب وطائفة. وعني بالحديث وجمع وخرج مع الدين المتين والورع والعبادة. وولي مشيخة الضيائية ومشيخة الأشرفية بالجبل. توفي في تاسع جمادى الأولى.

وشمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد الكافي. نزيل مصر وصاحب التصانيف. له كتاب القواعد في العلوم الأربعة: الأصولين والخلاف والمنطق، وكتاب غاية المطلب في المنطق. وله يد طولى في العربية والشعر. درس بالشافعي ومشهد الحسين. وتخرج به المصريون. وتوفي في العشرين من رجب، وله اثنتان وسبعون سنة.

والمهذب بن أبي الغنائم التنوخي العدل الكبير زين الدين كاتب الحكم بدمشق. ولد سنة ثمان عشرة وقرأ على السخاوي وسمع من مكرم وتفقه. وانتهت إليه رئاسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها. توفي في رجب.

والجرائدي تقي الدين يعقوب بن بدران بن منصور المصري شيخ القراء. أخذ القراءات عن السخاوي وابن ماسويه وأبي القاسم بن عيسى. وروى عن ابن الزبيدي وتصدر للإقراء. توفي في شعبان.

سنة تسع وثمانين وستمائة

فيها توفي نجم الدين ابن الشيخ وهو قاضي القضاة أبو العباس أحمد ابن شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر الحنبلي. ولد سنة إحدى وخمسين وست مائة وسمع من جماعة. وما حدث. كان مليح الشكل حسن السيرة موصوفا بالذكاء. توفي في ثالث عشر جمادى الأولى رحمه الله.

وابن عز القضاة فخر الدين أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزاهد. ولد سنة خمسين وست مائة. وخدم في الكتابة. وكان أديبا شاعرا زاهدا ناسكا خاشعا مقبلا على شبابه حافظا لوقته. توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان. وكانت له جنازة مشهورة.

وطرنطاي نائب المملكة المعظمة حسام الدين المنصوري السيفي. أحد رجال الدهر حزما وعزما ودهاء وذكاء وشجاعة وهيبة. اشتراه السلطان أيام إمرته من أولاد ابن الموصلي. ولما تملك الملك الأشرف ودعه أياما ثم قبض عليه وعذبه إلى أن مات وأخذ أمواله ولم يبلغ خمسين سنة.

وخطيب المصلى عماد الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع العامري المعدل. روى عن ابن البن وزين الأمناء وطائفة توفي في صفر وله ثلاث وسبعون سنة.

والشمس عبد الرحمن بن الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي. ولد سنة ست وست مائة. وسمع من الكندي وابن الحرستاني وطائفة. ثم رحل وأدرك الفتح ابن عبد السلام وطائفة فأكثر. وأجاز له ابن طبرزد وأبو الفخر أسعد بن سعيد. وكان ثقة صالحا نبيلا مهيبا من خيار الشيوخ. توفي في ذي القعدة.

وخطيب دمشق جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي المفتي. ولد سنة اثنتي عشرة وست مائة وسمع من ابن صباح وابن الزبيدي وجماعة. وناب في القضاء مدة وكان دينا حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة. مات في سلخ جمادى الأولى.

والنور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري شيخ الإقراء بديار مصر. أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب أبي الجود وشهر بالإعتناء بالقراءات وععها وسمع من ابن الجميزي وغيره مع الورع والتقى والجلالة. توفي في ربيع الآخر.

والرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الربعي الشافعي الأديب. ولد سنة ثمان وتسعين وخمس مائة. وسمع من الفخر بن تميمة وابن الزبيدي وابن باقا. وكان أديبا بارعا منشئا بليغا شاعرا مفلقا لغويا محققا. درس بالناصرية مدة ثم بالظاهرية وتصدر للإفادة. خنق في بيته في رابع محرم بالظاهرية وأخذ ماله. ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأعز.

والسلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتوح قلاوون التركي الصالحي النجمي. كان من أكبر الأمراء زمن الظاهر وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين وكسر التتار على حمص وغزا الفرنج غير مرة. وتوفي في سادس ذي القعدة بالمخيم يظاهر القاهرة وقد عزم على الغزاة.

وسبط إمام الكلاسة المحدث المفيد بدر الدين محمد بن أحمد بن النجيب. شاب ذكي مليح الخط صحيح النقل حريص على الطلب عالي الهمة. سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وحدث. توفي في صفر.

وابن المقدسي نصر الدين محمد ابن العلامة المفتي شمس الدين عبد الرحمن بن نوح الشافعي الدمشقي. تفقه على أبيه وسمع من ابن اللتي ودرس بالرواحية وتربة أم الصالح. ثم داخل الدولة وولي وكالة بيت المال ونظر للأوقاف وظلم وعسف وعدا طوره. ثم اعتقل بالعذراوية فوجد بها مشنوقا بعد أن ضرب بالمقارع وصودر. توفي في ثالث شعبان.

وابن المحدث العدل شمس الدين محمد بن عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي تزيل دمشق. روى عن ابن روزبة وابن بهروز وعدة. وكان من كبار الشهود. له شعر جيد. ذهب إلى مصر في شهادة فلما رجع غرق بنهر الأردن في جمادى الآخرة.

سنة تسعين وستمائة

دخلت وسلطان الإسلام الملك الأشرف بن المنصور وقد فوض الوزارة إلى شمس الدين ابن السلعوس ونيابة الملك إلى بدر الدين بيدرا. فسار بالجيوش إلى الشام ونزل على عكا في رابع ربيع الآخر وجد المسلمون في حصارها واجتمع عليها أمم لا يحصون فلما استحكمت النقوب وتهيأت أسباب الفتح أخذ أهلها في الهزيمة في البحر وافتتحت بالسيف بكرة الجمعة سابع عشر جمادى الأولى وصير المسلمون سماءها أرضا وطولها عرضا. وأخذ المسلمون بعد يومين مدينة صور بلا قتال لأن أهلها هربوا في البحر لما علموا بأخذ عكا وسلمها الرعية بالأمان وأخربت أيضا. ثم افتتح الشجاعي صيدا في رجب وأخربت ثم افتتح بيروت بعد أيام وهدمها. فلما رأى أهل حصن علثيث خلو الساحل من عباد الصليب أحرقوا حواصلهم وهربوا في البحر ليلة أول شعبان فهدمه المسلمون. وكذلك فعل أهل أنطرسوس. فتسلمها الطباخي في خامس شعبان ولم يبق للنصارى بأرض الشام معقل ولا حصن ولله الحمد.

وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويها الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي صاحب النوادر والطرف. سمع بحران من فخر الدين بن تيمية وبحلب من ابن الأستاذ وببغداد من الدهري وبدمشق من ابن صباح. وقرأ القراءات على السخاوي. توفي في المحرم وقد قارب التسعين.

والسويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء عز الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي. ولد سنة ست مائة وسمع من الشمس العطار وابن ملاعب وطائفة. وتأدب على ابن معطي وأخذ الطب عن المهذب الدخوار وبرع في الطب وصنف فيهن وفاق على الأقران وكتب الكثير بخطه المليح ونظر في العقليات وألف كتاب الباهر في الجواهر والتذكرة في الطب. وتوفي في شعبان.

وأرغون بن أبغا بن هولاوو صاحب العراق وخراسان وأذربيجان تملك بعد عمه الملك أحمد وكان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس سفاكا للدماء عظيم الجبروت. هلك في هذا العام فيقال إنه سم فاتهمت المغل وزيره سعيد اليهودي بقتله. فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا.

وإسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصالحي روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة. توفي في رجب.

وسلامش الملك العادل بدر الدين ولد الملك الظاهر بيبرس الصالحي الذي سلطنوه عند خلع الملك السعيد ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر وبقي خاملا بمصر. فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم وجهزهم إلى مدينة اصطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة. وكان مليح الصورة رشيق القد ذا عقل وحياة.

والتلمساني عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الأديب الشاعر. أحد زنادقة الصوفية. وقد قيل له مرة أأنت نصيري فقال: النصيري بعض مني. وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة والبيان لا من حيث الإيجاد. توفي في خامس رجب وله ثمانون سنة.

وتاج الدين فقيه الشام شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم ابن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربع وعشرين وست مائة وسمع من ابن الزبيدي وابن ماسويه وطائفة. وتفقه على ابن الصلاح وابن عبد السلام وجلس للإشتغال سنة ثمان وأربعين وأفتى سنة أربع وخمسين. وكان مع فرط ذكائه وتوقد ذهنه ملازما للإشتغال مقدما في المناظرة متبحرا في الفقه وأصوله. وانتهت إليه رئاسة المذهب في الدنيا. توفي في خامس جمادى الآخرة وله ست وستون سنة وثلاثة أشهر.

والأبهري القاضي شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشافعي. سمع من ابن روزبة وابن الزبيدي وطائفة وأجاز له أبو الفتح المندائي والمؤيد بن الأخوة وخلق. توفي في شوال بالخانقاه الأسدية وله اثنتان وتسعون سنة إلا أشهرا.

والفخر بن البخاري مسند الدنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي. ولد في آخر سنة خمس وتسعين وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وخلق وأجاز له أبو المكارم اللبان وابن الجوزي وخلق كثير. وطال عمره ورحل الطلبة إليه من البلاد وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد توفي في ثاني ربيع الآخر

وابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين أبو الحسن علي بن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي مدرس الأمينية. توفي في ربيع الآخر وقد نيف على الخمسين. سمع من خطيب مردا والرشيد العطار ولم يحدث.

والفخر الكرجي أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشافعي. ولد سنة تسع وتسعين بالكرج وتفقه بدمشق على ابن الصلاح وخدمه مدة. وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي وطائفة. وليس ممن يعتمد عليه. توفي هو والفخر بن البخاري في يوم.

وغازي الحلاوي أبو محمد بن الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي. سمع من حنبل وابن طبرزد وعمر دهرا وانتهى إليه علو الإسناد بمصر عاش خمسا وتسعين سنة. توفي من رابع صفر بالقاهرة.

والشهاب بن مزهر الشيخ أبو عبد الله محمد عبد الخالق الأنصاري الدمشقي المقرئ قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها. وكان فقيها عالما. وقف كتبه بالأشرفية. توفي في رجب.

ومحمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري شمس الدين أبو عبد الله الصالحي. ولد سنة إحدى وست مائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني وطائفة وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة. وأجاز له ابن طبرزد وجماعة. وكان آخر من سمع من الكندي موتا توفي في وابن المجاور نجم الدين أبو الفتح يوسف ابن الصاحب يعقوب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي الكاتب. ولد سنة إحدى وست مائة وسمع الكندي وعبد الجليل بن مندويه وجماعة. وتفرد برواية تاريخ بغداد عن الكندي. توفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة وكان دينا مصليا إلا أنه يخدم في المكس.

سنة إحدى وتسعين وستمائة

في جمادى الأولى قدم السلطان الملك الأشرف دمشق. وقد فرغ الشجاعي من بناء الطارمة والرواق وقاعة الذهب والقبة الزرقاء بقلعة دمشق. وفرغ جميع ذلك في سبعة أشهر وجاء في غاية الحسن. ثم سار السلطان ونازل قلعة الروم في جمادى الآخرة فنصب عليها المجانيق وجد في حصارها وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار. فلما رأوا أن التتار لا ينجدونهم ذلوا. وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح: "فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها". ثم رد السلطان فعزل عن حلب قراسنقر بالطباخي وولي قلعة الروم عز الدين الموصلي.

وفيها توفي الزكي المعري إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد البعلبكي. عابد صالح سمع من البهاء وحضر الشيخ الموفق. توفي في شوال وهو في عشر التسعين.

وابن دبوقا المقرئ المحقق رضي الدين أبو الفضل جعفر بن القاسم ابن جعفر بن حبيش الربعي الضرير. قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها. وله معرفة متوسطة وشعر جيد توفي في رجب.

وسعد الدين الفارقي الأديب البارع المنشئ أبو الفضل سعد الله بن مروان الكاتب. أخو شيخنا زين الدين. سمع من ابن رواحة وكريمة وطائفة. وكان بديع الكتابة معنى وخطا. توفي في رمضان بدمشق وهوفي عشر الستين.

والسيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرسعني أحد الشهود تحت الساعات. كان عدلا صالحا ناسكا. روى عن الفخر بن تيمية والموفق بن الطالباني وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة. توفي في المحرم عن بضع وثمانين سنة.

وابن صصرى العدل علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي الضرير. آخر من روى صحيح البخاري عن عبد الجليل بن مندويه والعطاء. توفي في شعبان.

ووكيل بيت المال خطيب دمشق زين الدين أبو حفص عمر بن مكي ابن عبد الصمد الشافعي الأصولي المتكلم. توفي في ربيع الأول. وولي بعده الخطابة عز الدين الفاروثي.

والعماد الصائغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم القرشي الدمشقي. روى عن ابن البن حضورا وعن ابن الزبيدي. توفي في شعبان عن بضع وسبعين.

والصاحب فتح الدين محمد ابن المولى محيي الدين بن عبد الله بن عبد الظاهر المصري الكاتب الموقع. روى عن ابن الجميزي. توفي بدمشق في رمضان.

وابن أبي عصرون نور الدين محمود بن القاضي نجم الدين عبد الرحمن بن أبي عصرون التميمي. روى عن المؤيد الطوسي بالإجازة. وتوفي في رمضان.

والنجم أبو بكر بن أبي العز بن مشرف الكاتب ويعرف بابن الحردان. كان لغويا فصيحا متقعرا. له شعر جيد. توفي في صفر.

سنة اثنتين وتسعين وستمائة

فيها سلم صاحب سيس قلعة بهسنا للسلطان صفوا عفوا وضربت البشائر في رجب.

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي المعدل سبط عبد الحق بن خلف ووالد قاضي الحصن. روى عن موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق. توفي في صفر بنواحي البقاع.

وابن النصيبي الرئيس كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي. آخر من حدث عن الافتخار الهاشمي وثابت بن مشرف وأبي محمد بن الأستاذ. توفي بحلب في المحرم.

وأحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصالحي تقي الدين. شيخ صالح روى عن الموفق والقزويني. توفي في رجب.

والفاضل جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرئ صاحب السخاوي. ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة. وسمع من ابن الزبيدي وجماعة وكتب الكثير. توفي في مستهل جمادى الأولى.

والأرموي الشيخ الزاهد إبراهيم ابن الشيخ القدوة عبد الله. روى عن الشيخ الموفق وغيره. توفي في المحرم. وحضره ملك الأمراء والقضاة. وحمل على الرؤوس. وكان صالحا خيرا متقنا قانتا لله.

وابن الواسطي العلامة الزاهد القدوة مسند الوقت تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي. ولد سنة اثنتين وست مائة وسمع من ابن الحرستاني وابن البناء وطائفة. ورحل إلى بغداد فسمع من الفتح بن عبد السلام وطبقته وأجاز له ابن طبرزد وأبو الفخر أسعد وخلق. وتفقه واتقن المذهب. ودرس بالصاحبية وكان فقيها زاهدا عابدا مخلصا قانتا صاحب جد وصدق وقول بالحق وله هيبة في النفوس. توفي في رابع عشر جمادى الآخرة.

وصفية بنت الواسطي أخت المذكور. روت عن الموفق وابن راجح. وتوفيت في ذي الحجة عن نيف وثمانين سنة.

ومحيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصري الديب كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين. توفي بمصر.

والمكين الأسمر عبد الله بن منصور الإسكندراني شيخ القراء بالإسكندرية. أخذ القراءات عن أبي القاسم بن الصفراوي وأقرأ الناس مدة.

والتقي عبد بن محمد الإسعردي الحافظ نزيل القاهرة. سمع الكثير من أصحاب السلفي وخرج لغير واحد. توفي في هذا العام. وكان ثقة.

والسيف علي بن الرضي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار المقدسي الحنبلي نقيب الشيخ شمس الدين. سمع من ابن البن والقزويني وحضر موسى والوفق. توفي في شوال.

وابن الأعمى صاحب المقامة التي في صفات البحرية كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الأديب الشاعر. روى عن ابن اللتي وغيره. توفي في المحرم عن سن عالية.

وابن قرقين الأمير ناصر الدين علي بن محمود بن قرقين. أجاز له الكندي وسمع من القزويني وغيره. توفي في شعبان.

وابن الأستاذ عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد ابن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي. مدرس المدرسة الظاهرية التي بظاهر دمشق. روى سنن ابن ماجه عن عبد اللطيف. توفي في ربيع الأول.

ومحمد بن إبراهيم بن ترجم أبو عبد الله المصري آخر من روى جامع الترمذي عن علي بن البناء.

سنة ثلاث وتسعين وستمائة

في سابع المحرم قتل السلطان بترزجة في الصيد ثم قتل نائبه بيدرا وحلفوا للسلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون. وهو ابن تسع سنين. وجعل نائبه كتبغا. وبسط العذاب علي الوزير ابن السلعوي حتى مات وأخذت أمواله ثم قتل الشجاعي.

وفيها توفي ابن مزيز المحدث المفيد تقي الدين إدريس بن محمد التنوخي الحموي. روى عن ابن رواحة وصفية بنت الحبقبق وطبقتهما وعني بالحديث. توفي في ربيع الآخر.

وإسحاق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتاني المقرئ. روى عن البهاء عبد الرحمن وتوفي بدمشق في ذي القعدة.

وبكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدين المنصوري. توفي بمصر في جمادى الآخرة.

والملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور سيف الدين. ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة سنة تسع وثمانين. وفتك به بيدرا ولاجين وجماعة في المحرم وتسلطن بيدرا في الحال ولقب بالملك القاهر. فأقبل كتبغا والخاصكية وحملوا على بيدرا فقتلوه من الغد وله بضع وثلاثون سنة، وللأشرف نحو ذلك أو أقل.

وابن الخويي قاضي القضاة شهاب الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن الخليل بن سعادة بن جعفر الشافعي. روى عن ابن اللتي وابن المقير وطائفة. وكان من أعلم أهل زمانه وأكثرهم تفننا وأحسنهم تصنيفا وأحلاهم مجالسة. ولي القضاء بحلب مدة ثم ولي قضاء الشام من بعد بهاء الدين بن الزكي ومات في خامس وعشرين رمضان.

والملك الحافظ غياث الدين محمد بن شاهنشاه ابن صاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه بن فروخشاه الأيوبي. روى صحيح البخاري عن ابن الزبيدي ونسخ الكثير بخطه وتوفي في شعبان.

والدمياطي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله. أخذ القراءات عن السخاوي وتصدر واحتيج إلى علو روايته وقرأ عليه جماعة. توفي في صفر وله نيف وسبعون سنة.

وابن السلعوس الوزير الكامل مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي التاجر الكاتب. ولي حسبة دمشق فاستصغره الناس عنها فلم ينشب أن ولي الوزارة ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله. مات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسدهـ من شدة الضرب وقطع منه اللحم الميت. نسأل الله العافية.

وابن التنبي فخر الدين محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب صاحب الخط المنسوب. روى عن الشيخ الموفق وغيره. وتوفي في جمادى الأولى.

سنة أربع وتسعين وستمائة

في حادي عشر المحرم تسلطن الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري وزينت مصر والشام وله نحو من خمسين سنة يومئذ. أخذ يوم وقعة حمص مع التتار الهولاوونية.

وفيها توفي ابن المقدسي العلامة شرف الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد الشافعي خطيب دمشق ومفتيها وشيخ الشافعية بها. ولد سنة نيف وعشرين وست مائة وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة. وسمع من السخاوي وابن الصلاح وتفقه على ابن عبد السلام وغيره وبرع في الفقه والأصول العربية. وناب في الحكم مدة ودرس بالشامية والغزالية. وكتب الخط المنسوب الفائق. وألف كتابا في الأصول. وكان كيسا متواضعا متنسكا ثاقب الذهن مفرط الذكاء طويل النفس في المناظرة. توفي في رمضان.

والفاروثي الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرئ الصوفي شيخ العراق. ولد سنة أربع عشرة وست مائة وقرأ القراءات على أصحاب الباقلاني وسمع من عمر بن كرم وطبقته. وكان إماما عالما متفننا متضلعا من العلوم والآداب حسن التربية للمريدين. لبس الخرقة من السهروردي وجاور مدة. ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين فأقرأ القراءات وروى الكثير. وولي الخطابة بعد ابن المرحل ثم عزل بعد سنة بالخطيب الموفق. فسافر مع الحجاج ودخل العراق. توفي في أول ذي الحجة وقد نيف على الثمانين رحمه الله.

والجمال المحقق أبو العباس أحمد بن عبد الله الدمشقي. كان فقيها ذكيا مناظرا بصيرا بالطب. درس وأعاد. وكان فيه لعب ومزاح. توفي في رمضان عن نحو ستين سنة. روى عن ابن طلحة.

والتاج إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري المحدث. كان عالما جليلا له معرفة وفهم. سمع من جعفر الهمذاني وابن المقير وهذه الطبقة. مات فجأة في رجب.

والمحب الطبري شيخ الحرم أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم المالكي الشافعي الحافظ. ولد سنة خمس عشرة وست مائة وسمع من ابن المقير وجماعة. وصنف كتابا حافلا في الأحكام في عدة مجلدات. توفي في ذي القعدة. وتوفي قبله بأيام ولده جمال الدين محمد قاضي مكة.

وعبد الصمد الخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن القاضي جمال الدين بن الحرستاني أبو القاسم الشافعي. كان صالحا زاهدا صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير. روى عن زين الأمناء وابن الزبيدي وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة.

وابن سحنون خطيب النيرب مجد الدين شيخ الأطباء أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي. روى عن خطيب مردا يسيرا وله شعر وفضائل. توفي في ذي القعدة.

والمتوني أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي الشواء ثم أمين السجن. سمع ابن غسان وابن الزبيدي وطائفة. وتوفي في ذي القعدة وقد نيف على السبعين.

وابن الزوري أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر. روى عن ابن القبيطي. ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون. وكان نبيلا سريا. جمع تاريخا ذيل به على المنتظم. توفي في صفر عن ثلاث وستين سنة. وهو أبو الواعظ نجم الدين.

وابن الحامض أبو الطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي التاجر. روى عن عبد الداهري وجماعة. توفي بمصر يوم الأضحى.

وابن العديم الصاحب جمال الدين أبو غانم محمد ابن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد القيلي الحلبي الفرضي الكاتب. سمع من ابن رواحة وطائفة وببغداد ودمشق. وانتهت إليه رئاسة الخط المنسوب. توفي بحماة في أول أيام التشريق وله ستون سنة.

وقاضي نابلس جمال الدين محمد بن القاضي نجم الدين محمد ابن القاضي شمس الدين سالم بن يوسف بن صاعد القرشي المقدسي الشافعي. روى عن أبي علي الأوقي وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.

وصاحب اليمن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول. توفي في رجب وبقي في السلطنة نيفا وأربعين سنة. وبقي قبله أبوه نيفا وعشرين سنة. سامحهما الله.

والجوهري الصدر نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق. توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سن عالية.

وأبو بكر بن إلياس بن محمد بن سعيد الرسعني الحنبلي. روى عن الفخر ابن تيمية والقزويني. وتوفي بالقاهرة.

وأبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السلمي الدمشقي رجل مستور. روى عن الشيخ الموفق وغيره. توفي في إحدى الربيعين. وله ثلاث وثمانون سنة.

سنة خمس وتسعين وستمائة

استهلت وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط حتى أكلوا الجيف. وأما الموت فيقال إنه أخرج في يوم واحد ألف وخمس مائة جنازة. وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة. وبيع الخبز كل رطل وثلث بالمصرية بدرهم نقرة.

وفيها قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ سعد الدين بن حموية الجويني طالب حديث فسمع الكثير وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطوسي. وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون أسلم على يده بوساطة نوروز وكان يوما مشهودا.

وأما دمشق فاستسقى الناس وبلغ الخبز كل عشر أواق بدرهم في جمادى الآخرة. وارتفع فيه الوباء والقحط عن مصر ونزل الأردب إلى خمسة وثلاثين درهما. فرحلت إليها حينئذ بإذن والدي.

وفي ذي القعدة قدم الملك العادل كتبغا دمشق وسار إلى حمص.

وفيها في ربيع الآخر قتل جماعة من حراس دمشق فاختبط البلد ثم بعد أيام أخذ حرفوش ناقص العقل فاعترف أنه كان يأتي إلى الحارس وهو نائم فيضربه على يافوخه بحجر يقتله حتى قتل عشرة فسمروه.

وفيها توفي أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان العلامة الكبير شيخ الفقهاء نجم الدين أبو عبد الله الحراني النميري الحنبلي مصنف الرعاية الكبرى. توفي في صفر بالقاهرة وله اثنتان وتسعون سنة. روى عن الحافظ عبد القادر الرهاوي وفخر الدين بن تيمية وطائفة. وانتهت إليه معرفة المذهب.

وأحمد بن عبد الباري الشيخ أبو العباس الداري الصعيدي ثم الإسكندراني المؤدب الرجل الصالح. قرأ القراءات على أبي القاسم بن عيسى وأكثر منه وعن الصفراوي. توفي في أوائل السنة عن ثلاث وثمانين سنة.

والمنقذي أبو الفضائل أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي. خادم مصحف مشهد علي بن الحسين. روى عن ابن غسان وابن صباح وجماعة وله حضور على ذرع بن فارس. توفي في ذي الحجة.

والشريف عز الدين نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الحلبي ثم المصري الحافظ المؤرخ. روى عن فخر القضاة أحمد بن الجباب وأكثر عن أصحاب البوصيري وعني بالحديث وبالغ. توفي سادس المحرم.

وقاضي الحنابلة الإمام شرف الدين حسن بن الشرف عبد الله ابن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي. ولي القضاء بعد نجم الدين ابن الشيخ، وإلى أن توفي في شوال وله سبع وخمسون سنة.

وبنت الواسطي الزاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحة. روت عن الشيخ الموفق وتوفيت في المحرم وقد قاربت التسعين.

والتقي شبيب بن حمدان الحراني الطبيب الكحال الشاعر له نظم فائق وتقدم في الطب. روى عن أبي الحسن بن روزبة وغيره. توفي في هذه السنة بمصر.

وابن قوام العدل الصالح كمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد ابن نصر بن قوام بن وهب الرصافي ثم الدمشقي. حدثنا عن القزويني وابن الزبيدي ومات فجأة في ذي القعدة وله ثمانون سنة رحمه الله.

وابن رزين الامام صدر الدين عبد البر بن قاضي القضاة تقي الدين محمد. توفي في رجب. وولي بعده تدريس القيمرية إمام الدين القزويني الذي ولي القضاء.

وابن بنت الأعز قاضي الديار المصرية تقي الدين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب العلامي الشافعي. وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا. توفي في جمادي الأولى كهلا.

وابن الفاضل الشيخ سعد الدين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل. سمع من عبد الصمد الغضاري.

سنة ست وتسعين وستمائة

توجه الملك العادل إلى مصر فلما كان باللجون وثب حسام الدين لاجين المنصور على بتخاص وبكتوت الأزرق فقتلهما وكانا جناحي أستاذهما العادل. فخاف وركب سرا وهرب في أربعة مماليك وساق إلى دمشق فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك. وزال ملكه وخضع المصريون لحسام الدين ولم يختلف عليه اثنان ولقب بالملك المنصور. وأخذ العادل تحت الحوطة فأسكن بقلعة صرخد وقنع بها.

وفيها توفي ابن الأغلاقي أبو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري. روي لنا عن عبد القوي وابن الحباب وابن باقا. وكان إمام مسجد. توفي في صفر عن ست وثمانين سنة.

وابن الظاهري الحافظ الزاهد القدوة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الحنفي المقرئ المحدث. توفي بزاويته بالمقس بظاهر القاهرة في ربيع الأول وله سبعون سنة. كان أحد من عني بهذا الشأن وكتب عن سبع مائة شيخ بالشام والجزيرة ومصر، وحدث عن ابن اللتي والإربلي فمن بعدهما. وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه.

والنفيس إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الراني ثم الدمشقي ناظر الأيتام وواقف النفيسية بالرصيف. روى عن مكرم القرشي. وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة.

والضياء جعفر بن محمد بن عبد الرحيم أبو الفضل الحسيني المصري الشافعي المفتي أحد كبار الشافعية. روى لنا عن سبط السلفي ومات في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.

والضياء دانيال بن منكلي الشافعي قاضي الكرك. قرأ على السخاوي وسمع من ابن اللتي وابن الخازن وطائفة. وكان له رواء ومنظر ولديه فضائل. توفي في رمضان.

والتاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان أبو محمد البعلبكي القاضي. فقيه عالم جيد المشاركة في الفنون ذو حظ من عبادة وتواضع. روى عن الشيخ الموفق والقزويني والبهاء عبد الرحمن. توفي في تاسع المحرم وله ثلاثة وتسعون سنة.

وقاضي الحنابلة بالقاهرة عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي. محمود القضايا عمدة في الأحكام مثبت مليح الشكل. روى عن ابن اللتي حضورا وعن جعفر الهمذاني. توفي في صفر وله خمس وستون سنة.

والضياء السبتي أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصوفي المحدث. ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة مع السهروردي وسمع وقرأ الكثير على يوسف بن المخيل والصفراوي وابن المقير. توفي بالقاهرة قجأة في رجب وله ثلاث وثمانون سنة.

ومحمد بن بلغز البعلبكي رجل مبارك. حدثنا عن البهاء عبد الرحمن.

والتلعفري الشيخ محمد بن جوهر الصوفي المقرئ. وقرأ على أبي إسحاق بن وثيق ولقن مدة. وكان عارفا بالتجويد. وروى عن يوسف بن خليل وغيره. توفي بدمشق في صفر.

ومحمد بن حازم بن حامد بن حسن الشيخ شمس الدين المقدسي الصالحي الحنبلي. شيخ عالم صالح مهيب حسن السمت كثير العبادة. روى عن أبي القاسم بن صصرى وابن عساكر وحدث بالصحيح عن ابن الزبيدي. توفي في ذي الحجة عن ست وسبعين سنة.

والضياء بن النصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب. وزر لصاحب حماة وحدث عن ابن روزبة والموفق عبد اللطيف. توفي في رجب.

والرضي محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني الشافعي المفتي النحوي الزاهد شيخ الحرم وفقيهه. روى عن ابن الجميزي وغيره.

ومحمد بن أبي بكر بن بطيخ أبو عبد الله الدمشقي. روى لنا عن الناصح وكان ينادي ويتبلغ. توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة.

وابن العدل محيي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني، مدرس مدرسة جده بالزبداني. حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي. توفي في المحرم.

وابن عطاء أبو المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي. روى عن ابن الزبيدي وغيره. توفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة.

وأبو تغلب بن أحمد الفاروثي الواسطي. سمع ابن الزبيدي وابن باسويه. وتوفي بدمشق في المحرم وله إحدى وتسعون سنة.

سنة سبع وتسعين وستمائة

فيها توفي الشهاب العابد أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الحنبلي. فقيه إمام لا يدرك شأوه في علم التعبير. روى عن ابن رواج وابن الجميزي. توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبعين سنة.

والصدر ابن عقبة الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد عقبة البصروي الحنفي. مفت مدرس ولي إمرة قضاء حلب وكان ذا همة وجلادة وسعي. توفي في رمضان عن سن عالية.

وجبريل بن إسماعيل بن جبريل الشارعي أبو الروح بن الخطاب شيخ مقرئ متواضع بزوري يؤم بمسجد. توفي في هذا العام ظنا. روى لنا عن ابن باقا وغيره. وخرج عنه الأبيوردي في معجمه.

وعائشة بنت المجد عيسى بن الشيخ موفق الدين المقدسي. مباركة صالحة عابدة روت لنا عن جدها وابن راجح. وعاشت ست وثمانين سنة.

والكمال الفويرة مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرئ البزار المكثر شيخ المستنصرية. قرأ القراءات على الفخر الموصلي وسمع من أحمد بن صرما وأبي الوفاء محمود بن منده وجماعة. وأجاز له ابن طبرزد وعبد الوهاب بن سكينة. وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث. توفي في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة. وقد ضعف ووقع في الهرم.

وابن المغيزل الصدر شرف الدين عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي الشافعي. روى عن الكاشغري وابن الخازن. وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة.

وابن واصل قاضي حماة جمال الدين أبو عبد الله محمد ابن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي. توفي في شوال وبلغ التسعين. وكان من أذكياء العالم وله يد طولى في العقليات. روى عن زكي الدين البرزالي.

وابن المغربي بدر الدين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرئ. عبد خير صالح عالم كتب العلم وقرأ بنفسه روى عن كريمة وابن المقير وطائفة. توفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة.

ومحمد بن صالح بن خلف الجهني أبو عبد الله المصري المقرئ. حدثنا عن ابن باقا. وتوفي في حدود هذه السنة.

والأيكي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الفارسي الشافعي الأصولي المتكلم الصوفي. توفي في رمضان بالمزة وكان من أبناء السبعين ودرس مدة بالغزالية ثم تركها.

سنة ثمان وتسعين وستمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدين، ونائبه منكوتمر. وهو معتمد عليه في جل الأمور. فشرع يمسك كبار الأمراء ويبقي آخرين.

وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام وبكتمر السلحدار والبكي وغيرهم من فعائل منكوتمر وخافوا أن يبطش بهم. وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام فأجمعوا على المشي إليه. وكانوا مجردين بحمص فساروا منها على البرية ورد معظم العسكر. فلم يلبث أن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي ومن قام معه، هجم عليه كرجي في ستة أنفس وهو يلعب بعد العشاء بالشطرنج ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله وبريد البدوي وأمامه المجير بن العسال. قال حسام الدين: رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه. ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد ونودي للملك الناصر وأحضروه من الكرك. فاستناب في المملكة سلار. ثم قتل كرجي وطغجي الأشرفيان ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده. وقدم الأفرم على نيابة دمشق في جمادى الأولى.

وفيها توفي ابن الحصيري نائب الحكم نظام الدين أحمد ابن العلامة جمال الدين محمود أحمد البخاري الأب الدمشقي الحنفي وله نحو من سبعين سنة.

والصوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدين الحبشي. من المقدمين بدمشق. وله مائة فارس. توفي فجأة بقرية الخيارة في جمادى الأولى. وكان دينا معمرا موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي. روى لنا عن ابن عبد الدائم.

والبيسري الأمير الكبير بقية الصالحية وعين البحرية بدر الدين بيسري الشمسي. مات بالجب في ذي القعدة وقد شاخ.

والتقي البيع الصاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي في جمادى الآخرة، ودفن بتربته بسفح قاسيون. وكان ناهضا كافيا في فنه وافر الحشمة والغلمان. عاش ثمانيا وسبعين سنة. وكان مولده بعرفة.

والعماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النابلسي صاحب المدرسة بنابلس. روى عن الموفق وابن راجح وموسى بن عبد القادر وجماعة. وطال عمره وقصد بالزيارة وتفرد بأشياء. توفي في ذي الحجة.

والشيخ علي الملقن بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي المقرئ البغدادي العبد الصالح. روى عن ابن الزبيدي وغيره. وعاش ستا وثمانين سنة. توفي في رابع شوال.

وابن القواس مسند الوقت ناصر الدين أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي في ثاني ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة. سمع حضورا من ابن الحرستاني وأبي يعلى بن أبي لقمة فكان آخر من روى عنهما. وأجاز له الكندي وطائفة. وخرجت له مشيخة. وكان دينا خيرا متواضعا محبا للرواية.

وابن النحاس العلامة حجة العرب بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي شيخ العربية بالديار المصرية. توفي في جمادى الأولى وله إحدى وسبعون سنة. روى عن الموفق بن يعيش وابن اللتي وجماعة. وكان من أذكياء أهل زمانه.

وابن النقيب الإمام المفسر العلامة المفتي جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنفي مدرس العاشورية بالقاهرة. ولد سنة إحدى عشرة وقدم مصر فسمع بها من يوسف بن المخيلي. وصنف تفسيرا كبيرا إلى الغاية. وكان إماما زاهدا عابدا مقصودا بالزيارة متبركا به أمارا بالمعروف كبير القدر. توفي في المحرم ببيت المقدس.

وصاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن المظفر محمود بن المنصور محمد بن عمر بن شاهنشاه الحموي آخر ملوك حماة. مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة.

والملك المنصور صاحب مصر والشام حسام الدين لاجين المنصوري السيفي. قدم في أول سلطنة أستاذه نائبا على قلعة دمشق. فلما تملك سنقر الأشقر تلك الأيام اعتقله بالقلعة. ثم ولي وجاءه تقليد نيابة دمشق في أثناء سنة تسع وسبعين واستمر إلى سنة تسعين فحمدت سيرته. ثم عزل بالشجاعي وقبض عليه الملك الأشرف ثم أطلقه ثم قبض عليه وخنقه، ثم رق له وتركه بآخر رمق، ثم أنعم عليه. وكان أحد من خرج عليه لقتله ثم اختفى أشهرا فأجاره نائب الوقت كتبغا وعفا عنه السلطان وأعطي خبزا وارتفع شأنه وعظم وقعه في النفوس وهابته الشجعان. فلما تسلطن كتبغا استنابه فودعه سنتين وتوثب عليه فأخذ منه الملك ولم يؤذه. وأقام في السلطنة سنتين وقتل. وكان فيه دين وعدل في الجملة. وهو أشقر أصهب تام القامة. عاش نحو خمسين سنة. وقتل معه نائبه منكوتمر.

وياقوت المستعصي الكاتب الأديب جمال الدين البغدادي. أحد من انتهت إليه رئاسة الخط المنسوب.

والملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الناصر صاحب الكرك ابن المعظم. توفي بالقدس في ذي الحجة وله سبعون سنة. سمع من ابن اللتي وروى عنه الدمياطي في معجمه.

سنة تسع وتسعين وستمائة

في أوائلها تيقن قصد التتار الشام. فوصل السلطان الملك الناصر إلى دمشق في ثامن ربيع الأول وانجفل الناس من كل وجه وهج الناس على وجوههم وسار الجيش في سابع عشر الشهر وتضرع الخلق إلى الله والتقى الجمعان بوادي الخزندار بين حمص وسلمية يوم الأربعاء في الثامن والعشرين من الشهر. فاستظهر المسلمون وقتل من التتار نحو العشرة آلاف وثبت ملكهم غازان ثم حصل المخازن وولت الميمنة بعد العصر وقاتلت الخاصكية أشد قتال إلى الغروب. وكان السلطان آخر من انصرف بحاشيته. فسار نحو بعلبك وتفرق الجيش وقد ذهبت أمتعتهم ونهبت أموالهم ولكن قل من قتل منهم وجاءنا الخبر من الغد فخار الناس وأبلسوا وأخذوا يتسلون بإسلام التتار ويرجون اللطف. فتجمع أكابر البلد وساروا إلى خدمة غازان. فرأى لهم ذلك وفرح بهم وقال: نحن قد بعثنا الفرمان بالأمان قبل أن تأتوا. ثم انتشرت جيوش التتار طولا وعرضا وذهب للناس من الأهل والمال والمواشي ما لا يحصى. وحمى الله دمشق من النهب والسبي والقتل ولله الحمد لكن صودروا مصادرة عظيمة ونهب ما حول القلعة لأجل حصارها. وثبت متوليها علم الدين أراجوش ثباتا لا مزيد عليه ثم هابه التتار ودام الحصار أياما عديدة. وأدمن الناس على الخوف وأخذ الدواب جميعها وشدة العذاب في المصادرة مع الغلاء والجوع وضروب الهم والفزع لكنهم بالنسبة إلى ما تم بجبل الصالحية من السبي والقتل أحسن حالا. فقيل إن الذي وصل إلى ديوان غازان من البلد ثلاثة آلاف ألف وسبع مائة سوى ما أخذ في الترسيم والبرطيل ولشيخ الشيوخ. وكان إذا ألزم التاجر بألف درهم لزمه عليها فوق المائتين ترسيما يأخذه التتار. ثم أعان الله وترحل الملك في ثاني عشر جمادى الأولى غير مصحوب بالسلامة. ثم ترحل بقية التتار بعد عشرة أيام. ودخلت الجيوش القاهرة في غاية الضعف ففتحت بيوت المال وأنفق فيهم نفقة لم يسمع بمثلها. ومدة انقطاع خطبة الناصر من خوف التتار مائة يوم.

وفيها توفي من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس. وقتل بالجبل ومات بردا وجوعا نحو أربعة آلاف، منهم سبعون نسمة من ذرية الشيخ أبي عمرو.

وفيها توفي أحمد بن زيد الجمالي الصالحي. فقير مبارك. روى عن ابن الزبيدي وغيره.

وأحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف أبو العباس المقدسي ثم الحراني المقرئ. روى عن القزويني وابن روزبة ووالده الفقيه أبي الربيع. توفي في جمادى الآخرة وله أربع وثمانون سنة.

وأحمد بن عبد الله بن عبد العزيز أبو العباس اليونيني الصالحي الحنفي. سمع البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي. استشهد بالجبل في ربيع الآخر.

وأحمد بن علي بن البليبل البغدادي الحمصاني. روى عن ابن اللتي.

وأحمد بن فرج بن أحمد الإشبيلي الإمام شهاب الدين أبو العباس الشافعي المحدث الحافظ. تفقه على ابن عبد السلام وحدثنا عن ابن عبد الدائم وطبقته. وكان له حلقة اشتغال بجامع دمشق. عاش خمسا وسبعين سنة. وكان ذا ورع وعبادة وصدق.

وأحمد بن محمد بن حمزة بن منصور أبو العباس الهمذاني الطبيب النجم الحنيبلي. روى عن ابن الزبيدي ومات بدويرة حمد في رمضان.

وأحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح أبو العباس ابن المجاهد الصالحي الحداد. روى عن أبي القاسم بن صصرى وابن الزبيدي وأجاز له الشيخ الموفق. هلك بالجبل فيمن هلك رحمه الله.

وابن جعوان المفتي الزاهد شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي الشافعي أخو الحافظ شمس الدين. كان عمدة في النقل. روى عن ابن عبد الدائم.

وأحمد بن محسن بن ملي العلامة نجم الدين. أحد أذكياء الرجال وفضلائهم في الفقه والأصول والطب والفلسفة والعربية والمناظرة. روى عن البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي. وتوفي في جمادى الآخرة بجبل الظنيين وله اثنتان وثمانون سنة.

وأحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عساكر المسند الأجل شرف الدين أبو العباس الدمشقي. ويقال أبو الفضل. ولد سنة أربع عشرة وسمع القزويني وابن صصرى وزين الأمناء وطائفة. وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وآخرون. وروى الكثير وتفرد بأشياء. توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى.

وإبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح العماد الماسح ولد القاضي نجم الدين المقدسي الصالحي. روى عن إساعيل بن مظفر وجماعة وبالإجازة عن عمر بن كرم. توفي في أواخر السنة عن نيف وسبعين سنة.

وإبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو أبو إسحاق الفراء الصالحي. سمع الموفق والبهاء والقزويني. استشهد بالجبل وله سبع وثمانون سنة.

وإبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر. حدثنا عن ابن اللتي. توفي في جمادى الأولى بعد الشدة والضرب.

وأيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الشيخ بهاء الدين أبو صابر الأسدي الحلبي الحنفي بن النحاس. مدرس القليجية وشيخ الحديث بها. روى لنا عن ابن روزبة ومكرم وابن الخازن والكاشغري وابن خليل. توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة.

وبلال المغيثي الطواشي الكبير الأمير أبو الخير الحبشي الصالحي. روى عن عبد الوهاب بن رواج. توفي بعد الهزيمة بالرمل وهو في عشر المائة.

وجاعان الأمير الكبير سيف الدين الذي ولي الشد بدمشق. كان فيه خير ودين. توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة.

والمطروحي الأمير جمال الدين بن الحاجب من جلة أمراء دمشق ومشاهيرهم. عمل للحجوبية مدة وعدم بعد الوقعة، فيقال أسر وبيع للفرنج.

وحسام الدين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أنو شروان الرازي ثم الرومي الحنبلي. عدم بعد الوقعة وتحدث أنه في الأسر بقبرص ولم يثبت ذلك. فالله أعلم. وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين.

وابن هود الشيخ الزاهد بدر الدين حسن بن علي بن يوسف بن هود المرسي الصوفي الاتحادي الضال. مات في السادس والعشرين من شعبان بدمشق وله وستون سنة.

وابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي. وكان قد أعطي الطبل خاناه. مات بالبقاع في شوال. وحمل إلى تربته بقاسيون.

وابن الصيرفي شرف الدين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري المحدث. أحد من عني بالحديث. وقرأ وكتب وولي مشيخة الفارقانية. روى عن ابن رواج وابن قميرة وطائفة. ومات في ذي الحجة.

وخديجة بنت المفتي محمد بن محمود بن المراتبي أم محمد. روت لنا عن ابن الزبيدي. وتوفيت في جمادى الأولى بالجبل.

وخديجة بنت يوسف بن غنيمة العالمة الفاضلة أمة العزيز. روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة. وقرأت غير مقدمة في النحو وجودت الخط على جماعة. وتكلمت في الأعزية مدة. وحجت. توفيت عن نيف وسبعين سنة.

وزينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدار الدمشقية المحتد. لها أوقاف ومعروف. روت بالإجازة عن المؤيد الطوسي وأبي روح وعدة. توفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة.

والشيخ سعيد الكاساني الفرغاني شيخ خانقاه الطاحون وتلميذ الصدر القونوي. كان أحد من يقول بالوحدة. شرح تائية ابن الفاوض في مجلدتين. ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة.

وابن الشيرجي الصاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد بن محمد. مات في رجب عن نيف وستين سنة. سمع من ابن الصلاح ولم يحدث. وكان ناظر الدواوين. فأقره نواب التتار على النظر. فمنع أراجوش الناس من تشييعه وطردوهم لذلك وما بقي معه غير ولده.

والدواداري الأمير الكبير علم الدين سنجر التركي الصالحي. من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم. وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث وفيه ديانة وكرم. سمع الكثير من الزكي المنذري والرشيد العطار وطبقتهما. وله معجم كبير وأوقاف بدمشق والقدس. تحيز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة رحمه الله.

وصفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء المنادي أم محمد. روت في الخامسة عن الشيخ الموفق وعدمت في الجبل.

والطيار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري. أدركته التتار بنواحي غزة. فقاتل عن حريمه حتى قتل، وحصل له خير بذلك، فإنه كان مسرفا على نفسه.

وعبد الدائم بن أحمد بن ربح المحجي القباني الصالحي. روى لنا عن بن الزبيدي وغيره. مات في تاسع جمادى الأولى بالجبل بعد شدائد.

والباجربقي المفتي المفتن جمال الدين عبد الله بن عمر بن عثمان الشيباني الدنيسري الشافعي. اشتغل بالموصل وقدم دمشق فدرس واشتغل. وحدث بجامع الأصول عن رجل عن مؤلفه. وعاش نحو التسعين أو أكثر. وكان حسن السمت كثير العبادة والإفادة. توفي في خامس شوال.

وعبد العزيز بن محمد بن عبد الحق بن خلف العدل الإمام عز الدين أبو محمد الدمشقي الشافعي. روى عن ابن الزبيدي والإربلي وطائفة. وكتب الخط المنسوب توفي في جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة.

وابن الزكي القاضي عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد القرشي مدرس العزيزية. وقد ولي نظر الجامع وغير ذلك ومات كهلا.

وعبد الولي بن علي بن السماقي. روى عن ابن اللتي. توفي أيام التتار ودفن داخل السور.

وعبيد الله بن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلاف. روى عن جعفر الهمداني وكريمة.

والمؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقربا. عدل كاتب متميز. روى عن ابن اللتي والناصح وطائفة. توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة.

وعلي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة أبو الحسن المقدسي. قيم جامع الجبل. اعتنى بالرواية قليلا وكتب أجزاء وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن صباح وببغداد من الكاشغري وطائفة. وكان صالحا كثير التلاوة. عذبه التتار إلى أن مات شهيدا وله اثنتان وثمانون سنة.

وعلي بن مطر المحجي ثم الصالحي البقال. روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي. وقتل بالجبل في جمادى الأولى.

وابن العقيمي شيخ الأدباء جمال الدين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني الكاتب. ولد سنة ست وست مائة برأس عين. وأجاز له الكندي. وسمع من القزويني وابن روزبة وطائفة. وبرع في النظم والنثر. توفي في شوال.

وإمام الدين قاضي القضاة أبو القاسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي. انجفل إلى مصر فتألم في الطريق وتوفي بالقاهرة بعد أسبوع في ربيع الآخر. وكان تام الشكل سمينا متواضعا مجموع الفضائل لم يتكهل.

وعمر بن يحيى بن طرخان المعري ثم البعلبكي. روى عن الإربلي وغيره. وكان ضعيفا في نفسه.

والمجد عيسى بن بركة بن والي الحوراني الصالحي المؤدب. روى عن ابن اللتي وغيره. هلك في جمادى الأولى.

ومحمد بن أحمد نوال الرصافي ثم الصالحي. روى عن ابن الزبيدي.

وابن غانم الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سلمان بن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقع سبط الشيخ غانم المقدسي. روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدين بن حموية. وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا. ذكر لخطابة دمشق. توفي في شعبان وله اثنتان وثمانون سنة رحمه الله.

وابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدين محمد بن الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي. أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك. روى عن خطيب مردا وطبقته. وعاش خمسا وخمسين سنة. توفي في تاسع رمضان. درس بالمسمارية وحلقة الجامع.

ومحمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري ابن الحرستاني زين الدين الذهبي المعروف بالنحوي. دين خير متودد. روى عن ابن صباح وابن اللتي. وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة.

ومحمد بن عبد القوي العلامة شمس الدين المرداوي الصالحي الحنبلي. درس وأفتى وصنف وبرع في العربية واللغة واشتغل مدة. وكان من محاسن الشيوخ. روى عن خطيب مردا وطبقته. وعاش سبعين سنة أو أكثر. توفي في ربيع الأول.

ومحمد بن عبد الكريم بن عبد القوي أبو السعود المنذري المصري. روى عن ابن المقير وجماعة. وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة.

والفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري ناظر الخزانة. روى عن علي بن الجمل وجماعة. توفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة.

وابن الواسطي شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي. سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة. توفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد. وكان قليل العلم خيرا ساكنا.

والخطيب موفق الدين محمد بن محمد بن المفضل بن محمد البهراني القضاعي الحموي الشافعي ويعرف بابن حبيش خطيب حماة. ثم خطيب دمشق ثم قاضي حماة. روى لنا بالإجازة عن جده مدرك بن أحمد. وكان شيخا منورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل. توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسيعون سنة.

ومحمد بن مكي بن أبي الذكر القرشي الصقلي الرقام. روى بمصر عن ابن صباح والإربلي وطائفة كبيرة. توفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة.

ومحمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل أبو عبد الله الهاشمي العباسي الدمشقي. روى عن ابن الزبيدي وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العباسي وبالإجازة المضمن ذكره فيها عن أبي روح الهروي. شهد مدة وانقطع ببستانه. ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة.

والموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد. [حدثنا] عن ابن المقير. ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة.

ومحمد بن يوسف بن خطاب التلي الصالحي. حدثنا عن جعفر الهمذاني. ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشدة بالجبل.

ومريم بنت أحمد بنت حاتم البعلبكية. حضرت البهاء وسمعت الإربلي. وكانت صالحة خيرة.

ومنكبرس الأمير ركن الدين الجمالي العزيزي نائب غزة. استشهد بعد أن قاتل. وعاش نحو سبعين سنة. روى عن السبط.

وكرت الأمير سيف الدين بن عبد الله نائب سلطنة طرابلس. حمل مرات وقتل جماعة ثم قتل. وكان ذا دين وخير وشجاعة.

وابن المقير أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرئ. روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة. وكان عبدا صالحا. حضر المصاف واستشهد يومئذ.

وسنجر علم الدين الجمالي العزيزي الأمير. استشهد يومئذ. وقد روى عن السبط.

وابن المقدم الأمير نوح بن عبد الملك ابن الأمير الكبير شمس الدين محمد بن المقدم. لجده المواقف المشهورة وهو الذي استشهد بعرفة في زمن صلاح الدين، وكان هذا من أمراء حماة. استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة. وقد حدث عن ابن رواحة.

فهؤلاء الخمسة هم الذين عرفنا من كبار من قتل يوم المصاف.

وهدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصالحية. روت الصحيح عن ابن الزبيدي. توفيت بالجبل في ربيع الآخر.

ووهبان بن علي بن محفوظ أبو الكرم الجزري المؤذن المعمر. ولد بالجزيرة سنة أربع وست مائة. وسمع بمصر من ابن باقا. توفي في ربيع الأول. وكان مؤذن السلطان مدة.

وابن الشقاري أمير الحاج عماد الدين يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي. حدث بالصحيح مرات. وروى عن الناصح والإربلي وجماعة. وحج مرات. توفي زمن التتار ووضع في تابوت. فلما أمن الناس نقل إلى النيرب ودفن بقبته التي بالخانقاه. وله نحو من تسعين سنة.

وابن خطيب بيت الآبار محيي الدين أبو بكر عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي. روى عن ابن اللتي والإربلي. ومات في شعبان.

وأبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكر. أحد مشايخ الإسلام علما وعملا. توفي في هذه السنة وصلي عليه بالقاهرة صلاة الغائب في رمضان.

سنة سبعمائة

في صفر قويت الأراجيف بالتتار. وأكريت المحارة إلى مصر بخمس مائة درهم وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس.

وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب، والسلطان نازل على بد عرش. وكثرت الأمطار وجبيت الأموال على الأملاك. فأخذوا أجرة أربعة أشهر. وساق بنحاص المنصوري إلى بدعرش فأخبر السلطان بقدوم العدو. فرجع السلطان إلى مصر ولم يظهر لقدومه فائدة. فتشوشت الخواطر وجمع الخلق على وجوههم في الوحل والأمطار. ثم ساق الشيخ تقي الدين في البريد إلى القاهرة وحرضهم على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء. ثم نودي في دمشق: من قدر على الهرب فلينج بنفسه. فانقلبت المدينة وانرص الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة، وأبيع اللحم بتسعة دراهم وبقي الخوف أياما. ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج.

وفيها توفي العز أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة أبو العباس المقدسي الصالح. روى عن الشيخ الموفق وابن أبي لقمة وابن راجح وموسى بن عبد القادر وطائفة. وخرج له مشيخة سمعها خلق. وزاره نائب السلطنة. توفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة.

والعماد أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد أبو العباس المقدسي الصالحي الحنبلي. شيخ صالح فاضل مشهور. روى عن القزويني وابن الزبيدي وجماعة، وروى الكثير. توفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة.

والشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن سونح الصالح الفقير شيخ البكرية. كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه. وله أصحاب وفيه خير وسكون. مات كهلا.

وابن الفراء العدل المسند الكبير عز الدين أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو المرداوي الصالحي الحنبلي. روى عن الموفق وابن راجح وابن البن وجماعة. وروى الصحيح مرات. وكان صالحا متواضعا متعبدا. قاسى الشدائد عام أول واحترقت أملاكه. توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة.

وأيدمر الأمير الكبير عز الدين الظاهري الذي كان نائب دمشق في دولة مخدومه. حبس مدة ثم أطلق. فلبس عمامة مدورة وسكن بمدرسته عند الجسر الأبيض. توفي في ربيع الأول ودفن بتربته. وكان أبيض الرأس واللحية.

والطباخي الأمير الكبير سيف الدين بلبان المنصوري. ولي إمرة حلب وإمرة طرابلس. وكان من جلة الأمراء وكبارهم. توفي في ربيع الأول بالساحل كهلا وخلف جملة.

وابن عبدان المسند شمس الدين أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن بن الخضر ين الحسين بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي الكاتب في جهات الظلم. وكان عريا من العلم لكنه تفرد بأشياء. وحدث عن ابن البن والقزويني وأبي القاسم بن صصرى وجماعة. توفي في ذي الحجة عن أربع وثمانين سنة.

وزينب بنت قاضي القضاة محيي الدين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير. روت عن علي بن حجاج البقلح وابن المقير وجماعة. توفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة.

وعبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن العنيقة أبو محمد الحراني العطار. روى عن ابن معالي العطار وابن يعيش وابن خليل. ومات بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة.

وعبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر أبو محمد الدمشقي. روى عن ابن غسان وابن اللتي وطائفة. توفي في رجب وله أربع وسبعون سنة.

والفرضي الإمام شمس الدين أبو العلا محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي الصوفي الحافظ كان إماما في الفرائض مصنفا فيها له حلقة أشغال. وسمع الكثير بخراسان والعراق والشام ومصر وكتب بخطه الأنيق الكثير ووقف أجزاء. وراح مع التتار من خوف الغد فنزل بماردين أشهرا وأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة. وكان صالحا دينا سنيا. حدثنا عن محمد بن أبي الدنية وغيره.

والغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجار روى عن موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق وعاش ثمانيا وثمانين سنة. وهو آخر من روى في الدنيا عن موسى. توفي في نصف جمادى الآخرة بالجبل. خدم مدة في الحصون. وقد حدث في حياة ابن عبد الدايم. وكان فقيرا متعففا أميا لا يكتب.

قال شيخنا الذهبي رحمه الله تعالى: وقد انتهى ما أردت إيراده من كتاب الحوادث وأكابر الناس من العلماء والرواة والأعيان.

فأسأل الله المنان بفضله على عباده أن يغفر لي زلتي وأن يرحم غربتي ويلقني حجتي يوم حاجتي آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

========

 

 

 

المحتويات

 

المقدمة

 

سنة إحدى وسبعمائة

 

سنة اثنتين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وسبعمائة

 

سنة أربع وسبعمائة

 

سنة خمس وسبعمائة

 

سنة ست وسبعمائة

 

سنة سبع وسبعمائة

 

سنة ثمان وسبعمائة

 

سنة تسع وسبعمائة

 

سنة عشر وسبعمائة

 

سنة إحدى عشرة وسبعمائة

 

سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

 

سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

 

سنة أربع عشرة وسبعمائة

 

سنة خمس عشرة وسبعمائة

 

سنة ست عشرة وسبعمائة

 

سنة سبع عشرة وسبعمائة

 

سنة ثمان عشرة وسبعمائة

 

سنة تسع عشرة وسبعمائة

 

سنة عشرين وسبعمائة

 

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة

 

سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

 

سنة أربع وعشرين وسبعمائة

 

سنة خمس وعشرين وسبعمائة

 

سنة ست وعشرين وسبعمائة

 

سنة سبع وعشرين وسبعمائة

 

سنة ثمان وعشرين وسبعمائة

 

سنة تسع وعشرين وسبعمائة

 

سنة ثلاثين وسبعمائة

 

سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

 

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة

 

سنة أربع وثلاثين وسبعمائة

 

سنة خمس وثلاثين وسبعمائة

 

سنة ست وثلاثين وسبعمائة

 

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

 

سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

 

سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

 

سنة أربعين وسبعمائة

 

 

ذيول العبر/الذيل الأول

< ذيول العبر

ذيل

العبر في خبر من غبر

للذهبي

الواجهة الذيل الأول: من سنة 701 إلى سنة 740 ذيل العبر للحسيني

 

وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم

سنة إحدى وسبعمائة

دخلت وسلطان الإسلام الملك الناصر نصره الله، ونائبه سلار، ونائبه بدمشق الأفرم. فقتل بمصر على الزندقة الذكي المتفنن فتح الدين أحمد بن البققي. وما تحرك العدو العام. وأسلم بدمشق ديان اليهود العالم عبد السيد وبنوه، وخلع عليهم النائب، وضربت وراءهم الدبادب وهم راكبون. وأسلم معه نسيم الدباغ وأولاده، والعابد جمال الدين داوود الطبيب. وجاء دمشق جراد عظيم فما ترك حشيشة خضراء، وأكل أكثر ورق الأشجار، وأكل الدراقن، وبقي حبه في الأغصان، ورأيت بعض الحب قد أكل نصفه، وكان ذلك عبرة.

وفيها توفي صاحب مكة، عز الدين أبو نمي محمد ابن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني، من أبناء السبعين، وكان أسمر، ضخما، شجاعا، سائسا، مهيبا. ولي أربعين سنة. قال لي الدباهي: لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته.

وماتت خديجة بنت الرضي عبد الرحمن بن محمد، عن أربع وثمانين سنة. روت عن القزويني، والبهاء، وجماعة. ومات بمصر علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد، عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن الموفق عبد اللطيف، وابن روزبه.

ومات أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر بن المسترشد بالله العباسي في جمادى الأولى. وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفي بالله سليمان. كانت خلافته أربعين عاما.

ومات مسند الشام، تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن أربع وثمانين سنة. روى عن الشيخ الموفق حضورا، وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وأبي القاسم بن صصرى. خرجوا له مشيخة.

ومات الشيخ الابن محمد بن عثمان بن المنجا التنوخي، رئيس الدماشقة، عن إحدى وسبعين سنة. حدثنا عن جعفر الهمداني وغيره. وهو واقف دار القرآن.

ومات شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي في رمضان، من ضربة مجنون في رأسه بسكين، فتوفي بعد ستة أيام عن إحدى وثمانين سنة. كان إماما فاضلا. كثير الفضائل والمحاسن. حدثنا عن البهاء حضورا، وعن ابن صباح، وابن الزبيدي، وعدة، ودرس، وأفتى.

ومات بمكة في العشرين من ذي الحجة مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي، عن سبع وثمانين سنة. حدث عن الفتح بن عبد السلام وأحمد بن صرما وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وعبد القوي بن الحباب. وتفرد بأشياء. وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا. رحمه الله.

سنة اثنتين وسبعمائة

فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير وتخويف الأفرم من كبار عماله عليه.

وطرق قازان الشام فالتقى يزكه ويزك الإسلام بعرض، ونصره الله، وقتل من التتار خلق، وأسر مقدمان، وعلى يزكنه سيوف الدين: أسندمر، وكجكن، وغرلو، وبهادر آص في ألف وخمسمائة فارس. وكان العدو نحو أربعة آلاف، وتأخر جند الأطراف إلى حمص. ثم جهز قازان جيوشه مع نائبه خطلوشاه فساقوا إلى مرج دمشق. وتأخر المسلمون، وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة بالله، وخطب شديد، وقدم السلطان وانضمت إليه جيوشه والجفال، فكان المصاف على شقحب، فهزم العدو الميمنة، واستشهد رأس الميمنة الحسام استاددار في جماعة أمراء، وثبت السلطان كعوائده، ونزل النصر. وشرع التتار في الهزيمة في ليلة ثاني رمضان، وتبعهم المسلمون قتلا وأسرا، ومزقوا كل ممزق، وتخطفهم الناس إلى الفرات، وسلم شطرهم في ضعف شديد وجوع وحفا ووقوف خيل. ثم دخل السلطان والخليفة راكبين والحمد لله.

ومن الشهداء: الفقيه إبراهيم بن عبيدان، والأمير صلاح الدين ولد الكامل، والأمير علاء الدين علي بن الجاكي، والأمير حسام الدين أوليا بن قرمان، والأمير سنقر الكافري، وعز الدين بن الأمير يعقوبا.

وفي ذي القعدة زلزلت مصر، وتساقطت الدور، ومات بالإسكندرية تحت الردم نحو المائتين. وكانت آية. وافتتحت جزيرة أرواد وأسر من الفرنج نحو خمسمائة.

وفيها مات بزملكا المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البناء، عن بضع وثمانين سنة. أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن. وسمع أبا القاسم بن صصرى والناصح وابن الزبيدي.

ومات بالقاهرة شيخها وقاضيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن دقيق العيد القشيري المنفلوطي الشافعي، صاحب الإلمام وكتاب الإمام وشرح العمدة، في صفر عن سبع وسبعين سنة. روى عن ابن الجميزي وابن رواج والسبط وعدة. وكان رأسا في العلم والعمل، عديم النظير. وأخذ من دمشق قاضيها ابن جماعة فولي مكانه، وولي بدمشق ابن صصرى.

ومات في ربيع الأول المسند بدر الدين الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي، عن ثلاث وسبعين سنة. حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي وابن المقير وجعفر وكريمة، وخلق. وتفرد رحمه الله.

ومات متولي حماة، الملك العادل زين الدين كتبغا المغلي المنصوري، ونقل فدفن بتربته بسفح قاسيون. مات يوم الجمعة، يوم الأضحى. وكان في آخر الكهولة، أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق، ينطوي على دين وسلامة باطن وتواضع. تسلطن بمصر عامين، وخلع في صفر سنة ست وتسعين، فالتجأ إلى صرخد. ثم أعطي حماة.

ومات المقرئ شمس الدين محمد بن قيماز الطحان الدمشقي، عن ثلاث وثمانين سنة. تلا بالسبع على السخاوي. وسمع من ابن صباح وابن ناسويه وابن الزبيدي. وكان خيرا متواضعا.

ومات مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام. أجاز لنا مروياته. سمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القاسم أحمد بن بقي في سنة عشرين. وعمر دهرا.

سنة ثلاث وسبعمائة

فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية، ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس.

ومات القدوة، الزاهد العلامة بركة الوقت، الشيخ إبراهيم بن أحمد الرقي الحنبلي بدمشق، عن نحو ستين سنة. وشيعه الخلق، وحمل على الرؤوس إلى الجبل. وكان من أولياء الله ومن كبار المذكرين. له تصانيف محركة إلى الله. حدثنا عن عبد الصمد بن أبي الجيش. وله نظم كثير، وخبرة بالطب، ومشاركات في العلوم. توفي في المحرم.

وماتت المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكي بدمشق، في المحرم. مكثرة عن البهاء عبد الرحمن. صالحة خيرة. عاشت خمسا وثمانين سنة.

ومات خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي، في صفر عن تسع وثمانين سنة. سمع القزويني وابن اللتي. وهو آخر من روى شرح السنة. وخطب ستين سنة.

ومات مفيد الطلبة نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز، في صفر عن أربع وسبعين سنة. كتب عمن دب ودرج. وجمع وكتب الكثير. ولم ينجب. روى عن الضياء وعبد الحق بن خلف والمرسي وأمم.

ومات فيه شيخ دار الحديث وخطيب البلد المفتي زين الدين عبد الله ابن مروان الفارقي، عن نيف وسبعين سنة. روى عن السخاوي وكريمة وابن رواحة وابن خليل. فولي بعده دار الحديث ابن الوكيل، والخطابة شرف الدين الفزاري.

ومات عز الدين أيبك الحموي نائب حمص. ونقل إلى تربته تحت عقبة دمر. وكان شيخا عاقلا، شجاعا. وولي نيابة دمشق بعد سنة تسعين للملك الأشرف.

ومات في رجب بالجبل الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي. أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي. كتبنا عنه. جاوز الثمانين.

ومات صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هولاكو المغلي، في شوال بقرب همذان. لم يتكهل. ونقل إلى تربته بتبريز. سم بمنديل تمسح به بعد الجماع. وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين.

سنة أربع وسبعمائة

تكلم ابن النقيب وغيره في فتاو لابن العطار فيها تخبيط. وسعوا إلى القضاة فحار ابن العطار وأرعب، وبادر إلى الحاكم ابن الحريري، فأسلم بدعوى صورت، فحقن دمه، ثم ندم ولامه أصحابه. وبلغ النائب فغضب من الفتن. واعتقل ابن النقيب وغيره أربع ليال فأنكروا.

وفي صفر مات المحدث المشهور مفيد دمشق أبو الحسن علي بن مسعود ابن نفيس الموصلي ثم الحلبي بالمارستان بدمشق، ودفن بالسفح. حدثنا عن ابن رواحة والكمال الضرير وابن عبد الدايم. وقرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولا وفقها. وعاش سبعين سنة في دين وقناعة وصدق. رحمه الله.

ومات بالمدينة صاحبها عز الدين جماز بن شيحة العلوي الحسيني، وقد شاخ وأضر. وتملك بعده ابنه منصور. وفيهم تشيع ظاهر.

ومات الضياء عيسى بن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري، شيخ المغارة، في ربيع الآخر عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والإربلي.

ومات المعمر ركن الدين أحمد بن المنعم بن أبي الغنائم القزويني الطاووسي، كبير الصوفية بدمشق، في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وتسعة أشهر. روى بالعامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة. وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي.

ومات شيخ البطائحية تاج الدين بن الرفاعي بقرية ام عبيدة عن سن عالية. وله شهرة كبيرة.

ومات بقاسيون الحاج محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي، عن ثمانين سنة. روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وابن المقير.

ومات الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الإربلي ثم الدمشقي، كبير الذهبيين. ويكنى أبو الفضل أيضا. سقط من السلم فمات لوقته في رمضان عن ثمانين سنة. وكان مكثرا. سمع المسلم المازني وابن الزبيدي ومكرما وأبا نصر بن عساكر، وعدة. وتفرد بأشياء. خرجت له مشيخة.

ومات بالإسكندرية شيخها الإمام المحدث تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي المعدل، في ذي الحجة عن ست وسبعين سنة. روى عن ابن عماد وأبي الحسن القطيعي وابن بهروز وجماعة. وتفرد ورحل إليه. وكان فقيها عالما ثقة.

وفيها حكم المالكي بدمشق بضرب عنق محمد بن الباجربقي -وإن تاب بشهادة مجد الدين التونسي وجلال الدين خطيب الزنجيلية والمحيي بن الفارعي وجماعة- بكفريات.

ومات بمصر عالمها العلم العراقي عبد الكريم بن علي الأنصاري المصري الشافعي المفسر، عن نيف وثمانين سنة.

سنة خمس وسبعمائة

فيها أغار جيش حلب على أطراف العدو، فكمنوا لهم وقتل خلق من العسكر. وناب لابن صصرى جلال الدين القزويني. وسار عسكر دمشق والأفرم النائب لحرب الجرديين فضايقوهم أياما. وهم رافضة، آذوا الجيش في مكاتبة قازان. ثم صولحوا وفرقوا وخرجوا من أراضيهم.

وقل الغيث واستسقى بالناس خطيبهم الفزاري بسفح المزة.

وفيها فتنة الشيخ تقي الدين بن تيمية وسؤالهم عن عقيدته.، فعقد له ثلاثة مجالس وقرئت عقيدته الملقبة بالواسطية. وضايقوه، وثارت الغوغاء والفقهاء له وعليه. ثم وقع نوع وفاق. ثم إنه طلب على البريد إلى مصر وصورت عليه دعوى عند المالكي، فاستخصمه الشيخ وقاموا. فسجن الشيخ وأخواه بالجب بضعة عشر شهرا، ثم أخرج. ثم حبس بحبس الحاكم، ثم أبعد إلى الإسكندرية. فلما تمكن السلطان سنة تسع طلبه واحترمه وصالح بينه وبين الحكام. وكان الذي ادعي عليه به بمصر أنه يقول: إن الرحمن على العرش حقيقة، وإنه يتكلم بحرف وصوت. ثم نودي بدمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه.

وجاء تقليد بالخطابة للشيخ برهان الدين بعد عمه، وباشر وخطب ثم ترك ذلك، واختار بقاءه بالباذرائية بعد أن صلى خمسة أيام.

ومات بحلب قاضيها، كان، وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي، عن ثمانين سنة. وهو الذي عزل بزين الدين بن قاضي الخليل من الحكم. وكان مشكورا يدري المذهب.

ومات بمصر المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب بن المؤدب المصري. حدث عن ابن باقا. حدثنا عنه أبو الحسن السبكي.

ومات بالإسكندرية الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي، كبير الشهود، عن ست وتسعين سنة. سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة. روى عن ابن عماد والصفراوي، وتلا عليه بالسبع. وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة. أصم وأضر مدة.

ومات خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر. وشهده ملك الأمراء والأعيان. تلا بالسبع، وأحكم العربية، وقرأ الحديث، وسمع كثيرا. وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت. روى عن السخاوي والعز النسابة والتاج القرطبي وعدة. وأقرأ العربية زمانا، مع الكيس والتواضع والتصون.

ومات حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي، في نصف ذي القعدة فجأة، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من علي بن مختار وابن المقير وابن رواحة وإبراهيم بن الخير وطبقتهم. وصنف التصانيف المهذبة. ولم يخلف في معناه مثله.

وماتت بمصر المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الإسعردي، في ذي القعدة، عن بضع وثمانين سنة. سمعت ابن الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج، وجماعة. وتفردت بأشياء.

ومات في ذي القعدة صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني.

سنة ست وسبعمائة

قدم من الشرق الشيخ براق العجمي في جمع نحو المائة، وفي رؤوسهم قرون من لبابيد، ولحاهم دون الشوارب محلقة، وعليهم أجراس. ودخلوا في هيبة يجرون بشهامة. فنزلوا بالمنيبع ثم زاروا القدس، وشيخهم من أبناء الأربعين، فيه: إقدام وقوة نفس وصولة. فما مكنوا من المضي إلى مصر. وكان تدق له نوبة. ونفذ إليه الكبار غنما ودراهم.

وأنشئ بحذاء الرباط الناصري جامع للأفرم، وخطب به القاضي شمس الدين بن العز. وحطوا على أهل جيلان عند خربندا. ونبه على أن يكون له نائب، وأنهم يسبون الأشعري وأبا حنيفة، فندب لحربهم خطلو شاه، فسار. فكسبت الجيلانيون التتار وبثقوا عليهم من البحر سدا فانهزموا، وقتل بسهم طاغيتهم خطلو شاه الكافر.

وفيها توفي أمير سلاح بدر الدين بكتاش بن عبد الله الصالحي، كبير أمراء مصر. وله غزوات ومواقف. وكان ذا عقل ورأي. قارب الثمانين.

ومات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي العراقي، وله ست وسبعون سنة. توفي بشيراز. والسوامل كالطاسات. كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم. ثم تجر وسار إلى الصين، فتمول وعظم، وضمن العراق من القان ورفق بالرعية، وصار له أولاد مثل الملوك. ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة.

ومات فجأة خطيب دمشق الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي ابن إمام الكلاسة، وحمل على الرؤوس، وصلى عليه الأفرم. وكان دينا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدي. روى عن البرهان وابن عبد الدايم. أم بالكلاسة مدة، ثم خطب للخطابة. فأقام ستة أشهر ونصفا. وخرج من الحمام، وصلى سنة الفجر فغشي عليه وانطفأ. فولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني.

ومات بحلب مسندها علاء الدين سنقر القضائي الزيني، في شوال، عن سبع وثمانين سنة. تفرد بأشياء. وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبه وابن الزبيدي وأنجب الحمامي وعدة. وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة. أكثرنا عنه. رحمه الله.

ومات ببغداد العلامة المتفنن نصير الدين عبد الله بن عمر الفاروثي الشيرازي الشافعي، مدرس المستنصرية. قدم علينا دمشق.، وظهرت فضائله بالعقليات.

ومات بالكرك الطواشي الأمير المعمر شمس الدين صواب السهيلي. وكان محتشما متمولا بعيد الصيت.

سنة سبع وسبعمائة

عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم ابن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة ما. فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الترفق به الشيخ برهان الدين، فتاب. وصلى الخطيب بالبلد صلاة الفطر. وحضر بالمقصورة ملك الأمراء بسبب المطر.

ومات بمكة في آخر العام الماضي الزاهد الكبير الشيخ محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني القزاز. وكان كثير التلاوة. روى عن عبد الله بن النحال وإبراهيم بن الخير وجماعة. وتفرد. كتبنا عنه.

ومات بدمشق كبير الأمراء ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي الجالق. توفي بإقطاعه عن نحو الثمانين. وبقي في الإمرة زمانا.

ومات بمصر رئيسها الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد بن حنا. حدثنا عن سبط السلفي. وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال.

ومات بمكة شيخها الإمام القدوة أبو عبد الله محمد بن حجاج بن إبراهيم بن مطرف الأندلسي، في رمضان عن نيف وتسعين سنة. جاور نحو ستين عاما. وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا. وحمل نعشه صاحب مكة حميضة.

ومات بالقاهرة أقضى القضاة جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي. روى عن ابن باقا بالإجازة، وعن العلم بن الصابوني. وعاش خمسا وثمانين سنة. أكثروا عنه. وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد. مات بعد النووي رحمهما الله.

ومات ببغداد مسندها الإمام رشيد الدين محمد بن أبي القاسم المقرئ الحنبلي، شيخ المستنصرية، في رجب عن أربع وثمانين سنة. سمع الكثير من عمر بن كرم والحسن بن أسيد والسهروردي وزكريا العلي وعدة. وتفرد. وكتب المنسوب. وشارك في الفضائل واشتهر.

ومات بتبريز عالمها شمس الدين العبيدي شيخ الشافعية. وقد أسن وخلف كتبا تساوي ستين ألفا. توفي في ذي القعدة.

ومات بدمشق مسندها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز، شيخ الرواية بالدار الأشرفية، في ذي الحجة عن ثمان وثمانين سنة وأشهر. حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن باسويه وابن المقير ومكرم. وتفرد واشتهر.

سنة ثمان وسبعمائة

أطلقت حماة لنائبها قبجق، فولي نظرها عبد الصمد بن المغيزل، وعزل الشرف محمد بن جمال الدين بن صصرى منها. وعزل ناظر دمشق أمين الدين أبو بكر بن الرقاقي فرد إلى مصر.

وسار السلطان إلى الكرك ليحج فدخلها، فبعث نائبها جمال الدين إلى مصر، وزهد في مملكة محجور عليه فيها، ولوح بعزل نفسه. فوثب على الملك ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ولقب بالمظفر، وأقر على نيابة الملك سلار، وحلف له أمراء النواحي. وجاء كتاب الناصر من الكرك بأنه لم يؤذ أحدا، وقد اختار الانقطاع والعزلة بالكرك، وأن له عليهم بيعة بالطاعة، وقد أمرهم بالطاعة لمن يتولى، ويشير بالاتفاق، وما فيه تصريح بعزل نفسه. وولي برغلي موضع الذي تسلطن، ومكان برغلي بتخاص، ومكان بتخاص أقوش نائب الكرك. وركب المظفر بأبهة السلطنة والسواد والعمامة المدورة والسيف الخليفتي، والأعيان مشاة، والصاحب حامل على رأسه التقليد من أمير المؤمنين في كيس أطلس أوله: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}. وبلغ عدة الخلع ألفا ومائتين.

ومات ببرزة الزاهد القدوة الكبير الشيخ عثمان بن عبد الله الحلبوني، وقد شاخ. وكان من الصعيد. طلع النائب والقضاة إلى جنازته. وكان ذا كشف وتوجه وجد. ترك الخبز سنين.

ومات بمصر المسند أبو علي شهاب الدين بن علي المحسني من أبناء الثمانين. مكثر عن ابن المقير وابن رواج والساوي.

ومات رئيس الطب بمصر العلم إبراهيم بن الرشيد بن أبي الوحش بن أبي حليقة، قيل تركته ثلاثمائة ألف دينار.

وماتت المعمرة أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري في ربيع الآخر عن قريب التسعين بدمشق. لها إجازة من الفتح وابن عفيجة وجماعة. وسمعت المسلم المازني وكريمة وابن رواحة. وكانت صالحة. روت الكثير وتفردت. ولم تتزوج.

ومات في رجب الملك المسعود نجم الدين خضر بن الظاهر، في أول الكهولة. توفي فجأة.

ومات شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي عن بضع وسبعين سنة. جاور أربعين سنة. وحدث عن الشرف المرسي. توفي بناحية اليمن بالمهجم.

ومات الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن سامة الطائي السوادي الحنبلي، في ذي القعدة عن سبع وأربعين سنة. روى عن ابن عبد الدايم حضورا. وسمع وكتب الكثير بدمشق ومصر وحلب وبغداد والبصرة وأصبهان. وكان فصيحا متعبدا كيسا جيد المعرفة.

ومات بدمشق مسند الشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني. وكان دينا متزهدا.، حج مرات وجاور. وتفرد عن أبي القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورحل إليه. مات في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة.

وماتت بحماة الجليلة أم عمر خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين. روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي.

ومات بغرناطة عالمها الحافظ المقرئ النحوي ذو العلوم أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي، في ربيع الأول عن ثمانين سنة. طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من جماعة. وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري، بينه وبين المؤلف ستة أنفس.

ومات ببغداد شيخ المستنصرية المعمر عماد الدين إسماعيل بن علي بن الطبال. سمع عمر بن كرم وابن روزبة وجماعة، وتفرد.

سنة تسع وسبعمائة

بعث بابن تيمية مع مقدم إلى الإسكندرية فاعتقل ببرج، ومن أراد دخل إليه.

وأبطلت الخمور والفاحشة من السواحل.

وفي وسط السنة ثار أمراء وهموا بقتل المظفر بيبرس، فتحرز. فساقوا على حمية إلى العريش ثم دخلوا الكرك، وحركوا همة السلطان. وكان رأسهم نغيه المنصوري، وهم فوق المائة، فسار السلطان قاصدا دمشق وراسل الأفرم، فتوقف وقال: كيف هذا وقد حلفنا للمظفر، ثم خذل وفر إلى الشقيف. ثم دخل السلطان إلى قصر الميدان وأتاه مسرعا نائب حلب قراسنقر، ونائب حماه قبجق، ونائب الساحل أسندمر. والتف إليه جميع عساكر الشام. ثم سار بهم بعد أيام في أهبة عظيمة نحو مصر، فبرز المظفر بجيوشه، فخامر عليه برغلي في أمراء، فخارت قوته وانهزم نحو المغرب. ودخل السلطان إلى مقر ملكه يوم الفطر بلا ضربة ولا طعنة. ثم أمسك عدة أمراء عتاة، وخذل المظفر. فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه ثم خنقه، وأباد جماعة من رؤوس الشر وتمكن. وهرب نائبه سلار نحو تبوك، ثم خدع وجاء برجله إلى أجله، فأميت جوعا، وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف من الجواهر والعين والملابس والمزركش والخيل المسومة، ما قيمته أزيد من ثلاثة آلاف ألف دينار. قل اللهم مالك الملك.

وثارت الحوازنة في هذه المدة وأقاموا الهوى. وقتل منهم نحو الألف.

وأظهر خربندا الرفض بمملكته. وغير الخطبة. وشمخت الشيعة، وجرت فتن كبار.

وانتزع كمال الدين بن الشيرازي بالجاه الشامية الكبرى من ابن الزملكاني باعتناء أسندمر. وأمسك نغيه المذكور وقيد ثم مات.

ومات بمصر غريبا شيخنا العلامة النحوي شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي، بعد دخوله بأيام في المحرم عن أربع وستين سنة. حدثنا عن الفقيه اليونيني وابن عبد الدايم. وطلب الحديث فأكثر منه، وأتقن النحو عن ابن مالك، وصنف شرحا للجرجانية. وانتفع به جماعة من الفضلاء، مع الدين والصيانة والفقه والتواضع.

ومات بدمشق كبير المؤذنين نجم الدين أيوب بن سليمان المصري المعروف بمؤذن النصيبي عن تسع وثمانين سنة.

وبلغنا موت نائب العراق أذينة.، وكان مسلما عادلا، يأتي الجمعة ماشيا. ولي مدة.

ومات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر.، وله عدة مماليك تقدموا. وكان كبيرا شهما عارفا، فيه ظلم.

ومات بمصر الشيخ العارف المذكر تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندراني، صاحب أبي العباس المرسي.

ومات بمكة مسندها المعمر الصالح أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي، المجاور من زمان، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها. أخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية. وأجاز لأبي عبد الله.

ومات بمصر الشيخ نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري، المعدل، عن تسع وسبعين سنة. سمع ابن المقير وابن رواج وغيرهما.

وماتت بحلب المعمرة أم محمد شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي.، وولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة.، وحضرت الكاشغري وعمر بن بدر. ولها إجازة من ثابت بن مشرف. وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد.، سمعت منها.

ومات بدمشق المقرئ المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة المخرمي عن بضع وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم.

سنة عشر وسبعمائة

دخلت وسلطان الوقت الملك الناصر محمد. ونائبه بكتمر أمير جندار. والوزير فخر الدين عمر بن الخليلي. ونائب دمشق قراسنقر. ونائب حماه قبجق، ونائب حلب أسندمر.

ودرس بالعذراوية الصدر سليمان الكردي. وبالشامية الجوانية الأمين سالم. انتزعاهما من ابن الوكيل. ثم أعيدتا إليه بشفاعة أسندمر.

ثم ذهب أسندمر إلى حماة. فأخرق قراسنقر بابن الوكيل فخارت قوته، وأسرع إلى القاضي الحنبلي فحكم بإسلامه. وكانت الرشوة إلى قراسنقر متواصلة. وجرت أمور. وكان يتبرطل من الجهتين. ففسد النظام وانعسفت الرعية. وكان يتهاون بالصلاة. ثم أخذت الشامية وردت إلى الأمين سالم.، جاءه توقيع من مصر. وولي نظر الخزانة عز الدين أخو الجلال بن القلانسي بعد النجم البصروي. لأنه ولي الوزارة ونزل عن الحسبة لأخيه الفخر.

وفي أولها عزل ابن جماعة من القضاء بنائبه جمال الدين الزرعي لكونه امتنع يوم عقد المجلس لسلطنة المظفر فرآها له السلطان. ثم بعد عام أعيد ابن جماعة إلى المنصب، ثم جاء كتاب بعزل ابن الوكيل من جهاته. ثم وزر بالشام عز الدين حمزة بن القلانسي. وولي مشيخة الخوانق بدمشق الشهاب الكاشغري الشريف، وكان قليل الخير. وبعد أشهر أخذت من ابن الشيرازي الشامية فأعيدت إلى ابن الزملكاني.

وفي نيسان مطرنا مطرا كأعكر ماء الزيادة. وبقي أثر الطين على الثمر والورق نحو شهرين.

وأمسك أسندمر نائب حلب، وطوغان نائب إلبيرة. لكن طوغان أنعم عليه بشد دمشق.

ومات بمصر الشاعر المحسن شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزازي التاجر. وديوانه في مجلدين. عاش بضعا وسبعين سنة.

ومات بمصر الصالح عبد الله بن ريحان التقوي. سمع ابن المقير والعلم ابن الصابوني وابن رواج. وكان سمسارا صدوقا.

وماتت ببغداد ست الملوك فاطمة بنت علي بن علي بن أبي البدر. روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب. توفيت في ربيع الأول.

ومات بالصالحية قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حسن بن أبي موسى بن الحافظ عبد الغني المقدسي، مدرس الصاحبية الذي انتزع القضاء من تقي الدين سليمان بن حمزة، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر، وأعيد تقي الدين. روى عن ابن عبد الدايم. وعاش أربعا وخمسين سنة.

ومات نائب طرابلس الحاج بهادر سيف الدين المنصوري.

ومات قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، أحد أئمة المذهب. عزل وطلب من دمشق ابن الحريري فولي مكانه.، فتوفي السروجي بعد أيام في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة. صنف التصانيف واشتهر.

وهلك جوعا كما استفاض نائب الممالك سيف الدين سلار المغلي.، وقد بلغ من الجاه والعز والمال ما لا مزيد عليه. تمكن إحدى عشرة سنة. وكان إقطاعه نحوا من أربعين طبلخاناه، فحسبك. وكان أسمر سهل الخدين، ليس بطويل، عاقلا ذا هيئة قليل الظلم. مات في جمادى الأولى.

وفيه مات بحماة الأمير سيف الدين قبجق المنصوري أحد الشجعان والأبطال. وكان تركيا تام الشكل محببا إلى الرعية. قارب الستين. ويقال سقي. والله أعلم.

ومات بدمشق المقرئ الخير أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ في رجب عن ثلاث وثمانين سنة. حضر ابن الزبيدي. وروى كثيرا عن الضياء.

ومات بمصر شيخ الشافعية الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع، ابن الرفعة. مصنف شرح الوسيط وشرح التنبيه وغير ذلك. وعاش نيفا وستين سنة. توفي في رجب.

ومات في رمضان المسند العالم كمال الدين إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس الحنفي عن بضع وسبعين سنة أو ثمانين سنة. سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر. ونسخ الأجزاء. وانقطع بموته شيء كثير.

ومات بتبريز عالم العجم العلامة قطب الدين محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي عن ست وسبعين سنة. توفي في سابع عشر رمضان. وله تصانيف وتلامذة. وكان ذا ذكاء باهر ومزاح ظاهر.

ومات ببغداد في رمضان الإمام نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرئ، خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال، وله اثنتان وثمانون سنة. سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني.

ومات باللجون العلامة المتفنن الشيخ علي بن علي بن أسمح اليعقوبي، ويلقب مثلا الناسخ الزاهد.، كان له عدة محفوظات. حفظ مصابيح البغوي والمفصل والمقامات.، وسكن الروم، وركب البغلة. ثم تزهد وهاجر إلى دمشق.، واستمر بدلق ومئزر صغير أسود. وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية.

ومات بمصر في ذي القعدة المعمر الصدر بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم. وكان ناظر الأوقاف. وذكر مرة للوزارة. وكان دينا خيرا متواضعا. حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا. وعاش سبعا وتسعين سنة رحمه الله.

سنة إحدى عشرة وسبعمائة

عزل عن دمشق قراسنقر المنصوري -ولله الحمد- بكريه المنصوري الذي كان مجردا بحلب. وولي العذراوية شرف الدين حسين بن سلام لرواح سليمان الكردي مع قراسنقر. وولي نظر المارستان النوري أيضا ابن خطيب المصلي لرواح ابن الحداد أيضا. وأعطي الصاحب نجم الدين البصروي إمرة، وخلع عليه لها بزي الوزراء. ووزر بمصر أمين الملك أبو سعيد المستوفي - الذي أسلم - عوضا عن بكتمر الحاجب.

وولي بحمص بيبرس العلائي. وأعيد إلى القضاء ابن جماعة. وجعل الزرعي قاضي العسكر مع تدريساته.

وقرر على أملاك دمشق وأوقافها ألف وخمسمائة فارس، فقال الخطيب جلال الدين: أنا لها. ومشى إلى القضاة، وتجمع الناس، وكبروا، وحملوا المصحف والأثر النبوي وأعلام الخطبة. ورأى النائب كريه منظرا مزعجا، فغضب وأهان الخطيب، وضرب الشيخ مجد الدين التونسي ورسم عليهم، فتألم الخلق ودعوا على كريه. فبعد تسعة أيام أخذ من النيابة وقيد وسجن بالكرك. وأمسك قطلبك نائب صفد، ونائب مصر بكتمر أمير جندار. وولي بمصر بيبرس الخطائي الدويدار صاحب التاريخ. وكانت نيابة كريه بدمشق نحو خمسة أشهر. ووليها جمال الدين أقوش الكركي. وولى صفد بهادر آص مديدة.

ومات الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن المرسي. وولى وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية. ثم وزر للعادل والمنصور حسام الدين. ثم عزل.، ثم ولى للناصر ثم عزل.، ومات معزولا. وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما، فيه كرم وسؤدد. مات ليلة الفطر.

ومات في المحرم بالثغر، الزاهد العابد الإمام الناظم أبو حفص عمر بن عبد النصير السهمي القوصي، عن ست وتسعين سنة. حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي. وحج مرات.

ومات بدمشق في صفر المسند الفاضل فخر الدين إسماعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم. وشيعه الكبراء. وشيوخه نحو التسعين. كان مكثرا، وفيه خفة وطيش، ولكنه فيه دين. ويذاكر بأشياء.

وماتت الصالحة المسندة أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطائحي البعلي، والدة الشيخ إبراهيم بن القريشية وإخوته. توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة. روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات، وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية. وسمعت من ابن رواحة. دينة متعبدة.

ومات بحماة قاضيها العلامة عز الدين عبد العزيز بن محيي الدين محمد ابن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي، في ربيع الأول، ودفن بتربته عن ثمان وسبعين سنة. حدثنا عن ابن خليل. وسمع من يونس بن خليل والضياء صقر وهدية. وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي.

ومات الإمام القدوة الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي الحنبلي الصوفي عن خمس وسبعين سنة. وكان ذا تأله وصدق وعلم.

ومات بعده بيوم الإمام العارف الزاهد القدوة عماد الدين أحمد بن شيخ الحزامية إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي صاحب التواليف في التصوف، في ربيع الآخر عن أربع وخمسين سنة. وكان من سادة السالكين. له مشاركة في العلوم وعبارة عذبة ونظم جيد.

ومات في جمادى الأولى، العدل المرتضي المسند عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي البالسي الدمشقي عن أربع وسبعين سنة. سمع من إسحاق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا، ومن السخاوي وابن قميرة وابن شقيرا وعمر بن البراذعي وخلق. خرجت له معجما كبيرا، ووقف أجزاءه. وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة.

ومات الشيخ الصالح الزاهد البركة الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الإربلي، شيخ مقصورة الحلبيين، في رجب عن سبع وثمانين سنة. وكانت جنازته مشهودة. خرج له رفيقه ابن الظاهري عن محمد ابن النعالي وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير وطبقتهم. وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة.

ومات القاضي المنشئ جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري الرويفعي بمصر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. يروي عن مرتضى وابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الطفيل. وحدث بدمشق ومصر. واختصر تاريخ ابن عساكر. وله نظم ونثر. وفيه شائبة تشيع.

ومات شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والإنشاء الجيد شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف بن الوحيد الزرعي، من كتاب الدرج. كان شجاعا مقداما متكلما منشئا. وهو متهم في دينه، يرمى بعظائم. توفي في شعبان وقد شاخ.

ومات وزير التتار سعد الدين محمد بن علي الساوجي.، قتلوه مع رفيقه في الوزارة مبارك شاه وطائفة، في شوال.، خبث عليهم الشريف الآوي. فقتل أيضا الكل ببغداد. قيل: عملوا على قتل القان.

ومات العلامة شيخ الأدباء رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي عن ست وثمانين سنة. درس وأفتى وبرع في الأدب. وكان وكيل بلاد حلب. وحدث عن ابن مسلمة وابن علان.

ومات بمصر العلامة الأصولي الخطيب، شمس الدين محمد بن يوسف الجزري مدرس المعزية وخطيب جامع ابن طولون. وله تلامذة.

وهلك في سجن الكرك الأمير الكبير سيف الدين أسندمر الكرجي في آخر الكهولة. ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب. وكان بطلا شجاعا سائسا داهية جبارا ظلوما مهيبا. سمع بقراءتي صحيح البخاري. وهلك معه الأمير الكبير بتخاص.

ومات قاضي الحنابلة بمصر الإمام الحافظ سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي في ذي الحجة عن ستين سنة. حدث عن ابن البرهان والنجيب وابن علاق، وخلق. وكتب وصنف ورأس. وكان دينا صينا وافر الجلالة فصيحا ذكيا. حكم سنتين ونصف. وكان من أئمة الحديث ومتقنيهم.

وخر في هذه الحدود خطيب غرناطة العلامة أبو محمد عبد الله بن أبي حمزة المرسي من فوق المنبر يوم الجمعة، ومات فجأة وله نيف وثمانون سنة. روى بالإجازة عن ابن سالم الكلاعي.

سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

في المحرم ساق الأميران عز الدين الزردكاش وآخر إلى الأفرم نائب طرابلس الذي ناب بدمشق، وانضموا إلى نائب حلب قراسنقر، ثم ساقوا وأجارهم مهنا فبقوا عنده أياما ثم خامروا إلى القان خربندا فأقبل عليهم كثيرا وأقطعهم. وولي السر بدمشق شرف الدين بن فضل الله، وقام مكانه بمصر علاء الدين ابن الأثير. واحتيط على أموال أولئك الأمراء، وقطع خبز مهنا، وأمر مكانه أخوه الأمير محمد. وولي نيابة حلب سودي. وأخذ من دمشق نائبها جمال الدين أقوش على البريد في ربيع الأول. وطلب قطب الدين السلامي إلى مصر فولي نظر الجيش وبها وولي قضاء الحنابلة بمصر تقي الدين أحمد بن القاضي بن عوض. وصودر كاتب الجيش بمصر الفخر كاتب المماليك. وولي طرابلس تمر الساقي. وأمسك نائب حمص بيبرس العلائي. ومن دمشق مشدها طوغان المنصوري وبيبرس المجنون وركن الدين الباجي وكشلي وسنجر البراوي وحبسوا بالكرك. وأمسك بمصر النائب بيبرس الخطائي، وأقوش الذي ناب بدمشق، وسنقر الكمالي الحاجب، وخمسة أمراء فحبسوا.

وفي ربيع الآخر وصل على نيابة الشام ملك الأمراء تنكز الناصري، وفي خدمته أمراء، منهم الحاج وقطبة. وبعد شهر ولي نيابة مصر أرغون الدويدار.

وفي هذا الشهر ولي نظر الجيش بدمشق معين الدين بن خشيش. وشورك بين كاتب المماليك وبين قطب الدين.

ونازل خربندا بجيوشه الرحبة، وانجفل الناس وكثر الخوف، ونصبت المجانيق عليها ونقبت النقوب، حتى طلب أهلها الأمان. ونزل نائبها وقاضيها إلى القان بهدية فقبلها، واستحلفهم له وأمر كلا على ولايته، ثم ترحل عنها في العيد أو في آخر رمضان. فبعثوا إلى السلطان بما جرى وطلبوا العزل لأيمانهم، فعزل الكل وبعث غيرهم. ودخل دمشق في أواخر شوال. ثم بادر فحج في خواصه ورجع إلى دمشق مؤيدا منصورا.

وقدم شيخنا تقي الدين من مصر بعد غيبة سبع سنين وسبع جمع.

وفيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي في صفر عن نيف وثمانين سنة. حدث عن سليمان الإسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه، وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق. وكان من العلماء الأبرار، قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف.، رحمه الله.

ومات الصدر الأديب المقرئ شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين، ومن عدول القيمة. عرض الشاطبية على السخاوي، وسمع منه أجزاء. وله نظم جيد ومدائح. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ربيع الآخر.

ومات بالمزة الصاحب تاج الدين أحمد بن العماد محمد بن الشيرازي، ولي الوكالة والحسبة، ونظر الدواوين، ونظر الجامع. وتنقل في المناصب ثم مات بطالا. حدث عن ابن عبد الدايم. وعاش ثمانيا وخمسين سنة. توفي في رجب.

ومات صاحب ماردين المنصور نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن ألبي بن تمرتاش ابن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي في ربيع الآخر. ودفن في تربة آبائه، عن بضع وستين سنة. وتملك بعده ولده العادل علي، فمات بعد أيام. فيقال سمهما قراسنقر. ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح.

ومات بمصر في ربيع الآخر المسند العالم الصالح الشيخ أبو الحسن علي ابن محمد بن هارون التغلبي الدمشقي، قارئ المواعيد للعامة، وله ست وثمانون سنة. سمع من ابن صباح حضورا، ومن ابن الزبيدي والمازني وابن اللتي والناصح ومكرم، وعدة. وتفرد بالعوالي واشتهر. وكان دينا خيرا متواضعا. حمل على الرؤوس وتأسفوا عليه.

وتوفيت بالقدس في جمادى الأولى المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس، ولها ست وثمانون سنة. تروي عن ابن الزبيدي حضورا، وعن ابن اللتي والهمذاني وغيرهم. وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة.

ومات بمصر الفقيه المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي، في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة. سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن،. وبمصر من ابن رواج وطائفة. وتفرد بأجزاء.

ومات بدمشق العدل الصالح التقي شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني، خطيب حران، فخر الدين بن تيمية الحراني التاجر، في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن ابن رواحة ومرجا بن شقيرا وجماعة.

ومات المولى الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الناصر داود ابن المعظم بن العادل عن نيف وسبعين سنة. حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا. وكان عاقلا دينا.

ومات المسند الخطيب نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري، ابن الصواف الشافعي، الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا. وتفرد واشتهر. توفي في رجب وقد قارب التسعين.، وسمع من جعفر الهمذاني والعلم ابن الصابوني. وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان.

وماتت ست الأجناس موفقية بنت عبد الوهاب ابن عتيق بن وردان المصرية، ولها اثنتان وثمانون سنة. روت عن الحسن بن دينار والعلم ابن الصابوني وعبد العزيز النقار وطائفة، وتفردت.

ومات بمصر في شوال المقرئ المعمر زين الدين أبو محمد الحسن ابن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي، سبط الفقيه زيادة، وله خمس وتسعون سنة. سمع من أبي القاسم بن عيسى المقرئ، ومحمد بن عمر القرطبي المقرئ. وتفرد عنهما. وتلا بالسبع على أصحاب أبي الجود. وكان دينا خيرا فاضلا كيسا، يؤدب في منزله.

ومات بالقدس مدرس الصلاحية العلامة نجم الدين داوود الكردي الشافعي، درس بها ثلاثين سنة. وبعده وليها الشيخ شهاب الدين بن جهبل.

ومات سلطان دست القفجاق طقططيه المغلى الجنكزخاني وله نحو من أربعين سنة. وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة. وكان على دين قومه يحب السحرة، وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام. وعسكره خلق عظيم بالمرة. وتملك بعده القان الكبير أزبك خان، وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة، وامتدت أيامه.

سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

وصل السلطان من الحج إلى دمشق يوم حادي عشر المحرم لابسا عباءة وعمامة مدورة، وصلى جمعتين بالمقصورة. وولي نظر الدواوين غبريان، ونظر الجامع فخر الدين ابن شيخ السلامية، وشد الأوقاف بكتاش المنكورسي. وذهب في الرسلية ابن الوكيل إلى مهنا مرتين.

وفيها روك أخباز الشاميين وانضر عدد كثير. وأقيمت صلاة الفطر لأجل الثلج بدار السعادة.

وفيها مات الخطيب القاضي عماد الدين علي بن الفخر عبد العزيز ابن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكري المصري الشافعي، خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين، وله أربع وسبعون سنة. وقد ذهب في الرسلية إلى ملك التتار.، وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي.

ومات بمكة في ربيع الآخر المحدث الحافظ فخر الدين أبو عمر عثمان بن محمد بن عثمان التوزري المالكي المجاور عن ثلاث وثمانين سنة. سمع السبط وابن الجميزي وعدة، وقرأ ما لا يوصف كثرة.، ثم جاور للعبادة مدة. وكان قد تلا بالسبع.

ومات بدمشق نائب الخطيب وشيخ القراء تقي الدين أبو بكر بن محمد ابن المشيع الجزري المقصاتي في جمادى الآخرة، عن بضع وثمانين سنة. أم مدة بالرباط الناصري. تلا على الشيخ عبد الصمد وغيره. وروى عن الكواشي تفسيره. وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع.

ومات رئيس التجار الصدر عز الدين عبد العزيز بن منصور الكولمي بالإسكندرية وقد شاخ. وكان أبوه من يهود حلب، فأسلم وتاجر. سافر عز الدين إلى الصين، وكان فيه كرم وخير. ولما مر باليمن نابه لصاحبها من المغارم ثلاثمائة ألف درهم.

ومات في جمادى الآخرة الشيخ المسند أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن بدران الأنمي الدشتي الكردي المؤدب الحنبلي، بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر. حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضياء وصفية القرشية وعدة. وله مشيخة بانتقاء البرزالي. تفرد بأشياء عالية.

ومات بحلب المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي المجدي العديمي، في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر. حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي، وجماعة.

سنة أربع عشرة وسبعمائة

أغارت عساكر حلب على دنيسر، وقتلوا خلقا وفعلوا قبائح. وولي حلب ألطنبغا الحاجب بعد وفاة سودي. وقتل الشقي موسى الكركي كاتب قطلبك لكونه سب النبي ﷺ.

وجرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث، فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة.

ومات العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي في جمادى الآخرة، وله ثمانون سنة. حدثنا عن السخاوي والنسابة وكريمة والتاج بن حمويه وطائفة. وانتخب عليه العلائي. مولده في أول يوم من سنة أربع وثلاثين. وكان لا بأس به، كثير التلاوة.

ومات بحلب نائبها سيف الدين سودي. وكان جيد السيرة.

ومات كاتب الحكم الصدر شمس الدين محمد بن كاتب الحكم المهذب ابن أبي الغنائم في آخر الكهولة، وخلف ثروة.

ومات بمصر العلامة الشيخ المعمر شيخ الحنفية رشيد الدين إسماعيل بن عثمان ابن المعلم القرشي الدمشقي في رجب عن إحدى وتسعين سنة. سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات. وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة. وتفرد، وتلا بالسبع على السخاوي، وأفتى ودرس.، ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة. ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل. تغير قبل موته بسنة أو أكثر وانهرم.

ومات محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي، وخلف نعمة جزيلة. وكان عالما واعظا. حدث عن جده أبي جعفر.

ومات نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني في حياة أبيه، فولى النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان، وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري.

ومات بحلب ناظرها الصاحب شرف الدين يعقوب بن مظفر بن مزهر، عن ست وثمانين سنة. وقد عمل نظر دمشق مرة.

ومات بدمشق الشيخ سليمان التركماني الموله. وكان يجلس بسقاية باب البريد، وحوله الكلاب، ثم يطرق العلبيين، وعليه عباءة نجسة ووسخ بين، وهو ساكن، قليل الحديث. له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة، وللناس فيه اعتقاد زائد. وكان شيخنا إبراهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده. قارب سبعين سنة. وكان يأكل في رمضان، ولا صلاة ولا دين. ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه يتجانن، وأنه من بابة يعقوب الحلط الذي هو مسجون على الكفريات.

ومات صاحب جيلان الملك شمس الدين دوباج بن فينشاه بن رستم، بقرب تدمر، ونقل فعمل له تربة عند قبة الرقي.

ومات بمصر العلامة الأصولي علاء الدين علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تخرج به الفضلاء، وله تصانيف وشهرة. درس بأماكن، وروى عن أبي العباس التلمساني.

وماتت العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة، سيدة نساء زمانها، الواعظة، أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة، في ذي الحجة بمصر، عن نيف وثمانين سنة. وشيعها خلائق. وانتفع بها خلق من النساء وتابوا. وكانت وافرة العلم، قانعة باليسير، حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف. وانصلح بها نساء دمشق، ثم نساء مصر. وكان لها قبول زايد ووقع في النفوس، رحمها الله.، زرتها مرة.

ومات بالثغر العدل جمال الدين بن عطية بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي، المنفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى. من أبناء الثمانين.

سنة خمس عشرة وسبعمائة

في أولها سار نائب دمشق بجيوش الشام وقطع الدربند إلى ملطية فافتتحها. وسبيت الذراري وعدد من المسلمات، وعم النهب.، فلله الأمر، وأحرقوا في نواحيها. وفارقوها بعد ثلاث.

وقدم قاضيها فأعطي تدريس الخاتونية البرانية، وشيخ الصوفية.

وقتل بملطية عدة من النصارى.

ودرس بالأتابكية قاضي القضاة ابن صصرى وبالظاهرية ابن الزملكاني بعد الصفي الهندي.

وقدم بغداد قراسنقر المنصوري بزوجته الخاتون بنت آبغا، وعزم أن يعبر على الشام، فما مكنه خربندا.

وكمل بناء القيسارية والسوق قبل سوق الخواتين، وكان بقعة ذلك ساحة وطاحونا.

وقتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة. وكان له كشف وإخبار عن المغيبات، فضل به الجهلة. وكان يقول: أتاني النبي ﷺ وحدثني. وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة، وعليه قباء.

ومات سلطان الهند علاء الدين محمود، أو في السنة الماضية، وتسلطن بعده ابنه غياث الدين.

ومات بالموصل العلامة المتكلم النحوي السيد ركن الدين حسن ابن شرف شاه الحسيني الأسترابادي صاحب التصانيف. توفي في المحرم وقد شاخ. وكان يبالغ في التواضع ويقوم لكل أحد حتى للسقاء. وكان لا يحفظ القرآن إلا بعضه. وكانت جامكيته في الشهر ألفا وثمانمائة درهم.

ومات بدمشق الزاهد محيي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي، في صفر ببستانه، عن أربع وثمانين سنة. روى عن أبيه حضورا، وعن ابن عبد الدايم.، وأجاز له ابن دحية والإربلي وجماعة. وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس، رحمه الله.

ومات بدمشق مدرس الظاهرية والأتابكية العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الأرموي، ثم الهندي الشافعي، في صفر، عن إحدى وسبعين سنة. ولد بالهند، وتفقه بها على جده لأمه الذي توفى سنة ستين وستمائة. وسار من دلي في سنة سبع وستين إلى اليمن، ثم حج وجاور ثلاثة أشهر، وجالس ابن سبعين، ثم قدم مصر، ودخل الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها. ودرس وتميز واجتمع بالسراج الأرموي، ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري، وتصدر للإفادة وناظر وصنف. وأخذ عنه ابن الوكيل والفخر المصري والكبار. وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد. وكان يحفظ ربع القرآن.

ومات بمصر العلامة المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن أبي القاسم ابن جميل الربعي المالكي، وله ست وسبعون سنة. ولي قضاء الإسكندرية مدة.

ومات بحلب تاج الدين أبو المكارم محمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي، عن أربع وسبعين سنة. مكثر عن يوسف ابن خليل.، وكان مدرس العصرونية، ووكيل بيت المال، وولي مرة نظر الأوقاف، وكتابة الإنشاء.

ومات في ذي القعدة فجأة قاضي القضاة مسند الشام تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي، وله ثمان وثمانون سنة. روى الصحيح عن ابن الزبيدي حضورا. وسمع من ابن اللتي وجعفر وابن المقير وكريمة وابن الجميزي والحافظ الضياء، وأجاز له عمر بن كرم وأبو الوفا محمود بن مندة وشهاب الدين السهروردي. وله معجم في مجلدين، عمله ابن الفخر، وكان بصيرا بالمذهب دينا متعبدا متواضعا كثير المحاسن واسع الرواية، أفتى نيفا وخمسين سنة. وتخرج به الفقهاء.

ومات في ذي الحجة بمصر العدل المعمر عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي، وله سبع وثمانون سنة. روى عن الإربلي حضورا، وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة. وتفرد، ورحل إليه.

ومات في ذي الحجة العدل ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم، عن تسع وسبعين سنة. سمع المرجا بن شقيرة، ومكي وابن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة. وله مشيخة وأجاز له ظافر ابن شحم وابن المقير، وتفرد بأشياء.

سنة ست عشرة وسبعمائة

ولي القاضي حسام الدين القرمي قضاء طرابلس. وشمس الدين بن مسلم قضاء الحنابلة بدمشق. ودخل مهنا إلى الشرق فأكرمه خربندا إلى الغاية، فقيل: لم يقبل منه إلا اليسير، والتزم بحفظ البلاد من الغارات. وولي وكالة الشام ابن الشريشي جمال الدين.

ومات العدل الرئيس شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الخطيري الدمشقي. ولي نظر الخزانة، ونظر الجامع، ونظر المارستان، وحدث عن ابن رواج، وبالإجازة عن علي بن الجمل، وابن الصفراوي وطائفة. وعاش إحدى وثمانين سنة. توفي في جمادى الأولى. وكان دينا، صينا، أمينا، وافر الجلالة.

ومات نائب طرابلس كشتيه الناصري. ومات الأديب البارع المحدث علاء الدين علي ابن مظفر ابن إبراهيم الكندي، ويعرف بكاتب ابن وداعة، عن ست وسبعين سنة. تلا بالسبع على العلم القاسم وغيره. وسمع من البكري، وإبراهيم بن خليل وطبقتهما، ونسخ الأجزاء. وكان من جياد الطلبة على رقة في دينه، وهنات. وله النظم، والنثر وحسن الكتابة. ولي مشيخة النفيسة مدة وكتابة الإنشاء ووقف التذكرة الكندية.

ومات العلامة النجم سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي الشيعي الشاعر، صاحب شرح الروضة، وكان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا. مات ببلد الخليل كهلا.

وماتت مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية في شعبان فجأة عن اثنتين وتسعين سنة. روت عن أبيها القاضي شمس الدين وابن الزبيدي. وحدثت بالصحيح ومسند الشافعي بدمشق ومصر مرات. وكانت على خير.

ومات سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو، هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل. وكانت دولته ثلاث عشرة سنة. وتملك بعده ابنه أبو سعيد.

ومات المعمر المقرئ المسند صدر الدين أبو الفدا إسماعيل بن يوسف ابن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي، بدمشق في شوال، عن ثلاث وتسعين سنة. سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي، وقرأ عليه بثلاث روايات. وكان فقيها بالمدارس ومقرأ بالزويزانية. وله أملاك. وتفرد بأجزاء.

ومات بدمشق شيخ التجويد نجم الدين موسى بن علي الكاتب بن البصيص عن خمس وستين سنة.

وماتت بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة. روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس. سمعنا منها.

ومات الشيخ العلامة ذو الفنون صدر الدين محمد بن الوكيل خطيب دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل الشافعي بمصر، في الرابع والعشرين من ذي الحجة، وله إحدى وخمسون سنة وثلاثة أشهر. ولد بدمياط، ونشأ بدمشق. وسمع من ابن علان والقاسم الإربلي. وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة. وحفظ المقامات في خمسين يوما، وتخرج به الأصحاب. وكان أحد الأذكياء، وله نظم رائق ومزاح، عفا الله عنه.

ومات بسبتة عالمها المقرئ النحوي ذو العلوم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد أبن عيسى الغافقي الإشبيلي، وله خمس وسبعون سنة. سمع التيسير من ابن جوبر بسماعه من ابن أبي جمرة، وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع، وتلا بالسبع. وله تصانيف وجلالة وتلامذة.

سنة سبع عشرة وسبعمائة

فيها عمل جامع النائب، وتنازع العلماء في إقامة قبلته، ثم ترخصوا في انحرافه مغربا.

وفي صفر الزيادة العظمى ببعلبك، فغرق في البلد مائة وبضعة وأربعون نسمة، وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا، ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع، فكان ذلك آية بينة. وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع.

وفيها قدم السلطان إلى غزة وإلى الكرك ثم رجع.

وفيها ظهر جبلي ادعى أنه المهدي بجبلة، وثار معه خلق من النصيرية والجهلة فقال: أنا محمد المصطفى. ومرة قال: أنا علي. وتارة قال: أنا محمد بن الحسن المنتظر. وزعم أن الناس كفرة، وأن دين النصيرية هو الحق، وأن الناصر صاحب مصر قد مات. وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة، ورفعوا أصواتهم بقول: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان. ولعنوا الشيخين، وخربوا المساجد، وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون: اسجد لإلهك. فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا.

وفيها أعيدت إمرة العرب إلى مهنا. وفي أول جمادى الأولى جلس على تخت الملك السلطان أبو سعيد بن خربندا بالسلطانية، وهو ابن إحدى عشرة سنة.

وفيه سار السلطان الملك الناصر إلى القدس، وزار الخليل عليه السلام، ودخل الكرك وتصيد، ثم رجع.

ومات المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني الصوفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة. روى عن الفخر علي، وتاج الدين الفزاري. وكان دينا تقيا مؤثرا كثير المحاسن.

وقتل وزير التتار ومدبر دولتهم رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب، كان أبوه يهوديا عطارا، فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم، واتصل بقازان، وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك. قام عليه الوزير علي شاه وغوث بأنه الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ، فخارت قواه. فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار، فما نفع بل قتل هو وابنه. وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء. فسر القرآن فشحنه بآراء الأوائل. وعاش نيفا وسبعين سنة. وقيل: بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد.

ومات بدمشق قاضي المالكية المعمر جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزواوي عن بضع وثمانين سنة. وبقي قاضيا ثلاثين سنة. وأصابه فالج سنوات، ثم عجز، فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين أحمد بن سلامة الإسكندراني. حدثنا الزواوي عن الشرف المرسى وابن عبد السلام.

ومات شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن محمد بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي، في جمادى الآخرة في عشر الثمانين. سمع من ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة. وله نظم جيد.

ومات القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، ثم بدمشق، في رمضان عن أربع وتسعين سنة. وكان دينا، عاقلا، وقورا، ناهضا بفنه، مشكورا، مليح الخط والإنشاء. روى عن ابن عبد الدايم. رثاه شهاب الدين محمود الذي ولي بعده كتابة السر، وعلاء الدين بن غانم وجمال الدين بن نباتة. وخلف أموالا.

ومات بعده بيسير بمصر القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي، من كبار المنشئين وعلمائهم. ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها:

الله أكبر أي ظل زالا... عن آمليه وأي طود مالا

أنعي إلى الناس المكارم والندا... والجود والإحسان والإفضالا

ومات المفتي شرف الدين حسين بن الكمال علي بن سلام الدمشقي، مدرس العذراوية وغيرها. وكان من الأذكياء.

ومات بمصر رفيقنا المحدث الرئيس فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي، معيد المنصورية عن اثنتين وخمسين سنة. حدث عن أبي حفص بن القواس وطبقته، وارتحل، وحصل، وكتب، وخرج. وكان يحفظ أحزابا من القرآن، ولكنه نديم أخباري.

ومات المقرئ زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الإسكندراني إمام مسجد قداح. سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوي.، توفي في ذي الحجة.

سنة ثمان عشرة وسبعمائة

كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر، وأكلت الميتة، وبيعت الأولاد، وجلا الناس. ومات بعض الناس من الجوع، وجرى ما لا يعبر عنه. وكان أهل بغداد في قحط أيضا دون ذلك. وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة، وحملت الجمال في الجو.

وأبعد السلطان أكبر أمرائه طغية إلى نيابة صفد، ثم إنه أمسكه وأمسك جماعة أمراء.

ومات في صفر بزاويته الإمام القدوة، بركة الوقت، الشيخ محمد بن عمر ابن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي عن سبع وستين سنة. روى لنا عن أصحاب ابن طبرزد. وكان محمود الطريقة، متين الديانة.

ومات بمصر قاضي المالكية زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري عن ثلاث وثمانين سنة. وكانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة من بعد ابن شاس. حدث عن المرسي وغيره. وكان مشكور السيرة. وولي بعده تقي الدين بن الإخنائي.

ومات بالقاهرة الجلال محمد بن محمد بن عيسى بن الحسن القاهري، طباخ الصوفية. حدث عن ابن قميرة وابن الجميزي والساوي وطائفة.

ومات بدمشق الإمام الكبير أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التجيبي القرطبي، إمام محراب المالكية ووالد إمامه، في رجب، وله ثمانون سنة. وكان من العلماء العاملين، ومن بيت فضل وجلالة. حدثنا عن الفخر بن البخاري.

ومات في رمضان شيخ تبريز الإمام القدوة، القانت المذكر، تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين أبي حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ، أدركه أجله بعد حجه ببغداد كهلا.

ومات مسند الوقت الصالح أبو بكر بن المسند زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر. سمع حضورا في سنة سبع وعشرين، وسمع من ابن الزبيدي والناصح والإربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة. وتفرد. وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة، لكنه أضر وثقل سمعه.

ومات في شوال بطريق الحجاز العلامة المفتي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوائلي البكري الشافعي، وكيل بيت المال، وشيخ دار الحديث، وشيخ الرباط الناصري، عن خمس وستين سنة. حدث عن النجيب وغيره.

ومات بدمشق شيخ القراء والنحاة والبحاثين، مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي، في ذي القعدة، عن اثنتين وستين سنة. أخذ القراءات والنحو عن الشيخ حسن الراشدي، وتصدر بتربة الأشرفية، وبأم الصالح. وتخرج به الفضلاء. وكان دينا صينا ذكيا. حدثنا عن الفخر علي.

وماتت بالصالحية زينب بنت عبد الله بن الرضى، عن نيف وثمانين سنة. روت عن الحافظ الضياء وتفردت بأجزاء.

ومات الشهاب المقرئ الجنائزي أحمد بن أبي بكر ابن حطة البغدادي أبوه، الدمشقي، صاحب الألحان والصوت الطيب. وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة تقرأ قدام الوعاظ. عاش خمسا وثمانين سنة. توفي في ذي القعدة.

ومات في ذي الحجة بدمشق قاضي المالكية العلامة الأصولي البارع فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الإسكندراني عن سبع وخمسين سنة. كان حميد السيرة، بصيرا بالعلم محتشما.

سنة تسع عشرة وسبعمائة

ولي الوكالة القاضي جمال الدين أحمد بن القلانسي. ودرس بالناصرية ابن صصرى، كلاهما بعد ابن الشريشي، وشرعوا في الصحيح. وقل الغيث بدمشق فاستسقوا، وعين للخطبة خطيب العقيبة الشيخ القدوة صدر الدين تلميذ النووي، وصلى بالناس بوطأة طبريا، ثم سقوا.

وعزل القرماني عن حمص، بسيف الدين البدري. وسمر بيليك غلام رئيس المزة، وشنقت زوجته خنقا أمرارا ثلاثة، ثم قتل المسمر في ثامن يوم.

وقدم على قضاء المالكية شرف الدين محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري، ونائبه شمس الدين القفصي.

واختلفت التتار وكرهوا نائب أبي سعيد جوبان والتقوا، فقتل بينهم أكثر من عشرين ألفا، والسبب أن القان انحصر من نائبه لاستبداده بالأمور وحجر عليه في أشياء، فتنفس إلى خاله إيرنجي وإلى قرمشي ودقماق فقالوا: نحن نقتل جوبان. واتفقوا على كبسته، وانضم إليه أمراء، فعمل قرمشي لجوبان دعوة، ففهم واحترز، وهرب ليلا في نفر، وأقبل قرمشي فلم يجده، فوقع القتال، وقتل نحو الثلاثمائة. ثم ساق قرمشي خلف جوبان، ووصل جوبان إلى مرند فأكرمه متوليها، وأمده بخيل ورجال، وقصد تبريز فتلقاه علي شاه الوزير وقبل الأرض له وذهب معه إلى أبي سعيد، فاعتذر أبو سعيد ولعن أولئك، وقال الوزير له: يا ملك الوقت، جوبان والد مشفق وهؤلاء يحسدونه، ولو قتلوه لتمكنوا منك وتعجز عنهم، فجمع القان العساكر وأقبل من الروم دمرتاش بن جوبان، وأقبل قراسنقر بجموعه في زي عساكر الشام، وسار معهم القان، فالتقى الجمعان، وذل إيرنجي لما رأى القان عليهم، ثم انكسر وقتلت أبطاله، ثم أسر هو وقرمشي ودقماق وأخوه، وعقد لهم مجلس فقالوا: ما عملنا شيئا إلا بأمر الملك، وحاققوا أبا سعيد فصمم وكذبهم. وقال إيرنجي: هذا خطك معي. فجحد وسلمهم إلى جوبان فعذبهم وقتلهم، وتمكن. وكان إيرنجي جبارا ظالما، ولي الروم ثم العراق. وكان أبوه البياخ نائب القان أرغون. وقيل إن جوبان أباد سبعة وثلاثين أميرا ممن خرج عليه، واستباح أموالهم. وكان دقماق دينا متصدقا حسن الإسلام محبا في العرب. ثم خمدت الفتنة بعد استئصال كبار المغل.

وفي رمضان جاء بدمشق سيل عظيم وذهب كثير من مساطب السفرجل، ولم أر قط ماء أعكر منه، لعل في الرطل منه ثلاث أواق تراب. فخنق سمك بردى وطفا، فأخذه الناس. ثم بعد يوم فرغ الماء وعاد وادي مرج شعبان يبسا كما كان. وكانت سنة قليلة المياه حتى نشفت قناة زملكا.

وجاء كتاب سلطاني بمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق، وجمع له القضاة، وعوتب في ذلك، واشتد المنع. فبقي أتباعه يفتون بها خفية.

وحج مولانا السلطان من مصر.

وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة، فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا، ولم يقتل من عرف من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا. إن في ذلك لآية. فلله الحمد على هذا النصر المبين. واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا، ونقلها جماعة، منهم رفيقنا المحدث أبو عبد الله بن ربيع، وكان هناك على بيع الغنيمة فقال: لما بلغ العدو حال السلطان الغالب بالله أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن الأحمر، وأنه محصن لبلاده استنفروا من جميع بلادهم، ودخل دونبترة صاحب قشتالة إلى الباب بطليطلة فأذن له وقوى عزمه ليستأصل ما بقي بالأندلس للمسلمين. فاستنجد ابن الأحمر بصاحب فاس المريني، فلم يتحرك ولجأ الخلق إلى الله، واستغاثوا به، فأقبل الكفر في جيش ناهيك أنه اشتمل على خمسة وعشرين سلطانا، وأتوا غرناطة، ونزلوا على نهر شنيل ممتدين، فعزم السلطان ابن الأحمر على أمير جيوشه الصالح المجاهد أبي سعيد عثمان بن أبي العلا أن يبرز إليهم بالعسكر في نصف ربيع الآخر، وذلك يوم عيد العنصرة للعدو، وخرج من رجالة غرناطة نحو خمسة آلاف من المطوعة، فعزم عليهم أبو سعيد أن يرجعوا حياطة لهم، وأن يكون طريق الخيل لهم مصاحبا لكونه أمنع، وأوصاهم أن يثبتوا بمكان عينه لهم، وترجل أبو سعيد وبكى وسجد، فضج الخلق بالدعاء وحرك الفرسان الحرب، فاستشهد أمير رندة، فجاشت لمصرعه نفوس الأبطال وحمي القتال، ووجه أبو سعيد إلى الرجالة أن يسرعوا إلى خيام العدو، فبادروا، ونزل الخذلان على عباد الصليب، وعمل فيهم السيف أكثر النهار، وحاز المسلمون غنيمة لم نسمع بمثلها، وقتلت ملوكهم الكل، وأقل ما قيل أن عدد القتلى خمسون ألفا، ومنهم طاغيتهم الأكبر دونبترة. فصبر وعلق على باب غرناطة.، ورتب للأسارى ولمن يحرسهم كل يوم خمسة آلاف درهم. وقيل كان عدة فرسان المسلمين ألفين وخمسمائة،. وقيل أقل من ذلك. وذلت النصارى والتمسوا عقد هدنة. وعندي هذه الغزوة المباركة مطولة مفصلة صحيحة.

ومات بدمشق في المحرم الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرئ عن سبع وسبعين سنة. وله مشيخة. حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة، وعن السخاوي حضورا. وكان فيه خير وقناعة.

وماتت بحماه نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النصيبي. روت لنا عن يوسف بن خليل.

ومات بدمشق القاضي المفتي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان ابن فزارة الكفري الحنفي في شعبان، عن اثنتين وثمانين سنة. تلا بالسبع على علم الدين القاسم. أخذ عنه خلق. وحدث عن ابن طلحة وغيره. وكان دينا خيرا عالما فقيها.

ومات بدمشق الأمير سيف الدين غرلو العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين. وكان أحد الشجعان العقلاء. وله تربة مليحة بقاسيون.

ومات بدمشق غريبا الإمام الصدر كبير الرؤساء بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري، وله سبع وستون سنة. روى عن ابن إبراهيم بن خليل، والكمال الضرير، وجماعة. وتلا بالسبع وتفقه. وكان فيه دين ونزاهة ويذكر للوزارة.

ومات بمصر شيخها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرئ بزاويته بالحسينية، في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن خليل وجماعة. وتلا بثلاث على الكمال الضرير، وتفقه وانعزل، ثم اشتهر وزاره الأعيان، وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه. وله سيرة ومحاسن جمة، إلا أنه كان يغلو في ابن العربي ونحوه، ولعله ما فهم الاتحاد.

ومات مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار، ثم السمسار في العقار، في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة. سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي، وسمع من الإربلي حضورا، وسمع من ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء، وتفرد، وتكاثروا عليه. وكان أميا عاميا.

ومات بمالقة شيخها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن ابن ربيع القرطبي، عن ثلاث وتسعين سنة. تفرد بالسماع من الدباج، وأبي علي الشلوبين والكبار.

سنة عشرين وسبعمائة

حج مع السلطان الأمير عماد الدين الأيوبي فسلطنه السلطان على حماة، ولقب بالملك المؤيد.

وقتل بمصر إسماعيل بن سعيد الكردي المقرئ على الزندقة وسب الأنبياء. وقتل بدمشق عبد الله الرومي الأزرق مملوك التاجي، ادعى النبوة وأصر.

وعمل عقد السلطان على أخت أزبك التي قدمت في البحر. وخلع على الكريم، وابن جماعة، وكاتب السر وغيرهم.

وغضب السلطان على آل فضل، واحتيط على إقطاعهم بعد أن أعطاهم قناطير من الذهب، بحيث أنه أعطاهم في عام أول ألف ألف وخمسمائة ألف درهم.

وغزا الجيش بلاد سيس، لكن غرق في نهر جهان منهم خلق.

وحبس بقلعة دمشق ابن تيمية لإفتائه في الطلاق.

وأمسك نائب غزة الجاولي.

وجاء بالسلطانية برد كبار وزنت منه واحدة ثمانية عشر درهما فاستغاث الخلق وبكوا، فأبطلت الفاحشة، وبددت الخمور أجمع بهمة علي شاه الوزير، وزوج من العواهر خمسة آلاف في نهار واحد. وشقق آلاف من الظروف.

وأنشئ الجامع الكريمي بالقبيبات، وسيق إليه ماء كثير.

وحج الرجبيوون، منهم الفخر المصري والواني وأبوه البرهان وابن الفخر والنويري والموفق الحنبلي وشمس الدين الحارثي.

ثم حج من مصر ابن الحريري وابن عوض القاضيان والمجد حرمي وشيخ الحنفية الفخر التركماني ونائب المملكة أرغون والفخر كاتب المماليك. فكانت محامل المصريين بضعة وعشرين محملا.

وحج العراقيون بسبيل ومحمل سلطاني عليه من الذهب والجواهر ما قوم مائتين وخمسين ألف مثقال.

وحج الشيخ صدر الدين بن حمويه، وابن عبد المحسن، ومدرس المستنصرية ابن العاقولي، وابن منتاب، وخال السلطان أبي سعيد في كبار من المغول، وصاحب هراة غياث الدين. وكان الصلح والهدايا بين سلطان الإسلام وأبي سعيد، واطمأن الناس، ولله الحمد. فمن هدية أبي سعيد على يد ابن ياقوت: سيف المعتصم، وخوذة مكفتة عليها كثير من القرآن، وخيمة سقلاط، وخركاه مجوهرة، وبخاتي، ومماليك، وجوار، وثياب. وكانت وقفة عرفة الجمعة باتفاق. وكان الوفد لا يحصون كثرة في مقدار العادة ثلاث مرات أو أكثر.

ومات بمصر القاضي الإمام المعمر زين الدين أبو القاسم محمد بن العلم محمد بن الحسين بن عتيق بن رشيق المالكي، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. ولي قضاء الإسكندرية اثنتي عشرة سنة. وذكر لقضاء دمشق. حدثنا عن ابن الجميزي، وله نظم وفضائل.

ومات في ربيع الآخر بمصر المعمر المقرئ الرحلة أبو علي الحسن بن عمر بن عيسى الكردي الدمشقي بن فراش تربة أم الصالح، عن نيف وتسعين سنة. سمع من ابن اللتي كثيرا وهو حاضر، والموطأ من المكرم وسمع من السخاوي وقرأ عليه ختمة. سكن بالجيزة زمانا يرتزق ببيع ورق ظهر في سنة اثنتي عشرة. وثقل سمعه بآخره، بحيث أنه حدث بالأول من حديث ابن السماك تلقينا. وكان رأس ماله نحوا من درهمين ثم وصلوه بدراهم، منها في مرة مائة درهم، وأكثروا عنه.

ومات العدل الفقيه كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن ابن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي، في ربيع الآخر، وله ثلاث وتسعون سنة. وكان خطيب جامع المنشية. حدثنا عن السبط. اختلط قبل موته بنحو من أربعة أشهر، فما إخاله حدث فيها.

وقتل حميضة بن أبي نمي الحسني صاحب مكة كان، ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة. قتله جندي التصق إليه بالبرية غيلة، ثم قتله السلطان لغدره.

ومات بمصر المحدث العدل الكبير شرف الدين يعقوب بن أحمد بن الصابوني، عن ست وسبعين سنة. حدثنا عن ابن عزون وابن علاق وكتب وقرأ وحصل، وتميز في كتابة السجلات. وولي مشيخة المنكودمرية.

ومات بدمشق النحوي اللغوي الأديب البارع شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري، ثم الدمشقي الصايغ عن خمس وسبعين سنة. وله النظم والنثر والتصانيف. تخرج به فضلاء.

ومات بمصر القاضي الصدر فخر الدين أبو الهدى أحمد بن إسماعيل بن علي بن الحباب الكاتب، تفرد بأجزاء عن سبط السلفي. عاش سبعا وسبعين سنة.

ومات بدمشق المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري ابن النشو، في شوال عن ثمانين سنة. حدثنا عن ابن رواج والساوي وابن الجميزي وابن الحباب. وتفرد بعوال.

ومات بحلب يوم الفطر الشرف عبد الرحيم بن محمد بن أبي طالب عبد الرحمن بن العجمي، المعروف بالتتاري لأنه أسر بأيدي التتار من حلب وقدمها بعد خمسين سنة. سمع من يوسف بن خليل جزء محمد بن عاصم حضورا. وسمع من جده والضياء صقر ومحمد بن أبي القاسم القزويني. عاش بضعا وسبعين سنة.

ومات في شوال بدمشق المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلبي الصفار عن نيف وتسعين سنة. حدثنا عن صفية القرشية، وشعيب الزعفراني، والساوي، وابن خليل. وتفرد وأكثروا عنه.

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة

فيها أطلق ابن تيمية بعد حبس خمسة أشهر.

وأقبلت الحرامية في جمع كثير فنهبوا في بغداد علانية سوق الثلاثاء، فانتدب لهم عسكر فقتلوا فيهم مقتلة نحو المائة، وأسروا جماعة.

وأنشئ بالقابون جامع مليح بأمر كريم الدين.

وكان بالقاهرة الحريق الكبير المتتابع، وذهبت الأموال ودام أياما في أماكن، ثم ظفر بفاعليه، جماعة من النصارى يعملون قوارير ينقدح ما فيها ويحرق. فقتل جماعة وكان أمرا مزعجا. قيل: فعلوا ذلك لإخراب كنيسة لهم.

وأخرب ببغداد بازار الفاحشة، وأريقت الخمور، ثم قتل اثنان لإخفائهما الخمر. وجدد بمسجد القصب جمعة. وأخربت كنيسة اليهود.

وحج نائب دمشق وفي صحبته خطيب البلد جلال الدين، والقاضي جلال الدين الحنفي، والصاحب عز الدين حمزة، وقاضي الركب النجم الدمشقي، وعلم الدين البرزالي.

ومات شيخ الشيعة بدمشق وفاضلهم، محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني في صفر عن ست وثمانين سنة. وكان لا يغلو ولا يسب معينا، ولديه فضائل. روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان. وتلا بالسبع، وله نظم كثير. وأخذ عن أبي صالح الحلبي الرافضي. وأخذه معه منصور صاحب المدينة فأقام بها سنوات، وكان يتشيع به سنة، ويتسنن به رافضة. وفيه اعتزال.

ومات بالفيوم خطيبها الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي صهر الوزير تاج الدين بن حنا. وكان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم، عزى به الناس أخاه قاضي القضاة شرف الدين المالكي.

ومات بمردا المعمر عبد الله بن أبي الطاهر بن محمد، خاتمة من سمع من الحافظ الضياء.

ومات بجوبر الشيخ مجد الدين إسماعيل بن الحسين بن أبي التائب الأنصاري الكاتب. روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة. وطلب بنفسه، وأخذ في النحو عن ابن مالك.

ومات بمصر الرئيس تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي في جمادى الأولى، وله تسع وسبعون سنة. روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط. حدث بالكرك لما ولي نظرها.

ومات بمكة في جمادى الآخرة العارف الكبير الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي، تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي، عن ثمان وسبعين سنة. جاور بمكة مدة، وما زار النبي ﷺ فيما انتقد عليه الشيخ علي الواسطي. رحمهما الله.

ومات بدمشق العدل المسند بهاء الدين إبراهيم بن المفتي شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح بن المقدسي الدمشقي في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة. حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي، وله أوقاف على البر. وفيه خير وتصون.، وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق.

ومات العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي بن الشاطبي الدمشقي الشروطي، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. سمع ابن مسلمة وابن علان والمجد الإسفراييني وعدة، وتفرد.

ومات كبير الحجاب زين الدين كتبغا، رأس النوبة بدمشق، وكان فيه كرم وخير.

ومات في ذي الحجة صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني بتعز. وكانت دولته بضعا وعشرين سنة. وكان عالما، فاضلا، سائسا، شجاعا، جوادا، له كتب عظيمة نحو مائة وألف مجلد. وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك.

ومات بدمشق الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرف بن رزين الأنصاري الدمشقي الكناني، ثم الخشاب المعمار، في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة. روى عن التقي بن العز وغيره. وبالإجازة عن ابن اللتي وابن المقير وابن الصفراوي، وتفرد.

ومات بمصر المحدث الرحال تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمذاني ثم المصري المهلبي، عن نيف وسبعين سنة. حمل عن إسماعيل بن عزون والنجيب وطبقتهما. وحصل وتعب، ثم انقطع ولزم المنزل مدة لم أره، وكان صوفيا. ارتحل وسمع من ابن أبي الخير. ساء خلقه.

ومات بالصالحية مسند الوقت سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر. روى عن ابن اللتي حضورا، وعن جعفر والمرسي وطائفة. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة. وتفرد واشتهر اسمه، مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع. وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى. وهو والد المحدث شمس الدين.

ومات عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس، عن أربع وستين سنة.

سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة

درس بالظاهرية القحفازي بعد موت ابن العز الحنفي.

وفيها حوصرت آياس وأخذت.

ومات بدمشق المسند أبو عبد الله محمد بن المحب علي بن أبي الفتح بن السنجاري الدمشقي، في رمضان عن إحدى وثمانين سنة. سمع ابن علان والرشيد العراقي والبلخي. وخرجوا له مشيخة.

ومات المسند المعمر الإمام محيي الدين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي المؤدب. ولي نظر الحلق والسبع مدة. وكان عابدا كثير التلاوة جدا، تخضع له الشيعة. وهو والد النقيبين زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر. وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه. عاش ثلاثا وتسعين سنة. وكان له معرفة وفضيلة. وفيه انجماع وانقباض عن الناس.

ومات العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي بمكة، في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة. يروي الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي، وكان صاحب فنون. ولي خطابة سبتة ثلاثين سنة. وتفقهوا عليه. ثم حج وبقي بمكة سبع سنين.

ومات بمصر المحدث الزاهد تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري. له رحلة وفضائل. يروي عن النجيب وابن علاق. مرض بالفالج مدة. توفي في ذي القعدة.

ومات بدمشق المحدث مجد الدين محمد بن محمد بن علي الصيرفي، سبط ابن الحبوبي، عن إحدى وستين سنة. روى عن ابن أبي اليسر ومحمد بن النشي. وشهد وحضر المدارس وقال الشعر. وعمل لنفسه معجما ضخما. وكان متواضعا ساكنا. توفي في رمضان.

ومات بالسفح المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي البجدي، في صفر، عن بضع وثمانين سنة. وكان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة. سمع من المرسي وخطيب مردا. وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق. وروى الكثير. وقال لي: لم ألحق ابن الزبيدي، ذاكره أخ لي مات صغيرا.

ومات بمكة شيخ الإسلام إمام المقام الشيخ رضي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي، في ربيع الأول، وله ست وثمانون سنة. وكان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتأله. روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمي والمرسي، وعدة. وأجاز له السخاوي وغيره. خرج لنفسه التساعيات، وتفرد بأشياء. رحمه الله.

ومات الصدر الكبير نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي، صاحب الأموال، من أبناء السبعين. سمع الرضي بن البرهان، والنجيب، وابن عبد الدايم.

ومات بالقدس الزاهد الكبير جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي ابن القلانسي الكاتب، كان في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة. روى عن ابن عبد الدايم والكرماني، ودخل مصر منجفلا، وانقطع في مسجد فتغالوا فيه، ونوهوا بذكره وعظموه، وبنوا له زاوية، واشتهر. وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة.

ومات مسند الإسكندرية العدل المعمر محيي الدين أبو القاسم عبد الرحمن ابن مخلوف بن جماعة بن رجاء الربعي المالكي، يوم التروية، وله ثلاث وتسعون سنة. سمع من جعفر والتسارسي وابن رواج.، وتفرد،. مع صلاح وخير.

وماتت بالقدس المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي، في ذي الحجة، عن أربع وتسعين سنة. سمعت من ابن اللتي والهمذاني. وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي. وارتحل إليها الطلبة. وحدثت بمصر وبالمدينة النبوية.

ومات بأسيوط في ذي الحجة الرئيس المعمر الكاتب زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الحموي الشافعي، عن أربع وتسعين سنة. واشتهر وسمع من جده لأمه أبي القاسم بن رواحة وصفية القرشية، وتفرد ورحل إليه. وله إجازة ابن روزبة والسهروردي وعدة.

سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

قدم على قضاء الشام جمال الدين الزرعي، فولي بعده تدريس المنصورية السبكي.

وأمسك الكريم المسلماني وكيل السلطان، وزالت سعادته التي كان يضرب بها المثل. وولي نظر الجيش بدمشق المعتز بن حشيش. وعزل قطب الدين السلامي ثم أشرك بينهما. وكان على نظر طرابلس أمين الملك، فاستعفى وأقام بالقدس مديدة، ثم طلب في هذا الحين. وولي وزارة مصر. وقدمت عمة قازان للحج فعظمت وأنزلت بالقصر الأبلق.

ومات مؤرخ الآفاق العالم المتكلم، كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد الشيباني البغدادي ابن الفوطي، في المحرم عن إحدى وثمانين سنة. وله تصانيف كثيرة وتواريخ كبار. روى عن الصاحب محيي الدين بن الجوزي وابن أبي الدينة وخلق. وطلب وكتب، وخطه فائق ونظمه رائق، وله هنات وبوائق. والله يسمح له.

ومات بدمشق في ربيع الأول قاضي دمشق ورئيسها الكامل نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن حسن بن صصرى التغلبي الشافعي.

وولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. سمع أباه وعميه وابن عبد الدائم. وحضر بمصر على الرشيد العطار. وأفتى ودرس. وله النظم والترسل والخط المنسوب والدروس الطويلة والفصاحة وحسن الشارة والمكارم، مع دين وحسن سريرة. ولي القضاء إحدى وعشرين سنة.

ومات بقاسيون الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي، ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى. توفي في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة. سمع من المرسي حضورا، ومن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا وطائفة. وأجاز له السبط، وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا.

ومات كبير المتمولين بدمشق شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة الزرعي، عن ثمانين سنة. ودفن بتربة مليحة بطريق القابون. بلغت زكاته في عام قازان خمسة وعشرين ألفا، وفي دولة الظاهر كان رأس ماله ألف درهم.

ومات ببعلبك التاجر الرئيس جمال الدين عمر بن الياس بن الرشيد وله مائة سنة وسنة.

ومات بدمشق بالمارستان الإمام المحدث اللغوي صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم الدمشقي ثم القرافي الصوفي، في جمادى الآخرة، وله ست وسبعون سنة. سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر، وحدث عن النجيب والكمال بن عبد. وحفظ التنبيه. وحصل له لبس فكان إذا خلا تحدث وصيح، فإذا خالسته سكن، مع دين وتصون ومعرفة.

ومات مسند الشام بهاء الدين القاسم بن مظفر بن النجم محمود ابن تاج الأمناء بن عساكر، في شعبان، عن أربع وتسعين سنة ونصف. حضر في سنة تسع وعشرين على مشهور النيرباني، وحضر ابن غسان وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير.، وسمع من ابن اللتي وجماعة. وأجاز له مشايخ البلاد، وبلغ معجمه سبع مجلدات، وألحق الصغار بالكبار، ووقف أماكن على المحدثين. وكان طبيبا.

ومات الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي كهلا ببصرى. ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة. ودرس أولا بمدارس بصرى. وكان مقدم خيول عربية، فتقدم بذلك.

ومات بصفد خطيبها وعالمها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي. وله تواليف، وتقدم في الأدب والمعقول. توفي في رمضان، من أبناء الثمانين.

ومات بالمزة ليلة عرفة مسند الوقت، شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازي الدمشقي، عن أربع وتسعين سنة وشهرين. سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة، وبمصر من العلم ابن الصابوني وابن قميرة، وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسن بن السيد وقاضي حلب ابن شداد وخلق. وله مشيخة وعوال. وروى الكثير. وكان ساكنا وقورا منقبضا عن الناس. له كفاية. وكبر سنه وأكثر ولم يختلط.

سنة أربع وعشرين وسبعمائة

كان الغلاء بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما. ثم جلب القمح من مصر بإلزام السلطان لأمرائه، فنزل إلى مائة وعشرين درهما، ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة. وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني. وكان على الغرارة ثلاثة ونصف. وعزل الزرعي عن القضاء بالقزويني بعد أن ألح الدولة على الشيخ برهان الدين الفزاري فامتنع وصمم.

وقدم ملك التكرور موسى بن أبي بكر الأسود في ألوف من قومه للحج، فنزل سعر الذهب درهمين. ودخل إلى السلطان فسلم ولم يجلس، ثم أركب حصانا بزنارين أطلس، وأهدى هو إلى السلطان أربعين ألف دينار، وإلى نائبه عشرة آلاف، وهو شاب عاقل حسن الشكل، راغب في العلم، مالكي. وولي قضاء حلب شيخنا ابن الزملكاني.

ومات بالثغر الشيخ ركي الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبي الشاهد، ابن جابي الأحباس في صفر عن خمس وثمانين سنة. تفرد عن السبط بجزء سفيان، وبالدعاء للمحاملي ومشيخته.

ومات بمصر المفتي الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي كهلا، وهو الذي آذى ابن تيمية، والذي طرده السلطان وأراد قطع يده لفتاويه، وذم المنكر، فتنقل بأعمال مصر.

ومات بدمشق العدل المعمر القاضي شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي، في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة. سمع من ابن الصلاح من سنن البيهقي.

ومات الشيخ الزاهد محمد ابن المفتي جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي الضال الذي حكم بضرب عنقه القاضي المالكي مرة بعد أخرى، ثم انسحب إلى مصر وإلى بغداد، ثم قدم متخفيا وسكن القابون. وكان فقيها بالمدارس، ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة. وكان يتنقص الأنبياء ويتفوه بعظائم، وعاش ستين سنة. انقلع في ربيع الآخر.

ومات أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا بسلمية، ودفن عند أبيه. وكان عاقلا نبيلا فيه خير عاش نيفا وستين سنة. وهو أخو مهنا.

ومات قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري وله سبعون سنة. ولي حلب نيفا وعشرين سنة. وقبلها ولي بعلبك ونائب دمشق وولي حمص. وكان مسمتا مليح الشكل.

ومات وزير الشرق علي شاه أبي بكر التبريزي في جمادى الآخرة بأرجان وقد شاخ. وكان سنيا معظما لصاحب مصر محبا فيه.

ومات الإمام شرف الدين محمد بن الإمام زين الدين المنجا بن عثمان التنوخي، مدرس المسمارية عن خمسين سنة. وكان دينا صينا فاضلا.

ومات مخنوقا الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطي المسلماني بأسوان. وكان نفي إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان، ثم شنق سرا. وكان هو الكل وإليه العقد والحل، وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه. وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان. وكان عاقلا داهية سمحا وقورا. مرض نوبة فزينت مصر لعافيته. وكان يعظم الدينين، وله بر وإيثار. قارب سبعين سنة.

ومات في ذي الحجة بدمشق المفتي الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار الشافعي، ويلقب بمختصر النووي عن سبعين سنة. سمع ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وخرجت لهما معجما. وأصابه فالج أزيد من عشرين سنة. وله فضائل وتأله وأتباع. وكان شيخ النورية.

سنة خمس وعشرين وسبعمائة

في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول، وبقيت كالسفينة، وساوى الماء الأسوار. وعمل في سد السكور كل أحد، ودثرت الحواضر، وغرق أمم من الفلاحين، وعظمت الاستغاثة بالله، ودام خمس ليال، وعملت سكورة فوق الأسوار. ولولا ذلك لغرق جميع البلد، وليس الخبر كالعيان. وقيل: تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله، وبقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا. وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل صعد بعضها في النخل. ولما نضب الماء نبت على الأرض شكل بطيخ كطعم القثاء.

وقدم دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلم المصنف، وله ستون سنة.

وسار من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن.

وضرب بمصر الشهاب بن مري التميمي المذكور، وسجن ثم نفي لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله، ومقت لذلك. ثم فر إلى أرض الجزيرة وأقام هناك سنين.

ورجع ملك التكرور موسى فخلع عليه السلطان خلعة الملك عمامة مدورة وجبة سوداء وسيفا مذهبا. وعملت خانقاه سلطانية كبيرة بسرياقوس وحضر السلطان والقضاة، ووليها المجد الأقصرائي.

ولم يثبت عيد الفطر إلى قبيل الظهر بدمشق. فصلى العيد خطيب العقيبة، ثم صلى الظهر، ثم صلاها خطيب البلد من الغد بالبلد، ولم يخرج إلى المصلى بل بعث الشمس النجار فخطب بالمصلى.

ومات بدمشق المحدث كاتب العدل الحكم، علاء الدين علي بن النصير محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي عن ثمانين سنة. روى عن الكمال الضرير الشاطبية، وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر، وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في الشروط.

ومات الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس، وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر. وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح.

ومات بمصر الإمام شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق المصري الشافعي الخطيب ابن الصايغ، في صفر، وله ثمان وثمانون سنة. تلا بالسبع على الكمالين الضرير وابن فارس، واشتهر وأخذ عنه خلق. ورحل إليه. وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركات قوية.

ومات بدمشق في ربيع الأول المعمر الشيخ عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني عن خمس وثمانين سنة. سمع من جده كثيرا والرشيد العراقي وابن خطيب القرافة وشيخ الشيوخ الحموي. وأجاز له الضياء والسخاوي. سمع منه نائب السلطنة الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له درهما، ثم أضر وعجز.

ومات واقف الخان المشهور خطاب بن محمود العراقي الأمير بدمشق.

ومات الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي، شيخ الحديث بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة. حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي. وله مشاركات وشهرة.

ومات علامة الأدب علم البلاغيين شهاب الدين محمود بن سلمان بن فهد الحلبي كاتب السر بدمشق، في شعبان عن إحدى وثمانين سنة. وصلى عليه ملك الأمراء. أجاز له ابن خليل، وحدث عن ابن البرهان، ويحيى بن الحنبلي، وابن مالك. خدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة. وكان يكتب التقاليد على البديهة. وولى بعده ابنه شمس الدين.

ومات بالكرك قاضيها العلامة الورع نور الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الأميوطي الشافعي. حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة. وتفقه به الطلبة. وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره. وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس.

ومات بدمشق شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحاق بن يحيى الآمدي الحنفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة. روى كثيرا عن ابن خليل، وعن عيسى الخياط، والضياء صقر، وعدة. وطلب الحديث، وحصل أصولا بمروياته. وخرج له ابن المهندس معجما قرأته. وكان لا بأس به.

ومات كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونائب مصر قبل أرغون. بلغ الثمانين. توفي في رمضان بمصر.

ومات بدمشق في ذي القعدة الإمام شيخ الإسلام بقية الفقهاء الزهاد خطيب العقيبة صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الهاشمي الجعفري الحوراني الشافعي عن ثلاث وثمانين سنة. تفقه بالشيخين محيي الدين وتاج الدين، وناب عن ابن صصرى. وبينه وبين جعفر الطيار ثلاثة عشر أبا والله أعلم. وكان متزهدا في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله، وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع، وفراغ عن الرعونات، وسماحة، ومروءة، ورفق. شيعه الخلق، وحمل على الرؤوس. وكان لا يدخل حماما. حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد. وكان عارفا بالفقه، وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنده، وإلى خصم فقير، وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة، رحمه الله.

سنة ست وعشرين وسبعمائة

ضربت عنق الفقيه المقرئ ناصر بن الهيتي الصالحي على الزندقة الواضحة. وفرح المسلمون. وكان من أبناء الستين.

ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا، ثم أفشى ذلك عند المالكي وأحرق. ولم يتكهل. وهو بعلبكي.

وسار المحمدي رسولا إلى أبي سعيد القان. ونقل قرطاي من نيابة طرابلس إلى خبز القرماني الذي أمسك. وولي طرابلس طينال الحاجب.

وفي شعبان أخذ ابن تيمية وحبس بالقلعة في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه، وعزروا جماعة من أصحابه.

ووصل الماء الجاري إلى مكة من مال جوبان نائب التتار.

وأنشئت قيسارية الدهشة بسوق علي وسكنها أعيان التجار.

ومات في المحرم الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن السكاكري الشاهد. وكان رأسا في كتابة الشروط، وفيه شهامة، وحط على الكبار. ولكنه كان يتحرز في الشهادة. من أبناء الثمانين. ساء ذهنه بآخره. أجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ والتستري وعدة. وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة.

ومات المعمر كبير السادة ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة. وكان رئيسا وسيما. حدث عن خطيب مردا. وذكر للنقابة.

ومات خطيب المدينة وقاضيها المفتي سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي عن تسعين سنة. وحدث عن الرشيد العطار، وأجازه الشرف المرسي والمنذري. وتفقه بابن عبد السلام قليلا، ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ. وخطب بالمدينة أربعين سنة. سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس.

ومات بمصر القاضي الإمام كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي عن إحدى وسبعين سنة. حدث عن النجيب وطائفة. قرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري. وله عليه حواش بخطه المنسوب. رثاه صاحبنا أبو بكر الرحبي. توفي في المحرم.

ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه محمد اليونيني صاحب التاريخ، عن ست وثمانين سنة وأشهر. حدث عن أبيه وشيخ الشيوخ، والرشيد العطار، وأبي بكر بن مكارم، وجماعة. وأجاز له ابن رواج وجماعة. وكان وافر الحرمة، له عقل ورأي وذكاء. توفي في شوال.

ومات بدمشق المقرئ المدرس الإمام زين الدين أبو بكر بن يوسف المزي بن الحريري الشافعي في ربيع الأول عن ثمانين سنة. كان كيس الجملة، عالما، متواضعا، مقرئا بالسبع. أخذ عن الزواوي. وحفظ الفقه والنحو، وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم، وله جهات.

وماتت المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم ابن علي بن الواسطي الصالحية في ربيع الآخر، عن ثلاث وتسعين سنة. سمعت جزء ابن عرفة من عبد الحق حضورا. وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره. وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي، وعدد كثير. وكانت مباركة صالحة.، روت الكثير. وهي والدة فاطمة بنت الدباهي.

ومات بالحلة شيخها العلامة المتفنن جمال الدين حسين بن يوسف ابن المطهر الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، من أبناء الثمانين بل أزيد.

ومات الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة. سمع من خطيب مردا السيرة في الخامسة. وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا. ومن إبراهيم بن خليل. وأجاز له السبط وجماعة. وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري.

ومات الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر ابن القطان بالعقيبة، وحمل على الرؤوس. وكان يقرئ القرآن، ويحكي عجائب عن الفقراء، وفيه زهد وتعفف. ويحضر السماع ويصيح. وله وقع في القلوب. وعاش ستا وتسعين سنة.

ومات مفتي العراق جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن البتي الحنبلي، أحد الأذكياء، كهلا. تخرج به الفضلاء في فنون.

ومات في شوال بقاسيون العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء بن الزراد الصالحي، عن ثمانين سنة. روى شيئا كثيرا. وتفرد. خرجت له مشيخة. روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وخطيب مردا والبكري، وكان يروي المسند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى، وأشياء. افتقر، واحتاج، وتغير ذهنه، واختلط قبل موته بعام أو أكثر.

ومات بالمدينة الإمام الزاهد التقي قاضي الحنابلة شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك الصالحي، في ذي القعدة عن أربع وستين سنة وأشهر. وكان من قضاة العدل، بصيرا بمذهبه، عارفا بالعربية، كبير القدر، ولي إحدى عشرة سنة. وحج ثلاثا، وفي الرابعة أدركه أجله. ومولده في صفر أو في ربيع الأول سنة اثنتين وستين. روى عن ابن عبد الدايم حضورا، وطلب بنفسه، وقرأ وكتب بعد الثمانين، ومحاسنه جمة، رحمه الله.

سنة سبع وعشرين وسبعمائة

نقل قاضي حمص ابن النقيب إلى قضاء طرابلس، وقاضيها ناصر الدين الزرعي إلى قضاء حمص. وحاصر ودي بن جماز المدينة جمعة. ودخلوا وأحرقوا بابها وأسروا غلمان صاحبها كبيش، وهرب أخوه طفيل وابنه، وقتلوا القاضي هاشم بن علي العلوي وعبد الله بن العابد.

ودخل الأمير قوصون بابنة للسلطان.

وفي رجب كائنة الإسكندرية: ضرب رجل أفرنجيا عند باب البحر، فأنهي الحال إلى أميرها الكركري، فركب وأمر بغلق الأبواب، ودخل الليل على الناس. فمشى كبراء إلى الأمير في فتح الباب لهم ففتحه بعد العشاء، وخرجت الرماة، ثم انعصر الخلق في الباب، وجذبت السيوف، وخطفت العمائم، ومات نحو عشرة من الرض. فلما أصبحوا وخرج الأمير إلى الجمعة رجم، فعاد إلى بيته فجاءوا بقش وأحرقوا الباب وأخرجوا أهل الحبس، ووقع النهب في دارين أو ثلاثة لأعوان الوالي. فبطق الأمير إلى مصر وغوث، فتنمر السلطان واعتقد أنهم أخرجوا أمراء من سجنهم، فأمر ببذل السيف في الإسكندرية وهدمها، وجهز أربعة أمراء منهم الوزير الجمالي، فجاء وطلب قاضي البلد ونائبه وأهانهم، فقال نائبه، وهو التنيسي: ما يلزمنا، فلا تهن الشرع. فضربه كثيرا، وطلب التجار وسبهم وأخذ منهم أموالا عظيمة، ووسط ثلاثين نفسا، واختبط البلد، وصودر الكل حتى افتقر عدد كثير.

وطلب قاضي حلب ابن الزملكاني إلى مصر ليولى قضاء دمشق فمات ببلبيس.

وعرض قضاء دمشق على أبي اليسر بن الصايغ، وجاءه التشريف فصمم وامتنع وبكى، فأعفي مكرما. ثم قدم على المنصب الشيخ علاء الدين علي ابن اسماعيل القونوي. ثم بعده طلب ابن الزملكاني المذكور.

وجاء يوم الأضحى على بلبيس سيل عظيم وقاسوا شدة.

ومات في المحرم المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي عن اثنتين وتسعين سنة. وسمع من عبد الحق حضورا، ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني، وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش النحوي. وروى جملة وتفرد.

ومات بمصر في المحرم النور علي بن عمر بن أبي بكر الواني الصوفي، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع من ابن رواج والسبط والمرسي. وتفرد بعوال. وكان دينا، خيرا. أضر ثم أبصر.

ومات بالثغر الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاتي المغربي، ويعرف باللحياني، عن بضع وثمانين سنة. وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة. اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع فيه. وتملك تونس. وحج سنة تسع وسبعمائة، ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة، ولقبوه بالقائم بأمر الله، فاستمر سبع سنين. ثم تحول إلى طرابلس المغرب، وأخذت منه تونس، فتوجه إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها. وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم -أعني ابن تومرت- من الخطب.

ومات بدمشق الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب، عن اثنتين وتسعين سنة. سمع عثمان بن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ. وكان ذا حظ من قيام وصيام وإطعام وإيثار تام. توفي في صفر. وكان بصيرا بالحساب، شارف الجامع مدة والخزانة.

ومات المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، في جمادى الأولى عن إحدى وستين سنة. وشيعه الخلق. روى عن ابن أبي اليسر حضورا. وسمع المسند والكتب الستة وأشياء.

ومات الملك الكامل الأمير ناصر الدين محمد بن السعيد عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل في جمادى الآخرة عن أربع وسبعين سنة. وأعطي خبزه لولده الملك صلاح الدين. حدثنا عن ابن عبد الدايم.

ومات بدمشق قاضي الحنفية صدر الدين علي بن الصفي أبي القاسم ابن محمد البصروي في شعبان ببستانه عن خمس وثمانين سنة. حدثنا عن ابن عبد الدايم. وكان رأسا في المذهب، مليح الشارة، كثير النعم، حكم بدمشق عشرين سنة. وأوصى بثلث ماله صدقة. وولي بعده ابن الطرسوسي.

ومات في سادس عشر شهر رمضان ببلبيس العلامة قاضي حلب فخر المجتهدين كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد خطيب زملكا الأنصاري الشافعي، وحمل فدفن بالقرافة. وولد في شوال سنة سبع وستين. أفتى وصنف وتفرد به الأصحاب، وكان سيال الذهن مليح الشكل، طلب ليشافهه السلطان بقضاء دمشق فأدركه الأجل. تفقه بتاج الدين عبد الرحمن. وحدث عن ابن علان وابن البخاري ورثاه الشعراء.

ومات بدمشق القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر. وولي القاضي محيي الدين بن فضل الله. توفي في شوال، عن ثمان وخمسين سنة.

سنة ثمان وعشرين وسبعمائة

قدم صاحب الروم تمرتاش بن جوبان بعسكره، وذهب إلى السلطان في خواصه فاحترموه.

واشترى النائب دار فلوس وما حولها وزخرفها، وسميت دار الذهب. وأوصل الماء إلى القدس بعد أن عمل الصناع ستة أشهر. ونقض رخام الحائط القبلي من ناحية الجامع الغربية، فوجد الحائط منحدبا، فنقض كأنه تغير من زلزلة، فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا، فبني وأحدث فيه محراب للحنفية، وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة. وكان بالفرايين حريق عظيم. ثم جدد بعده قيساريتان.

وفيها في المحرم درس العلائي بحلقة ابن صاحب حمص بحضرة القضاة، فأورد درسا باهرا نحو ستمائة سطر.

ومات بالثغر المعمر الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الشافعي، في المحرم، من ولد موسى الكاظم. سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادرائي وجماعة. وأجاز له ابن يعيش وابن رواج. ونسخ بالأجرة. وتفرد مع التقوى، والعلم، والورع. وعاش تسعين سنة.

ومات ببغداد الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي، عن تسعين سنة. مات في جمادى الأولى. وكان مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين، ومرة كتبه في سنة تسع. سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه والأعز بن العليق وعبد الملك بن قيبا وطائفة وتفرد.

ومات بمصر في جمادى الآخرة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن أبي الحسن الدمشقي الحنفي ابن الحريري. ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين. وحدث عن ابن الصيرفي والقطب ابن عصرون وابن أبي اليسر، وكان عادلا، مهيبا، صارما، دينا، رأسا في المذهب.

ومات ببغداد مفتيها وشيخها جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي بن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية في شوال وله تسعون سنة وثلاثة أشهر. وكان يذكر أنه سمع من محيي الدين بن الجوزي.

ومات بقلعة دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني معتقلا. ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق. ومولده في عاشر ربيع الأول يوم الاثنين سنة إحدى وستين وستمائة بحران. سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة. وبرع في التفسير والحديث والاختلاف والأصلين. وكان يتوقد ذكاء. ومصنفاته أكثر من مائتي مجلد. وله مسائل غريبة نيل من عرضه لأجلها. وكان رأسا في الكرم والشجاعة قانعا باليسير. شيعه نحو من خمسين ألفا، وحمل على الرؤوس. رحمه الله.

ومات بالصالحية في ذي القعدة الفقيه المعمر جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي. ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين. سمع من النور البلخي، والمرسي، ومحمد بن عبد الهادي وطائفة.

وقتل نائب الشرق جوبان بهراة، ونقل تابوته فدفن بالبقيع ولم يدفن بمدرسته.

سنة تسع وعشرين وسبعمائة

في المحرم نقل كاتب السر محيي الدين إلى عند السلطان. وولي بدمشق شرف الدين حفيد الشهاب محمود. وأصاب كاتب السلطان فالج، وهو علاء الدين بن الأثير.

ووسعت أسواق دمشق، وجددت القنا التي من القنوات بإلزام النائب، واسترحنا من ترسل المياه بعد غرامات كثيرة. وألقيت كلاب دمشق في خندق باب كيسان وفصل بحائط بين ذكورهم وإناثهم، ورجمهم الناس. قيل: بلغوا خمسة آلاف.

ومات بمصر شارح التنبيه نجم الدين محمد بن عقيل البالسي عن تسع وستين سنة. ناب في القضاء لابن دقيق العيد، ودرس بعده بالمعزية القاضي الزرعي. وكان إماما زاهدا، شيعه الخلق.

ومات بدمشق في ربيع الآخر الصدر نجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي عن ثمانين سنة. حدث عن ابن البرهان والقاضي صدر الدين بن سني الدولة والزين خالد والكرماني، وطلب، وحصل الأصول، وولي نظر الأيتام. وكان تام الشكل، حسن البزة، ذا كرم وتجمل.

ومات في جمادى الأولى مدرس البادرائية شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إمام الرواحية أبي إسحاق إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل. وشيعه الخلق يوم الجمعة إلى عند قبر أبيه بباب الصغير. وله سبعون سنة سوى أشهر. حضر علي الزين خالد، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وعدة. وله مشيخة. وحدث بالصحيحين، وأعاد لوالده، وخلفه في تدريس البادرائية، وفي حلقته بالجامع. وتخرج به أئمة. علق على التنبيه شرحا كبيرا. وكان رأسا في المذهب، عارفا بالأصول، وبنحو ومنطق، مع الورع، والتقوى، والتعفف، والكرم. امتنع عن القضاء. وباشر خطابة البلد أياما ثم ترك. وكان له وقع في القلوب وود.

ومات بعده بيومين شيخ الحنابلة بدمشق العلامة مجد الدين إسماعيل ابن محمد الفراء الحراني عن أربع وثمانين سنة. حدث عن الصيرفي، وابن أبي عمر. وكان قيما بمذهبه، عالما بعلمه، لا يغتاب بشرا ولا يؤذي آدميا. تفقه به أئمة، ومحاسنه جمة. لم يصنف شيئا.

ومات بمصر مسندها المعمر فتح الدين يونس بن إبراهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي، في جمادى الأولى، وقد جاوز التسعين بيسير، وهو آخر من روى عن ابن المقير بالسماع، وبالإجازة عنه، وعن المخيلي، وحمزة بن أوس، وظافر بن شحم، وعدة. وتفرد، وروى الكثير. وكان عاقلا صبورا.

ومات بمصر الأديب العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش عن ثلاث وستين سنة. روى عن ابن البخاري وغيره. وله النظم والنثر، وقوة الأدوات.

ومات بدمشق في ذي القعدة قاضي القضاة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي الشافعي الأصولي، شيخ الشيوخ، وصاحب التصانيف والتلامذة، وله إحدى وستون سنة وأشهر. كان قد قدم من الروم في سنة ثلاث وتسعين، فدرس وناظر. وسمع من ابن القواس، والشرف ابن عساكر، والأبرقوهي. وسكن القاهرة مدة. وتخرج به الأصحاب، مع دين، ونزاهة، وصيانة، وحياء، وغزارة علم. رحمه الله.

ومات الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي، في ذي الحجة، عن ثمانين سنة وأشهر. وكان محتشما معظما متنعما. عمل الوزارة وغيرها. وروى عن البرهان، وابن عبد الدايم.

سنة ثلاثين وسبعمائة

قدم على قضاء الشام علم الدين الإخنائي، فاستناب مدرس الشامية زين الدين ابن المرحل.

ونقل من طرابلس إلى قضاء حلب الشيخ شمس الدين ابن النقيب. وولي شمس الدين محمد بن المجد قضاء طرابلس. وولي قضاء الإسكندرية علم الدين صالح الإسنائي، ثم عزل بعد شهرين.

وأنشأ الأمير قوصون جامعا كبيرا بالقرب من جامع طولون، وجعل لخطيبه في الشهر ثلاثمائة درهم.

ومات بمصر كاتب السر علاء الدين علي بن تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبي ثم المصري. وكان ذا جاه وأموال وتمكن. مات في آخر الكهولة.

ومات بدمشق سيف الدين بهادر آص المنصوري عن نيف وسبعين سنة. وكان من أمراء الألوف بدمشق. وقبته خارج باب الجابية.

ومات يوم الخامس والعشرين من صفر مسند الدنيا شهاب الدين أحمد ابن أبي طالب بن نعمة بن حسن الديرمقرني ثم الصالحي الحجار ابن شحنة جبل الصالحية. وحدث يوم موته. وله مائة وبضع سنين. سمع من ابن الزبيدي وابن اللتي. وأجاز له ابن روزبة والقطيعي، وعدة. ونزل الناس بموته درجة.

ومات بحلب قاضيها فخر الدين عثمان بن محمد بن البارزي، عن اثنتين وستين سنة. حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي، وحفظ كتبا، وأفتى، وأفاد.

ومات بمكة مفتيها وقاضيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي عن اثنتين وسبعين سنة. حدث عن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري. وله إجازة من ابن سدى.

ومات بمصر المحدث الزاهد فخر الدين عثمان ابن شيخنا الحافظ أحمد ابن الظاهري، في رجب عن ستين سنة، سوى أشهر. حضر ابن علاق، والنجيب. وكان مكثرا. ارتحل به أبوه. ونسخ هو بخطه وحدث.

ومات المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثن الدمشقي الكحال، في ذي الحجة، حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة. وتفرد. حدث بمصر ودمشق وعاش أزيد من تسعين سنة.

سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

وصل إلى بلد حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة، وحفر زمن طويل، وفرحوا به.

وعزل ابن مراجل من الجامع بابن الشيرازي. وولي نظر الأسرى ابن الفويرة.

ومات في صفر قاضي الحنابلة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة سليمان ابن حمزة المقدسي، وله ست وستون سنة. روى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم. وكان متوسطا في العلم والحكم، متواضعا.

ومات بمصر العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني في صفر، وله أربع وثمانون سنة. سمع من ابن رواج حضورا، وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني، وتفرد بأشياء.

ومات بحلب نائب السلطنة أرغون الدويدار الذي عمل مدة نيابة مصر ثم أخر. وكان مليح الخط، نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة، وحصل كتبا نفيسة. مات في ربيع الأول كهلا.

ومات مسند حلب خاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح ابن العجمي من أبناء التسعين. وقد سمع بدمشق من خطيب مردا.

ومات بحلب بعد أيام في رجب أبو القاسم بن علي بن نصر الحراني بن الحبشي، وله ست وثمانون سنة. سمع من عيسى الخياط مشيخته.

وماتت بالثغر كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي، في شعبان، وتسمى ست الناس. روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي.

ومات بالغرب السلطان أبو سعيد عثمان ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني، في ذي القعدة، وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة. قارب السبعين، وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن.

ومات بدمشق الإمام أقضى القضاة جمال الدين أحمد بن محمد بن القلانسي التميمي الشافعي، قاضي العسكر، ووكيل بيت المال، ومدرس الأمينية، والظاهرية، عن اثنتين وستين سنة. وكان عالما، محتشما، مليح الشكل، لين الكلمة، حدث عن ابن البخاري، توفي في ذي القعدة.

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

جاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النائب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد.

وفي ربيع الآخر تسلطن الملك الأفضل علي بن المؤيد إسماعيل الحموي، وركب بالقاهرة بالغاشية والعصائب.

ثم كان عرس محمد بن السلطان، على بنت بكتمر الكبير، قيل: جهزت بألف ألف دينار، واحتفلوا للعرس بما لا يوصف. وأقيمت بالشامية جمعة، وخطب قطب الدين عبد النور، ثم تقرر كمال الدين بن الزكي.

ونقل إلى كتابة السر من دمشق القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشهاب محمود وعظم شأنه. وحج مع السلطان. وبعث ابن فضل الله إلى مكانه بدمشق. ونكب الصاحب شمس الدين غبريال بدمشق وصودر وزالت سعادته.

ومات في المحرم الشيخ الكبير المتزهد عبد الرحمن بن أبي محمد القرامزي الدمشقي المقرئ الحنبلي، بجوبر، عن ثمان وثمانين سنة. روى عن ابن أبي اليسر والمجد بن عساكر، وتلا بالسبع، وتعبد واشتهر، وتردد إليه الكبار.

ومات صاحب حماه الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود الأيوبي الحموي، صاحب التاريخ وناظم الحاوي، في المحرم، كهلا. ناب بحماه، ثم تملك اثنتي عشرة سنة. وله كتاب تقويم البلدان، وفضائل وفلسفة، والله يعفو عنه.

ومات المقرئ الصالح أبو العباس أحمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة. روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم، وروى كثيرا. وكان تقيا.

ومات بمصر المحدث الإمام تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد ابن عبد الكافي السعدي الشافعي، في ربيع الأول، عن اثنتين وثمانين سنة. سمع ابن عزون، والنجيب، وعدة. وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات. وطلب، وكتب الكثير وتميز وأتقن. ولي مشيخة الصاحبية. وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد. وخرج لشيوخ.

ومات بدمشق المفتي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية وحج سبع مرات، وبلغ ستا وثمانين سنة. وله تلامذة.

ومات صاحبنا الفقيه المحدث محيي الدين عبد القادر بن محمد المقريزي الحنبلي كهلا. حدث عن ابن القواس وبنت كندي، وكتب ورحل.

ومات في ربيع الآخر المحدث العالم عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي، عن سبع وثمانين سنة. قرأ على ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وأيوب الحمامي، وعدة. وكان فصيحا يعرب، ثم خدم في المواريث وحصل، ثم تاب وحج وأم بالربوة وغيرها.

ومات بجمادى الأولى بالصالحية فجأة قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن الحافظ، بعد أن حكم يومئذ بالجوزية، وكان دينا، حييا، خيرا، عالما. عاش ثمانيا وثمانين سنة. وله فضائل. روى عن ابن علاق ومحمد بن سعد والجمال الصوري وابن عبد الهادي، وعدة، وتفرد.

ومات زاهد الإسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي، صاحب أبي العباس المرسي، من أبناء الثمانين.

ومات صدر الأكابر فخر الدين محمد بن فضل الله كاتب المماليك، ناظر الجيش المصري. وله جلالة، وشهرة، وأوقاف. بلغ ثلاثا وسبعين سنة. واحتيط على حواصله.

ومات بمصر العدل نور الدين علي ابن التاج إسماعيل بن قريش المخزومي عن ثمانين سنة. توفي في رجب. سمع الزكي المنذري، والرشيد، وشيخ شيوخ حماة، وابن عبد السلام. وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة، وكان صالحا مكثرا.

ومات دويدار السلطان سيف الدين ألجيه الناصري الفقيه الحنفي كهلا. وولي مكانه صلاح الدين يوسف بن الأسعد.

وماتت وجيهية، بنت علي بن يحيى بن علي بن سلطان الأنصارية البوصيرية، - وتدعى زين الدار - في رجب بالإسكندرية. روت عن أحمد بن النحاس. وبالإجازة عن يوسف الشاوي، والأمير يعقوب الهدباني.

ومات بدمشق كبير الطب أمين الدين سليمان ابن داوود، في عشر التسعين، درس بالدخوارية.

ومات شيخ بلد الخليل العلامة شيخ القراء برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي صاحب التصانيف، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. أجاز له ابن خليل، وعرض التعجيز على مؤلفه. وتلا على الوجوهي، وغيره، ورحل القراء إليه.

ومات مدرس المستنصرية العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي، وله ثمان وثمانون سنة.

ومات في ذي القعدة قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى الإخنائي الشافعي، عن ثمان وستين سنة وأشهر. وكان دينا، عادلا. روى عن أبي بكر بن الأنماطي وجماعة. وحدث بالكثير. وكان من شهود الخزانة. ثم ولي قضاء الإسكندرية ثم دمشق.

ومات الفقيه المحدث المفيد فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الفخر البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي في ذي القعدة وله سبع وأربعون سنة. روى عن الفخر حضورا، وابن الواسطي، وابن القواس، وارتحل، وكتب، وخرج، وتميز، وأفتى.

ومات بدمشق ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية، في ذي الحجة عن اثنتين وسبعين سنة. ودفن بتربة مليحة أنشأها. وكان من رجال الدهر. وله فضل وخبرة.

ومات بمصر شيخ الحنابلة شمس الدين عبد الرحمن ابن قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي، في ذي الحجة، عن إحدى وستين سنة وأشهر. وكان من العلماء العاملين. حدث عن العز الحراني، والفخر علي، وجماعة. ودرس بأماكن وأفتى.

ومات فجأة في الحج مع السلطان كبير أمرائه وعينهم سيف الدين بكتمر الساقي وابنه، وخلف ما لا يعبر عنه من صنوف المال. وقيل بل ماتا في أول الآتية، ومما وجد له من الخدام مائة خصي.

سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة

قدم أمين الملك على نظر الشام، وعلى نظر الجيش فخر الدين بن الحلي.

وفي ربيع الأول ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة. وجددت بالربوة خطبه. وأمسك حاجب السلطان الأمير سيف الدين ألماس، وكان ظلوما.

ومات شيخ المستنصرية المحدث الإمام تقي الدين محمود بن علي الدقوقي. وحمل على الرؤوس. توفي في المحرم عن نحو من سبعين سنة. روى عن عبد الصمد وابن أبي الدينة وابن الساعي. وله جلالة عجيبة، وإفادة للعامة.

وفي ربيع الآخر حول كاتب السر شرف الدين إلى دمشق، وابن فضل الله إلى مصر.

ومات قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الحموي، صاحب التصانيف في ليلة العشرين من جمادى الأولى، وله أربع وتسعون سنة وشهر. حدث عن شيخ الشيوخ وابن عزون والنجيب والرضي بن البرهان والرشيد العطار وابن أبي اليسر، وعدة. وعني بالرواية، ومهر في التفسير والفقه، وشارك في فنون. وكان ذا دين، وتعبد، ونزاهة، وحمد في القضاء. أضر بآخره وانقطع للطاعة.

ومات في جمادى الآخرة بدمشق مفتي المسلمين شهاب الدين أحمد بن يحيى بن جهبل الشافعي، مدرس البادرائية، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن الفخر علي وابن الزين والفاروثي، ودرس مدة بالقدس.

ومات بحماة في رمضان الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزيز الحموي، وله تسعون سنة وشهران. ذكر لوزارة بلده، وسمع من صفية حضورا، وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي، وعدة. وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق.

ومات الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الصالحي الحنفي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان فمن بعدهما. وكتب الكثير، ورحل، وخرج، وتعب، ونسخ تهذيب الكمال للمزي مرتين، مع الدين، والتواضع ومعرفة الشروط.

ومات ببدر محرما الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن الحسن الواسطي الشافعي عن ثمانين سنة. وكان من أعبد البشر. واعتمر أزيد من ألف مرة، وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة. وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا. رحمه الله تعالى.

وماتت بدمشق المعمرة المسندة أم محمد أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى، أخت القاضي نجم الدين، في ذي الحجة، عن خمس وتسعين سنة. سمعت من مكي بن علان خمسة أجزاء. وتفردت، وحجت مرات وتصدقت.

سنة أربع وثلاثين وسبعمائة

جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال، وعشرين فرسا، وخرب أماكن. وقدم إلى باب السلطان أمير العرب مهنا فأكرم وأعطي ذهبا كثيرا، وعقارا. وولي الوكالة نجم الدين بن أبي الطيب. ونظر الجامع عز الدين بن منجا. ونقل إلى الحسبة عماد الدين بن الشيرازي، وخلع عليهم يوم عرفة بالطرحات.

وألزم النصارى واليهود بالعمائم الزرق والصفر ببغداد، وهدمت بها كنائسهم، فأسلم رأس اليهود سديد الدولة. وأسقط ببغداد مكوس ومغارم. ودعا المسلمون للوزير محمد بن الرشيد.

ومات بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي المشهور بالزرعي الشافعي الذي ولي قضاء مصر سنة. ثم قضاء دمشق بعد ابن صصرى. وكان مليح الشكل، وافر الحرمة، قليل العلم. لكنه حكام. درس بأماكن. توفي في صفر عن تسع وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم وجماعة.

ومات الأمير شهاب الدين قرطاي المنصوري الذي ناب بطرابلس. توفي بدمشق في صفر.

ومات الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعين. هلك به جماعة.

ومات بحماة الفقيه القدوة الولي نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن اللخمي القبابي الحنبلي الزاهد، عن ست وستين سنة. وحمل على الرؤوس.

ومات بمصر الحافظ العلامة المتفنن فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد ابن محمد بن سيد الناس اليعمري في شعبان عن ثلاث وستين سنة. روى عن العز، وغازي، وابن الأنماطي، وخلق. وخرج، ورحل، وجمع، وصنف. وله النظم والنثر، ومعرفة السير والرجال، واللغة، وبراعة الخط. توفي فجأة. وله إجازة النجيب وجماعة.

ومات الصاحب شمس الدين غبريال المسلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال: أدى ألفي ألف درهم، وأهين وصودر أهله من بعده. وكان صدرا محتشما نبيلا محبا للستر على الناس قليل الشر والأذى، لولا ما وقع في أيامه من زغل الذهب وتأذي الناس بذلك. وامتدت أيامه بدمشق في سعادة وتنعم. وكان يحب أصحاب ابن تيمية كثيرا ويذب عنهم.

ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم الفاقوسي مدرس قبة الشافعي. مات في عشر التسعين.

وفي رمضان أوذي قاضي القضاة ابن جملة. وقاموا عليه وهدد وأهين وعزل وحبس بالقلعة بضعة عشر شهرا. وأخذ المنصب شهاب الدين بن المجد عبد الله.

وعزل من السر شرف الدين أبو بكر، وجاء على السر جمال الدين عبد الله بن كمال الدين محمد بن الأثير الفقيه، شاب عاقل دين.

سنة خمس وثلاثين وسبعمائة

استعفى علاء الدين علي بن الشهاب بن السلعوس من ضمانة الدواوين، فولي عماد الدين بن الشيرجي. وظلم الأمير حمزة، وعصر الدويدار وابن جملة، وكاتب السر الشرف، وتمرد وتمكن من النائب. وبنى حماما في القنوات في غاية السعة والزخرفة. ثم استأصله الله، وعرفه ملك الأمراء فصودر وضرب بالبندق، وعصر وقطع لسانه من أصله، فهلك وما رق له مسلم، نسأل الله العفو.

ورضي السلطان عن ثلاثة عشر أميرا وأطلقهم، منهم تمر الساقي الذي ناب بطرابلس، وبيبرس الحاجب. وأغار المسلمون على بلاد سيس فوثب الملاعين على التجار والعربان فقتلوا ألفي مسلم. ووقع بحماة حريق كثير ذهبت به الأموال، واحترق مائتان وخمسون دكانا. وسمر بمصر إبراهيم الساحر.

ومات بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الواني الشافعي عن أكثر من تسعين سنة. توفي في صفر. حدث عن الرضي بن البرهان وابن عبد الدايم، وجماعة.

ومات بعده بشهر ولده المحدث مفيد الجماعة أمين الدين محمد عن إحدى وخمسين سنة. روى عن الشرف بن عساكر وأبي الحسن اللمتوني وابن مؤمن، وعدة. وارتحل مرات، وحج، وجاور، وكتب، وخرج، وأفاد.

ومات في صفر مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد، عن قريب من تسعين سنة. وتفرد بأشياء. حدث عن ابن علان، والعراقي، والبلخي، وعثمان ابن خطيب القرافة، وجماعة. سماعه صحيح. وهو لين.

ومات مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محيي الدين محمد ابن عبد الرحيم السلمي، عن سبع وأربعين سنة. كتب صحيح البخاري. وكان دينا، ورعا، مليح الشكل، متواضعا.

ومات بمصر الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير. سمع الحافظ عبد العظيم، وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي، والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم. عاش أربعا وثمانين سنة.

ومات الحافظ الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة. تلا بالسبع على إسماعيل المليحي، وسمع من ابن العماد، وإبراهيم المنقذي، والعز، والفخر علي، وبنت مكي، وابن الفرات الإسكندراني، وصنف، وخرج، وأفاد، مع الصيانة، والديانة، والأمانة، والتواضع، والعلم، ولزوم الاشتغال والتأليف. حج مرات، وحدثنا بمنى. وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه. وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين. وعمل أربعين تساعيات، وأربعين متباينات، وأربعين بلدانيات. وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات.

وماتت في ذي القعدة، المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السليمة عن سبع وثمانين سنة. روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل، وعمر بن عوة، وعثمان ابن خطيب القرافة، ولها إجازة السبط. روت الكثير وتفردت.

ومات ملك العرب حسام الدين مهنا ابن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة. وأقاموا عليه المأتم، ولبسوا السواد، وكان فيه خير وتعبد.

سنة ست وثلاثين وسبعمائة

سار ملك الأمراء في نقاوة الجيش فقدم جعبر وتصيد خمسة وثلاثين يوما. ودرس بالناصرية النور الأردبيلي. وبالظاهرية ابن قاضي الزبداني. وعزل من السر بدمشق ابن الأثير بالعلم ابن القطب. ودرس بالأمينية ابن إمام المشهد. وعزل الشمس الكاشغري من تدريس الشبلية بنجم الدين إبراهيم بن الطرسوسي.

وناب بصفد الحمص الأخضر سيف الدين طشتمر بعد موت نائبها ايتمش المحمدي.

ومات بدمشق المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي بالسميساطية، في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة. سمع صحيح مسلم من الباذبيني، وجامع الترمذي من العفيف بن الهني، وأجاز له النشتبري، ومحمد بن السباك، وإياس الحجبي صاحب خطيب الموصل، وتفرد، وأكثروا عنه. ثم تعاسر إلا بعطاء.

ومات قاضي بغداد قطب الدين الأخوين، واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي، وله ثمان وستون سنة. سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين. وكان ذا فنون، ومروءة، وذكاء. وكان يرتشي.

ومات مدرس الناصرية القاضي كمال الدين أبو القاسم بن الصدر عماد الدين بن الشيرازي في صفر عن ست وستين سنة ببستانه بأرض الحميريين. تفقه بالشيخ تاج الدين وغيره. وروى عن أبيه، وابن البخاري. وذكر للقضاء، وكان فيه معرفة، وتواضع، وصيانة. حفظ مختصر المزني.

ومات في صفر فجأة القاضي علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن القلانسي مدرس الأمينية والظاهرية. وكان ولي أيضا الوكالة، وقضاء العسكر والمارستان، مع نظر ديوان ملك الأمراء. وذكر للقضاء ثم تنمر له النائب وصودر وعزل. حدث عن الفخر علي، وعاش ثلاثا وستين سنة.

ومات الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي في ربيع الأول، حدث عن خطيب مردا، وابن عبد الدايم. عاش تسعين سنة.

ومات بالثغر الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير متملك تونس، اللحياني في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة. حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن التجيبي، ويوسف بن خميس. وطلب الحديث، وبرع في النحو وأقرأه.

ومات بدمشق ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب عن ثلاث وستين سنة. وكان مليح الشكل، متواضعا، نزها، دينا، ورعا، أخذت منه الحسبة عام أول. واعتقل لامتناعه من شهادة.

ومات بالأردوا القان أبو سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاوو المغلي، ونقل إلى السلطانية، وله بضع وثلاثون سنة. فدفن بتربته. وكان يكتب المنسوب، ويجيد ضرب العود، وفيه ديانة، ورأفة، وقلة شر. هادن سلطان الإسلام وهادنه، وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد.

وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية. وكانت دولته عشرين سنة.

ومات والي دمشق شهاب الدين أحمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي عن أربع وستين سنة. وكان جيد السياسة، محببا إلى الناس. ولي ثلاث عشرة سنة. وحدث عن ابن علان، والمجد بن الخليلي.

ومات بعده بيومين والي البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لؤلؤ عن أربع وستين سنة أيضا، وكان أجود الرجلين.

وماتت عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن، في شوال عن تسعين سنة. روت عن العراقي، والبلخي حضورا، وعن اليلداني، ومحمد ابن عبد الهادي، وتفردت.

ومات شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب، عن اثنتين وسبعين سنة. روى عن ابن علان، وتفقه للشافعي، وترفض.

ومات الذي تسلطن بعد أبي سعيد القان أرباخان، ضربت عنقه صبرا يوم الفطر. وكانت دولته نصف سنة. خرج عليه علي باش، والقان موسى، فالتقوا فأسروا المذكور ووزيره الذي سلطنه خواجا محمد بن الرشيد الهمذاني وقتلا صبرا. وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشائر بدمشق، وجاء الرسول بنصرتهم.

ومات بدمشق الصاحب الأمجد عماد الدين إسماعيل بن محمد بن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني، في ذي القعدة، عن خمس وستين سنة. وكان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها. روى عن العز الحراني، وغيره. وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين.

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

في أولها بلغنا كسرة علي باش وأنه قتل، ثم قتل موسى بن علي بن بيدوا الذي سلطنه، وكانت دولتهم ثلاثة أشهر. وفي المحرم أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم، فرجع ورسم بنفيه، ثم شد منه كبار، ولله الأمر.

وولي بمصر وكالة بيت المال الإمام عز الدين بن جماعة وكيل السلطان. وسار الجيش لحصار سيس، ثم سلم صاحبها سبع قلاع، وصولح وخفف عنه من الحمل، وقرئ له الأمان، فقبل الأرض وبقي العسكر بأرضه أربعة أيام فسلم آياس وكواره ونجيمة وسوكندار والهارونية وقلعة البحر وميناء آياس، وأخذ منه قبل ذلك قلعة النقير.

وقتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار وأحرق. أضل جماعة. قام عليه قاضي القضاة شرف الدين بحماة.

ومات بتبوك الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد بن غانم المنشئ في المحرم، عن ست وثمانين سنة. روى عن ابن عبد الدايم، والزين خالد، والنظام بن البانياسي، وعدة. وحفظ التنبيه، وله النظم والترسل الفائق، والمروءة التامة، وكثرة التلاوة، ولزوم الجماعات، والشيبة البهية، والنفس الزكية. باشر الإنشاء ستين سنة. وحدث بالصحيحين، وحج مرات.

ومات بعده بأشهر أخوه الأديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد عن سبع وثمانين سنة. وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ. دخل اليمن ومدح الكبار. وخدم في الديوان. وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة. ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر، وربما ثاب إليه وعيه.

ومات في ربيع الأول الإمام المحدث التقي محب الدين عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي، عن خمس وخمسين سنة. وشيعه الخلق. روى عن الفخر وجماعة. وطلب الحديث سنة سبع وتسعين فقرأ الكثير، وتعب، وخرج، وأفاد العامة. وكان لعبارته وقع عجيب في النفوس، ومحاسنه كثيرة.

ومات في الشهر بحماة المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغريل الصيرفي عن نيف وأربعين سنة. قرأ الكثير، وتعب، ورحل، وخرج، وقرأ للعوام. حدث عن أبي بكر بن عبد الدايم، وعيسى الدلال. مات غريبا. الله يسامحه.

ومات شيخ نابلس ومفتيها القدوة شمس الدين عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف الحنبلي في ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة. روى عن السبط إجازة، وعن خطيب مردا حضورا، وعن عم أبيه الجمال عبد الرحمن. أم بمسجد الحنابلة نحوا من سبعين سنة وتأسفوا عليه.

ومات بقاسيون شيخ الفقراء أبو عبد الله محمد بن أبي الزهر الغسولي عن ثلاث وثمانين سنة. روى عن إبراهيم بن خليل حضورا، وعن العماد بن عبد الهادي، وابن عبد الدايم، وجماعة. وله زاوية ومريدون.

ومات بمصر مسندها العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي، له إجازة ابن رواج، وابن الجميزي. وروى الكثير وتفرد. توفي في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة.

ومات بدمشق في رجب الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب ابن علي الشافعي ابن الطحان نقيب الشامية، والسبع الكبير، وله خمس وثمانون سنة وأشهر. سمع من عثمان بن خطيب القرافة، ومن الكرماني، والزين خالد.

ومات الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد في رمضان بقريته منية مرشد كهلا. وقد قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له، فكان يقري الضيفان وربما كاشف. وللناس فيه اعتقاد زائد، ويخدم الواردين، ويقدم لهم ألوان المآكل، ولا خادم عنده، حتى قيل: أطعم الناس في ليلة ما قيمته مائة دينار، وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار. وزاره أمراء وكبراء، وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول: كان مخدوما. وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له: احضروا فقد عرض أمر مهم، ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا. قيل: قرأ ختمة على الصائغ.

ومات المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم في رمضان عن خمس وتسعين سنة. ودفن بالقدس. روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا، وتفرد. وكان ممتعا بحواسه، مليح الشكل، ما تزوج ولا تسرى.

وقتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك يغمراسن بن عبد الواحد الزناتي البربري. وكان سيء السيرة. قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السريرة وقبح السيرة. ثم تمكن وظلم. وكان بطلا شجاعا، تملك نيفا وعشرين سنة. حاصره سلطان المغرب أبو الحسن المريني مدة. ثم برز عبد الرحمن ليكبس المريني فقتل على جواده في رمضان كهلا.

سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدائد وملال لاختلاف التتار.

ومات الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضي الصالحي القطان في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة. سمع حضورا من خطيب مردا، وعبد الحميد بن عبد الهادي، وسمع من عبد الله بن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان، وتفرد، وأكثروا عنه، ونعم الشيخ كان، له إجازة السبط وجماعة.

ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة. روى الكثير بإجازة السبط.

ومات القاضي الأثير محيي الدين يحيى بن فضل الله بن مجلي العدوي، كاتب السر بمصر، في رمضان، عن ثلاث وتسعين سنة. ونقل إلى دمشق. وكان صدرا، معظما، متمولا، رزينا، كامل السؤدد. وروى عن ابن عبد الدايم، وغيره. وبالإجازة عن ابن مسلمة. وولي بعده ابنه الصغير علاء الدين.

ومات قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الإربلي ثم الدمشقي الشافعي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة. نفرت به بغلته فرضت دماغه وهلك إلى عفو الله بعد ست ليال. روى عن ابن أبي اليسر، وابن أبي عمر، وجماعة. وأفتى، وناظر، وحكم نحو ثلاث سنين. وجاء على منصبه قاضي المالكية جلال الدين.

ومات بحماة قاضيها شيخ الإسلام شرف الدين هبة الله ابن القاضي نجم الدين عبد الرحيم ابن القاضي شمس الدين إبراهيم بن البارزي الجهني الشافعي. في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة. روى عن جده، وابن هامل وله من الباذرائي، والكمال الضرير، وجماعة، إجازة. وكان إماما، قدوة، مصنفا، صاحب فنون، وإكباب على العلم، وصلاح، وتواضع، وخشية، وصحة ذهن. بلغ رتبة الاجتهاد وتخرج به الأصحاب، رحمه الله.

ومات بدمشق مدرس الشامية الذي كان قاضي القضاة، جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي ثم الصالحي الشافعي، في ذي القعدة، عن سبع وخمسين سنة. حدث عن الفخر وغيره. وتفقه بابن الوكيل، وبابن النقيب، وتميز، ودرس. سعى له ناصر الدين الدويدار فولي القضاء نحو سنتين وعزل وسجن مدة، ثم أعطي الشامية. وكان قوي النفس، ماضي الحكم على حدة فيه. وكان كثير الفضائل.

ومات بمصر شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم الدمشقي بن الكتاني، عن خمس وثمانين سنة. وكان تام الشكل، عالما، ذكيا، مهيبا، مائلا إلى الحجة، فيه قوة وزعارة. سمع جزء الأنصاري وأبي أن يحدث. ولي مشيخة المنصورية وغير ذلك، وكان يذكر دروسا مفيدة.

ومات بدمشق بالشامية الكبرى مدرسها العلامة زين الدين محمد بن عبد الله بن المرحل، في رجب، عن بضع وأربعين سنة. فقيه، مناظر، أصولي. تفقه بعمه. وناب في الحكم عن ابن الإخنائي، وكان يذكر للقضاء.

ومات بقوص ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي. وكان سريا، فقيها، شجاعا، مهيبا، وسيما. قيل: هو السبب في تسييرهم إلى قوص. مات في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة.

سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

عساكر التتار في اختلاف وافتراق، والرعية في مشاق لذلك وخوف ومغارم.

وفي رجب هلك تحت الزلزلة بطرابلس الشام ستون نفسا.

وفيه قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام، وفرح المسلمون به.

ومات ببغداد عالمها الإمام ذو الفنون صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن شمايل البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية في صفر وله إحدى وثمانون سنة. صنف شرحا للمحرر في ستة أسفار، وألف في الفرائض، وطلب الحديث، وعمل معجما. حدث عن عبد الصمد بن أبي الجيش، والكمال ابن الفويرة، وأسمعته من الشرف بن عساكر، وله نظم رائق، وفيه دين، وفتوة، وأخلاق، وتصوف، ولم يتأهل.

ومات بمصر قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن خطيب جبرين علي بن عثمان الحلبي الشافعي في المحرم، عن سبع وسبعين سنة. كان طلب وأخرق به، وعزل، والله يأجره. وكان يدري القراءات، والأصول، والنحو. وله تواليف وتلامذة.

ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في نصف جمادى الأولى وله ثلاث وسبعون سنة. ودفن بمقابر الصوفية. وكان مولده بالموصل، وتفقه بأبيه، وأخذ الأصول عن الأيكي، وأفتى، ودرس، وناظر، وتخرج به الأصحاب. وكان مليح الشكل، فصيحا، حسن الأخلاق، غزير العلم، ناب في القضاء لأخيه إمام الدين، ولابن صصرى. ثم ولي خطابة دمشق مدة، ثم قضاءها، ثم قضاء الديار المصرية إحدي عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق وأصابه طرف فالج مديدة. وتأسفوا عليه لأياديه وحلمه، والله يسمح لنا وله. حدث عن الفاروثي وغيره.

ومات القاضي الإمام القدوة العابد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصائغ الدمشقي الشافعي، مدرس العمادية، والدماغية، في جمادى الأولى، عن ثلاث وستين سنة. حدث عن ابن شيبان، والفخر وطائفة. وحفظ التنبيه، ولازم الشيخ برهان الدين زمانا، وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفي. ثم ولي خطابة القدس وتركها. وكان مقتصدا في أموره، كثير المحاسن، حج غير مرة.

ومات شيخ الأمراء الكبير سيف الدين كجكن المنصوري عن نحو التسعين.

ومات بمصر المعمر الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد ابن عثمان بن مكي الشارعي. وكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه، وكان من أبناء التسعين. لحقه أبو الخير الدهلي. مات في جمادى الأولى.

ومات المفتي زين الدين عبادة بن عبد الغني السعدي الحراني الحنبلي، في شوال، عن ثمان وستين سنة. حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي وغيره. وكان دينا، متهجدا، متواضعا، جوادا، مناظرا، صحبته بضعا وأربعين سنة. وكان يلي العقود والفسوخ.

ومات شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة شمس الدين محمد بن شرشق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي في أول ذي الحجة بقرية الجبال من عمل سنجار عن تسع وثمانين سنة. وكان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة، حج مرتين. وروى عن الفخر علي بدمشق، وببغداد، وخلف أولادا كبارا، لهم كفاية وحرمة.

ومات العدل الأمير شمس الدين محمد بن إبراهيم بن الجزري الدمشقي صاحب التاريخ الكبير، في وسط السنة، وله إحدى وثمانون سنة. وكان دينا ساكنا، وقورا، به صمم. روى عن إبراهيم بن أحمد، والفخر ابن البخاري، وسمع ولديه مجد الدين، ونصير الدين كثيرا.

ومات بخليص محرما في ذي الحجة الإمام الحافظ محدث الشام علم الدين القاسم بن محمد بن البرزالي الشافعي، صاحب التاريخ، والمعجم الكبير، وله أربع وسبعون سنة وأشهر. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين. روى عن ابن أبي الخير، وابن أبي عمر، والعز الحراني، وغازي، وخلق كثير. وقرأ، وكتب، وتعب وأفاد، وخرج مع الصدق والتواضع، والإتقان، وكثرة المحاسن. ووقف جميع كتبه. وأوصى بثلثه. وحج خمس مرات، رحمه الله.

وفي المحرم منها مات الشيخ شرف الدين أبو الحسين بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وطائفة. وله بضع وثمانون سنة.

ومات بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن العلم المنذري. سمع المسند من ابن شيبان.

ومات بالقدس خطيبه زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي.

ومات بدمشق معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان ابن الخراط. حدث عن ابن البخاري وغيره. وعمل خطبا ومقامات.

ومات شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد بن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر. درس بالعمادية. وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحدي، وجماعة.

ومات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني. وكان سيدا نبيلا. وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرم.

ومات بالقاهرة قاضي العساكر، وناظر الخزانة، القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين الإخنائي. حدث عن الدمياطي وغيره.

ومات بالإسكندرية قاضيها العلامة وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي. ولحقه الدهلي.

ومات بالصالحية المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود السبعي. حدث عن ابن عبد الدايم وغيره، وله إحدى وتسعون سنة.

سنة أربعين وسبعمائة

في صفر هبت ريح بجبل طرابلس وسموم وعواصف على جبال عكا، وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم، وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا، ويبست ثمارا، وأحرقت منازل، وكان ذلك آية. ونزلت من السماء نار بقرية الفيجة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت. وصح هذا واشتهر. وأمر التتار في اختلاف، وهرج، وفرقة.

ومات بدمشق الشيخ المعمر نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي. أحد أعيان الصوفية، وأكابر الفقراء القادرية، عن تسعين سنة. أو أكثر. حدث عن الشيخ الفقيه. وكان خاتمة أصحابه، وعن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وجماعة. وولي مشيخة الشبلية والأسدية، توفي في رجب.

ومات بمصر العلامة مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني الشافعي، في ربيع الأول، عن بضع وستين سنة. إمام، مفت، ورع، صالح، مصنف. ألف للتنبيه شرحا، وللتعجيز. وتفقه به جماعة. روى عن الأبرقوهي وغيره، ودرس.

وماتت مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، المرأة الصالحة العذراء، في تاسع عشر جمادى الأولى، عن أربع وتسعين سنة. روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة. وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق والنشري، وعدد كثير. وتكاثروا عليها. وتفردت. وروت كتبا كبارا. رحمها الله.

وفي ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية، وما تحتها وما فوقها، إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين، وسوق الدهشة وحاصل الجامع وما حوله والمئذنة الشرقية، وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر. ونسب فعل ذلك إلى النصارى فأمسك كبارهم وسمروا حتى ماتوا.

وفي هذا العام مات الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم العباسي بقوص. وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة. وبويع لأخيه إبراهيم بغير عهد.

ومات القاضي الإمام محيي الدين إسماعيل بن يحيى بن جهبل الشافعي عن سن عالية. حكم بدمشق نيابة، ثم ولي قضاء طرابلس، ثم عزل. وحدث عن ابن عطاء وابن البخاري وجماعة.

وفيه قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب النشو القبطي في صفر وصودر، واستصفيت حواصله بمباشرة الأمير سيف الدين شنكر الناصري. ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر. ووجد بداره كنيسة مرخمة مصورة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها. واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر.

وقد زاد النيل في اليوم الذي قبض فيه على النشو ثمانية عشر إصبعا وثاني يوم إلى اثنين وعشرين إصبعا ولله الحمد.

=====

 

 

 

المحتويات

 

المقدمة

 

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

 

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

 

سنة أربع وأربعين وسبعمائة

 

سنة خمس وأربعين وسبعمائة

 

سنة ست وأربعين وسبعمائة

 

سنة سبع وأربعين وسبعمائة

 

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

 

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

 

سنة خمسين وسبعمائة

 

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة

 

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة

 

سنة أربع وخمسين وسبعمائة

 

سنة خمس وخمسين وسبعمائة

 

سنة ست وخمسين وسبعمائة

 

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

 

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

 

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

 

سنة ستين وسبعمائة

 

سنة إحدى وستين وسبعمائة

 

سنة اثنتين وستين وسبعمائة

 

سنة ثلاث وستين وسبعمائة

 

سنة أربع وستين وسبعمائة

 

 

ذيول العبر/الذيل الثاني

< ذيول العبر

ذيل

العبر في خبر من غبر

لأبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي

الذيل الأول الذيل الثاني: من سنة 741 - 764

 

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها أو في أواخر العام الماضي قبض على الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، وأخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية أياما ثم قتل ودفن هناك. ولي نيابة دمشق في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وسار في سنة خمس عشرة فافتتح ملطية وسبى وقتل، وكان رجلا عبوسا، شديد الهيبة، وافر الحرمة، لا يجترئ أحد من الأمراء أن يكلم أحدا بحضرته، وكان مع جبروته له من يضاحكه ومن يغنيه، وقد زار مرة شيخنا ابن تمام. وسمع من أبي بكر، ابن عبد الدايم، وعيسى، وابن الشحنة، وما علمته حدث. وله آثار حسنة في أماكن من البلاد الإسلامية رحمه الله تعالى. وولي بعده نيابة دمشق الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب حلب. وفي هذا العام جددت خطبة بالمدرسة البدرية جوار الشبلية باعتناء القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب السر.

ومات الزاهد العابد القدوة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام التلي ثم الصالحي الخياط، في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة. حدثنا عن ابن عوة، وابن السروري، وابن عبد الدايم وطائفة. استوعب الذهبي شيوخه في جزء، وزاره تنكز نائب الشام، وحدث عنه البرزالي والذهبي والعلائي، وخلق. وكان أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر رحمه الله. حدث بصحيح مسلم عن الرضي بن البرهان.

ومات بمصر العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة القرشي الشافعي المعروف بابن القماح في ربيع الآخر عن بضع وثمانين سنة.

ومات بدمشق المحدث الإمام بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن غانم الشافعي. سمع التقي بن الواسطي وطائفة. وعني بالحديث، وحدث، وأفتى، ودرس، وأفاد.

ومات الشيخ الزاهد خالد المجاور لدار الطعم، ودفن بداريا. صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية. وله حال، وكشف، وكلمة نافذة. رحمه الله.

ومات بدمشق أيضا الإمام العلامة ذو الفنون برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي، عن بضع وخمسين سنة. أفتى قديما، ودرس، وناظر، وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن التقي سليمان، ثم عن القاضي علاء الدين بن المنجا. وكان إليه المنتهى في التحري، والتفنيد، وجودة الخط، وحسن الخلق. حدث عن عمر ابن القواس، والشرف بن عساكر، وغيرهما، وكان يصبغ بالوسمة.

وفي ذي القعدة مات شيخنا المعمر بهاء الدين علي بن عيسى بن المظفر بن الياس بن الشيرجي الدمشقي، عن ثمان وثمانين سنة. حدث عن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطائفة. توفي في ذي القعدة.

ومات ببغداد المعمر أبو عبد الله محمد بن علي بن محمود بن الدقوقي عن خمس وسبعين سنة. سمع من ابن أبي الدينة مسند الإمام أحمد، وحدث عن أبي محمد بن ورخز. وكانت سيرته غير مرضية.

ومات بها أيضا الشيخ وجيه الدين محمد الباذبيني، حدث عن ابن الطبال وغيره.

ومات بدمشق المعمر بهاء الدين عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن مكتوم القيسي الدمشقي الشاهد عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن الأوحد وابن أبي اليسر وطائفة. وكان يرتزق من الشهادة، ثم انقطع بآخره. وضعفت حركته وأضر. ولد في شعبان سنة ثمان وخمسين، وتوفي في ذي القعدة.

وماتت المعمرة الصالحة، الخيرة، أم محمد صفية بنت أحمد بن أحمد المقدسية، زوجة شيخنا بهاء الدين ابن العز عمر، عن سن عالية. حدثت بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفيت في ذي الحجة.

وفي يوم الأربعاء عشرينه، مات بالقاهرة السلطان الملك الناصر، أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي عن بضع وخمسين سنة. ودفن على والده بالمنصورية. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة. وسمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وابن الشحنة، وست الوزراء. وأجاز له من دمشق عام ثلاث وسبعمائة أبو جعفر بن الموازيني وإسحاق النحاس والقاضي تقي الدين سليمان وطائفة. وكان ابتداء ملكه في المحرم سنة ثلاث وتسعين بعد قتل أخيه الملك الأشرف، فأقام سنة، ثم خلع بالملك العادل زين الدين كتبغا فأقام سنتين، ثم خلع بالملك المنصور، حسام الدين لاجين أستاذ تنكز المذكور، فأقام المنصور حتى قتل في ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين، فأحضر الملك الناصر من الكرك وسلطنوه، وهي المرة الثانية، فأقام إلى سنة ثمان وسبعمائة، ثم أظهر أنه يريد الحج، فخرج وعرج إلى الكرك، فأقام به ولوح بعزل نفسه. فتولى الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير. فأقام بقية سنة ثمان وسبعمائة إلى رمضان من العام القابل، فخرج طائفة من كبار الأمراء وكرهوا ولاية المظفر، وساقوا على حمية إلى الكرك، فاستنهضوا الملك الناصر فخرج معهم وسار إلى دمشق، فبايعه أمراء الشام، وتوجه إلى القاهرة، فلما تحقق بيبرس قدوم السلطان خرج هاربا نحو الصعيد، فدخل السلطان إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر سنة تسع وسبعمائة واتفقت عليه كلمة المسلمين، فأقام ملكا مطاعا وأذعنت له الملوك ودانت له الأمم وخافته الأكاسرة، حتى مات في هذا العام، وعهد إلى ابنه الملك المنصور أبي بكر، فولي بعد أبيه وهو ابن عشرين سنة.

وفي أيام الملك الناصر كانت وقعة غازان بوادي الخزندار ووقعة شقحب وفتح ملطية وآياس ووقعة عرض. وفي أيامه أسقط مكس الأقوات والله يرحمه.

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

في المحرم منها بويع الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله سليمان ابن الحاكم العباسي وكان ولي عهد أبيه.

وقبض السلطان الملك المنصور على الأمير سيف الدين بشتك الناصري وأخذ من حواصله ما يزيد على ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، وقبض على غيره من الأمراء، فاتفق الأمراء على خلعه، فخلعوه في سابع عشر صفر، وحبس بقوص ثم قتل في جمادى الآخرة، وكانت دولته نحوا من سبعين يوما. وأقاموا أخاه الملك الأشرف كجك وهو متميز، فسلطنوه، وخطب له بدمشق وغيرها، في ربيع الأول، وكان أخوه الملك الناصر أحمد بالكرك، فلما بلغه ولاية أخيه الأشرف الذي هو أصغر إخوته، تحركت همته، فسار في شهر رمضان من الكرك إلى القاهرة، وقد كان الأمير قطلوبغا الفخري اتفق مع الأمراء على الشخوص إلى القاهرة، وولاية أحمد صاحب الكرك، وتنازل الفخري وألطنبغا نائب دمشق وتراسلوا، فذهب ألطنبغا على حمية إلى مصر منهزما، واستقر الفخري بدمشق إلى رمضان، فتوجه هو ونائب حلب طشتمر المعروف بحمص أخضر فدخلا القاهرة، وتوجه قضاة الشام فاجتمعوا كلهم وخلعوا الملك الأشرف كجك. خلعه الخليفة الحاكم بحضور قضاة مصر والشام، وذلك لصغر سنه وعجزه عن القيام بمصالح الرعية. فكانت دولته نحو سبعة أشهر، وبايعوا السلطان الملك الناصر أحمد بيعة لم يتفق لغيره مثلها، وذلك يوم الاثنين عاشر شوال بحضور أمراء مصر والشام وقضاة القضاء بمصر والشام، فأقام كذلك إلى ثاني الحجة منها، فسار إلى الكرك بأمواله وخيله ورجاله، ومعه كاتب السر، وناظر الجيش، وطشتمر المذكور محتفظا عليه، وقد كان ولى الفخري نيابة دمشق فجهز إليه، فقبض عليه بالطريق فضربت عنقه، وعنق طشتمر خارج الكرك في العشر الأخر من ذي الحجة، ثم قتل ألطنبغا نائب الشام وجماعة من الأمراء المصريين.

ومات بدمشق خطيبها المفتي الإمام بدر الدين محمد بن قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي، وقد ناب في الحكم عن والده في الكرة الأخيرة.

ومات ببلبيس المعمر أبو الفتوح عبد الله النصير بن محمد الأنصاري عن ثمان وتسعين سنة. حدث عن الفضل بن رواحة وغيره.

ومات بدمشق مقرئها العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الرقي ثم الدمشقي الحنفي الأعرج، عن أربع وسبعين سنة. حدث عن الفخر وطائفة. وقرأ على الفاروثي، والفاضلي. وأقرأ بالأشرفية. توفي في سلخ صفر.

ومات الحافظ العلامة إمام المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي ثم الكلبي الحلبي، ثم الدمشقي المزي الشافعي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب الأطراف. ولد في العاشر من ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بحلب. وسمع بدمشق في سنة خمس وسبعين من ابن أبي الخير وابن علان والإربلي والشيخ شمس الدين وابن البخاري وخلق من هذه الطبقة، وغيرهم، وهلم جرا. وحدث بالكثير من مسموعاته، وحمل عنه طوائف من الفقهاء والحفاظ وغيرهم. وبه ختم شيخنا الذهبي طبقات الحفاظ له. توفي في يوم السبت ثاني عشر صفر ودفن بالصوفية رحمه الله. وكان مع تبحره في علم الحديث رأسا في اللغة العربية والتصريف، له مشاركة جيدة في الفقه وغيره، ذا حظ من زهد وتعفف، ويقنع باليسير. وقد شهد له بالإمامة جميع الطوائف، وأثنى عليه الموافق والمخالف.

ومات ببغداد المحدث المسند محب الدين أبو الربيع علي بن عبد الصمد ابن أحمد بن عبد القادر البغدادي عن ست وثمانين سنة. حدث عن ابن أبي الدينة وطائفة.

ومات في جمادى الأولى ملك العرب مظفر الدين موسى بن مهنا ودفن بتدمر.

ومات بعده بثمانية أيام نائب طرابلس أرنبغا الناصري.

وفي آخر هذا العام قتل قوصون الناصري، ونهبت أمواله بالقاهرة.

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

في المحرم أرسل أمراء الدولة إلى الملك الناصر أحمد بالكرك ليعود إلى القاهرة مستقر ملكه وملك أبيه، فأجابهم: إن كنت أنا السلطان فلا يأتمر علي أحد، الشام لي ومصر لي، أيهما شئت أقمت به، وقد أقمت نائبا لقضاء حوائج الرعية. فلم يعجبهم هذا الجواب واضطربت آراؤهم ثم اتفقوا على خلعه، فخلعوه في ربيع الأول وعقدوا الملك لأخيه الملك المظفر عماد الدين إسماعيل وهو ابن نحو من سبع عشرة سنة. وكانت دولة الناصر أحمد نحو خمسة أشهر وأياما. وتوجه أمراء دمشق بالمجانيق لحصار الكرك.

وولي نيابة دمشق الأمير علاء الدين أيدغمش الناصري فأقام نحو ثلاثة أشهر، ومات فجأة في رابع جمادى الآخرة وولى بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين طقزتمر الناصري فدخلها في نصف رجب.

وفيها ولد لرجل من أهل الجبل ولد برأسين وأربع أيد، فحكى لي شيخنا عماد الدين بن كثير قال: ذهبت إليه ونظرت إليه فإذا هما ولدان قد اشتبكت أفخاذهما بعضها في بعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهما ميتان.

ومات مسند الشام المقرئ الصالح العابد أبو العباس أحمد بن علي بن حسن بن داوود الجزري ثم الصالحي الحنبلي عن ثلاث وتسعين سنة وسبعة أشهر، حضر على ابني عبد الهادي واليلداني والبكري وخطيب مردا وإبراهيم بن خليل وابن عبد الدايم وغيرهم، وأجاز له ابن الزعبي والصرصري، وفضل الله الجيلي وعبد القادر القزويني وخلق. خرجت له من عواليه، وتوفي في خامس شعبان، وسمعت شيخنا الحافظ تقي الدين السبكي يقول: لم أر أجلد منه على التلاوة والصلاة.

ومات ببعلبك مسندها وخطيبها المعمر محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي الشافعي، نزيل بلد بعلبك وشيخ الكتابة، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع من ابن عبد الدايم والقاسم الإربلي والرشيد العامري وابن هامل وطائفة. استوعبهم شمس الدين بن سعد في جزء خرجه له، وحدث عنه الذهبي في معجمه. وكان مجيدا للخطابة، مليح الشكل، كبير القدر، عاقلا، متصونا. وهو والد شيخنا المجود بهاء الدين محمود، توفي في تاسع رمضان.

ومات بالقاهرة القاضي الإمام الأوحد تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الهادي المعروف بابن الأطرياني، كاتب الإنشاء عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز بن الصيقل وغيره.

ومات بها الأديب الإمام البارع العلامة تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد المخزومي المكي، قدم مصر والشام، وتقدم عند صاحب اليمن، وباشر فنون الإنشاء باليمن، ثم تفرقت الدولة فصرف عن ذلك وأوذي، فعاد إلى الحجاز وأقام بالمدينة وخطب بها نيابة، ثم عاد إلى القاهرة ودرس بها، ثم استوطن القدس. وحضر إلى دمشق وحلب. كتب عنه شيخنا أبو حيان من نظمه، وصنف تصانيف مفيدة، منها كتاب مطرب السمع في شرح حديث أم زرع.

ومات بظاهر دمشق الإمام الزاهد المفتي عبد الله بن محمد بن أحمد ابن أبي الوليد المالكي، إمام محراب المالكية بالجامع الأموي. حدث عن ابن البخاري.

ومات الخطيب البليغ شمس الدين محمد بن عبد الأحد بن الوزير الحنبلي خطيب الجامع الكريمي.

ومات شيخ القراء الإمام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بصخان الشافعي، ودفن بباب الفراديس، وله خمس وسبعون سنة. حدث عن ابن إسماعيل ابن الفرا وطبقته، وتلا بالسبع على الدمياطي.

سنة أربع وأربعين وسبعمائة

وفي رجب جيء بتنكز مصبرا في تابوت من الإسكندرية، فدفن بتربة جوار جامعه بدمشق.

وفي منتصف شعبان كانت الزلزلة العظمى العامة، فهدمت مدينة منبج، وتهدمت منها أماكن بحلب، وغيرها، واستمرت تتعاهدهم بحلب إلى بعد عيد الفطر.

وفيها قدم الصاحب مكين الدين إبراهيم بن قروينة من القاهرة على نظر الدواوين بالشام في رمضان، وصرف عنها الصاحب تاج الدين بن أمين الملك إلى طرابلس.

وفي شوال قدم الصاحب شمس الدين موسى بن التاج عبد الوهاب من مصر إلى حلب على نظر الدواوين بها.

وفي مستهل ربيع الآخر احترق سوق الصالحية من أوله إلى آخره. وولي قضاء الشافعية بحلب شيخنا الزاهد قاضي القضاة نور الدين محمد بن محمد بن الصايغ، ودرس بعده بالدماغية بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخذ في قول الله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه}.

ومات المعمر الصالح كمال الدين محمد بن القاضي محيي الدين بن الزكي القرشي الشافعي مدرس العزيزية والتقوية عن سن عالية. سمع من ابن البخاري، وغيره. ودرس بعده بالتقوية القاضي الإمام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي وأخذ في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.

ومات الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف، الحنفي، سبط ابن عبد الحق. سمع جده أبو العباس وابن البخاري، وغيرهما. وولي قضاء الحنفية بالقاهرة، ثم صرف عنه في سنة ثمان وثلاثين، فقدم دمشق. وإليه انتهت رياسة المذهب.، توفي في ذي الحجة.

ومات بحلب الحافظ الإمام شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي. ولد سنة خمس عشرة، عام مولدي. وسمع بالقاهرة من مشيخة الوقت، وقدم دمشق غير مرة، واعتنى بالرجال، وبرع، وكتب، وتعب. وكان فيه شهامة ورقة نفس، توفي في ربيع الأول.

وفيه مات بالقدس القاضي الإمام النبيل شرف الدين أبو بكر ابن محمد بن العلامة شهاب الدين محمود الحلبي، وكيل بيت المال بدمشق، توفي فجأة، وولي بعده القاضي أمين الدين بن القلانسي.

ومات بظاهر دمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة خمس وسبعمائة. وسمع أبويه والقاضي تقي الدين سليمان وأبا بكر بن عبد الدايم، وهذه الطبقة، ولازم الحافظ المزي فأكثر عنه وتخرج به.، واعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وصنف.، وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من جلة أصحابه.، ودرس بالمدرسة الصدرية. وولي مشيخة الضيائية والصبابية. وتصدر للاشتغال والإفادة. وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه والتفسير والأصلين واللغة والعربية. تخرج به خلق.، وروى الذهبي عن المزي عن السروجي عنه. توفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى. وسمعت شيخنا الذهبي يقول يومئذ بعد دفنه: والله ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه. رحمهما الله.

ومات بحلب المفتي الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن إبراهيم السفاقسي المالكي في رمضان.

ومات بدمشق المعمر الصالح الخير زين الدين عبد الرحيم بن إبراهيم ابن كاميار، القزويني الأصل، الدمشقي، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث بالإجازة عن عثمان ابن خطيب القرافة والبكري، وخلق.

ومات المسند شهاب الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن محمد بن عمر ابن هلال الأزدي الدمشقي. ولد سنة إحدى وسبعين.، وحضر ابن أبي اليسر ويحيى بن الحنبلي. وسمع ابن علان وطائفة. توفي في منتصف رجب.

ومات بالكرك الشرف محمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي الصالحي، ثم الكركي.، حدثنا عن ابن البخاري، انتهت إليه رياسة عمل المنجنيق، وبه قتل في جمادى الأولى.

ومات بالقاهرة العلامة تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن التركماني الشافعي أحد أركان المذهب.

ومات بالقريتين ملك العرب شرف الدين عيسى بن فضل ابن أخي الملك مهنا، ونقل فدفن بحمص.

ومات بدمشق الحافظ الإمام العلامة ذو الفنون أقضى القضاة، تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي، ولد بالمحلة في ربيع الآخر سنة خمس وسبعمائة، وأحضر على أبوي الحسن علي بن عيسى بن القاسم وعلي بن محمد بن هارون التغلبي وغيرهما. وسمع من الحسن الكردي وعلي بن عمر الواني ويونس الدبوسي وست الوزراء، وخلق. وأجاز له عام مولده الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره. وحدث.، وكتب بخطه المليح المتقن شيئا كثيرا.، وانتقى على جماعة من شيوخه.، وكتب العالي والنازل.، وبرع في الفقه والأصلين والحديث واللغة. وأفتى ودرس وأفاد.، وتلا بالسبع على الأستاذ أبي حيان، وأخذ عنه علم العربية. وتفقه بجده وأبي عبد الله السنباطي وشيخ الإسلام السبكي.، وناب في الحكم.، وتوفي في ثاني عشر ذي القعدة رحمه الله.

ومات بحلب في ذي الحجة العلامة كمال الدين عمر بن محمد بن عثمان بن العجمي في حدود الأربعين. سمع بدمشق من جماعة. وأفتى ودرس وناظر.

سنة خمس وأربعين وسبعمائة

في صفر فتحت الكرك وقبض على السلطان الملك الناصر أحمد.، ثم قتل ودفن هناك، واحتمل رأسه إلى القاهرة وزين البلد.

وفي ذي الحجة قدوم شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل من القاهرة على نظر الدواوين بالشام.

وفي سادس رمضان أثلجت السماء ثلجا عاما بحيث أنه أصبح على الأسطحة نحو الذراعين، وفي بعض الأماكن طول الرمح، وتقطعت السبل، وهلك الدواب والمواشي، ومات خلق من السفارة بالطرق، واستمر على ذلك خمسة أيام تباعا ولم يزل يتعاهدنا الثلج إلى ثاني شوال.

ومات بظاهر دمشق المعمر الصالح شمس الدين محمد بن علي بن هكام القيسي المعروف بابن البلوط، حدث عن ابن عبد الدايم.

ومات بالقاهرة شيخ النحاة العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الجياني ثم المصري الظاهري، عن تسعين نسة وأشهر، حدث عن محدثي الأندلس والقاهرة وغيرهم. وعني بالحديث والفقه والتفسير واللغة، وأما العربية فهو حامل لوائها. وقد سارت بذكره وتصانيفه. ونظمه ونثره الركبان في أقطار البلدان. تخرج به أئمة، ودرس بالقبة المنصورية وغيرها، وتوفي في ثامن عشرين صفر، أضر في آخر أيامه.

ومات بدمشق العلامة قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أنو شروان الرازي ثم الدمشقي الحنفي، عن ثلاث وتسعين سنة ونصف. حدث عن ابن البخاري وغيره، وناب في الحكم بدمشق عن والده ثم ولي استقلالا. ثم عرض له صمم فصرف بالقاضي شمس الدين بن الحريري. ودرس بالخاتونية والريحانية والقصاعين، وإليه المنتهى في مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، توفي في رجب، ودفن بمدرسته التي أنشأها بدمشق المعروفة بالجلالية وكانت سكنه رحمه الله.

ومات بأطرابلس شيخنا مجد الدين محمد بن عيسى بن يحيى بن أحمد أبو الخطاب السبتي المصري ثم الدمشقي، الصوفي، عن اثنتين وسبعين سنة. حدث بجامع الترمذي عن ابن ترجم، وولي مشيخة دويرة حمد بباب البريد.

ومات بدمشق شيخ الأدب الإمام ذو الفنون نجم الدين علي بن داوود بن يحيى بن كامل القرشي القحفازي الحنفي، خطيب جامع تنكز، ومدرس الحنفية بالظاهرية. سمع من البرهان بن الدرجي وغيره. ولد سنة ثمان وستين، وولي بعده الخطابة القاضي عماد الدين بن العز.

ومات بالصالحية المعمر الصالح الرئيس الكامل زين الدين عبد الرحمن بن علي بن حسين بن مناع التكريتي ثم الدمشقي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة، وحدث بالصحيح وغيره عن ابن عبد الدايم، وتوفي في خامس شعبان، وكان رجلا مهيبا، نبيلا، منور الشيبة، كريم الأخلاق، محتشما. أقعد في أواخر عمره.

ومات المسند المقرئ المعمر أبو عمر عثمان بن سالم بن خلف البذي، المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. توفي في شعبان وقد جاوز المائة.

ومات الإمام المفتي الكبير الزاهد أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي جعفر أحمد ابن قاضي الجماعة أبي الوليد محمد الإشبيلي ثم الدمشقي المالكي، ولد بغرناطة سنة اثنتين وسبعين، ثم قدم دمشق فسمع من ابن البخاري وابن مؤمن والفاروثي وغيرهم. حدث عنه الذهبي. وأم بمحراب المالكية بالجامع، توفي في ثاني رمضان، وكان يخضب.

ومات بالقاهرة الأمير العالم الكبير علم الدين أبو سعيد سنجر الجاولي المنصوري. سمع من قاضي الشوبك دانيال مسند الشافعي في سنة ثمان وثمانين، وشرحه بإعانة غيره في عدة أسفار. وله آثار حسنة بالبلاد الشامية وغيرها. توفي في رمضان.

ومات ببرزة خطيبها المعمر الصدر سليمان بن أحمد البانياسي، ثم الدمشقي الشافعي، عن إحدى وثمانين سنة. سمع من ابن البخاري وهو خطيب، وحدث عنه وهو خطيب. توفي في شوال.

وماتت بالصالحية الشيخة الصالحة الخيرة المعمرة أم عبد الله حبيبة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة. حدثت عن ابن عبد الدايم وغيره. وأجاز لها في سنة أربع وخمسين وستمائة محمد بن عبد الهادي وابن السروري وابن عوه وطائفة. وكانت سوداء. ماتت في ذي القعدة. ولم تتزوج.

وفي ليلة الجمعة ثاني عشر ذي القعدة مات شيخنا الإمام العلامة بقية السلف قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن إبراهيم ابن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره. وجالس شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وولي قضاء حمص، ثم أطرابلس، ثم حلب، ثم صرف. ودرس بالشامية الكبرى عوضا عن ابن جملة. وكان أحد أوعية العلم. ودرس بعده بالشامية شيخ الإسلام السبكي.

سنة ست وأربعين وسبعمائة

وفي ليلة الخميس رابع ربيع الآخر مات المولى السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، واستقر أخوه الملك الكامل شعبان فكانت أيام الصالح ثلاث سنين وثلاثة أشهر. ولما ملك الملك الكامل شرع في تفريق كبار الأمراء، فجهز الأمير سيف الدين آل ملك إلى صفد، بعد نيابة مصر. وسيف الدين قماري إلى طرابلس. وسيف الدين طقزتمر إلى مصر، بعد نيابة دمشق والحاج أرقطاي إلى حلب. وسيف الدين يلبغا اليحياوي إلى دمشق، بعد نيابة حلب. وسيف الدين آق سنقر إلى مصر، بعد نيابة طرابلس. وسنجر الأمير حسام الدين طرنطاي البجمقدار إلى دمشق، بعد حجوبية مصر. وسيف الدين طقتمر الخليلي إلى نيابة حمص، بعد حجوبية دمشق. وسيف الدين أياز إلى غزة، بعد نيابة جعبر. فقدم الأمير سيف الدين يلبغا إلى دمشق على نيابتها بكرة يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى. وفيه عزل الصاحب تقي الدين بن مراجيل عن نظر الدواوين بدمشق. وولي الصاحب بهاء الدين بن سكرة الحلبي.

وفي منتصف الشهر مات شيخنا الرئيس الإمام عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي محتسب دمشق، وناظر الجامع. حضر زينب بنت مكي. وكان رجلا خيرا دمث الأخلاق، ذا شارة وبزة حسنة، وسيما، مجتهدا في لف العمامة. ودرس بعده بالحنبلية عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية.

وولي الحسبة عماد الدين بن الشيرازي.

ومات بأطرابلس قاضيها، كان، العلامة حسام الدين حسن بن رمضان القرمي مدرس الناصرية بالجبل. تفقه للشافعي، وبرع في علم الحديث، وصنف وأفاد. وكان أحد الأئمة. ودرس بعده بالناصرية شيخنا نجم الدين بن قوام.

وفي غرة جمادى الآخرة مات بالقاهرة الأمير سيف الدين طقزتمر. نائب الشام كان.

وفي ثاني عشره، مات القاضي الإمام علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي خطيب جامع الأفرم، ونائب الحكم عن القاضي عماد الدين الطرسوسي. وولي بعده نيابة الحكم شيخنا الإمام شرف الدين الكفري.

وفيه مات بحمص نائبها الأمير سيف الدين طقتمر الخليلي صاحب المدرسة الخليلية بدمشق. ونقل إلى دمشق في تابوت، ودفن بالقبيبات.

ومات الأمير سيف الدين أياز الساقي نائب غزة بها.

وفي رجب مات شيخنا الإمام القدوة الزاهد نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام البالسي ثم الدمشقي الشافعي، ودفن بزاوية جده بقاسيون. درس بالناصرية بالجبل، وثنا عن عمر بن القواس وغيره.

ومات بطيبة المشرفة المحدث المفيد الزاهد، نور الدين علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون في رجب.

وفي سابع عشر منه مات بدمشق القاضي الرئيس النبيل، بدر الدين محمد بن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري العدوي صاحب ديوان الإنشاء بدمشق. وولي بعده القاضي تاج الدين بن الزين خضر.

وفي عاشر شعبان مات الصاحب بهاء الدين أبو بكر بن موسى بن سكرة الحلبي ناظر الدواوين بالشام. وولي بعده الصاحب علاء الدين بن الحراني.

وفي ذي القعدة مات بدمشق الأمير علاء الدين علي بن معبد البعلبكي، ودفن إلى جانب والده داخل دمشق بتربة أنشأها له وجعلها دار قرآن.

وفي ذي الحجة مات الأمير الكبير جنكلي بن محمد بن البابا بمصر.

والأمير سيف الدين قماري نائب طرابلس بها.

والأمير سيف الدين آل ملك نائب صفد بها.

والأمير سيف الدين ألمش الحاجب كان بدمشق، توفي ببانياس، ونقل في محفة فدفن بالقبيبات.

سنة سبع وأربعين وسبعمائة

في جمادى الأولى منها خرج نائب دمشق الأمير سيف الدين يلبغا ومعه الأمراء فنزلوا بميدان الحصا، وكتب إلى النواب بحلب وحماة وحمص وطرابلس، وغيرها بما فعله، فأجابوه إلى ذلك، سوى نائب حلب، وقدموا عليه في جملة من عساكرهم فحلفوا له مع أمراء دمشق وأقاموا معه. فلما بلغ أهل مصر ما فعله أهل الشام انتحوا لأنفسهم، وانعزلوا عن السلطان الملك الكامل ولاموه فيما فعله بكبار الأمراء، فحلف ألا يعود، فلم يطمئنوا إليه واجتمعوا بالخليفة الحاكم والقضاة، وأبدوا لهم ما فعله السلطان بالأمراء من سفك دمائهم وتشتيتهم عن أوطانهم، فاتفقوا على خلعه، فخلعوه واعتقلوه هو وجماعة من بطانته، فكانت دولته أربعة عشر شهرا. وتملك بعده أخوه الملك المظفر حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون في مستهل جمادى الآخرة.

وقدم الأمير بيغرا إلى دمشق بالبشارة بذلك فرجعت العساكر، ودخل نائب الشام في عسكر عظيم، حوله نواب السلطنة بحماة، وحمص، وأطرابلس، وصفد، وعسكر دمشق. واستقبلهم الناس بالشمع، وامتدحهم الشعراء، وبين أيديهم الأسد، وكان يوما مشهودا، ثم خنق الكامل في اليوم الثالث من خلعه.

وفي هذا العام أنشئ الجامع السيفي يلبغا بدمشق.

وفي ربيع الآخر مات القاضي تاج الدين محمد بن الزين خضر المصري صاحب ديوان الإنشاء بالشام. وولي بعده القاضي الإمام ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي فقدم إلى دمشق من حلب في ثاني عشر جمادى الأولى.

وفي هذا الشهر مات ببعلبك شيخنا الإمام القدوة محيي الدين عبد القادر ابن الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن اليونيني شيخ بلد بعلبك. حدث عن الفخر وطائفة.

وفي رجب مات بأطرابلس قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور الزرعي الشافعي. وكان عمل نيابة الحكم بدمشق.

وفي شعبان مات بدمشق شيخنا القاضي الإمام العالم الرئيس الكامل تقي الدين أبو محمد عبد الكريم ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محيي الدين أبي المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي ابن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الأموي العثماني المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد ليلة عرفة سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة، ثم قدم فتفقه بها، وسمع من ابن البخاري وغيره. وولي مشيخة الشيوخ، ودرس بأماكن، وكان رجلا ساكنا، عاقلا، مهيبا، وقورا، ذا غور ودهاء. وفيه مكارم وإفضال، رحمه الله.

ومات السيد الشريف النقيب علاء الدين علي ابن السيد النقيب زين الدين الحسين بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب العلويين بدمشق. ولد في مستهل سنة خمس وثمانين. وسمع من ابن البخاري. وباشر المواريث، ثم نقابة السادة. وتوفي في شعبان. وولي بعده السيد زين الدين الحسين ابن عمه.

ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد بن حسين القرشي الصوفي الصالحي، أحد مشايخها الزهاد. ولد سنة ست وستين. وسمع الشيخ شمس الدين، وابن البخاري وغيرهما. وتوفي في رمضان ودفن بزاوية جده بقاسيون.

ومات شيخنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن غنايم ابن المهندس الحنفي. سمع الفخر وابن شيبان وخلقا، باعتناء أخيه المحدث شمس الدين. وولي مشيخة الكاملية بالجبل بعد أخيه. توفي في شوال.

وفيه ماتت المعمرة الصالحة العابدة أم إبراهيم فاطمة بنت الخطيب عز الدين إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسية الصالحية، خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل، وآخر من حدث بالإجازة عن محمد بن عبد القادر وابن السروري وابن عوة وخطيب مردا. توفيت في شوال عن أزيد من ثلاث وتسعين سنة.

ومات شيخنا المعمر الثقة زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي الحنبلي، أخو شيخ الإسلام تقي الدين. ولد بحران سنة ثلاث وستين، وسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، والشيخ شمس الدين، وخلقا. توفي في ذي القعدة.

ومات بقطنا الزاهد القدوة الشيخ علي بن عبد الله القطناني. وكان له أحوال وكشف وكرم.

وفي شوال صرف الصاحب علاء الدين الحراني ناظر الدواوين بالشام، وولي الصاحب تقي الدين بن هلال.

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

وفي جمادى الأولى جاء الخبر إلى دمشق بمسك جماعة من كبار أمراء مصر، منهم آق سنقر والحجازي وبيدمر البدري، وغيرهم تتمة ستة. فجمع نائب الشام الأمير سيف الدين يلبغا الأمراء بعد الموكب واستشارهم فيما يصنع، فاختلفوا عليه. فكاتب إلى النواب في البلاد الشامية، فأجابه بالطاعة نائب حلب أرغون شاه، فتحول نائب دمشق بأهله وخزانته إلى القصر الظاهري، فأقام به أياما، فقدم عليه أمر السلطان يعلمه أنه قد كتب تقليد أرغون شاه نائب حلب بنيابة دمشق، ويأمره بالشخوص إلى القاهرة، فانتهر الرسول ورده بغير جواب. فلما كان من الغد وهو يوم الخميس منتصف الشهر خرج بجميع أهله وغلمانه ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به اليوم، وخرج معه أبوه وإخوته وجماعة من الأمراء، منهم: قلاوون، وسيفاه فيمن أطاعهم، فباتوا ليلتئذ بأرض القبيبات، فلما كان من الغد يوم الجمعة نودي في البلد؛ من تأخر من الأمراء والجند عن الوطاق شنق على باب داره، فتأهب الناس للخروج، وطلع الأمراء فاجتمعوا إلى السنجق السلطاني تحت القلعة، فلما تكاملوا ساروا نحوه بعد صلاة الجمعة ليمسكوه، فجهز ثقله وزاده، وما خف عليه من أمواله، ثم ركب بمن أطاعه، ووافاه الجيش عند ركوبه وهابوا أن يبدأوه بالشر فتقدمهم وساقوا وراءه. وأما أهل القبيبات وعوام الناس والأجناد البطالة فنهبوا خامه، وكانت قيمته ما يزيد على مائة درهم، فقطعوه ونهبوا مطبخه وما قدروا عليه من الشعير، والجمال، والمتاع. وأما العسكر فساقوا خلفه وتتابعت عليه الجيوش وأحاطت به العرب من كل جانب فألجئوه إلى واد بين حماة وحمص. فدخل إلى نائب حماة بعد أن قاسى من الشدائد ما قاسى، فاستجار به فأجاره وأنزله وأكرمه، وكتب إلى السلطان الملك المظفر يعلمه بذلك، فجاءه الجواب بمسكه فقبض عليه نائب حماة، وقيده وأرسل به محتفظا عليه، فلما وصل إلى قاقون جاءه أمر الله فخنق هناك، واحتزوا رأسه ومضوا به إلى القاهرة. ثم قدم إلى دمشق شيخنا الأمير نجم الدين بن الزيبق، صحبة الصاحب علاء الدين الحراني للحوطة على أموال يلبغا ومن تبعه من الأمراء.

ومات الأمير سيف الدين قلاوون الناصري في هذه الأيام بحمص.

وفي جمادى الأولى عزل الصاحب تقي الدين بن هلال من نظر الدواوين في الشام، ثم مات في رجب. وولي بعده الصاحب شمس الدين موسى بن عبد الوهاب القبطي، ثم عزل في ذي الحجة منها بالصاحب جلال الدين بن الأجل، ثم أعيد في صفر من العام الآتي.

وفي ثامن عشر جمادى الآخرة قدم الأمير سيف الدين أرغون شاه من حلب على نيابة دمشق.

ومات قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي القضاة معين الدين أبي بكر بن ظافر الهمذاني النويري المالكي في ثاني المحرم عن بضع وثمانين سنة. وولي بعده قضاء المالكية نائبه الإمام جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي.

ومشيخة الشيوخ شيخنا علاء الدين علي بن محمود القونوي الحنفي الصوفي.

ومات المعمر الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن محمد بن محمود المرداوي ثم الدمشقي الصالحي ابن قيم الصاحبة. ولد سنة ستين وستمائة. حدث عن ابن عبد الدايم، وعبد الوهاب المقدسي، توفي في المحرم.

ومات شيخنا تقي الدين أحمد بن الصلاح محمد بن أحمد بن بدر بن تبع البعلي ثم الدمشقي الشافعي. ولد في المحرم سنة أربع وثمانين. وسمع من ابن البخاري وطائفة. وأسره التتار عام غازان، ثم خلصه الله من أيديهم. وكان رجلا صالحا لطيفا خفيف الروح، صاحب ملح ونوادر. وكان يتكلم بعدة ألسنة.

ومات بالقدس شيخنا الإمام علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور أحد فقهاء الشافعية، ومدرس الصلاحية عن بضع وثمانين سنة. حدث عن البخاري وغيره. وبرع في الفقه واللغة والعربية، وعني بالحديث. وتفقه بالشيخ تاج الدين. ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، وسمع الكتب الكبار المطولة. وكان يكتب اسمه في الطباق عليان. اختلط قبل موته بمدة. توفي في منتصف رمضان.

ومات بدمشق شيخنا الأمير نجم الدين داوود بن أبي بكر بن محمد البعلي، ثم الدمشقي المعروف بابن الزيبق.

حدث عن ابن جوشكين، والتاج عبد الخالق، وبنت كندي. وكان رجلا شجاعا، حازما، عاقلا، سئوسا، مهيبا. تنقل في المباشرات بدمشق وغيرها. توفي في رجب.

وفيه مات الشيخ نجم الدين أبو الفتح أحمد ابن العلامة شمس الدين محمد ابن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي. حدث عن ابن البخاري وطائفة، وكان مغفلا.

ومات بدمشق في شعبان الأمير الكبير حسام الدين طرنطاي بن عبد الله البجمقدار الناصري، أحد أمراء الألوف بدمشق عن سن عالية. حدث عن عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدايم، وابن الشحنة. وولي حجوبية مصر والشام. وكان ذا حزم وخبرة، رحمه الله.

ومات بالصالحية الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع الناسك، عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي، عن خمس وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم حضورا، وسمع من الشيخ شمس الدين وطائفة. وخطب بالجامع المظفري. ودرس بأماكن. وكان رحمه الله على سمت السلف هديا ودلا، مواظبا على تشييع الجنائز وتلقين الموتى، طلق الوجه، حسن البشر، مهيبا، وقورا، أمارا بالمعروف، توفي في رمضان.

وفي رمضان قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون الناصري. وولي بعده أخوه الملك الناصر حسن بن محمد، وكانت دولة المظفر خمسة عشر شهرا.

وفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة مات شيخنا الحافظ الإمام العلامة مؤرخ الشام ومحدثه ومفيده، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي المعروف بالذهبي الشافعي، مصنف كتاب الأصل، وصاحب كتاب تاريخ الإسلام، وسير النبلاء، والميزان، وغير ذلك. ولد سنة ثلاث وسبعين، وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جرا. فحدث عن عمر بن القواس والشرف بن عساكر والأبرقوهي وخلق. وشيوخه في معجمه الكبير نحو ألف وثلاثمائة بالسماع والإجازة. وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد وحنبل والكندي وابن الحرستاني. وخرج لجماعة من شيوخه. وجرح وعدل، وفرع وأصل، وصحح وعلل، واستدرك وأفاد، وانتقى واختصر كثيرا من تواليف المتقدمين والمتأخرين، وصنف الكتب المفيدة السائرة في الآفاق، وخطب بكفر بطنا مدة. ثم ولي مشيخة الحديث بأماكن، ولم يزل يكتب ويدأب حتى أضر في سنة إحدى وأربعين. توفي في هذا العام رحمه الله.

ومات في ذي الحجة بالمزة الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم الطرسوسي الحنفي. حدث عن ابن البخاري وغيره. وولى قضاء الحنفية بدمشق في سنة سبع وعشرين بعد القاضي صدر الدين البصراوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان رجلا جليلا، مهيبا، وقورا، كثير التلاوة، متعبدا. وولي بعده ابنه نجم الدين إبراهيم.

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

وفي أولها اشتهر أن السلطان الشيخ حسن الكبير حاكم بغداد وَجد دفينا في بعض خرائب دور الخلافة ببغداد مقدار عشرة قناطير ذهب في خوابي نحاس مسلسلة، وأنه أبطل بسبب ذلك مظالم ومكوس.

وفي أواخر صفر من هذا العام، كان الطاعون العام بأقطار البلدان، وامتد إلى أواخر المحرم من العام المقبل، فقيل: مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس. وأما دمشق فأكثر ما ضبط في اليوم أربعمائة نفس.

فممن مات من المشهورين بالقاهرة ومصر

العلامة شمس الدين محمد ابن أحمد بن لاحق المعروف بابن عدلان، عن بضع وثمانين سنة. درس بأماكن، وناب في الحكم عن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد قبل السبعمائة، وتخرج به أئمة.

والإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان الإسعردي مدرس قبة الإمام الشافعي.

والإمام الأصولي شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني الحافظ.

والحافظ شهاب الدين أحمد بن أيبك بن عبد الله الدمياطي.

والمحدث المفيد شرف الدين صالح بن عبد الله القيمري.

وقاضي الإسكندرية الإمام جمال الدين محمد بن محمد بن سبط القيسي. وابنه القاضي جمال الدين.

وبحلب شيخنا الفقيه العلامة جمال الدين يوسف بن مظفر بن عمر بن الوردي.

وزاهدها الشيخ علي بن محمد بن نبهان. الرقي الأصل الجبريني.

وقاضيها شيخنا الإمام نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر، ابن الصايغ الشافعي.

وبدمشق القاضي الإمام عز الدين محمد بن عيسى ابن الأقصرائي الحنفي نائب الحكم.

وشيخنا شمس الدين محمد بن الصلاح الشهرزوري مدرس القيمرية.

وخطيب دمشق البليغ تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين محمد القزويني. وولي بعده الخطيب جمال الدين محمود بن جملة.

والحاكم العادل زين الدين عمر بن سعد الله بن النجيح الحراني ثم الدمشقي الحنبلي. حدث عن التقي بن الواسطي، وابن البخاري وطائفة.

وأخوه السيف أبو بكر. حدث عن الفخر وجماعة.

وشمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي محدث الصالحية. حدث عن الفخر وغيره.

والمعمر بهاء الدين علي بن العز عمر بن أحمد بن عمر الشروطي عن تسع وثمانين سنة. حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدايم. وخرجت له عوالي، توفي في المحرم.

وفخر الدين عثمان بن عمر بن عثمان بن الحرستاني المؤذن، عن اثنتين وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري، وابن المجاور. توفي في ربيع الأول.

والعدل بهاء الدين محمد بن الإمام شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي ثم الدمشقي الحنبلي. حضر عمر بن القواس، وسمع من طائفة. وولي العقود، ومشيخة الأسدية.

وأمه سكينة بنت الحافظ شرف الدين اليونيني. حدثت عن أبيها، والقاضي تاج الدين عبد الخالق، والثقة شهاب الدين محمد بن أحمد بن هارون الساوجي الصوفي، عن نحو سبعين سنة. حدث بالترمذي عن ابن البخاري. وولي مشيخة خانقاه القصاعين.

والرئيس النبيل، عماد الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى أبو المعالي ابن الشيرازي الدمشقي، عن بضع وستين سنة. حدث عن ابن البخاري حضورا، وعن الأبرقوهي. وولي نظر الجامع والحسبة مرات. وكان فيه شهامة توفي في شعبان.

وشيخ الشيوخ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمود بن حميد بن مؤمن القونوي ثم الدمشقي الحنفي مدرس القليجية.

والقاضي الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري، صاحب ديوان الإنشاء بالشام كان. وصاحب كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، في عدة أسفار. ولد في شوال سنة سبعمائة، وتوفي يوم عرفة، أجاز له الأبرقوهي.

وشيخنا زين الدين عبد الرحمن بن حافظ الآفاق جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي المزي، عن إحدى وستين سنة. حدث عن ابن البخاري وخلق. وتوفي في جمادى الأولى.

والإمام صدر الدين سليمان بن عبد الحكيم المالكي شيخهم، ومدرس الشرابيشية، وشيخ التنكزية بعد الذهبي.

والإمام العلامة نور الدين فرج الأردبيلي الشافعي، مدرس الناصرية والجاروخية، وشارح منهاجي البيضاوي والنووي.

والصدر النبيل شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي العز الحراني ثم الدمشقي المعروف بابن الصباب. ولد سنة أربع وسبعين وستمائة، وسمع من الشيخ شمس الدين وابن البخاري. وهو واقف المدرسة الصبابية بدمشق.

والتاجر الكبير شمس الدين أفريدون العجمي واقف المدرسة المليحة الأفريدونية خارج باب الجابية.

والحافظ المفيد شرف الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم الواني الحنفي مدرس العلمية.

والحافظ نجم الدين سعيد بن عبد الله الدهلي البغدادي.

وشهاب الدين أحمد بن علي بن سعيد السيواني الصوفي.

وأحمد بن عيسى الكركي.

وشمس الدين محمد بن حسن ابن النقيب الحربي التميمي.

والحافظ شهاب الدين أبو الفتح أحمد بن شيخنا المحب عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي. حدث عن عيسى المطعم وغيره.

وعمه الصالح أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المحب.

وناصر الدين محمد بن طولبغا السيفي.

ومحمد بن عبيد البالسي المحدث. وأمم لا يحصيهم إلا الله تعالى.

سنة خمسين وسبعمائة

وفي ربيع الأول قدم الأمير سيف الدين ألجي بغا المظفري نائب طرابلس إلى دمشق مختفيا في جماعة من أصحابه، فنزل ليلا على الأمير فخر الدين إياس الذي كان نائب حلب، وكان نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه تلك الليلة بالقصر الظاهري، فتلطف ألجي بغا وإياس بالبوابين ففتحوا ودخلوا إلى باب القصر فطرقوه بزعجة، فخرج أرغون شاه مسرعا، فقبضوه وسحبوه إلى خارج القصر عند المنيبع، فذبحوه وأمسكوا السكين بيده، وأحضروا من ليلتهم القاضي جمال الدين إبراهيم الحسباني والشهود وسألوهم هل تعرفون هذا؟ فأنكره القاضي والشهود، فعرفوهم به وراودوهم أن يعملوا محضرا أنهم وجدوه مذبوحا وبيده السكين، يعنون أنه ذبح نفسه، فامتنع القاضي والشهود وأدركهم الصبح، فظهر ألجي بغا وإياس، ونصبوا الخيام بالميدان الكبير، وأخرجوا كتابا مفتعلا على السلطان أنه أمرهم بما فعلوا، وجلس ألجي بغا والموقعون في الميدان فحكم ذلك اليوم، وعلم على المراسيم كعادة النواب، فلما كان في اليوم الثاني، أراد الخروج والعود إلى طرابلس، فخرج ذوو الرأي من الأمراء مثل ألجي بغا العادلي، وبدر الدين بن خطير في آخرين وهم ملبسون، وأرادوا منعه من الخروج من دمشق حتى يكاتبوا إلى مصر ويستصحوا الخبر، فانتدب لهم ألجي بغا الخارجي بمن معه بالسيوف، فتأخر عنه الأمراء وخافوا الفتنة، لكن قطعت يد ألجي بغا العادلي، وخرج ألجي بغا المظفري على حمية حتى قدم طرابلس، وبلغ ذلك السلطان فأنكر على أمراء الشام بسبب ذلك، وأرسل يطلب ألجي بغا المظفري، فخرج من طرابلس وشق العصا، فركب العسكر في طلبه، وتوجه إليه جماعة من عسكر دمشق وضايقوه في البرية حتى قبضوه وحضروا به إلى دمشق، وحبسوه وإياس بالقلعة، فورد المرسوم بقتلهما وإشهارهما، فقتلا في حادي عشرين ربيع الآخر، وعلقا تحت القلعة نصفين.

وولي نيابة دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري فقدمها في جمادى الآخرة، وكان لين الجانب.

وفيها مات المعمر الصالح الزاهد شمس الدين محمد بن عبد الحليم الرقي الحنفي النقيب عن نحو تسعين سنة. حدث عن أبي بكر بن البشتي وغيره. وكان من عباد الله الخاشعين.

وماتت المعمرة أمة العزيز زينب بنت المحدث نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز في المحرم أو في آخر ذي الحجة من العام الماضي. حدثت عن ابن عبد الدايم وخلق. جاوزت التسعين.

ومات قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن العلامة زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة سبع وسبعين وسمع أباه، وابن البخاري، وابن شيبان وطائفة استوعبهم ابن سعد في معجم خرجه له. وتفقه بأبيه وغيره، وأفتى ودرس. وولي قضاء الحنابلة بعد ابن الحافظ فشكرت سيرته. وكان رجلا وافر العقل، حسن الخلق، كثير التودد. توفي في ثامن شعبان. وولي بعده القاضي جمال الدين المرداوي.

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة

فيها مات الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المشهور بابن قيم الجوزية. تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، وكان من عيون أصحابه. وأفتى ودرس وناظر وصنف وأفاد. وحدث عن شيخه التعبير وغيره. ومصنفاته سائرة مشهورة. توفي في رجب.

ومات شيخنا العلم المسند سليمان بن عسكر الخواصي ثم الدمشقي المؤذن. حدث عن عمر بن القواس، والشرف بن عساكر، وجماعة. وحج كثيرا بوظيفة أذان الركب. وكان ينشد في التهاني والتعازي بما يناسب ذلك. وقد رأيت النبي ﷺ في المنام سنة خمس وخمسين وشيخنا هذا واقف بين يديه يقرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} الآية.

ومات القاضي تقي الدين عبد الله ابن العلامة أقضى القضاة زين الدين ابن المرحل الشافعي. درس بالعذراوية بعد أبيه وخطب بالشامية. توفي بحلب.

ومات بأطرابلس الرئيس الكبير النبيل فخر الدين بن الحريري ناظر الجيش بها.

ومات بدمشق في شعبان شيخنا الإمام الثقة الكبير المعمر شمس الدين أبو المظفر يوسف بن يحيى بن عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الشيرازي الأصل الصالحي الحنبلي. حدث عن أبيه، والشيخ شمس الدين وطائفة. ودرس بمدرسة الصاحبة بالجبل، ولد سنة خمس وستين. وكان عبدا صالحا.

ومات بدمشق الإمام العلامة مفتي الشام فخر الدين محمد بن علي المصري الأصل الدمشقي الشافعي، كهلا، حدث عن ابن الجرائدي، وبنت شكر وجماعة. وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين القزويني. وأفتى ودرس بالرواحية والدولعية وغيرهما. وكان يلقي دروسا حافلة، ويورد في دروسه من الأحاديث الطوال حفظا سردا من غير توقف. وكان كثير التلاوة، مغترا بالتجارة رحمه الله.

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

اتفق المصريون على خلع السلطان الملك الناصر حسن، فخلعوه في رجب. وأقاموا أخاه الملك الصالح صالح. وكان الناصر حسن قد أقام الأمير سيف الدين منجك وزيرا، وبيبغاروس نائبا بالقاهرة، ومغلطاي البوري رأس نوبة. وكان إليهم الحل والعقد، فلما حج بيبغا في العام الماضي توهم الأمراء أنه حج لأمر يريده، فأردفوه بالأمير طاز، فلما قضوا أمر الحج قبض طاز على بيبغا واحتفظ عليه، فقدم به، وبالملك المجاهد صاحب اليمن، وبرميثة صاحب مكة، وبطفيل صاحب المدينة، فهؤلاء أربعة ملوك قدم بهم طاز حتى وطئوا بساط السلطان الملك الناصر، فأنعم على صاحب اليمن ومن معه، وعظم أمر طاز عند الأمراء، فأرادوا إنشاء دولة من جهتهم، فخلعوا الناصر واعتقلوه فكانت دولته نحوا من ثلاث سنين وتسعة أشهر، وسلطنوا الملك الصالح، وقام بتدبير الملك: شيخو، وطاز، وصرغتمش، ولم يكن بهم بأس، فاعتقلوا الوزير منجك، ومغلطاي رأس نوبة، وعزلوا أيتمش من نيابة دمشق في آخر رجب وأحضروه إلى مصر، وأخرجوا بيبغاروس من القاهرة على نيابة حلب في أوائل شعبان.

وولي أرغون الكاملي نيابة دمشق فدخلها من حلب في حادي عشر شعبان.

وفيها مات شيخنا الزاهد عماد الدين أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي والد الحافظ شمس الدين. حدثنا عن الشيخ، والفخر.

ومات المولى الصاحب الأثير علاء الدين علي بن الحراني بالقدس في رمضان، ولي نظر الشام مرات، وكان عفيفا، دينا، متصونا، مطرح التكلف. انقطع بآخره بالقدس والرملة حتى مات، رحمه الله.

ومات شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة، ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة كمال الدين عمر بن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم. ولد سنة تسع وثمانين. وحدث عن الأبرقوهي. وولي قضاء حلب بعد أبيه. توفي بحلب في شعبان.

وفي غرة ذي الحجة مات شيخنا الأمير السيد الشريف علاء الدين علي بن الخطيب شرف الدين أحمد بن محمد بن علي العباسي، أحد أمراء العشرات بدمشق. ولد بشيزر إذ كان أبوه خطيبها، في سنة إحدى وثمانين، وأحضر على شامية بنت البكري، ثم قدم دمشق، وولي القدس، ثم استادارية تنكز نائب الشام. ثم ولي شاد الأوقاف وكان شكلا حسنا، مهيبا، خليقا للإمارة. حدثنا عن شامية.

وماتت أخته الشريفة ست الفقهاء بعده بثمانية أيام. روت عن شامية أيضا.

ومات المقرئ المجيد شمس الدين محمد بن شيخنا سعيد بن فلاح بن أبي الوحش النابلسي الأصل، الدمشقي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي. توفي بدرب الحجاج، وصار قبره منزلة للحاج معروفة.

ومات شيخنا المعمر الثقة أبو سليمان داوود ابن إبراهيم بن داوود بن العطار الدمشقي الشافعي. ولد في شوال سنة خمس وستين، وتفقه، وجود الخط، وحدث عن الشيخ شمس الدين، وابن أبي الخير، وابن علان وطائفة. وأجاز له شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وآخرون. ولي مشيخة القليجية بعد أخيه الشيخ علاء الدين، توفي في جمادى الآخرة.

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة

وفي رجب خرج بيبغاروس من حلب إلى دمشق ومعه نائب طرابلس، ونائب حماة، ونائب الرحبة، واجتمع معهم طوائف التركمان، وغيرهم، فنزلوا ظاهر دمشق بميدان الحصا، ومعهم نائب صفد الأمير أحمد مشد الشربخاناه، فغلقت أبواب البلد دونهم. وكان نائب الشام أرغون الكاملي، لما بلغه أن بيبغا نائب حلب قد حشد وجمع وعزم على القدوم إلى دمشق، نادى في الناس بالاحتراز على أنفسهم وأموالهم، وحصن أهله وأمواله بالقلعة، وخرج بالعسكر حتى نزلوا بالرملة، وغالبهم ليس معه زاد. فلما قدم بيبغا دمشق بمن معه فتح حواصل نائب الشام أرغون من الغلال وغيرها واستخدم في الجهات السلطانية، وعاث من معه في أرض الغوطة بالنهب والفسق، فلما تحققوا خروج السلطان بالعساكر من أجلهم كروا راجعين إلى جهة حلب، وقدم السلطان الملك الصالح، والخليفة المعتضد، والوزير العلم بن زنبور، وعسكر مصر والشام من الرملة إلى دمشق، فدخلوها في أواخر شعبان، ومضى الأمير سيف الدين شيخو وجماعة من الأمراء إلى حلب، فأحضروا النواب الذين كانوا مع بيبغا إلى دمشق، فقتلوا صبرا، وتغيب بيبغا فلم يقدر عليه، واستكمل المصريون صيام شهر رمضان بدمشق، وخرجوا في ثالث شوال إلى القاهرة.

وفي هذا العام مات الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن أبي علي بن علي بن المسترشد بالله العباسي. توفي بالقاهرة، وبويع لأخيه المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر بعهد من أخيه.

وفيه مات جماعة بالطاعون بالشام وغيرها.

ومات الشيخ الزاهد أبو سلطان بالمزة. كان فقيرا حسنا، صاحب حال وكشف، وله أتباع ومريدون.

ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل شهاب الدين يحيى بن إسماعيل بن القيسراني الخالدي المخزومي، من بيت الحديث والرواية. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية.

ومات الإمام العالم بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد. تفقه، وبرع، وطلب الحديث بنفسه، وأسمع أولاده. وحدث عن السخاوي وغيره. ودرس بالأمينية قديما، وبغيرها. وأفتى وناظر، وولي حسبة دمشق، وخطب بجامع التوبة. وتوفي بدمشق في رمضان كهلا.

ومات في شوال القاضي شمس الدين محمد بن سليمان بن أحمد القفصي نائب الحكم المالكي. وولي بعده شهاب الدين أحمد بن البيع الإسكندري.

وفي ذي الحجة مات شيخنا المعمر شهاب الدين أحمد بن المحدث عماد الدين إبراهيم بن الكيال الحنفي الكاتب، عن سن عالية. حدث عن الشيخ، والفخر.

وفي هذا الشهر قدم الأمير علاء الدين المارداني من القاهرة إلى دمشق على نيابتها عوضا عن أرغون الكاملي، فدخلها في حاشية. واستقر أرغون على نيابة حلب.

سنة أربع وخمسين وسبعمائة

في المحرم توجه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار إلى حلب، فأخذ أرغون نائبها وساروا نحو بيبغاروس إلى أرض الروم فأمكنهم الله منه، فأمسكوه ورجعوا به إلى حلب فقتلوه، واحتمل رأسه إلى القاهرة، وأراح الله العباد منه.

ومات في ربيع الآخر الأمير الكبير المعمر سيف الدين ألجي بغا العادلي، توفي بدمشق.

ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش بدر الدين مسعود بن الأمير أوحد ابن مسعود بن خطير، أحد أمراء الألوف بدمشق. ولد سنة ثلاث وثمانين. وحدث عن الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد بأربعينه، وولي حجوبية مصر، ثم نقل إلى دمشق، وولي نيابة طرابلس غير مرة. توفي بدمشق في سابع شوال، وخلف عدة أولاد أمراء.

ومات الشيخ المسند المعمر مسند الدنيا، صدر الدين أبو الفتح محمد ابن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم الميدومي المصري، خاتمة أصحاب النجيب عبد اللطيف توفي بالقاهرة عن تسعين سنة. خرجت له جزءا من عواليه، حدث به غير مرة.

ومات الوزير الصاحب الأمير علم الدين عبد الله بن زنبور القبطي. وكان قبض عليه في ذي القعدة من العام الماضي عند وصول السلطان إلى القاهرة، فصودر حتى هلك في هذا العام، واستصفيت حواصله. ووزر بعده الصاحب موفق الدين عبد الله القبطي وكان خيرا ممن تقدمه.

سنة خمس وخمسين وسبعمائة

وفي شهر رجب ألزمت الذمية بالعهد العمري، وأن تلبس نساؤهم الأزر الملونة، وأن لا يستخدموا. فأسلم منهم طائفة طوعا وكرها. وممن أسلم من المعروفين؛ علم الدين داوود الإسرائيلي كاتب الجيش، والرشيد بن حباشة الكركي المستوفي، والمعلم رزق الله صاحب الديوان.

وفي شوال خلع السلطان الملك الصالح، فكانت دولته نحو ثلاث سنين، وثلاثة أشهر. وأعيد الملك الناصر حسن؛ وذلك أن الصالح كان يحب الأمير طاز ويقدمه في المشورة، فلما طلع طاز إلى الصيد اغتنموا غيبته ووثبوا على الصالح فأخذوا سيفه وأخرجوا الناصر فأجلسوه على الكرسي، وحلفوا له. واعتقلوا الصالح مكانه فلما بلغ طاز الخبر حضر إلى القاهرة فرأى الأمور قد تغيرت فرسم له الناصر بنيابة حلب، فخرج بأهله وحواصله بعد فتنة جرت بينهم، فقدم إلى دمشق مجتازا إلى حلب في شوال، وطلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي نائب حلب إلى القاهرة، فاجتاز بدمشق في غرة ذي القعدة ومضى فاعتقل بالإسكندرية.

وولي الوزير منجك نيابة طرابلس فدخلها في شوال. وكان قدم من طرابلس إلى دمشق الأمير علاء الدين مغلطاي النوري، رأس نوبة فمات في اليوم الثالث.

ومات بعده بثمانية أيام بأطرابلس نائبها الذي كان نائب دمشق الأمير سيف الدين أيتمش الناصري.

وفي جمادى الأولى ضربت عنق الشيخ الضال حسين بن عبد الله الحلي بدمشق، وأحرق لسبه الصحابة وإعلانه بلعن الشيخين، وشهادته أنهما ظلما أهل البيت حقهم.

وفي شعبان، وسط بأطرابلس ناظر الجيش بها كريم الدين عبد الله القبطي، لما تكرر منه من الألفاظ المؤدية إلى الانحلال والتلاعب بدين الإسلام. ثم أحرق.

وفي ربيع الآخر مات الوزير موفق الدين عبد الله بن سعيد الدولة القبطي بالقاهرة.

ومات بطيبة المشرفة القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون.

وفي ثاني رمضان مات بدمشق القاضي الإمام جمال الدين أبو الطيب الحسين بن شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة بالقاهرة، وسمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وقدم دمشق مع والده، فناب عنه في الحكم، ودرس، وأفتى، وناظر، وكان من قضاة العدل رحمه الله.

ومات في ذي القعدة القاضي جمال الدين إبراهيم بن محمد بن يوسف الحسباني الشافعي، نائب الحكم، عن نيف وثمانين سنة. وأم بالناس عليه نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني.

ومات الصدر شرف الدين سليمان بن حسن بن أحمد بن عمرون البعلي ثم الدمشقي، عن نحو ثمانين سنة. ولد بحماة وسمع أبا الحسين اليونيني وغيره. وولي نظر طرابلس وغيره، وبعلبك وعدة قلاع، ثم انقطع إلى الشهادة، ثم اختلط في أوائل سنة أربع وخمسين. ومات في آخر جمادى الآخرة من هذا العام.

وفي هذا الشهر وقع شيخنا غازي بن عثمان بن غازي المادح من طاقة فمات. له نظم حسن، وحدث عن الشهاب القرافي.

ومات بعده بيوم شيخنا سابق الدين عثمان بن علي بن بشارة الشبلي الحنفي عن ثلاث وثمانين سنة. حدث عن ابن البخاري وغيره، وولي نظر خانقاه الشبلية. توفي في ثامن عشرين جمادى الآخرة.

ومات بالصالحية خطيبها البليغ نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي. سمع جده وكان من فرسان المنابر. توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة. وقل من رأينا مثله في سمته.

ومات القاضي الإمام العالم المعمر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الظاهري الدمشقي الشافعي في عشر الثمانين. تفقه، وأفتى، ودرس، وحكم بالركب غير مرة. وحدث عن الشرف بن عساكر، وجماعة. وحج بضعا وثلاثين حجة. وشد الرحل إلى المسجد الأقصى نحو ستين كرة. حدث عنه البرزالي والذهبي. وتوفي في شعبان.

ومات الإمام العلامة ذو الفنون فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي ابن أحمد الهمداني الكوفي، ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن الفصيح. ولد بالكوفة سنة ثمانين وستمائة. وسمع من الدواليبي وغيره. وتفقه وبرع. ثم قدم دمشق ودرس بالريحانية، وأفتى وناظر، وظهرت فضائله، وله النظم والنثر والمصنفات المفيدة. وكان رفيقي بالحج عام خمسين. وتوفي في شعبان من ذا العام. رحمه الله.

ومات بمصر المعمر تاج الدين فخر الذوات محمد ابن الزكي أبي بكر بن أبي البركات النعماني عن بضع وثمانين سنة. حدث عن العز الحراني وشامية وجماعة. وأجاز له يحيى بن الصيرفي، والشيخ محيي الدين النووي وطائفة. توفي في رمضان.

ومات المعمر مسعود بن عبد الرحمن بن صالح الجعبري عن نحو تسعين سنة. لبس الخرقة من الشيخ قطب الدين بن القسطلاني. وتوفي ببئر طي من الجيزة.

ومات بمكة عالمها الإمام شهاب الدين أحمد بن قاسم الحرازي. ولد سنة خمس وسبعين وسمع من الرضي الطبري، والتوزري، وجماعة باعتنائه. توفي في شوال.

ومات بالقاهرة الإمام قطب الدين أبو بكر بن عامر بن شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد. حدث عن جده، وابن الصواف، وجماعة. وولي قضاء المحلة. ودرس بالمسرورية. وتوفي في صفر.

ومات بدمشق القاضي الرئيس الصدر النبيل شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن المسلم بن البارزي الحموي الشافعي، ناظر الأوقاف بدمشق، ولد في شوال سنة أربع وسبعين وستمائة، وتوفي في شوال من ذا العام. حدث بالغيلانيات عن غازي الحلاوي. وكان فيه تودد، وسكون، وديانة متينة، رحمه الله.

ومات بالصالحية الشيخ الصالح المعمر القدوة علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم الأرموي. حدث عن الفخر بن البخاري. وتوفي في شوال، ودفن بزاوية جده.

ومات بصفد المقرئ الصالح الخير شمس الدين محمد بن عمر بن أبي بكر المجدلي الخابوري الأصل الدمشقي، الصالحي، الكاتب. ولد بدمشق في سنة خمس وسبعين، وسمع ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. ونسخ عدة كتب ووقفها، ثم نزل صفد ومات بها رحمه الله.

وفي شوال صرف المولى الصاحب تاج الدين أحمد بن عبد الله أبو الفضائل ابن المولى الصاحب الوزير أمين الملك أبي سعيد القبطي من نظر الجيوش بالقاهرة، وصودر وضرب حتى هلك، وكان ولي نظر الشام. وعنده عقل، وسكون، وعفة.

وفي هذا العام قصد عرب البحرين التغلب على البصرة، فالتقاهم عسكرها المغل فعجزوا عنهم، فأمدهم صاحب بغداد الشيخ حسن الكبير بالأمير فواز بن مهنا، فالتقاهم وهزمهم وأسر منهم طائفة من الرجال والنساء، بعد أن قتل من الفريقين عدد كثير ثم من عليهم فواز وأطلق النساء.

سنة ست وخمسين وسبعمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون. وخليفة الوقت المعتضد بالله بن المستكفي العباسي.

وفي هذا العام أخذ الفرنج أطرابلس المغرب يوم الجمعة غدرا، وهو أنهم دخلوا البلد قبل ذلك بهيئة التجار، فلما اطمأن بهم الوقت خرجوا على الناس يوم الجمعة وبذلوا السيف فقتلوا وأسروا، ثم استنقذها المسلمون بعد ذلك ولله الحمد.

وفي ربيع الآخر أمطرت السماء بردا شظايا بأرض الروم، أهلكت نحو مائة وخمسين قرية، فجعلتها حصيدا. وكان وزن الواحدة من ذلك نحو رطل وثلث بالحلبي، وذلك في نيسان.

وفيها جاء الجراد إلى الشام فأهلك جملة من الأشجار وغيرها.

وفي صفر ولي الإمام العلامة نور الدين علي بن عبد البصير بن علي السخاوي قضاء المالكية بالقاهرة. ومات في جمادى الأولى، فكانت ولايته ثلاثة أشهر.

وفي أواخر شهر ربيع الأول ولي قضاء الشافعية بدمشق الإمام العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب السبكي، عوضا عن والده شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي.

ثم توجه شيخنا قاضي القضاة تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي المذكور إلى القاهرة بعد أيام، ومات بها في ثالث جمادى الآخرة، ودفن هناك عن ثلاث وسبعين سنة. وقد حدث عن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ويحيى بن الصواف، وابن الموازيني، وابن المشرف، وخلق، وعني بالحديث أتم عناية، وكتب بخطه المليح الصحيح شيئا كثيرا في سائر علوم الإسلام، وهو ممن طبق الممالك ذكره، وسارت بتصانيفه وفتاويه الركبان في أقطار البلدان، وكان ممن جمع فنون العلم من الفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والورع، والعبادة، وكثرة التلاوة، والشجاعة، والشدة في بدنه واطراح التكلف. وكان رأسا في كل علم. ولي قضاء الشام في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وخطب بالجامع الأموي في سنة اثنتين وأربعين. وتخرج به أئمة، وحمل عنه أمم، ولم يخلف بعده مثله رحمه الله.

ومات ببعلبك المعمر شجاع الدين عبد الرحمن بن علي بن إبراهيم خادم الشيخ الفقيه اليونيني. حدث عن ابن البخاري، وابن علان وطائفة. ولد سنة ست وستين، ومات في سادس عشر ربيع الآخر.

ومات بدمشق العدل بدر الدين محمد بن محمد بن عبد الغني ابن قاضي حران الحنبلي المعروف بابن البطايني، عن ثمان وسبعين سنة. حدث عن ابن شيبان، وغيره. وولي قضاء الركب، والعقود، توفي في رجب.

ومات بالقدس الشيخ الصالح العارف شرف الدين محمد بن حجاج الكاشغري المعروف بالجيتي حدث عن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه، وغيره.

ومات مسند الشام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز. خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وابن عبد، وغيرهم. وهو ابن سبعين سنة.

ومات بحلب قاضي المالكية بها، زين الدين أبو حفص عمر بن سعيد ابن يحيى التلمساني المالكي. وكان جهولا.

ومات الشاعر المفلق شمس الدين محمد بن يوسف الخياط المعروف بالضفدع، عن ثلاث وستين سنة. حج هذا العام وهجا الحجاج بعد عوده كعوايده، فحلقوا لحيته وعزروه، فتعلل أياما. ومات بمعان في أوائل المحرم. أخذ صناعة الأديب عن الشهاب محمود.

ومات بالقدس الإمام الموقع تاج الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم بن البرنباري.

ومات يوم عرفة شيخنا التاجر الصالح عبد المؤمن ابن الوزير. حدثنا عن ست الوزراء. وحج ثلاثا وثلاثين حجة رحمه الله.

ومات في هذا العام خلق من الأمراء، منهم: المعمر نغيه الجمدار الناصري، وقردم، وملك آص، وسيفاه، وابن طبال، وقجا البريدي، ووالي الولاة ناصر الدين محمد بن داوود ابن الزيبق.

ومات بالقاهرة الصدر زين الدين الخضر بن محمد بن الخضر الشافعي الموقع، كهلا، حدث عن الشريف عز الدين وغيره.

ومات بمصر المعمر صدر الدين محمد بن أحمد بن أبي الربيع سليمان الدلاصي. حدث عن ابن خطيب المزة، وجاوز الثمانين.

ومات بدمشق القاضي شهاب الدين أحمد بن سيدهم بن البيع المالكي. سمع بالإسكندرية من محيي الدين بن جماعة، وناب في الحكم بدمشق عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، وحكم بعده نيابة الإمام فخر الدين الزواوي شيخنا.

ومات بالقاهرة المسند ناصر الدين محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب الصوفي المعروف بابن ملوك، عن نحو ثمانين سنة. حدث عن العز الحراني، وابن الأنماطي، وابن خطيب المزة، وغازي وطائفة، وتفرد.

ومات العلامة شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدايم الحلبي، عرف بابن السمين. سمع بآخره من يونس الدبوسي، وقرأ على ابن الصايغ. وعمل تفسير القرآن في عشرين سفرا، والإعراب وله شروح على كتب أخر، توفي بالقاهرة في شعبان.

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

وفي رابع ربيع الآخر هبت ريح من جهة الغرب، وامتدت من مصر إلى الشام في يوم وليلة، فغرق ببولاق نحو ثلاثمائة مركب واقتلعت من النخيل والجميز ببلاد مصر وبلبيس وغيرها شيئا كثيرا، فكانت آية.

وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي من الإسكندرية، وأقام بالقدس.

وفيها احترقت القيسارية خارج باب الفرج وما حولها من الحوانيت فكانت جملة الحوانيت المحترقة نحو سبعمائة حانوت سوى البيوت، وعدم الناس فيها ما لا يحصى.

وفيها احترق سوق الصالحية عن آخره.

وفيها غارت الفرنج ومن تبعهم من المسلمين العجز المتحربين في السواحل، واستباحوا بلد صيدا، وآياس، وغير ذلك من البلاد الساحلية.

ومات بدمشق في شوال المعمر ناصر الدين محمد بن محمد بن أبي القاسم شاهد القيمة المعروف بابن الدجاجية حدثنا عن الأبرقوهي.

ومات بحلب قاضيها الفقيه نجم الدين محمد بن عثمان بن أحمد بن عمرو الزرعي الشافعي ابن شمرنوح.

ومات بالقاهرة العدل الكبير شهاب الدين أحمد بن الحسن بن الفرات الشروطي. حدث عن الدمياطي، والرضي الطبري وطائفة.

ومات الإمام كمال الدين أحمد ابن العلامة عز الدين عمر بن أحمد بن مهدي النشائي خطيب الجامع الخطيري ومدرسه. حدث عن الدمياطي وغيره. وطلب الحديث بنفسه، وكتب الطباق، وصنف، وأفاد.

ومات بدمشق صفي الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان ابن الحريري الحنفي مدرس الصادرية. وكان مغفلا يحكى عنه نوادر رحمه الله.

ومات ببغداد حاكمها وسلطانها الشيخ حسن بن آقبغا الكبير ابن القان أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن آبغا بن هولاكو المغلي. وكانت دولته نحوا من عشرين سنة كأبيه. وكان أحد أئمة العدل. وولي بعده ابنه أويس.

ومات الأمير فواز بن الملك مهنا الطائي أحد الشجعان.

ومات بدمشق الأمير الكبير بدر الدين بكتاش المنكورسي الظاهري نائب بعلبك، كان، عن سن عالية.

ومات بالقاهرة شيخنا السيد الشريف شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن الحسين الحسيني الأرموي ثم المصري الشافعي، نقيب العلويين، ووكيل بيت المال، وقاضي العساكر. حدث عن ست الوزراء، ودرس بمشهد الحسين، وكان من سروات الناس، رحمه الله.

ومات بدمشق المعمر الصالح الثقة عز الدين أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي، عن سبع وسبعين سنة. حدث بالمسند، والصحيحين، والسنن الكبير للبيهقي، مسند الطيالسي، ومسند الحميدي. وشيئا كثيرا، وتفرد. توفي في جمادى الآخرة.

ومات في رجب الشيخ الرئيس يوسف بن الديان عبد السيد بن المهذب الإسرائيلي المتطبب. سمع في يهوديته من الشمس بن مؤمن، وحدثنا عنه في الإسلام.

ومات الإمام العالم أقضى القضاة فخر الدين محمد بن مسعود بن سليمان بن سومر الزواوي المالكي. حدث عن ست الوزراء، وكان من قضاة العدل. توفي في ذي الحجة، وناب بعده صاحبنا القاضي أمين الدين أبو حيان.

ومات في شهريذ المعمر سيف الدين أبو بكر بن رمضان الشروطي عن سن عالية. حدث عن ابن النشبي وابن علان، وهو خاتمة أصحاب الخشوعي، يعنى بالسماع.

ومات المعمر الفاضل محيي الدين يحيى بن علي بن مجلى الحنفي، المعروف بابن الحداد، خاتمة أصحاب الشيخ محيي الدين النووي. حدثنا عن ابن البخاري.

ومات بالصالحية شيخنا التقي عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن ابن الناصح الحنبلي، والد المفتي شمس الدين بن الناصح. حدثنا عن الفخر أيضا.

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

وفي شعبان وثب بعض الجند على الأمير سيف الدين شيخون الناصري فضربه بوجهه بحضرة السلطان والأمراء بالقصر، وحصل بذلك خبطة، وكادت تثور فتن، فحمل إلى منزله مجروحا فخاطوه وتعلل منها أياما، ومات في العشر الآخر من ذي القعدة. وكان ذا حزم، وعزم، وعقل، ومهابة، وسياسة، وآثار حسنة، وكان فيه صدقة، وبر، وسكون، وقضاء حوائج الناس.

ومات بالقاهرة شيخنا الرئيس النبيل علاء الدين علي بن أحمد بن أسد الحنفي ابن الأطروش محتسب القاهرة. حدث عن الأبرقوهي. وولي حسبة دمشق أيضا. وكانت فيه شهامة، وقوة نفس، وإقدام، وبعض علم.

ومات الحافظ المفيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبي محمد بن المظفر بن النابلسي سبط الزين خالد، ولد سنة خمس وسبعين في رمضان، وسمع زينب بنت مكي، وابن الواسطي، وخلق، ورحل، وقرأ، وكتب، وعني بهذا الشأن. وولي مشيخة العزية وغيرها. توفي في ربيع الأول بدمشق، وكان من أئمة هذا الشأن.

ومات الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين إبراهيم بن قاضي القضاة عماد الدين علي بن الطرسوسي الحنفي. ولد بالمزة، وتفقه بوالده وغيره، وبرع في الفقه والأصول، ودرس، وأفتى، وناظر، وأفاد، مع الديانة، والصيانة، والتعفف، والمهابة. ناب في الحكم عن والده ثم ولي استقلالا بعده. وحدث عن ابن الشيرازي، وغيره. توفي في شعبان، وولي بعده نائبه القاضي شرف الدين الكفري.

ومات بظاهر دمشق الشيخ الصالح المعمر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله المرداوي ثم الصالحي، المعروف بالحريري، عن نحو ست وتسعين سنة. حدث عن الكرماني، والشيخ، والفخر وطائفة. وهو آخر من حدث عن ابن عبد الدايم، والنجيب عبد اللطيف، وابن علان، وابن أبي اليسر، وهذه الطبقة بالإجازة في الدنيا. وتوفي في شعبان.

ومات بالقدس الأمير الكبير العادل سيف الدين أرغون الكاملي نائب دمشق وحلب، وكان رجلا حازما عادلا، له فهم ومعرفة على صغر سنه. توفي في شوال، ودفن بتربته بالقدس رحمه الله.

ومات بالقاهرة الشيخ قوام الدين لطف الله الحنفي، أحد الدهاة. وقد ولي مشيخة الظاهرية بدمشق أياما.

ومات المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن رمضان الجزري الأصل الدمشقي الحنبلي إمام مسجد الجزيرة. ولد سنة تسع وستين وستمائة. وحضر الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وسمع من غيره. وتوفي بدمشق في ثاني ذي الحجة.

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

فيها عاثت الفرنج بأطراف السواحل، وقصدتهم العساكر، وثارت العربان، وقطعوا السبل، وقام العشير في النواحي، واشتد وتفاقم أمره ببلاد حوران، وتزايد واستمر أياما، فجهزت إليهم العساكر فخمدوا، بعد أن أفنى بعضهم بعضا واغتيل مقدمهم، الشهاب أحمد بن البسرية بزرع.

ولما مات الأمير شيخون في العام الماضي استقل السلطان الملك الناصر بالأمور، وقام بسياسة الملك وتدبير الممالك الأمير سيف الدين صرغتمش، وخلا له الجو وترحل عنه فيالة الأمير شيخون، فقبض على الأمير تقطاي الدوادار وجماعة من بطانة الأمير شيخون، وأرسل إلى نائب دمشق الأمير علاء الدين المارداني خلعة وتقليدا بالاستمرار، وإلى غيره من النواب، واستدعى الأمير سيف الدين طاز نائب حلب إلى مصر، فخرج من حلب وتوجهت إليه العساكر، ثم خرج إليه نائب دمشق فعسكر بخان لاجين، وآخر الأمر أن الأمير طاز استسلم وسلم نفسه فقبض عليه نائب الشام وأرسل به فاعتقل بالكرك، ونقل سيف الدين منجك من نيابة طرابلس إلى نيابة حلب، وقبض على حاجب دمشق الإسماعيلي، واعتقل بقلعة صرخد ثم أفرج عنه، وقدم دمشق متوجها إلى القاهرة فاعتقل بقلعة دمشق أياما ثم أفرج عنه بعد كشف وتعنت، ومضى إلى القاهرة ثم رجع على حجوبيته وعادته فبقي إلى ذي الحجة ثم أخرج إلى حماة فاعتقل بها.

وفي يوم السبت خامس عشرين جمادى الأولى. صرف الأمير علاء الدين المارديني عن نيابة دمشق إلى نيابة حلب، وقدم الأمير سيف الدين منجك من حلب على نيابة دمشق، فدخلها يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، وباشر نظر ديوانه شيخنا الصاحب تقي الدين بن مراجل.

وفي العشر الآخر من رجب توجه شيخنا الإمام صلاح الدين الصفدي إلى حلب على كتابة السر بها.

وفيه صرف شيخنا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن قضاء الشافعية بمصر، ثم أعيد بعد شهرين.

وفي العشر الآخر من شعبان صرف قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي، وقاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي عن القضاء بدمشق.

وولي قضاء الشافعية، قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء. وقضاء الحنفية، قاضي القضاة جمال الدين محمود بن السراج، فحكما نحوا من ثلاثين يوما، ثم صرفا في أول شوال، وأعيد قاضي القضاة تاج الدين السبكي، وقاضي القضاة شرف الدين الكفري وخلع عليهما يوم الاثنين خامس شوال.

وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان قدم شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين العراقي من القاهرة على قضاء المالكية بدمشق، عوضا عن القاضي جمال الدين المسلاتي، ثم من الغد قدم القاضي أمين الدين بن عبد الحق على حسبة دمشق عوضا عن علاء الدين الأنصاري، وكانت هذه التنقلات بأسرها صادرة عن رأي صرغتمش.

وفي رمضان قبض على الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري، وعلى القاضي ضياء الدين محمد بن خطيب بيت الآبار، فصودر الضياء، وأهين، واعتقل بقوص، وخفي أمر صرغتمش وزالت نعمته، وخمدت كلمته بحول الله وقوته.

وفي ذي القعدة قبض إلى الأمير ناصر الدين محمد بن الأقوش نائب حمص وعلى أخويه سيف الدين كجك الحاجب، وأمير حاج، فأدوا في المصادرة نحو ثلاثمائة ألف درهم، ثم أفرج عنهم وفرقوا في البلاد.

وفي ذي الحجة صرف ابن عبد الحق من حسبة دمشق، ووليها شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.

وفي سادسه قبض على أسندمر العمري نائب حماة كان، واعتقل بقلعة دمشق.

وفي صبيحة يوم عرفة صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة دمشق إلى نيابة صفد.

وقدم الأمير شهاب الدين أحمد بن صالح حاجبا إلى دمشق عوضا عن الإسماعيلي.

ومات القاضي الكبير الصدر الرئيس النبيل شرف الدين خالد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله القيسراني أحد الموقعين. حدثنا عن القاسم ابن عساكر، وغيره. وقد كان ولي وكالة بيت المال بدمشق في أيام الفخري. توفي في ثاني جمادى الآخرة.

وفيها مات صاحب بلاد المغرب السلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن المريني.

ومات بدمشق الحافظ شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعد المقدسي ثم الصالحي الحنبلي. ولد سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع أباه، والقاضي، وعيسى، وخلقا كثيرا وجما غفيرا، وجمع فأوعى، وكتب ما لا يحصى، وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه. توفي في ثالث ذي القعدة.

ومات الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داوود الكردي الشافعي إمام مشهد علي. حدث عن التقي بن الواسطي، وغيره. وتوفي في تاسع ذي القعدة.

ومات في سادس عشرينه شيخنا الزاهد بهاء الدين محمد بن أحمد بن المرجاني صاحب جامع المزة وغيره من المآثر الحسنة. حدث عن ابن مؤمن وغيره.

ومات المقرئ المعمر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بالحفيفة عن سن عالية. حدث بمشيخة الفخر عنه، وأقرأ خلقا بالجامع المظفري رحمه الله.

سنة ستين وسبعمائة

في يوم الأربعاء ثاني المحرم دخل الأمير علاء الدين المارداني إلى دمشق على نيابتها، قدمها من حلب فأقام إلى ثاني عشرين رجب. فقبض عليه وتوجهوا به إلى القاهرة، فأعيد من الطريق إلى نيابة صفد. وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين أسندمر الزيني أخو يلبغا اليحياوي فدخلها يوم الاثنين حادي عشر شعبان.

وفي سادس صفر قدم الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي من مصر إلى دمشق، يتقدمه ألف فارس وولده بطبلخاناه، وأضيف إليه عدة جهات، وحجوبية الحجاب.

ثم في جمادى الأولى، رسم بتحويله من الوقوف بسوق الخيل تجاه النائب، فركب إلى جانبه فوق الأمراء، وورمت لذلك أنوف.

وفي ليلة سادس صفر قبض على الأمير شهاب الدين بن صبح الحاجب، واعتقل هو وأولاده بقلعة دمشق، ثم نقل هو إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.

وفي العشر الأول من صفر صرف الأمير سيف الدين منجك من نيابة صفد، وأخذ إلى القاهرة فانفلت منهم بقرب غزة ومضى لسبيله، فلم يوقع له على خبر، وأوذي بسببه خلق وجرى لأهل القدس أمور.

وفي ثالث عشر صفر قدم الأمير سيف الدين آقطمر بن عبد الله بن عبد الغني نائب طرابلس إلى دمشق واعتقل بالقلعة مقيدا ثم أخذ إلى القاهرة فاعتقل بالإسكندرية.

وفيه حضر الإسماعيلي من حماة واعتقل بقلعة دمشق، ثم أخذ فأودع الإسكندرية.

وفي يوم الأحد رابع ربيع الأول، صرف قاضي القضاة شرف الدين بن العراقي عن قضاء المالكية بدمشق، وأعيد قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي.

وفيه صرف القاضي ناصر الدين محمد بن الشرف يعقوب الحلبي من كتابة السر بدمشق، ومشيخة الشيوخ إلى كتابة سر حلب.

وولي بعده السر بدمشق شيخنا وكيل بيت المال القاضي أمين الدينمحمد بن أحمد بن القلانسي مع تدريس الناصرية، والشامية الجوانية، ومشيخة الشيوخ.

وفيه قدم المعين ابن الكريدي المستوفي من القاهرة بتذكرة سلطانية بإهدار المتأخرات الديوانية جميعها إلى آخر العام الماضي، واستقرار الرواتب الدرهم ثلث، والجوامك الدرهم ثلثا درهم.

وفي مستهل ربيع الآخر، قدم القاضي صلاح الدين الصفدي من كتابة سر حلب على وكالة بيت المال بدمشق وتوقيع الدست، عوضا عن القاضي أمين الدين بن القلانسي.

وفيه قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من القاهرة، وكان توجه إليها في الشهر الماضي ومعه ابن عمه القاضي بدر الدين محمد أبي الفتح، فأكرمه السلطان ورتب له معلوما على الإفتاء بمدرسته التي أنشأها بالقاهرة.

وفي رجب قبض على الأمير قطليجا الدوادار، وطيبغا حاجي، وأيدغمش، واعتقلوا بقلعة دمشق ثم فرقوهم في البلاد وأخرج ألدمر السليماني الذي كان حاجبا إلى طرابلس.

وفي ليلة نصف شعبان أخرج قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي إلى طرابلس.

وفي ليلة حادي عشرينه، قدم الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري من حلب إلى دمشق أمير حاجب عوضا عن الأمير سيف الدين بيدمر، ونقل بيدمر إلى حلب لنيابتها.

وفي ليلة الجمعة عاشر ربيع الأول، مات شيخنا الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي بكر بن بحتر بن خولان الصالحي الحنفي مدرس الميطورية، وخطيب القلعة، ولد سنة أربع وثمانين وستمائة. حضر ابن البخاري، وزينب بنت العلم. وولي العقود، وتوفي في عشر ربيع الأول.

ومات القاضي الرئيس الصدر الكبير علم الدين محمد بن القطب أحمد بن مفضل بن فضل الله المستوفي، ناظر الجيش بدمشق. وكان وجيه الشام في وقته. ولي كتابة السر بدمشق في الدولة الناصرية، ثم نظر الدواوين ثم نظر الجيوش. وسمع من القاضي تقي الدين سليمان، وعيسى المطعم وطائفة. توفي في ثاني جمادى الأولى. وولي بعده نظر الجيش نائبه القاضي علم الدين داوود الإسرائيلي فلبس يوم الاثنين سادس جمادى الآخرة.

ومات شيخنا الزاهد أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر الغسولي ثم الصالحي. جاوز الثمانين، وحدث بمشيخة الفخر عنه. توفي في جمادى الأولى.

ومات بمكة قاضيها الإمام شهاب الدين أحمد ابن القاضي الإمام الأريب نجم الدين محمد بن جمال الدين محمد بن الحافظ محب الدين الطبري الآملي. توفي في العشر الآخر من شعبان.

ومات بدمشق المعمر الصالح أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الفقيه عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل الله المقدسي، ثم الصالحي الحنبلي. حدث عن ابن البخاري، وابن الواسطي، وجماعة. وولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين، وتوفي في ذي القعدة.

ومات في ذي الحجة الأمير صفي الدين البصراوي بالقدس ناظر الحرم.

ومات بحلب شيخنا جمال الدين إبراهيم بن القاضي الإمام شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي. حدثنا عن الأبرقوهي وغيره.

ومات بدمشق المعمر صلاح الدين محمد بن أحمد بن أفتكين كبير شهود القيمة.

سنة إحدى وستين وسبعمائة

في سادس عشرين المحرم ظهر الأمير سيف الدين منجك الذي كان تسحب في صفر من العام الماضي وأخذ من الشرف الأعلى ظاهر دمشق ونفذ إلى القاهرة، فعاتبه السلطان على فعله ثم من عليه وأطلقه، وكتب له طرخانا يقيم حيث شاء وأقطعه إقطاعا وأقام بالقدس.

وفي صفر صرف الأمير علاء الدين المارداني من نيابة صفد واستقر على نيابة حماة.

وفي ربيع الأول قبض على شيخنا المعلم سنجر الهلالي وأخذ منه أزيد من ألف ألف درهم؛ بسبب ما نقل عنه من عدم أداء الزكاة والتكسب الفاحش على الأمراء، ثم احتيط على حججه وأملاكه وحواصله، فكانت أزيد من ثلاثة آلاف ألف درهم، ثم سلموها إليه بعد مدة. وأخذ من ابنه شمس الدين محمد بن الصايغ تربته التي كان أنشأها بباب الجامع.

وفي ربيع الآخر قبض على الصاحب شمس الدين موسى ناظر الدواوين بالشام، وعلى المستوفي، وخلق من الدواوين، وأخذ منهم أزيد من ستمائة ألف درهم، بعد الضرب والإهانة، وجرت أمور، وهج خلق على وجوههم خوف المصادرة.

وفي جمادى الأولى طلب من التجار أموال بسبب القنود، فشق ذلك على الناس، وهمّ أكثر التجار وأصحاب الأموال بالجلاء عن دمشق. واستمر الخوف بسبب ذلك نحو خمسة عشر يوما، ثم أفرج عنهم إلا قليلا من أصحاب المعاملات فإنهم وزنوا من ذلك جملة.

وفي العشر الأوسط من جمادى الأولى، قدم الوزير فخر الدين فخر الدولة بن قروينة على نظر الدواوين بالشام عوضا عن الصاحب شمس الدين.

وفي جمادى الآخرة توجهت العساكر الحلبية مع نائبهم الأمير سيف الدين بيدمر إلى جهة سيس، فافتتحوا عدة قلاع وحصون.

وفي صفر قدم قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي من طرابلس إلى دمشق على جهاته.

وفي ثاني عشرينه ولي القاضي جمال الدين أحمد بن الرهاوي نظر الجامع الأموي عوضا عن الصاحب تقي الدين ابن مراجل بحكم إقامته على نظر الإسكندرية، ثم قدم في العشر الأخر من ربيع الأول على وظيفة نظر الجامع على عادته، وصرف ابن الرهاوي.

وفي يوم الأربعاء رابع عشرين رجب، قبض على الأمير سيف الدين أسندمر نائب دمشق وأقام بطرابلس، وولي بعده نيابة دمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي فدخلها من حلب يوم السبت تاسع عشر شعبان.

وفي رمضان توجه الأمير شهاب الدين أحمد بن القيمري، حاجب دمشق إلى حلب على نيابتها، واستقر عوضه حاجبا اليوسفي.

وفي رمضان قتل مرزوق الصفدي النصيري على الزندقة والتعرض إلى النبي ﷺ.

وفي ذي الحجة موافقة لتشرين الأول، أرسل بعامة بلاد الشام رعد عظيم وبرق وصواعق، وأمطرت السماء مطرا عظيما، وسقط برد في بعض الأماكن نحو البيض وما دونه، وهلك من ذلك خلق من السيول، وأبيدت كروم كثيرة، واستمرت المياه متغيرة نحو شهر.

وفي ثالث المحرم مات شيخنا الإمام العلامة بقية الحفاظ صلاح الدين أبو سعيد خليل ابن كيكلدي العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي، مدرس المدرسة الصلاحية وغيرها بالقدس عن سبع وستين سنة. حدث عن القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي وطبقته فأكثر. وكان إماما في الفقه، والنحو، والأصول، مفتنا في علوم الحديث ومعرفة الرجال، علامة في معرفة المتون والأسانيد، فمصنفاته تنبئ عن إمامته في كل فن. توفي ببيت المقدس. وولي بعده تدريس الصلاحية الخطيب برهان الدين إبراهيم بن جماعة. ومشيخة التنكرية شهاب الدين أبو محمود.

ومات الشيخ المعمر الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الصالحي المعروف بابن قيم الضيائية عن نحو تسعين سنة. حدث عن الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، وجماعة. وتفرد. توفي في المحرم.

ومات الشيخ الصالح الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يونس القواس الدمشقي. صحب ابن هود في وقت ثم هاجر، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية. وحدث عن ابن البخاري وغيره. ونعم الرجل كان.

ومات بالقاهرة الإمام العلامة شيخ الأدب جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن هشام النحوي الحنبلي، صاحب كتاب المغني في النحو، عن بضع وخمسين سنة. توفي في ذي القعدة.

ومات المعمر مظفر الدين محمد بن محمد بن يحيى بن عبد الكريم العسقلاني، خاتمة أصحاب العز الحراني، حضر عليه في الرابعة سنة أربع وثمانين. توفي بالقاهرة.

ومات في شعبان القاضي الإمام فخر الدين محمد بن محمد بن محمد ابن محمد بن الحارث بن مسكين القرشي الزهري، نائب الحكم بمصر والقاهرة، عن ثلاث وتسعين سنة. حدث عن الشهاب القرافي ببعض تصانيفه، وعن عبد الرحيم الدميري وغيرهما. وأجاز له الشيخ شمس الدين، وابن البخاري، والعز الحراني، وخلق نحو الألف.

ومات الشيخ رضي الدين الحسين بن عبد المؤمن بن علي بن معاذ الموحدي، سبط المجد الطبري. حدث عن الأبرقوهي، والدمياطي وعدة. وتفرد عن جده. توفي في صفر.

ومات الإمام نجم الدين أيوب بن موسى بن عباس الراشدي الشافعي مدرس القوصية بالقاهرة. حدث عن الشريف عز الدين وغيره. توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين.

ومات بمكة الإمام جمال الدين يوسف بن الحسن بن علي الحنفي. حدث عن الفخر التوزري وغيره. مات في صفر.

وفي هذا العام أنشئت الخانقاه الكججانية بالشرف الأعلى جوار الطواويس ظاهر دمشق.

سنة اثنتين وستين وسبعمائة

لما تمهد للسلطان الملك الناصر أمره ولم يبق في مملكته من يخشى شره، وغرته الآمال بجمع الأموال نادى عليه لسان الحال، وعند التناهي يقصر المتطاول. فتخلى حينئذ عن أمر مملكته، وشغلته دنياه عن القيام بمصالح رعيته، فمقتته القلوب، وتوجهت عليه إلى علام الغيوب، وفوقوا نحوه سهام الليالي، ومرغوا بخالص التأله غرر الجباه في ظلم الدياجي، فنفذت فيه سهام الأقدار، لما صاح عليه مؤذن غروره بانصرام أيامه، وخلوه بما أوعاه من جرائمه وآثامه، وقبض عليه كبير بطانته، وضرغام دولته، ونظام مملكته، الأمير سيف الدين يلبغا الناصري ضاعف الله أجوره، وأقام ابن أخيه السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، وحلفت له الأمراء، وجلس على كرسي الملك يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى، وأخذ الناصر فعذب حتى هلك بعد أيام، وكانت دولته في الكرة الثانية ست سنين وسبعة أشهر. ولما وصل الخبر إلى دمشق بذلك، وحلفت الأمراء ونودي في دمشق بالعدل وإزالة المظالم، تنمر لذلك نائب الشام الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي، وكان في أنفس المصريين منه بعض ما فيها لتوجهه عند الناصر. وأخرج من القاهرة إلى الشام على نيابة طرابلس الأمير سيف الدين تومان تمر، الذي كان ثالث الأمراء في المشورة، ونقل تمر المهمندار من نيابة غزة إلى دمشق حاجبا، ثم مات في شوال عن سن عالية، وأفرج عمن كان اعتقلهم الناصر بالإسكندرية من الأمراء وهم: الأمير شهاب الدين بن صبح نائب صفد، وسيف الدين طنيرق في نيابة حماة، وآقطمر عبد الغني نائب طرابلس، وطيدمر الإسماعيلي حاجب دمشق في آخرين. وأخرج الأمير سيف الدين طاز إلى القدس، وقد كان اعتقله الناصر بالكرك ثم أكحله، ثم قدم دمشق في ذي الحجة.

وفي العشر الأوسط من ذي الحجة، تغلب الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق عليها، وأنفق على رجال القلعة بعد موت نائبها برتاق وحلفهم على السمع والطاعة والقيام معه في مصالح المسلمين، ثم حلف أمراء دمشق على نحو ذلك، وقد كان حضر من طرابلس إلى دمشق الأمير سيف الدين أسندمر - الذي كان نائبا في العام الماضي - فحلف مع الأمراء ثم راسلوا النواب بذلك، فكتب إليهم منجك من القدس بموافقتهم والقيام معهم، وأنهم ليسوا براضين بالطاعة ليلبغا الناصري لأنه قتل الناصر ظلما بزعمهم فجعلوها عثمانية وعملوا بذلك محاضر وشقوا العصا ونصبوا راية الخلاف، ثم حضر إلى دمشق الأمير سيف الدين تومان تمر نائب طرابلس في عاشر رمضان ونزل القصر الظاهري، وقد كان نائب الشام في الشهر الماضي أخرج رجال القلعة المستقرين، وأقام بها جماعة من ذويه، وكان بها لبيت المال نحو أربعمائة ألف درهم، فحازها واستخرج الأموال الديوانية، وتعجل من الذمة جزية العام الآتي، ونقل إلى القلعة من الغلال، والطعم، والقديد، والعدد، والآلات ما لا يوصف كثرة، ونصب عليها المجانيق ثم حلف الأمراء ثانيا وأعطاهم ووعدهم ومناهم.

ولما قدم عليه نائب طرابلس وجاءته مكاتبة منجك وانضم إليه أمراء الشام وتوثق لنفسه، جهز العساكر الشامية فخرجوا أرسالا إلى جهة غزة ليحفظوا له ذلك الثغر من جهة المصريين، ثم خرج هو بمن بقي من الأمراء بعد صلاة الجمعة ثاني عشر رمضان، وخرج معه بالقضاة والموقعين، فوصلوا إلى قريب الصنمين. فلما كان الليل جاءهم الخبر أن بعض الأمراء خالفهم وأنهم اقتتلوا ونهبتهم العرب بقرب غزة، فكر راجعا بمن معه ولحقهم منجك في أواخر النهار، فباتوا ليلتئذ، وأصبح نائب طرابلس وخلق من أمراء دمشق لا حس لهم ولا خبر، فخارت قوى نائب الشام وسقط في يده، وشرع أصحابه في التفرق عنه، فلما لاحت أمارات الكسرة وإشارات الخذلان، ولم يبق ممن كان معه ممن العمدة عليه سوى منجك وأسندمر وجبرائيل حاجبه، ومعهم دون المائتي نفس، وخرج المصريون في خدمة السلطان والخليفة المعتضد والعساكر فوصلوا إلى منزلة الكسوة في رابع عشرين رمضان، فتحصن إذ ذاك نائب دمشق ومن معه بالقلعة وغلقت أبواب البلد، وأشرف الناس على خطة صعبة وتأهبوا للحصار، وأصبح الأمراء يوم الخميس بدمشق لابسين آله الحرب، فقطعوا الأنهر الداخلة إلى القلعة، فقلق الناس لذلك وخافوا الهلكة، فلما كان من الغد وقت صلاة الجمعة فتحت أبواب البلد واستبشر الناس بذلك، وأصبح السلطان نزل المخيم ظاهر دمشق ومعه العساكر والأمير علاء الدين المارداني - الذي كان نائب حماة - بخلعة نيابة دمشق وهذه النيابة الثالثة، وشرعوا في مراسلة الأمير سيف الدين بيدمر نائب دمشق ومن معه فأجابوا إلى الصلح بعد محاورة طويلة، ودخل قضاة الشام بينهم في ذلك، فنزلوا من القلعة بالأمان ليلة الاثنين تاسع عشرين رمضان، وكان عند الناس من السرور بذلك أعظم من سرورهم بهلال العيد، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا، فلما نزل نائب دمشق، وأسندمر، ومنجك، وجبرائيل، إلى وطاق الأمير سيف الدين يلبغا أمر بتقييدهم فقيدوا وأخذوا إلى القصر الظاهري محتفظا عليهم، ودخلت العساكر المصرية والشامية وعيدوا بدمشق آمنين. ودخل السلطان القلعة فأقاموا إلى عاشر شوال ثم ترحلوا، وقد كان في خلال هذه الأيام قصد جماعة من الخدام بالقاهرة إقامة الأمير حسين بن الملك الناصر محمد في الملك، فتفطن لهم بعض الأمراء هناك فعاجلوهم ولم يتم أمرهم، ولما حل الركاب السلطاني الملكي المنصوري بدمشق أمر بقبض جماعة من الأمراء الشاميين فقبض عليهم وأودعوا القلعة، ثم خرجوا ببعضهم معهم إلى القاهرة، واستقر على نيابة الشام الأمير علاء الدين المارداني عوضا عن بيدمر، وطيزق على نيابة حماة، وسيف الدين الأحمدي على نيابة حلب عوضا عن ابن القيمري، وتومان تمر على نيابة حمص، وملكتمر المحمدي على طرابلس، وزين الدين زبالة الفرقاني على نيابة القلعة، واستقر في كتابة السر بدمشق. ومشيخة الشيوخ بها القاضي ناصر الدين محمد بن شرف الدين يعقوب الحلبي عوضا عن القاضي أمين الدين ابن القلانسي، وقبض على ابن القلانسي، وصودر فأدى في المصادرة نحو المائتي ألف درهم.

واستقر علاء الدين الأنصاري على حسبة دمشق عوضا عن عماد الدين بن الشيرجي، وعلى نظر الدواوين بالشام الصاحب تاج الدين موسى بن شاكر المصري عوضا عن الصاحب فخر الدين ناظر قطيا، وقد كان الوزير فخر الدين ابن قروينة القبطي نقل من وزارة الشام في ربيع الأول إلى القاهرة وزيرا، وولي عوضه نظر الشام الصاحب فخر الدين ناظر قطيا المذكور.

وفي شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي بالأتابكية والرواحية والقيمرية عوضا عن والده المذكور.

وفي ذي القعدة ولي القاضي الإمام بدر الدين محمد بن أبي الفتح السبكي قضاء العساكر بدمشق.

وفي هذا العام توجه العسكر الشامي إلى ملطية فتسلموها، وأقيم بها نائب لصاحب مصر.

ومات في المحرم الشيخ الزاهد المعمر أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي. أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، صحب الشيخ تقي الدين بن تيمية، قدس الله روحه، دهرا، وتفقه به. وكان فيه إقدام على الملوك، وأبطل مظالم.

ومات بالقاهرة الحجيج المعمار الصالحي.

ومات بحلب السيد الشريف النبيل علاء الدين محمد بن علي بن حمزة بن زهرة نقيب العلويين بحلب، وكان فيه تشيع ظاهر.

ومات بالصالحية المعمر أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن خليل، الأعزازي عن سن عالية. حدث عن ابن البخاري.

ومات بالمارستان المنصوري بالقاهرة المحتسب علاء الدين علي بن شعيا السيف أبي بكر ابن السيف الحراني. ولي حسبة دمشق مرتين ثم عزل. ومات غريبا.

ومات ببلبيس السيد الشريف كمال الدين محمد بن شرف الدين أحمد بن يعقوب بن فضل بن طرخان الجعفري الزينبي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وطلب وسمع، وكتب الطباق، وباشر المدارس، ثم تخلى ولزم كتابة التوقيع بدمشق. ونقل إلى غزة وخطب بها ثم عزل، ودخل القاهرة فتعلل بها. ومات في ربيع الأول عن بضع وخمسين سنة.

ومات بدمشق الكاتب المجود شمس الدين محمد بن الوزان. حدث عن القاسم بن عساكر. وكتب بخطه المنسوب عدة مصاحف وغيرهما.

ومات الصدر الكبير عماد الدين محمد بن محمد بن أحمد بن الزملكاني الدمشقي ناظر السبع الكبير وجامعه عن نحو سبعين سنة. حدثنا عن الأبرقوهي وعدة. وانتقى عليه البرزالي جزءا من عواليه.

سنة ثلاث وستين وسبعمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي ابن محمد بن قلاوون، ونائبه بدمشق الأمير علاء الدين المارداني.

وفي صفر منها قدم الإمام قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن محمد الدميري على قضاء المالكية بحلب عوضا عن ابن الرياحي.

وفيه ولي القاضي أمين الدين بن وهبان قضاء الحنفية بحماة.

وفيه توفي بدمشق الإمام علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن سعيد الأنصاري محتسب دمشق، ومدرس الأمنية. توفي عن بضع وأربعين سنة. ودرس بعده بالأمينية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله. وأعيدت الحسبة إلى شيخنا عماد الدين بن الشيرجي.

ومات بالقاهرة قاضي القضاة تاج الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن الإخنائي المالكي قاضي المالكية. وولي عوضه أخوه القاضي برهان الدين.

وفي شهر ربيع الأول صرف الصاحب تاج الدين عن نظر الدواوين بالشام. وولي الصاحب بدر الدين حسن بن النابلسي فدخل دمشق في ثاني عشرينه.

وفيه توفي بالقاهرة المحدث الإمام شمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد النقاش.

ومات بدمشق القاضي الرئيس النبيل أمين الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي جمال الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن نصر الله التميمي الدمشقي بن القلانسي. ولد سنة إحدى وسبعمائة. وأجاز له الحافظ شرف الدين الدمياطي وعدة. وحدث عن إسماعيل بن مكتوم، وعيسى المطعم، وست الوزراء وغيرهم. وولي قضاء العساكر بدمشق، ووكالة بيت المال مرات، ودرس بالعصرونية. ثم ولي كتابة السر عوضا عن القاضي ناصر الدين بن شرف الدين يعقوب الحلبي، ومشيخة الشيوخ، وتدريس الناصرية والشامية والجوانية. ثم عزل في العام الماضي وأوذي وأدى في المصادرة جملة. وتوفي في ربيع الآخر.

ومات الشيخ الصالح الزاهد العابد الناسك فتح الدين يحيى بن الإمام زين الدين عبد الله بن مروان الفارقي الأصل، الدمشقي الشافعي، خازن الأثر الشريف، وإمام الدار الأشرفية. ولد سنة اثنتين وسبعين. وسمع الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وكان آخر أصحابه. وسمع الفخر، وابن شيبان، وخلقا. وحدث باليسير من مسموعاته تورعا. وكان ذا زهد وورع ثخين، ويقنع باليسير. لم يقيض لي السماع منه. توفي في سادس عشرين ربيع الآخر.

ومات بالقاهرة خليفة الوقت الإمام أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر المستكفي ابن الحاكم العباسي. وكانت خلافته نحوا من عشر سنين. توفي في جمادى الأولى. وبويع لابنه المتوكل على الله حمزة بعهد من أبيه.

ومات بدمشق الزاهد عبد النور بن علي المغربي المكناسي المالكي المقرئ الصوفي. حدث ببعض الصحيح عن ست الوزراء، وخطب بالشامية أياما، وكان عبدا صالحا زاهدا متعبدا. توفي في جمادى الأولى.

وفي تاسع جمادى الأولى ولي قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الحسين الكفري قضاء الحنفية عوضا عن والده، واستناب القاضي بدر الدين الجواشني، والقاضي شمس الدين بن منصور.

وفي رجب أفرج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية فأخرج الأمير سيف الدين بيدمر إلى صفد، وسيف الدين أسندمر إلى طرابلس، ومنجك إلى أرض الحجاز، وجبريل إلى حماة، وكذلك أفرج عن الأمراء المعتقلين بقلعة دمشق.

وفيه مات بالصالحية القاضي الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي عن إحدى وخمسين سنة. أفتى، ودرس، وناظر، وصنف، وأفاد، وناب في الحكم عن حموه قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، فشكرت سيرته وأحكامه. وكان ذا حظ من زهد، وتعفف، وصيانة، وورع ثخين، ودين متين. حدث عن عيسى المطعم وغيره.

وفي يوم الاثنين خامس شعبان، عزل عن نيابة دمشق المقر العالي أمير علي المارديني، وعزل عن قضائها سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي كلاهما في مجلس واحد.

وولي نيابة الشام الأمير سيف الدين قشتمر نائب السلطنة بمصر، كان، فدخل دمشق يوم السبت مستهل رمضان، وأحضر سيدنا الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين السبكي وألزم بقضاء الشام عوضا عن أخيه، وطلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي أيده الله تعالى إلى الأبواب الشريفة على البريد على وظائف أخيه الشيخ بهاء الدين، وهي تدريس الشافعي والخطابة والميعاد بالجامع الطولوني، وتدريس الشيخونية، وفتيا دار العدل، مضافا إلى ما بيده بدمشق من التداريس التي لا تتعلق بالقضاء وهي، تدريس الشامية البرانية، والعذراوية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، فأقام بمصر على هذا الحكم، واستناب بمدارسه التي في دمشق بإذن السلطان له في ذلك. وقدم أخوه سيدنا الشيخ بهاء الدين المذكور إلى دمشق فدخلها آخر نهار الثلاثاء رابع شهر رمضان ونزل بالمدرسة الركنية، واستمر على القضاء وتدريس الغزالية، والعادلية، ونظر الأوقاف.

وفي رمضان توفي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن القماح الشافعي شابا لم يبلغ الأربعين. كان متضلعا بالعلوم، من دينة الفقهاء.

وفي ذي القعدة تعرضت الفرنج المتحرمون إلى بعض السواحل، فقبض على كبارهم بدمشق، واعتقلوا، وختم على حواصلهم.

وفيه ثارت العربان بالأطراف وقطعوا السبل، فقدم الأمير صولة ابن ملك العرب جبار بن مهنا بالقود من جهة أبيه على العادة، فاعتقل بقلعة دمشق، فزاد الشر وكثر الفساد، وأخذت التجار والبريدية نهارا، فجهزت إليهم العساكر الشامية فخرجوا في رابع ذي الحجة مع النائب الأمير سيف الدين قشتمر فتسحب بعدهم بليلتين صولة المذكور من برج الطارمة بمن معه من جماعته، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، فأرسل في أثرهم فلم يوقع لهم خبر، ورجع العسكر إلى دمشق ولم يكن بينهم وبين العرب قتال.

ولما بلغ الأمير سيف الدين يلبغا ذلك، تنمر على نائب القلعة الأمير زين الدين فعزله وأمر بضربه فضرب بدار السعادة، واستقر على نيابة القلعة الأمير سيف الدين بهادر العلائي، وسمر من كان مترسما على صولة من القلعية وأشهروا على جمال.

ومات القاضي الإمام العالم الصدر الرئيس الكامل قاضي العساكر الحلبية ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب الحلبي ثم الدمشقي الشافعي. ولد بحلب، وسمع ابن النصيبي وغيره، ودرس وولي كتابة السر بحلب، ثم نقل إلى دمشق، فولي كتابة السر بها، ومشيخة الشيوخ، ودرس بالناصرية والشامية الجوانية، ثم صرف عن ذلك بشيخنا القاضي أمين الدين بن القلانسي، وأعيد إلى حلب على كتابة السر بها، ثم عاد في العام الماضي إلى دمشق على جهاته، وكان دينا، فاضلا، عفيفا، نزها، عديم الشر، تام العقل. توفي في ذي القعدة. وتولى بعده تدريس الناصرية سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين أبو حامد السبكي، وتدريس الشامية الجوانية قاضي القضاة بدر الدين السبكي.

ومات الأمير الكبير أتابك الجيوش الإسلامية سيف الدين طاز بن عبد الله الناصري أحد الشجعان والأبطال وأكبر أمراء الدولة في سنة خمسين وما بعدها، ولما حج بيبغاروس نائب مصر في أيام الناصر حسن سنة إحدى وخمسين، أردفوه بالأمير سيف الدين طاز، فساس الأمر وتلطف بالأمير يلبغا غاية التلطف، ولما وقعت الفتنة بمنى ذلك العام، قبض على الملك المجاهد صاحب اليمن، وعلى رميثة صاحب مكة، وعلى طفيل صاحب المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقدم بالجميع إلى مصر من غير تكلف حتى وطئوا بساط السلطان.

ثم ولي نيابة حلب في سنة خمس وخمسين كما تقدم، ثم عزل واعتقل بالكرك، ثم أحضره السلطان إلى القاهرة فكحله واعتقله بالإسكندرية، ثم أخرج إلى القدس الشريف فأقام أياما ثم حضر إلى دمشق فمات بها في العشرين من ذي الحجة.

وفي هذا العام نقض أهل ملطية وثاروا على نائبهم فخرج إلى حلب وجهز إليهم عسكرا.

سنة أربع وستين وسبعمائة

وفي صفر منها، طلب سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام بهاء الدين السبكي إلى مصر على البريد، وأعيد إلى وظائف الشيخونية، والشافعي، والجامع الطولوني، وفتيا دار العدل. وسئل سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي - فسح الله في مدته - في العود إلى قضاء الشام على عادته فلم يجب، حتى روجع في ذلك مرات فعاد بحمد الله تعالى إلى دمشق قاضيا على عادته، ودخلها بكرة يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر، فقرت برؤية وجهه العيون، وسر بقدومه الناس أجمعون. وكان يوم دخوله إلى دمشق كالعيد لأهلها، وقد كان أيده الله تعالى في مدة إقامته بمصر على حال شهيرة من التعظيم والتبجيل، يعتقده الخاص والعام، ويتبرك بمجالسته ذوو السيوف والأقلام، ويزدحم طلبة فنون العلم على أبوابه، وتمسح العامة وجوهها بأهداب أثوابه، ويقتدي المتنسكون بما يرونه من آدابه. فالله يمتع ببقائه أهل المصرين، ويجمع له ولمواليه خير الدارين بمحمد وآله.

وفي خامس عشر شعبان، خلع السلطان الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وولي عوضه الملك الأشرف شعبان ابن الأمير حسين بن الناصر محمد بن قلاوون.

وفي شهر ربيع الأول توفي الأمير حسين ولد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو آخر من بقي من أولاده الذكور لصلبه.

وفي يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر توفي بدمشق بالعادلية الكبرى القاضي قطب الدين محمد بن عبد المحسن بن حمدان السبكي الشافعي قاضي حمص. مولده سنة ست وثمانين وستمائة. وسمع الحديث في سنة أربع وسبعمائة. وبعدها سمع بالقاهرة من الشيخ علي بن محمد بن هارون التغلبي، وأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الحبوبي وغيرهما. وسمع بمكة من الشيخ عز الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الشيخ أبي عمر، وشهاب الدين أحمد بن الشجاع عبد الرحمن الصرخدي. وحدث فسمع منه سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي وروى عنه وهو حي. وسمع منه جماعة آخرون. وكان قد حضر إلى الشام في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فولاه الشيخ الإمام قضاء حمص، وتدريس النورية، والمجاهدية، والخطابة بها، فاستمر بها نائبا عن الشيخ الإمام، ثم عن ولده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أيده الله، وهكذا إلى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فنقله سيدنا قاضي القضاة تاج الدين باختياره إلى قضاء بعلبك، وتدريس النورية بها، فأقام بها على ذلك نحو شهرين، ثم أعاده إلى حمص على عادته المتقدمة فأقام بها إلى صفر من هذه السنة، ثم خرج منها ودخل دمشق لتلقي سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين السبكي فسح الله في مدته، فعرض له مرض وعزل نفسه عن القضاء، واستمر على تدريس النورية وحدها. وأقام مريضا إلى أن توفي في التاريخ المذكور رحمه الله. وكان رجلا صالحا، كثير التلاوة للقرآن، حسن الحفظ له، يختم في اليوم والليلة، وكان ينقل مذهب الشافعي جيدا، وكان معروفا باستحضار الحاوي الكبير للماوردي، ولا يدري من العلوم شيئا سوى الفقه. تفقه على الشيخ صدر الدين السبكي، ولازم حلقة الشيخ الإمام بعد العشر وسبعمائة.

وتوفي بدمشق شيخنا بدر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمود بن أبي القاسم ابن الزقاق المغربي الأصل، الدمشقي المولد، والمنشأ، والدار والمعهد. الكاتب، الرئيس، المسند، المكثر، الشهير بابن الجوخي، وكانت وفاته في الحادي عشر من رمضان عن بضع وثمانين سنة. ونعم الرجل كان.

وفي شوال، صرف الأمير سيف الدين قشتمر الناصري عن نيابة الشام وأقر على نيابة صفد. وولي عوضه نيابة دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الناصري، فتوجه من حلب إليها، ودخلها يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة.

وفيه صرف القاضي جمال الدين بن الأثير عن كتابة السر بدمشق وعن مشيخة الشيوخ بها، وتوجه القاضي فتح الدين محمد بن إبراهيم بن الشهيد إلى القاهرة وتولى الوظيفتين المذكورتين عوضا عن المذكور. وعاد إلى دمشق وكان دخوله إليها في يوم الثلاثاء الثاني من ذي الحجة.

وفي هذا العام وقع الطاعون العام وكان ابتداء وقوعه بدمشق في شعبان.

وتوفي بالقاهرة القاضي شهاب الدين أحمد بن يس بن محمد الرباحي المالكي قاضي حلب.

وبالقدس شيخنا الزاهد القدوة المعمر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، ابن أخي قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة. وكان ذا حظ من الخير جاور بالمساجد الثلاثة المشرفة مدة. وكانت وفاته في ذي الحجة بعد أن ثقل سمعه.

وبدمشق الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله البعلبكي الشافعي، المقرئ المجود، النحوي المتقن شيخ وظيفة الإقراء بتربة أم الصالح وبالأشرفية، ومدرس القليجية والعادلية الصغرى. وولي بعده التدريس بالعادلية الشيخ جمال الدين محمد بن الحسن الحارثي ابن قاضي الزبداني. وولي تدريس القليجية الشيخ شهاب الدين أحمد بن الزهري. وولي أم الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان المقرئ، وولي التربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار. وكان مولد المذكور ببعلبك في سنة ثمان وتسعين وستمائة. وانتقل إلى دمشق، فاشتغل بالعلم وتلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الحسين بن سليمان الكفري الحنفي، وأخذ عن الشيخ مجد الدين التونسي. وناب في الحكم لقاضي القضاة شهاب الدين بن المجد. وسمع من الشيخ شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي، وعلاء الدين علي بن إبراهيم بن داوود بن العطار وغيرهما. وباشر وظيفة إفتاء دار العدل بدمشق مدة، وخلفه فيها صهره شهاب الدين أحمد بن الزهري المتقدم ذكره، وكان موته في رمضان.

وشيخنا القاضي الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الألبكي الشافعي. كاتب السر بمدينة حلب، ثم وكيل بيت المال بدمشق. سمع من يونس الدبابيسي وجماعة. وروى بدمشق وحلب، وألف كتبا كثيرة في عدة فنون. وكان من بقايا الرؤساء الأخيار. وولي الوكالة بعده الشيخ جمال الدين أحمد بن الرهاوي الشافعي، وكانت وفاته ليلة العاشر من شوال. ومولده تقريبا في سنة ست وتسعين وستمائة.

والأمير صلاح الدين خليل بن خاص ترك الناصري أحد أمراء الحلقة الشامية بدمشق، وكانت وفاته يوم الاثنين سلخ ذي الحجة. وكان راغبا في أهل العلم، محبا لكتبه، جامعا لها.

والصاحب تقي الدين سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي، الرئيس الأمين، ناظر الجامع الأموي. وكان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وباشر كثيرا من الجهات الديوانية. وحدث عن أقش الشبلي وولي نظر الجامع بعده القاضي علاء الدين علي بن عثمان بن شمر نوح الشافعي. وكانت وفاته ظاهر دمشق.

وشيخنا الإمام العلامة الزاهد القدوة بهاء الدين أبو الأزر هارون، الشهير بعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد المولى الإخميمي المراغي المصري، ثم الدمشقي الشافعي. وكان بارعا في المعقولات، تخرج بالشيخ علاء الدين القونوي، وروى لنا عن يونس بن إبراهيم الدبابيسي. وألف أشياء منها الكتاب المنقذ من الزلل في القول والعمل، وكان يؤم بمسجد درب الحجر، ودفن بزاوية ابن السراج، بالصاغة العتيقة داخل دمشق بالقرب من سكنه، رحمه الله.

وشيخنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن صالح بن العرضي الدمشقي التاجر المسند الخير. روى لنا عن ابن البخاري، وابن الزين، وابن المجاور، وزينب بنت مكي، وغيرهم. وحدث بجميع المسند للإمام أحمد بن حنبل. وكانت وفاته في شوال بالإسكندرية عن خمس وثمانين سنة.

والقاضي أمين الدين محمد، بن عبد العزيز بن عبد الرحيم بن علي السلمي المسلاتي المالكي المكنى أبا حيان. وكان في أول أمره شافعي المذهب ثم صار مالكيا. وناب في الحكم عن عمه سيدنا قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الرحيم المسلاتي. وسمع معنا بدمشق ومصر من جماعة كثيرين. وكان من القضاة المشكورين، كثير التواضع، حسن السيرة. وكانت وفاته بجديا من غوطة دمشق. وحمل منها ودفن بخارج باب الصغير بدمشق رحمه الله. وذلك يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال. وباشر نيابة الحكم بعده القاضي أمين الدين محمد بن علي الأنفي المالكي.

والأمير ناصر الدين محمد بن صلاح الدين عبد الله بن عبد الوهاب بن فضل الله العمري. أحد الجلة من أمراء دمشق. باشر شد الأوقاف بها مدة. وروى عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وجماعة. وخرجت له مشيخة وقرأها عليه مخرجها فلم يقدر لي السماع منه. وكان مشكورا، موصوفا بالخير. وكانت وفاته بأدنة من أعمال أنطرسوس في ذي القعدة.

والخطيب الإمام العلامة القدوة جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم ابن جملة المحجي الأصل الدمشقي الشافعي أحد الأعيان. تفقه بعمه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جملة. وروى عن جماعة. ومن شيوخه القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة الحنبلي. وناب عنه في الحكم يوما واحدا. ودرس بالظاهرية البرانية، وأعاد بعدة مدارس، وأفتى وشغل وألف كتبا كثيرة. وكان ملازما لبيته، مشتغلا بما يعنيه، محبا للفقراء، دينا، صينا. وباشر خطابة الجامع الأموي بعد الشيخ تاج الدين عبد الرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني. وكانت وفاته في العشرين من رمضان. وولي الخطابة بعده سيدنا قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن السبكي أمتع الله به. وكان مولد الخطيب جمال الدين في سنة سبع وسبعمائة. وكانت جنازته مشهودة.

والأصولي الإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن الإسنائي الشافعي، أخو شيخنا العلامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنائي. وكان ينوب في الحكم بالصالحية من القاهرة، وكانت وفاته في شهر رجب.

وصلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الداراني الأصل، الدمشقي، الكتبي، الصوفي، الخازن، المؤرخ. روى عن الحجار وغيره. وجمع تواريخ وغيرها. وخلف جملة كثيرة. وكان في أول أمره فقيرا مدقعا. وكانت وفاته في رمضان، ودفن خارج باب الصغير ظاهر دمشق.

والصاحب جلال الدين أبو القاسم ابن الأجل الحلبي الأصل. وكان قد باشر عدة من الوظائف الديوانية. وكان عنده تواضع ومحبة لأهل الخير. توفي بالقاهرة.

والشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز الحنفي الشهير بابن الربوة، مدرس المقدمية بدمشق، وخطيب جامع يلبغا ظاهر دمشق. وكان فقيها، مفتيا، ذا مروءة. وولي خطابة الجامع المذكور بعد سيدنا قاضي القضاة جمال الدين يوسف ابن شيخنا قاضي القضاة شرف الدين أحمد الكفري الحنفي.

والصدر الرئيس علاء الدين علي بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي. أحد الموقعين بدمشق. وكان شابا، ساكنا، متواضعا.

والصدر شمس الدين عبد الرحمن بن عز الدين محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي الحنبلي. روى لنا عن القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وعيسى المطعم وأبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم، وغيرهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7وج8.كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم{والاخير}

ج7وج8 .كتاب الإحكام في أصول القرآن ابن حزم   ...